الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٧

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 419

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 419
المشاهدات: 161691
تحميل: 5473


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161691 / تحميل: 5473
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 17

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ظهور الحقّ و لا حجّة و لا سلطان عندهم حتّى يريدوا إظهارها بل الّذي في صدورهم و هو الداعي لهم إلى الجدال، الكبر، يريدون به إدحاض الحقّ الصريح.

و قوله:( ما هُمْ بِبالِغِيهِ ) الضمير لكبر باعتبار مسبّبه فإنّ الكبر سبب للجدال و الجدال يراد به إبطال الحقّ و محق الدعوة الحقّة، و المعنى ما هم ببالغي مرادهم و بغيتهم من الجدال الّذي يأتون به لكبرهم.

و قوله:( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ) أي فاستعذ بالله منهم بما لهم من الكبر كما استعاذ موسى من كلّ متكبّر مجادل كما قال:( وَ قالَ مُوسى‏ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ) .

و قوله:( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) أي السميع لدعاء عباده البصير بحوائجهم و الّذي يبصر ما هم فيه من شدّة أو رخاء.

قوله تعالى: ( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) اللام للقسم، و المراد بالسماوات و الأرض مجموع العالم، و معنى الآية حسب ما يعطيه المقام أنّهم ليسوا ببالغي بغيتهم و ليسوا بمعجزين فإنّ الله الّذي قدر على خلق مجموع العالم و لم يعجزه ذلك على ما فيه من العظمة ليس يعجزه جزء يسير منه و هو الناس المخلوقون الّذين هم أهون عليه و لكنّ أكثر الناس جاهلون يظنّون بجهلهم أنّهم يعجزون الله بجدال يجادلونه أو أيّ كيد يكيدونه.

قوله تعالى: ( وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ ) إلخ لمّا ذكّر أنّ أكثر الناس لا يعلمون أكّده بأنّهم ليسوا على وتيرة واحدة فإنّ منهم الأعمى و البصير و لا يستويان و عطف عليهما الّذين آمنوا و عملوا الصالحات و المسي‏ء فالطائفة الاُولى اُولو بصيرة يتذكّرون بها و الثانية أعمى الله قلوبهم فلا يتذكّرون.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ ) خطاب للناس بداعي التوبيخ و هو الوجه في الالتفات من الغيبة إلى الحضور.

قوله تعالى: ( إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ )

٣٤١

ذكّرهم تعالى في هذه الآية بإتيان الساعة و في الآية التالية بدعوة ربّهم إيّاهم إلى دعائه و عبادته كما نبّه الّذي آمن من آل فرعون في القصّة السابقة بإتيان الساعة و بأنّ لله الدعوة و ليس لآلهتهم دعوة في الدنيا و لا في الآخرة.

قوله تعالى: ( وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) دعوة منه تعالى لعباده إلى دعائه و وعد بالاستجابة، و قد أطلق الدعوة و الدعاء و الاستجابة إطلاقاً، و قد أشبعنا الكلام في معنى الدعاء و الإجابة في ذيل قوله تعالى:( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) البقرة: 186 في الجزء الأوّل من الكتاب.

و قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) الدخور الذلّة، و قد بدّل الدعاء عبادة فدلّ على أنّ الدعاء عبادة.

( بحث روائي)

في الصحيفة السجّاديّة: و قلت:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) فسمّيت دعاءك عبادة و تركه استكباراً و توعّدت على تركه دخول جهنّم داخرين.

و في الكافي، بإسناده عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: ادع و لا تقل: قد فرغ من الأمر فإنّ الدعاء هو العبادة إنّ الله عزّوجلّ يقول:( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ) و قال:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

أقول: قولهعليه‌السلام : فإنّ الدعاء - إلى قوله - داخِرِينَ احتجاج على ما ندب إليه أوّلاً بقوله: ادع، و قوله: و قال:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) احتجاج على ما قاله ثانياً: و لا تقل: قد فرغ من الأمر و لذا قدّمعليه‌السلام في بيانه ذيل الآية على صدرها.

