الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٧

الميزان في تفسير القرآن4%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 419

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168127 / تحميل: 6004
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المشركون بدليل قوله بعد:( إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) أي إذا عرض عليهم التوحيد أن يؤمنوا به أو كلمة الإخلاص أن يقولوها استمرّوا على استكبارهم و لم يقبلوا.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ) قولهم هذا إنكار منهم للرسالة بعد استكبارهم عن التوحيد و إنكارهم له.

و قوله:( بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ) ردّ لقولهم:( لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ ) حيث رموهعليه‌السلام بالشعر و الجنون و فيه رمي لكتاب الله بكونه شعراً و من هفوات الجنون فردّ عليهم بأنّ ما جاء به حقّ و فيه تصديق الرسل السابقين فليس بباطل من القول كالشعر و هفوة الجنون و ليس ببدع غير مسبوق في معناه.

قوله تعالى: ( إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ ) تهديد لهم بالعذاب لاستكبارهم و رميهم الحقّ بالباطل.

قوله تعالى: ( وَ ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي لا ظلم فيه لأنّه نفس عملكم يردّ إليكم.

قوله تعالى: ( إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ - إلى قوله -بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) استثناء منقطع من ضمير( لَذائِقُوا ) أو من ضمير( ماتُجْزَوْنَ ) و لكلّ وجه و المعنى على الأوّل لكنّ عباد الله المخلصين اُولئك لهم رزق معلوم و ليسوا بذائقي العذاب الأليم و المعنى على الثاني لكنّ عباد الله المخلصين اُولئك لهم رزق معلوم وراء جزاء عملهم و سيجي‏ء الإشارة إلى معناه.

و احتمال كون الاستثناء متّصلاً ضعيف لا يخلو من تكلّف.

و قد سمّاهم الله سبحانه عباد الله المخلصين فأثبت لهم عبوديّة نفسه و العبد هو الّذي لا يملك لنفسه شيئاً من إرادة و لا عمل فهؤلاء لا يريدون إلّا ما أراده الله و لا يعملون إلّا له.

ثمّ أثبت لهم أنّهم مخلصون بفتح اللّام أي إنّ الله تعالى أخلصهم لنفسه فلا يشاركه فيهم أحد فلا تعلّق لهم بشي‏ء غيره تعالى من زينة الحياة الدنيا و لا من نعم العقبى و ليس

١٢١

في قلوبهم إلّا الله سبحانه.

و من المعلوم أنّ من كانت هذه صفته كان التذاذه و تنعّمه غير ما يلتذّ و يتنعّم غيره و ارتزاقه بغير ما يرتزق به سواه و إن شاركهم في ضروريّات المأكل و المشرب و من هنا يتأيّد أنّ المراد بقوله:( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) الإشارة إلى أنّ رزقهم في الجنّة - و هم عباد مخلصون - رزق خاصّ لا يشبه رزق غيرهم و لا يختلط بما يتمتّع به من دونهم و إن اشتركاً في الاسم.

فقوله:( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) أي رزق خاصّ متعيّن ممتاز من رزق غيرهم فكونه معلوماً كناية عن امتيازه كما في قوله:( وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) الصافّات: ١٦٤ و الإشارة بلفظ البعيد للدلالة على علوّ مقامهم.

و أمّا ما فسّره بعضهم أنّ المراد بكون رزقهم معلوماً كونه معلوم الخصائص مثل كونه غير مقطوع و لا ممنوع حسن المنظر لذيذ الطعم طيّب الرائحة، و كذا ما ذكره آخرون أنّ المراد أنّه معلوم الوقت لقوله:( وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا ) مريم: ٦٢ و كذا قول القائل: إنّ المراد به الجنّة فهي وجوه غير سديدة.

و من هنا يظهر أنّ أخذ قوله:( إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) استثناء من ضمير( وَ ما تُجْزَوْنَ ) لا يخلو من وجه كما تقدّمت الإشارة إليه.

و قوله:( فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) الفواكه جمع فاكهة و هي ما يتفكّه به من الأثمار بيان لرزقهم المعلوم غير أنّه تعالى شفّعه بقوله:( وَ هُمْ مُكْرَمُونَ ) للدلالة على امتياز هذا الرزق أعني الفاكهة ممّا عند غيرهم بأنّها مقارنة لإكرام خاصّ يخصّهم قبال اختصاصهم بالله سبحانه و كونه لهم لا يشاركهم فيه شي‏ء.

و في إضافة الجنّات إلى النعيم إشارة إلى ذلك فقد تقدّم في قوله:( فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) الآية النساء: ٦٩، و قوله:( وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) المائدة: ٣ و غيرهما أنّ حقيقة النعمة هي الولاية و هي كونه تعالى هو القائم بأمر عبده.

و قوله:( عَلى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) السرر جمع سرير و هو معروف و كونهم متقابلين معناه استئناس بعضهم ببعض و استمتاعهم بنظر بعضهم في وجه بعض من غير أن يرى

١٢٢

بعضهم قفا بعض.

و قوله:( يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) الكأس إناء الشراب و نقل عن كثير من اللغويّين أنّ إناء الشراب لا يسمّى كأساً إلّا و فيه الشراب فإن خلا منه فهو قدح و المعين من الشراب الظاهر منه من عان الماء إذا ظهر و جرى على وجه الأرض، و المراد بكون الكأس من معين صفاء الشراب فيها و لذا عقّبه بقوله:( بَيْضاءَ ) .

