الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٧

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 419

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 419
المشاهدات: 161664
تحميل: 5473


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161664 / تحميل: 5473
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 17

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

( سورة فاطر مكّيّة و هي خمس و أربعون آية)

( سورة فاطر آية 1)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ  يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ  إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 1 )

( بيان)

غرض السورة بيان الاُصول الثلاثة: وحدانيّته تعالى في ربوبيّته و رسالة الرسول و المعاد إليه و تقرير الحجّة لذلك و قد توسّل لذلك بعدّ جمل من نعمه العظيمة السماويّة و الأرضيّة و الإشارة إلى تدبيره المتقن لأمر العالم عامّة و الإنسان خاصّة.

و قد قدّم على هذا التفصيل الإشارة الإجماليّة إلى انحصار فتح الرحمة و إمساكها و هو إفاضة النعمة و الكفّ عنها فيه تعالى بقوله:( ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ) الآية.

و قدّم على ذلك الإشارة إلى وسائط هذه الرحمة المفتوحة و النعم الموهوبة و هم الملائكة المتوسّطون بينه تعالى و بين خلقه في حمل أنواع النعم من عنده تعالى و إيصالها إلى خلقه فافتتح السورة بذكرهم.

و السورة مكّيّة كما يدلّ عليه سياق آياتها، و قد استثنى بعضهم آيتين و هما قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ ) الآية و قوله:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ) الآية و هو غير ظاهر من سياق الآيتين.

٢

قوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) الفطر - على ما ذكره الراغب - هو الشقّ طولاً فإطلاق الفاطر عليه تعالى بعناية استعاريّة كأنّه شقّ العدم فأخرج من بطنها السماوات و الأرض فمحصّل معناه أنّه موجد السماوات و الأرض إيجاداً ابتدائيّاً من غير مثال سابق، فيقرب معناه من معنى البديع و المبدع و الفرق بين الإبداع و الفطر أنّ العناية في الإبداع متعلّقة بنفي المثال السابق و في الفطر بطرد العدم و إيجاد الشي‏ء من رأس لا كالصانع الّذي يؤلّف مواد مختلفة فيظهر به صورة جديدة لم تكن.

و المراد بالسماوات و الأرض مجموع العالم المشهود فيشملهما و ما فيهما من مخلوق فيكون من قبيل إطلاق معظم الأجزاء و إرادة الكلّ مجازاً، أو المراد نفس السماوات و الأرض اعتناء بشأنهما لكبر خلقتهما و عجيب أمرهما كما قال:( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) المؤمن: 57.

و كيف كان فقوله:( فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) من أسمائه تعالى اُجري صفة لله و المراد بالوصف الاستمرار دون الماضي فقط لأنّ الإيجاد مستمرّ و فيض الوجود غير منقطع و لو انقطع لانعدمت الأشياء.

و الإتيان بالوصف بعد الوصف للإشعار بأسباب انحصار الحمد فيه تعالى كأنّه قيل: الحمد لله على ما أوجد السماوات و الأرض و على ما جعل الملائكة رسلاً اُولي أجنحة فهو تعالى محمود ما أتى فيما أتى إلّا الجميل.

قوله تعالى: ( جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ) الملائكة جمع ملك بفتح اللام و هم موجودات خلقهم الله و جعلهم وسائط بينه و بين العالم المشهود وكّلهم باُمور العالم التكوينيّة و التشريعيّة عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون.

فقوله تعالى:( جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا ) يشعر بل يدلّ على كون جميع الملائكة - و الملائكة جمع محلّى باللام مفيد للعموم - رسلاً وسائط بينه و بين خلقه في إجراء أوامره التكوينيّة و التشريعيّة.

٣

و لا موجب لتخصيص الرسل في الآية بالملائكة النازلين على الأنبياءعليهم‌السلام و قد أطلق القرآن الرسل على غيرهم من الملائكة كقوله تعالى:( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) الأنعام: 61، و قوله:( إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ ) يونس: 21، و قوله:( وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى‏ قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ ) العنكبوت: 31.

و الأجنحة جمع جناح و هو من الطائر بمنزلة اليد من الإنسان يتوسّل به إلى الصعود إلى الجوّ و النزول منه و الانتقال من مكان إلى مكان بالطيران.

فوجود الملك مجهّز بما يفعل به نظير ما يفعله الطائر بجناحه فينتقل به من السماء إلى الأرض بأمر الله و يعرج به منها إليها و من أيّ موضع إلى أيّ موضع، و قد سمّاه القرآن جناحاً و لا يستوجب ذلك إلّا ترتّب الغاية المطلوبة من الجناح عليه و أمّا كونه من سنخ جناح غالب الطير ذا ريش و زغب فلا يستوجبه مجرّد إطلاق اللفظ كما لم يستوجبه في نظائره كألفاظ العرش و الكرسيّ و اللوح و القلم و غيرها.

