حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 208441
تحميل: 4789


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208441 / تحميل: 4789
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

بينهما التضاد في زمان الاستصحاب فهو من باب تزاحم (١) الواجبين وان كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما (فتارة) يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية لمستصحب الآخر فيكون الشك فيه مسببا عن الشك فيه كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة وقد كان طاهرا (وأخرى) لا يكون كذلك فان كان أحدهما أثرا للآخر فلا مورد إلا للاستصحاب في طرف السبب

______________________________

من درهم واحد فانه يستصحب وجود الامرين معا ويتخير بينهما ان لم يكن اهم والا تعين عليه (فان قلت). يعلم بعدم فعلية احدهما فكيف يجري الاستصحاب فيهما (قلت): العلم المذكور لا يمنع في المقام لان عدم الفعلية المعلوم انما هو لقصور في المكلف لا التكليف ومثله لا ينافي العلم بالوجوب فضلا عن استصحابه (فان قلت): لا يترتب الاثر على كل منهما لعدم القدرة فلا يجري الاستصحاب الا في احدهما ويترتب على ذلك ان لو كان احدهما اهم لم يتعين جريان الاستصحاب فيه ليلزم بعينه (قلت): يكفي في الاثر العملي كونه تخييريا

تعارضه الاستصحابين

(قوله: كالشك في نجاسة) يعني إذا كان ثوب نجس قد طهر بماء مشكوك الطهارة حال التطهير به معلوم الطهارة قبل ذلك فان الشك في طهارة الثوب ونجاسته ناشئ من الشك في طهارة الماء ونجاسته، لان طهارة الثوب من آثار طهارة الماء والشك في الاثر ناشئ من الشك في الموضوع (قوله: الا للاستصحاب في طرف) يعني يجري في المثال المذكور استصحاب طهارة الماء فيحكم بطهارة

______________

(١) فيتخير بينهما إن لم يكن أحد المستصحبين أهم وإلا فيتعين الاخذ بالاهم ولا مجال لتوهم انه لا يكاد يكون هناك اهم لاجل ان ايجابهما انما يكون من باب واحد وهو استصحابهما من دون مزية في احدهما اصلا كما لا يخفى وذلك لان الاستصحاب انما يتبع المستصحب فكما يثبت به الوجوب والاستصحاب يثبت به كل مرتبة منهما فتستصحب فلا تغفل. منه قدس سره

٥٤١

فان الاستصحاب في طرف المسبب وموجب لتخصيص الخطاب

______________________________

الثوب ولا يجري استصحاب نجاسة الثوب (قوله: فان الاستصحاب في طرف) تعليل لتقديم الاستصحاب في السبب على الاستصحاب في المسبب، يعني لا مجال لرفع اليد عن الاستصحاب في السبب وهو طهارة الماء لاجتماع اركان الاستصحاب فيه من اليقين بالثبوت والشك في البقاء، ومقتضاه الحكم بطهارة الثوب، ولا مجال لمعارضته بالاستصحاب في المسبب الذي هو نجاسة الثوب مع اجتماع اركانه فيه ايضا من اليقين بالثبوت والشك في البقاء، لأن رفع اليد عن نجاسة الثوب ليس من نقض اليقين بالشك حتى يمتنع بل هو من نقض اليقين باليقين لأن الحكم بطهارة الماء بوجب اليقين بطهارة الثوب ظاهرا، فنقض اليقين بالنجاسة كان باليقين بالطهارة الظاهرية لا بالشك ويكون المقام كما لو علم بنجاسة الثوب ثم قامت الامارة على طهارته فانه لا ريب في وجوب الأخذ بالامارة لما تقدم من أن الامارة لما كانت موجبة لليقين بالطهارة الظاهرية كان رفع اليد عن اليقين بالنجاسة باليقين بالطهارة الظاهرية، وكذا نقول في المقام: اليقين بالنجاسة للثوب ينتقض باليقين بالطهارة الظاهرية الحاصل بتوسط استصحاب طهارة الماء إذ لا معنى لطهارة الماء ظاهرا الا جعل آثارها ظاهرا ومنها طهارة ما يغسل به فلا يكون رفع اليد عن النجاسة من نقض اليقين بالشك بل باليقين (فان قلت): فليجر الاستصحاب في نجاسته الثوب ولا يجر في طهارة الماء (قلت): يلزم تخصيص دليل الاستصحاب من غير مخصص وهو ممتنع (فان قلت): إذا عم الدليل الشك في نجاسة الثوب امتنع عمومه للشك في طهارة الماء فليكن تخصيص دليل الاستصحاب بالاصافة إلى الشك في طهارة الماء بذلك (قلت): قد تقدم أن هذا دور لان عموم الدليل للشك في نجاسة الثوب يتوقف على تخصيصه بالاضافة إلى الشك في طهارة الماء، فلو توقف تخصيصه كذلك على العموم المذكور كان دورا كما تقدم تفصيله سابقا وانما كررناه بقصد الايضاح (هذا) ولكن عرفت الاشكال في ذلك وعمدته. أن الشك في نجاسة الثوب إذا لم برفع لا حقيقة ولا تنزيلا كان موضوعا لعموم حرمه النقص ومقتضاه ثبوت النجاسة للثوب فإذا كان

