حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 208421
تحميل: 4789


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208421 / تحميل: 4789
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

يخالف متعلقه لا يماثله ولا يضاده كما إذا ورد مثلا في الخطاب انه: إذا قطعت

______________________________

وانه طريقي وموضوعي: أما الاول فهو ما لا يؤخذ في موضوع الحكم الشرعي بل كان موضوعا لحكم العقل بوجوب الموافقة، والثاني ما يؤخذ في موضوع الحكم الشرعي وهو على اقسام، والمتصور من اقسامه الممتنعة والصحيحة كثير، لانه اما ان يتعلق بالحكم الشرعي أو بموضوعه، والاول اما ان يؤخذ في نفس ذلك الحكم الذي تعلق به، أو ضده، أو مثله، أو خلافه، وكل منها إما أن يؤخذ جزءا للموضوع أو تمام الموضوع، وكل منها اما ان يكون ملحوظا بنحو الطريقية أو بنحو الصفتية فهذه ست عشرة صورة، ومثلها صور الثاني ايضا، فانه إذا تعلق بموضوع الحكم، فتارة يؤخذ في نفس ذلك الحكم، واخرى في مثله، وثالثة في ضده ورابعة في خلافه، وكل منها إما بنحو الجزئية للموضوع أو تماميته بنحو الصفتية أو الطريقية، كما في القسم الاول، ثم إنه يمتنع أن يؤخذ في نفس الحكم الذي تعلق به بصوره الاربع للزوم الدور حيث ان نسبة العلم إلى المعلوم كنسبة العارض إلى المعروض فاخذه على احد الانحاء الاربعة يوجب توقف الشئ على نفسه، مع انه لا يخلو عن الخلف لان العلم بالحكم لابد أن يتعلق بمفاد كان التامة فالمعلوم ثبوت الحكم لشئ فيكون ذلك الشئ هو الموضوع للحكم فكيف يكون العلم به موضوعا له على احد الانحاء الاربعة ؟، وكذا اخذه في مثله بحيث يكون العلم بوجوب الصدقة موضوعا لوجوب الصدقة ثانيا فانه ممتنع لانه من اجتماع المثلين لكنهما يختلفان بحسب الرتبة لان الوجوب الاول مأخوذ في رتبة سابقة فامتناعه موقوف على امتناع اجتماع المثلين ولو في رتبتين، أو قبحه من جهة اللغوية في جعل الوجوب الثاني، وكذا اخذه في ضده بصوره للزوم اجتماع الضدين ويجوز أخذه في خلافه بصوره الاربع التي اشار إليها المصنف (ره) في المتن ومثل ذلك جواز أو امتناعا صور ما تعلق بموضوع الحكم فيمتنع اخذه في نفس حكم متعلقه للخلف وفي مثله لاجتماع المثلين بلا ترتب وفي ضده للتضاد ويصح اخذه في خلافه فالصور الصحيحة للقطع الموضوعي ثمان (قوله: يخالف متعلقه)

٢١

بوجوب شئ يجب عليك التصدق بكذا (تارة) بنحو يكون تمام الموضوع بان يكون القطع بالوجوب مطلقا ولو أخطأ موجب لذلك (وأخرى) بنحو يكون جزءه وقيده بان يكون القطع به في خصوص ما أصاب موجبا له، وفي كل منهما يؤخذ طورا بما هو كاشف وحاك عن متعلقه وآخر بما هو صفة خاصة للقاطع أو المقطوع به وذلك لأن القطع لما كان من الصفات الحقيقية ذت الاضافة ولذا كان العلم نورا لنفسه ونورا لغيره صح ان يؤخذ فيه بما هو صفة خاصة وحالة مخصوصة بالغاء جهة كشفه أو اعتبار خصوصية أخرى فيه معها كما صح أن يؤخذ بما هو كاشف عن متعلقه وحاك عنه فيكن أقسامه أربعة - مضافة إلى ما هو طريق محض عقلا غير مأخوذ في الموضوع شرعا.

______________________________

اي يخالف حكم متعلقه (قوله: بما هو كاشف) قد عرفت فيما سبق ان من اثار القطع الذاتية طريقيته إلى متعلقه وحكايته عنه ومن المعلوم ان كل موضوع ذى صفة إذا اخذ موضوعا للحكم الشرعي، تارة يؤخذ بما انه معنون بتلك الصفة، واخرى لا بما هو كذلك سواء لم تلحظ تلك الصفة فيه بالمرة أم لو حظت مع الذات أو مع غيرها من الصفات مثلا إذا كان زيد عالما فحين ما يجعل موضوعا للحكم، تارة بما انه عالم فيكون الحكم في الحقيقة على عنوان العالم الشامل لكل عالم زيدا كان أو عمرا أو غيرها، وأخرى لا بما انه كذلك سواء لوحظت جميع الصفات حتى صفة العالمية أم أغفلت تلك الصفة بالمرة وكان الحكم على الذات أو بقية الصفات غير صفة العالمية، ومن هنا يظهر أن القطع إذا لوحظ بما انه طريق في مقام موضوعيته للحكم كان الحكم في الحقيقة على مطلق الطريق فلو فرض محالا وجود طريق إلى الواقع غير القطع كان أيضا موضوعا للحكم وان لم يلحظ كذلك لم يكن مطلق الطريق موضوعا لذلك الحكم (قوله: لما كان من الصفات الحقيقية) يعني صفة حقيقية للنفس من مقولة الكيف أو غيرها (قوله: ذات الاضافة) يعني إلى غير موضوعه وهو المعلوم (قوله: فتكون اقسامه اربعة)

٢٢

(ثم) لا ريب في قيام الطرق والامارات المعتبرة بدليل حجيتها واعتبارها مقام هذا القسم كما لا ريب في عدم قيامها بمجرد ذلك الدليل مقام ما اخذ في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الاقسام بل لابد من دليل آخر على التنزيل فان قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما للقطع بما هو حجة من الآثار لا له بما هو صفة وموضوع ضرورة انه كذلك يكون

______________________________

يعني أقسام القطع المأخوذ في الحكم الذى يخالف متعلقه فلو ضم إليها اقسام المأخوذ في الحكم الذي يخالف حكم متعلقه كانت ثمانية ولو ضم إليها الصور الممتنعة كان المجموع اثنتين وثلاثين صورة