و في الخصال، عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: يا معاوية من اُعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة: من اُعطي الدعاء اُعطي الإجابة، و من اُعطي الشكر اُعطي

٣٤٢

الزيادة و من اُعطي التوكّل اُعطي الكفاية فإنّ الله عزّوجلّ يقول في كتابه:( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) و قال:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ) ، و قال:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .

و في التوحيد، بإسناده إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: قال قوم للصادقعليه‌السلام : ندعوه فلا يستجاب لنا. قال: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه.

أقول: و قد أوردنا جملة من روايات الدعاء في ذيل قوله:( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) البقرة: 186 في الجزء الأول من الكتاب.

٣٤٣

( سورة غافر الآيات 61 - 68)

اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا  إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ( 61 ) ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ( 62 ) كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ( 63 ) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ  ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ  فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 64 ) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 65 ) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( 66 ) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا  وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ  وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 67 ) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ  فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( 68 )

( بيان)

رجع سبحانه ثانياً إلى الإشارة إلى آيات التوحيد توحيد الربوبيّة و الاُلوهيّة بعد ما بدأ بها في السورة أوّلاً بقوله:( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ ) .

٣٤٤

قوله تعالى: ( اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً ) الآية. أي جعل لأجلكم الليل مظلماً لتسكنوا فيه من التعب الّذي عرض لكم وجه النهار من جهة السعي في طلب الرزق، و النهار مبصراً لتبتغوا من فضل ربّكم و تكسبوا الرزق، و هذا من أركان تدبير الحياة الإنسانيّة.

و قد ظهر بذلك أنّ نسبة الإبصار إلى النهار من المجاز العقليّ لكن ليس من المبالغة في شي‏ء كما ادّعاه بعضهم.

و قوله:( إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ) امتنان عليهم بالفضل و تقريع لهم بعدم شكرهم له قبال هذا الفضل العظيم و لو شكروه لعبدوه و وضع( النَّاسِ ) الثاني موضع الضمير للإشارة إلى أنّ من طبع الناس بما هم ناس كفران النعم كما قال:( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم: 34.

قوله تعالى: ( ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) أي ذلكم الّذي يدبّر أمر حياتكم و رزقكم بسكون الليل و سعي النهار هو الله تعالى و هو ربّكم لأنّ تدبير أمركم إليه.

و قوله:( خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) أي و ربّ كلّ شي‏ء لأنّه خالق كلّ شي‏ء و الخلق لا ينفكّ عن التدبير و لازم ذلك أن لا يكون في الوجود ربّ غيره لا لكم و لا لغيركم و لذلك عقّبه بقوله:( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) أي فإذن لا معبود بالحقّ غيره إذ لو كان هناك معبود آخر كان ربّ آخر فإنّ الاُلوهيّة من شؤن الربوبيّة.

و قوله:( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) أي فكيف تُصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.

قوله تعالى: ( كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) أي كمثل هذا الإفك يؤفك الجاحدون لآيات الله فإنّ الآيات ظاهرة غير خفيّة فالانصراف عن مدلولها لا سبب له إلّا الجحد.

قوله تعالى: ( اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً ) إلى آخر الآية القرار المستقرّ الّذي يستقرّ عليه، و البناء - على ما قيل - القبّة و منه أبنية

٣٤٥

العرب للقباب المضروبة عليهم. يذكر تعالى نعمة استقرار الإنسان على الأرض و تحت السماء.

و قوله:( وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) الفاء للتفسير و المعنى أحسن خلق صوركم و ذلك أنّ الإنسان جهّز من دقائق التجهيز في صورته بما يقوى به من الأعمال المتنوّعة العجيبة على ما لا يقوى عليه شي‏ء من سائر الموجودات الحيّة، و يلتذّ من مزايا الحياة بما لا يتيسّر لغيره أبداً.

و قوله:( وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) هي الأرزاق المتنوّعة الّتي تلائم بطبائعها طبيعة الإنسان من الحبوب و الفواكه و اللحوم و غيرها، و ليس في الحيوان متنوّع في الرزق كالإنسان.

