الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٧

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 419

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166992 / تحميل: 5942
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قوله تعالى: ( وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ) الخصم مصدر كالخصومة اُريد به القوم الّذي استقرّ فيهم الخصومة، و التسوّر الارتقاء إلى أعلى السور و هو الحائط الرفيع كالتسنّم بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير و التذرّي بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبل، و قد فسّر المحراب بالغرفة و العليّة، و الاستفهام للتعجيب و التشويق إلى استماع الخبر.

و المعنى هل أتاك يا محمّد خبر القوم المتخاصمين إذ علوا سور المحراب محراب داودعليه‌السلام .

قوله تعالى: ( إِذْ دَخَلُوا عَلى‏ داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ) إلى آخر الآية لفظة( إِذْ ) هذه ظرف لقوله:( تَسَوَّرُوا ) كما أنّ( إِذْ ) الاُولى ظرف لقوله:( نَبَأُ الْخَصْمِ ) و محصّل المعنى أنّهم دخلوا على داود و هو في محرابه لا من الطريق العادّيّ بل بتسوّره بالارتقاء إلى سوره و الورود عليه منه و لذا فزع منهم لمّا رآهم دخلوا عليه من غير الطريق العادّيّ و بغير إذن.

و قوله:( فَفَزِعَ مِنْهُمْ ) قال الراغب: الفزع انقباض و نفار يعتري الإنسان من الشي‏ء المخيف و هو من جنس الجزع و لا يقال: فزعت من الله كما يقال: خفت منه. انتهى.

و قد تقدّم أنّ الخشية تأثير القلب بحيث يستتبع الاضطراب و القلق و هي رذيلة مذمومة إلّا الخشية من الله سبحانه و لذا كان الأنبياءعليهم‌السلام لا يخشون غيره قال تعالى:( وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ ) الأحزاب: ٣٩.

و أنّ الخوف هو التأثير عن المكروه في مقام العمل بتهيئة ما يتحرّز به من الشرّ و يدفع به المكروه لا في مقام الإدراك فليس برذيلة مذمومة لذاته بل هو حسن فيما يحسن الاتّقاء قال تعالى خطاباً لرسوله:( وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً ) الأنفال: ٥٨.

و إذا كان الفزع هو الانقباض و النفار الحاصل من الشي‏ء المخوف كان أمراً راجعاً إلى مقام العمل دون الإدراك فلم يكن رذيلة بذاته بل كان فضيلة عند تحقّق مكروه ينبغي التحرّز منه فلا ضير في نسبته إلى داودعليه‌السلام في قوله:( فَفَزِعَ مِنْهُمْ ) و هو

١٨١

من الأنبياء الّذين لا يخشون إلّا الله.

و قوله:( قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى‏ بَعْضُنا عَلى‏ بَعْضٍ ) لمّا رأوا ما عليه داودعليه‌السلام من الفزع أرادوا تطييب نفسه و إسكان روعه فقالوا:( لا تَخَفْ ) و هو نهي عن الفزع بالنهي عن سببه الّذي هو الخوف( خَصْمانِ بَغى‏ ) إلخ أي نحن خصمان أي فريقان متخاصمان تجاوز بعضنا ظلماً على بعض.

و قوله:( فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ ) إلخ الشطط الجور أي فاحكم بيننا حكماً مصاحباً للحقّ و لا تجر في حكمك و دلّنا على وسط العدل من الطريق.

قوله تعالى: ( إِنَّ هذا أَخِي ) إلى آخر الآية بيان لخصومتهم و قوله:( إِنَّ هذا أَخِي ) كلام لواحد من أحد الفريقين يشير إلى آخر من الفريق الآخر بأنّ( هَذَا أَخِي لَهُ ) إلخ.

و بهذا يظهر فساد ما استدلّ بعضهم بالآية على أنّ أقلّ الجمع اثنان لظهور قوله:( إِذْ تَسَوَّرُوا ) ( إِذْ دَخَلُوا ) في كونهم جمعاً و دلالة قوله:( خَصْمانِ ) ( هذا أَخِي ) على الاثنينيّة.

و ذلك لجواز أن يكون في كلّ واحد من جانبي التثنية أكثر من فرد واحد قال تعالى:( هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا ) الخ الحجّ: ١٩ و جواز أن يكون أصل الخصومة بين فردين ثمّ يلحق بكلّ منهما غيره لإعانته في دعواه.

و قوله:( لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ ) النعجة الاُنثى من الضأن، و( أَكْفِلْنِيها ) أي اجعلها في كفالتي و تحت سلطتي و( عَزَّنِي فِي الْخِطابِ ) أي غلبني فيه و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى‏ نِعاجِهِ - إلى قوله -وَ قَلِيلٌ ما هُمْ ) جواب داودعليه‌السلام ، و لعلّه قضاء تقديريّ قبل استماع كلام المتخاصم الآخر فإنّ من الجائز أن يكون عنده من القول ما يكشف عن كونه محقّاً فيما يطلبه و يقترحه على صاحبه لكن صاحب النعجة الواحدة ألقى كلامه بوجه هيّج الرحمة و العطوفة منه

١٨٢

عليه‌السلام فبادر إلى هذا التصديق التقديريّ فقال:( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى‏ نِعاجِهِ ) .

فاللّام للقسم، و السؤال - على ما قيل - مضمّن معنى الإضافة و لذا عدّي إلى المفعول الثاني بإلى، و المعنى اُقسم لقد ظلمك بسؤال إضافة نعجتك إلى نعاجه.

و قوله:( وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما هُمْ ) من تمام كلام داودعليه‌السلام يقرّر به كلامه الأوّل و الخلطاء الشركاء المخالطون.

قوله تعالى: ( وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ ) أي علم داود أنّما فتنّاه بهذه الواقعة أي أنّها إنّما كانت فتنة فتنّاه بها و الفتنة الامتحان، و قيل: ظنّ بمعناه المعروف الّذي هو خلاف اليقين و ذكر استغفاره و توبته مطلقين يؤيّد ما قدّمناه و لو كان الظنّ بمعناه المعروف كان الاستغفار و التوبة على تقدير كونها فتنة واقعاً و إطلاق اللفظة يدفعه، و الخرّ على ما ذكره الراغب سقوط يسمع منه خرير و الخرير يقال لصوت الماء و الريح و غير ذلك ممّا يسقط من علو، و الركوع - على ما ذكره - مطلق الانحناء.

و الإنابة إلى الله - على ما ذكره الراغب - الرجوع إليه بالتوبة و إخلاص العمل و هي من النوب بمعنى رجوع الشي‏ء مرّة بعد اُخرى.

و المعنى: و علم داود أنّ هذه الواقعة إنّما كانت امتحاناً امتحنّاه و أنّه أخطأ فاستغفر ربّه - ممّا وقع منه - و خرّ منحنياً و تاب إليه.

و أكثر المفسّرين تبعاً للروايات على أنّ هؤلاء الخصم الداخلين على داودعليه‌السلام كانوا ملائكة أرسلهم الله سبحانه إليه ليمتحنه و ستعرف حال الروايات.

لكن خصوصيّات القصّة كتسوّرهم المحراب و دخولهم عليه دخولاً غير عاديّ بحيث أفزعوه، و كذا تنبّهه بأنّه إنّما كان فتنة من الله له لا واقعة عاديّة، و قوله تعالى بعد:( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ ) الظاهر في أنّ الله ابتلاه بما ابتلى لينبّهه و يسدّده في خلافته و حكمه بين الناس، كلّ ذلك يؤيّد كونهم من الملائكة

١٨٣

و قد تمثّلوا له في صورة رجال من الإنس.

