الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٧

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 419

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 419
المشاهدات: 161681
تحميل: 5473


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 161681 / تحميل: 5473
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 17

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قوله تعالى: ( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ ) إلخ فسّر الصرصر بالريح الشديدة السموم، و بالريح الشديدة البرد، و بالريح الشديدة الصوت و تلازم شدّة الهبوب، و النحسات بكسر الحاء صفة مشبهة من نحس ينحس نحساً خلاف سعد فالأيّام النحسات الأيّام المشؤمات.

و قيل: أيّام نحسات أي ذوات الغبار و التراب لا يرى فيها بعضهم بعضاً، و يؤيّده قوله في سورة الأحقاف:( فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) الأحقاف: 24.

و قوله:( وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ ) أي لا منج ينجيهم و لا شفيع يشفع لهم. و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى‏ عَلَى الْهُدى‏ ) إلخ المراد بهدايتهم إراءتهم الطريق و دلالتهم على الحقّ ببيان حقّ الاعتقاد و العمل لهم، و المراد بالاستحباب الإيثار و الاختيار، و لعلّه بالتضمين و لذا عدّي إلى المفعول الثاني بعلى و المراد بالعمى الضلال استعارة، و في مقابله الهدى له إيماء إلى أنّ الهدى بصر كما أنّ الضلالة عمى، و الهون مصدر بمعنى الذلّ و توصيف العذاب به للمبالغة أو بحذف ذي و التقدير صاعقة العذاب ذي الهون.

و المعنى: و أمّا قوم ثمود فدللناهم على طريق الحقّ و عرّفناهم الهدى بتمييزه من الضلال فاختاروا الضلال الّذي هو عمى على الهدى الّذي هو بصر فأخذتهم صيحة العذاب ذي المذلّة - أو أخذهم العذاب بناء على كون الصاعقة بمعنى العذاب و الإضافة بيانيّة - بما كانوا يكسبون.

قوله تعالى: ( وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ ) ضمّ التقوى إلى الإيمان معبّراً عن التقوى بقوله:( وَ كانُوا يَتَّقُونَ ) الدالّ على الاستمرار للدلالة على جمعهم بين الإيمان و العمل الصالح و ذلك هو السبب لنجاتهم من عذاب الاستئصال على ما وعده الله بقوله:( ‏وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) الروم: 47.

و الظاهر أنّ الآية متعلّقة بالقصّتين جميعاً متمّمة لهما و إن كان ظاهر المفسّرين

٣٨١

تعلّقها بالقصّة الثانية.

قوله تعالى: ( وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) الحشر إخراج الجماعة عن مقرّهم و إزعاجهم عنه إلى الحرب و نحوها. كذا قال الراغب، و( يُوزَعُونَ ) من الوزع و هو حبس أوّل القوم ليلحق بهم آخرهم فيجتمعوا.

قيل: المراد بحشرهم إلى النار إخراجهم إلى المحشر للسؤال و الحساب، و جعل النار غاية لحشرهم لأنّ عاقبتهم إليها، و الدليل عليه ما ذكره من أمر شهادة الأعضاء فإنّها في الموقف قبل الأمر بهم إلى النار.

و قيل: المراد حشرهم إلى النار نفسها و من الممكن أن يستشهد عليهم مرّتين مرّة في الموقف و مرّة على شفير جهنّم و هو كما ترى.

و المراد بأعداء الله - على ما قيل - المكذّبون بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مشركي قومه لا مطلق الكفّار و الدليل عليه قوله الآتي:( وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ ) الآية.

قوله تعالى: ( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) ( ما ) في( إِذا ما جاؤُها ) زائد للتأكيد و الضمير للنار.

و شهادة الأعضاء أو القوى يوم القيامة ذكرها و إخبارها ما تحمّلته في الدنيا من معصية صاحبها فهي شهادة أداء لما تحمّلته، و لو لا التحمّل في الدنيا حين العمل كما لو جعل الله لها شعوراً و نطقاً يوم القيامة فعلمت ثمّ أخبرت بما عملته أو أوجد الله عندها صوتاً يفيد معنى الإخبار من غير شعور منها به لم يصدق عليه الشهادة، و لا تمّت بذلك على العبد المنكر حجّة و هو ظاهر.

و بذلك يظهر فساد قول بعضهم: إنّ الله يخلق يوم القيامة للأعضاء علماً و قدرة على الكلام فتخبر بمعاصي صاحبيها و هو شهادتها و قول بعضهم: إنّه يخلق عندها أصواتاً في صورة كلام مدلوله الشهادة، و كذا قول بعضهم: إنّ معنى الشهادة دلالة الحال على صدور معصية كذائيّة منهم.