و قوله:( ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ ) أي المدبّر لأمركم، و قوله:( فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) ثناء عليه عزّوجلّ بربوبيّته لجميع العالمين، و قد فرّعه على ربوبيّته و تدبيره للإنسان إشارة إلى أنّ الربوبيّة واحدة و تدبيره لأمر الإنسان عين تدبيره لأمر العالمين جميعاً فإنّ النظام الجاري نظام واحد روعي في انطباقه على كلّ، انطباقه على الكلّ فهو سبحانه متبارك منشأ للخير الكثير فتبارك الله ربّ العالمين.

قوله تعالى: ( هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) إلخ في جملة( هُوَ الْحَيُّ ) إطلاق لا مقيّد لا عقلاً و لا نقلاً مضافاً إلى إفادة الحصر فمفادها أنّ له تعالى وحده حياة لا يداخلها موت و لا يزيلها فناء فهو تعالى حيّ بذاته و غيره كائناً ما كان حيّ بإحياء غيره.

و إذا فرض هناك حيّ بذاته و حيّ بغيره لم يستحقّ العبادة بذاته إلّا من كان حيّاً بذاته، و لذلك عقّب قوله:( هُوَ الْحَيُّ ) بقوله:( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) .

و قد سيقت الجملتان توطئة للأمر بدعائه و لا مطلق دعائه بل دعائه بالتوحيد و إخلاص الدين له وحده لأنّه الحيّ بذاته دون غيره و لأنّه المعبود بالاستحقاق الذاتيّ دون غيره، و لذلك فرّع على قوله:( هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) قوله:( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) .

٣٤٦

و قوله:( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ثناء عليه بربوبيّته للعالمين.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) معنى الآية ظاهر، و فيه إياس للمشركين من موافقتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم في عبادة آلهتهم، و قد تكرّر هذا المعنى في سورة الزمر و يمكن أن يستأنس منه أنّ هذه السورة نزلت بعد سورة الزمر.

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ) إلخ المراد بخلقهم من تراب خلق أبيهم آدم من تراب فإنّ خلق غيره ينتهي إليه فخلقه من تراب هو خلقهم منه أو المراد بخلقهم من تراب تكوين النطفة من البسائط الأرضيّة.

و قوله:( ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ) إلخ أي ثمّ خلقناكم من نطفة حقيرة معلومة الحال( ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ) كذلك( ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ ) من بطون اُمّهاتكم( طِفْلًا ) أي أطفالاً، و الطفل - كما قيل - يطلق على الواحد و الجمع قال تعالى:( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى‏ عَوْراتِ النِّساءِ ) النور: 31.

( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) اللّام للغاية و كأنّ متعلّقها محذوف و التقدير ثمّ ينشئكم لتبلغوا أشدّكم و هو من العمر زمان اشتداد القوى( ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ) معطوف على( لِتَبْلُغُوا ) ( وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ) فلا يبلغ أحد هذه المراحل من العمر كالشيخوخة و بلوغ الأشدّ و غيرهما.

( وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى ) و هو النهاية من الأمد المضروب الّذي لا سبيل للتغيّر إليه أصلاً، و هو غاية عامّة لجميع الناس كيفما عمّروا قال تعالى:( وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) الأنعام: 2. و لذلك لم تعطف الجملة بثمّ حتّى تتميّز من الغايتين المذكورتين سابقاً.

و قوله:( وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) أي تدركون الحقّ بالتعقّل المغروز فيكم، و هذا غاية خلقة الإنسان بحسب حياته المعنويّة كما أنّ بلوغ الأجل المسمّى غاية حياته الدنيا الصوريّة.

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ ) إلخ أي هو الّذي يفعل الإحياء و

٣٤٧

الإماتة و فيهما نقل الأحياء من عالم إلى عالم و كلّ منهما مبدأ لتصرّفاته بالنعم الّتي يتفضّل بها على من يدبّر أمره.

