حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 208537
تحميل: 4789


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208537 / تحميل: 4789
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب (وأخرى) كان الاثر لعدم أحدهما في زمان الآخر. فالتحقيق أنه أيضا ليس بمورد للاستصحاب فيما كان الاثر المهم مترتبا على ثبوته المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان بل قضية الاستصحاب عدم حدوثه

______________________________

الناقصة (قوله: لعدم اليقين) من جهة ما اشرنا إليه من كون هذه العناوين انتزاعية من نفس الذات لا من أمر زائد عليها (قوله: وأخرى كان الاثر) معطوف على قوله سابقا: فتارة كان... الخ وهو شروع في حكم ما لو كان الاثر لعدم أحد الحادثين في زمان وجود الآخر وقسمه إلى قسمين (أحدهما) أن يكون الاثر لوجود أحدهما المتصف بالعدم في زمان الآخر (وثانيهما) أن يكون الاثر لنفس عدم أحدهما في زمان الآخر (وحكم الأول) انه لا يجري الأصل لاثبات كون الوجود متصفا بالعدم المذكور لأنه يتوقف على اليقين بكونه متصفا بالعدم في وقت ثم يشك في بقائه على ما كان من الاتصاف المذكور ولا يتعين إذا الوجود من الازل غير معلوم الاتصاف لأنه ان كان وجد متأخرا عن زمان حدوث الآخر كان متصفا بالعدم المذكور وان كان متقدما عليه أو مقارنا له فهو غير متصف، وحيث لم يعلم انه متأخر أولا فقد شك باتصافه بذلك في جميع الازمنة (فان قلت): وجود أحدهما بعينه قبل أن يكون لم يكن في زمان الآخر قطعا فليستصحب ذلك فيثبت به ان الوجود لم يكن في زمان الآخر كما في سائر موارد استصحاب العدم الأزلي بناء على مختار المصنف (ره) من عدم المانع من جريانه (قلت): العدم الازلي انما هو بمعنى السلب المحصل بمعنى سلب اتصاف الوجود بالكون في زمان الآخر لا بمعنى الايجاب المعدول بمعنى الاتصاف بالعدم في زمان الآخر، وجواز الاستصحاب في الأول لا يقتضي جوازه في الثاني لأن الثاني ايجاب وهو يتوقف على وجود الموضوع فقبله لا اتصاف بالعدم في زمان الآخر ولا بالوجود فيه فلا حالة له سابقة (ويمكن) الخدش فيه (اولا) بان جعل ما ذكر أعني - كون الاثر للوجود المتصف بالعدم في زمان الآخر - من أقسام ما إذا كان الاثر

٥٠١

كذلك كما لا يخفى، وكذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا وإن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما

______________________________

للعدم في زمان الآخر غير ظاهر (وثانيا) بان اختلاف السلب المحصل والايجاب المعدول في المفهوم لا يوجب الفرق فيما نحن فيه، وكون الايجاب يتوقف على وجود الموضوع ممنوع بل المعتبر وجود الموضوع في ظرف الاتصاف فان كان ظرف الاتصاف بالوجود أو العدم الخارج وجب وجود الموضوع فيه، وان كان ظرفه الذهن وجب وجود الموضوع فيه ولو كان ظرف الاتصاف نفس الواقع بناء عليه كان اللازم ثبوته فيه أيضا، ضرورة صدق قولنا: شريك البارئ ممتنع وقولنا: الوجود والعدم نقيضان ونحوهما من القضايا الايجابية التي تكون موضوعاتها ممتنعة في الخارج. على ان الفرق بين السلب المحصل والايجاب المعدول انما هو بمحض الاعتبار إذ هما متلازمان بحيث كلما صدق قولنا: زيد ليس بقائم صدق قولنا: زيد لا قائم، فمهما كان الاول له حالة سابقة كان الثاني كذلك، غاية الأمر أن النسبة السلبية تلحظ في الاول بمعناها الحرفي، وفي الثاني بمعناها الاسمي، فتأمل جيدا وقد تقدم في مبحث العدم الأزلي في العموم والخصوص ماله دخل في المقام فراجع وتأمل والله سبحانه هو الهادي. ثم انه يحتمل بعيدا ان يكون المراد من العبارة في القسم الاول ما يكون العدم ملحوظا بنحو مفاد كان الناقصة بحيث يكون الاثر الشرعي ثابتا لكون عدمه في زمان الآخر في قبال القسم الثاني الملحوظ فيه العدم بنحو مفاد كان التامة أعني مجرد العدم في زمان الآخر، لكن عليه لا مانع من استصحاب عدم كون عدمه في زمان الآخر لليقين بعدم كون عدم أحد الحادثين في زمان الآخر والشك في بقائه فيستصحب (قوله: وكذا فيما) شروع في حكم القسم الثاني وانه ليس بمورد للاستصحاب وصورة الاستصحاب فيما لو كان الأثر الشرعي مرتبا على عدم موت الأب في زمان موت الابن مثلا أن يقال: كان عدم موت الأب متيقنا فيحكم ببقائه إلى زمان موت الابن فيثبت عدم أحدهما في زمان الآخر (قوله: في آن قبل) وهو

٥٠٢

لعدم احراز اتصال زمان شكه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقنا لاحتمال انفصاله عنه باتصال حدوثه به (وبالجملة): كان بعد ذاك الآن (١) الذي قبل زمان اليقين بحدوث