و ظاهر الآية أنّ شهادة السمع و البصر أداؤهما ما تحمّلاه و إن لم يكن معصية

٣٨٢

مأتيّاً بها بواسطتهما كشهادة السمع أنّه سمع آيات الله تتلى عليه فأعرض عنها صاحبه أو أنّه سمع صاحبه يتكلّم بكلمة الكفر، و شهادة البصر أنّه رأى الآيات الدالّة على وحدانيّة الله تعالى فأعرض عنها صاحبه أو أنّه رأى صاحبه يستمع إلى الغيبة أو سائر ما يحرم الإصغاء إليه فتكون الآية على حدّ قوله تعالى:( إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا ) إسراء: 36.

و على هذا يختلف السمع و الأبصار و الجلود فيما شهدت عليه فالسمع و الأبصار تشهد على معصية العبد و إن لم تكن بسببهما و الجلود تشهد على المعصية الّتي كانت هي آلات لها بالمباشرة، و هذا الفرق هو السبب لتخصيصهم الجلود بالخطاب في قولهم:( لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ) على ما سيجي‏ء.

و المراد بالجلود على ظاهر إطلاق الآية مطلق الجلود و شهادتها على أنواع المعاصي الّتي تتمّ بالجلود من التمتّعات المحرّمة كالزنا و نحوه، و يمكن حينئذ أن تعمّم الجلود بحيث تشمل شهادتها ما شهدت الأيدي و الأرجل المذكورة في قوله:( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ) يس: 65 على بعد.

و قيل: المراد بالجلود الفروج و قد كنّي بها عنها تأدّباً.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ) اعتراض و عتاب منهم لجلودهم في شهادتها عليهم، و قيل: الاستفهام للتعجّب فهو سؤال عن السبب لرفع التعجّب و إنّما خصّوها بالسؤال دون سمعهم و أبصارهم مع اشتراكها في الشهادة لأنّ الجلود شهدت على ما كانت هي بنفسها أسباباً و آلات مباشرة له بخلاف السمع و الأبصار فإنّها كسائر الشهداء تشهد بما ارتكبه غيرها.

و قيل: تخصيص الجلود بالذكر تقريع لهم و زيادة تشنيع و فضاحة و خاصّة لو كان المراد بالجلود الفروج و قيل غير ذلك.

قوله تعالى: ( قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ) إلخ إرجاع ضمير اُولي العقل إلى الجوارح لمكان نسبة الشهادة و النطق إليها و ذلك من شؤن اُولي العقل.

و المتيقّن من معنى النطق إذا استعمل على الحقيقة من غير تجوّز هو إظهار ما

٣٨٣

في الضمير من طريق التكلّم فيتوقّف على علم و كشفه لغيره، قال الراغب: و لا يكاد يستعمل النطق في غير الإنسان إلّا تبعا و بنوع من التشبيه و ظاهر سياق الآيات و ما فيها من ألفاظ القول و التكلّم و الشهادة و النطق أنّ المراد بالنطق ما هو حقيقة معناه.

فشهادة الأعضاء على المجرمين كانت نطقاً و تكلّماً حقيقة عن علم تحمّلته سابقاً بدليل قولها:( أَنْطَقَنَا اللهُ ) . ثمّ إنّ قولها:( أَنْطَقَنَا اللهُ ) جواباً عن قول المجرمين:( لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ) ؟ إراءة منها للسبب الّذي أوجب نطقها و كشف عن العلم المدّخر عندها المكنون في ضميرها فهي ملجأة إلى التكلّم و النطق، و لا يضرّ ذلك نفوذ شهادتها و تمام الحجّة بذلك فإنّها إنّما اُلجئت إلى الكشف عمّا في ضميرها لا على الستر عليه و الإخبار بخلافه كذباً و زوراً حتّى ينافي جواز الشهادة و تمام الحجّة.

و قوله:( الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ) توصيف لله سبحانه و إشارة إلى أنّ النطق ليس مختصّاً بالأعضاء حتّى تختصّ هي بالسؤال بل هو عامّ شامل لكلّ شي‏ء و السبب الموجب له هو الله سبحانه.

و قوله:( وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) من تتمّة الكلام السابق أو هو من كلامه، و هو احتجاج على علمه بأعمالهم و قد أنطق الجوارح بما علم.

يقول: إنّ وجودكم يبتدئ منه تعالى و ينتهي إليه تعالى فعند ما تظهرون من كتم العدم - و هو خلقكم أوّل مرّة - يعطيكم الوجود و يملّككم الصفات و الأفعال فتنسب إليكم ثمّ ترجعون و تنتهون إليه فيرجع ما عندكم من ظاهر الملك الموهوب إليه فلا يبقى ملك إلّا و هو لله سبحانه.

فهو سبحانه المالك لجميع ما عندكم أوّلاً و آخراً فما عندكم من شي‏ء في أوّل وجودكم هو الّذي أعطاكموه و ملّكه لكم و هو أعلم بما أعطى و أودع، و ما عندكم من شي‏ء حينما ترجعون إليه هو الّذي يقبضه منكم إليه و يملكه فكيف لا يعلمه، و انكشافه له سبحانه حينما يرجع إليه إنطاقه لكم و شهادتكم على أنفسكم عنده.