قيام الامارات مقام القطع

(قوله: ثم لا ريب في قيام الطرق) المراد من الطرق الحجج المثبتة للاحكام الكلية ومن الامارات الحجج المثبتة للموضوعات الخارجية، ثم ان هذا الكلام من المصنف (ره) شروع فيما يتعلق بالقطع من حكم قيام الامارات مقامه وعدمه وتعرض فيه لمقامات ثلاثة الاول قيامها مقام القطع الطريقي المحض غير المأخوذ في موضع حكم الشارع اصلا وذكر انه لا ريب في قيامها مقامه، والمراد من ذلك انها يترتب عليها اثره، وقد عرفت ان اثره ليس الا عقليا وهو منجزيته للواقع على تقدير المصادفة وكونه عذرا في مخالفته على تقدير المخالفة، والوجه في ترتب ذلك عليها بادلة حجيتها ان مفاد ادلة حجيتها جعل مؤادها بمنزلة الواقع فإذا قامت على شئ كان ما قامت عليه بمنزلة الواقع، ولا ريب في أن القطع بما هو بمنزلة الواقع كالقطع بالواقع في كونه منجزا وعذرا في صورتي المصادفة وعدمها (قوله: كما لا ريب في عدم قيامها) هذا اشارة إلى المقام الثاني وهو قيامها مقام القطع المأخوذ موضوعا على نحو الصفتية (قوله: فان قضية الحجية حاصله: ان ادلة الحجية انما اقتضت كون الطريق والامارة بمنزلة القطع في الحجية

٢٣

كسائر الموضوعات والصفات. ومنه قد انقدح عدم قيامها بذاك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو الكشف فان القطع المأخوذ بهذا النحو في الموضوع شرعا كسائر ماله دخل في الموضوعات أيضا فلا يقوم مقامه شئ بمجرد ححجيته أو قيام دليل على اعتباره ما لم يقم دليل على تنزيله ودخله في الموضوع كدخله (وتوهم) كفاية دليل

______________________________

والطريقية إلى الواقع، ومرجع ذلك إلى تنزيل مؤداها منزلة الواقع، وهذا لا ينفع الا في ترتب آثار الواقع واحكامه على المؤدى كما هو شأن كل تنزيل اما ترتيب آثار نفس القطع المأخوذ موضوعا بما انه صفة خاصة فلا وجه له، وإذا كان الامر كذلك فلا وجه لقيامها مقامه لما عرفت من ان معنى قيام الشئ مقام آخر ثبوت آثار الثاني للاول وإذا لم يكن دليل الحجية متكفلا لترتيب آثار القطع على الامارة كيف تكون قائمة مقامه (قوله: كسائر الموضوعات والصفات) يعنى التي لا يمكن ترتيب آثارها الا على ما نزل منزلتها بما انها ملحوظة في نفسها موضوعا للحكم، وهذا المعنى غير حاصل لدليل التنزيل حيث لم يقصد منه الا تنزيل الامارة منزلة القطع بما انه ملحوظ طريقا إلى متعلقه الراجع إلى جعل مؤداها منزلة الواقع لا غير كما ذكرنا (قوله: ومنه قد انقدح عدم) هذا تعرض للمقام الثالث وهو قيامها مقام القطع المأخوذ موضوعا على نحو الطريقية لا الصفتية، وحاصل ما ذكره فيه: انها لا تقوم مقامه أيضا بعين الوجه المتقدم في المقام الثاني من انه يتوقف على ان يكون دليل حجيتها متعرضا لتنزيلها منزلة القطع ملحوظا في نفسه وبما انه موضوع لحكمه، وقد تقدم ان دليل الحجية ليس كذلك بل لا يتعرض الا لقيامها مقامه بما انه ملحوظ طريقا إلى الواقع فيكون التنزيل في الحقيقة راجعا إلى تنزيل مؤداها منزلة الواقع وهو اجنبي عن اقتضاء ترتيب آثار نفس القطع كما عرفت مكررا (قوله: على تنزيله ودخله) الضمير فيهما راجع إلى شئ (قوله: كدخله) الضمير فيه راجع إلى سائر ماله (قوله: وتوهم كفاية دليل) حاصل التوهم: انه لا وجه لتخصيص دليل تنزيل الامارة منزلة القطع

٢٤

الاعتبار الدال على إلغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة القطع من جهة كونه موضوعا ومن جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان أو موضوعا (فاسد جدا) فان الدليل الدال على الغاء الاحتمال لا يكاد يفي الا باحد التنزيلين حيث لابد في كل تنزيل منهما من لحاظ المنزل والمنزل عليه ولحاظهما في أحدهما آلي وفي الآخر استقلالي بداهة أن النظر في حجيته وتنزيله منزلة القطع في طريقيته في الحقيقة إلى الواقع ومؤدى الطريق وفي كونه بمنزلته في دخله في الموضوع إلى انفسهما ولا يكاد يمكن الجمع بينهما. نعم لو كان في البين ما بمفهومه جامع بينهما يمكن أن يكون دليلا على التنزيلين والمفروض انه ليس فلا يكون دليلا على التنزيل إلا بذاك اللحاظ الألي

______________________________

بحيثية الطريقية فقط فانه خلاف اطلاق دليل التنزيل ولابد من الحكم بكونه في مقام تنزيلها منزلته من حيث الموضوعية وحينئذ يترتب الاثر ان اثر القطع بما انه طريق وهو اثر متعلقه واثره بما هو موضوع وهو اثر نفسه (قوله: فاسد جدا) خبر توهم (قوله: فان الدليل الدال على) حاصله: ان الاصل وان كان يقتضي اطلاق دليل التنزيل وكونه ناظرا إلى جميع الحيثيات ذوات الآثار والاحكام إلا ان الاطلاق في المقام ممتنع لانه يلزم منه الجمع بين اللحاظين لشئ واحد فان تنزيل الطريق منزلة القطع بلحاظ الطريقية يقتضي ان يكونا اعني الطريق والقطع ملحوظين آلة لملاحظة متعلقهما ولذا ذكرنا ان التنزيل بلحاظ الطريقية راجع إلى تنزيل المؤدى منزلة الواقع فلا يكونان ملحوظين حينئذ الامرآة لمتعلقهما وتنزيل الطريق منزلة القطع بلحاظ الموضوعية يقتضي ملاحظتهما مستقلا كسائر موضوعات الاحكام، ولا ريب ان الجمع بين اللحاظين المذكورين ممتنع فلابد، اما ان يحمل دليل التنزيل على الاول فلا يقتضي ترتيب آثار القطع الموضوعي أو على الثاني فلا يقتضي ترتيب آثار الواقع على مؤدى الطريق (قوله: ولحاظهما في احدهما آلي) وهو لحاظه بنحو الطريقية إلى المتعلق والاستقلالي ما كان بنحو الموضوعية (قوله: نعم لو كان في البين ما) يعني لو كان دليل التنزيل لسانه بحيث