و قوله:( أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ) صفة للملائكة، و مثنى و ثلاث و رباع ألفاظ دالّة على تكرّر العدد أي اثنين اثنين و ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة كأنّه قيل: جعل الملائكة بعضهم ذا جناحين و بعضهم ذا ثلاثة أجنحة و بعضهم ذا أربعة أجنحة.

و قوله:( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) لا يخلو من إشعار بحسب السياق بأنّ منهم من يزيد أجنحته على أربعة.

و قوله:( إِنَّ اللهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) تعليل لجميع ما تقدّمه أو الجملة الأخيرة و الأوّل أظهر.

( بحث روائي)

في البحار، عن الإختصاص بإسناده عن المعلّى بن محمّد رفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ الله عزّوجلّ خلق الملائكة من نور، الخبر.

و في تفسير القمّيّ، قال الصادقعليه‌السلام : خلق الله الملائكة مختلفة و قد أتى رسول

٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل و له ستّمائة جناح على ساقه الدرّ مثل القطر على البقل قد ملأ ما بين السماء و الأرض و قال إذا أمر الله عزّوجلّ ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله في السماء السابعة و الاُخرى في الأرض السابعة، و إنّ لله ملائكة أنصافهم من برد و أنصافهم من نار يقولون: يا مؤلّفاً بين البرد و النار ثبّت قلوبنا على طاعتك.

و قال: إنّ لله ملكاً بعد ما بين شحمة اُذنه إلى عينه مسيرة خمس مائة عام بخفقان الطير.

و قال: إنّ الملائكة لا يأكلون و لا يشربون و لا ينكحون و إنّما يعيشون بنسيم العرش، و إنّ لله عزّوجلّ ملائكة ركّعاً إلى يوم القيامة و إنّ لله عزّوجلّ ملائكة سجّداً إلى يوم القيامة.

ثمّ قال أبوعبداللهعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من شي‏ء ممّا خلق الله عزّوجلّ أكثر من الملائكة و إنّه ليهبط في كلّ يوم أو في كلّ ليلة سبعون ألف ملك، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثمّ يأتون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ يأتون أميرالمؤمنينعليه‌السلام فيسلّمون ثمّ يأتون الحسينعليه‌السلام فيقيمون عنده فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثمّ لا يعودون أبداً.

و قال أبوجعفرعليه‌السلام : إنّ الله عزّوجلّ خلق إسرافيل و جبرائيل و ميكائيل من تسبيحة واحدة، و جعل لهم السمع و البصر و جودة العقل و سرعة الفهم.

و قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام في خلقة الملائكة: و ملائكة خلقتهم و أسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة، و لا عندهم غفلة، و لا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك و أخوف خلقك منك، و أقرب خلقك منك، و أعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون و لا سهو العقول، و لا فترة الأبدان لم يسكنوا الأصلاب، و لم تضمّهم الأرحام، و لم تخلقهم من ماء مهين أنشأتهم إنشاء فأسكنتهم سماواتك و أكرمتهم بجوارك، و ائتمنتهم على وحيك، و جنّبتهم الآفات، و وقيتهم البليّات، و طهّرتهم من الذنوب، و لو لا قوّتك لم تقووا، و لو لا تثبيتك لم يثبتوا، و لو لا رحمتك لم يطيعوا، و لو لا أنت لم يكونوا.

٥

أمّا إنّهم على مكانتهم منك و طاعتهم إيّاك و منزلتهم عندك و قلّة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم، و لآزروا على أنفسهم، و لعلموا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك سبحانك خالقاً و معبوداً ما أحسن بلاءك عند خلقك.

و في البحار، عن الدرّ المنثور، عن أبي العلاء بن سعد: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً لجلسائه: أطّت السماء و حقّ لها أن تئطّ ليس منها موضع قدم إلّا عليه ملك راكع أو ساجد. ثمّ قرأ( وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) .

و عن الخصال، بإسناده عن محمّد بن طلحة يرفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: الملائكة على ثلاثة أجزاء فجزء لهم جناحان و جزء لهم ثلاثة أجنحة و جزء لهم أربعة أجنحة.

أقول: و رواه في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن طلحة مثله‏، و لعلّ المراد به وصف أغلب الملائكة حتّى لا يعارض سياق الآية و الروايات الاُخر.

و عن التوحيد، بإسناده عن أبي حيّان التيميّ عن أبيه عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: ليس أحد من الناس إلّا و معه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردىّ في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء فإذا حان أجله خلّوا بينه و بين ما يصيبه‏ - الخبر.