______________________________

الآن الذي يعلم بعدم وجودهما فيه (قوله: لعدم احراز اتصال زمان) توضيح المراد: انه إذا علم بموت الوالد وولده غير مقترنين وشك في المتقدم منهما والمتأخر فهناك آنات ثلاثة، وليفرض الأول يوم الخميس وهو الزمان الذي يعلم بحياتهما فيه، والثاني يوم الجمعة وهو الزمان الذي يعلم بحدوث موت أحدهما فيه اجمالا إما الوالد أو الولد، والثالث يوم السبت وهو الزمان الذي يعلم بموت الآخر فيه اجمالا إما الوالد أو الولد أيضا وهذا الزمان يعلم بتحقق موتهما فيه، وهذه الازمنة الثلاثة تفصيلية وهناك زمانان اجماليان، أحدهما زمان موت الوالد المحتمل الانطباق على كل من الجمعة والسبت على البدل، وثانيهما زمان موت الولد المحتمل انطباقه على اليومين أيضا على البدل وهذان الزمانان الاجماليان متباينان خارجا بحيث لو انطبق احدهما على الجمعة مثلا انطبق الآخر على السبت وبالعكس. وحينئذ نقول: لو استصحبنا عدم موت الوالد المعلوم يوم الخميس إلى زمان موت الولد احتمل ان يكون زمان موت الولد يوم السبت ويلزمه احتمال ان يكون موت الوالد يوم الجمعة فيكون زمان الشك وهو زمان موت الولد المنطبق على يوم السبت منفصلا عن زمان اليقين وهو يوم الخميس بزمان اليقين بموت الوالد وهو يوم الجمعة فيكون - على هذا التقدير - من نقض اليقين باليقين لا بالشك، ومع هذا الاحتمال يمتنع التمسك بعموم دليل الاستصحاب لأن التمسك بالعموم فرع احراز انطباق عنوانه على المورد وهو مشكوك (قوله: باتصال حدوثه) متعلق بانفصال والباء للسببية يعني الانفصال المحتمل يكون سبب اتصال زمان حدوث الحادث المعلوم المستصحب عدمه بزمان اليقين بعدمه (قوله: ذاك الآن) يعني يوم الخميس في المثال

______________

(١) وان شئت قلت: إن عدمه الازلي المعلوم قبل الساعتين وان كان في الساعة الاولى منهما مشكوكا إلا انه حسب الفرض ليس موضوعا للحكم -

٥٠٣

أحدهما زمانان أحدهما زمان حدوثه والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الذي يكون ظرفا للشك في أنه فيه أ قبله وحيث شك في أن أيهما مقدم وأيهما مؤخر لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك (لا يقال): لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن وهو بتمامه زمان الشك في حدوثه لاحتمال تأخره عن الآخر مثلا إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها وحدوث الآخر في ساعة ثالثة كان زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما كما لا يخفى (فانه يقال): نعم ولكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان والمفروض أنه بلحاظ إضافته إلى الآخر وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته أو قبله ولا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر

______________________________

 (قوله: زمان حدوثه) يعني حدوث الحادث المستصحب عدمه (قوله: حيث لم يحرز معه) لاحتمال كونه من نقض اليقين باليقين (قوله: لا يقال لا شبهة في اتصال مجموع) ايراد على دعوى احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بالعدم بزمان اليقين بحدوث مستصحب العدم (وحاصله): أن زمان الشك منطبق على مجموع الزمانين ومجموعهما متصل بزمان اليقين بالعدم فقد احرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين (قوله: نعم ولكنه إذا كان بلحاظ)

______________

- والاثر وانما الموضوع هو عدمه الخاص وهو عدمه في زمان حدوث الآخر المحتمل كونه الساعة الاولى المتصلة بزمان يقينه أو الثانية المنفصلة عنه فلم يحرز اتصال زمان شكه بزمان يقينه ولابد منه في صدق لا تنقض اليقين بالشك فاستصحاب عدمه إلى الساعة الثانية لا يثبت عدمه في زمان حدوث الآخر إلا على الاصل المثبت فيما دار الامر بين التقدم والتأخر فتدبر. منه قدس سره

٥٠٤

* وحدوثه لا الساعتين. فانقدح انه لا مورد ها هنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده وعدم جريانه إنما هو بالمعارضة كي يختص بما كان الاثر لعدم كل في زمان الآخر وإلا كان الاستصحاب فيما له الاثر جاريا (وأما) لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو ايضا (إما) يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن فلا إشكال

______________________________

حاصل الجواب: أن الاثر الشرعي (تارة) يكون مترتبا على عدم أحد الحادثين في الزمان التفصيلي مثل يوم الجمعة ونحوه (وأخرى) يكون مترتبا على عدمه في الزمان الاجمالي مثل ما نحن فيه اعني العدم في زمان حدوث الآخر، فان كان مترتبا على النحو الاول أمكن استصحابه في مجموع الزمانين وترتيب أثره عليه، أما إذا كان مترتبا على النحو الثاني فلا يتم لان زمان حدوث احدهما الذي هو زمان الشك لا ينطبق الا على احدهما على البدل ويمتنع انطباقه عليهما معا كما عرفت فلا يكون زمان الشك الا احدهما، ومع احتمال انطباقه على الثاني دون الاول يكون مما لم يحرز اتصاله بزمان اليقين بالمستصحب ويرجع الاشكال (اقول): يمكن ان يخدش ما ذكره (اولا) بأن انطباق زمان الشك على مجموع الزمانين التفصليين غير ظاهر إذ الزمان الثاني منهما زمان اليقين بوجودهما معا كما عرفت في صدر المطلب فليس زمان الشك الا الزمان الاول منهما لا غير فلا يمكن استصحاب العدم الا فيه (وثانيا) بانه ان كان المعتبر في جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين على جميع التقادير امتنع الاستصحاب في الزمان التفصيلي بتمامه لأن الزمان الثاني على تقدير كونه ظرفا لحدوث الآخر يكون منفصلا عن زمان اليقين بالعدم بزمان حدوث مستصحب العدم، (ودعوى) ان المجموع غير منفصل مسلم لكنه لا يجدي في صحة الاستصحاب في الزمان الثاني بعد احتمال انفصاله، وكفاية مجرد صدق اتصال المجموع تحكم في الاستظهار، إذ على تقدير ظهور الدليل في اعتبار الاتصال فالظاهر اعتباره في كل زمان شك ولا فرق بين الزمان الاول وغيره (وثالثا) بان زمان الشك إذا كان زمان حدوث الآخر وكان في نفسه صالحا