و قوله:( بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ) أي صافية في بياضها لذيذة للشاربين فاللذّة مصدر اُريد به الوصف مبالغة أو هي مؤنّث لذّ بمعنى لذيذ كما قيل.

و قوله:( لا فِيها غَوْلٌ وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ ) الغول الإضرار و الإفساد، قال الراغب: الغول إهلاك الشي‏ء من حيث لا يحسّ به انتهى. فنفي الغول عن الخمر نفي مضارّها و الإنزاف فسّر بالسكر المذهب للعقل و أصله إذهاب الشي‏ء تدريجاً.

و محصّل المعنى: أنّه ليس فيها مضارّ الخمر الّتي في الدنيا و لا إسكارها بإذهاب العقل.

و قوله:( وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ ) وصف للحور الّتي يرزقونها و قصور طرفهنّ كناية عن نظرهنّ نظرة الغنج و الدلال و يؤيّده ذكر العين بعده و هو جمع عيناء مؤنّث أعين و هي الواسعة العين في جمال.

و قيل: المراد بقاصرات الطرف أنّهنّ قصرن طرفهنّ على أزواجهنّ لا يردن غيرهم لحبّهنّ لهم، و بالعين أنّ أعينهنّ شديدة في سوادها شديدة في بياضها.

و قوله:( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) البيض معروف و هو اسم جنس واحدته بيضة و المكنون هو المستور بالادّخار قيل: المراد تشبيههنّ بالبيض الّذي كنّه الريش في العشّ أو غيره في غيره فلم تمسّه الأيدي و لم يصبه الغبار، و قيل: المراد تشبيههنّ ببطن البيض قبل أن يقشّر و قبل أن تمسّه الأيدي.

قوله تعالى: ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ - إلى قوله -فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ) حكاية محادثة تقع بين أهل الجنّة فيسأل بعضهم عن أحوال بعض و يحدّث بعضهم بما جرى عليه في الدنيا و تنتهي المحادثة إلى تكليمهم بعض أهل النار و هو في سواء الجحيم.

١٢٣

فقوله:( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ) ضمير الجمع لأهل الجنّة من عباد الله المخلصين و تساؤلهم - كما تقدّم - سؤال بعضهم عن بعض و ما جرى عليه.

و قوله:( قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ ) أي قال قائل من أهل الجنّة المتسائلين إنّي كان لي في الدنيا مصاحب يختصّ بي من الناس. كذا يعطي السياق.

و قيل: المراد بالقرين القرين من الشياطين و فيه أنّ القرآن إنّما يثبت قرناء الشياطين في المعرضين عن ذكر الله و المخلصون في عصمة إلهيّة من قرين الشياطين و كذا من تأثير الشيطان فيهم كما حكى عن إبليس استثناءهم من الإغواء:( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ص: ٨٣ نعم ربّما أمكن أن يتعرّض لهم الشيطان من غير تأثير فيهم لكنّه غير أثر القرين.

و قوله:( يَقُولُ أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَدِينُونَ ) ضمير( يَقُولُ ) للقرين، و مفعول( الْمُصَدِّقِينَ ) البعث للجزاء و قد قام مقامه قوله:( أَ إِذا مِتْنا ) إلخ و المدينون المجزيّون.

و المعنى: كأن يقول لي قريني مستبعداً منكراً أ إنّك لمن المصدّقين للبعث للجزاء أ إذا متناً و كنّا تراباً و عظاماً فتلاشت أبداننا و تغيّرت صورها أ إنّا لمجزيّون بالإحياء و الإعادة؟ فهذا ممّا لا ينبغي أن يصدّق.

و قوله:( قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ) ضمير( قالَ ) للقائل المذكور قبلاً، و الاطّلاع الإشراف و المعنى ثمّ قال القائل المذكور مخاطباً لمحادثيه من أهل الجنّة: هل أنتم مشرفون على النار حتّى تروا قريني و الحال الّتي هو فيها؟.

و قوله:( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ ) السواء الوسط و منه سواء الطريق أي وسطه و المعنى فأشرف القائل المذكور على النار فرآه أي قرينه في وسط الجحيم.

و قوله:( قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ) ( إِنْ ) مخفّفة من الثقيلة، و الإرداء السقوط من مكان عال كالشاهق و يكنّى به عن الهلاك و المعنى اُقسم بالله إنّك قربت أن تهلكني و تسقطني فيما سقطت فيه من الجحيم.

و قوله:( وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) المراد بالنعمة التوفيق و

١٢٤

الهداية الإلهيّة، و الإحضار الإشخاص للعذاب قال في مجمع البيان: و لا يستعمل( أحضر) مطلقاً إلّا في الشرّ.

و المعنى و لو لا توفيق ربّي و هدايته لكنت من المحضرين للعذاب مثلك.

و قوله:( أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى‏ وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) الاستفهام للتقرير و التعجيب، و المراد بالموتة الاُولى هي الموتة عن الحياة الدنيا و أمّا الموتة عن البرزخ المدلول عليها بقوله:( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) المؤمن: ١١ فلم يعبأ بها لأنّ الموت الّذي يزعم الزاعم فيه الفناء و البطلان هو الموت الدنيويّ.

و المعنى - على ما في الكلام من الحذف و الإيجاز - ثمّ يرجع القائل المذكور إلى نفسه و أصحابه فيقول متعجّباً أ نحن خالدون منعّمون فما نحن بميّتين إلّا الموتة الاُولى و ما نحن بمعذّبين؟.