و عن البصائر، عن السيّاريّ عن عبدالله بن أبي عبدالله الفارسيّ و غيره رفعوه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ الكروبيّين قوم من شيعتنا من الخلق الأوّل جعلهم الله خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم. ثمّ قال: إنّ موسىعليه‌السلام لمّا أن سأل ربّه ما سأل أمر واحداً من الكروبيّين فتجلّى للجبل فجعله دكا.

و عن الصحيفة السجّاديّة، و كان من دعائه على حملة العرش و كلّ ملك مقرّب: اللّهمّ و حملة عرشك الّذين لا يفترون من تسبيحك، و لا يسأمون من تقديسك، و لا يستحسرون عن عبادتك، و لا يؤثرون التقصير على الجدّ في أمرك، و لا يغفلون عن الوله إليك، و إسرافيل صاحب الصور الشاخص الّذي ينتظر منك الإذن و حلول الأمر فينبّه بالنفخة صرعى رهائن القبور، و ميكائيل ذو الجاه عندك و المكان الرفيع من طاعتك و جبريل الأمين على وحيك المطاع في سماواتك المكين لديك المقرّب عندك، و الروح الّذي هو على ملائكة الحجب و الروح الّذي هو من أمرك.

٦

اللّهمّ فصلّ عليهم و على الملائكة الّذين من دونهم من سكّان سماواتك و أهل الأمانة على رسالاتك، و الّذين لا يدخلهم سأمة من دؤب و لا إعياء من لغوب و لا فتور و لا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات و لا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات، الخشّع الأبصار فلا يرومون النظر إليك، النواكس الأذقان الّذين قد طالت رغبتهم فيما لديك المستهترون بذكر آلائك و المتواضعون دون عظمتك و جلال كبريائك، و الّذين يقولون إذا نظروا إلى جهنّم تزفر على أهل معصيتك: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك.

فصلّ عليهم و على الروحانيّين من ملائكتك و أهل الزلفة عندك و حمّال الغيب إلى رسلك و المؤتمنين على وحيك و قبائل الملائكة الّذين اختصصتهم لنفسك و أغنيتهم عن الطعام و الشراب بتقديسك و أسكنتهم بطون أطباق سماواتك، و الّذين هم على أرجائها إذا نزل الأمر بتمام وعدك.

و خزّان المطر و زواجر السحاب و الّذي بصوت زجره يُسمَع زجل الرعود، و إذا سبحت به حفيفة السحاب التمعت صواعق البروق، و مشيّعي الثلج و البرد و الهابطين مع قطر المطر إذا نزل، و القوّام على خزائن الرياح، و الموكّلين بالجبال فلا تزول، و الّذين عرّفتهم مثاقيل المياه و كيل ما يحويه لواعج الأمطار و عوالجها و رسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ما ينزل من البلاء و محبوب الرخاء.

و السفرة الكرام البررة و الحفظة الكرام الكاتبين، و ملك الموت و أعوانه، و منكر و نكير، و مبشّر و بشير، و رؤمان فتّان القبور، و الطائفين بالبيت المعمور، و مالك و الخزنة، و رضوان و سدنة الجنان، و الّذين لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون، و الّذين يقولون: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، و الزبانية الّذين إذا قيل لهم:( خذوه فغلّوه ثمّ الجحيم صلّوه) ابتدروه سراعاً و لم ينظروه، و من اُلهمنا ذكره و لم نعلم مكانه منه و بأيّ أمر وكلته، و سكان الهواء و الأرض و الماء، و من منهم على الخلق.

فصلّ عليهم يوم تأتي كلّ نفس معها سائق و شهيد و صلّ عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم و طهارة على طهارتهم. الدعاء.

٧

و في البحار، عن الدرّ المنثور، عن ابن شهاب: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل جبرئيل أن يتراءى له في صورته فقال جبرئيل: إنّك لن تطيق ذلك. قال: إنّي اُحب ذلك فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المصلّى في ليلة مقمرة فأتاه جبرئيل في صورته فغشي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رآه ثمّ أفاق و جبرئيل مسنده و واضع إحدى يديه على صدره و الاُخرى بين كتفيه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت أرى أنّ شيئاً ممّن يخلق هكذا فقال جبرئيل: فكيف لو رأيت إسرافيل إنّ له لاثني عشر جناحاً جناح في المشرق و جناح في المغرب و إنّ العرش على كاهله، و إنّه ليتضأل الأحيان لعظمة الله حتّى يصير مثل الوصع(1) حتّى ما يحمل عرشه إلّا عظمته.

و في الصافي، عن التوحيد، بإسناده عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام في حديث قال: و قوله في آخر الآيات:( ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى‏ ) رأى جبرئيل في صورته مرّتين هذه المرّة و مرّة اُخرى و ذلك أنّ خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيّين الّذين لا يدرك خلقهم و صفتهم إلّا الله.

و عن الخصال، بإسناده عن محمّد بن مروان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ جبرئيل أتاني فقال: إنّا معشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب و لا تمثال جسد و لا إناء يبال فيه.