٥٠٥

للانطباق على كل من الزمانين ولو على البدل لزم ذلك أن يكون كل واحد من الزمانين زمان شك، وكون انطباقه على الزمانين بدليا لا ينافي كونهما زماني شك في عرض واحد، ولذلك لو اشتبه احد اطراف الشبهة المحصورة في اطراف أخر صار كل واحد منها مشكوك النجاسة مع كون انطباق الطرف المشكوك على كل واحد انطباقا بدليا (ورابعا) ان احتمال الانفصال لو اقتضى المنع عن التمسك بعموم دليل الاستصحاب من جهة عدم احراز عنوان العام لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين من نقض اليقين باليقين لزم امتناع جريان الاصل في كثير من الموارد نبهنا على بعضها سابقا مثل أطراف العلم الاجمالي والكلي في القسم الثاني وغير ذلك مثل ما لو علم بموت الزوج وتردد بين ان يكون في هذه السنة أو فيما قبلها فانه يحتمل ان يكون رفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين باليقين (وخامسا) بأن مبنى ما ذكر سراية العلم إلى الخارج كما نبهنا عليه سابقا وإلا - كما هو التحقيق من تقوم العلم بالصور الذهنية - فلا احتمال انه من نقض اليقين باليقين إذ اليقين بالموت في أحد الزمانين اجمالا لا يتحد موضوعا مع العدم المشكوك في زمان حدوث الآخر فتأمل جيدا. نعم (هنا) شبهة ذكرها بعض مشايخنا دام ظله (وتوضيحها): أنا إذا شككنا في بقاء شئ إلى زمان آخر فقد يكون منشأ الشك الشك في امتداد الشئ المشكوك البقاء وعدمه كما إذا شككنا في حياة زيد يوم الجمعة وموته قبلها، وقد يكون منشؤه الشك في زمان حدوث الآخر وتقدمه وتأخره كما إذا علمنا بان زيدا مات في يوم الجمعة وشك في بقاء حياته إلى زمان الخسوف للشك في تقدم الخسوف على الجمعة وتأخره عنها، (فان) كان منشأ الشك الاول فلا ريب في جريان الاستصحاب، وان كان الثاني امتنع جريانه لظهور دليله في إلغاء الشك في الامتداد ووجوب البناء على ثبوته والمفروض أن الشك في الثاني ليس في امتداد المستصحب بل في امر آخر: وعليه فلو كان منشأ الشك الامرين معا كان دليل الاستصحاب متكفلا لالغاء الشك في الامتداد لا غير. (ففي)) المقام نقول: إذا شك في حياة الوارث إلى زمان موت المورث

٥٠٦

في استصحاب عدمه

______________________________

مع العلم بموتهما وجهل تاريخه كان منشأ الشك كلا الامرين - اعني الشك في امتداد الحياة والشك في تقدم موت المورث وتأخره - فلم ينفع جريان الاستصحاب في اثبات الحياة إلى زمان موت المورث إذ لا يقتضي الا اثبات الامتداد تعبدا، اما حيثية اقتران الحياة بموت الموروث من جهة تقدمه وتأخره فلا دلالة له على الغائها (وهذه) الشبهة في غاية المتانة وكفى بها مانعا عن جريانه في المقام لاثبات عدم أحد الحادثين إلى زمان حدوث الآخر اجمالا (فان قلت): يمكن استصحاب أحد الحادثين في تمام ازمنة الشك التفصيلية إلى زمان العلم بوجود الحادث الآخر المردد بين الحدوث فيه والبقاء ويثبت بذلك الاقتران فيترتب عليه أثره فيستصحب في المثال المتقدم عدم موت الوارث إلى يوم الجمعة المعلوم موت المورث فيه لانه إما حدث فيه أو فيما قبله ويترتب على ذلك إرثه لما تركه (قلت): الاقتران عبارة عن اجتماع المقترنين في زمان واحد وهذا لا يثبت بالاستصحاب إلى زمان اليقين بوجود الآخر وانما يثبت به وجود أحدهما في زمان بعد زمان عدم الآخر متصلا به فيترتب عليه اثر ذلك، لكنه ليس مما نحن فيه من كون موضوع الاثر عدم احدهما في زمان الآخر لا بعده متصلا به كما ذكر في السؤال (فان قلت): فليستصحب عدمه إلى اثناء زمان العلم بالآخر بمقدار يتحقق الاقتران بالزمان (قلت): يمتنع ذلك لأن الزمان التفصيلي الذي يعلم فيه وجود الآخر اما حدوثا أو بقاء يعلم فيه ايضا وجود مستصحب العدم اما حدوثا أو بقاء لما عرفت من انه زمان اليقين بوجود الحادثين معا فكيف يستصحب عدم احدهما فيه (قوله: في استصحاب عدمه) يعني يجري استصحاب عدم الوجود الخاص على أحد الانحاء فيترتب عليه انتفاء اثره، وقد عرفت انه لا مانع من هذا الاستصحاب بعد ما كان الوجود الخاص مسبوقا بالعدم ومجرد العلم بانتقاض العدم المطلق بالوجود لا ينافي الشك في انتقاض العدم الخاص به، كما عرفت ايضا الاشكال في جريان استصحاب عدم المتأخر لأن الوجود المتأخر ليس مشكوك الحدوث الا

٥٠٧

* لولا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه كما تقدم (وإما) يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا فلا مورد للاستصحاب أصلا لا في مجهول التاريخ وفي معلومه كما لا يخفى لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا منهما (وإما) يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا لاتصال زمان شكه بزمان يقينه