٥٤٢

الشك في طهارة الماء أيضا موضوعا لذلك العموم كان مقتضاه طهارة الثوب فيكون الثوب بجريان الاستصحاب في الشكين محكوما بالنجاسة والطهارة معا وهو ممتنع واليقين بالطهارة الظاهرية للثوب الحاصل باستصحاب طهارة الماء لا يوجب ارتفاع الشك بالطهارة الواقعية، فيكون رفع اليد عن اليقين بالنجاسة الواقعية للثوب من نقض اليقين بالشك. فلاحظ ما تقدم وتأمل. ثم إن الاشكال في تقديم الأصل السببي على الأصل المسببي لا يختص بالاستصحابين بل يجري في غيرهما فانه لا اشكال في جريان اصالة الطهارة في الماء في المثال المذكور لو لم يكن له حالة سابقة ويترتب عليه طهارة الثوب النجس المغسول به مع جريان استصحاب نجاسته في نفسه، فيكون أصل الطهارة السببي مقدما على استصحاب النجاسة المسببي فدفع الاشكال لابد أن يكون مطردا (وربما) يدفع في الجميع بأن الأصل السببي ناظر إلى مؤدى الأصل المسببي ولا عكس فيكون الأصل الناظر مقدما على الاصل المنظور إليه (أما) انه ناظر إليه فلأن معنى طهارة الماء الثابتة بالاصل السببي استصحابا كان أم غيره طهارة ما يغسل به وارتفاع نجاسته التي هي مؤدى الاصل المسببي وليس معنى نجاسة الثوب نجاسة الماء المغسول به (وأما) كون النظر المذكور موجبا للتقديم فلانه يكون من قبيل الحكومة التي لا ريب في تقديم الحاكم فيها على المحكوم (وفيه) أن النظر الموجب للتقديم عرفا هو نظر أحد الدليلين إلى الآخر لا نظر أحد الدليلين إلى مؤدى الآخر فان استصحاب النجاسة واصالة الطهارة الجاريين في محل واحد منهما مناط التقديم على الآخر مع كون كل منهما ناظرا إلى مؤدى الآخر (اللهم) إلا أن يكون المراد أنه لما كان الشك في الحكم ناشئا من الشك في الموضوع فكان التعبد بالحكم مستفادا من التعبد بالموضوع. صعب على الذهن ملاحظة الشك في الحكم من حيث نفسه ليتطلع على حكمه من حيث كونه شكا في الحكم بل بلاحظ الشك في الحكم تبعا للشك في الموضوع فيستفيد حكمه من حكمه: وهذا مما لا مجال للتأمل فيه فانه إذا شك في طهارة الثوب للشك في طهارة الماء الصب الذهن إلى نعرف حال الماء فإذا حكم عليه بانه طاهر