٢٥

فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه وصحة العقوبة على مخالفته في صورتي إصابته وخطئه بناء على استحقاق المتجري أو بذلك اللحاظ الآخر الاستقلالي فيكون مثله في دخله في الموضوع وترتيب ماله عليه من الحكم الشرعي (لا يقال): على هذا لا يكون دليلا على أحد التنزيلين ما لم يكن هناك قرينة في البين (فانه يقال): لا إشكال في كونه دليلا على حجيته فان ظهوره في انه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه وإنما يحتاج تنزيله بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من نصب دلالة عليه. فتأمل في المقام فانه دقيق ومزال الاقدام للاعلام. ولا يخفى أنه

______________________________

يمكن فيه الجمع بين التنزيلين ولا يلزم فيه الجمع بين اللحاظين الممتنع كان حمله عليهما معا هو المتعين، لكن ليس مثل هذا الدليل موجودا فان لسان ادلة الحجية هو مثل: الغ احتمال الخلاف في الخبر، أو صدق خبر العادل، أو الخبر حجة أو نحو ذلك وموضوع الحكم فيها هو الخبر، وحينئذ فاما ان يلحظ بما هو هو أو بما انه طريق ولا يمكن جمعهما معا لانه من اجتماع الضدين (قوله: على هذا لا يكون) يعني على ما ذكرت من صلاحية الدليل للحمل على كل واحد من التنزيلين يكون مجملا ولا وجه لحمله على احدهما بعينه الا بالقرينة ولا قرينة (قوله: وانما يحتاج تنزيله بحسب اللحاظ) يعني ظهور ادلة التنزيل في تنزيل المؤدى موجب للحمل عليه ولا يصح حمله على الآخر الا بالقرينة ومع عدمها لابد ان يحمل على الاول (هذا) ولكن لا يخفى انه لابد من الالتزام بوفاء ادلة الحجية بتنزيل الامارة منزلة العلم لما سيأتي انشاء الله من أنه لا وجه لتقديمها على الاصول الا ذلك حيث أن الاصول لما كانت احكاما في ظرف الشك فإذا قامت الامارة في موردها ارتفع الشك ولا يكون مجال لجريان الاصل لارتفاع موضوعه، وسيجئ انشاء الله بيانه في مباحث الاستصحاب، كما انه لابد من الالتزام بتنزيل مؤدياتها منزلة الواقع وترتيب آثار الواقع عليها لما تسالموا عليه من كونها وسطا لاثبات احكام متعلقاتها بحيث يكون القياس المؤلف هكذا هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية خمر ولولا ان مؤدياتها

٢٦

بمنزلة الواقع لم تصح الكبرى المذكورة، وحينئذ فاشكال المصنف (ره) (ان كان) في مقام الثبوت فهو يتوقف على كون الملحوظ للجاعل مفهوم الامارة لا غير لان ذلك المفهوم لا يمكن الا أن يكون ملحوظا لنفسه المقتضي لتنزيلها منزلة العلم أو لغيرها المقتضي لتنزيل مؤدياتها منزلة الواقع كما ذكر المصنف (ره) اما إذا كان الملحوظ له مفهوم الامارة ومؤداها معا سواء كان لحاظهما معا بلحاظين مستقلين في زمانين أو بلحاظ واحد في آن واحد ويكون كل واحد منهما ملحوظا ضمنا فلا مانع منه بل لا مجال للريب في جوازه كما تقول: هذه الدار كتلك الدار، ملاحظا تنزيل جدران الأولى منزلة جدران الثانية وبيوت الاولى منزلة بيوت الثانية وسقوف الأولى منزلة سقوف الثانية... وهكذا إلى آخر الأجزاء، فيقصد تنزيل كل جزء منزلة ما يناسبه من أجزاء الطرف الآخر، وكما تقول: هذه الكف منزلة تلك الكف، قاصدا تنزيل كل اصبع منه منزلة ما يناسبه من أصابع تلك فيقصد المقابلة بين الخنصرين والبنصرين والوسطين... وهكذا... إلى غير ذلك من الأمثلة، وفي المقام يمكن أن يلاحظ المظنون بذاته وصفته فينزله منزلة المقطوع بذاته وصفته على ان تكون الذات بمنزلة الذات والصفة بمنزلة الصفة، (وان كان) في مقام الاثبات فليس دليل الحجية منحصرا بمثل: الظن حجة، أو: الخبر حجة، حتى لا يكون الكلام ظاهرا إلا في لحاظ مفهوم الظن أو الخبر بل فيه مثل قول ابي الحسن الهادي (ع) لابن إسحاق: العمري ثقة فما أدى اليك غني فعني يؤدي ومال قال لك عني فعني يقول، وقول العسكري (ع) له ايضا العمري وابنه ثقتان فما أديا اليك عني فعني يؤديان وما قالا لك عني فعني يقولان، وبهذا المضمون مما يتضمن الامارة ومؤداها كثير، مع أن ما لا يكون بهذا المضمون لابد أن يكون محمولا عليه جريا على الارتكاز العقلائي في باب الحجج من كونها بمنزلة العلم عندهم في ترتيب آثاره عليها، كما أن مؤداها بمنزلة الواقع في ترتيب آثاره عليه، ومنه يظهر أن بناء العقلاء المتمسك به على حجية الخبر لابد أن يكون طريقا إلى التنزيلين معا، وهكذا الحال في الاجماع فانه على تقدير

٢٧

* لولا ذلك لأمكن أن يقوم الطريق بدليل واحد دال على الغاء احتمال خلافه مقام القطع بتمام أقسامه ولو فيما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية كان تمامه أو قيده وبه قوامه (فتلخص) بما ذكرنا أن الامارة لا تقوم بدليل اعتبارها الا مقام ما ليس مأخوذا في الموضوع أصلا (وأما) الاصول فلا معنى لقيامها مقامة بادلتها ايضا غير الاستصحاب لوضوح أن المراد من قيام المقام ترتيب ماله من الآثار والأحكام من تنجز التكاليف وغيره كما مرت إليه الاشارة