______________________________

بلحاظ وصف التأخر لا بلحاظ ذاته لأن ذات الوجود المتأخر معلوم التحقق مرددا بين الحدوث والبقاء، فجريان استصحاب عدمه غير ممكن والوصف ليس عدمه مجرى للاصل بناء على مختاره (ره) من كونه اعتباريا محضا فراجع (قوله: لولا المعارضة) قد تقدم اختصاص المعارضة بما لو كان الوجود الخاص للآخر ذا اثر شرعي على نحو يعلم اجمالا بتحقق احد الأثرين على نحو لا يجوز اجراء الأصل كما تقدم تفصيله (قوله: على ما إذا كان متصفا) بان يكون موضوع الأثر كون الوجود متصفا بالتقدم أو باحد ضديه بنحو مفاد كان الناقصة لا على الوجود المتصف بنحو مفاد كان التامة الذي تقدم حكمه في الصورة الأولى (قوله: لعدم اليقين بالاتصاف) لما اشرنا إليه سابقا من كون العناوين المذكورة منتزعة من نفس الوجود الخارجي فهو إما واجد لمنشأ انتزاعها من الأول أو ليس بواجد له كذلك لا أنه ليس بواجد له من الأزل ثم يشك في اتصافه بها ليجري استصحاب عدم الاتصاف كما في موارد استصحاب العدم الأزلي مثل اصالة عدم القرشية. لكن عرفت التأمل في المبني المذكور (قوله: مترتبا على عدمه) بأن يكون موضوع الأثر عدم احد الحادثين المقيد بكونه في زمان الآخر (قوله: في زمان الآخر) قيد للعدم (قوله: فاستصحاب العدم) يعني يجري استصحاب العدم في مجهول التاريخ إلى زمان حدوث معلوم التاريخ فيثبت عدمه في زمان الآخر فيترتب عليه أثره (قوله: لاتصال زمان) قد عرفت ان شبهة عدم الاتصال جارية في جميع موارد العلم الاجمالي بالانتقاض ومنها المقام، حيث أن مجهول التاريخ لما كان معلوم الوجود المردد بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك في عدمه

٥٠٨

دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان وإنما الشك فيه باضافة زمانه إلى الآخر، وقد عرفت جريانه فيهما تارة وعدم جريانه كذلك أخرى. فانقدح أنه لا فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين فيما اعتبر

______________________________

وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان اليقين به لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بوجوده فتأمل جيدا (قوله: دون معلومه) يعني لا يجري استصحاب العدم في معلوم التاريخ إلى زمان حدوث مجهول التاريخ (قوله: لانتفاء الشك فيه) يعني بالاضافة إلى الازمنة التفصيلية لانه بعد فرض كونه معلوم التاريخ يكون قبل تاريخ حدوثه معلوم العدم وبعده معلوم الوجود فليس زمان تفصيلي يشك في وجود المستصحب فيه وانما يشك في وجوده بالاضافة إلى الزمان الاجمالي لوجود مجهول التاريخ ولا يجري استصحاب عدمه بالاضافة إلى الآخر اما لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين كما يراه استاذنا المصنف (ره) أو لعدم كون الشك في البقاء كما حكيناه عن بعض مشايخنا المعاصرين (قوله: وقد عرفت) تلخيص لحكم صور مالو علم تاريخ احدهما دون الآخر وكأنه تعريض بشيخنا الاعظم (ره) حيث لم يتعرض الا لجريان اصل العدم في المجهول التاريخ دون المعلوم وكأنه لاجل ذلك لم يذكر المصنف (ره) ذلك مضافا إلى ذكره صورتي الجريان فيهما وعدمه كذلك فتأمل (قوله: فيهما تارة) يعني في المجهول والمعلوم مشيرا إلى الصورة الاولى (قوله: كذلك اخرى) مشيرا إلى الصورة الثانية (قوله: فانقدح انه لا فرق) فذلكة البحث عن الحادثين من أوله إلى آخره، وكأنه تعريض بشيخنا الاعظم (قدس سره) حيث لم يتعرض الا لما عرفت فيما لو جهل تاريخ احدهما دون الآخر ولجريان اصل العدم فيما لو جهل تاريخهما معا (قوله: لا فرق بينهما) الظاهر ان اصل العبارة: لا فرق بينهما (قوله: مختلفين) يعني كان احدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله (قوله: فيما اعتبر) متعلق بلا فرق، يعني إذا اعتبر في الموضوع خصوصية

٥٠٩

* في الموضوع خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم أو أحد ضديه وشك فيها، كما لا يخفى كما انقدح أنه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان

______________________________

مثل التقدم وأحد ضديه جرى اصل عدمه في جميع الصور (قوله: من التقدم) بيان لقوله (خصوصية) (قوله: كما انقدح انه لا مورد) هذا شروع في حكم تعاقب الحادثين المتضادين كالطهارة والنجاسة من حيث جواز استصحابهما إلى ما بعد زمان حدوثهما وقد وقع النزاع بين المحققين في جواز الاستصحاب في كل واحد منهما مع قطع النظر عن معارضته باستصحاب الآخر وعدمه فالمعروف بينهم هو الاول وذهب جمع إلى الثاني لوجوه (الاول) ما اشار إليه المصنف (ره) من عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بانتقاضه وهو زمان اليقين بحدوث الآخر، مثلا إذا طهر المحل في ساعة ونجس في الاخرى وشك في المتقدم والمتأخر فأريد استصحاب الطهارة مثلا في الساعة الثالثة لم يحرز اتصال الساعة الثالثة التي هي زمان الشك بزمان اليقين بالطهارة لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بالنجاسة بان تكون الطهارة في الساعة الاولى والنجاسة في الثانية ومع هذا الشك لا مجال للتمسك بدليل الاستصحاب لعدم احراز كونه من نقض اليقين بالشك وقد عرفت الكلام فيه مكررا فلا نعيد (الثاني) ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من ان منصرف دليل الاستصحاب كون الشك الذي لا يجوز نقض اليقين به شكا في البقاء والارتفاع، وليس هنا كذلك إذا الشك في المثال المذكور في بقاء الطهارة في الساعة الثالثة وارتفاعها في الساعة الثانية، لان الطهارة ان كانت واقعة في الساعة الثانية فهي باقية في الثالثة، وان كانت واقعة في الساعة الاولى فهي مرتفعة في الثانية لا في الثالثة، فالساعة الثالثة ليست زمان الشك في الارتفاع بل يعلم بعدم الارتفاع فيها إذ الارتفاع محتمل في الثانية لا غير (وفيه) أن دعوى الانصراف ممنوعة. نعم قوام الاستصحاب كون الشك شكا في البقاء وهو