و على هذا فالواقعة تمثّل تمثّل فيه الملائكة في صورة متخاصمين لأحدهما نعجة واحدة يسألها آخر له تسع و تسعون نعجة و سألوه القضاء فقال لصاحب النعجة الواحدة:( لَقَدْ ظَلَمَكَ ) إلخ و كان قولهعليه‌السلام - لو كان قضاء منجّزاً - حكماً منه في ظرف التمثّل كما لو كان رآهم فيما يرى النائم فقال لهم ما قال و حكم فيهم بما حكم و من المعلوم أن لا تكليف في ظرف التمثّل كما لا تكليف في عالم الرؤيا و إنّما التكليف في عالمنا المشهود و هو عالم المادّة و لم تقع الواقعة فيه و لا كان هناك متخاصمان و لا نعجة و لا نعاج إلّا في ظرف التمثّل فكانت خطيئة داودعليه‌السلام في هذا الظرف من التمثّل و لا تكليف هناك كخطيئة آدمعليه‌السلام في الجنّة من أكل الشجرة قبل الهبوط إلى الأرض و تشريع الشرائع و جعل التكاليف، و استغفاره و توبته ممّا صدر منه كاستغفار آدم و توبته ممّا صدر منه و قد صرّح الله بخلافته في كلامه كما صرّح بخلافة آدمعليه‌السلام في كلامه و قد مرّ توضيح ذلك في قصّة آدمعليه‌السلام من سورة البقرة في الجزء الأوّل من الكتاب.

و أمّا على قول بعض المفسّرين من أنّ المتخاصمين الداخلين عليه كانوا بشراً و القصّة على ظاهرها فينبغي أن يؤخذ قوله:( لَقَدْ ظَلَمَكَ ) إلخ قضاء تقديرياً أي إنّك مظلوم لو لم يأت خصيمك بحجّة بيّنة، و إنّما ذلك لحفظ على ما قامت عليه الحجّة من طريقي العقل و النقل أنّ الأنبياء معصومون بعصمة من الله لا يجوز عليهم كبيرة و لا صغيرة.

على أنّ الله سبحانه صرّح قبلاً بأنّه آتاه الحكمة و فصل الخطاب و لا يلائم ذلك خطأه في القضاء.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى‏ وَ حُسْنَ مَآبٍ ) الزلفة و الزلفى المنزلة و الحظوة، و المآب المرجع، و تنكير( لَزُلْفى) و( مَآبٍ ) للتفخيم، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) إلى آخر الآية الظاهر أنّ الكلام بتقدير القول و التقدير فغفرنا له ذلك و قلنا يا داود إلخ.

و ظاهر الخلافة أنّها خلافة الله فتنطبق على ما في قوله تعالى:( وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ

١٨٤

لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) البقرة: ٣٠ و من شأن الخلافة أن يحاكي الخليفة من استخلفه في صفاته و أعماله فعلى خليفة الله في الأرض أن يتخلّق بأخلاق الله و يريد و يفعل ما يريده الله و يحكم و يقضي بما يقضي به الله - و الله يقضي بالحقّ - و يسلك سبيل الله و لا يتعدّاها.

و لذلك فرّع على جعل خلافته قوله:( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) و هذا يؤيّد أنّ المراد بجعل خلافته إخراجها من القوّة إلى الفعل في حقّه لا مجرّد الخلافة الشأنيّة لأنّ الله أكمله في صفاته و آتاه الملك يحكم بين الناس.

و قول بعضهم: إنّ المراد بخلافته المجعولة خلافته ممّن قبله من الأنبياء و تفريع قوله:( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) لأنّ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل أو أنّ المترتّب هو مطلق الحكم بين الناس الّذي هو من آثار الخلافة و تقييده بالحقّ لأنّ سداده به، تصرّف في اللفظ من غير شاهد.

و قوله:( وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) العطف و المقابلة بينه و بين ما قبله يعطيان أنّ المعنى و لا تتّبع في قضائك الهوى هوى النفس فيضلّك عن الحقّ الّذي هو سبيل الله فتفيد الآية أنّ سبيل الله هو الحقّ.

قال بعضهم: إنّ في أمرهعليه‌السلام بالحكم بالحقّ و نهيه عن اتّباع الهوى تنبيهاً لغيره ممّن يلي اُمور الناس أن يحكم بينهم بالحقّ و لا يتّبع الباطل و إلّا فهوعليه‌السلام من حيث إنّه معصوم لا يحكم إلّا بالحقّ و لا يتّبع الباطل.

و فيه أنّ أمر تنبيه غيره بما وجّه إليه من التكليف في محلّه لكن عصمة المعصوم و عدم حكمه إلّا بالحقّ لا يمنع توجه التكليف بالأمر و النهي إليه فإنّ العصمة لا توجب سلب اختياره و ما دام اختياره باقياً جاز بل وجب توجه التكليف إليه كما يتوجّه إلى غيره من الناس، و لو لا توجّه التكليف إلى المعصوم لم يتحقّق بالنسبة إليه واجب و محرّم و لم تتميّز طاعة من معصية فلغا معنى العصمة الّتي هي المصونيّة عن المعصية.

و قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ )

١٨٥

تعليل للنهي عن اتّباع الهوى بأنّه يلازم نسيان يوم الحساب و في نسيانه عذاب شديد و المراد بنسيانه عدم الاعتناء بأمره.

و في الآية دلالة على أنّ كلّ ضلال عن سبيل الله سبحانه بمعصية من المعاصي لا ينفكّ عن نسيان يوم الحساب.

قوله تعالى: ( وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ) إلى آخر الآية، لمّا انتهى الكلام إلى ذكر يوم الحساب عطف عنان البيان عليه فاحتجّ عليه بحجّتين إحداهما ما ساقه في هذه الآية بقوله:( وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ ) إلخ و هو احتجاج من طريق الغايات إذ لو لم يكن خلق السماء و الأرض و ما بينهما - و هي اُمور مخلوقة مؤجّلة توجد و تفنى - مؤدّياً إلى غاية ثابتة باقية غير مؤجّلة كان باطلاً و الباطل بمعنى ما لا غاية له ممتنع التحقّق في الأعيان. على أنّه مستحيل من الحكيم و لا ريب في حكمته تعالى.

و ربّما اُطلق الباطل و اُريد به اللعب و لو كان المراد ذلك كانت الآية في معنى قوله:( وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ) الدخان: ٣٩.

و قيل: الآية عطف على ما قبلها بحسب المعنى كأنّه قيل: و لا تتّبع الهوى لأنّه يكون سبباً لضلالك و لأنّه تعالى لم يخلق العالم لأجل اتّباع الهوى و هو الباطل بل خلقه للتوحيد و متابعة الشرع.

و فيه أنّ الآية التالية:( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ) إلخ لا تلائم هذا المعنى.

و قوله:( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) أي خلق العالم باطلاً لا غاية له و انتفاء يوم الحساب الّذي يظهر فيه ما ينتجه حساب الاُمور ظنّ الّذين كفروا بالمعاد فويل لهم من عذاب النار.

قوله تعالى: ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) هذه هي الحجّة الثانية على المعاد و تقريرها أنّ للإنسان

١٨٦

كسائر الأنواع كمالاً بالضرورة و كمال الإنسان هو خروجه في جانبي العلم و العمل من القوّة إلى الفعل بأن يعتقد الاعتقادات الحقّة و يعمل الأعمال الصالحة اللّتين يهديه إليهما فطرته الصحيحة و هما الإيمان بالحقّ و العمل الصالح اللّذين بهما يصلح المجتمع الإنسانيّ الّذي في الأرض.

فالّذين آمنوا و عملوا الصالحات و هم المتّقون هم الكاملون من الإنسان و المفسدون في الأرض بفساد اعتقادهم و عملهم و هم الفجّار هم الناقصون الخاسرون في إنسانيّتهم حقيقة، و مقتضى هذا الكمال و النقص أن يكون بإزاء الكمال حياة سعيدة و عيش طيّب و بإزاء خلافه خلاف ذلك.

و من المعلوم أنّ هذه الحياة الدنيا الّتي يشتركان فيها هي تحت سيطرة الأسباب و العوامل المادّيّة و نسبتها إلى الكامل و الناقص و المؤمن و الكافر على السواء فمن أجاد العمل و وافقته الأسباب المادّيّة فاز بطيب العيش و من كان على خلاف ذلك لزمه الشقاء و ضنك المعيشة.