و قوله:( فَإِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) تقدّم تفسيره كراراً.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن أبي حاتم بسند صحيح عن أبي العالية قال: إنّ اليهود أتوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قالوا إنّ الدجّال يكون منّا في آخر الزمان و يكون من أمره فعظّموا أمره و قالوا يصنع كذا فأنزل الله:( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ ) قال: لا يبلغ الّذي يقول:( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ) فأمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتعوّذ من فتنة الدجّال( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) الدجّال.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار في قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ ) قال: هم اليهود نزلت فيهم فيما ينتظرونه من أمر الدجّال.

و فيه، أخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله:( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) قال: زعموا أنّ اليهود قالوا: يكون منّا ملك في آخر الزمان البحر إلى ركبتيه، و السحاب دون رأسه، يأخذ الطير بين السماء و الأرض، معه جبل خبز و نهر فنزلت:( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) .

أقول: قد عرفت فيما تقدّم أنّ غرض السورة - كما يستفاد من سياق آياتها - التكلّم حول استكبارهم و مجادلتهم في آيات الله بغير الحقّ فمنها ابتداء الكلام و إليها يعود عودة بعد عودة كقوله:( ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ) و قوله:( وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) ، و قوله:( الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً ) ، و قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ) ، و قوله:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) .

٣٤٨

فسياق آيات السورة يأبى أن يكون بعضها يختصّ بسبب في نزولها لا يشاركها فيه غيرها كما هو مؤدّى هذه الروايات الثلاث.

على أنّ ما في الروايات من قصّة إخبار اليهود بالدجّال لا ينطبق على الآيتين انطباقاً ظاهراً بعد التأمّل في مضمون الآيتين نفسهما أعني قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ - إلى قوله -وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

و من هذا يظهر أنّ القول بكون الآيتين مدنيّتين استناداً إلى هذه الروايات كما ترى.

٣٤٩

( سورة غافر الآيات 69 - 78)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ ( 69 ) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا  فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 70 ) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ( 71 ) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ( 72 ) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ ( 73 ) مِن دُونِ اللهِ  قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا  كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكَافِرِينَ ( 74 ) ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ( 75 ) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا  فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ( 76 ) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ  فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ( 77 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ  وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ  فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ( 78 )

( بيان)

رجوع بعد رجوع إلى حديث المجادلين في آيات الله و قد تعرّض لبيان مآل أمرهم بذكر ما آل إليه أمر أشباههم من الاُمم الخالية و نصره تعالى لدينه في أوّل السورة إجمالاً ثمّ بذكر الحال في دعوة موسىعليه‌السلام بالخصوص فيما قصّه من قصّته و نصره له

٣٥٠

بالخصوص ثمّ في ضمن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر و وعده بالنصر.

و هذا آخر كرّة عليهم يذكر فيها مآل أمرهم و ما يُصرفون إليه و هو العذاب المخلّد ثمّ يأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر و بعده بالنصر و يطيّب نفسه بأنّ وعد الله حقّ.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) ( أَ لَمْ تَرَ ) مفيد للتعجيب و( أَنَّى ) بمعنى كيف، و المعنى أ لا تعجب أو أ لم تعجب من أمر هؤلاء المجادلين في آيات الله كيف يصرفون عن الحقّ إلى الباطل و عن الهدى إلى الضلال.

و التعرّض لحال المجادلين ههنا من حيث الإشارة إلى كونهم مصروفين عن الحقّ و الهدى و مآل ذلك، و فيما تقدّم من قوله:( إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ ) من حيث إنّ الداعي لهم إلى ذلك الكبر و أنّهم لا يبلغون ما يريدون فلا تكرار.