قال في مجمع البيان: و يريدون به التحقيق لا الشكّ و إنّما قالوا هذا القول لأنّ لهم في ذلك سروراً مجدّداً و فرحاً مضاعفاً و إن كان قد عرفوا أنّهم سيخلّدون في الجنّة و هذا كما أنّ الرجل يعطى المال الكثير فيقول مستعجباً: كلّ هذا المال لي؟ و هو يعلم أنّ ذلك له و هذا كقوله:

أ بطحاء مكّة هذا الّذي

أراه عيانا و هذا أنا؟

قال: و لهذا عقّبه بقوله:( إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) انتهى.

و قوله:( إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) هو من تمام قول القائل المذكور و فيه إعظام لموهبة الخلود و ارتفاع العذاب و شكر للنعمة.

و قوله:( لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ) ظاهر السياق أنّه من قول القائل المذكور و الإشارة بهذا إلى الفوز أو الثواب أي لمثل هذا الفوز أو الثواب فليعمل العاملون في دار التكليف، و قيل: هو من قول الله سبحانه و قيل: من قول أهل الجنّة.

و اعلم أنّ لهم أقوالاً مختلفة في نسبة أكثر الجمل السابقة إلى قول الله تعالى أو قول الملائكة أو قول أهل الجنّة غير القائل المذكور و الّذي أوردناه هو الّذي يساعد عليه السياق.

١٢٥

قوله تعالى: ( أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ - إلى قوله -يُهْرَعُونَ ) مقايسة بين ما هيّأه الله نزلاً لأهل الجنّة ممّا وصفه من الرزق الكريم و بين ما أعدّه نزلاً لأهل النار من شجرة الزقّوم الّتي طلعها كأنّه رؤس الشياطين و شراب من حميم.

فقوله:( أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) الإشارة بذلك إلى الرزق الكريم المذكورة سابقاً المعدّ لورود أهل الجنّة و النزل بضمّتين ما يهيّؤ لورود الضيف فيقدّم إليه إذا ورد من الفواكه و نحوها.

و الزقّوم - على ما قيل - اسم شجرة صغيرة الورق مرّة كريهة الرائحة ذات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورّم تكون في تهامة و البلاد المجدبة المجاورة للصحراء سمّيت به الشجرة الموصوفة بما في الآية من الأوصاف، و قيل: إنّ قريشاً ما كانت تعرفه و سيأتي ذلك في البحث الروائيّ.

و لفظة خير في الآية بمعنى الوصف دون التفضيل إذ لا خيريّة في الزقّوم أصلاً فهو كقوله:( ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ ) الجمعة: ١١ و الآية على ما يعطيه السياق من كلامه تعالى.

و قوله:( إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ) الضمير لشجرة الزقّوم، و الفتنة المحنة و العذاب.

و قوله:( إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ) وصف لشجرة الزقّوم، و أصل الجحيم قعرها، و لا عجب في نبات شجرة في النار و بقائها فيها فحياة الإنسان و بقاؤها خالداً فيها أعجب و الله يفعل ما يشاء.

و قوله:( طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ ) الطلع حمل النخلة أو مطلق الشجرة أوّل ما يبدو، و تشبيه ثمرة الزقّوم برؤس الشياطين بعناية أنّ الأوهام العامّيّة تصوّر الشيطان في أقبح صورة كما تصوّر الملك في أحسن صورة و أجملها قال تعالى:( ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ) يوسف: ٣١، و بذلك يندفع ما قيل: إنّ الشي‏ء إنّما يشبّه بما يعرف و لا معرفة لأحد برؤس الشياطين.

١٢٦

و قوله:( فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) الفاء للتعليل يبيّن به كونها نزلاً للظالمين يأكلون منها، و في قوله:( فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) إشارة إلى تسلّط جوع شديد عليهم يحرصون به على الأكل كيفما كان.

و قوله:( ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ) الشوب المزيج و الخليط، و الحميم الماء الحارّ البالغ في حرارته، و المعنى ثمّ إنّ لاُولئك الظالمين - زيادة عليها - لخليطاً مزيجاً من ماء حارّ بالغ الحرارة يشربونه فيختلط به ما ملؤا منه البطون من الزقّوم.

و قوله:( ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ) أي إنّهم بعد شرب الحميم يرجعون إلى الجحيم فيستقرّون فيها و يعذّبون، و في الآية تلويح إلىّ أنّ الحميم خارج الجحيم.

و قوله:( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى‏ آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ ) ألفيت كذا أي وجدته و صادفته، و الإهراع الإسراع و المعنى أنّ سبب أكلهم و شربهم ثمّ رجوعهم إلى الجحيم أنّهم صادفوا آباءهم ضالّين - و هم مقلّدون و أتباع لهم و هم أصلهم و مرجعهم - فهم يسرعون على آثارهم فجوزوا بنزل كذلك و الرجوع إلى الجحيم جزاء وفاقاً.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر عن ابن جريح: في قوله تعالى:( بَلْ عَجِبْتَ ) قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجبت بالقرآن حين اُنزل و يسخر منه ضلّال بني آدم.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا ) قال: الّذين ظلموا آل محمّدعليهم‌السلام حقّهم( وَ أَزْواجَهُمْ ) قال: أشباههم.

أقول: صدر الرواية من الجري.