فلو كانت الحياة مقصورة على هذه الحياة الدنيويّة الّتي نسبتها إلى الفريقين على السواء و لم تكن هناك حياة تختصّ بكلّ منهما و تناسب حاله كان ذلك منافياً للعناية الإلهيّة بإيصال كلّ ذي حقّ حقّه و إعطاء المقتضيات ما تقتضيه.

و إن شئت فقل: تسوية(١) بين الفريقين و إلغاء ما يقتضيه صلاح هذا و فساد ذلك خلاف عدله تعالى.

و الآية - كما ترى - لا تنفي استواء حال المؤمن و الكافر و إنّما قرّرت المقابلة بين من آمن و عمل صالحاً و بين من لم يكن كذلك سواء كان غير مؤمن أو مؤمناً غير صالح و لذا أتت بالمقابلة ثانياً بين المتّقين و الفجّار.

قوله تعالى: ( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) أي هذا كتاب من وصفه كذا و كذا، و توصيفه بالإنزال المشعر بالدفعة دون

____________________

(١) الحجّة الأولى برهانية و الثانية جدلية.

١٨٧

التنزيل الدالّ على التدريج لأنّ ما ذكر من التدبّر و التذكّر يناسب اعتباره مجموعاً لا نجوماً مفرّقة.

و المقابلة بين( لِيَدَّبَّرُوا ) و( لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) تفيد أنّ المراد بضمير الجمع الناس عامّة.

و المعنى: هذا كتاب أنزلناه إليك كثير الخيرات و البركات للعامّة و الخاصّة ليتدبّره الناس فيهتدوا به أو تتمّ لهم الحجّة و ليتذكّر به اُولو الألباب فيهتدوا إلى الحقّ باستحضار حجّته و تلقّيها من بيانه.

( بحث روائي)

روي في الدرّ المنثور، بطريق عن أنس و عن مجاهد و السديّ و بعدّة طرق عن ابن عبّاس قصّة دخول الخصم على داودعليه‌السلام على اختلاف ما في الروايات و روى مثلها القمّيّ في تفسيره، و رواها في العرائس، و غيره و قد لخصّها في مجمع البيان، كما يأتي: إنّ داود كان كثير الصلاة فقال: يا ربّ فضّلت عليّ إبراهيم فاتّخذته خليلاً و فضّلت عليّ موسى فكلّمته تكليماً فقال: يا داود إنّا ابتليناهم بما لم نبتلك بمثله فإن شئت ابتليتك فقال: نعم يا ربّ فابتلني.

فبينا هو في محرابه ذات يوم إذ وقعت حمامة فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوّة المحراب فذهب ليأخذها فاطّلع من الكوّة فإذا امرأة اُوريا بن حيّان تغتسل فهواها و همّ بتزويجها فبعث باُوريا إلى بعض سراياه و أمر بتقديمه أمام التابوت الّذي فيه السكينة ففعل ذلك و قتل.

فلمّا انقضت عدّتها تزوّجها و بنى بها فولد له منها سليمان فبينا هو ذات يوم في محرابه إذ دخل عليه رجلان ففزع منهما فقالا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض - إلى قوله - و قليل مّا هم، فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه ثمّ ضحك فتنبّه داود على أنّهما ملكان بعثهما الله إليه في صورة خصمين ليبكتاه على خطيئته فتاب و بكى حتّى نبت الزرع من كثرة دموعه.

١٨٨

ثمّ قال في المجمع - و نعم ما قال -: إنّه ممّا لا شبهة في فساده فإنّ ذلك ممّا يقدح في العدالة فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الّذين هم اُمناؤه على وحيه و سفراؤه بينه و بين خلقه بصفة من لا تقبل شهادته و على حالة تنفرّ عن الاستماع إليه و القبول منه.

أقول: و القصّة مأخوذة من التوراة غير أنّ الّتي فيها أشنع و أفظع فعدّلت بعض التعديل على ما سيلوح لك.

ففي التوراة ما ملخّصه: و كان في وقت المساء أنّ داود قام عن سريره و تمشّي على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحمّ و كانت المرأة جميلة المنظر جدّاً.

فأرسل داود و سأل عن المرأة فقيل: إنّها بَتشَبَع امرأة اُوريّا الحثّي فأرسل داود رسلاً و أخذها فدخلت عليه فاضطجع معها و هي مطهّرة من طمثها ثمّ رجعت إلى بيتها و حبلت المرأة فأرسلت و أخبرت داود أنها حبلى.

و كان اُوريّا في جيش لداود يحاربون بني عَمون فكتب داود إلى يوآب أمير جيشه يأمره بإرسال اُوريّا إليه و لمّا أتاه و أقام عنده أيّاماً كتب مكتوباً إلى يوآب(١) و أرسله بيد اُوريّا، و كتب في المكتوب يقول: اجعلوا اُوريّا في وجه الحرب الشديدة و ارجعوا من ورائه فيضرب و يموت ففعل به ذلك فقتل و اُخبر داود بذلك.

فلمّا سمعت امرأة اُوريّا أنّه قد مات ندبت بعلها و لمّا مضت المناحة أرسل داود و ضمّها إلى بيته و صارت له امرأة و ولدت له ابناً و أمّا الأمر الّذي فعله داود فقبح في عيني الربّ.

فأرسل الربّ ناثان النبيّ إلى داود فجاء إليه و قال له: كان رجلان في مدينة واحدة واحد منهما غنيّ و الآخر فقير، و كان للغنيّ غنم و بقر كثيرة جدّاً و أمّا الفقير فلم يكن له شي‏ء إلّا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها و ربّاها فجاء ضيف إلى الرجل الغنيّ فعفا أن يأخذ من غنمه و من بقره ليهيّئ للضيف الّذي جاء إليه فأخذ نعجة

____________________

(١) ملخص من الإصحاح الحادي عشر و الثاني عشر من صموئيل الثاني.

١٨٩

الرجل الفقير و هيّأ لضيفه، فحمي غضب داود على الرجل جدّاً و قال لناثان: حيّ هو الربّ إنّه يقتل الرجل الفاعل ذلك و تردّ النعجة أربعة أضعاف لأنّه فعل هذا الأمر و لأنّه لم يشفق.

فقال ناثان لداود: أنت هو الرجل يعاتبك الربّ و يقول: ساُقيم عليك الشرّ من بيتك و آخذ نساءك أمام عينيك و اُعطيهنّ لقريبك فيضطجع معهنّ قدّام جميع إسرائيل و قدّام الشمس جزاء لما فعلت باُوريّا و امرأته.

فقال داود لناثان: قد أخطأت إلى الربّ فقال ناثان لداود: الربّ أيضاً قد نقل عنك خطيئتك. لا تموت غير أنّه من أجل أنّك قد جعلت بهذا الأمر أعداء الربّ يشمتون فالابن المولود لك من المرأة يموت، فأمرض الله الصبيّ سبعة أيّام ثمّ قبضه ثمّ ولدت مرأة اُوريّا بعده لداود ابنه سليمان.

و في العيون، في باب مجلس الرضا عند المأمون مع أصحاب الملل و المقالات: قال‏ الرضاعليه‌السلام لابن جهم: و أمّا داود فما يقول من قبلكم فيه؟ قال: يقولون: إنّ داود كان يصلّي في محرابه إذ تصوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع داود صلاته و قام يأخذ الطير إلى الدار فخرج في إثره فطار الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار اُوريا بن حيّان.

فاطّلع داود في إثر الطير فإذا بامرأة اُوريّا تغتسل فلمّا نظر إليها هواها و كان قد أخرج اُوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدّم اُوريا أمام التابوت فقدّم فظفر اُوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب إليه ثانية أن قدّمه أمام التابوت فقدّم فقتل اُوريا و تزوّج داود بامرأته.

قال: فضرب الرضاعليه‌السلام يده على جبهته و قال: إنّا لله و إنّا إليه راجعون لقد نسبتم نبيّاً من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتّى خرج في أثر الطير ثمّ بالفاحشة ثمّ بالقتل.