و منه يظهر ما في قول بعضهم: إنّ تكرير ذكر المجادلة محمول على تعدّد المجادل بأن يكون المجادلون المذكورون في الآية السابقة غير المذكورين في هذه الآية أو على اختلاف ما فيه المجادلة كأن يكون المجادلة هناك في أمر البعث و ههنا في أمر التوحيد على أنّ فيه غفلة عن غرض السورة كما عرفت.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) الّذي يعطيه سياق الآيات التالية أنّ المراد بهؤلاء المجادلين هم المجادلون من قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و عليه فالأنسب أن يكون المراد بالكتاب هو القرآن الكريم، و بقوله:( بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا ) ما جاءت به الرسلعليهم‌السلام من عندالله من كتاب و دين فالوثنيّة منكرون للنبوّة.

و قوله:( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) تفريع على مجادلتهم و تكذيبهم و تهديد لهم أي سوف يعلمون حقيقة مجادلتهم في آيات الله و تكذيبهم بالكتاب و بالرسل.

قوله تعالى: ( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) في المجمع: الأغلال جمع غلّ و هو طوق يدخل في العنق للذلّ و الألم و أصله الدخول، و قال: السلاسل جمع سلسلة و هي الحلق منتظمة في جهة الطول مستمرّة

٣٥١

و قال: السحب جرّ الشي‏ء على الأرض. هذا أصله، و قال: السجر أصله إلقاء الحطب في معظم النار كالتنّور الّذي يسجر بالوقود. انتهى.

و قوله:( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ ) ظرف لقوله:( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) قيل: الإتيان بإذ - و هو للماضي - للدلالة على تحقّق الوقوع و إن كان موقعه المستقبل فلا تنافي، في الجمع بين سوف و إذ.

و( الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ ) مبتدأ و خبر، و( السَّلاسِلُ ) معطوف على الأغلال، و( يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ) خبر بعد خبر، و( فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) معطوف على( يُسْحَبُونَ ) .

و المعنى: سوف يعلمون حقيقة عملهم حين تكون الأغلال و السلاسل في أعناقهم يجرّون في الماء الحارّ الشديد الحرارة ثمّ يقذفون في النار.

و قيل: معنى قوله:( ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) ثمّ يصيرون وقود النار، و يؤيّده قوله تعالى في صفة جهنّم:( وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ ) البقرة: 24، و قوله:( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) الأنبياء: 98.

قوله تعالى: ( ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا ) إلى آخر الآية. أي قيل لهم و هم يتقلّبون بين السحب و السجر: أين ما كنتم تشركون من شركائكم من دون الله حتّى ينصروكم بالإنجاء من هذا العذاب أو يشفعوا لكم كما كنتم تزعمون أنّهم سيشفعون لكم قبال عبادتكم لهم؟.

و قوله:( قالُوا ضَلُّوا عَنَّا ) أي غابوا عنّا من قولهم: ضلّت الدابّة إذا غابت فلم يعرف مكانها، و هذا جوابهم عمّا قيل لهم: أين ما كنتم تشركون من دون الله.

و قوله:( بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً ) إضراب منهم عن الجواب الأوّل لما يظهر لهم أنّ الآلهة الّذين كانوا يزعمونهم شركاء لم يكونوا إلّا أسماء لا مسمّيات لها و مفاهيم لا يطابقها شي‏ء و لم يكن عبادتهم لها إلّا سدى، و لذلك نفوا أن يكونوا يعبدون شيئاً قال تعالى:( فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ) يونس: 28 و قال:( لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) الأنعام: 94.

٣٥٢

و قيل: هذا من كذبهم يوم القيامة على حدّ قوله:( وَ اللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) الأنعام: 23.

و قوله:( كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ ) أي إضلاله تعالى للكافرين و هم الساترون للحقّ يشبه هذا الضلال و هو أنّهم يرون الباطل حقّاً فيقصدونه ثمّ يتبيّن لهم بعد ضلال سعيهم أنّه لم يكن إلّا باطلاً في صورة حقّ و سراباً في سيماء الحقيقة.

و المعنى: على الوجه الثاني أعني كون قولهم:( بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً ) كذباً منهم: كمثل هذا الإضلال يضلّ الله الكافرين فيؤل أمرهم إلى الكذب حيث لا ينفع مع علمهم بأنّه لا ينفع.