٥٤٣

وجواز نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم ترتيب اثره الشرعي، فان من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته بخلاف استصحاب طهارته إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة الثوب بالشك بل باليقين بما هو رافع لنجاسة وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته (وبالجملة) فكل من السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب إلا أن الاستصحاب في الأول بلا محذور بخلافه في الثاني ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلا بنحو محال فاللازم الأخذ بالاستصحاب السببي. نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا فانه لا محذور فيه حينئذ مع وجود أركانه وعموم خطابه وإن لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر فالاظهر جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم اجمالا لوجود المقتضي إثباتا وفقد المانع عقلا أما وجود المقتضي فلاطلاق الخطاب وشموله للاستصحاب في أطراف المعلوم بالاجمال

______________________________

ولو ظاهرا اقتنع به ولا يلتفت إلى كون الثوب مما يشك في زوال نجاسته وهي محكومة بالبقاء، وعلى هذا استقرت طريقة العقلاء في هذا الباب حتى أن إعمال التعارض بين الاصل السببي والمسببي يحتاج إلى عناية وتدبر لا يقبله الذهن باول نظر وهذا هو المنشأ لتقديم الاصل السببي على المسببي في نظر العرف، ولذلك ترى زرارة مع ما هو عليه من الجلالة لم يتعرض للسؤال عن معارضة استصحاب الطهارة باستصحاب عدم تحقق الصلاة، وكفى بالصحيحتين شاهدا على هذا التقديم المذكور والله سبحانه أعلم (قوله: وجواز) بيان ل‍ (تخصيص) (قوله: بعدم) متعلق بنقض (قوله: بما هو رافع) قد عرفت انه ليس برافع واقعي فلا يقين بالارتفاع الواقعي بل هو مشكوك (قوله: بنحو محال) قد تقدم بيانه (قوله: من الآثار للآخر) كما في موارد العلم الاجمالي (قوله: فالاظهر جريانهما) يعني أن الاظهر جريان الاستصحاب

٥٤٤

* فان قوله عليه السلام في ذيل بعض أخبار الباب، ولكن لم تنقض اليقين باليقين

______________________________

في كل واحد من الأطراف إلا إذا كان العلم الاجمالي متعلقا بتكليف الزامي فعلي فانه يمتنع حينئذ جريان الاصل في اطرافه للزوم الترخيص في محتمل المعصية وهو قبيح كما تقدم توضيح ذلك في الاشتغال وغيره (قوله: فان قوله (ع): في ذيل) إشارة إلى الاشكال الذي ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) في رسائله في هذا المقام المانع على تقدير تماميته من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي (وحاصل) تقريبه: انه إذا علمنا بنجاسة أحد الاناءين الطاهرين فهذا العلم الاجمالي بالنجاسة لما كان خلاف اليقين بالطهارة السابقة وجب نقضه به عملا بقوله (ع): ولكن تنقضه بيقين آخر، فلو بني على شمول قوله (ع): اليقين لا ينقض بالشك، لكل واحد من الاناءين حيث أن كلا منهما مشكوك الطهارة كان ذلك تناقضا إذ الاناء المعلوم بالاجمال الذي يجب البناء على طهارته بمقتضي قوله (ع): ولكن تنقضه... الخ، ليس اناء ثالثا غيرهما بل هو أحدهما فيكون الحكم بنجاسته مناقضا للحكم بطهارتهما تناقض السلب الكلي والايجاب الجزئي، وإذا لزم من شمول الدليل للطرفين التناقض كان محالا لاستحالة لازمه (وقد) أجاب المصنف (ره) في المتن (أولا) بأن قوله (ع): ولكن تنقضه بيقين... الخ، ليس حكما شرعيا ظاهريا حتى يناقض تطبيقه على المعلوم بالاجمال تطبيق صدر الدليل على اطرافه لامتناع جعل الحكم الظاهري في ظرف العلم ولا واقعيا لامتناء أخذ العلم موضوعا لمتعلقه، بل مفاده حكم ارشادي محض إلى حكم العقل من طريقية العلم إلى متعلقه، وكونه غايه لانقطاع حكم الأصل، ومقتضى ذلك عدم جريان الاستصحاب في المعلوم بالاجمال، أما جريانه في الاطراف فلا يمنع منه إلا أن يكون علما بتكليف الزامي منجز لا مطلقا (وثانيا) بأن التناقض بين الصدر والذيل إنما يمنع عن التمسك بالنص المشتمل على ذلك الذيل لاجماله باقترانه بما يصلح للقرينية لا مطلقا فان ما لم يشتمل على الذيل لا قصور في شمول اطلاقه