٥١٠

حاصل، مع ان لازم دعوى الانصراف المذكور عدم جريان الاستصحاب في جميع موارد طروء محتمل الرافعية إذ الزمان الثاني بعد زمان طروئه ليس مما يحتمل فيه الارتفاع بل المحتمل الارتفاع في زمان محتمل الرافعية ولا يظن التزامه به بل لازمه انه لو احتمل وجود الرافع في زمان معين عدم جواز استصحاب المرفوع فيما بعد ذلك الزمان ولا يظن التزامه به أيضا (الثالث) ما ذكره ايضا شيخنا المتقدم من ان المنصرف من دليل الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين بمعنى ان لو انتقلنا من زمان الشك المتأخر إلى ما قبله من الازمنة وتقهقرنا إلى الوراء عثرنا على زمان اليقين بالمستصحب وليس هنا كذلك لان ما قبل الساعة الثالثة التي هي زمان الشك هو الساعة الثانية وهي ليست زمان اليقين بالطهارة أو النجاسة في المثال المتقدم، وما قبلها وهو الساعة الأولى أيضا ليست زمان اليقين بالطهارة ولا اليقين بالنجاسة لاحتمال كل منهما وقوعه فيها وفيما بعدها، وحيث انه ليس لنا زمان تفصيلي نتيقن فيه الطهارة والنجاسة امتنع الاستصحاب لانصراف الدليل عنه. نعم لا باس باستصحاب كل من الطهارة والنجاسة إلى الزمان الثاني اجمالا المتصل بزمان اليقين بحدوث كل منهما إلا أنه إنما يصح لو كان الأثر لمجرد بقاء الطهارة أو النجاسة في زمان ما اجمالا دون ما لو كان الأثر لثبوت احدهما في زمان تفصيلي كما في مثل صحة الصلاة ونجاسة الملاقي - بالكسر - المجعولان للطهارة والنجاسة في حال الصلاة والملاقاة (وفيه) أن دعوى الانصراف ممنوعة بل الظاهر من الأدلة اعتبار اليقين بوجود المستصحب والشك في بقائه لا غير وهو في المقام حاصل بلا ريب (الرابع) ما ذكره ايضا شيخنا المتقدم من ان قوام الاستصحاب الشك في امتداد المستصحب، وليس هنا كذلك، فان الحدث المجهول التاريخ في المقام إن كان سابقا على الزوال فهو مرتفع وليس له امتداد، وان كان لاحقا للزوال فهو باق وممتد، فلا شك في الامتداد على كل تقدير، بل الشك في التقدم والتأخر لا غير (وفيه) ان مرجع الشك في الامتداد إلى احتمال كل من الارتفاع والبقاء وهو حاصل كما ذكر في وجه المنع. نعم الشك المذكور ناشئ من الشك في التقدم والتأخر لا أنه عينه فهنا شكان: شك في

٥١١

كالطهارة والنجاسة وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في المقدم والمؤخر منهما وذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما وترددها بين الحالتين وأنه ليس من تعارض الاستصحابين فافهم وتأمل في المقام فانه دقيق (الثاني عشر) أنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب

______________________________

الامتداد وشك في التقدم والتأخر ينشأ اولهما عن ثانيهما (الخامس) ما يختلج في الذهن من ان البقاء تابع للحدوث والشك فيه تابع للعلم بالحدوث، فان كان الحدوث المعلوم بلحاظ الأزمنة التفصيلية فالبقاء لابد ان يكون كذلك، وان كان الحدوث بلحاظ الازمنة الاجمالية فالبقاء لابد ان يكون كذلك، ولا يصح اعتبار البقاء مع مخالفته للحدوث في الزمان بأن يكون الحدوث المعلوم بلحاظ الزمان التفصيلي والبقاء بلحاظ الزمان الاجمالي، وكذا العكس. إذ البقاء منتزع من وجود الحادث في الزمان المتصل بزمان حدوثه، فإذا كان زمان حدوثه مرددا بين آنين فالزمان الثاني المتصل به لابد أن يكون ايضا مرددا بين آنين والا لم يكن متصلا به. وكذا الحكم إذا كان زمان الحدوث معلوما تفصيلا فان البقاء لابد أن يكون في الزمان المتصل به المعلوم تفصيلا، وإذا كان الزمان الذى يقصد ابقاء الحادث فيه مرددا بين آنين لم يكن متصلا به. وعليه فإذا تردد زمان الحدوث بين زمانين وكان الأثر الشرعي مترتبا على البقاء في الجملة بمعنى الثبوت في الزمان الثاني المتصل بزمان الحدوث صح استصحاب الحادث واثباته في الزمان الاجمالي ليترتب عليه اثر بقائه كذلك، أما إذا كان الأثر مترتبا على وجوده في الزمان التفصيلي امتنع استصحابه ليترتب عليه الاثر المذكور لأن ثبوته في الزمان التفصيلي ليس بقاء لثبوته المردد بين الزمانين ليمكن اثباته بالاستصحاب لاختصاص الاستصحاب باثبات البقاء لا غير. وهذا الوجه متين جدا وان لم اعرف احدا ذكره، والله سبحانه ولي التوفيق والسداد (قوله: كالطهارة و) ومثلهما الطهارة والحدث (قوله: للشك) متعلق بقوله: وشك (قوله: وذلك لعدم) تعليل لقوله كما انقدح (قوله: وانه ليس من تعارض) قد عرفت انه محل اشكال ومحتاج إلى التأمل