فقال: يا ابن رسول الله ما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك إنّ داودعليه‌السلام إنّما ظنّ أنّه ما خلق الله خلقاً هو أعلم منه فبعث الله عزّوجلّ إليه الملكين فسوّراً المحراب

١٩٠

فقال: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ و لا تشطط و اهدنا إلى سواء الصراط إنّ هذا أخي له تسع و تسعون نعجة و لي نعجة واحدة فقال أكفلنيها و عزّني في الخطاب فعجّل داود على المدّعى عليه فقال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه و لم يسأل المدّعي البيّنة على ذلك، و لم يقبل على المدّعى عليه فيقول له: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه أ لا تسمع الله عزّوجلّ يقول:( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) إلى آخر الآية.

فقال: يا ابن رسول الله ما قصّته مع اُوريا؟ قال الرضاعليه‌السلام : إنّ المرأة في أيّام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً فأوّل من أباح الله عزّوجلّ له أن يتزوّج بامرأة قتل بعلها داودعليه‌السلام فتزوّج بامرأة اُوريا لمّا قتل و انقضت عدّتها فذلك الّذي شقّ على الناس من قتل اُوريا.

و في أمالي الصدوق، بإسناده إلى أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّه قال لعلقمة: إنّ رضا الناس لا يملك و ألسنتهم لا تضبط أ لم ينسبوا داودعليه‌السلام إلى أنّه تبع الطير حتّى نظر إلى امرأة اُوريا فهواها، و أنّه قدّم زوجها أمام التابوت حتّى قتل ثمّ تزوّج بها الحديث.

( كلام في قصص داود في فصول)

١- قصّته في القرآن: لم يقع من قصّته في القرآن إلّا إشارات فقد ذكر سبحانه أنّه كان في جيش طالوت الملك حين حارب جالوت فقتل داود فأتاه الله الملك بعد طالوت و الحكمة و علّمه ممّا يشاء( البقرة: ٢٥١) و جعله خليفة له يحكم بين الناس و آتاه فصل الخطاب( ص: ٢٠ و ٢٦) و قد أيّد الله ملكه و سخّر معه الجبال و الطير يسبّحن معه( الأنبياء: ٧٩، ص: ١٩) و ألان له الحديد يعمل و ينسج منه الدروع( الأنبياء: ٨٠ سبأ: ١١) .

٢- جميل الثناء عليه في القرآن: عدّه سبحانه من الأنبياء و أثنى عليه بما أثنى عليهم و خصّه بقوله:( وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ) ( النساء: ١٦٣)

١٩١

و آتاه فضلاً و علماً( سبأ: ١٠ النمل: ١٥) و آتاه الحكمة و فصل الخطاب و جعله خليفة في الأرض( ص: ٢٠ و ٢٦) و وصفه بأنّه أوّاب و أنّ له عنده لزلفى و حسن مآب( ص: ١٩ و ٢٥) .

٣- حول قصّة المتخاصمين: التدبّر في آيات الكتاب المتعرّضة لقصّة دخول المتخاصمين على داودعليه‌السلام لا يعطي أزيد من كونه امتحاناً منه تعالى لهعليه‌السلام في ظرف التمثّل ليربّيه تربية إلهيّة و يعلّمه رسم القضاء العدل فلا يجور في الحكم و لا يعدل عن العدل.

و أمّا ما تضمّنته غالب الروايات من قصّة اُوريا و امرأته فهو ممّا يجل عنه الأنبياءعليهم‌السلام و يتنزّه عنه ساحتهم و قد تقدّم في بيان الآيات و البحث الروائي محصّل الكلام في ذلك.

١٩٢

( سورة ص الآيات ٣٠ - ٤٠)

وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ  نِعْمَ الْعَبْدُ  إِنَّهُ أَوَّابٌ ( ٣٠ ) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ( ٣١ ) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ( ٣٢ ) رُدُّوهَا عَلَيَّ  فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ( ٣٣ ) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( ٣٤ ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي  إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ( ٣٥ ) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( ٣٦ ) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( ٣٧ ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ( ٣٨ ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( ٣٩ ) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ( ٤٠ )

( بيان)

القصّة الثانية من قصص العباد الأوّابين الّتي اُمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصبر و يذكرها.

قوله تعالى: ( وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أي وهبناه له ولداً و الباقي ظاهر ممّا تقدّم.

قوله تعالى: ( إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ ) العشيّ مقابل الغداة و هو آخر النهار بعد الزوال، و الصافنات على ما في المجمع، جمع الصافنة من الخيل و

١٩٣

هي الّتي تقوم على ثلاث قوائم و ترفع إحدى يديها حتّى تكون على طرف الحافر. قال: و الجياد جمع جواد و الياء ههنا منقلبة عن واو و الأصل جواد و هي السراع من الخيل كأنّها تجود بالركض. انتهى.

قوله تعالى: ( فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) الضمير لسليمان، و المراد بالخير: الخيل - على ما قيل - فإنّ العرب تسمّي الخيل خيراً و عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة.

و قيل: المراد بالخير المال الكثير و قد استعمل بهذا المعنى في مواضع من كلامه تعالى كقوله:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) البقرة: ١٨٠.

و قوله:( إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) قالوا: إنّ( أَحْبَبْتُ ) مضمّن معنى الإيثار و( عَنْ ) بمعنى على، و المراد إنّي آثرت حبّ الخيل على ذكر ربّي و هو الصلاة محبّاً إيّاه أو أحببت الخيل حبّاً مؤثّراً إيّاه على ذكر ربّي فاشتغلت بما عرض عليّ من الخيل عن الصلاة حتّى غربت الشمس.

و قوله:( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) الضمير على ما قالوا للشمس و المراد بتواريها بالحجاب غروبها و استتارها تحت حجاب الاُفق، و يؤيّد هذا المعنى ذكر العشيّ في الآية السابقة إذ لو لا ذلك لم يكن غرض ظاهر يترتّب على ذكر العشيّ.

فمحصّل معنى الآية أنّي شغلني حبّ الخيل - حين عرض الخيل عليّ - عن الصلاة حتّى فات وقتها بغروب الشمس، و إنّما كان يحبّ الخيل في الله ليتهيّأ به للجهاد في سبيل الله فكان الحضور للعرض عبادة منه فشغلته عبادة عن عبادة غير أنّه يعدّ الصلاة أهمّ.

و قيل: ضمير( تَوارَتْ ) للخيل و ذلك أنّه أمر بإجراء الخيل فشغله النظر في جريها حتّى غابت عن نظره و توارت بحجاب البعد، و قد تقدّم أنّ ذكر العشيّ يؤيّد المعنى السابق و لا دليل على ما ذكره من حديث الأمر بالجري من لفظ الآية.

قوله تعالى: ( رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ ) قيل: الضمير في( رُدُّوها ) للشمس و هو أمر منه للملائكة بردّ الشمس ليصلّي صلاته في وقتها، و قوله:

١٩٤

( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ ) أي شرع يمسح ساقيه و عنقه و يأمر أصحابه أن يمسحوا سوقهم و أعناقهم و كان ذلك وضوءهم ثمّ صلّى و صلّوا، و قد ورد ذلك في بعض الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و قيل: الضمير للخيل و المعنى قال: ردّوا الخيل فلمّا ردّت. شرع يمسح مسحاً بسوقها و أعناقها و يجعلها مسبلة في سبيل الله جزاء ما اشتغل بها عن الصلاة.

و قيل: الضمير للخيل و المراد بمسح أعناق الخيل و سوقها ضربها بالسيف و قطعها و المسح القطع فهوعليه‌السلام غضب عليها في الله لمّا شغلته عن ذكر الله فأمر بردّها ثمّ ضرب بالسيف أعناقها و سوقها فقتلها جميعاً.

و فيه أنّ مثل هذا الفعل ممّا تتنزّه ساحة الأنبياءعليهم‌السلام عن مثله فما ذنب الخيل لو شغله النظر إليها عن الصلاة حتّى تؤاخذ بأشدّ المؤاخذة فتقتل تلك القتلة الفظيعة عن آخرها مع ما فيه من إتلاف المال المحترم.