______________________________

تماميته يدل على أن الخبر حجة كسائر الحجج العقلائية، ولا أدري أن المصنف - رحمه الله - ما كان بناؤه في مثل هذه الادلة اللبية ؟ وأنها هل هي مجملة أو محمولة عنده على تنزيل المؤدى كالأدلة اللفظية ؟ وما الوجه له في ذلك ؟ ولعله من جهة بنائه على المفروغية عن اقتضاء حجية الطريق تنزيل مؤداه وان لم يكن دليله لفظيا والله سبحانه أعلم، فلاحظ وتأمل. ثم إنه لو فرض كون مفاد أدلة الحجية وجوب معاملة الامارة معاملة العلم بحيث يجب على من قامت عنده الامارة ان يعمل عمل العالم كفى ذلك في ترتيب أثر العلم والواقع معا وقامت الامارة حينئذ مقام القطع الموضوعي لكن لا يتم ما اشتهر من أنها وسط لإثبات أحكام متعلقاتها فلاحظ (قوله: لولا ذلك لأمكن) إن كان المراد من الامكان الجواز العقلي فلا بأس به لجواز أن يكون دليل الحجية مفيدا لتنزيل الامارة منزلة العلم من جميع الحيثيات أعني حيثية الطريقية والصفتية معا فتثبت أحكامهما معا، وان كان المراد الامكان الوقوعي وان أدلة الحجية صالحة لذلك - لولا الاشكال الذي ذكره - ففيه ما لا يخفى إذ لا ريب في أن أدلة الحجية انما تتعرض لجعل الامارة بمنزلة العلم من حيث كونه طريقا موصلا إلى متعلقه لا غير فهي لا تفيد اكثر من جعله كاشفا تاما تنزيلا بلا تعرض لحيثية كونه صفة تامة اصلا، وفي مراجعة أدلة الحجية وسيرة العقلاء غنى وكفاية لمن تأمل، فراجع وتأمل (قوله: وأما الأصول فلا معنى لقيامها) الظاهر أن المراد من الأصول في كلامه الاصول الحكمية، كما أن المراد من العلم الذي لا تقوم مقامه خصوص العلم الطريقي وحاصل

٢٨

الوجه في ذلك كما اشار إليه: أن هذه الأصول ليست متعرضة للاحكام الواقعية وانما مفاد أدلتها جعل وظائف خاصة للجاهل بالاحكام الواقعية فكيف يصح ترتيب أثر العلم الطريقي عليها ؟ حيث أن آثاره هي المنجزية والمعذرية، وإذا لم تكن أدلتها متعرضة للاحكام الواقعية ولو تنزيلا فكيف تصلح أن تكون منجزة لها أو عذرا عنها ؟، ويحتمل بعيدا أن يكون المراد عدم قيامها مقام العلم مطلقا ولو موضوعيا كما هو كذلك، أما الاول فلما عرفت، واما الثاني فلان ترتيب آثاره الشرعية تتوقف على إحرازه وجدانا أو تنزيلا وليس أدلة الاصول تصلح لاثبات ذلك فانها لا تقتضي قيام شئ مقام العلم وتنزيله منزلته ولا تنزيل شئ منزلة الواقع فكيف يترتب حينئذ أثر العلم الموضوعي ؟ ويصح أن يقال تقوم الأصول مقامه (قلت): الاصول الحكمية هي الاستصحاب والاحتياط والتخيير والبراءة، والاولان يأتي بيان حالهما في كلامه، والثالث أصل عقلي كالثاني فيلحقه حكمه، فلم يبق الا الرابع وهو أصل البراءة الشرعية، ولا ريب في انه يترتب عليه ما يترتب على العلم الطريقي في كونه عذرا على تقدير المخالفة كالعلم بالاباحة، ولو فرض وجود أصل شرعي الزامي لكان ايضا يقوم مقام العلم في كونه منجزا للواقع لكنه لا وجود له فانكار قيامها مقام العلم الطريقي غير واضح، ومجرد عدم تعرض دليلها لجعل الواقع ولو تنزيلا وانه ليس مفاده إلا أحكاما خاصة في قبال الواقع لا يدفع ما ذكرنا من المؤمنية والمنجزية وإنما يدفع ترتيب آثار الواقع على مؤدياتها لعدم إحراز موضوعها ولو تنزيلا كما يقتضي عدم قيامها مقام القطع الموضوعي لقصور أدلتها عن اثبات كونها علما تنزيلا كما كان ذلك في أدلة الامارات، كما أشرنا إليه سابقا وقلنا انه الوجه في كون الامارات مقدمة على الاصول. وبالجملة: أدلة الامارة تجعل الامارة علما تنزيلا وأدلة الاصول لا تجعل شيئا علما وانما تجعل حكما في ظرف الشك فإذا جاءت الامارة ارتفع الشك ولو تنزيلا فيرتفع حكم الأصل (فالمتحصل): أن الاصول الحكمية تقوم مقام القطع الطريقي ولا تقوم مقام القطع الموضوعي. هذا في غير الاستصحاب والاصول

٢٩

وهي ليست الا وظائف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا أو عقلا (لا يقال): إن الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان (فانه يقال): اما الاحتياط العقلي فليس الا نفس حكم العقل بتنجز التكليف وصحة العقوبة على مخالفته لا شئ

______________________________

العقلية، وأما هما فسيأتي بيان حالهما في كلام المصنف (ره)، واما الاصول الموضوعية مثل أصالة الطهارة والحرية والفراش والصحة وقاعدتي التجاوز والفراغ والبناء على المصحح لكثير الشك وغيرها فلا ريب في كون مفادها جعل الواقع تنزيلا وانها تقوم مقام القطع الطريقي في تنجيز حكم مؤداها والتأمين عنه كما أنها لا تقوم مقام القطع الموضوعي لعدم اقتضاء أدلتها تنزيل شئ منزلة العلم ليرتب أثره عليها فلاحظ (قوله: ليست الاوظائف) قد عرفت أن كونها كذلك لا يمنع من قيامها مقام القطع الطريقي، مع أن للمنع من كونها كذلك مجالا، إذ انما يسلم ذلك في مثل حديث الرفع، وقوله (ع): الناس في سعة ما لا يعلمون، لا في مثل كل شئ لك حلال حتى تعلم انه حرام... الحديث، فان الظاهر منه جعل الحل الواقعي في مرتبة الشك فيكون من جعل المؤدى نظير الامارة القائمة على الحل فيترتب عليه آثار الحل الواقعي، ولأجل ذلك يصح لبس جلد الحيوان أو شعره إذا كان مشكوك الحل في الشبهة الحكمية أو الموضوعية ولو بناء على شرطية كون اللباس مما يؤكل لحمه إذا كان من حيوان، ولذا بنينا فيما كتبناه في مباحث اللباس على جواز لبس المشكوك ولو بناء على الشرطية لا المانعية فلاحظ (قوله: بقيامه مقامه) اي مقام القطع الطريقي (قوله: أما الاحتياط العقلي) يعني أن الاحتياط المدعى قيامه مقام العلم الطريقي في المنجزية ان كان المراد به الاحتياط الذي يحكم به العقل فلا معنى لكونه منجزا حتى يصح انه قائم مقام العلم في المنجزية لأن الاحتياط العقلي هو عين حكم العقل بحسن العقاب على تقدير المخالفة، وهذا هو معنى المنجزية فيلزم من دعوى كونه منجزا كون