٥٤٥

لو سلم أنه يمنع عن شمول قوله - عليه السلام - في صدره: لا تنقض اليقين بالشك، لليقين والشك في أطرافه للزوم المناقضة في مدلوله، ضرورة المناقضة بين السلب الكلي والايجاب الجزئي إلا أنه لا يمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار مما ليس فيه الذيل، وشموله لما في أطرافه فان إجمال ذاك الخطاب لذلك لا يكاد يسري إلى غيره مما ليس فيه ذلك، وأما فقد المانع فلاجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب إلا الخالفة الالتزامية وهو ليس بمحذور لا شرعا ولا عقلا. ومنه قد انقدح عدم جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلا أصلا ولو في بعضها لوجوب الموافقة القطعية له عقلا في جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية كما لا يخفى (تذنيب) لا يخفى أن مثل

______________________________

للاطراف ولا مانع عنه حيث لم يذيل بما ذكر (اللهم) إلا أن يقال بأن الذيل يوجب صدر الصدر عن عموم الأطراف لقوة ظهوره، وحينئذ فيعارض ما لم يشتمل من النصوص عليه فيوجب صرفه عنها أيضا، وقد يشكل أيضا ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) بأن اللازم عدم جريان الاصل في جميع موارد العلم الاجمالي بالانتقاض كما لو توضأ بمائع مردد بين البول والماء، وربما يحكي عنه في مجلس بحثه الشريف دفع ذلك بدعوى ظهور اليقين في الذيل بما كان منجزا لا مطلقا، وهو وإن كان دافعا لما ذكر إلا انه يرد عليه أن اللازم جريان الاستصحاب فيما لو علم بطهارة أحد النجسين اجمالا، مع انه صرح بعدم الفرق بينه وبين ما لو علم بنجاسة أحد الطاهرين اجمالا في عدم جريان الاستصحاب في المقامين فلاحظ (قوله: لو سلم) إشارة إلى الاشكال الاول (قوله: لا يوجب إلا المخالفة) يعني في محل الكلام، أعني ما يلزم منه المخالفة العملية للتكليف الفعلي كما صدر به البحث ويأتي (قوله: ليس بمحذور) كما تقدم (قوله: محذور المخالفة) الممنوع عنها عقلا فيمتنع جريانه لانه ترخيص في المعصية.

٥٤٦

قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه وأصالة صحة عمل الغير إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية إلا القرعة يكون مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد ما شك فيه من الموضوعات