و بما مرّ من البيان يظهر وجه تقييد قوله:( وَ هُوَ خَلَقَكُمْ ) بقوله:( أَوَّلَ مَرَّةٍ ) فالمراد به أوّل وجودهم.

٣٨٤

و لهم في قوله:( قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ ) في معنى الإنطاق نظائر ما تقدّم في قوله:( شَهِدَ عَلَيْهِمْ ) من الأقوال فمن قائل: إنّ الله يخلق لهم يومئذ العلم و القدرة على النطق فينطقون، و من قائل: إنّه يخلق عند الأعضاء أصواتاً شبيهة بنطق الناطقين و هو المراد بنطقهم، و من قائل: إنّ المراد بالنطق دلالة ظاهر الحال على ذلك.

و كذا في عموم قوله:( أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ) فقيل: هو مخصّص بكلّ حيّ نطق إذ ليس كلّ شي‏ء و لا كلّ حيّ ينطق بالنطق الحقيقيّ و مثل هذا التخصيص شائع و منه قوله تعالى في الريح المرسلة إلى عاد:( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ) الأحقاف: 25.

و قيل: النطق في( أَنْطَقَنَا ) بمعناه الحقيقيّ و في قوله:( أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ) بمعنى الدلالة فيبقى الإطلاق على حاله.

و يرد عليهما أنّ تخصيص الآية أو حملها على المعنى المجازيّ مبنيّ على تسلّم كون غير ما نعدّه من الأشياء حيّاً ناطقاً كالإنسان و الحيوان و الملك و الجنّ فاقداً للعلم و النطق على ما نراه من حالها.

لكن لا دليل على فقدان الأشياء غير ما استثنيناه للشعور و الإرادة سوى أنّا في حجاب من بطون ذواتها لا طريق لنا إلى الاطّلاع على حقيقة حالها، و الآيات القرآنيّة و خاصّة الآيات المتعرّضة لشؤن يوم القيامة ظاهرة في عموم العلم.

( بحث إجمالي قرآني)

( في سراية العلم)

كرّرنا الإشارة في الأبحاث المتقدّمة إلى أنّ الظاهر من كلامه تعالى أنّ العلم صار في الموجودات عامّة كما تقدّم في تفسير قوله تعالى:( وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) إسراء: 44 فإنّ قوله:( وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ ) نعم الدليل على كون التسبيح منهم عن علم و إرادة لا بلسان الحال.

و من هذا القبيل قوله:( فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) و قد تقدّم تفسيره في السورة.

٣٨٥

و من هذا القبيل قوله:( وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ ) الأحقاف: 6 فالمراد بمن لا يستجيب الأصنام فقط أو هي و غيرها، و قوله:( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى‏ لَها ) الزلزال: 5.

و من هذا القبيل الآيات الدالّة على شهادة الأعضاء و نطقها و تكليمها لله و السؤال منها و خاصّة ما ورد في ذيل الآيات الماضية آنفاً من قوله:( أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ) الآية.

لا يقال: لو كان غير الإنسان و الحيوان كالجماد و النبات ذا شعور و إرادة لبانت آثاره و ظهر منها ما يظهر من الإنسان و الحيوان من الأعمال العلميّة و الأفعال و الانفعالات الشعوريّة.

لأنّه يقال: لا دليل على كون العلم ذا سنخ واحد حتّى تتشابه الآثار المترشّحة منه فمن الممكن أن يكون ذا مراتب مختلفة تختلف باختلافها آثارها.

على أنّ الآثار و الأعمال العجيبة المتقنة المشهودة من النبات و سائر الأنواع الطبيعيّة في عالمنا هذا لا تقصر في إتقانها و نظمها و ترتيبها عن آثار الأحياء كالإنسان و الحيوان.

( بحث إجمالي فلسفي)

( في سراية العلم)

حقّق في مباحث العلم من الفلسفة أنّ العلم و هو حضور شي‏ء لشي‏ء يساوق الوجود المجرّد لكونه ما له من فعليّة الكمال حاضراً عنده من غير قوّة فكلّ وجود مجرّد يمكنه أن يوجد حاضراً لمجرّد غيره أو يوجد له مجرّد غيره و ما أمكن لمجرّد بالإمكان العامّ فهو له بالضرورة.

فكلّ عالم فهو مجرّد و كذا كلّ معلوم و ينعكسان بعكس النقيض إلى أنّ

٣٨٦

المادّة و ما تألّف منها ليس بعالم و لا معلوم.

فالعلم يساوق الوجود المجرّد، و الوجودات المادّيّة لا يتعلّق بها علم و لا لها علم بشي‏ء لكنّ لها، على كونها مادّيّة متغيّرة متحرّكة لا تستقرّ على حال، ثبوتاً من غير تغيّر و لا تحوّل لا ينقلب عمّا وقع عليه.