٣٠

يقوم مقامه في هذا الحكم وأما النقلي فالزام الشارع به وان كان مما يوجب التنجز وصحة العقوبة على المخالفة كالقطع الا انه لا نقول به في الشبهة البدوية ولا يكون بنقلي في المقرونة بالعلم الاجمالي فافهم (ثم) لا يخفى أن دليل الاستصحاب أيضا لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا وأن مثل: لا تنقض اليقين، لابد من أن يكون مسوقا إما

______________________________

الشئ حكما لنفسه، وان كان المراديه الشرعي فليس له خارجية لأن مورده ان كان الشبهة البدوية فلا نقول بالاحتياط فيها وان كان الشبهة المحصورة فالاحتياط فيها عقلي لا شرعي فاين هذا الاحتياط الشرعي حتى يثبت له حكم المنجزية ؟ (قوله: يقوم مقامه) يعني مقام القطع (قوله: في هذا الحكم) يعني في التنجيز (قوله: الاجمالي فافهم) اشارة إلى أن عدم القول به منا لا يمنع من الحكم عليه بالمنجزية في فرض القول به إذ كل حكم انما يثبت لموضوعه في فرض ثبوت الموضوع. ثم انه مما ذكرنا تعرف الحال في أصالة التخيير فانه أصل عقلي كالاحتياط العقلي لا معنى لكونه مؤمنا (قوله: لا يخفى ان دليل الاستصحاب) لا ينبغي التأمل في كون دليل الاستصحاب موجبا لقيامه مقام القطع الطريقي في كونه منجزا لو كان مثبتا للتكليف كالامارة القائمة على التكليف ومؤمنا لو كان نافيا له كالامارة القائمة على عدمه حتى على مذاق المصنف (ره) لكونه لا يخلو من نظر إلى الواقع، واما قيامه مقام القطع الموضوعي فقد اشكل المصنف (ره) في ذلك بنحو اشكاله في الامارة حيث أن قوله (ع): لا تنقض اليقين بالشك، إما أن يكون ناظرا إلى تنزيل المؤدى فقط باخذ اليقين عبرة له فيكون ملحوظا باللحاظ الآلي، أو إلى تنزيل احتمال البقاء منزلة القطع باخذ اليقين ملحوظا باللحاظ الاستقلالي، وحيث لا يمكن الجمع بين اللحاظين فلابد أن يحمل على أحدهما وهو خصوص الأول لما تقدم في الامارة من ظهوره في ذلك فلا يمكن ترتيب أثر العلم الموضوعي لعدم إحرازه لا وجدانا ولا تنزيلا. هذا ولكن يمكن أن يقال

٣١

بلحاظ المتيقن أو بلحاظ نفس اليقين وما ذكرنا في الحاشية في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل منزلة الواقع والقطع وأن دليل الاعتبار انما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع وانما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة لا يخلو من تكلف بل تعسف فانه لا يكاد يصح تنزيل

______________________________

- كما سيأتي انشاء الله تعالى في مبحث الاستصحاب -: ان ظاهر الدليل وجوب العمل مع الشك المسبوق باليقين عمل اليقين ولازم ذلك ترتيب آثار العلم والمؤدى معا وهو الوجه في تقديمه على الأصول عداه وتفصيل ذلك موكول إلى محله (قوله: بلحاظ المتيقن) يعني فيكون من تنزيل المؤدى منزلة الواقع (قوله: نفس اليقين) فيكون من تنزيل الاحتمال منزلة القطع (قوله: وما ذكرنا في الحاشية في وجه.. الخ) هذا إشارة إلى ما ذكره في حاشيته على الرسائل من أن دليل الحجية إذا كان وافيا بتنزيل المؤدى منزلة الواقع بالمطابقة كان كافيا في لزوم ترتيب أثر القطع الموضوعي وذلك لانه إذا دل بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع فقد دل بالالتزام العرفي على تنزيل القطع به منزلة القطع بالواقع فإذا قامت الحجة على شئ وثبت بدليل حجيتها أنه بمنزلة الواقع يحصل قطع وجداني بالواقع التنزيلي ويكون بمنزلة القطع بالواقع الحقيقي بحسب الدلالة الالتزامية فيثبت واقع تنزيلي وقطع بالواقع تنزيلي ايضا فلابد من ترتيب الاثر الثابت للواقع والقطع به (قوله: المستصحب والمؤدي) الاول في الاستصحاب والثاني في الطرق والامارات (قوله: فيما له الدخل) يعني فيما لو كان القطع له الدخل في الموضوع (قوله: بالملازمة) خبر كان (قوله: تنزيلهما) أي المستصحب والمؤدى (قوله: تنزيلا وتعبدا) قيد للواقع (قوله: منزلة القطع) متعلق بتنزيل القطع (قوله: لا يخلو من تكلف) خبر لما ذكرناه في الحاشية (قوله: بل تعسف فانه لا يكاد) حاصله: ان الحكم الثابت لمركب ذى اجزاء لابد في مقام ترتيبه من احراز اجزاء ذلك المركب إما وجدانا أو تنزيلا أو بعضها بالوجدان

٣٢

جزء الموضوع أو قيده بما هو كذلك بلحاظ أثره إلا فيما كان جزؤه الاخر أو ذاته محرزا بالوجدان