و قد فسّرت الجملة بتفاسير اُخرى متقاربة و قريبة ممّا ذكرناه.

قوله تعالى: ( ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ) الفرح مطلق السرور، و المرح الإفراط فيه و هو مذموم، و قال الراغب: الفرح انشراح الصدر بلذّة عاجلة و أكثر ما يكون ذلك في اللذّات البدنيّة، و قال: المرح شدّة الفرح و التوسّع فيه. انتهى.

و قوله:( ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ ) الإشارة إلى ما هم فيه من العذاب و الباء في( بِما كُنْتُمْ ) للسببيّة أو المقابلة.

و المعنى: ذلكم العذاب الّذي أنتم فيه بسبب كونكم تفرحون في الأرض بغير الحقّ من اللذّات العاجلة و بسبب كونكم تفرطون في الفرح و ذلك لتعلّق قلوبهم بعرض الدنيا و زينتها و معاداتهم لكلّ حقّ يخالف باطلهم فيفرحون و يمرحون بإحياء باطلهم و إماتة الحقّ و اضطهاده.

قال في المجمع: قيّد الفرح و أطلق المرح لأنّ الفرح قد يكون بحقّ فيحمد عليه و قد يكون بالباطل فيذمّ عليه، و المرح لا يكون إلّا باطلاً. انتهى.

قوله تعالى: ( ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) أي ادخلوا أبوابها المقسومة لكم خالدين فيها فبئس مقام الّذين يتكبّرون عن الحقّ

٣٥٣

جهنّم، و قد تقدّم أنّ أبواب جهنّم دركاتها.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ) لمّا بيّن مآل أمر المجادلين في آيات الله و هي النار و أنّ الله يضلّهم بكفرهم فرّع عليه أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر معلّلاً ذلك بأنّ وعد الله حقّ.

و قوله:( فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) هو عذاب الدنيا( أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ) بالموت فلم نرك ذلك( فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ ) و لا يفوتوننا فننجز فيهم ما وعدناه.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) إلخ بيان لكيفيّة النصر المذكور في الآية السابقة أنّ آية النصر - الّتي جرت سنّة الله على إنزالها للقضاء بين كلّ رسول و اُمّته و إظهار الحقّ على الباطل كما يشير إليه قوله:( وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يونس: 47 - لم يفوّض أمرها إلى رسول من الرسل من قبلك بل كان يأتي بها من يأتي منهم بإذن الله، و حالك حالهم، فمن الممكن أن نأذن لك في الإتيان بها فنريك بعض ما نعدهم، و من الممكن أن نتوفّاك فلا نريك غير أنّ أمر الله إذا جاء قضي بينهم بالحقّ و خسر هنالك المبطلون. هذا ما يفيده السياق.

فقوله:( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) مسوق للإشارة إلى كون ما سيذكره سنّة جارية منه تعالى.

و قوله:( وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) الآية و إن كانت أعمّ من الآية المعجزة الّتي يؤتاها الرسول لتأييد رسالته، و الآية الّتي تنصر الحقّ و تقضي بين الرسول و بين اُمّته و الكلّ بإذن الله لكن مورد الكلام كما استفدناه من السياق القسم الثاني و هي القاضية بين الرسول و اُمّته.

و قوله:( فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ ) أي فإذا جاء أمر الله بالعذاب قضي بالحقّ فاُظهر الحقّ و اُزهق الباطل و خسر عند ذلك المتمسّكون بالباطل في دنياهم بالهلاك و في آخرتهم بالعذاب الدائم.

٣٥٤

و استدلّ بالآية على أنّ من الرسل من لم تذكر قصّته في القرآن، و فيه أنّ الآية مكّيّة لا تدلّ على أزيد من عدم ذكر قصّة بعض الرسل إلى حين نزولها بمكّة، و قد ورد في سورة النساء:( وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) النساء: 164 و لم يذكر في السور النازلة بعد سورة النساء اسم أحد من الرسل المذكورين بأسمائهم في القرآن.