و في المجمع: في قوله تعالى:( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) قيل: عن ولاية عليّعليه‌السلام عن أبي سعيد الخدريّ.

١٢٧

أقول: و رواه الشيخ في الأمالي، بإسناده إلى أنس بن مالك عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و في العيون، عن عليّ و عن الرضاعليهما‌السلام عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و في تفسير القمّيّ، عن الإمامعليه‌السلام .

و في الخصال، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، و شبابه فيما أبلاه، و عن ماله من أين كسبه و فيما أنفقه، و عن حبّنا أهل البيت.

أقول: و روي في العلل عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله.

و في نهج البلاغة: اتّقوا الله في عباده و بلاده فإنّكم مسؤلون حتّى عن البقاع و البهائم.

و في الدرّ المنثور، أخرج البخاريّ في تأريخه و الترمذيّ و الدارميّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الحاكم و ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من داع دعا إلى شي‏ء إلّا كان موقوفاً يوم القيامة لازماً به لا يفارقه و إن دعا رجل رجلاً ثمّ قرأ( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) .

و في روضة الكافي، بإسناده عن محمّد بن إسحاق المدنيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث: و أمّا قوله:( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) قال: يعلمه(١) الخدّام فيأتون به إلى أولياء الله قبل أن يسألوهم إيّاه. أمّا قوله:( فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ ) قال: فإنّهم لا يشتهون شيئاً في الجنّة إلّا اُكرموا به.

و في تفسير القمّيّ، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام :( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ ) يقول: في وسط الجحيم.

و فيه في قوله تعالى:( أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ) إلخ بإسناده عن أبيه عن عليّ بن مهزيار و الحسن بن محبوب عن النضر بن سويد عن درست عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إذا دخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النار النار جي‏ء بالموت و يذبح كالكبش بين الجنّة و النار ثمّ يقال: خلود فلا موت أبداً فيقول أهل الجنّة:( أَ فَما

____________________

(١) يعني: خ.

١٢٨

نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى‏ وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ) .

أقول: و حديث ذبح الموت في صورة كبش يوم القيامة من المشهورات رواه الشيعة و أهل السنّة، و هو تمثّل الخلود يومئذ.

و في المجمع في قوله تعالى:( شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) روي أنّ قريشاً لمّا سمعت هذه‏ الآية قالت: ما نعرف هذه الشجرة قال ابن الزبعري: الزقّوم بكلام البربر التمر و الزبد و في رواية بلغة اليمن فقال أبوجهل لجاريته: يا جارية زقّمينا فأتته الجارية بتمر و زبد فقال لأصحابه: تزقّموا بهذا الّذي يخوّفكم به محمّد فيزعم أنّ النار تنبت الشجر و النار تحرق الشجر فأنزل الله سبحانه( إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ) .

أقول: و هذا المعنى مرويّ بطرق عديدة.

١٢٩

( سورة الصافّات الآيات ٧١ - ١١٣)

وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ( ٧١ ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ ( ٧٢ ) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ( ٧٣ ) إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ( ٧٤ ) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ( ٧٥ ) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( ٧٦ ) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ( ٧٧ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ( ٧٨ ) سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ( ٧٩ ) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ٨٠ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ٨١ ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ( ٨٢ ) وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ( ٨٣ ) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( ٨٤ ) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ( ٨٥ ) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ ( ٨٦ ) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( ٨٧ ) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ( ٨٨ ) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ( ٨٩ ) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ( ٩٠ ) فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ( ٩١ ) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ( ٩٢ ) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ( ٩٣ ) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ( ٩٤ ) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ( ٩٥ ) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ( ٩٦ ) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ( ٩٧ ) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ( ٩٨ ) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ( ٩٩ ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ( ١٠٠ ) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ( ١٠١ ) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ

١٣٠

فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ  قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ  سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ( ١٠٢ ) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ( ١٠٣ ) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا  إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٠٥ ) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ( ١٠٦ ) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ( ١٠٧ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ( ١٠٨ ) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ( ١٠٩ ) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١١٠ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ١١١ ) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ( ١١٢ ) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ  وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ( ١١٣ )

( بيان)

تعقيب لغرض السياق السابق المتعرّض لشركهم و تكذيبهم بآيات الله و تهديدهم بأليم العذاب يقول: إنّ أكثر الأوّلين ضلّوا كضلالهم و كذّبوا الرسل المنذرين كتكذيبهم و يستشهد بقصص نوح و إبراهيم و موسى و هارون و إلياس و لوط و يونسعليهم‌السلام و ما في الآيات المنقولة إشارة إلى قصّة نوح و خلاصة قصص إبراهيمعليهما‌السلام .

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ - إلى قوله -الْمُخْلَصِينَ ) كلام مسوق لإنذار مشركي هذه الاُمّة بتنظيرهم للاُمم الهالكين من قبلهم فقد ضلّ أكثرهم كما ضلّ هؤلاء و اُرسل إليهم رسل منذرون كما اُرسل منذر إلى هؤلاء فكذّبوا فكان عاقبة أمرهم الهلاك إلّا المخلصين منهم.