______________________________

وبعضها بالتنزيل كما عرفت الاشارة إليه فيما سبق، لكن يشترط في صحة التنزيل للجميع ان يكون تنزيل كل احد في عرض تنزيل الآخر بحيث لا يكون احد التنزيلين ناشئا من الآخر وتابعا فانه إذا كان كذلك لزم الدور حيث انه يلزم توقف كل واحد منهما على الآخر، اما توقف التنزيل التابع على المتبوع فواضح إذ هو مقتضى التبعية، واما توقف التنزيل المتبوع على التابع فلانه لولاه لكان لغوا حيث ان صحة كل تنزيل بلحاظ الاثر الفعلي لذي المنزلة، ولا ريب ان الاثر الفعلي انما يثبت لذي المنزلة في ظرف انضمام بقية الاجزاء إليه لا في ظرف الانفراد والا لم يكن موضوع الحكم مركبا بل كان كل جزء موضوعا لحكم مستقل ففي رتبة التنزيل المتبوع إذا لم يكن الجزء الآخر محرزا بالوجدان أو بتنزيل آخر في رتبة هذا التنزيل إما ان لا يكون له اثر فعلي وقد عرفت أنه يمتنع التنزيل حينئذ واما ان يكون له أثر فعلي فيكون خلفا لكون المفروض أن الجزء ليس له وحده اثر وانما يكون له الاثر مع غيره (فان قلت): يكفي الاثر التعليقي (قلت): المراد من الاثر التعليقي في المقام أن يكون الاثر معلقا على تنزيل التابع، وهذا ايضا ممتنع لانه يلزم ان يكون الاثر الثابت للجزء الاول متأخرا رتبة عن الاثر الثابت للجزء الثاني ولا يخفى أن الآثار المترتبة يمتنع أن تكون أثرا واحدا وجودا لان الوحدة بحسب الوجود تنافي التعدد الرتبي فإذا كان الأثر الثابت لذى المنزلة واحدا وجودا كيف يثبت للمنزل منزلته متعددا ؟ فلابد من الالتزام بقصور أدلة التنزيل العامة عن شمول المقام (هذا) ولكن لا يخفى أن هذا انما يتم لو كان الترتب بين نفس التنزيلين أما لو كان بين دلالة الكلام على التنزيل الاول ودلالته على التنزيل الثاني بحيث يكون الترتب بين نفس الدلالتين لا المدلولين فلا يلزم منه المحذور المذكور ولا غيره من المحاذير، فلاحظ وتأمل (قوله: جزء الموضوع أو قيده) الاول في تنزيل المركب والثاني في تنزيل المقيد (قوله: بلحاظ اثره) يعني

٣٣

أو تنزيله في عرضه فلا يكاد يكون دليل الامارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر فيما لم يكن محرزا حقيقة وفيما لم يكن دليلا على تنزيلهما بالمطابقة كما في ما نحن فيه على ما عرفت لم يكن دليل الامارة دليلا عليه أصلا فان دلالته على تنزيل المؤدى يتوقف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة ولا دلالة له كذلك الا بعد دلالته على تنزيل المؤدى فان الملازمة إنما تدعى بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كما لا يخفى فتأمل جيدا فانه لا يخلو عن دقة (ثم) لا يذهب عليك أن هذا - لو تم - لعم ولا اختصاص له بما إذا كان القطع مأخوذا على نحو الكشف (الامر الرابع) لا يكاد يمكن أن يؤخذ القطع بحكم في موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدور ولا

______________________________

خصوص الاثر الثابت لنفس المركب والمقيد (قوله: أو تنزيله في عرضه) معطوف على الوجدان (قوله: وفيما لم يكن) متعلق بقوله: لم يكن لثانية (قوله: على ما عرفت) من امتناع الجمع بين التنزيلين عرضا من جهة يوم اجتماع اللحاظين (قوله: يتوقف على... الخ) المتكفل باثبات هذا التوقف وله سابقا: فانه لا يكاد... الخ (قوله: بالملازمة) متعلق بتنزيل القطع (قوله: كذلك) يعني على تنزيل القطع بالملازمة (قوله: كذلك الا بعد دلالته... الخ) لان المفروض ان الدلالة بالملازمة والدلالة على اللازم متاخرة عن الدلالة إلى الملزوم والى هذا اشار بقوله: فان الملازمة انما تدعى بين تنزيل القطع.. الخ (قوله: ولا اختصاص له) لان التفكيك بين القطع الصفتي وغيره في ملازمة بين تنزيل المؤدى وتنزيله بعيد جدا عن المتفاهم العرفي (قوله: للزوم دور) قد عرفت الاشارة إلى وجهه سابقا وليس هذا مما يختص بالقطع بل يجري جميع العناوين المتأخرة عن الحكم كالظن والشك والوهم والغفلة والالتفات نحوها فكلها لا يمكن ان تؤخذ في موضوع الحكم الذي تعلقت به للزوم الدور ذكور (وقد) يستشكل فيه بان العلم انما يتعلق بالصور الذهنية ولا يتعلق

٣٤

(مثله) للزوم اجتماع المثلين ولا ضده للزوم اجتماع الضدين. نعم يصح أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبة أخرى منه أو مثله أو ضده (واما) الظن بالحكم فهو وان كان كالقطع في عدم جواز أخذه في موضوع نفس ذاك الحكم المظنون الا انه لما كان معه مرتبة الحكم الظاهري محفوظة كان جعل حكم آخر في مورده مثل الحكم المظنون أو ضده بمكان من الامكان (ان قلت) إن كان الحكم المتعلق به الظن فعليا

______________________________

بالامور الخارجية بشهادة امكان تعلقه بالمعدومات بل الممتنعات، وحينئذ فاناطة الحكم خارجا به لا يوجب الدور فانه ليس منوطا بالحكم الخارجي (ويندفع) بان العلم وان لم يتعلق بالخارج بل بنفس الصورة الحاكية عنه لكن بنحو ترى خارجية مفروضة الوجود في الخارج، وتعلق العلم بها مفروضة الخارجية مانع من كونها منوطة بالعلم، ثم انك قد عرفت - مضافا إلى لزوم الدور من اخذ القطع بالحكم في موضوعه - لزوم الخلف لان الحكم المعلوم مفروض الثبوت لموضوعه المستقل في الموضوعية فاخذ العلم فيه خلف (قوله: للزوم اجتماع المثلين) لكن في مرتبتين ولم يقم دليل على امتناعه، نعم يمكن دعوى كون الحكم الثاني لغوا لكفاية الحكم الاول في البعث وحينئذ يكون قبيحا لا ممتنعا في نفسه، فتأمل (قوله: اجتماع الضدين) واختلاف المرتبة لا يصحح الاجتماع لامتناع اجتماع الضدين ولو في مرتبتين (قوله: نعم يصح اخذ القطع) يعني إذا كان الحكم المقطوع به في مرتبة الانشاء مثلا جاز ان يؤخذ القطع به موضوعا لذلك الحكم في مرتبة الفعلية بان يكون القطع به موجبا لفعليته، وهو المشار إليه بقوله: (منه) أو يؤخذ لحكم مماثل له أو مضاد في المرتبة الفعلية، والفرق بين ما يؤخذ في نفسه وما يؤخذ في مثله: ان الحكم الذي اخذ في موضوعه القطع ان كان ناشئا عن تلك المصلحة الواقعية فهو ماخوذ في نفسه وان كان عن مصلحة اخرى فهو ماخوذ في مثله (قوله: كالقطع في عدم) لعين الدور الذي ذكر والخلف (قوله: لما كان معه مرتبة) لا ريب فيما ذكر من كون