فلها من هذه الجهة تجرّد و العلم سار فيها كما هو سار في المجرّدات المحضة العقليّة و المثاليّة فافهم ذلك.

قوله تعالى: ( وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ ) إلخ لا شكّ أنّ الله سبحانه خالق كلّ شي‏ء لا موجد غيره فلا يحول بين خلقه و بينه شي‏ء و لا يحجب خلقه من حاجب فهو تعالى مع كلّ شي‏ء أينما كان و كيفما كان قال تعالى:( إِنَّ اللهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ ) الحجّ: 17 و قال:( وَ كانَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ رَقِيباً ) الأحزاب: 52.

فالإنسان أينما كان كان الله معه، و أيّ عمل عمله كان الله مع عمله، و أيّ عضو من أعضائه استعمله و أيّ سبب أو أداة أو طريق اتّخذه لعمله كان مع ذلك العضو و السبب و الأداة و الطريق قال تعالى:( وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) الحديد: 4، و قال:( أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) الرعد: 33، و قال:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) الفجر: 14.

و من هنا يستنتج أنّ الإنسان - و هو جار في عمله - واقع بين مراصد كثيرة يرصده من كلّ منها ربّه و يرقبه و يشهده فمرتكب المعصية و هو متوغّل في سيّئته غافل عنه تعالى في جهل عظيم بمقام ربّه و استهانة به سبحانه و هو يرصده و يرقبه.

و هذه الحقيقة هي الّتي تشير إليه الآية أعني قوله:( وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) إلخ على ما يعطيه السياق.

فقوله:( وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) نفي لاستتارهم و هم في المعاصي قبلاً و هم في الدنيا و قوله:( أَنْ يَشْهَدَ ) إلخ منصوب بنزع الخافض و التقدير من أن يشهد إلخ.

٣٨٧

و قوله:( وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ ) استدراك في معنى الإضراب عن محذوف يدلّ عليه صدر الآية، و التقدير و لم تظنّوا أنّها لا تعلم أعمالكم و لكن ظننتم إلخ و الآية تقريع و توبيخ للمشركين أو لمطلق المجرمين يوجّه إليهم يوم القيامة من قبله تعالى.

و محصّل المعنى و ما كنتم تستخفون في الدنيا عند المعاصي من شهادة أعضائكم الّتي تستعملونها في معصية الله و لم يكن ذلك لظنّكم أنّها لا إدراك فيها لعملكم بل لظنّكم أنّ الله لا يعلم كثيراً ممّا تعملون أي لم تستهينوا عند المعصية بشهادة أعضائكم و إنّما استهنتم بشهادتنا.

فالاستدراك و معنى الإضراب في الآية نظير ما في قوله تعالى:( وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللهَ رَمى) الأنفال: 17، و قوله:( وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) البقرة: 57.

و قوله:( كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) و لم يقل: لا يعلم ما تعملون و لعلّ ذلك لكونهم معتقدين بالله و بصفاته العليا الّتي منها العلم فهم يعتقدون فيه العلم في الجملة لكن حالهم في المعاصي حال من لا يرى علمه بكثير من أعماله.

و يستفاد من الآية أنّ شهادة الشهود شهادته تعالى بوجه قال تعالى:( وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) يونس: 61.

و لهم في توجيه معنى الآية أقوال اُخر لا يساعد عليها السياق و لا تخلو من تكلّف أضربنا عن التعرّض لها.

قوله تعالى: ( وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) الإرداء من الردى بمعنى الهلاك، و( ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ ) مبتدأ و خبر و( أَرْداكُمْ ) خبر بعد خبر، و يمكن أن يكون( ظَنُّكُمُ ) بدلاً من( ذلِكُمْ ) .

و معنى الآية على الأوّل و ذلكم الظنّ الّذي ذكر ظنّ ظننتموه لا يغني من الحقّ شيئاً و العلم و الشهادة على حالها أهلككم ذلك الظنّ فأصبحتم من الخاسرين.

٣٨٨

و على الثاني و ظنّكم الّذي ظننتم بربّكم أنّه لا يعلم كثيراً ممّا تعملون أهلككم إذ هوّن عليكم أمر المعاصي و أدّى بكم إلى الكفر فأصبحتم من الخاسرين.

قوله تعالى: ( فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ) في المفردات: الثواء الإقامة مع الاستقرار. انتهى، و في المجمع، الاستعتاب طلب العتبى و هي الرضا و هو الاسترضاء، و الإعتاب الإرضاء، و أصل الإعتاب عند العرب استصلاح الجلد بإعادته في الدباغ ثمّ أستعير فيما يستعطف به البعض بعضاً لإعادته ما كان من الإلفة. انتهى.