٥١٢

لابد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك، فلا إشكال فيما كان المستصحب من الاحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية أو اللغوية إذا كانت ذات أحكام شرعية (وأما) الامور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعا هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الاعمال القلبية الاختيارية، فكذا لا اشكال في الاستصحاب فيها حكما وكذا موضوعا فيما كان هناك يقين سابق وشك لاحق لصحة التنزيل وعموم الدليل

______________________________

التنبيه الثاني عشر

(قوله: لابد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا) لما اشير إليه من امتناع تعبد الشارع الاقدس الا بشرطين (احدهما) ان يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا له لأن ما لا يكون كذلك خارج عن حيطة تصرفه بما هو شارع فلا مجال لتعبده به الذي هو نحو من تصرفه (ثانيهما) أن يكون الحكم الشرعي الملحوظ في مقام التعبد مما يترتب عليه أثر علمي فلو لم يكن كذلك - كما لو كان خارجا عن محل الابتلاء للمكلف - امتنع التعبد للغويته ومع اجتماعهما يجري الاستصحاب سواء كان الحكم المستصحب من الاحكام الاصلية ام الفرعية العملية ام الاعتقادية الالزامية ام اللاالزامية وسواء كان الموضوع المستصحب من الموضوعات العرفية ام الشرعية ام اللغوية لعموم دليل الاستصحاب من دون مخصص (قوله: الصرفة) اي التي ليس فيها شائبة الشرعية كالماء والتمر لا كالطهارة والنجاسة وغيرهما من الوضعيات التي تكون موضوعات للاحكام وتخصيص هذا القسم بالذكر لانه مظنة الاشكال (قوله: واما الامور الاعتقادية) حاصله: أن الامور الاعتقادية نوعان (الاول) ما كان الواجب فيه الاعتقاد فقط (والثاني) ما كان الواجب فيه المعرفة واليقين (اما الاول) فيجري فيه الاستصحاب موضوعا وحكما إذا اجتمعت فيه اركانه من اليقين بالوجود والشك

٥١٣

في البقاء فإذا شك في بقاء شئ يجب الاعتقاد به على تقدير بقائه استصحب بقاؤه ويترتب عليه وجوب الاعتقاد به، وإذا شك في وجوب الاعتقاد بشئ مع العلم بوجوب الاعتقاد به سابقا استصحب ويترتب عليه وجوب الاعتقاد به عقلا كما في سائر موارد استصحاب الوجوب، إذ لا فرق في الاثر الشرعي بين وجوب الاعتقاد ووجوب غيره كما لا فرق في العمل بين عمل الجوارح والجوانح (نعم) صحة ما ذكر تتوقف على مقدمتين (احداهما) أن الاعتقاد غير اليقين. إذ لو كان عينه كان هذا القسم هو القسم الثاني الذي يأتي حكمه (ثانيتهما) أن الاعتقاد بناء على مغايرته لليقين ليس من لوازم اليقين خارجا بل يمكن ان يتحقق مع الشك أو اليقين بالخلاف إذ لو كان من لوازمه امتنع التعبد بوجوبه في ظرف الشك بمتعلقه لاستحالة وجوده مع الشك (وملخص) الكلام في الاولى: أن المحكي عن اكثر المتكلمين ان الاعتقاد فعل اختياري للقلب غير اليقين ويقابله الجحود، وهذا هو ظاهر شيخنا الاعظم (ره) واستاذنا المصنف (ره) مستدلين عليه بالآيات والاخبار الدالة على ذلك كقوله تعالى: (جحدوا بها واستيقنتها انفسهم كفرا وعلوا) مضافا إلى الوجدان فانه شاهد بان عقد القلب على شئ أمر آخر وراء اليقين به كما عرفت ذلك في مبحث الموافقة الالتزامية (خلافا) لآخرين مستدلين ايضا بالوجدان وانه ليس شئ مما يعرض على النفس بعد اليقين بنبوة شخص مثلا إلا الرضا بنبوته والبناء عليها والعزم على اطاعته، ومن المعلوم أن ليس لأحد هذه الامور دخل في الاعتقاد فلا بد ان يكون عين اليقين (وفيه) منع انحصار الافعال بذلك بل هناك شئ وراءها وهو الالتزام بالنبوة ويكون الرضا بها من مقدماته (وملخص) الكلام في المقدمة الثانية، هو ان المحكي عن بعض المحققين ان الاعتقاد بعد البناء على مغايرته لليقين ملازم لليقين يمتنع اجتماعه مع الشك فضلا عن اليقين بالخلاف (وفيه) أن الاستدلال على المقدمة الاولى بما سبق شاهد ببطلان ذلك لدلالته على التفكيك بين الاعتقاد واليقين فانه كما يدل على مغايرتهما يدل على نفي اللزوم بينهما (هذا) كله في النوع الاول (واما النوع) الثاني فيمتنع جريان

٥١٤

وكونه أصلا عمليا إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبدا قبالا للامارات الحاكية عن الواقعيات فيعم العمل بالجوانح كالجوارح، وأما التي كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها فلا مجال له موضوعا ويجري حكما، فلو كان متيقنا بوجوب تحصيل القطع بشئ كتفاصيل القيامة في زمان وشك في بقاء وجوبه يستصحب، وأما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع إمكانه، ولا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا إلا إذا كان حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا فالاعتقادات كسائر الموضوعات لابد في جريانه فيها من أن يكون في المورد أثر شرعي يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه كان ذاك متعلقا بعمل الجوارح أو الجوانح. وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوة إذ كانت ناشئة من