٣٥

أيضا بان يكون الظن متعلقا بالحكم الفعلي لا يمكن أخذه في موضوع حكم فعلي آخر مثله أو ضده لاستلزامه الظن باجتماع الضدين أو المثلين وإنما يصح أخذه في موضوع حكم آخر كما في القطع طابق النعل بالنعل (قلت): يمكن ان يكون الحكم فعليا بمعنى أنه لو تعلق به القطع على ما هو عليه من الحال لتنجز واستحق على مخالفة العقوبة ومع ذلك لا يجب على الحاكم رفع عذر المكلف برفع جهله لو امكن أو بجعل لزوم الاحتياط عليه فيما امكن بل يجوز جعل اصل أو امارة مؤدية إليه تارة والى ضده أخرى ولا يكاد يمكن مع القطع به جعل حكم آخر مثله أو ضده كما لا يخفى فافهم (ان قلت): كيف يمكن ذلك ؟ وهل هو إلا أنه يكون مستلزما لاجتماع المثلين أو الضدين ؟ (قلت) لا بأس باجتماع الحكم الواقعي الفعلي بذاك المعنى (أي لو قطع به من باب الاتفاق لتنجز مع حكم آخر فعلي في مورده بمقتضي الاصل أو الامارة أو دليل أخذ في موضوعه الظن بالحكم بالخصوص به على ما سيأتي من التحقيق في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي

______________________________

الظن ونحوه مما لا يكون علما مما يمكن جعل الحكم الظاهري في حاله بحيث يكون للمكلف معه وظيفة شرعية سواء أكانت مماثلة للواقع ام ضدا له، وهذا هو الفارق بين العلم وما عداه فان العلم يمتنع معه الوظائف الشرعية مماثلة كانت أو مضادة لما عرفت من امتناع ان يؤخذ موضوعا لمثل متعلقه أو ضده، وما عدا العلم ليس كذلك فيمكن ان يجعل معه وظيفة مماثلة أو مضادة للواقع، وهذا معنى كونه مأخوذا في موضوع حكم مماثل أو مضاد لمتعلقه (قوله: في موضوع حكم آخر) يعني مخالف لمتعلقه مثل ان يقول المولى: إذا ظننت بوجوب الصلاة وجب عليك الاستغفار، ومثله ان يؤخذ الظن المتعلق بمرتبة موضوعا لحكم في مرتبة اخرى كما في القطع (قوله: بمعنى انه لو تعلق به القطع.. الخ) يشير بذلك إلى ان لفعلية الحكم معنيين (احدهما) انه لو تعلق به القطع لتنجز واستحق

٣٦

* (الامر الخامس) هل تنجز التكليف بالقطع كما يقتضي موافقته عملا يقتضي موافقته التزاما والتسليم له اعتقادا وانقيادا كما هو اللازم

______________________________

على مخالفته العقاب (والثاني) بمعنى ان يكون للمولى ارادة فعلية توجب ان يكون في مقام البعث والزجر، والتنافي بين الحكم الظاهري والحكم الفعلي بالمعنى الثاني لتنافي ارادة الفعل مع الاذن في تركه أو كراهته مع الاذن في فعله لا الاول لما ذكره في العبارة من انه يمكن ان يكون الحكم بنحو لو علم به لتنجز ومع ذلك اذن الشارع الاقدس في مخالفته مع الجهل به فيرخص فيما هو حرام واقعا بحيث لو علم بحرمته لوجب عقلا تركه فان إذن الشارع في فعله في حال الجهل مما لا وجه لمنافاتها لحرمته واقعا إذا لم يكن كارها له بنحو يلزم المولى بالاحتياط أو يعلم العبد به الذي هو لازم الفعلية بالمعني الثاني. نعم لو كان له كارها بنحو يلزم بالاحتياط أو يعلم العبد به كانت اذنه في فعله منافية لكراهته على النحو المذكور: وسيجيئ انشاء الله تفصيل ذلك وتوضيحه في كلامه (ره) في اول مبحث الامارات فانتظر (قوله: هل تنجز التكليف بالقطع) الموافقة الالتزامية عبارة عن عقد القلب على الحكم الصادر من المولى والالتزام به ويقابلها التشريع وهو عقد القلب على غير ما صدر ونقيضهما عدم الالتزام بشئ مما يصدر منه من الاحكام، والكلام هنا يقع في ان من شئون إطاعة الحكم الصادر من المولى الالتزام والاعتقاد به على نحو يحكم بوجوبه العقل كما يحكم بوجوب الاطاعة العملية بمعنى فعل متعلق الامر وترك متعلق النهي، أو انه ليس من شئون الاطاعة الواجبة في نظر العقل بل تمام موضوع حكم العقل هو الاطاعة العملية لا غير ؟ مثلا إذا اوجب المولى فعلا على العبد كالصلاة، فهل يجب عند العقل الالتزام بذلك الوجوب كما يجب عنده فعل الصلاة فرارا عن خطر العقاب بحيث تكون الاطاعة الواجبة عند العقل قائمة بهما معا فيستحق العقاب على ترك الالتزام ولو مع فعله للصلاة كما يستحق العقاب على تركه للصلاة ولو مع التزامه بالوجوب ؟ أو ان المدار في حسن العقاب وعدمه هو

٣٧

في الاصول الدينية والامور الاعتقادية بحيث كان له امتثالان وطاعتان إحداهما بحسب القلب والجنان والأخرى بحسب العمل بالأركان فيستحق العقوبة على عدم الموافقة التزاما ولو مع الموافقة عملا أولا يقتضي فلا يستحق العقوبة عليه بل انما يستحقها على المخالفة العملية ؟ الحق هو الثاني لشهادة الوجدان الحاكم في باب الاطاعة والعصيان بذلك واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لامر سيده الا لنثوبة دون العقوبة ولو لم يكن مسلما وملتزما به ومعتقدا ومنقادا له وان كان ذلك يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيده لعدم اتصافه بما يليق ان يتصف العبد به من الاعتقاد باحكام مولاه والانقياد لها وهذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لامره أو نبيه التزاما مع موافقته عملا كما لا يخفى