أقول: و هناك روايات اُخرى في صفة الملائكة فوق حدّ الإحصاء واردة في باب المعاد و معراج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أبواب متفرّقة اُخرى، و فيما أوردناه اُنموذج كاف في ذلك.

و في العيون، في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار المجموعة بإسناده عنهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حسّنوا القرآن بأصواتكم فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً، و قرأ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) .

و في التوحيد، بإسناده عن زرارة عن عبدالله بن سليمان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ القضاء و القدر خلقان من خلق الله يزيد في الخلق ما يشاء.

____________________

(1) بفتح الصاد و سكونها طائر أصفر من العصفور.

٨

و في المجمع في قوله تعالى:( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) روى أبوهريرة عن النبيّ‏صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: هو الوجه الحسن و الصوت الحسن و الشعر الحسن.

أقول: و الروايات الثلاث الأخيرة من قبيل الجري و الانطباق.

( كلام في الملائكة)

تكرّر ذكر الملائكة في القرآن الكريم و لم يذكر منهم بالتسمية إلّا جبريل و ميكال و ما عداهما مذكور بالوصف كملك الموت و الكرام الكاتبين و السفرة الكرام البررة و الرقيب و العتيد و غير ذلك.

و الّذي ذكره الله سبحانه في كلامه - و تشايعه الأحاديث السابقة - من صفاتهم و أعمالهم هو أوّلاً: أنّهم موجودات مكرمون هم وسائط بينه تعالى و بين العالم المشهود فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة إلّا و للملائكة فيها شأن و عليها ملك موكّل أو ملائكة موكّلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات و ليس لهم في ذلك شأن إلّا إجراء الأمر الإلهيّ في مجراه أو تقريره في مستقرّه كما قال تعالى:( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: 27.

و ثانيا: أنّهم لا يعصون الله فيما أمرهم به فليست لهم نفسيّة مستقلّة ذات إرادة مستقلّة تريد شيئاً غير ما أراد الله سبحانه فلا يستقلّون بعمل و لا يغيّرون أمراً حمّلهم الله إيّاه بتحريف أو زيادة أو نقصان قال تعالى:( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) التحريم: 6.

و ثالثاً: أنّ الملائكة على كثرتهم على مراتب مختلفة علوّاً و دنوّاً فبعضهم فوق بعض و بعضهم دون بعض فمنهم آمر مطاع و منهم مأمور مطيع لأمره، و الآمر منهم آمر بأمر الله حامل له إلى المأمور و المأمور مأمور بأمر الله مطيع له، فليس لهم من أنفسهم شي‏ء البتّة قال تعالى:( وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) الصافّات: 164 و قال:( مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) التكوير: 21، و قال:( قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ ) سبأ: 23.

٩

و رابعاً: أنّهم غير مغلوبين لأنّهم إنّما يعملون بأمر الله و إرادته( وَ ما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ) فاطر: 44، و قد قال الله:( وَ اللهُ غالِبٌ عَلى‏ أَمْرِهِ ) يوسف: 21، و قال:( إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) الطلاق: 3.

و من هنا يظهر أنّ الملائكة موجودات منزّهة في وجودهم عن المادّة الجسمانيّة الّتي هي في معرض الزوال و الفساد و التغيّر و من شأنها الاستكمال التدريجيّ الّذي تتوجّه به إلى غايتها، و ربّما صادفت الموانع و الآفات فحرمت الغاية و بطلت دون البلوغ إليها.

و من هنا يظهر أنّ ما ورد في الروايات من صور الملائكة و أشكالهم و هيئاتهم الجسمانيّة كما تقدّم نبذة منها في البحث الروائيّ السابق إنّما هو بيان تمثّلاتهم و ظهوراتهم للواصفين من الأنبياء و الأئمّةعليهم‌السلام ، و ليس من التصوّر و التشكّل في شي‏ء ففرق بين التمثّل و التشكّل فتمثّل الملك إنساناً هو ظهوره لمن يشاهده في صورة الإنسان فهو في ظرف المشاهدة و الإدراك ذو صورة الإنسان و شكله و في نفسه و الخارج من ظرف الإدراك ملك ذو صورة ملكية و هذا بخلاف التشكّل و التصوّر فإنّه لو تشكّل بشكل الإنسان و تصوّر بصورته صار إنساناً في نفسه من غير فرق بين ظرف الإدراك و الخارج عنه فهو إنسان في العين و الذهن معاً، و قد تقدّم كلام في معنى التمثّل في تفسير سورة مريم.

و لقد صدّق الله سبحانه ما تقدّم من معنى التمثّل في قوله في قصّة المسيح و مريم:( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا ) مريم: 17 و قد تقدّم تفسيره.