و اللّام في( لَقَدْ ضَلَّ ) للقسم و كذا في( لَقَدْ أَرْسَلْنا ) و المنذرين الأوّل بكسر الذال المعجمة و هم الرسل و الثاني بفتح الذال المعجمة و هم الاُمم الأوّلون، و( إِلَّا

١٣١

عِبادَ اللهِ ) إن كان المراد بهم من في الاُمم من المخلصين كان استثناء متّصلاً و إن عمّ الأنبياء كان منقطعاً إلّا بتغليبه غير الأنبياء عليهم و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) اللّامان للقسم و هو يدلّ على كمال العناية بنداء نوح و إجابته تعالى، و قد مدح تعالى نفسه في إجابته فإنّ التقدير فلنعم المجيبون نحن، و جمع المجيب لإفادة التعظيم و قد كان نداء نوح - على ما يفيده السياق - دعاءه على قومه و استغاثته بربّه المنقولين في قوله تعالى:( وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) نوح: ٢٦، و في قوله تعالى:( فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) القمر: ١٠.

قوله تعالى: ( وَ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) الكرب - على ما ذكره الراغب - الغمّ الشديد و المراد به الطوفان أو أذى قومه، و المراد بأهله أهل بيته و المؤمنون به من قومه و قد قال تعالى في سورة هود:( قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ ) هود: ٤٠ و الأهل كما يطلق على زوج الرجل و بنيه يطلق على كلّ من هو من خاصّته.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ ) أي الباقين من الناس بعد قرنهم و قد بحثنا في هذا المعنى في قصّة نوح من سورة هود.

قوله تعالى: ( وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ) المراد بالترك الإبقاء و بالآخرين الاُمم الغابرة غير الأوّلين، و قد ذكرت هذه الجملة بعد ذكر إبراهيمعليه‌السلام أيضاً في هذه السورة و قد بدّلت في القصّة بعينها من سورة الشعراء من قوله:( وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) الشعراء: ٨٤ و استفدنا منه هناك أنّ المراد بلسان صدق كذلك أن يبعث الله بعده من يقوم بدعوته و يدعو إلى ملّته و هي دين التوحيد .

فيتأيّد بذلك أنّ المراد بالإبقاء في الآخرين هو إحياؤه تعالى دعوة نوحعليه‌السلام إلى التوحيد و مجاهدته في سبيل الله عصراً بعد عصر و جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة.

قوله تعالى: ( سَلامٌ عَلى‏ نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ ) المراد بالعالمين جميعها لكونه جمعاً محلّى باللّام مفيداً للعموم، و الظاهر أنّ المراد به عالموا البشر و اُممهم و جماعاتهم إلى

١٣٢

يوم القيامة فإنّه تحيّة من عند الله مباركة طيّبة تهدى إليه من قبل الاُمم الإنسانيّة ما جرى فيها شي‏ء من الخيرات اعتقاداً أو عملاً فإنّهعليه‌السلام أوّل من انتهض لدعوة التوحيد و دحض الشرك و ما يتبعه من العمل و قاسى في ذلك أشدّ المحنة فيما يقرب من ألف سنة لا يشاركه في ذلك أحد فله نصيب من كلّ خير واقع بينهم إلى يوم القيامة، و لا يوجد في كلامه تعالى سلام على هذه السعة على أحد ممّن دونه.

و قيل: المراد بالعالمين عوالم الملائكة و الثقلين من الجنّ و الإنس.

قوله تعالى: ( إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) تعليل لما امتنّ عليه من الكرامة كإجابة ندائه و تنجيته و أهله من الكرب العظيم و إبقاء ذرّيّته و تركه عليه في الآخرين و السلام عليه في العالمين، و تشبيه جزائه بجزاء عموم المحسنين من حيث أصل الجزاء الحسن لا في خصوصيّاته فلا يوجب ذلك اشتراك الجميع فيما اختصّ بهعليه‌السلام و هو ظاهر.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) تعليل لإحسانه المدلول عليه بالجملة السابقة و ذلك لأنّهعليه‌السلام لكونه عبداً لله بحقيقة معنى الكلمة كان لا يريد و لا يفعل إلّا ما يريده الله، و لكونه من المؤمنين حقّاً كان لا يرى من الاعتقاد إلّا الحقّ و سرى ذلك إلى جميع أركان وجوده و من كان كذلك لا يصدر منه إلّا الحسن الجميل فكان من المحسنين.

قوله تعالى: ( ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ) ثمّ للتراخي الكلاميّ دون الزمانيّ و المراد بالآخرين قومه المشركون.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) الشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم و بالجملة كلّ من وافق غيره في طريقته فهو من شيعته تقدّم أو تأخّر قال تعالى:( وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ ) سبأ: ٥٤.

و ظاهر السياق أنّ ضمير( شِيعَتِهِ ) لنوح أي إنّ إبراهيم كان ممّن يوافقه في دينه و هو دين التوحيد، و قيل: الضمير لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا دليل عليه من جهة اللفظ.

١٣٣

قيل: و من حسن الإرداف في نظم الآيات تعقيب قصّة نوحعليه‌السلام و هو آدم الثاني أبوالبشر بقصّة إبراهيمعليه‌السلام و هو أبوالأنبياء إليه تنتهي أنساب جلّ الأنبياء بعده و على دينه تعتمد أديان التوحيد الحيّة اليوم كدين موسى و عيسى و محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أيضاً نوحعليه‌السلام نجّاه الله من الغرق و إبراهيمعليه‌السلام نجّاه الله من الحرق.

قوله تعالى: ( إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) مجيئه ربّه كناية عن تصديقه له و إيمانه به، و يؤيّد ذلك أنّ المراد بسلامة القلب عروّه عن كلّ ما يضرّ التصديق و الإيمان بالله سبحانه من الشرك الجليّ و الخفيّ و مساوئ الأخلاق و آثار المعاصي و أيّ تعلّق بغيره ينجذب إليه الإنسان و يختلّ به صفاء توجّهه إليه سبحانه.