و أمّا استدلال بعضهم عليه‏ برواية أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في قوله تعالى:( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ ) قطع سوقها و أعناقها بالسيف‏ ثمّ أضاف إليها و قد جعلها بذلك قرباناً لله و كان تقريب الخيل مشروعاً في دينه فليس من التقريب ذكر في الحديث و لا في غيره.

على أنّهعليه‌السلام لم يشتغل عن العبادة بالهوى بل شغلته عبادة عن عبادة كما تقدّمت الإشارة إليه.

فالمعوّل عليه هو أوّل الوجوه إن ساعده لفظ الآية و إلّا فالوجه الثاني.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى‏ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ) الجسد هو الجسم الّذي لا روح فيه.

قيل: المراد بالجسد الملقى على كرسيّه هو سليمان نفسه لمرض امتحنه الله به و تقدير الكلام ألقيناه على كرسيّه جسداً أي كجسد لا روح فيه من شدّة المرض.

و فيه أنّ حذف الضمير من( ألقيناه) و إخراج الكلام على صورته الّتي في الآية الظاهرة في أنّ الملقى هو الجسد مخلّ بالمعنى المقصود لا يجوز حمل أفصح الكلام عليه.

١٩٥

و لسائر المفسّرين أقوال مختلفة في المراد من الآية تبعاً للروايات المختلفة الواردة فيها و الّذي يمكن أن يؤخذ من بينها إجمالاً أنّه كان جسد صبيّ له أماته الله و ألقى جسده على كرسيّه، و لقوله:( ثُمَّ أَنابَ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ) إشعار أو دلالة على أنّه كان لهعليه‌السلام فيه رجاء أو اُمنيّة في الله فأماته الله سبحانه و ألقاه على كرسيّه فنبّهه أن يفوّض الأمر إلى الله و يسلّم له.

قوله تعالي: ( قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) ظاهر السياق أنّ الاستغفار مرتبط بما في الآية السابقة من إلقاء الجسد على كرسيّه، و الفصل لكون الكلام في محلّ دفع الدخل كأنّه لمّا قيل:( ثُمَّ أَنابَ ) قيل: فما ذا قال؟ فقيل:( قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ) إلخ.

و ربّما استشكل في قوله:( وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) أنّ فيه ضنّاً و بخلاً، فإنّ فيه اشتراط أن لا يؤتى مثل ما اُوتيه من الملك لأحد من العالمين غيره.

و يدفعه أنّ فيه سؤال ملك يختصّ به لا سؤال أن يمنع غيره عن مثل ما آتاه و يحرمه ففرق بين أن يسأل ملكاً اختصاصيّاً و أن يسأل الاختصاص بملك اُوتيه.

قوله تعالى: ( فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ) متفرّع على سؤاله الملك و إخباره عن إجابة دعوته و بيان الملك الّذي لا ينبغي لأحد غيره و هو تسخير الريح و الجنّ.

و الرخاء بالضمّ اللينة و الظاهر أنّ المراد بكون الريح تجري بأمره رخاء مطاوعتها لأمره و سهولة جريانها على ما يريدهعليه‌السلام فلا يرد أنّ توصيف الريح ههنا بالرخاء يناقض توصيفه في قوله:( وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ ) الأنبياء: ٨١ بكونها عاصفة.

و ربّما اُجيب عنه بأنّ من الجائز أن يجعلها الله رخوة تارة و عاصفة اُخرى حسب ما أراد سليمانعليه‌السلام .

و قوله:( حَيْثُ أَصابَ ) أي حيث شاء سليمانعليه‌السلام و قصد و هو متعلّق بتجري.

١٩٦

قوله تعالى: ( وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ ) أي و سخّرنا له الشياطين من الجنّ كلّ بنّاء منهم يبني له في البرّ و كلّ غوّاص يعمل له في البحر فيستخرج اللئالئ و غيرها.

قوله تعالى: ( وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ) الأصفاد جمع صفد و هو الغلّ من الحديد، و المعنى سخّرنا له آخرين منهم مجموعين في الأغلال مشدودين بالسلاسل.

قوله تعالى: ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) أي هذا الّذي ذكر من الملك عطاؤنا لك بغير حساب و الظاهر أنّ المراد بكونه بغير حساب أنّه لا ينفد بالعطاء و المنّ و لذا قيل:( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ ) أي إنّهما يستويان في عدم التأثير فيه.

و قيل: المراد بغير حساب أنّك لا تحاسب عليه يوم القيامة، و قيل: المراد أنّ إعطاءه تفضّل لا مجازاة و قيل غير ذلك.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى‏ وَ حُسْنَ مَآبٍ ) تقدّم معناه.

( بحث روائي)

و في المجمع في قوله تعالى:( فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ) الآية قيل: إنّ هذه الخيل كانت شغلته عن صلاة العصر حتّى فات وقتها: عن عليّعليه‌السلام و في رواية أصحابنا: أنّه فاته أوّل الوقت.

و فيه، قال ابن عبّاس: سألت عليّاً عن هذه الآية فقال: ما بلغك فيها يا ابن عبّاس؟ قلت: سمعت كعباً يقول: اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتّى فاتته الصلاة فقال: ردّوها عليّ يعني الأفراس و كانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها و أعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوماً لأنّه ظلم الخيل بقتلها.

فقال عليّ: كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنّه أراد جهاد العدوّ حتّى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله للملائكة الموكّلين بالشمس: ردّوها عليّ فردّت فصلّى العصر في وقتها و إنّ أنبياء الله لا يظلمون و لا يأمرون بالظلم

١٩٧

لأنّهم معصومون مطهّرون.

أقول: و قول كعب الأحبار: فسلبه الله ملكه إشارة إلى حديث الخاتم الّذي سنشير إليه.

و في الفقيه، روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: إنّ سليمان بن داود عرض عليه ذات يوم بالعشيّ الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتّى توارت الشمس بالحجاب فقال للملائكة: ردّوا الشمس عليّ حتّى اُصلّي صلاتي في وقتها فردّوها فقام و مسح ساقيه و عنقه بمثل ذلك و كان ذلك وضوءهم للصلاة ثمّ قام فصلّى فلمّا فرغ غابت الشمس و طلعت النجوم، و ذلك قول الله عزّوجلّ:( وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ - إلى قوله -مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ ) .

أقول: و الرواية لا بأس بها لو ساعد لفظ الآية أعني قوله:( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ ) على ما فيها من المعنى، و أمّا مسألة ردّ الشمس فلا إشكال فيه بعد ثبوت إعجاز الأنبياء، و قد ورد ردّها لغيرهعليه‌السلام كيوشع بن نون و عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام في النقل المعتبر و لا يعبؤ بما أورده الرازيّ في تفسيره الكبير،.

و أمّا عقرهعليه‌السلام الخيل و ضربه أعناقها بالسيف فقد روي في ذلك عدّة روايات من طرق أهل السنّة و أورده القمّيّ في تفسيره، و كأنّها تنتهي إلى كعب كما مرّ في رواية ابن عبّاس المتقدّمة و كيف كان فلا يعبؤ بها كما تقدّم.

و قد بلغ من إغراقهم في القصّة أن رووا أنّ الخيل كانت عشرين ألف فرس ذات أجنة و مثله ما روي في قوله:( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) عن كعب أنّه حجاب من ياقوتة خضراء محيط بالخلائق منه اخضرّت السماء.

و مثل هذه الروايات أعاجيب من القصص رووها في قوله تعالى:( وَ أَلْقَيْنا عَلى‏ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ) الآية كما روي: أنّه ولد له ولد فأمر بإرضاعه و حفظه في السحاب إشفاقاً عليه من مردة الجنّ و في بعضها خوفاً عليه من ملك الموت فوقع يوماً جسده على كرسيّه ميتاً.

و ما روي: أنّه قال يوماً: لأطوفنّ الليلة بمائة امرأة من نسائي تلد لي كلّ واحدة منهنّ لي فارساً يجاهد في سبيل الله و لم يستثن فلم تحمل منهنّ إلّا واحدة بشقّ

١٩٨

من ولد و كان يحبّه فخبأه له بعض الجنّ من ملك الموت فأخذه من مخبإه و قبضه على كرسيّ سليمان.