و أمّا ما شاع في الألسن أنّ الملك جسم لطيف يتشكّل بأشكال مختلفة إلّا الكلب و الخنزير، و الجنّ جسم لطيف يتشكّل بأشكال مختلفة حتّى الكلب و الخنزير فممّا لا دليل عليه من عقل و لا نقل من كتاب أو سنّة معتبرة، و أمّا ما ادّعاه بعضهم من إجماع المسلمين على ذلك فمضافاً إلى منعه لا دليل على حجّيّته في أمثال هذه المسائل الاعتقاديّة.

١٠

( سورة فاطر الآيات 2 - 8)

مَّا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا  وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 2 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ  هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ  لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ( 3 ) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ  وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ( 4 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ  فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا  وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ( 5 ) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا  إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 6 ) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ( 7 ) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا  فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ  فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ  إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ( 8 )

( بيان)

لمّا أشار إلى الملائكة و هم وسائط في وصول النعم إلى الخليقة أشار إلى نفس النعم إشارة كلّيّة فذكر أنّ عامّة النعم من الله سبحانه لا غير فهو الرازق لا يشاركه فيه أحد، ثمّ احتجّ بالرازقيّة على الربوبيّة ثمّ على المعاد و أنّ وعده تعالى بالبعث و عذاب الكافرين و مغفرة المؤمنين الصالحين حقّ، و في الآيات تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) إلخ المعنى أنّ ما يؤتيه الله الناس من النعمة و هو الرزق فلا مانع عنه

١١

و ما يمنع فلا مؤتي له فكان مقتضى الظاهر أن يقال: ما يرسل الله للناس إلخ. كما عبّر في الجملة الثانية بالإرسال لكنّه عدل عن الإرسال إلى الفتح لما وقع مكرّراً في كلامه أنّ لرحمته خزائن كقوله:( أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ) ص: 9 و قوله:( قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ ) الإسراء: 100 و التعبير بالفتح أنسب من الإرسال في الخزائن ففيه إشارة إلى أنّ الرحمة الّتي يؤتاها الناس مخزونة في خزائن محيطة بالناس لا يتوقّف نيلهم منها إلّا إلى فتحها من غير مؤنة زائدة.

و قد عبّر عن الرزق الّذي هو النعمة بالرحمة للدلالة على أنّ إفاضته تعالى لهذه النعم ناشئة من مجرّد الرحمة من غير توقّع لنفع يعود إليه أو كمال يستكمل به.

و قوله:( وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) أي و ما يمنع من الرحمة فلا مرسل له من دونه، و في التعبير بقوله:( مِنْ بَعْدِهِ ) إشارة إلى أنّه تعالى أوّل في المنع كما أنّه أوّل في الإعطاء.

و قوله:( وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) تقرير للحكم المذكور في الآية الكريمة بالاسمين الكريمين فهو تعالى لكونه عزيزاً لا يغلب إذا أعطى فليس لمانع أن يمنع عنه و إذا منع فليس لمعط أن يعطيه، و هو تعالى حكيم إذا أعطى أعطى عن حكمة و مصلحة و إذا منع منع عن حكمة و مصلحة و بالجملة لا معطي إلّا الله و لا مانع إلّا هو، و منعه و إعطائه عن حكمة.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ) إلخ. لمّا قرّر في الآية السابقة أنّ الإعطاء و المنع لله سبحانه لا يشاركه في ذلك أحد احتجّ في هذه الآية بذلك على توحّده في الربوبيّة.

و تقرير الحجّة أنّ الإله إنّما يكون إلهاً معبوداً لربوبيّته و هي ملكة تدبير أمر الناس و غيرهم، و الّذي يملك تدبير الأمر بهذه النعم الّتي يتقلّب فيها الناس و غيرهم و يرتزقون بها هو الله سبحانه دون غيره من الآلهة الّتي اتّخذوها لأنّه سبحانه هو الّذي خلقها دونهم و الخلق لا ينفك عن التدبير و لا يفارقه فهو سبحانه إلهكم لا إله إلّا هو

١٢

لأنّه ربّكم الّذي يدبّر أمركم بهذه النعم الّتي تتقلّبون فيها و إنّما كان ربّاً مدبّراً بهذه النعم لأنّه خالقها و خالق النظام الّذي يجري عليها.

و بذلك يظهر أنّ المراد بالناس المخاطبين الوثنيّون و غيرهم ممّن اتّخذ لله شريكاً.

و قوله:( اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) المراد بالذكر ما يقابل النسيان دون الذكر اللفظيّ.

و قوله:( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ) الرزق هو ما يمدّ به البقاء و مبدؤه السماء بواسطة الأشعّة و الأمطار و غيرهما و الأرض بواسطة النبات و الحيوان و غيرهما.