و بذلك يظهر أنّ المراد بالقلب السليم ما لا تعلّق له بغيره تعالى كما في الحديث و سيجي‏ء إن شاء الله في البحث الروائيّ الآتي.

و قيل: المراد به السالم من الشرك، و يمكن أن يوجّه بما يرجع إلى الأوّل و قيل: المراد به القلب الحزين، و هو كما ترى.

و الظرف في الآية متعلّق بقوله سابقاً( مِنْ شِيعَتِهِ ) و الظروف يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها، و قيل متعلّق باُذكر المقدّر.

قوله تعالى: ( إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ ) أي أيّ شي‏ء تعبدون؟ و إنّما سألهم عن معبودهم و هو يرى أنّهم يعبدون الأصنام تعجّباً و استغراباً.

قوله تعالى: ( أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ ) أي تقصدون آلهة دون الله إفكا و افتراء، إنّما قدّم الإفك و الآلهة لتعلّق عنايته بذلك.

قوله تعالى: ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) لا شكّ أنّ ظاهر الآيتين أنّ إخبارهعليه‌السلام بأنّه سقيم مرتبط بنظرته في النجوم و مبنيّ عليه و نظرته في النجوم إمّا لتشخيص الساعة و خصوص الوقت كمن به حمّى ذات نوبة يعيّن وقتها بطلوع كوكب أو غروبها أو وضع خاصّ من النجوم و إمّا للوقوف على الحوادث المستقبلة الّتي كان المنجّمون يرون أنّ الأوضاع الفلكيّة تدلّ عليها، و قد كان الصابئون مبالغين فيها و كان في عهدهعليه‌السلام منهم جمّ غفير.

١٣٤

فعلى الوجه الأوّل لمّا أراد أهل المدينة أن يخرجوا كافّة إلى عيد لهم نظر إلى النجوم و أخبرهم أنّه سقيم ستعتريه العلّة فلا يقدر على الخروج معهم.

و على الوجه الثاني نظرعليه‌السلام حينذاك إلى النجوم نظرة المنجّمين فأخبرهم أنّها تدلّ على أنّه سيسقم فليس في وسعه الخروج معهم.

و أوّل الوجهين أنسب لحالهعليه‌السلام و هو في إخلاص التوحيد بحيث لا يرى لغيره تعالى تأثيراً، و لا دليل لنا قويّاً يدلّ على أنّهعليه‌السلام لم يكن به في تلك الأيّام سقم أصلاً، و قد أخبر القرآن بإخباره بأنّه سقيم و ذكر سبحانه قبيل ذلك أنّه جاء ربّه بقلب سليم فلا يجوز عليه كذب و لا لغو من القول.

و لهم في الآيتين وجوه اُخر أوجهها أنّ نظرته في النجوم و إخباره بالسقم من المعاريض في الكلام و المعاريض أن يقول الرجل شيئاً يقصد به غيره و يفهم منه غير ما يقصده فلعلّه نظرعليه‌السلام في النجوم نظر الموحّد في صنعه تعالى يستدلّ به عليه تعالى و على وحدانيّته و هم يحسبون أنّه ينظر إليها نظر المنجّم فيها ليستدلّ بها على الحوادث ثمّ قال: إنّي سقيم يريد أنّه سيعتريه سقم فإنّ الإنسان لا يخلو في حياته من سقم مّا و مرض ما كما قال:( وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) الشعراء: ٨٠ و هم يحسبون أنّه يخبر عن سقمه يوم يخرجون فيه لعيد لهم، و المرجّح عنده لجميع ذلك ما كان يهتمّ به من الرواغ إلى أصنامهم و كسرها.

لكنّ هذا الوجه مبنيّ على أنّه كان صحيحاً غير سقيم يومئذ، و قد سمعت أن لا دليل يدلّ عليه.

على أنّ المعاريض غير جائزة على الأنبياء لارتفاع الوثوق بذلك عن قولهم.

قوله تعالى: ( فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ) ضمير الجمع للقوم و ضمير الإفراد لإبراهيمعليه‌السلام أي خرجوا من المدينة و خلّفوه.

قوله تعالى: ( فَراغَ إِلى‏ آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَ لا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ) الروغ و الرواغ و الروغان الحياد و الميل، و قيل أصله الميل في جانب ليخدع من يريده.

و في قوله:( أَ لا تَأْكُلُونَ ) ؟ تأييد لما ذكروا أنّ المشركين كانوا يضعون أيّام

١٣٥

أعيادهم طعاماً عند آلهتهم.

و قوله:( أَ لا تَأْكُلُونَ؟ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ) ؟ تكليم منه لآلهتهم و هي جماد و هو يعلم أنّها جماد لا تأكل و لا تنطق لكنّ الوجد و شدّة الغيظ حمله على أن يمثّل موقفها موقف العقلاء ثمّ يؤاخذها مؤاخذة العقلاء كما يفعل بالمجرمين.

فنظر إليها و هي ذوات أبدان كهيئة من يتغذّى و يأكل و عندها شي‏ء من الطعام فامتلأ غيظاً و جاش وجداً فقال:( أَ لا تَأْكُلُونَ ) ؟ فلم يسمع منها جواباً فقال:( ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ) ؟ و أنتم آلهة يزعم عبادكم أنّكم عقلاء قادرون مدبّرون لاُمورهم فلمّا لم يسمع لها حسّاً راغ عليها ضرباً باليمين.