و ما روي في روايات كثيرة تنتهي عدّة منها إلى ابن عبّاس و هو يصرّح في بعضها أنّه أخذه عن كعب: أنّ ملك سليمان كان في خاتمه فتخطّفه شيطان منه فزال ملكه و تسلّط الشيطان على ملكه أيّاماً ثمّ أعاد الله الخاتم إليه فعاد إلى ما كان عليه من الملك‏، و قد أوردوا في القصّة اُموراً ينبغي أن تنزّه ساحة الأنبياءعليهم‌السلام عن ذكرها فضلاً عن نسبتها إليهم. قالوا: و جلوس الشيطان على كرسيّ سليمان هو المراد بقوله تعالى:( وَ أَلْقَيْنا عَلى‏ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ) الآية.

فهذه(١) كلّها ممّا لا يعبؤ بها على ما تقدّمت الإشارة إليه و إنّما هي ممّا لعبت بها أيدي الوضع.

____________________

(١) ليراجع في الحصول على عامّة هذه الروايات الدرّ المنثور.

١٩٩

( سورة ص الآيات ٤١ - ٤٨)

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ( ٤١ ) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ  هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ( ٤٢ ) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( ٤٣ ) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ  إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا  نِّعْمَ الْعَبْدُ  إِنَّهُ أَوَّابٌ ( ٤٤ ) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ( ٤٥ ) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ( ٤٦ ) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ( ٤٧ ) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ  وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ ( ٤٨ )

( بيان)

القصّة الثالثة ممّا اُمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصبر و يذكرها و هي قصّة أيّوب النبيّعليه‌السلام و ما ابتلي به من المحنة ثمّ أكرمه الله بالعافية و العطيّة. ثمّ الأمر بذكر إبراهيم و خمسة من ذرّيّته من الأنبياءعليهم‌السلام .

قوله تعالى: ( وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى‏ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ ) دعاء منهعليه‌السلام و سؤال للعافية و أن يكشف عنه ربّه ما أصابه من سوء الحال، و لم يصرّح بما يريده و يسأله تواضعاً و تذلّلاً غير أنّ نداءه تعالى بلفظ ربّي يشعر بأنّه يناديه لحاجة.

و النصب التعب، و قوله:( إِذْ نادى‏ ) إلخ بدل اشتمال من( عَبْدَنا ) أو( أَيُّوبَ ) و قوله:( أَنِّي مَسَّنِيَ ) إلخ حكاية ندائه.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بمنى دون مكة(١) ، فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو عند أهله(٢) ، والأحوط الاولى أن تكون متواليات(٣) .

ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلا منه بالحكم، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أوالتذكر، فإن لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الاحوط(٤) .

مسألة ٢٧٦: إن جملة من مناسك الحج كالوقوف في عرفات وفي المزدلفة ورمي الجمار والمبيت بمنى، بما أن لها أياما وليالي خاصة من شهر ذي الحجة الحرام، فوظيفة المكلف أن يتحرى رؤية هلال هذا الشهر ليتسنى له الإتيان بمناسك حجه في أوقاتها.

وإذا ثبت الهلال عند قاضي الديار المقدسة، وحكم على طبقه،

____________________

رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله.

(١) كما هو ظاهر صحيحة ضريس، اذ قولهعليه‌السلام «ينحرها يوم النحر» كناية عن النحر في منى والقرينة واضحة فتدبر.

(٢) للصحيحة المتقدمة.

(٣) خروجا عن خلاف المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر.

(٤) وجه الاحتياط أن موضوع الكفارة في النصوص الافاضة العمدية، وبإطلاقها قد تكون شاملة للمقام وهو لايخلو من قوة.

٢٤١

وفرض مخالفته للموازين الشرعية، فقد يقال بحجيته حكمه في حق من يحتمل مطابقته مع الواقع، فيلزمه متابعته وترتيب آثار ثبوت الهلال فيما يرتبط بمناسك حجه من الوقوفين وغيرهما، فإذا فعل ذلك حكم بصحة حجه وإلا كان محكوما بالفساد.

بل قد يقال بالاجتزاء بمتابعة حكمه حتى فيما لم يحتمل مطابقته مع الواقع في خصوص ماتقتضي التقية الجري على وفقه.

ولكن كلا القولين في غاية الإشكال(١) ، وعلى هذا فإن تيسر للمكلف أداء أعمال الحج في أوقاتها الخاصة حسبما تقتضيه الطرق المقررة لثبوت الهلال وأتى بها صح حجه مطلقا على الأظهر.

وإن لم يأت بها كذلك - ولو لعذر - فإن ترك أيضا اتباع رأي القاضي في الوقوفين فلا شك في فساد حجه، وأما مع اتباعه ففي صحة حجه إشكال.

____________________

(١) للقصور في دلالة النصوص، وجزم السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته بالاجزاء في صورة احتمال المخالفة، وفصل بعض الاساتذة في صورة العلم بالخلاف بين كون التقية مستوعبة للوقت او لا، فيجزي في الاول دون الثاني وله شواهد في باب الصلاة، ويمكن استشعار الصحة مطلقا من معتبرة ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس.

٢٤٢

الوقوف في المزدلفة

وهو الثالث من واجبات حجّ التمتع.

والمزدلفة اسم لمكان يقال له: المشعر الحرام، وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر، وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف إلا عند الزحام وضيق الموقف، فإنه يجوز حينئذ الارتفاع الى المأزمين(١) .

مسألة ٢٧٧: يجب على الحاجّ - بعد الإفاضة من عرفات - أن يبيت شطرا من ليلة العيد بمزدلفة حتى يصبح بها، والاحوط أن يبقى فيها إلى طلوع الشمس(٢) ، وإن كان الاظهر جواز الإفاضة منها إلى وادي

____________________

(١) ففي موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

(٢) تبعا للاكثر.

٢٤٣

محسر قبل الطلوع بقليل(١) .

نعم لايجوز تجاوز الوادي إلى منى قبل أن تطلع الشمس(٢) .

مسألة ٢٧٨: الوقوف في تمام الوقت المذكور وإن كان واجباً في حال الاختيار إلا أن الركن منه هو الوقوف في الجملة.

فإذا وقف بالمزدلفة مقدارا من ليلة العيد ثم أفاض قبل طلوع الفجر صح حجه على الاظهر وعليه كفارة شاة إن كان عالماً، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه(٣) .

____________________

(١) تشهد له صحيحة هشام عنهعليه‌السلام قال: لاتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس »، وفي موثقة اسحاق قال: سألت أبا ابراهيمعليه‌السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع ؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال: لابأس »، ومثلها صحيحة معاوية بن حكيم، وعن ابن مهزيار عمن حدثه عن حماد عن جميل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا »، وفي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها.

(٢) كما هو مقتضي صحيحة هشام.

(٣) تدل عليه صحيحة مسمع عن ابي ابراهيمعليه‌السلام في رجل

=

٢٤٤

وإذا وقف مقدارا مما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صح حجه أيضا ولاكفارة عليه وإن كان آثما(١) .

مسألة ٢٧٩: يستثنى من وجوب الوقوف بالمزدلفة بالمقدار المتقدم الخائف والصبيان والنساء والضعفاء - كالشيوخ والمرضى - ومن يتولى شؤونهم، فإنه يجوز لهؤلاء الاكتفاء بالوقوف فيها ليلة العيد والإفاضة منها إلى منى قبل طلوع الفجر(٢) .

مسألة ٢٨٠: يعتبر في الوقوف بالمزدلفة نية القربة والخلوص(٣) ، كما يعتبر فيه أن يكون عن قصد نظير مامر في الوقوف بعرفات.

مسألة ٢٨١: من لم يدرك الوقوف الاختياري - الوقوف في الليل والوقوف فيما بين الطلوعين - في المزدلفة لنسيان أولعذر آخر أجزأه

____________________

=

وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» وهي كما ترى ظاهر في وجوب الكفارة على من أفاض قبل الفجر مطلقا حتى الجاهل، لوجه المقابلة فتدبر.