______________________________

تعارض الاستصحاب والقواعد

(قوله: قاعدة التجاوز) هي الحكم بوجود الشئ المشكوك بعد الدخول في غيره مما هو مرتب عليه المستفاد من صحيح زرارة: إذا خرجت من شئ ودخلت في غيره فشكك ليس بشئ، ومعتبر اسماعيل بن جابر: كل شئ شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه، وربما يقتضيه أيضا موثقة ابن ابي يعفور: إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه (قوله: في حال الاشتغال) لم يظهر من النصوص اعتبار الاشتغال بالعمل في جريانها، فلعل المراد صحة جريانها حال الاشتغال. فتأمل (قوله: وقاعدة الفراغ) وهي عبارة عن الحكم بصحة الفعل الموجود في ظرف الشك في صحته المستفادة من موثق ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه، كما هو المعتضد ببناء العقلاء على صحة ما شك في صحته من فعل نفسه وفعل غيره، ومن هنا يظهر لك الوجه في سند اصالة صحة عمل الغير، مضافا إلى ما ادعاه شيخنا الأعظم (قدس سره) من الاجماع القولى والعملي عليها وانه لولاها لاختل نظام المعاد والمعاش (قوله: يكون مقدمة على) اعطاء هذه الكلية غير ظاهر لأن بعض القواعد الموضوعية يقدم عليها الاستصحاب، كقاعدة الحرية وقاعدة الطهارة، إلا أن يكون المراد ما يكون نسبة دليله إلى دليل الاستصحاب نسبة دليل القواعد الثلاث إلى دليله (قوله: على استصحاباتها) يعني الاستصحابات الجارية في تلك الشبهات الموضوعية مثل اصالة عدم الاتيان بالمشكوك أو عدم تحقق ما تكون به الصحة (قوله: المقتضية لفساد) قد لا تكون الاستصحابات مقتضية للفساد لعدم تجاوز محل التدارك أو لكون المتروك مما لا يكون تركه مفسدا بل يترتب

٥٤٧

لتخصيص دليله بادلتها، وكون النسبة بينه وبين بعضها عموما من وجه لا يمنع عن تخصيصه بها بعد الاجماع على عدم التفصيل بين مواردها مع لزوم قلة المورد لها جدا لو قيل بتخصيصها بدليلها إذ قل مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها كما لا يخفى، وأما القرعة فالاستصحاب في موردها يقدم عليها لأخصية دليله من دليلها لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها واختصاصها بغير الاحكام إجماعا لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها، هذا مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجا

______________________________

عليه قضاؤه أو سجود السهو إذ مجرى قاعدتي التجاوز والفراغ أعم من ذلك، بل كذا مجرى اصالة الصحة فانها بمعني التمامية مقابل النقصان (قوله: لتخصيص دليله) تعليل لكونها مقدمة على الاستصحاب، يعني أن الوجه في تقديمها عليه وجوب تخصيص دليله بدليلتها إما لأنه أخص منه فيدخل تحت قاعدة وجوب تخصيص العام بالخاص أو لأن بينهما العموم من وجه إلا أنه يجب ادخال مورد الاجتماع تحت دليلها واخراجه عن دليله لأنه لو بنى على العكس لم يبق لدليلها إلا مورد نادر يمتنع عند أهل اللسان سوقه لبيان حكمها فقط. مضافا إلى الاجماع على عدم الفصل بين مواردها الموجب لدوران الامر بين طرح دليلها بالمرة وتخصيص دليل الاستصحاب به ولا ريب ان الثاني متعين (قوله: وبين بعضها) كقاعدتي الفراغ والصحة فانه يكون المشكوك مما لا يجري فيه أصل العدم لكون مورده مما تعاقب فيه الحالتان وفرض ذلك في قاعدة التجاوز أيضا ممكن (قوله: واختصاصها بغير) يعني فيتوهم لذلك أن بينها عموما من وجه لعموم دليل الاستصحاب للاحكام دونها وعمومها لما ليس له حالة سابقة دونه (قوله: بعد عموم لفظها) يعني الذي هو المعيار في عموم النسبة وخصوصها لعدم الترتب بين المخصصات حتى يتعين تخصيص العام بواحد منها ثم تلحظ النسبة بين العام وبين الباقي بل هي في رتبة واحدة كل منها أخص مطلقا من العام، وسيأتي انشاء الله بيانه في محله. (قوله: بكثرة تخصيصه)

