حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 208461
تحميل: 4789


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208461 / تحميل: 4789
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

حقائق الاصول

وهى

تعليقة على (كفاية) الاستاذ الاعظم المحقق الخراساني قدس سره

تأليف

المحقق الاوحدي علم الشريعة ومرجع الشيعة

السيد محسن الطباطبائى الحكيم

قدس سره

الجزء الثاني

من منشورات مكتبة بصيرتي

قم - ارم

١

بسم الله الرحمن الرحيم

سبحانك وبحمدك يا من أشرق على مشارق العقول فاظهر منها آياته من المعقول والمنقول وأبان منها قواعد الفروع والاصول وأنزل على عبده الكتاب تبيانا للرد والقبول (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول وآل الرسول فصل اللهم عليه وعلى عترته أيمة أرباب العقول لا سيما المخصوص بالأخوة سيف الله المسلول (وبعد) فالعلم على اختلاف فنونه وتشتت غصونه قد انتهت إلى علم الاصول مدارجه لرشاقة مسائله وتناهت إليه معارجه لوثاقة دلائله فهو الغاية القصوى والمقصد الاسنى ولولاه لما قام للفقه عمود ولا اخضر له عود بل كان كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار ولا يجتنى منها الثمار فلذا أجرى فيه كل منطيق لسانه وأظهر فيه برهانه إلا أن من أبدع فيه وأحاط بمعانيه عصابة من أولي الإصابة فقام بالامر منهم كابر بعد كابر حتى انتهت النوبة من الغائب إلى الحاضر فنهض به ثلة قليلة بل عدة جليلة - شكر الله مساعيهم الجميلة فمن تناهى في العلم حده وأدرك من قبله وأتعب من بعده جوهرة قلادة الفضل والتحقيق وشمس دائرة الفهم والتدقيق خاتم رتبة العلم وختامها وشيخ أرباب الفضائل وإمامها الفاضل الكامل واللجي الذي لا يدرك له ساحل حجة الاسلام والمسلمين آية الله في الارضين سيد الأعاظم وسند الأفاخم والبحر المتلاطم مولانا الآخوند ملا محمد كاظم الهروي الطوسي الغروي دام ظلاله على رؤوس المسلمين وجعل مستقبل امره خيرا من ماضيه ورمم بوجوده من الشريعة دوارسها وعمر بجوده من العلم مدارسها فيا له من فكر ما أشد توقده يكاد يضئ زيته ولو لم تمسسه نار فابرز صحائف هي منتهى رغبة الراغبين ولطائف هي شرعة الواردين والصادرين

٢

وناهيك عنها تلك الصحائف الكاملة وما سبق عليها من الرسالة التي لمهمات مباحث الالفاظ شاملة كما قد اشتملت هذه على الأهم من الأدلة العقلية فتمت وكلمت بهما المباحث الاصولية فلقد أجاد من سماها (كفاية) الاصول بل قد حصل منها نهاية المأمول فاعرف قدرها إن كنت أهلا لذلك ولا تبذلها الا لمن وجدته كذلك والله الموفق والكفيل وهو حسبي ونعم الوكيل قال اطال الله بقاءه:

المقصد السادس

(في بيان الامارات المعتبرة شرعا أو عقلا)

وقبل الخوض في ذلك لا بأس بصرف الكلام إلى بيان بعض ما للقطع من الأحكام وإن كان خارجا من مسائل الفن.

______________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله نبي

الرحمة وآله سادات الأمة وأهل بيت العصمة، ولا حول

ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

(قوله: وإن كان خارجا من... الخ) لما تقدم في المقدمة من كون مسائل الاصول قواعد يستنبط منها أحكام شرعية أو ينتهي إليها المكلف في مقام العمل فالعلم بالأحكام الذي هو موضوع هذه المسألة من اللوازم المترتبة على العلم بتلك المسائل فلا يكون موضوعا لها ومنه يظهر الفرق بين اكثر مباحث المقام والبحث عن حجية الظن على الحكومة فان الثاني وان كان بحثا عما هو حجة عقلا كالمقام الا أنه ينتهي إليه المكلف دون المقام فان العلم من غايات البحث في

٣

* وكان أشبه بمسائل الكلام لشدة مناسبته مع المقام (فاعلم) أن البالغ الذي وضع عليه القلم إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري متعلق به أو بمقلديه فاما ان يحصل له القطع به أولا، وعلى الثاني لابد من انتهائه إلى ما استقل به العقل من اتباع الظن - لو حصل له وقد تمت مقدمات الانسداد على تقدير الحكومة - وإلا فالرجوع إلى الأصول العقلية من البراءة والاشتغال والتخيير على تفصيل يأتي في

______________________________

تلك المسائل فتأمل جيدا (قوله: وكان أشبه بمسائل) لأن مرجع البحث هنا إلى البحث عن حسن العقاب على مخالفة العلم الذي هو من قبيل المسائل الكلامية الباحثة عن أحوال المبدأ والمعاد (قوله: ان البالغ) ذكر البلوغ مستدرك بذكر ما بعده كما انه لم يظهر الوجه في العدول عن التعبير بالمكلف - كما في عبارة شيخنا الاعظم (ره) - فانه يؤدي مؤدى من وضع عليه القلم كما ان الظاهر ان القيود الثلاثة المذكورة توضيحية ذكرت توطئة لذكر الاقسام حيث لا يمكن مجئ هذه الأقسام الا بالنسبة إلى الواجد لهذه العناوين لامتناع القطع بالحكم أو احتماله لغيره كما هو ظاهر وحينئذ لو كان المقصود الاحتراز عن الفاقد لبعض هذه القيود كان حاصلا بذكر الاقسام ذوات الاحكام كما لا يخفى (قوله: القطع به) يعني الحكم الفعلي الكلي الجامع بين الواقعي والظاهري لا الحكم الموجود في المتن فانه نكرة، ولو كان مرجعا للضمير كان مفاد العبارة الرجوع إلى الوظيفة العقلية بمجرد عدم القطع بواحد منها - مع أنه لا يرجع إليها إلا بعد الجهل بكل منهما ولو عرف الحكم المدخول ك (إلى) الجارة لارتفع الوهم المذكور (قوله: أولا:) بأن يحصل له الظن بهما أو الشك كذلك أو الظن باحدهما والشك في الآخر وأما القطع بعدمهما فلا يعقل بعد كون موضوع الاقسام هو المكلف نعم القطع بعدم الحكم الظاهري ممكن (قوله: وقد تمت مقدمات الانسداد) وإلا فلا يحكم العقل باتباع الظن (قوله: على تقدير الحكومة) أما على الكشف فيحصل القطع بالحكم الظاهري (قوله: وإلا فالرجوع إلى الأصول العقلية)