______________________________

الاستصحاب فيه لعدم الأثر العملي لبقائه حتى يترتب بالاستصحاب ووجوب المعرفة ليست من آثار بقائه واقعا بل هو ثابت مطلقا حتى مع ارتفاعه. نعم لا مانع من جريان الاستصحاب في حكمه - أعني وجوب المعرفة لو شك في بقائه بعد اليقين بثبوته - كما لا مانع من جريان الاستصحاب في نفس الموضوع لو كان الاستصحاب مفيدا للظن وكان مما تكفي فيه المعرفة الظنية، لكن ذلك لا لأنه حجة بل لحصول المعرفة الظنية التي هي داخلة في المعرفة الواجبة ولو لم نقل بحجيته من باب الظن أولم نقل بحجيته أصلا والله سبحانه أعلم (قوله: وكونه أصلا عمليا) إشارة إلى توهم ان الاستصحاب من الاصول العملية فلا يجري في الامور الاعتقادية لأن الاعتقادية تقابل العملية. وحاصل الدفع: ان المراد من الاصل ما يقابل الامارة ومن العمل ما يعم العمل بالجوانح لا ما يقابل الاعتقاد (قوله: فلا مجال له) يعني لا مجال للاستصحاب فيها موضوعا فلا يصلح لاثبات نفس الموضوعات التي تجب معرفتها (قوله: ولا يكاد يجدي) يعني الاستصحاب وانما لا يجدي لعدم كونه معرفة (قوله: مع بقاء الشك) مثل

٥١٥

كمال النفس بمثابة يوحى إليها وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات وعدم أثر شرعي مهم لها يترتب عليها باستصحابها (نعم) لو كانت النبوة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية وان كان لابد في اعطائها من أهلية وخصوصية يستحق بها لها لكانت موردا للاستصحاب بنفسها فيترتب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها

______________________________

وجوب الاعتقاد كما تقدم لا مثل وجوب المعرفة (قوله: وعدم اثر شرعي) معطوف على عدم كونها مجعولة يراد من الواو معنى (مع) لأن عدم كونها مجعولة لا يكفي في المنع عن استصحابها إلا مع عدم أثر شرعي لها (فان قلت): كيف لا يكون لها أثر شرعي مع أن وجوب العمل باحكام النبي من آثارها ؟ (قلت): وجوب العمل بالأحكام ليس من آثار النبوة بهذا المعنى إذ لو علم ببقائها بهذا المعنى لا يجب العمل بالأحكام مع العلم بحدوث شريعة أخرى لنبي بعده بل هو من آثار النبوة بمعنى المنصب الالهي المجعول الذي سيأتي انه لا مانع من استصحابها وترتيب آثارها الشرعية والعقلية. ومن هنا كان المناسب للمصنف (ره) التنبيه على الفرق بينهما من هذه الجهة حتى لا يتوهم الايراد عليه بأن النبوة ان كان لها أثر مصحح للاستصحاب جرى استصحابها سواء كانت من الملكات أم المناصب المجعولة وإلا لم يصح مطلقا أيضا، وكأنه لوضوح الحال لم يتعرض لبيانه فتأمل جيدا (قوله: موردا للاستصحاب) لاجتماع اركانه (قوله: آثارها ولو كانت عقلية) الظاهر أن وجوب العمل بالاحكام من الآثار العقلية للنبوة من قبيل وجوب العمل بسائر الحجج ويكفي في صحة استصحابها ترتبه كما يفكي أيضا في استصحاب الحجية، ولعل الشك في بقاء الحجية كاف في نظر العقل في وجوب

٥١٦

لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها والا لدار كما لا يخفى. وأما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها فلا اشكال فيها كما مر. ثم لا يخفى أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلا إذا اعترف بانه على يقين فشك فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودل عليه الدليل كما لا يصح أن يقنع به إلا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل. ومنه انقدح انه لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلا

______________________________

ترتيب آثارها وان لم يقم دليل على حجية الاستصحاب، كما ان الشك في حدوث الحجية كاف في نظر العقل في جواز ترتيب آثار عدمها وان لم يقم دليل على حجية الاستصحاب نعم لو ثبت دليل على الاستصحاب كان واردا على حكم العقل في المقامين فيكون حال النبوة كذلك. فتأمل (قوله: لكنه يحتاج إلى دليل) يعني أن إجراء الاستصحاب في النبوة يتوقف على العلم بحجية الاستصحاب مع قطع النظر عن النبوة السابقة وإلا لزم الدور لأن بقاء النبوة يتوقف على حجية الاستصحاب وهي تتوقف على بقاء النبوة. ثم إنه قد يتوهم انه يكفي في صحة استصحاب النبوة كون حجيته ثابتة في كلتا الشريعتين (وفيه) أن ثبوته في الشريعة اللاحقة لا ينفع لعدم صلاحية دليله لعموم الحكم للنبوة السابقة المشكوكة لأنه يلزم من هذا العموم عدمه لأن بقاء النبوة السابقة يقتضي بطلان النبوة اللاحقة الملزوم لبطلان العموم فالشك فيها يستلزم الشك في صحة العموم. نعم اشتراك الشريعتين في حجية الاستصحاب يقتضي العلم بالحكم الظاهري الذي يكون واقعه مجرى للاستصحاب مع الشك فيه بالنظر إلى كلتا الشريعتين. هذا ويمكن استصحاب النبوة بالنظر إلى ما عرفته في الحاشية السابقة من حكم العقلاء فلاحظ (قوله: فلا اشكال) قد عرفت انه من الاستصحاب التعليقي فيتوقف على القول به (قوله: لا يكاد يلزم به) يعني ان الاستدلال بالاستصحاب في كل مقام إما ان يكون غرض المستدل به الزام خصمه وابطال دعواه، واما ان يكون غرضه اقناع نفسه واثبات دعواه،

٥١٧

لا إلزاما للمسلم لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة واليقين بنسخ شريعته وإلا لم يكن بمسلم، مع انه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بانه على يقين وشك، ولا اقناعا مع الشك للزوم معرفة النبي بالنظر إلى حالاته ومعجزاته عقلا وعدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه

______________________________

فان كان الغرض الأول توقف على امور (الأول) كون الخصم متيقنا بالثبوت شاكا في البقاء إذ لولاه لم يصح أخذه بالاستصحاب (الثاني) أن يكون للمستصحب أثر شرعي مصحح للتعبد كما تقدم (الثالث) أن يعتقد الخصم قيام الدليل على الاستصحاب وإلا فكيف يلتزم به. وان كان الغرض الثاني توقف أيضا على هذه الامور لكن بالاضافة إلى المستدل بان يكون متيقنا بالثبوت شاكا في البقاء، وان يكون في المورد أثر مصحح في نظره وان يعتقد قيام الدليل عليه (قوله: لعدم الشك) يعني للعلم ببقائها فهو إشارة إلى انتفاء الاول (قوله: قائمة بنفسه) هذا يدل على أخذ النبوة بمعني صفة النفس، وعليه كان المناسب التنبيه على انتفاء الشرط الثاني وهو عدم الاثر لها بهذا المعنى، بل وانتفاء الثالث وهو عدم الدليل على حجية الاستصحاب لما عرفت من أن ثبوته في شريعتنا لا يكفي لعدم عموم الدليل لمورد الالزام لانه يلزم من وجوده عدمه. نعم لو ثبت ما تقدم من كون دليله العقل في خصوص الحجية ونحوها تم وسيأتي (قوله: واليقين بنسخ) يعني لو كان مراده استصحاب نفس الشريعة (قوله: لا يكاد يلزم) يعني في الظاهر وإلا ففي الواقع يلزم مع شكه في البقاء وان لم يعترف به (قوله: بالنظر إلى) متعلق بمعرفة ومثله قوله: عقلا (قوله: وعدم الدليل) إشارة إلى انتفاء الشرط الثالث (قوله: لا عقلا) قد عرفت امكان دعوى لزوم التعبد عقلا لكنه تجب المعرفة عقلا مع احتمال حصولها (قوله: والاتكال على) نقض لقوله: لا شرعا، بتوهم أن ثبوته في

٥١٨

إلا على نحو محال ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال للعلم بثبوت إحداهما على الاجمال إلا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال (الثالث عشر) أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام لكنه ربما يقع الاشكال والكلام فيما إذا خصص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام (والتحقيق) أن يقال: إن مفاد العام (تارة) يكون بملاحظة الزمان ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام (وأخرى) على نحو جعل كل يوم من الايام فردا لموضوع ذاك العام وكذلك مفاد مخصصه (تارة) يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه (وأخرى) على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه فان كان مفاد كل من

______________________________

شريعتنا كاف في ثبوته شرعا (قوله: على نحو محال) كما اشرنا إليه سابقا حيث أن الاعتماد فيه على شريعتنا يتوقف على العلم بصدق الشريعة ويلزمه العلم بارتفاع الشريعة الأولى فلا شك فيها ليصح التعبد ببقائها (قوله: ووجوب العمل) معطوف على لزوم المعرفة (قوله: بمراعاة) متعلق بالاحتياط (قوله: للعلم بثبوت) متعلق بوجوب العمل وتعليل له (قوله: الا إذا علم بلزوم) كما عرفت انه قريب جدا في نظر العقل

التنبيه الثالث عشر

(قوله: مع دلالة مثل العام) لحكومته على الاصول ومنها الاستصحاب كما سيأتي انشاء الله تعالى تفصيله (قوله: ربما يقع الاشكال) ووجهه الاشكال في حجية العام فيما بعد زمان التخصيص وعدمها (قوله: ثبوت حكمه لموضوعه) (ثبوت) مبتدأ خبره (على نحو) والجملة خبر (يكون) وضمير (حكمه) و (موضوعه) راجع إلى العام يعني يكون الزمان ظرفا للنسبة ويكون المجعول لكل فرد من افراد العام حكما واحدا مستمرا (قوله: فردا لموضوع ذاك العام) يعني لوحظ

٥١٩

العام والخاص على النحو الاول فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته لعدم دلالة للعام على حكمه لعدم دخوله على حدة في موضوعه، وانقطاع الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق فلا مجال إلا لاستصحابه

______________________________

الزمان قيدا للموضوع على نحو يكون كل يوم أو كل ساعة قيدا للموضوع في قبال غيره من الايام والساعات فيكون كل فرد من افراد العام كزيد وعمرو منحلا إلى افراد متباينة لتباين الايام أو الساعات المأخوذة قيدا لها (قوله: على النحو الاول) يعني المجعول ظرفا لاستمرار النسبة (قوله: في غير مورد دلالته) الضمير راجع إلى الخاص والمراد ما بعد زمان الخاص (قوله: لعدم دلالة للعام) يعني انما يرجع إلى العام فيما كان دالا عليه والعام لا يدل على ثبوت الحكم للفرد في الزمان الثاني في قبال دلالته على حكمه في الزمان السابق حتى يحكم بحجيته فيه مع الحكم بعدم حجيته على ثبوته في الزمان السابق، بل العام إنما يدل على ثبوت حكم واحد مستمر إلى نهاية الزمان فإذا دل الخاص على انقطاع الحكم في زمان معين فلما كان الحكم في الزمان الذي بعده غير الحكم الاول فلم يدل عليه العام وسقط عن الحجية كان المرجع الاستصحاب (فان قلت): لا ريب في ان الحكم المجعول لكل واحد من الافراد بملاحظة الزمان المأخوذ قيدا للنسبة أو الحكم منحل إلى احكام متعددة بتعدد اجزاء الزمان كما هو شأن جميع الامور الممتدة المستمرة فدلالة العام على الحكم المذكور المنحل إلى الاحكام الضمنية تنحل ايضا إلى دلالات ضمنية بالاضافة إلى تلك الاحكام الضمنية فدلالة الخاص انما تنافي بعض تلك الدلالات الضمنية اعني دلالة العام على الحكم الضمني في زمان الخاص لا غير، فسقوط حجية تلك الدلالة للعام لا تقتضي سقوط حجية دلالته على غيره، ومقتضى ذلك وجوب الرجوع إلى دلالة العام لا إلى الاستصحاب (قلت): ما ذكرت مسلم الا ان دلالة العام على كل واحد من تلك الاحكام الضمنية التدريجية (تارة)

٥٢٠