و معنى الآية فإن يصبروا فالنار مأواهم و مستقرّهم و إن يطلبوا الرضا و يعتذروا لينجوا من العذاب فليسوا ممّن يرضى عنهم و يقبل أعتابهم و معذرتهم فالآية في معنى قوله:( اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ ) الطور: 16.

قوله تعالى: ( وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ) إلى آخر الآية. أصل التقييض - كما في المجمع - التبديل، و القرناء جمع قرين و هو معروف.

فقوله:( وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ) إشارة إلى أنّهم لو آمنوا و اتّقوا لأيّدهم الله بمن يسدّدهم و يهديهم كما قال:( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) المجادلة: 22 لكنّهم كفروا و فسقوا فبدّل الله لهم قرناء من الشياطين يقارنونهم و يلازمونهم، و إنّما يفعل ذلك بهم مجازاة لكفرهم و فسوقهم.

و قيل: المعنى بدّلناهم قرناء سوء من الجنّ و الإنس مكان قرناء الصدق الّذين اُمروا بمقارنتهم فلم يفعلوا، و لعلّ ما قدّمناه أحسن.

و قوله:( فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ) لعلّ المراد التمتّعات المادّيّة الّتي هم مكبّون عليها في الحال و ما تعلّقت به آمالهم و أمانيّهم في المستقبل.

و قيل: ما بين أيديهم ما قدّموه من أعمالهم السيّئة حتّى ارتكبوها، و ما خلفهم ما سنّوه لغيرهم ممّن يأتي بعدهم، و يمكن إدراج هذا الوجه في سابقه.

٣٨٩

و قيل: ما بين أيديهم هو ما يحضرهم من أمر الدنيا فيؤثرونه و يقبلون إليه و يعملون له، و ما خلفهم هو أمر الآخرة حيث يدعوهم قرناؤهم إلى أنّه لا بعث و لا نشور و لا حساب و لا جنّة و لا نار، و هو وجه بعيد إذ لا يقال لمن ينكر الآخرة أنّها زيّنت له.

و قوله:( وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ) أي ثبت و وجب عليهم كلمة العذاب حال كونهم في اُمم مماثلين لهم ماضين قبلهم من الجنّ و الإنس و كلمة العذاب قوله تعالى:( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) البقرة: 39 كقوله:( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) ص: 85. و قوله:( إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ ) تعليل لوجوب كلمة العذاب عليهم أو لجميع ما تقدّم.

و يظهر من الآية أنّ حكم الموت جار في الجنّ مثل الإنس.

( بحث روائي)

في الفقيه، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام في وصيّته لابن الحنفيّة: قال الله تعالى:( وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ ) يعني بالجلود الفروج.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن أبي عمرو الزبيريّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في الآية: يعني بالجلود الفروج و الأفخاذ.

و في المجمع، قال الصادقعليه‌السلام : ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفاً كأنّه يشرف على النار، و يرجوه رجاء كأنّه من أهل الجنّة إنّ الله تعالى يقول:( وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ ) الآية، ثمّ قال: إنّ الله عند ظنّ عبده إن خيراً فخير و إن شرّاً فشرّ.

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبداللهعليه‌السلام في

٣٩٠

حديث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من عبد يظنّ بالله عزّوجلّ خيراً إلّا كان عند ظنّه به و ذلك قوله عزّوجلّ:( وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ ) الآية.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الطبرانيّ و عبد بن حميد و مسلم و أبوداود و ابن ماجة و ابن حبّان و ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يموتنّ أحدكم إلّا و هو يحسن الظنّ بالله فإنّ قوماً قد أرداهم سوء ظنّهم بالله عزّوجلّ قال الله:( وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) .

أقول: و قد روي في سبب نزول بعض الآيات السابقة ما لا يلائم سياقها تلك الملاءمة و لذلك أغمضنا عن إيراده.

٣٩١

( سورة فصّلت الآيات 26 - 39)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ( 26 ) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 27 ) ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ  لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ  جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ( 28 ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ( 29 ) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ( 30 ) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ  وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ( 31 ) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ( 32 ) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 33 ) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ  ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ( 34 ) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ( 35 ) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ  إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 36 ) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ  لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن

٣٩٢

كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( 37 ) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ  ( 38 ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ  إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ  إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 39 )

( بيان)

رجوع إلى حديث كفرهم بالقرآن المذكور في أوّل السورة و ذكر كيدهم لإبطال حجّته، و في الآيات ذكر الكفّار و بعض ما في عقبى ضلالتهم و أهل الاستقامة من المؤمنين و بعض ما لهم في الآخرة و متفرّقات اُخر.

قوله تعالى: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) اللغو من الأمر ما لا أصل له و من الكلام ما لا معنى له يقال: لغا يلغى و يلغو لغوا أي أتى باللغو، و الإشارة إلى القرآن مع ذكر اسمه دليل على كمال عنايتهم بالقرآن لإعفاء أثره.