٤

* محله انشاء الله تعالى. وإنما عممنا متعلق القطع لعدم اختصاص أحكامه بما إذا كان متعلقا بالاحكام الواقعية وخصصنا بالفعلي لاختصاصها بما إذا كان متعلقا به على ما ستطلع عليه ولذلك عدلنا عما في رسالة شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - من تثليث الأقسام، وإن أبيت إلا عن ذلك فالاولى أن يقال: إن المكلف إما أن يحصل له القطع أولا، وعلى الثاني إما أن يقوم عنده طريق معتبر أولا، لئلا يتداخل الأقسام فيما يذكر لها من الاحكام ومرجعه على الأخير إلى القواعد المقررة عقلا أو نقلا لغير القاطع ومن يقوم عنده الطريق على تفصيل يأتي في محله إنشاء الله تعالى حسبما يقتضي دليلها، وكيف كان فبيان أحكام القطع وأقسامه يستدعي رسم أمور (الامر الاول) لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا ولزوم الحركة

______________________________

بل الاصول الشرعية الموجبة للقطع بالحكم الظاهري، فان تكن فالعقلية إذ الاصول الشرعية - لو تمت مقدمات الانسداد - لا تكون مرجعا إلا بعد فقد الظن كما أنها تقدم على الاصول العقلية لورودها عليها وان وافقتها بحسب المفاد (قوله: عممنا متعلق القطع) يعني للحكم الظاهري (قوله: وخصصنا بالفعلي) يعني خصصنا الحكم بالفعلي لاختصاص الاحكام بما... الخ (قوله: ولذلك عدلنا) يعني لأجل عموم الأحكام (قوله: عدلنا عما في رسالة شيخنا العلامة... الخ) الظاهر ان الباعث للشيخ (ره) على التقسيم الذي ذكر هو ما تعارف بينهم من تبويب ابواب وجعل أحكام العلم في باب والامارة في باب وأحكام الشك في باب ثالث وعليه جرى المصنف (ره) في تبويب كتابه هذا - مضافا إلى أن تقسيمه كان بلحاظ الحكم بوجوب الحجة وامكانها وامتناعها حيث أن موضوع الاول هو القطع والثاني الظن والثالث الشك، ولو أريد من الظن أقرب الاحتمالين نوعا ومن الشك مجموع الاحتمالين لصح التقسيم بلحاظ الاحكام المذكورة بلا تداخل (قوله: ومن يقوم) معطوف على القاطع (قوله: لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلا) لا اشكال في كون

٥

* على طبقه جزما وكونه موجبا لتنجز التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق الذم والعقاب على مخالفته وعذرا فيما أخطأ قصورا، وتأثيره في ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم فلا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان. ولا يخفى أن ذلك لا يكون بجعل جاعل

______________________________

القطع طريقا إلى الواقع الذي تعلق به كاشفا عنه في نظر القاطع بحيث يرى أنه يرى الواقع كما لا ينبغي الريب في ان عقله حينئذ يحكم بحسن عقابه على تقدير مخالفة قطعه لو كان قد قطع بوجوب شئ أو حرمته كما يحكم بقبح عقابه على تقدير موافقته لو كان قد قطع بحرمة شئ فتركه أو بوجوب شئ ففعله وهذا الأثر مترتب على الأثر السابق أعني طريقيته ومنه ينتزع عنوان التنجز والعذر فيقال: القطع منجز أو عذر. وهناك أثر آخر وهو الانزجار والانبعاث عن الفعل أو إليه وهو المعبر عنه بالعمل على وفق القطع ومتابعته وهذا الأثر مترتب على الثاني وهذه الآثار الثلاثة مختلفة فالاول ذاتي والثاني عقلي والثالث فطري جبلي لا يتوقف على القول بالتحسين والتقبيح العقليين بل هو بمناط لزوم دفع الضرر المقطوع به المسلم بين القائلين بالحسن والقبح العقليين وغيرهم ولا مجال فيه للريب من احدكما هو ظاهر بأدنى تأمل إذ لا تكاد ترى من أحد من العقلاء والمجانين والاطفال والحيوانات ممن له أدنى إدراك للضرر أن يوقع نفسه فيما يدرك أنه ضرر فترى الحيوانات والطيور تفر عن سباعها، فالمكلف إذا قطع بالحكم أو أدرك عقله حسن العقاب على مخالفة القطع انقاد بحسب طبعه وجبلته إلى القطع وتابعه وجرى على مقتضاه ومنه يظهر الاشكال في كلام المصنف (ره) من جهة ظهوره في كون وجوب العمل على وفق القطع من الاحكام العقلية إلا أن يكون المقصود أنه مما يحكم به العقل وإن كان فطريا ايضا فانه لا ريب فيه بناء على الحسن والقبح العقليين كما هو التحقيق وهو عين حكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية (قوله: ولا يخفى أن ذلك لا يكون.. الخ) بعد ما عرفت من ان القطع له آثار مترتبة تعرف

٦

لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشئ ولوازمه بل عرضا بتبع جعله بسيطا وبذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضا - مع أنه يلزم منه