(١) اما عدم الكفارة فلعدم الدليل، واما الاثم فلترك الواجب.

(٢) بلا خلاف في ذلك لجملة من النصوص.

(٣) لكونها عبادة متقومة بذلك.

٢٤٥

الوقوف الاضطراري(١) - الوقوف قليلا فيما بين طلوع الشمس الى زوالها يوم العيد - ولو تركه عمداً فسد حجه(٢) .

إدراك الوقوفين أو أحدهما

تقدم أن كلاً من الوقوفين - الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة - ينقسم الى قسمين: اختياري واضطراري، فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، وإن فاته ذلك لعذر فله صور:

الاولى: أن لايدرك شيئا من الوقوفين - الاختياري منهما والاضطراري - أصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج(٣) .

وإذا كان حجه حجة الإسلام وجب عليه اداء الحج بعد ذلك

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك للنصوص.

(٢) لتركه الركن بترك بدله الاضطراري.

(٣) نصاً واجماعاً.

٢٤٦

فيما اذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته(١) .

الثانية: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.

الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة.

ففي هاتين الصورتين يصحّ حجه بلا إشكال(٢) .

الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة، والاظهر في هذه الصورة صحة حجه(٣) ، وإن كان الاحوط إعادته(٤) بعد ذلك كما في الحالة المتقدمة في الصورة الاولى(٥) .

____________________

(١) ووجهه ظاهر.

(٢) للنص والاجماع.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة العطار: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولاشيء عليه.

(٤) والظاهر أنه لاوجه لهذا الاحتياط، إلا أن يكون خروجا عن خلاف من تردد او حكم بالبطلان.

(٥) اذا كانت استطاعته باقية او كان الحج مستقرا عليه.

٢٤٧

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورةيصح حجه أيضا(١) .

السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط والاظهر في هذه الصورة بطلان الحج(٢) وانقلابه الى عمرة مفردة.

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك وتدل عليه جملة من النصوص منها صحيحة معاوية المتقدمة.

(٢) كما هو المشهور، لجملة من النصوص الصريحة الصحيحة، وفي قبالها طائفة اخرى تدل على الصحة بالاطلاق، فيرفع اليد عنها تقديما للنص على الظاهر، اذ لسان الثانية «من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» فبإطلاقها تشمل من لم يدرك عرفات اصلا، اما لسان الاولى ففي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلايتم حجه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل » وهى ناصة على بطلان من أدرك المشعر الاضطراري كما لايخفي.

وذهب بعض الاساتذة الى التفصيل بين حج التمتع والافراد، فذهب الى

=

٢٤٨

السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، والأظهر في هذه الصورة أيضا بطلان الحج(١) فينقلب حجه الى

____________________

=

الصحة في الاول والبطلان في الثاني، لكون أدلة الصحة بعضها صريح في التمتع والاخر مطلق، وأدلة البطلان بعضها مقيد بالافراد والاخر مطلق من حيث نوعية الحج، ففي صحيحة حريز قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » ومثلها رواية اسحاق.

وفي صحيحة جميل: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، ومن ادرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة.

(١) خلافا للمشهور والمعروف بين الاصحاب، وفي الجواهر نفى الخلاف المحقق في صحة الاجتزاء به بل في المنتهى أنه موضع وفاق، تبعا لعدة من النصوص.

ففي صحيحة الخثعمي عن ابي عبداللهعليه‌السلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتي منى، قال: ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها ؟ قلت: فإنه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته، قال: لابأس.

وفي صحيحة معاوية قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : مملوك اعتق يوم عرفة ؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»، وفي صحيحته

=

٢٤٩

العمرة المفردة، ويستثنى من ذلك ما إذا مر بمزدلفة في الوقت الاختياري في طريقه الى منى، ولكن لم يقصد الوقوف بها جهلا منه بالحكم، فإنه لايبعد صحة حجه حينئذ إذا كان قد ذكر الله تعالى عند مروره بها(١) .

____________________

=

الاخرى عنهعليه‌السلام في مملوك اعتق يوم عرفة، قال: اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » فدلالتها صريحة بل نص في اجزاء أحد الموقفين ولاخصوصية قطعا للعبد اذ قولهعليه‌السلام «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » حكم كلي أحد موارده العبد المعتوق ليلة عرفة.

أما قولهعليه‌السلام في حسنة الحلبي « اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » فهو قابل للتقييد، أو الحمل على أن الانسان اذ قدم وقد فاتته المزدلفة فقد فاته الحج بخلاف ما اذا قدم وقد فاته عرفات فإن الحج لايفوت بفواته، فهي في مقام تحديد آخر مايمكن أن يدرك به الحج، فما عليه المشهور هو المعتمد خلافا للعلامة وغيره من المعاصرين، والله العالم.

(١) ففي صحيحة ابن حكيم قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : أصلحك الله الرجل الاعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الاعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هو إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أليس قد صلوا بها، فقد أجزأهم، قلت: فإن لم يصلوا بها ؟ قال: فذكروا الله فيها، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم.

٢٥٠

الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجه(١) وينقلب الى العمرة المفردة.

منى وواجباتها

يجب على الحاج بعد الوقوف في المزدلفة الإفاضة الى منى، لاداء الأعمال الواجبة هناك، وهي كما نذكرها تفصيلا ثلاثة:

١ - رمي جمرة العقبة

الرابع - من واجبات الحج -: رمي جمرة العقبة يوم النحر ويعتبر فيه أمور:

١ - نية القربة والخلوص.

٢ - أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولايجزىء الأقل من ذلك، كما لايجزىء رمي غيرها من الأجسام.

٣ - أن يكون رمي الحصيات واحد بعد واحدة، فلا يجزىء

____________________

(١) لعدم الدليل على الصحة.

٢٥١

رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة.

٤ - أن تصل الحصيات إلى الجمرة فلا يحسب مالا يصل(١) .

٥ - أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي، فلا يجزىء وضعها عليها(٢) .

٦ - أن يكون كل من الاصابة والرمي بفعله(٣) ، فلو كانت الحصاة بيده فصدمه حيوان أو انسان وألقيت إلى الجمرة لم يكف، وكذا لو ألقاها فوقعت على حيوان أو انسان فتحرك فحصلت الإصابة بحركته(٤) .

نعم، إذا لاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم أصابت الجمرة - ولو بصدمته كما لو وقعت على أرض صلبة فطفرت فأصابتها - فالظاهر الإجزاء(٥) .

____________________

(١) نصاً واجماعاً وسيرةً في كل مامر.

(٢) لعدم تحقق الرمي.

(٣) ووجه واضح.

(٤) ففي صحيحة معاوية: اذا رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها.

(٥) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: وإن اصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك.

٢٥٢

٧ - أن يكون الرمي بيده(١) ، فلو رمى الحصيات بفمه أو رجله لم يجزئه، وكذا لو رماها بآلة - كالمقلاع - على الاحوط(٢) .

٨ - أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها(٣) ، ويجزىء للنساء وسائر من رخص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد).

* مسألة ٢٨٢: من يتولى شؤون المعذورين والنساء اذا استغني عن مرافقته لهم في نهار يوم العيد بمقدار الرمي لم يجزئه الرمي ليلا(٤) .

____________________

(١) لانصراف الرمي إليه وهو القدر المتيقن، مؤيدا ببعض النصوص، ففي مصححة أبي بصير قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى »، وفي صحيحة البزنطي عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة - الى ان قال - تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة.

(٢) وجه التوقف صدق الرمي باليد، مع مخالفتها للسيرة الجارية والعادة المتبعة من زمان المعصومين الى الان.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) لعدم العذر الموجب لجواز الرمي ليلا.

٢٥٣

مسألة ٢٨٣: إذا شك في الاصابة وعدمها بنى على العدم(١) إلا مع التجاوز عن المحل، كما إذا كان الشك بعد الذبح أو الحلق أو بعد دخول الليل(٢) .