٥٤٨

إلى الجبر بعمل المعظم كما قيل، وقوه دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل (لا يقال): كيف يجوز تخصيص دليها بدليله وقد كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا لحكمه وموجبا لكون اليقين باليقين بالحجة على خلافه كما هو الحال بينه وبين أدلة سائر الامارات فيكون ههنا أيضا من دوران الامر بين التخصيص بلا وجه غير دائر والتخصص (فانه يقال): ليس الامر كذلك فان المشكوك مما كانت له حالة سابقة وان كان من المشكل والمجهول والمشتبه بعنوانه الواقعي إلا أنه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك وللظاهر من دليل القرعة ان يكون منها بقول مطلق لا في الجملة، فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق عليه حقيقة رافع لموضوعه أيضا فافهم، فلا بأس برفع اليد عن دليلها عن دوران الامر بينه وبين رفع اليد عن دليله لوهن عمومها وقوة عمومه كما أشرنا إليه آنفا والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله باطنا وظاهرا

______________________________

الموجب لضعف اصالة الظهور فيه (قوله: إلى الجبر بعمل) أقول: النصوص الدالة على ثبوت القرعة قيل: انها متواترة، وعليه فلا تحتاج إلى جبر السند وجبر الدلالة بالعمل غير واضح (قوله: كيف يجوز تخصيص) هذا ايراد على ما ذكر أولا من تخصيص دليلها بدليله لا أخيرا والا فبعد اجمال المراد بكثرة التخصيص لا مجال للورود أو الحكومة (قوله: رافعا لموضوع دليله) يعني بناء على ما يظهر من جملة من النصوص من انها امارة مثل ما في الحديث الذي رواه زرارة (ره): ليس من قوم فوضوا أمرهم إلى الله ثم اقترعوا إلا خرج سهم المحق (قوله: فان المشكوك مما كانت) يعني أن القرعة وان كانت امارة إلا أنها انما تكون واردة على الاستصحاب لو كان موضوعها مجهول الحكم بالعنوان الاولي الواقعي لأنها حينئذ تكون كسائر الامارات حجة بمجرد الجهل بحكم المورد من حيث عنوانه الواقعي وإذا كانت حجة ارتفع موضوع الاستصحاب

٥٤٩

فتكون واردة عليه أما لو كان موضوعها مجهول الحكم بلحاظ كل عنوان ولو كان مثل عنوان نقض اليقين بالشك كان الاستصحاب واردا عليها لأنه يوجب العلم بحكم المورد من حيث طروء عنوان نقض اليقين بالشك فيرتفع موضوعها. (هذا) ولكن يمكن ان يخدش (اولا) بانه على هذا لا وجه لدعوى كون دليل الاستصحاب مخصصا لدليلها لاعتبار الحالة السابقة فيه دونها كما تقدم منه (وثانيا) بانه لم يظهر الوجه الفارق بينها وبين سائر الامارات في اعتبار الجهل بلحاظ كل عنوان في موضوعها دون موضوعها (وثالثا) بانه قد تقدم ان العمدة في تقديمه الامارات على الاستصحاب اعتبار ذلك أيضا في موضوعه وعليه يكون حاله حال القرعة فتأمل (فالاولى) أن يقال: ان نصوص القرعة (إن كانت واردة) في موارد خاصة مثل قطيع غنم نزى الراعي على واحدة منه وما لو وقع الحر والعبد والمشرك على امرأة فادعى كل منهم الولد، وما لو اوصى بعتق ثلث مماليكه وغير ذلك فحكمه أنه يجب العمل به في خصوص مورده إذا جمع شرائط الحجية. (وإن) كان مثل: القرعة لكل امر مشكل، فحكمه أنه يقدم عليه الاستصحاب لأن الظاهر من المشكل ما يصعب حله فلا يشمل موارد الاستصحاب. (وان كان) مثل: كان مجهول ففيه القرعة - كما في رواية محمد ابن حكيم وغيره - فحكمه انه وان كان يعم موارد الاستصحاب الا انه يجب تخصيصه بدليله لأنه اخص ولا سيما مع وهنه بكثرة التخصيص - كما اشار إليه قدس سره - ومن هذا يتضح لك وجه النظر فيما في بيان المصنف (ره) ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم. والحمد لله رب العالمين. هنا انتهي ما اردنا تعليقه على كلام شيخنا (قدس سره) من مباحث الاستصحاب في جوار الحضرة العلوية المقدسة على صاحبها افضل الصلاة والسلام ليلة الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة من النسة السابعة والاربعين بعد الالف والثلمائة هجرية وله الحمد دائما أبدا