______________________________

أنه يمتنع أن يكون واحد منها تحت جعل جاعل لا تكوينا ولا تشريعا أما الاول فلامتناع تعلقه بالأول أعني كونه طريقا وكاشفا عن متعلقه لما عرفت من انه من لوازمه الذاتية التي تكون نفس الذات علة لها بحيث لا يتوقف وجودها على أكثر من الذات فاستنادها إلى جعل جاعل خلف. نعم يصح جعله عرضا بمعنى جعل الذات المستند إليها وهذا مما لا مجال لانكاره وليس هو محلا للكلام. وكذا تعلقه بكل واحد من الاثنين الآخرين بعين الوجه المذكور لما عرفت من استناد الثاني منهما إلى الاول والثالث إلى الثاني فاستناد هما إلى الجعل خلف ايضا الا أن يكون القائل بالجعل منكرا للزوم الاثر الثاني للاول والثالث للثاني لكن هذا الانكار مما لا يمكن صدوره ممن له أدنى تأمل في المقام فان العبد إذا علم أن مولاه يصرخ ويناديه: يا فلان ناولني ماء، وأن مولاه عالم بأنه يسمع صوته كيف لا يحكم عقله بحسن عقاب مولاه له على تقدير المخالفة وعدم الاعتناء بامر مولاه ؟ وانه بعد حكم عقله بذلك كيف لا يحكم عقله اولا تدعوه فطرته وجبلته إلى الاتيان بالماء فرارا عن أن يكون مستحقا للعقاب ؟ إن هذا لشئ عجاب وأما الجعل التشريعي فاولى بالامتناع لعدم تعلقه بالامور الواقعية المستندة إلى اسباب خاصة مضافا إلى لغويته وكونه تحصيلا للحاصل فلاحظ (قوله: لعدم جعل تأليفي حقيقة) الجعل التأليفي هو المتعلق بنحو مفاد كان الناقصة والبسيط المتعلق بنحو مفاد كان التامة فالثاني مثل: جعل زيدا، والاول مثل: جعله عالما، وامتناع تعلق الاول بلوازم الذات ظاهر لما عرفت من لزوم الخلف (قوله: بل عرضا) معطوف على قوله: حقيقة، يعني يصح نسبة الجعل إلى اللازم بالعرض والمجاز لا بالحقيقة والا فنسبة الحقيقة قائمة بالذات (قوله: وبذلك انقدح امتناع) اعلم ان محتملات حجية القطع ثلاثة (الاول) أن يكون القطع علة تامة للحجية بحيث لا يتوقف ثبوتها له على أمر زائد على القطع من وجود أو عدم (الثاني) أن يكون

٧

* اجتماع الضدين اعتقادا مطلقا وحقيقة في صورة الاصابة كما لا يخفى. ثم لا يذهب عليك أن التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصر فعليا وما لم يصر فعليا لم يكد يبلغ مرتبة التنجز واستحقاق العقوبة على المخالفة وإن كان ربما يوجب موافقته استحقاق المثوبة وذلك لان الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر ولا نهي ولا مخالفته عن عمد بعصيان، بل كان مما سكت الله عنه

______________________________

مقتضيا لها بحيث يكون ترتبها عليه مشروطا بوجود شرط أو فقد مانع (الثالث) أن لا يكون فيه ذلك الاقتضاء أصلا وقد أبطل الثالث بما عرفت وهنا اشارة إلى بطلان الثاني، وانه لا يتوقف اتصافه بالحجية على عدم الردع لكون الردع مانعا عن الحجية وان ادعى ذلك بعض، ووجه بطلانه ما اشير إليه من أن ترتب الآثار المذكورة على القطع بلا حالة منتظرة فتترتب على وجود القطع بمجرد حصوله وان جاء الرادع فكيف يمكن نفيها بالردع (قوله: اجتماع الضدين) هما الحكم المقطوع ومفاد الدليل الرادع مثلا: إذا قطع بحرمة شئ فالدليل الرادع عن القطع يقتضي جوازه والحرمة والجواز ضدان لما ذكرنا في مسألة الاجتماع من وجه تضاد الاحكام (قوله: اعتقادا) يعني اعتقاد القاطع (قوله: مطلقا) يعني سواء أصاب القطع أم أخطأ فان القاطع حيث أنه يرى قطعه مصيبا يعتقد أن مولاه جعل حكمين متضادين لموضوع واحد وان لم يكن في الواقع كذلك كما إذا كان قطعه خطأ إذ لا حكم واقعي حينئذ بل الحكم منحصر بمفاد الرادع فلا يكون جمع بين ضدين حقيقة وواقعا إلا في صورة إصابة القطع (قوله: ثم لا يذهب عليك) هذا تفصيل ما أجمله سابقا بقوله: وخصصنا بالفعلي لا ختصاصها... الخ وملخص ما ذكر أن الحكم له مراتب كما سنشير إليها فيما يأتي إنشاء الله وهي مرتبة الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز والمراد من كونه فعليا كونه بحيث يصح كونه باعثا وزاجرا للمكلف فما لم يبلغ هذه المرتبة لا يكون فعليا كما انه إذا لم يكن فعليا لم يبلغ مرتبة التنجز لتأخر تلك المرتبة عن الفعلية لانها منتزعة من

٨

* كما في الخبر فلاحظ وتدبر. نعم في كونه بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل إشكال لزوم اجتماع الضدين أو المثلين على ما يأتي تفصيله انشاء الله تعالى - مع ما هو التحقيق في دفعه في التوفيق بين الحكم الواقعي والظاهري فانتظر (الامر الثاني) قد عرفت أنه لا شبهة في أن القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة في صورة الاصابة فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الاصابة على التجري بمخالفته واستحقاق المثوبة