مسألة ٢٨٤: يعتبر في الحصيات أمران:

١ - أن تكون من الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف(٣) ، والافضل أخذها من المشعر(٤) .

٢ - أن تكون أبكاراً على الاحوط(٥) ، بمعنى أن لاتكون

____________________

(١) اذ الاصل عدم الاصابة.

(٢) لقاعدة الفراغ وكذا التجاوز.

(٣) لقولهعليه‌السلام في معتبرة حنان: يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف.

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: خذ حصى الجمار من جمع، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك.

(٥) بلاخلاف وقد ادعي عليه الاجماع، وتدل عليه عدة من النصوص:

ففي مرسلة حريز عمن أخبره عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار ؟ قال: لاتأخذ من موضعين: من خارج الحرم ومن حصى الجمار، ولابأس بأخذه من سائر الحرم.

وفي حسنة عبد الاعلى عنهعليه‌السلام في حديث: لاتأخذ من حصى

=

٢٥٤

مستعملة في الرمي قبل ذلك، ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة، وإن يكون حجمها بمقدار أنملة، وإن يكون الرامي راجلا، وعلى طهارة(١) .

مسألة ٢٨٥: إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال(٢) ، فالاحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقا، فإن لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه، ولافرق في ذلك بين العالم

____________________

=

الجمار » وزاد عليه الصدوق «الذي قد رمي».

وحيث ان هذه النصوص على مذاق الاعلام ضعيفة السند وعدم انجبار الرواية بعمل المشهور فالمقام يقتضي الاحتياط.

(١) كل ذلك تبعاً لجملة من النصوص فراجع.

(٢) الظاهر من جملة من الروايات ان الواجب هو رمي موضع الجمرة الذي تمثل فيه الشيطان لابراهيمعليه‌السلام ، فرمي المقدار الزائد على ماكان يصدق عليه أنه رمي لموضع الجمرة، إذ البناء ماهو إلا رمز لهذا الشعار وإنه في هذا الموضع لافي آخر، مضافا الى تجدد البناء مرات عديدة طوال التاريخ - بل في عصر الائمةعليهم‌السلام - وهذا امر لايمكن ان ينكر، إذ استمرار عملية الرمي يستلزم منه تهشم الجمرة في السنة الواحدة فضلا عن السنوات المتعاقبة، ولم نر في اسئلة الرواة مايثير الشك في ذلك.

٢٥٥

والجاهل والناسي.

* مسألة ٢٨٦: الجدار الخلفي لجمرةالعقبة الذي أزيل أخيراً لايجتزى به على الاحوط إن لم يكن أقوى(١) .

* مسألة ٢٨٧: لايعتبر الكون في منى عند القيام برمي جمرة العقبة، فلا مانع من الوقوف حال الرمي بعيداً عنها من جهة وجهها(٢) ، بل يستحب أن يقف الرامي بعيداً بمقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً.

مسألة ٢٨٨: إذا لم يرم يوم العيد لعارض من نسيان أو جهل بالحكم أو غيرهما لزمه التدارك متى ارتفع العارض(٣) ، ولو كان

____________________

(١) وذهب السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته الى الاجتزاء.

(٢) لعدم إشتراطه في النصوص.

(٣) تشهد له صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام ماقولك في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة ؟ قال: فلترجع ولترم الجمار، كما كانت ترمي والرجل كذلك » ومقتضى اطلاق وجوب الرجوع للرمي وإن كان بعد ايام التشريق، وذهب المشهور بل لم ينقل الخلاف من وجوب الرجوع مادامت لم تنقضي ايام التشريق، تمسكاً بحسنة عمر بن يزيد عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه

=

٢٥٦

ارتفاعه في الليل أخر التدارك الى النهار، إذا لم يكن ممن رخص له الرمي ليلا كماسيأتي في رمي الجمار.

والظاهر وجوب التدارك عند ارتفاع العارض مادام الحاج بمنى، بل وفي مكة، حتى ولو كان ذلك بعد اليوم الثالث عشر، وإن كان الأحوط في هذه الصورة أن يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه إن حج أوبنائبه إن لم يحج(١) .

وإذا ارتفع العارض بعد خروجه من مكة فلا يجب عليه الرجوع(٢) ، بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الاحوط

____________________

=

وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فانه لايكون رمي الجمار إلا في أيام التشريق » وتوقف بعض الاعلام فيها لضعف سندها لوجود محمد بن عمر بن يزيد وهو لم يوثق، لكن يمكن اعتبار حاله لانه من اصحابنا المصنفين وقد ذكره الشيخ والنجاشي مع عدم طعن الاخير فيه وهو من أمارات الحسن اذ من دأبه الطعن او المدح.

(١) خروجا عن خلاف المشهور، وعملا بإطلاق صحيحة معاوية.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: فان نسيها حتى اتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد.

٢٥٧

الاولى(١) .

مسألة ٢٨٩: إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً، فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف(٢) ، وإن كانت الإعادة أحوط(٣) .

وأما اذا كان الترك لعارض آخر - سوى الجهل او النسيان - فالظاهر بطلان طوافه، فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي(٤) .

٢ - الذبح أو النحر في منى

وهو الخامس من واجبات حج التمتع.

ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص، وعدم تقديمه على نهار يوم العيد إلا للخائف ن فإنه يجوز له الذبح والنحر في ليلته(٥) ، ويجب

____________________

(١) لحسنة ابن يزيد وإطلاق صحيحه معاوية المتقدمة.

(٢) لعدم الامر به في النصوص.

(٣) رعاية للترتيب.

(٤) لاخلاله بالترتيب الواجب.

(٥) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل.

٢٥٨

الإتيان به بعد الرمي على الاحوط(١) ، ولكن لو قدمه عليه جهلا أو نسيانا صح ولم يحتج إلى الاعادة(٢) .

ويجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى(٣) ، وإن لم يمكن ذلك لكثرة الحجاج وضيق منى عن استيعاب جميعهم، فلا يبعد جواز الذبح أو النحر بوادي محسر(٤) ، وإن كان الاحوط تركه مالم يحرز

____________________

(١) ذهب الشيخ في الخلاف وابو الصلاح في الكافي وابن ابي عقيل وابن ادريس الى استحباب الترتيب بين اعمال منى الثلاثة، وقرّبه العلامة في المختلف، تمسكا بصحيحة ابن سنان قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لابأس وليس عليه شيء ولايعودن.

وذهب الاكثر الى وجوب الترتيب للروايات البيانية التي ظاهرها ذلك وسيأتي بيانه في الحلق والتقصير فراجع.

(٢) نصاً واجماعاً.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) تشهد له موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

فإذا جاز الوقوف والمبيت بوادي محسر بدلا عن منى في ظرف الضيق

=

٢٥٩

عدم التمكن من الذبح أو النحر بمنى الى آخر أيام التشريق(١) .

مسألة ٢٩٠: الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد، وإن كان الاقوى جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق(٢) ، والأحوط عدم الذبح في الليل مطلقا(٣) حتى الليالي المتوسطات بين أيام التشريق إلا

____________________

=

جاز ترتيب بقية الاحكام من الذبح والحلق، إذ الضيق كما يتحقق من الوقوف والمبيت بها يتحقق أيضا من الذبح فيها كما لايخفي، بل لعله اكثر مصداقية من المبيت لكثرة ماكان يضحى من الانعام الثلاثة في يوم العيد وهذه الكثرة تتطلب مساحات كبيرة من أرض منى.

(١) لعله لجواز تأخير الذبح الى اخر ايام التشريق اختيارا.

(٢) وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والمصباح الى ان وقت النحر او الذبح طول ذي الحجة، ومثله في الغنية والسرائر وهو ظاهر المهذب، لاطلاقات الادلة ومفهوم الشرط في حسنة الكرخي عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الاضحى »، وصريح صحيحة ابي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد مايهدي، حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أيذبح أو يصوم، قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»، مضافا إلى القصور في ادلة التعيين.

(٣) بل الظاهر ذلك، لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لابأس

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419