قوله تعالى: ( فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ ) أي تفرّع على ذاك الخطاب أن مال على آلهتهم يضربهم ضرباً باليد اليمنى أو بقوّة بناء على كون المراد باليمين القوّة.

و قول بعضهم: إنّ المراد باليمين القسم و المعنى مال عليهم ضرباً بسبب القسم الّذي سبق منه و هو قوله:( تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ) الأنبياء: ٥٧ بعيد.

قوله تعالى: ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) الزفّ و الزفيف الإسراع في المشي أي فجاؤا إلى إبراهيم و الحال أنّهم يسرعون اهتماماً بالحادثة الّتي يظنّون أنّه الّذي أحدثها.

و في الكلام إيجاز و حذف من خبر رجوعهم إلى المدينة و وقوفهم على ما فعل بالأصنام و تحقيقهم الأمر و ظنّهم بهعليه‌السلام مذكور في سورة الأنبياء.

قوله تعالى: ( قالَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَ اللهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ ) فيه إيجاز و حذف من حديث القبض عليه و الإتيان به على أعين الناس و مسألته و غيرها.

و الاستفهام للتوبيخ و فيه مع ذلك احتجاج على بطلان طريقتهم فهو يقول: لا يصلح ما نحته الإنسان بيده أن يكون ربّاً للإنسان معبوداً له و الله سبحانه خلق الإنسان و ما يعمله و الخلق لا ينفكّ عن التدبير فهو ربّ الإنسان و من السفه أن يترك هذا و يعبد ذاك.

و قد بان بذلك أنّ الأظهر كون ما في قوله:( ما تَنْحِتُونَ ) موصولة و التقدير

١٣٦

ما تنحتونه، و كذا في قوله:( وَ ما تَعْمَلُونَ ) و جوّز بعضهم كون( ما ) فيها مصدريّة و هو في أوّلهما بعيد جدّاً.

و لا ضير في نسبة الخلق إلى ما عمله الإنسان أو إلى عمله لأنّ ما يريده الإنسان و يعمله من طريق اختياره مراد الله سبحانه من طريق إرادة الإنسان و اختياره و لا يوجب هذا النوع من تعلّق الإرادة بالفعل بطلان تأثير إرادة الإنسان و خروج الفعل عن الاختيار و صيرورته مجبراً عليه، و هو ظاهر.

و لو كان المراد نسبة خلق أعمالهم إلى الله سبحانه بلا واسطة لا من طريق إرادتهم بل بتعلّق إرادته بنفس عملهم و أفاد الجبر لكان القول أقرب إلى أن يكون عذراً لهم من أن يكون توبيخاً و تقبيحاً، و كانت الحجّة لهم لا عليهم.

قوله تعالى: ( قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ) البنيان مصدر بنى يبني و المراد به المبنيّ، و الجحيم النار في شدّة تأجّجها.

قوله تعالى: ( فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ ) الكيد الحيلة و المراد احتيالهم إلى إهلاكه و إحراقه بالنار.

و قوله:( فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ ) كناية عن جعل إبراهيم فوقهم لا يؤثّر فيه كيدهم شيئاً إذ قال سبحانه:( يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى‏ إِبْراهِيمَ ) الأنبياء: ٦٩.

و قد اختتم بهذا فصل من قصص إبراهيمعليه‌السلام و هو انتهاضه أوّلاً على عبادة الأوثان و اختصامه لعبّادها و انتهاء أمره إلى إلقائه النار و إبطاله تعالى كيدهم.

قوله تعالى: ( وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) فصل آخر من قصصهعليه‌السلام يذكر عزمه على المهاجرة من بين قومه و استيهابه من الله ولداً صالحاً و إجابته إلى ذلك و قصّة ذبحه و نزول الفداء.

فقوله:( وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي ) إلخ كالإنجاز لما وعدهم به مخاطباً لآزر:( وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى‏ أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا ) مريم: ٤٨ و منه يعلم أنّ مراده بالذهاب إلى ربّه الذهاب إلى مكان يتجرّد فيه لعبادته تعالى و دعائه و هو الأرض المقدّسة.

١٣٧

و قول بعضهم: إنّ المراد أذهب إلى حيث أمرني ربّي لا شاهد عليه.

و كذا قول بعضهم: إنّ المراد إنّي ذاهب إلى لقاء ربّي حيث يلقونني في النار فأموت و ألقى ربّي سيهديني إلى الجنّة.

و فيه - كما قيل - أنّ ذيل الآية لا يناسبه و هو قوله:( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) و كذا قوله بعده:( فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) .

قوله تعالى: ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) حكاية دعاء إبراهيمعليه‌السلام و مسألته الولد أي قال:( رَبِّ هَبْ لِي ) إلخ و قد قيّده بكونه من الصالحين.

قوله تعالى: ( فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) أي فبشّرناه أنّا سنرزقه غلاماً حليماً و فيه إشارة إلى أنّه يكون ذكراً و يبلغ حدّ الغلمان، و أخذ الغلومة في وصفه مع أنّه بلغ مبلغ الرجال للإشارة إلى حاله الّتي يظهر فيها صفة كماله و صفاء ذاته و هو حلمه الّذي مكّنه من الصبر في ذات الله إذ قال:( يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) .