______________________________

الفعلية لانها منتزعة من كون الحكم بنحو يصح العقاب على مخالفته وهذا المعنى إنما يكون في ظرف قيام الحجة على الحكم الفعلي فلو لم يكن فعليا لم تكن مخالفته عصيانا ولا منشأ لاستحقاق العقوبة ولو علم به فالقطع إنما يكون موضوعا للاثرين المذكورين في المتن من الآثار الثلاثة إذا تعلق بالحكم الفعلي والا فلا يكون منشأ لاستحقاق العقاب على تقدير المخالفة ولا مما يجب العمل على وفقه (قوله: كما في الخبر) وهو المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تعالى حدد حدودا فلا تتعدوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم (قوله: نعم في كونه بهذه المرتبة) يعني أن الحكم إذا كان فعليا ففي كونه موردا للاحكام الظاهرية المقررة للشاك اشكال مشهور من لزوم اجتماع الضدين أو المثلين ولو احتمالا وهو ممتنع وسيجئ في أول مبحث الظن التعرض للاشكال ولدفعه مفصلا وهذا الاشكال مختص بالحكم الفعلي دون الانشائي والاقتضائي فانه لا إشكال في جواز كونه موردا للوظايف المقررة المذكورة وسيأتي الاشارة إلى ذلك انشاء الله تعالى (قوله: فهل يوجب استحقاقها في صورة... الخ) هذا المقام ليس منافيا لما مر من كون القطع موجبا للحركة على وفقه عقلا أو فطرة مطلقا ولو كان خطأ لكن ذلك المقام كان بالاضافة إلى نفس القاطع ومن المعلوم ان القاطع لا يرى قطعه إلا مصيبا فلو قلنا باختصاص العقاب بصورة الاصابة لم يكن ذلك موجبا للتفصيل في حجية القطع

٩

على الانقياد بموافقته أولا يوجب شيئا ؟ الحق أنه يوجبه لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته وذمه على تجريه وهتك حرمته لمولاه وخروجه عن رسوم عبوديته وكونه بصدد الطغيان وعزمه على العصيان وصحة مثوبته ومدحه على إقامته بما هو قضية عبوديته من العزم على موافقته والبناء على اطاعته وان قلنا بانه لا يستحق مؤاخذة أو مثوبة ما لم يعزم على المخالفة أو الموافقة

______________________________

بالنظر إلى القاطع وحاصل الكلام أن مناط العقاب في نظر العقل هو كون العبد في مقام التمرد والطغيان واظهار الجرأة على مولاه أو خصوص المخالفة العمدية والعصيان فعلى الاول يحكم باستحقاق المتجرئ للعقاب لكونه كالعاصي في المناط المذكور وعلى الثاني لا يحم باستحقاقه لعدم المخالفة وان كان بقصد المخالفة وحال استحقاق الثواب على الانقياد بعينه ذلك الحال وان مناط الثواب كون العبد في مقام اظهار عبوديته لمولاه وانقياده له أو خصوص الموافقة لامره عن عمد والتأمل في طريقة العقلاء وملاحظة سيرتهم مع عبيدهم وتوجيه لومهم لهم والوقيعة بهم وما عليه العبيد من بنائهم على تقصيرهم وخوفهم من ذلك أشد الخوف وانقطاع ألسنة أعذارهم ولا سيما مع ملاحظة كون المخالفة من حيث هي أجنبية عن مقام الصلاحية يقتضي الحكم بالاول في المقامين وهو الذي اختاره المصنف وادعى عليه الوجدان خلافا لشيخه في رسائله في التجري ووفاقا له في الانقياد حيث ظهر منه في مبحث التجري والانقياد الفرق بينهما فحكم بعدم استحقاق المتجري للعقاب واستحقاق المنقاد للثواب وصرح في بعض تنبيهات الشبهة الوجوبية بأن الحكم بالثواب على الانقياد أولى من الحكم بالعقاب على التجري بناء على استحقاق المتجري للعقاب فراجع وتأمل (قوله: على الانقياد بموافقته... الخ) الانقياد يقابل التجري مقابلة الاطاعة للمعصية فهو على هذا اطاعة اعتقادية غير واقعية بل كان من التجري والانقياد لا يختص بالاعتقاد فقد يكون مع الاحتمال لكن لابد في صدق التجري من كون موضوعه على خلاف مقتضي الحجة عقلية كانت أم شرعية فالعمل على

١٠

بمجرد سوء سريرته أو حسنها وان كان مستحقا للوم أو المدح بما يستتبعانه كسائر الصفات والاخلاق الذميمة أو الحسنة (وبالجملة): ما دامت فيه صفة كامنة لا يستحق بها إلا مدحا أو ذما وإنما يستحق الجزاء بالمثوبة أو العقوبة - مضافا إلى أحدهما - إذا صار بصدد الجري على طبقها والعمل على وفقها وجزم وعزم وذلك لعدم صحة مؤاخذته بمجرد سوء سريرته من دون ذلك وحسنها معه كما يشهد به مراجعة الوجدان الحاكم بالاستقلال في مثل باب الاطاعة والعصيان وما يستتبعان من استحقاق النيران أو الجنان ولكن ذلك مع بقاء الفعل المتجري أو المنقاد به على ما هو عليه من الحسن أو القبح والوجوب أو الحرمة واقعا بلا حدوث تفاوت فيه بسبب تعلق القطع بغير ما هو عليه من الحكم والصفة ولا تغير جهة حسنه أو قبحه أصلا