و الآية تدلّ على نهاية عجزهم عن مخاصمة القرآن بإتيان كلام يعادله و يماثله أو إقامة حجّة تعارضه حتّى أمر بعضهم بعضاً أن لا ينصتوا له و يأتوا بلغو الكلام عند قراءة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن ليختلّ به قراءته و لا تقرع أسماع الناس آياته فيلغو أثره و هو الغلبة.

قوله تعالى: ( فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً ) إلخ اللام للقسم، و المراد بالّذين كفروا بحسب مورد الآية هم الّذين قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن و إن كانت الآية مطلقة بحسب اللفظ.

و قوله:( وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ) قيل: المراد العمل السيّئ الّذي

٣٩٣

كانوا يعملون بتجريد أفعل عن معنى التفضيل، و قيل: المراد بيان جزاء ما هو أسوأ أعمالهم و سكت عن الباقي مبالغة في الزجر.

قوله تعالى: ( ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ ) إلخ( ذلِكَ جَزاءُ ) مبتدأ و خبر و( النَّارُ ) بدل أو عطف بيان من( ذلِكَ ) أو خبر مبتدإ محذوف و التقدير هي النار أو مبتدأ خبره( لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ ) .

و قوله:( لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ ) أي النار محيطة بهم جميعاً و لكلّ منهم فيها دار تخصّه خالداً فيها.

و قوله:( جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ) مفعول مطلق لفعل مقدّر، و التقدير يجزون جزاء أو للمصدر المتقدّم أعني قوله:( ذلِكَ جَزاءُ ) نظير قوله:( فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ) إسراء: 63.

قوله تعالى: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ) محكي قول يقولونه و هم في النار، يسألون الله أن يريهم متبوعيهم من الجنّ و الإنس ليجعلوهما تحت أقدامهم إذلالاً لهما و تشديداً لعذابهما كما يشعر به قولهم ذيلاً:( نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ) .

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ) إلخ قال الراغب: الاستقامة تقال في الطريق الّذي يكون على خطّ مستو، و به شبّه طريق الحقّ نحو( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) . قال: و استقامة الإنسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله:( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ) . انتهى. و في الصحاح: الاستقامة الاعتدال يقال: استقام له الأمر. انتهى.

فالمراد بقوله:( ثُمَّ اسْتَقامُوا ) لزوم وسط الطريق من غير ميل و انحراف و الثبات على القول الّذي قالوه، قال تعالى:( فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ) التوبة: 7 و قال:( وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) الشورى: 15 و ما ورد فيها من مختلف التفاسير يرجع إلى ما ذكر.

٣٩٤

و الآية و ما يتلوها بيان حسن حال المؤمنين كما كانت الآيات قبلها بيان سوء حال الكافرين.

و قوله:( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) إخبار عمّا سيستقبلهم به الملائكة من تقوية قلوبهم و تطييب نفوسهم و البشرى بالكرامة.

فالملائكة يؤمّنونهم من الخوف و الحزن، و الخوف إنّما يكون من مكروه متوقّع كالعذاب الّذي يخافونه و الحرمان من الجنّة الّذي يخشونه، و الحزن إنّما يكون من مكروه واقع و شرّ لازم كالسيّئات الّتي يحزنون من اكتسابها و الخيرات الّتي يحزنون لفوتها عنهم فيطيّب الملائكة أنفسهم أنّهم في أمن من أن يخافوا شيئاً أو يحزنوا لشي‏ء فالذنوب مغفورة لهم و العذاب مصروف عنهم.

ثمّ يبشّرونهم بالجنّة الموعودة بقولهم:( وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) و في قولهم:( كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) دلالة على أنّ تنزّلهم بهذه البشرى عليهم إنّما هو بعد الحياة الدنيا.

قوله تعالى: ( نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ ) إلخ من تتمّة البشارة، و على هذا فذكر ولايتهم لهم في الحياة الدنيا مع انقضاء وقتها كما تقدّم من باب التوطئة و التمهيد إلى ذكر الآخرة للإشارة إلى أنّ ولاية الآخرة مترتّبة على ولاية الدنيا فكأنّه قيل نحن أولياؤكم في الآخرة كما كنّا - لما كنّا - أولياءكم في الحياة الدنيا و سنتولّى أمركم بعد هذا كما تولّيناه قبل.

و كون الملائكة أولياء لهم لا ينافي كونه تعالى هو الوليّ لأنّهم وسائط الرحمة و الكرامة ليس لهم من الأمر شي‏ء، و لعلّ ذكر ولايتهم لهم في الآية دون ولايته تعالى للمقابلة و المقايسة بين أوليائه تعالى و أعدائه إذ قال في حقّ أعدائه:( وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ) إلخ و قال في حقّ أوليائه عن لسان ملائكته:( نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ‏ ) .