و في المجمع، و روي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: بعث الله نبيّاً أسود لم يقصّ علينا قصّته‏، و روي في الدرّ المنثور عن الطبراني في الأوسط و ابن مردويه عنه ما في معناه.

٣٥٥

( سورة غافر الآيات 79 - 85)

اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( 79 ) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ( 80 ) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنكِرُونَ ( 81 ) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 82 ) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 83 ) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ( 84 ) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا  سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ  وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ( 85 )

( بيان)

رجوع بعد رجوع إلى ذكر بعض آيات التوحيد و إرجاع لهم إلى الاعتبار بحال الاُمم الدارجة الهالكة و سنّة الله الجارية فيهم بإرسال رسله إليهم ثمّ القضاء بين رسلهم و بينهم المؤدّي إلى خسران الكافرين منهم، و عند ذلك تختتم السورة.

قوله تعالى: ( اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) ذكر سبحانه ممّا ينتفع به الإنسان في حياته و يدبّر به أمره الأنعام و المراد بها الإبل و البقر و الغنم، و قيل: المراد بها ههنا الإبل خاصّة.

فقوله:( جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَ مِنْها تَأْكُلُونَ ) الجعل هنا الخلق أو

٣٥٦

التسخير، و اللّام في( لِتَرْكَبُوا ) للغرض و( من ) للتبعيض، و المعنى خلق لأجلكم أو سخّر لكم الأنعام و الغرض من هذا الجعل أن تركبوا بعضها كبعض الإبل و بعضها كبعض الإبل و البقر و الغنم تأكلون.

قوله تعالى: ( وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ ) إلخ كانتفاعكم بألبانها و أصوافها و أوبارها و أشعارها و جلودها و غير ذلك، و قوله:( وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ ) أي و من الغرض من جعلها أن تبلغوا، حال كونكم عليها بالركوب، حاجة في صدوركم و هي الانتقال من مكان إلى مكان لأغراض مختلفة.

و قوله:( وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ) كناية عن قطع البرّ و البحر بالأنعام و الفلك.

قوله تعالى: ( يُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ‏ ) تقدّم معنى إراءته تعالى آياته في تفسير أوائل السورة، و كأنّ الجملة أعني قوله:( يُرِيكُمْ آياتِهِ‏

) غير مقصودة لنفسها حتّى يلزم التكرار و إنّما هي تمهيد و توطئة للتوبيخ الّذي في قوله:( فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ‏ ) أي أيّ هذه الآيات الّتي يريكم الله إيّاها عياناً و بياناً، تنكرون إنكاراً يمهّد لكم الإعراض عن توحيده.

قوله تعالى: ( أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا ) إلى آخر الآية توبيخ لهم و عطف لأنظارهم إلى ما جرى من سنّة القضاء و الحكم في الاُمم السالفة، و قد تقدّمت نظيرة الآية في أوائل السورة و كان الغرض هناك أن يتبيّن لهم أنّ الله أخذ كلّا منهم بذنوبهم لمّا كانت تأتيهم رسلهم بالبيّنات فيكفرون بهم و لذا ذيّل الآية بقوله:( فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ ) ، و الغرض ههنا أن يتبيّن لهم أنّهم لم يغنهم ما كسبوا و لم ينفعهم في دفع عذاب الله ما فرحوا به من العلم الّذي عندهم و لا توبتهم و ندامتهم ممّا عملوا.

و قد صدّرت الآية بفاء التفريع فقيل:( أَ فَلَمْ يَسِيرُوا ) إلخ مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، و كأنّ الكلام تفريع على قوله:( فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ‏ ) فكأنّه لمّا ذمّهم و أنكر إنكارهم لآياته رجع و انصرف عنهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشيراً إلى سقوطه من منزلة الخطاب و قال: إذا كانت آياته تعالى ظاهرة بيّنة لا تقبل الإنكار و من جملتها

٣٥٧

ما في آثار الماضين من الآيات الناطقة و هم قد ساروا في الأرض و شاهدوها فلم لم ينظروا فيها فيتبيّن لهم أنّ الماضين مع كونهم أقوى من هؤلاء كمّا و كيفا لم ينفعهم ما فرحوا به من علم و قوّة.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) إلخ ضمائر الجمع في الآية - و هي سبع - للّذين من قبلهم، و المراد بما عندهم من العلم ما وقع في قلوبهم و شغل نفوسهم من زينة الحياة الدنيا و فنون التدبير للظفر بها و بلوغ لذائذها و قد عدّ الله سبحانه ذلك علماً لهم و قصر علمهم فيه، قال تعالى:( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ) الروم: 7، و قال:( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) النجم: 30.