______________________________

خلاف استصحاب التكليف أو قاعدة الاشتغال تجر اما الانقياد فيعتبر فيه أن لا يكون على خلاف حجة سواء أكان مقتضي الحجة كالعمل الموافق للاستصحاب والقاعدة المتقدمتين أم لا كترك محتمل التحريم أو فعل محتمل الوجوب مع جريان البراءة الشرعية أو العقلية أو استصحاب عدم التكليف وكيف كان فحكمه حكم التجري من حيث اقتضائه استحقاق الثواب (قوله: بمجرد سوء سريرته... الخ) متعلق بقوله: يستحق، يعني مجرد سوء السريرة وحسنها لا يوجب عقوبة أو مثوبة وانما يوجبان مدحا أو ذما كسائر الصفات مثل الكرم والبخل والشجاعة والجبن (قوله: كما يشهد به.. الخ) يعني الشاهد بعدم صحة المؤاخذة على سوء السريرة هو الوجدان (قوله: ولكن ذلك مع بقاء) هذا تعرض لبقية محتلات النزاع في هذه المسألة حيث أن النزاع فيها يمكن أن يكون في استحقاق المتجري للعقاب وعدمه فتكون المسألة كلامية، وأن يكون في قبح الفعل المتجرى به وعدمه فتكون أصولية حيث يستنتج منها حرمة الفعل شرعا، وأن يكون في حرمته شرعا وعدمها فتكون فرعية وحيث أن أقرب المحتملات هو الاول جعله عنوانا للمسألة فقال سابقا: فهل يوجب استحقاقها... الخ. ثم

١١

ضرورة ان القطع بالحسن أو القبح لا يكون من الوجوه والاعتبارات التي بها يكون الحسن والقبح عقلا ولا ملاكا للمحبوبية والمبغوضية شرعا ضرورة عدم تغير الفعل عما هو عليه من المبغوضية والمحبوبية للمولى بسبب قطع العبد بكونه محبوبا أو مبغوضا له فقتل ابن المولى لا يكاد يخرج عن كونه مبغوضا له ولو اعتقد العبد بانه عدوه وكذا قتل عدوه مع القطع بانه ابنه لا يخرج عن كونه محبوبا أبدا. هذا مع أن الفعل المتجري به أو المنقاد به - بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب - لا يكون اختياريا فان القاطع لا يقصده الا بما قطع أنه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالي لا بعنوانه الطارئ الآلي بل لا يكون غالبا بهذا العنوان مما يلتفت إليه فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلا ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعا ؟ ولا يكاد يكون صفة موجبة لذلك الا إذا كانت اختيارية (ان قلت): إذا لم يكن الفعل كذلك فلا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفة القطع وهل كان العقاب عليها الا عقابا على ما ليس بالاختيار ؟ (قلت): العقاب انما يكون على قصد العصيان والعزم على الطغيان لا على الفعل الصادر بهذا العنوان بلا اختيار (إن قلت):

______________________________

تعرض في هذا الكلام لبقية الاحتمالات وانه ان كان النزاع في قبح الفعل عقلا وحرمته شرعا فالمختار انه ليس قبيحا ولا حراما بل هو على ما هو عليه من الحسن أو القبح أو الوجوب أو الحرمة واقعا (قوله: ضرورة ان القطع بالحسن) يعني ما يمكن أن يدعى كونه منشأ للقبح أو الحرمة ليس الا تعلق القطع به الموجب لطروء عنوان مقطوع والمبغوضية عليه، ولا ريب في أن هذا العنوان لا يصلح ان يكون منشأ لذلك والوجدان شاهد به إذ القطع بالقبح لا يكون في نظر العقل من العناوين المقبحة أو مما يوجب المبغوضية للمولى وكذا القطع بالحسن لا يكون في نظر العقل من العناوين المحسنة أو مما يوجب المحبوبية للمولى فكيف يدعى حينئذ كون الفعل المتجرى به قبيحا أو محرما (قوله: مع أن الفعل المتجرى به) هذا

١٢

وجه آخر لمنع قبح الفعل وحرمته وحاصله أنه لو سلمنا ان عنوان مقطوع المبغوضية من العناوين الموجبة للقبح أو المبغوضية الا انه في المقام لا يصلح لذلك لكونه غير اختياري للفاعل المتجري لأنه في مقام الفعل انما يقصد الفعل بالعنوان الذي قطع به فيأتي به بعنوان كونه شربا للخمر ولا يقصد الاتيان به بعنوان كونه شربا للخمر المقطوع بمبغوضيته بل قد لا يكون ملتفتا إلى ذلك فضلا عن أن يكون قاصدا له وإذا لم يكن اختياريا كيف يكون قبيحا عقلا أو محرما شرعا وكل منهما مشروط بالاختيار ؟ (فان قلت): قد اعترف المصنف (ره) بان الفعل على ما هو عليه من الحسن أو القبح أو الوجوب أو الحرمة مع انه لا يكون مقصودا له بل مغفول عنه فلا يكون اختياريا (قلت): مراده من ذلك أنه حسن أو قبيح شأنا لا فعلا وكذا كونه واجبا أو حراما والا فاشتراط الاختيار في فعلية الوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام التكليفية ضروري (فان قلت): سلمنا أنه ليس باختياري بما هو مقطوع المبغوضية لكنه اختياري بما هو تجر فيكون قبيحا فعلا أو محرما كذلك بذلك العنوان (قلت): ليس هو باختياري بعنوان التجري ايضا لان التجري الذى قصده هو التجري بالمعنى الاخص وهو المعصية وهو غير حاصل لفرض خطأ القطع وعدم مصادفته للواقع وما وقع منه وهو التجري بالمعنى الأعم الحاصل عند خطأ القطع غير مقصود فلا يكون عنوان التجري ايضا اختياريا لأن ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع. ومن هنا يظهر أن الفعل المتجرى به لا يكون اختياريا بكل عنوان يفرض كذا ذكر المصنف (ره) في الحاشية (أقول): لم يظهر الفرق بين عنوان مقطوع المبغوضية وعنوان التجري حيث التزم ان الفاعل لا يقصد الاول ولذا لا يكون اختياريا وانه يقصد الثاني وانما لا يكون اختياريا من جهة قصد الخصوصية مع انهما من قبيل واحد داخلان تحت قصد الفاعل - مضافا إلى أن الاختيار الذى يكون شرطا للاطاعة غير الاختيار الذى يكون شرطا للمعصية فان الأول بمعنى القصد والثاني يكفي فيه مجرد الالتفات ولذا ترى ان من قصد الذهاب إلى (بغداد) وعلم أنه إذا