و بالمقابلة يستفاد أنّ المراد ولايتهم لهم بالتسديد و التأييد فإنّ الملائكة المسدّدين هم المخصوصون بأهل ولاية الله و أمّا الملائكة الحرّس و موكّلوا الأرزاق

٣٩٥

و الآجال و غيرهم فمشتركون بين المؤمن و الكافر.

و قيل: الآية من كلام الله دون الملائكة.

و قوله:( وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ‏ ) ضمير( فِيها ) في الموضعين للآخرة، و أصل الشهوة نزوع النفس بقوّة من قواها إلى ما تريده تلك القوّة و تلتذّ به كشهوة الطعام و الشراب و النكاح، و أصل الادعاء - و هو افتعال من الدعاء - هو الطلب فالجملة الثانية أعني قوله:( وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ‏ ) أوسع نطاقاً من الاُولى أعني قوله:( لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ‏ ) فإنّ الشهوة طلب خاصّ و مطلق الطلب أعمّ منها.

فالآية تبشّرهم بأنّ لهم في الآخرة ما يمكن أن تتعلّق به شهواتهم من أكل و شرب و نكاح و غير ذلك بل ما هو أوسع من ذلك نطاقاً و أعلى كعباً و هو أنّ لهم ما يشاؤن فيها كما قال تعالى:( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها ) ق: 35.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) الآية اتّصال بقوله السابق:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ ) الآية فإنّهم كانوا يخاصمون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ينازعون القرآن، و قد ذكر في أوّل السورة قولهم:( قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ) الآية فأيّد سبحانه في هذه الآية نبيّه بأنّ قوله و هو دعوته أحسن القول.

فقوله:( وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ ) المراد به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إن كان لفظ الآية يعمّ كلّ من دعا إلى الله و لمّا أمكن أن يدعو الداعي إلى الله لغرض فاسد و ليست الدعوة الّتي هذا شأنها من القول الأحسن قيّده بقوله:( وَ عَمِلَ صالِحاً ) فإنّ العمل الصالح يكشف عن نيّة صالحة غير أنّ العمل الصالح لا يكشف عن الاعتقاد الحقّ و الالتزام به، و لا حسن في قول لا يقول به صاحبه و لذا قيّده بقوله:( وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) و المراد بالقول الرأي و الاعتقاد على ما يعطيه السياق.

فإذا تمّ الإسلام لله و العمل الصالح للإنسان ثمّ دعا إلى الله كان قوله أحسن القول لأنّ أحسن القول أحقّه و أنفعه و لا قول أحقّ من كلمة التوحيد و لا أنفع منها

٣٩٦

و هي الهادية للإنسان إلى حاقّ سعادته.

قوله تعالى: ( لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ ) الآية لمّا ذكر أحسن القول و أنّه الدعوة إلى الله و القائم به حقّاً هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التفت إليه ببيان أحسن الطريق إلى الدعوة و أقربها من الغاية المطلوبة منها و هي التأثير في النفوس فخاطبه بقوله:( لا تَسْتَوِي ) إلخ.

فقوله:( لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ ) أي الخصلة الحسنة و السيّئة من حيث حسن التأثير في النفوس، و( لا ) في( لَا السَّيِّئَةُ ) زائدة لتأكيد النفي.

و قوله:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) استئناف في معنى دفع الدخل كأنّ المخاطب لمّا سمع قوله:( لا تَسْتَوِي ) إلخ قال: فما ذا أصنع؟ فقيل:( ادْفَعْ ) إلخ و المعنى ادفع بالخصلة الّتي هي أحسن الخصلة السيّئة الّتي تقابلها و تضادّها فادفع بالحقّ الّذي عندك باطلهم لا بباطل آخر و بحلمك جهلهم و بعفوك إساءتهم و هكذا.

و قوله:( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) بيان لأثر الدفع بالأحسن و نتيجته و المراد أنّك إن دفعت بالّتي هي أحسن فاجأك أنّ عدوّك صار كأنّه وليّ شفيق. قيل:( الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ ) أبلغ من( عدوّك) و لذا اختاره عليه مع اختصاره.

ثمّ عظّم الله سبحانه الدفع بالّتي هي أحسن و مدحه أحسن التعظيم و أبلغ المدح بقوله:( وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) أي ذو نصيب وافر من كمال الإنسانيّة و خصال الخير.

و في الآية مع ذلك دلالة ظاهرة على أنّ الحظّ العظيم إنّما يوجد لأهل الصبر خاصّة.

قوله تعالى: ( وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) النزغ النخس و هو غرز جنب الدابّة أو مؤخّرها بقضيب و نحوه ليهيج، و( إِمَّا ) في( إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ ) زائدة و الأصل و إن ينزغنك فاستعذ.