______________________________

فعل الصلاة وعدمها من دون دخل للالتزام به وعدمه اصلا، فعلى الاول يجب الالتزام بكل حكم ولو لم يكن اقتضائيا كالاباحة ومنه يظهر افتراق الموافقة الالتزامية عن الموافقة العملية إذ الثانية مختصة بالاحكام الاقتضائية والاولى جارية في جميع الاحكام وان لم تكن اقتضائية كما انه مما ذكرنا يظهر الفرق بين وجوب الالتزام عقلا لكونه من شئون اطاعة الحكم الملتزم به ووجوبها شرعا فانه لو وجب الالتزام شرعا بحكم كحرمة الغيبة وجب على العبد حينئذ التزامان، احدهما الالتزام بحرمة الغيبة وهو موافقة عملية لوجوب الالتزام المذكور، وثانيهما الالتزام بوجوب الالتزام وهو موافقة التزامية لوجوب الالتزام المذكور. فلاحظ (قوله: في الاصول الدينية) يعني اصول الدين التي يجب الاعتقاد والالتزام بها (قوله: لشهادة الوجدان) لا ريب فيما ذكر من حكم الوجدان بعدم استحقاق العقاب على مجرد ترك الالتزام مع الموافقة العملية كما ان الظاهر انه لا ريب في وجوب الالتزام شرعا بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء أكان حكما شرعيا تكليفيا أو وضعيا ام غيره مما يتعلق بالحشر والنشر فانه مقتضى وجوب التدين بدينه إذ ليس التدين بدينه الا الالتزام بجميع ما جاء به من عند ربه جل اسمه، والظاهر

٣٨

(ثم) لا يذهب عليك أنه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية وكان المكلف متمكنا منها يجب ولو فيما لا يجب عليه الموافقة القطعية عملا ولا يحرم المخالفة القطعية عليه كذلك أيضا لامتناعهما كما إذا علم إجمالا بوجوب شئ أو حرمته للتمكن من الالتزام بما هو الثابت واقعا والانقياد له والاعتقاد به بما هو الواقع والثابت وان لم يعلم أنه الوجوب أو الحرمة

______________________________

ان هذا مما لا خلاف فيه، كما ان الظاهر ان وجوب الالتزام الشرعي تابع للعلم فما علم تفصيلا يجب الالتزام به تفصيلا وما علم اجمالا يجب الالتزام به اجمالا، نعم يجب الالتزام التفصيلي عن علم تفصيلي في خصوص بعض الاصول الدينية التي لابد من معرفتها تفصيلا وهو الاصول المشهورة الخمسة دون ما عداها من تفاصيل الحشر والنشر وان وجب الالتزام بها اجمالا أيضا (قوله: ثم لا يذهب عليك انه على... الخ) إعلم انه على تقدير القول بوجوب الالتزام عقلا بالاحكام فالالتزام بها اجمالا أو تفصيلا تابع للعلم، فان علم بالحكم تفصيلا وجب الالتزام به كذلك، وان علم به اجمالا وجب الالتزام به كذلك أيضا ولا يجوز الالتزام به تفصيلا حينئذ لما عرفت من ان الموافقة الالتزامية تقابل التشريع القبيح عقلا وشرعا، ومن المعلوم ان الالتزام التفصيلي بما هو معلوم بالاجمال تشريع فان التشريع هو تدين بما لا يعلم انه من الشارع، والالتزام التفصيلي مع تردد الحكم تدين لا يعلم فيكون تشريعا فلا يكون موافقة التزامية، فالموافقة الالتزامية هي التدين بما يعلم انه من الشارع ومنه يظهرانه في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة لا بد من الالتزام بالحكم اجمالا وان لم تجب موافقته عملا لان الموافقة العملية القطعية متعذرة والموافقة الاحتمالية ضرورية الثبوت، فالحكم في هذا الحال من التردد لا يوجب عملا بوجه اصلا وان وجبت موافقته الالتزامية لامكانها ومنه يظهر بعض صور افتراق الموافقة العملية عن الموافقة الالتزامية فتجب الثانية ولا تجب الاولى، مضافا إلى

٣٩

وان أبيت الا عن لزوم الالتزام به بخصوص عنوانه لما كانت موافقته القطعية الالتزامية حينئذ ممكنة ولما وجب عليه الالتزام بواحد قطعا فان محذور الالتزام بضد التكليف عقلا ليس باقل من محذور عدم الالتزام به بداهة مع ضرورة أن التكليف لو قيل باقتضائه للالتزام لم يكد يقتضي الا الالتزام بنفسه عينا لا الالتزام به أو بضده تخييرا.

______________________________

ما قدمناه من افتراقهما في الاحكام غير الاقتضائية (قوله: وان ابيت الا عن لزوم الخ) إذا بنينا على عدم الاكتفاء بالموافقة الالتزامية الاجمالية ولزوم الموافقة التفصيلية ففي فرض الدوران بين الوجوب والحرمة اما ان يدعى وجوب الالتزام بهما معا تحصيلا للموافقة القطعية أو الالتزام باحدهما بخصوصه تخييرا تحصيلا للموافقة الاحتمالية. وكل منهما لا وجه له: اما الأول فلانه غير ممكن اولا ويحصل منه مخالفة قطعية ثانيا لأنه التزام بغير حكم المولى، واما الثاني فلانه وان كان ممكنا إلا انه كما يحتمل به الموافقة يحتمل به المخالفة لاحتمال كون الحكم الملتزم به غير حكم المولى فيدور الامر فيه بين محذورين، ومع هذا الدوران كيف يحكم بوجوبه عقلا ؟ هذا كله مضافا إلى ما عرفت من ان الموافقة الالتزامية ضد التشريع ولا ريب في ان الالتزام بهما معا كالالتزام باحدهما بخصوصه تشريع لانه تدين بما لا يعلم ثبوته من قبل المولى فلا مجال لامكان الموافقة الالتزامية فيه لا القطعية ولا الاحتمالية اصلا، فلاحظ (قوله: لما كانت موافقته) الظاهر ان الوجه في عدم امكانها هو تضاد الأحكام المانع من الالتزام بحكمين في موضوع واحد، ويمكن منع ذلك فان تضاد إنشاء الأحكام تشريعا لا يقتضي تضادها في مقام الالتزام ولو بنحو التشريع الحرام (قوله: ليس باقل) يعني فيدور امر الالتزام بواحد بخصوصه بين محذورين (قوله: مع ضرورة ان التكليف) هذا اشكال آخر على احتمال وجوب الالتزام باحدهما بخصوصه تخييرا وحاصله: ان التكليف إنما يقتضي الالتزام بنفسه ولا يقتضي الالتزام به أو بضده تخييرا لأن الالتزام بضده ليس التزاما به ولا مقدمة للالتزام به فكيف يقتضيه التكليف ولو تخييرا، الا

٤٠