١٣

وصل إليها يجبر على شرب الخمر فإذا سافر إلى بغداد ملتفتا إلى انه يجبر على شرب الخمر فلما وصلها أجبر على شرب الخمر يكون عاصيا عن عمد واختيار وان لم يكن قاصدا لشرب الخمر أصلا بل كان كارها له. ولو علم أنه إذا وصل إلى بغداد أجبر على بذل ماله للفقراء فسافر إليها وأجبر على ذلك لا يعد مطيعا حيث لم يقصد البذل فان كان الالتفات كافيا في قصد الاختيار الذى يكون شرطا في المعصية كان مجرد التفاته إلى انطباق عنوان المبغوضية على فعله كافيا في القبح والحرمة ولا يحتاج في ثبوتها إلى قصد كما يظهر من قوله: فان القاطع لا يقصد... الخ ومنه يظهر الاشكال فيما ذكره في الحاشية فان قصد الخصوصية بنحو وحدة المطلوب وان كان يضاد قصد العام لكنه لا يمنع من اختيارية العام فقصده للمعصية لا يمنع من التفاته إلى الجامع بينها وبين التجري المقابل لها وهو مطلق التجري وحينئذ يكون اختياريا قبيحا يحسن العقاب عليه ويشهد بما ذكرنا أنه لا يكاد يرتاب في أن من قصد أن يشرب الخمر الذى في اناء زيد فشربه فصادف انه الخمر الذي في انائه يكون عاصيا في شربا الخمر مرتكبا له عن عمد واختيار ولا مجال للتشكيك فيه بما ذكر من أن ما قصده لم يقع وما وقع لم يقصده فلا يكون اختياريا وانما يصح ذلك فيما كان يعتبر فيه القصد كما في باب تخلف الشرط والوصف وباب تبعض الصفقة وما لو صلى خلف زيد فبان كونه عمرا ونحو ذلك بناء على كون المقصود فيها بنحو وحدة المطلوب (إذا عرفت هذا) فنقول: إن التجري الذي هو الاقدام على المولى واظهار الجرأة عليه له مراتب في الخارج (فتارة) لا يكون إلا مجرد العزم على المعصية بلا ارتكاب لشئ أصلا (وأخرى) يكون بارتكاب بعض المقدمات (وثالثة) يكون - مضافا إلى ذلك - بارتكاب نفس المعصية الاعتقادية ولا ريب في انطباق التجري على هذه المراتب وان كان التجري قبيحا موجبا للعقاب كانت المراتب المذكورة كذلك فيترتب العقاب حينئذ على نفس الفعل الخارجي بما انه ينطبق عليه التجري الملتفت إليه ولا مقتضي للالتزام بالعقاب على خصوص العزم. ثم إنه قد تقدم في بعض مباحث مسألة الاجتماع ان

١٤

كلا من الحسن والقبح نوعان (أحدهما) ما يكون منشأ للأمر والنهي ويكون موضوعا للقصد ولا يتقوم بالقصد ولا يوجب ثوابا ولا عقابا وهو الناشئ عن المصالح والمفاسد الواقعية (والثاني) ما يكون متأخرا عن الأمر والنهي ويكون متقوما بالقصد ويكون مناطا للثواب والعقاب وهو حسن الاطاعة وقبح المعصية وعلى هذا يظهر فساد ما ذكر في الفصول من التفصيل في استحقاق المتجري للعقاب بين ما لو اعتقد تحريم واجب غير مشروط بالقربة فلا يستحق عليه العقاب وبين غيره لبنائه على إعمال قواعد التزاحم بين الجهات الواقعية المقتضية للحسن وبين التجري المقتضي للقبح فيؤخذ بالأقوى لو كان (وجه) الفساد أن إعمال قواعد التزاحم إنما يكون مع تنافي المقتضيات أثرا وليس الامر هنا كذلك لما عرفت من أن الحسن الناشئ من الجهات الواقعية لا يقتضي ثوابا ولا ينفي عقابا بالمرة فكيف يمكن أن يزاحم القبح الآتي من قبل التجري في تأثيره في العقاب كما ان القبح الآتي من قبل التجري لا يصلح أن يزاحم الحسن الواقعي في اقتضائه الامر بالفعل فكيف يصح اعمال قاعدة التزاحم بين الحسن الواقعي وقبح التجري حتى يدعى عدم العقاب للمتجري في الفرض الذي ذكر ولعل مراد شيخنا العلامة - أعلى الله مقامه - في رسائله من جوابه الثاني عن شبهة الفصول حيث يقول فيه: ومن المعلوم أن ترك قتل المؤمن في المثال الذي ذكره كفعله ليس من الأمور التي تتصف بحسن أو قبح للجهل بكونه قتل مؤمن... الخ وذلك يعني: انه لا يوجب حسنا يصلح لمزاحمة قبل التجري من جهة منافاته للعقاب لا انه لا يوجب حسنا أو قبحا واقعيين والا فالاختيار لا يكون شرطا في الحسن والقبح الواقعيين كما هو ظاهر فلاحظ وتأمل. ولعل من هنا يظهر توجيه كلام المصنف (ره) في عدم اقتضاء طروء عنوان مقطوع المبغوضية على الفعل المتجرأ به للقبح من جهة كونه ليس اختياريا فيكون المراد به القبح المؤدي إلى العقاب لا مطلق القبح، وإلا فقد عرفت أن القبح الواقعي ليس مشروطا بالاختيار أصلا، ولا يحتاج إلى الجمع بين اعترافه بكون الفعل على ما هو عليه من الحسن والقبح وبين انكاره لقبح

١٥

إن القصد والعزم إنما يكون من مبادئ الاختيار وهي ليست باختيارية وإلا لتسلسل (قلت): مضافا إلى أن الاختيار وان لم يكن بالاختيار الا أن بعض مباديه غالبا يكون وجوده بالاختيار للتمكن من عدمه بالتأمل فيما يترتب على ما عزم عليه من تبعة العقوبة واللوم والمذمة - يمكن أن يقال: إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنما يكون من تبعة بعده عن سيده بتجريه عليه كما كان من تبعته بالعصيان في صورة المصادفة فكما انه يوجب البعد عنه كذلك لا غرو في أن يوجب حسن العقوبة فانه