و بذلك يظهر أيضاً أنّ في الآية إيجازاً لطيفاً فقد بدّلت الرحمة في الآية السابقة نعمة في هذه الآية أوّلاً ثمّ النعمة رزقاً ثانياً و كان مقتضى سياق الآيتين أن يقال: هل من رازق أو هل من منعم أو هل من راحم لكن بدّل ذلك من قوله:( هَلْ مِنْ خالِقٍ ) ليكون إشارة إلى برهان ثان ينقطع به الخصام، فإنّهم يرون تدبير العالم لآلهتهم بإذن الله فلو قيل: هل من رازق أو منعم غير الله لم ينقطع الخصام و أمكن أن يقولوا نعم آلهتنا بتفويض التدبير من الله إليهم لكن لمّا قيل:( هَلْ مِنْ خالِقٍ ) اُشير بالوصف إلى أنّ الرازق و المدبّر هو خالق الرزق لا غير فانقطع الخصام و لم يمكنهم إلّا أن يجيبوا بنفي خالق غير الله يرزقهم من السماء و الأرض.

و قوله:( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) اعتراض بالتوحيد يفيد التعظيم نظير قوله:( وَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ ) .

أي لا معبود بالحقّ إلّا هو لأنّ المستحقّ للعبادة هو الّذي ينعم عليكم و يرزقكم و ليس إلّا الله.

و قوله:( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) توبيخ متفرّع على ما سبغ من البرهان أي فإذا كان الأمر هكذا و أنتم تقرّون بذلك فإلى متى تصرفون عن الحقّ إلى الباطل و من التوحيد إلى الإشراك.

و في إعراب الآية أعني قوله:( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ ) إلخ. بين القوم مشاجرات

١٣

طويلة و الّذي يناسب ما تقدّم من تقرير البرهان أنّ( مِنْ ) زائدة للتعميم، و قوله:( غَيْرُ اللهِ ) صفة لخالق تابع لمحلّه، و كذا قوله:( يَرْزُقُكُمْ ) إلخ. و( مِنْ خالِقٍ ) مبتدأ محذوف الخبر و هو موجود، و قوله:( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) اعتراض، و قوله:( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) تفريع على ما تقدّمه.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَ إِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي و إن يكذّبوك بعد استماع هذه البراهين الساطعة فلا تحزن فليس ذلك ببدع فقد كذّبت رسل من قبلك كذّبتهم اُممهم و أقوامهم و إلى الله ترجع عامّة الاُمور فيجازيهم بما يستحقّونه بتكذيبهم الحقّ بعد ظهوره فليسوا بمعجزين بتكذيبهم.

و من هنا يظهر أنّ قوله:( فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ) من قبيل وضع السبب موضع المسبّب و أنّ قوله:( وَ إِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ) معطوف على قوله:( فَقَدْ كُذِّبَتْ ) إلخ.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) خطاب عامّ للناس يذكّرهم بالمعاد كما كان الخطاب العامّ السابق يذكّرهم بتوحّده تعالى في الربوبيّة و الاُلوهيّة.

فقوله:( إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) أي وعده أنّه يبعثكم فيجازي كلّ عامل بعمله إن خيراً و إن شرّاً( حَقٌّ ) أي ثابت واقع، و قد صرّح بهذا الوعد في قوله الآتي:( الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) .

و قوله:( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) النهي و إن كان متوجّهاً إلى الحياة الدنيا صورة لكنّه في الحقيقة متوجّه إليهم، و المعنى إذا كان وعد الله حقّاً فلا تغترّوا بالحياة الدنيا بالاشتغال بزينتها و التلهّي بما ينسيكم يوم الحساب من ملاذّها و ملاهيها و الاستغراق في طلبها و الإعراض عن الحقّ.

و قوله:( وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) الغرور بفتح الغين صيغة مبالغة من الغرور

١٤

بالضمّ و هو الّذي يبالغ في الغرور و من عادته ذلك، و الظاهر - كما قيل - أنّ المراد به الشيطان و يؤيّده التعليل الواقع في الآية التالية:( إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ) إلخ.

و معنى غروره بالله توجيهه أنظارهم إلى مظاهر حلمه و عفوه تعالى تارة و مظاهر ابتلائه و استدراجه و كيده اُخرى فيرون أنّ الاشتغال بالدنيا و نسيان الآخرة و الإعراض عن الحقّ و الحقيقة لا يستعقب عقوبة و لا يستتبع مؤاخذة، و أنّ أبناء الدنيا كلّما أمعنوا في طلبهم و توغّلوا في غفلتهم و استغرقوا في المعاصي و الذنوب زادوا في عيشهم طيباً و في حياتهم راحة و بين الناس جاهاً و عزّة فيلقي الشيطان عند ذلك في قلوبهم أن لا كرامة إلّا في التقدّم في الحياة الدنيا، و لا خبر عمّا وراءها و ليس ما تتضمّنه الدعوة الحقّة من الوعد و الوعيد و تخبر به النبوّة من البعث و الحساب و الجنّة و النار إلّا خرافة. فالمراد بغرور الشيطان الإنسان بالله اغترار الإنسان بما يعامل به الله الإنسان على غفلته و ظلمه.