و النازغ هو الشيطان أو تسويله و وسوسته، و الأوّل هو الأنسب لمقام النبيّ

٣٩٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه لا سبيل للشيطان إليه بالوسوسة غير أنّه يمكن أن يقلّب له الاُمور بالوسوسة على المدعوّين من أهل الكفر و الجحود فيبالغوا في جحودهم و مشاقّتهم و إيذائهم له فلا يؤثّر فيهم الدفع بالأحسن و يؤل هذا إلى نزغ من الشيطان بتشديد العداوة في البين كما في قوله:( مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي ) يوسف: 100، قال تعالى:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) الآية الحجّ: 52.

و لو حمل على الوجه الثاني فالمتعيّن حمله على مطلق الدستور تتميماً للأمر، و هو بوجه من باب( إيّاك أعني و اسمعي يا جارة) .

و قوله:( فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) العوذ و العياذ بكسر العين و المعاذ و الاستعاذة بمعنى و هو الالتجاء و المعنى فالتجئ بالله من نزغه إنّه هو السميع لمسألتك العليم بحالك أو السميع لأقوالكم العليم بأفعالكم.

قوله تعالى: ( وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ ) إلخ لمّا ذكر سبحانه كون دعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن القول و وصّاه أن يدفع بأحسن الخصال عاد إلى أصل الدعوة فاحتجّ على الوحدانيّة و المعاد في هذه الآيات الثلاث.

فقوله:( وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ ) إلخ احتجاج بوحدة التدبير و اتّصاله على وحدة الربّ المدبّر، و بوحدة الربّ على وجوب عبادته وحده، و لذلك عقّبه بقوله( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ ) إلخ.

فالكلام في معنى دفع الدخل كأنّه لما قيل:( وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ ) إلخ فأثبت وحدته في ربوبيّته قيل: فما ذا نصنع؟ فقيل( لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ ) هما مخلوقان مدبّران من خلقه بل خصّوه بالسجدة و اعبدوه وحده، و عامّة الوثنيّين كانوا يعظّمون الشمس و القمر و إن لم يعبدهما غير الصابئين على ما قيل، و ضمير( خَلَقَهُنَّ ) للّيل و النهار و الشمس و القمر.

و قوله:( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) أي إنّ عبادته لا تجامع عبادة غيره.

قوله تعالى: ( فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ

٣٩٨

لا يَسْأَمُونَ ) السأمة الملال، و المراد( فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ) الملائكة و المخلصون من عباد الله و قد تقدّم كلام في ذلك في تفسير قوله:( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسْجُدُونَ ) الأعراف: 206.

و قوله:( يُسَبِّحُونَ لَهُ ) و لم يقل: يسبّحونه للدلالة على الحصر و الاختصاص أي يسبّحونه خاصّة، و قوله:( بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ ) أي دائماً لا ينقطع فإنّ الملائكة ليس عندهم ليل و لا نهار.

و المعنى: فإن استكبر هؤلاء الكفّار عن السجدة لله وحده فعبادته تعالى لا ترتفع من الوجود فهناك من يسبّحه تسبيحاً دائماً لا ينقطع من غير سأمة و هم الّذين عند ربّك.

قوله تعالى: ( وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً ) إلخ الخشوع التذلّل، و الاهتزاز التحرّك الشديد، و الربو النشوء و النماء و العلوّ، و اهتزاز الأرض و ربوها تحرّكها بنباتها و ارتفاعه.

و في الآية استعارة تمثيليّة شبّهت فيها الأرض في جدبها و خلوّها عن النبات ثمّ اخضرارها و نموّ نباتها و علوّه بشخص كان وضيع الحال رثّ الثياب متذلّلاً خاشعاً ثمّ أصاب مالاً يقيم أوده فلبس أفخر الثياب و انتصب ناشطاً متبختراً يعرف في وجهه نضرة النعيم.

و الآية مسوقة للاحتجاج على المعاد، و قد تكرّر البحث عن مضمونها في السور المتقدّمة.

( بحث روائي)

في المجمع في قوله تعالى:( أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا ) يعنون إبليس الأبالسة و قابيل بن آدم أوّل من أبدع المعصية: روي ذلك عن عليّعليه‌السلام .

أقول: و لعلّه من نوع الجري فالآية عامّة.

و فيه في قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ) روي عن أنس

٣٩٩

قال: قرأ علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية ثمّ قال: قد قالها ناس ثمّ كفر أكثرهم فمن قالها حتّى يموت فقد استقام عليها.

و فيه في قوله تعالى:( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ) يعني عند الموت: عن مجاهد و السدّيّ و روي ذلك عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) قال: كنّا نحرسكم من الشياطين( وَ فِي الْآخِرَةِ ) أي عند الموت.

و في المجمع في الآية قيل:( نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) أي نحرسكم في الدنيا و عند الموت في الآخرة.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: ادفع سيّئة من أساء إليك بحسنتك حتّى يكون الّذي بينك و بينه عداوة كأنّه وليّ حميم.

٤٠٠