______________________________

الفعل المتجرأ به، بحمل الاول على القبح الشأني والثاني على الفعلي، ويكون وجه حمل الأول على النحو الذي لا يرتبط بالعقاب والثواب والثاني على النحو الآخر لكنه يفيد عن العبارة فتأمل جيدا (قوله: الاختيار وان لم يكن بالاختيار) الاختيار هو القصد والارادة، والمراد من كونه ليس بالاختيار انه لا يجب أن يكون كذلك كما في الأفعال الاختيارية، لكن ربما كان بعض مباديه بالاختيار، كما أوضح ذلك في الحاشية على الرسائل حيث ذكر أن مقدمات العمل الاختياري: حضور المراد في الذهن، ثم الميل النفساني إليه، ثم الجزم وهو حكم القلب بانه ينبغي صدوره، ثم العزم والقصد بناء على اتحادهما، أو القصد بناء على اختلافهما وحديث النفس لا يدخل تحت الاختيار وكذا الميل، واما الجزم فيختلف باختلاف الأحوال فقد يكون الفاعل بحيث يقدر على الانصراف بالتأمل بالصوارف والموانع وربما لا يقدر على ذلك لشدة الميل بحيث يغفل عما يترتب على الفعل من المهالك أو لا يبالي، وكذا العزم بناء على أنه غير القصد فقد يكون كالجزم بحيث يمكن فسخه... الخ. ويمكن المناقشة فيما ذكره بنحو لا يسعه المقام (قوله: يمكن أن يقال) لكن على هذا لا وجه للالتزام بعدم العقاب على الفعل وكونه على خصوص العزم، وهل الفرار من الأول إلى الثاني الا كالفرار من المطر إلى

١٦

وان لم يكن باختياره (١) الا انه بسوء سريرته وخبث باطنه بحسب نقصانه واقتضاء استعداده ذاتا وامكانا وإذا انتهى الأمر إليه يرتفع الاشكال وينقطع السؤال ب‍ (لم) فان الذاتيات ضرورية الثبوت للذات وبذلك ايضا ينقطع السؤال عن انه لم اختار الكافر والعاصي الكفر والعصيان والمطيع والمؤمن الاطاعة والايمان ؟ فانه يساوق السؤال عن أن الحمار لم يكون ناهقا والإنسان لم يكون ناطقا (وبالجملة): تفاوت أفراد الانسان في القرب منه جل شأنه وعظمت كبرياؤه والبعد عنه سبب لاختلافها في استحقاق الجنة ودرجاتها والنار ودركاتها وموجب لتفاوتها في نيل الشفاعة

______________________________

الميزاب (قوله: وان لم يكن باختياره إلا أنه بسوء) هذا التزام بما يخالف أصول المذهب وضرورياته، وأغرب من ذلك ما ذكره في الحاشية على هذا المقام تقريبا لما في المتن، ومحصله: أن العقاب للعاصي المقابل للمتجرئ إنما يكون على مالا بالاختيار فان الموجب لعقابه هي المعصية والمعصية هي المخالفة العمدية، ومن المعلوم أن المخالفة العمدية بما هي عمدية ليست اختيارية إذ العمد هو الاختيار وليس بالاختيار، ووجه الاستغراب: أن الموجب للعقاب في العاصي هو المخالفة العمدية، والمصحح لترتب العقاب صفة العمد المأخوذة فيها، ولا يتأمل أحد في أنه لا يعتبر في صحة العقاب عمدان بل يكفي عمد واحد فإذا كانت المخالفة عمدية صح العقاب عليها، وكيف يجعل هذا مثالا تقريبيا لما نحن فيه مع عدم العمد والاختيار فيه بالمرة ؟ (قوله: ذاتا وامكانا) الأول اشارة إلى الاستعداد القائم بالذات لذاتها، والثاني إلى ما ينتسب بالذات بتوسط الاقتران ببعض الممكنات (قوله: وبذلك أيضا ينقطع) اشارة إلى ما

______________

(١) كيف لا وكانت المعصية الموجبة لاستحقاق العقوبة غير اختيارية فانها هي المخالفة العمدية وهي لا تكون بالاختيار ضرورة ان العمد إليها ليس باختياري وانما تكون نفس المخالفة اختيارية وهي غير موجبة للاستحقاق وانما الموجبة له هي العمدية منها كما لا يخفى على أولي النهى. (منه قدس سره)

١٧

وعدمها وتفاوتها في ذلك بالآخرة يكون ذاتيا والذاتي لا يعلل (ان قلت): على هذا فلا فائدة في بعث الرسل وإنزال الكتب والوعظ والانذار (قلت): ذلك لينتفع به من حسنت سريرته وطابت طينته لتكمل به نفسه ويخلص مع ربه أنسه (ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) قال الله تبارك وتعالى: (فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) وليكون حجة على من ساءت سريرته وخبثت طينته (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة كيلا يكون للناس على الله حجة) بل كان له حجة بالغة ولا يخفى أن في الآيات والروايات شهادة على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الاطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة ومعه لا حاجة إلى ما استدل على استحقاق المتجرئ للعقاب بما حاصله أنه لولاه مع استحقاق العاصي له يلزم اناطة استحقاق العقوبة بما هو خارج عن الاختيار من مصادفة قطعه الخارج عن تحت قدرته واختياره