و ربّما قيل: إنّ المراد بالغرور الدنيا الغارّة للإنسان و إنّ قوله:( وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) تأكيد لقوله:( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) بتكراره معنى.

قوله تعالى: ( إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) إلخ. تعليل للنهي المتقدّم في قوله:( وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) و المراد بعداوة الشيطان أنّه لا شأن له إلّا إغواء الإنسان و تحريمه سعادة الحياة و حسن العاقبة، و المراد باتّخاذ الشيطان عدوّاً التجنّب من اتّباع دعوته إلى الباطل و عدم طاعته فيما يشير إليه في وساوسه و تسويلاته و لذلك علّل عداوته بقوله:( إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ ) .

فقوله:( إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ ) في مقام تعليل ما تقدّمه و الحزب هو العدّة من الناس يجمعهم غرض واحد، و اللّام في( لِيَكُونُوا ) للتعليل فكونهم من أصحاب السعير علّة غائيّة لدعوته، و السعير النار المسعّرة و هو من أسماء جهنّم في القرآن.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) هذا هو الوعد الحقّ الّذي ذكره الله سبحانه، و تنكير العذاب

١٥

للدلالة على التفخيم على أنّ لهم دركات و مراتب مختلفة من العذاب باختلاف كفرهم و فسوقهم فالإبهام أنسب و يجري نظير الوجهين في قوله:( مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ ) .

قوله تعالى: ( أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) تقرير و بيان للتقسيم الّذي تتضمّنه الآية السابقة أعني تقسيم الناس إلى كافر له عذاب شديد و مؤمن عامل بالصالحات له مغفره و أجر كبير و المراد أنّهما لا يستويان فلا تستوي عاقبة أمرهما.

فقوله:( أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) مبتدأ خبره محذوف أي كمن ليس كذلك، و الفاء لتفريع الجملة على معنى الآية السابقة، و الاستفهام للإنكار، و المراد بمن زيّن له سوء عمله فرآه حسناً الكافر و يشير به إلى أنّه منكوس فهمه مغلوب على عقله يرى عمله على غير ما هو عليه و المعنى أنّه لا يستوي من زيّن له عمله السيّئ فرآه حسناً و الّذي ليس كذلك بل يرى السيّئ سيّئاً.

و قوله:( فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) تعليل للإنكار السابق في قوله:( أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) أي الكافر الّذي شأنه ذلك و المؤمن الّذي بخلافه لا يستويان لأنّ الله يضلّ أحدهما بمشيّته و هو الكافر الّذي يرى السيّئة حسنة و يهدي الآخر بمشيّته و هو المؤمن الّذي يعمل الصالحات و يرى السيّئة سيّئة.

و هذا الإضلال إضلال على سبيل المجازاة و ليس إضلالاً ابتدائيّاً فلا ضير في انتسابه إلى الله سبحانه.

و بالجملة اختلاف الكافر و المؤمن في عاقبتهما بحسب الوعد الإلهيّ بالعذاب و الرحمة لاختلافهما بالإضلال و الهداية الإلهيّين و اختلافهما بالإضلال و الهداية باختلافهما في رؤية السيّئة حسنة و عدمها.

و قوله:( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) الحسرات جمع حسرة و هي الغمّ لما فأت و الندم عليه، و هي منصوبة لأنّها مفعول لأجله و المراد بذهاب النفس عليهم هلاكها فيهم لأجل الحسرات الناشئة من عدم إيمانهم.

و الجملة متفرّعة على الفرق السابق أي إذا كانت الطائفتان مختلفتين بالإضلال

١٦

و الهداية من جانب الله فلا تهلك نفسك حسرات عليهم إذ كذّبوك و كفروا بك فإنّ الله هو الّذي يضلّهم جزاء لكفرهم و رؤيتهم السيّئة حسنة و هو عليم بما يصنعون فلا يختلط عليه الأمر و لا يفعل بهم إلّا الحقّ و لا يجازيهم إلّا بالحقّ.

و من هنا يظهر أنّ قوله:( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ ) في موضع التعليل لقوله:( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) فلا ينبغي للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يهلك نفسه عليهم حسرات حيث ضلّوا و حقّت عليهم كلمة العذاب فإنّ الله هو الّذي يضلّهم لصنعهم و هو عليم بما يصنعون.