و لم يوصف في القرآن من الأنبياء بالحلم إلّا هذا النبيّ الكريم في هذه الآية و أبوه في قوله تعالى:( إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ) هود: ٧٥.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) إلخ الفاء في أوّل الآية فصيحة تدلّ على محذوف و التقدير فلمّا ولد له و نشأ و بلغ معه السعي، و المراد ببلوغ السعي بلوغه من العمر مبلغاً يسعى فيه لحوائج الحياة عادة و هو سنّ الرهاق، و المعنى فلمّا راهق الغلام قال له يا بنيّ إلخ.

و قوله:( قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) هي رؤيا إبراهيم ذبح ابنه، و قوله:( إِنِّي أَرى‏ ) يدلّ على تكرّر هذه الرؤيا له كما في قوله:( وَ قالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى) الخ يوسف: ٣٣.

و قوله:( فَانْظُرْ ما ذا تَرى) هو من الرأي بمعنى الاعتقاد أي فتفكّر فيما قلت و عيّن ما هو رأيك فيه، و هذه الجملة دليل على أنّ إبراهيمعليه‌السلام فهم من منامه أنّه

١٣٨

أمر له بالذبح مثّل له في مثال نتيجة الأمر و لذا طلب من ابنه الرأي فيه و هو يختبره بما ذا يجيبه؟.

و قوله:( قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) جواب ابنه، و قوله:( يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ) إظهار رضي بالذبح في صورة الأمر و قد قال: افعل ما تؤمر و لم يقل اذبحني إشارة إلى أنّ أباه مأمور بأمر ليس له إلّا ائتماره و طاعته.

و قوله:( سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) تطييب منه لنفس أبيه أنّه لا يجزع منه و لا يأتي بما يهيّج وجد الوالد عن ولده المزمّل بدمائه، و قد زاد في كلامه صفاء على صفاء إذ قيّد وعده بالصبر بقوله:( إِنْ شاءَ اللهُ ) فأشار إلى أنّ اتّصافه بهذه الصفة الكريمة أعني الصبر ليس له من نفسه و لا أنّ زمامه بيده بل هو من مواهب الله و مننه إن يشأ تلبّس به و له أن لا يشاء فينزعه منه.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) الإسلام الرضا و الاستسلام: و التلّ الصرع و الجبين أحد جانبي الجبهة و اللّام في( لِلْجَبِينِ ) لبيان ما وقع عليه الصراع كقوله:( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) الإسراء: ١٠٧، و المعنى فلمّا استسلما إبراهيم و ابنه لأمر الله و رضيا به و صرعة إبراهيم على جبينه.

و جواب لمّا محذوف إيماء إلى شدّة المصيبة و مرارة الواقعة.

قوله تعالى: ( وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ) معطوف على جواب لمّا المحذوف، و قوله:( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ) أي أوردتها مورد الصدق و جعلتها صادقة و امتثلت الأمر الّذي أمرناك فيها أي إنّ الأمر فيها كان امتحانيّاً يكفي في امتثاله تهيّؤ المأمور للفعل و إشرافه عليه فحسب.

قوله تعالى: ( إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) الإشارة بكذلك إلى قصّة الذبح بما أنّها محنة شاقّة و ابتلاء شديد و الإشارة بهذا إليها أيضاً و هو تعليل لشدّة الأمر.

و المعنى: إنّا على هذه الوتيرة نجزي المحسنين فنمتحنهم امتحانات شاقّة صورة هيّنة

١٣٩

معنى فإذا أتمّوا الابتلاء جزيناهم أحسن الجزاء في الدنيا و الآخرة، و ذلك لأنّ الّذي ابتلينا به إبراهيم لهو البلاء المبين.

قوله تعالى: ( وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) أي و فدينا ابنه بذبح عظيم و كان كبشاً أتى به جبرئيل من عند الله سبحانه فداء على ما في الأخبار، و المراد بعظمة الذبح عظمة شأنه بكونه من عند الله سبحانه و هو الّذي فدى به الذبيح.

قوله تعالى: ( وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ) تقدّم الكلام فيه.

قوله تعالى: ( سَلامٌ عَلى‏ إِبْراهِيمَ ) تحيّة منه تعالى عليه، و في تنكير سلام تفخيم له.

قوله تعالى: ( كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) تقدّم تفسير الآيتين.

قوله تعالى: ( وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) الضمير لإبراهيمعليه‌السلام .

و اعلم أنّ هذه الآية المتضمّنة للبشرى بإسحاق بوقوعها بعد البشرى السابقة بقوله:( فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) المتعقّبة بقوله:( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ) إلى آخر القصّة ظاهرة كالصريحة أو هي صريحة في أنّ الذبيح غير إسحاق و هو إسماعيلعليهما‌السلام و قد فصّلنا القول في ذلك في قصص إبراهيمعليه‌السلام من سورة الأنعام.

قوله تعالى: ( وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى‏ إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ‏ ) المباركة على شي‏ء جعل الخير و النماء و الثبات فيه أي و جعلنا فيما أعطينا إبراهيم و إسحاق الخير الثابت و النماء.

و يمكن أن يكون قوله:( وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما ) إلخ قرينة على أنّ المراد بقوله:( بارَكْنا ) إعطاء البركة و الكثرة في أولاده و أولاد إسحاق، و الباقي ظاهر.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) قال: القلب السليم الّذي يلقى الله عزّوجلّ و ليس فيه أحد سواه.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419