و المراد بفرحهم بما عندهم من العلم شدّة إعجابهم بما كسبوه من الخبرة و العلم الظاهريّ و انجذابهم إليه الموجب لإعراضهم عن المعارف الحقيقيّة الّتي جاءت بها رسلهم، و استهانتهم بها و سخريّتهم لها، و لذا عقّب فرحهم بما عندهم من العلم بقوله:( وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

و في معنى قوله:( فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) أقوال اُخر:

منها: أنّ المراد بما عندهم من العلم عقائدهم الفاسدة و آراؤهم الباطلة و تسميتها علما للتهكّم فهم كانوا يفرحون بها و يستحقرون لذلك علم الرسل، و أنت خبير بأنّه تصوير من غير دليل.

و منها: أنّ المراد بالعلم هو علوم الفلاسفة من اليونان و الدهريّين فكانوا إذا سمعوا بالوحي و معارف النبوّة صغّروا علم الأنبياء و تبجّحوا بما عندهم، و هو كسابقه على أنّه لا ينطبق على أحد من الاُمم الّتي قصّ القرآن قصّتهم كقوم نوح و عاد و ثمود و قوم إبراهيم و قوم لوط و قوم شعيب و غيرهم.

و منها: أنّ أصل المعنى فلمّا جاءتهم رسلهم بالبيّنات لم يفرحوا بما جاءهم من العلم فوضع موضعه فرحوا بما عندهم من الجهل ثمّ بدّل الجهل علماً تهكّماً فقيل: فرحوا بما عندهم من العلم، و هذا الوجه - على ما فيه من التكلّف و البعد من الفهم - يرد عليه

٣٥٨

ما يرد على الأوّل.

و منها: أنّ ضمير( فَرِحُوا ) للكفّار و ضمير( عِنْدَهُمْ ) للرسل، و المعنى فرح الكفّار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك و استهزاء و فيه أنّ لازمه اختلاف الضمائر المتّسقة مضافاً إلى أنّ الضحك و الاستهزاء لا يسمّى فرحاً و لا قرينة.

و منها: أنّ ضميري( فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ ) للرسل، و المعنى أنّ الرسل لمّا جاؤهم و شاهدوا ما هم فيه من الجهل و التمادي على الكفر و الجحود و علموا عاقبة أمرهم فرحوا بما عندهم من العلم الحقّ و شكروا الله على ذلك.

و فيه أنّ سياق الآيات أصدق شاهد على أنّها سيقت لبيان حال الكفّار بعد إتيان رسلهم بالبيّنات و كيف آلت إلى نزول العذاب و لم ينفعهم الإيمان بعد مشاهدة البأس؟ و أيّ ارتباط له بفرح الرسل بعلومهم الحقّة؟ على أنّ لازمه أيضاً اختلاف الضمائر.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ) البأس شدّة العذاب، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ) إلخ و ذلك لعدم استناد الإيمان حينئذ إلى الاختيار، و قوله:( سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ ) أي سنّها الله سنّة ماضية في عباده أن لا تقبل توبة بعد رؤية البأس( وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ ) .

٣٥٩

( سورة حم السجدة مكّيّة و هي أربع و خمسون آية)

( سورة فصّلت الآيات 1 - 12)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم ( 1 ) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( 2 ) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 3 ) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ( 4 ) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ( 5 ) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ  وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ( 6 ) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ( 7 ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 8 ) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا  ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 9 ) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ( 10 ) ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( 11 ) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا  وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا  ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( 12 )

٣٦٠