١٧

( سورة فاطر الآيات 9 - 14)

وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا  كَذَٰلِكَ النُّشُورُ ( 9 ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا  إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ  وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ  وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ( 10 ) وَاللهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا  وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ  وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ  إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ( 11 ) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ  وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا  وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 12 ) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى  ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ  وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ( 13 ) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ  وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ( 14 )

١٨

( بيان)

احتجاجات على وحدانيّته تعالى في اُلوهيّته بعدّ جملة من النعم السماويّة و الأرضيّة الّتي يتنعّم بها الإنسان و لا خالق لها و لا مدبّر لأمرها إلّا الله سبحانه، و فيها بعض الإشارة إلى البعث.

قوله تعالى: ( وَ اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ ) إلخ. العناية في المقام بتحقّق وقوع الأمطار و إنبات النبات بها، و لذلك قال:( اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ ) و هذا بخلاف ما في سورة الروم من قوله:( اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً ) الروم: 48.

و قوله:( فَتُثِيرُ سَحاباً ) عطف على( أَرْسَلَ ) و الضمير للرياح و الإتيان بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية و الإثارة إفعال من ثار الغبار يثور ثوراناً إذا انتشر ساطعاً.

و قوله:( فَسُقْناهُ إِلى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ ) أي إلى أرض لا نبات فيها( فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) و أنبتنا فيها نباتاً بعد ما لم تكن، و نسبة الإحياء إلى الأرض و إن كانت مجازيّة لكن نسبته إلى النبات حقيقيّة و أعمال النبات من التغذية و النموّ و توليد المثل و ما يتعلّق بذلك أعمال حيويّة تنبعث من أصل الحياة.

و لذلك شبّه البعث و إحياء الأموات بعد موتهم بإحياء الأرض بعد موتها أي إنبات النبات بعد توقّفه عن العمل و ركوده في الشتاء فقال:( كَذلِكَ النُّشُورُ ) أي البعث فالنشور بسط الأموات يوم القيامة بعد إحيائهم و إخراجهم من القبور.

و في قوله:( فَسُقْناهُ إِلى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ ) إلخ. التفات من الغيبة إلى التكلّم مع الغير فهو تعالى في قوله:( وَ اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ ) بنعت الغيبة و في قوله:( فَسُقْناهُ ) إلخ. بنعت التكلّم مع الغير و لعلّ النكتة في ذلك هي أنّه لمّا قال:( وَ اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ ) أخذ لنفسه نعت الغيبة و يتبعه فيه الإرسال فإنّ فعل الغائب غائب، ثمّ لمّا قال:( فَتُثِيرُ سَحاباً )

١٩

على نحو حكاية الحال الماضية صار المخاطب كأنّه يرى الفعل و يشاهد الرياح و هي تثير السحاب و تنشره في الجوّ فصار كأنّه يرى من يرسل الرياح لأنّ مشاهدة الفعل كادت أن لا تنفكّ عن مشاهدة الفاعل فلمّا ظهر تعالى بنعت الحضور غيّر سياق كلامه من الغيبة إلى التكلّم و اختار لفظ التكلّم مع الغير للدلالة على العظمة.

و قوله:( فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ ) و لم يقل: فأحييناه مع كفايته و كذا قوله:( بَعْدَ مَوْتِها ) مع جواز الاكتفاء بما تقدّمه للأخذ بصريح القول الّذي لا ارتياب دونه.

قوله تعالى: ( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) قال الراغب في المفردات: العزّة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم: أرض عزاز أي صلبة قال تعالى:( أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) انتهى.

فالصلابة هو الأصل في معنى العزّة ثمّ توسّع فاستعمل العزيز فيمن يقهر و لا يُقهر كقوله تعالى:( يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا ) يوسف: 88. و كذا العزّة بمعنى الغلبة قال تعالى:( وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ ) ص: 23 و العزّة بمعنى القلّة و صعوبة المنال، قال تعالى:( وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ) حم السجدة: 41 و العزّة بمعنى مطلق الصعوبة قال تعالى:( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ) التوبة: 128: و العزّة بمعنى الأنفة و الحميّة قال تعالى:( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ ) ص: 2 إلى غير ذلك.

ثمّ إنّ العزّة بمعنى كون الشي‏ء قاهراً غير مقهور أو غالباً غير مغلوب تختصّ بحقيقة معناها بالله عزّوجلّ إذ غيره تعالى فقير في ذاته ذليل في نفسه لا يملك لنفسه شيئاً إلّا أن يرحمه الله و يؤتيه شيئاً من العزّة كما فعل ذلك بالمؤمنين به قال تعالى:( وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) المنافقون: 8.

و بذلك يظهر أنّ قوله:( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) ليس بمسوق لبيان اختصاص العزّة بالله بحيث لا ينالها غيره و أنّ من أرادها فقد طلب محالاً و أراد ما لا يكون بل المعنى من كان يريد العزّة فليطلبها منه تعالى لأنّ العزّة له جميعاً لا توجد عند غيره بالذات.

فوضع قوله:( فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) في جزاء الشرط من قبيل وضع السبب موضع

٢٠