______________________________

ذكر من كون مالا بالاختيار ناشئا عن الاستعداد الذاتي الضروري للذات، (قوله: ولا يخفى ان في الآيات والروايات) المراد من الآيات مثل قوله تعالى (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا)، وقوله تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) وقوله تعالى: (والذين يحبون ان تشيع الفاحشة... إلى آخر الآية) ونحوها، ومن الروايات مثل قوله (ص): نية الكافر شر من عمله، وما ورد من تعليل خلود اهل النار بعزمهم على البقاء في الكفر لو خلدوا في الدنيا، ونحوهما، لكن لا يخفى ان مثل المقام من الاحكام العقلية لا تصلح الآيات والروايات للشهادة فيه وانما تصلح للمرجعية في الأحكام الشرعية (قوله: ومعه لا حاجة) يعني مع حكم الوجدان (قوله: لولاه) الضمير راجع إلى الاستحقاق، وفى (له) إلى العقاب (قوله: من مصادفة) بيان لما هو الخارج عن الاختيار، ثم ان هذا اشارة إلى البرهان الرباعي الذي ذكر في الرسائل، وبيانه: انه لو فرض شخصان قاطعين بان ما في انائهما خمر ثم شرب كل منهما ما في انائه وكان في الواقع احد الانائين خمرا والآخر ماء فاما ان

١٨

مع بطلانه وفساده إذ للخصم أن يقول بان استحقاق العاصي دونه إنما هو لتحقق سبب الاستحقاق فيه وهو مخالفته عن عمد واختيار وعدم تحققه فيه لعدم مخالفته أصلا - ولو بلا اختيار –

______________________________

يستحقا العقاب اولا يستحقه احدهما أو يستحقه من صادف قطعه الواقع دون الآخر أو العكس، لا سبيل إلى الثاني والرابع إذ لازمهما القول بعدم الاستحقاق على المعصية وهو باطل بناء على التحسين والتقبيح العقليين الذى هو مبنى البحث في هذه المسألة، فيدور الامر بين الاول والثالث، وحيث ان الثالث يلزم منه اناطة العقاب بالمصادفة للواقع إذ لا فرق بين الشخصين الا في ذلك، فالفرق بينهما في العقاب لابد أن يستند إلى ذلك وهو باطل لانه يلزم اناطة العقاب بما هو خارج عن الاختيار فتعين الاول وهو المطلوب (قوله: مع بطلانه وفساده) الضمير المجرور فيهما راجع إلى الدليل (قوله: إذ للخصم ان يقول بان) توضيح ما ذكر: ان اناطة العقاب بما هو خارج عن الاختيار تارة يكون بمعنى ان العلة التامة في العقاب امر غير اختياري، وأخرى بمعنى ان الأمر غير الاختياري دخيل في العقاب، والاول ممتنع عند العدلية والثاني جائز عندهم وهو الذي يلزم من الدليل الاول، إذ منشأ العقاب هو المخالفة وهي اختيارية، غاية الأمران من جملة مقدماته مصادفة القطع للواقع لا أن منشأ العقاب هو نفس المصادفة ليس غير ليلزم اللازم الباطل عند العدلية، ويمكن ان يكون مقصود المستدل بيان ان جهة المصادفة مما لا يصلح ان يكون دخيلة في حسن العقاب مع كونها غير اختيارية ولا آتية من قبل المكلف فلابد ان يكون المنشأ هو ما به الاشتراك بين الشخصين من الاقدام على الهتك (قوله: الاستحقاق فيه) الضمير في فيه راجع إلى العاصي (قوله: تحققه فيه) الضمير راجع إلى المتجرئ (قوله: لعدم مخالفته) ولكن مع صدور فعل منه بالاختيار كما إذا كان الخطأ منه في الحكم كما لو اعتقد ان شرب الماء حرام فشربه فان شرب الماء صادر منه بالاختيار ولم تصدر منه مخالفة

١٩

* بل عدم صدور فعل منه في بعض أفراده بالاختيار كما في التجري بارتكاب ما قطع أنه من مصاديق الحرام كما إذا قطع مثلا بأن مايعا خمر مع انه لم يكن بالخمر فيحتاج إلى اثبات أن المخالفة الاعتقادية سبب كالواقعية الاختيارية كما عرفت بما لا مزيد عليه (ثم) لا يذهب عليك أنه ليس في المعصية الحقيقة إلا منشأ واحد لاستحقاق العقوبة وهو هتك واحد فلا وجه لاستحقاق عقابين متداخلين - كما توهم - مع ضرورة أن المعصية الواحدة لا توجب الا عقوبة واحدة: كما لا وجه لتداخلهما على تقدير استحقاقهما كما لا يخفى، ولا منشأ لتوهمه الا بداهة أنه ليس في معصية واحدة الا عقوبة واحدة مع الغفلة عن أن وحدة المسبب تكشف بنحو الان عن وحدة السبب (الأمر الثالث) أنه قد عرفت أن القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب أو الذم والعقاب من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب، وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر

______________________________

لكن بلا اختيار حيث ان السبب في عدم مخالفته خطأ قطعه (قوله: بل عدم صدور فعل) بناء على ما تقدم منه من ان ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد (قوله: كما في التجري) وكذا في كل ما كان الخطأ في الموضوع (قوله: كما توهم) المتوهم صاحب الفصول بناء على مبناه السابق إذ في المعصية الحقيقية يجتمع قبحان القبح الواقعي وقبح التجري فيترتب عقابان لكن يتداخلان، وهو خلاف الضرورة القائمة على أن المعصية الواحدة لا توجب الا عقوبة واحدة (قوله: كما لا وجه التداخلهما) إذ التداخل ممتنع لانه خلف بعد ما كان كل من القبحين سببا مستقلا مطلقا (قوله: ولا منشأ لتوهمه) يعني لتوهم التداخل (قوله: الا عقوبة واحدة) يعني لما رأى بداهته لم يكن له بد الا من القول بالتداخل (قوله: مع الغفلة عن ان) ولو التفت إلى ذلك لجعل الضرورة طريقا له إلى الالتزام بوحدة منشأ العقاب لا القول بتعدده مع التداخل (قوله: قد عرفت ان القطع بالتكليف) يريد بهذا الكلام الاشارة إلى اقسام القطع

٢٠