٥٥٠

هذا مبحث التعادل والتراجيح

بسم الله الرحمن الرحيم

المقصد الثامن في تعارض الأدلة والامارات

(فصل) التارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام الاثبات على وجه التناقض أو التضاد

______________________________

التعادل والتراجيح

(قوله: تنافى الدليلين أو الادلة) المعروف تعريف التعارض بانه تنافي مدلولي الدليلين، وربما اضيف إليه قولهم: على وجه التناقض أو التضاد، وقد عدل عنه إلى ما ذكره في المتن (اقول): اما اضافة قيد التناقض والتضاد فالظاهر ان الباعث عليها دفع توهم اختصاص التعارض بما كان مدولهما متناقضين - كما يقتضيه الجمود على مفهوم التنافي - لكن لا يخفى انه إذا عممنا المدلول للمدلول الالتزامي العقلي فالدليلان الدالان على المتضادين بالمطابقة دالان على المتناقضين بالالتزام فلو قيدنا التنافي بالتناقض فقط كان التعريف عاما فضلا عما إذا جرد عن القيد فلا مقتضي إذا لتكلف التقييد. (واما) وجه عدول المصنف (ره) عنه إلى ما في المتن فلانه يشمل ما كان بينهما حكومة أو جمع عرفي مع انه ليس كذلك، ولذا لا تجرى عليها احكام التعارض من الترجيح أو التخيير، بخلاف ما في المتن فانه لا يشملهما. (اما) شمول الاول فواضح حيث ان كلا من الحاكم والمحكوم في نفسه يدل على خلاف ما يدل عليه الآخر. (واما) عدم شمول الثاني فلأن الجمع العرفي ولو للحكومة مانع من كون كل منهما حجة في خلاف الآخر بل يقتضي ان يكون حجة فيما لا ينافي الآخر (اقول): يمكن دعوى ذلك في تعريف المشهور بأخذ عنوان المدلول قيدا لذات المدلول لا مرآة محضا إذ

٥٥١

حقيقة أو عرضا بأن علم بكذب أحدهما إجمالا مع عدم امتناع اجتماعهما أصلا وعليه فلا تعارض بينهما بمجرد تنافي مدلولهما إذا كان بينهما حكومة رافعة للتعارض والخصومة بان يكون أحدهما قد (سيق) ناظرا إلى بيان كمية ما أريد من الآخر مقدما كان أو مؤخرا أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما (بالتصرف) في خصوص أحدهما كما هو مطرد في مثل الأدلة المتكلفة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأولية مع مثل الأدلة

______________________________

مدلول كل من الحاكم والمحكوم بما انه مدلول الدليل لا ينافي الآخر وانما ينافيه بذاته فلا موجب للعدول. (مضافا) إلى أن ما في المتن يوهم كون التعارض تنافي دلالة الدليلين وليس كذلك: مع انه لا تنافي بين الدلالتين على المتنافيين والتنافي بين الدلالتين من حيث حجيتهما دائما يكون من التضاد لا التناقض فتأمل جيدا (قوله: حقيقة) بان يمتنع واقعا اجتماعهما ولو بحسب الشرع كما لو دل احدهما على الوجوب والآخر على الحرمة أو احدهما على صحة العتق والآخر على عدم الملك فانه لا مانع عقلا من اجتماعهما بل شرعا مثل: لا عتق الا في ملك (قوله: مع عدم امتناع) يعني لا شرعا ولا عقلا (قوله: وعليه فلا تعارض) تعريض بالمشهور واشارة إلى وجه العدول (قوله: مقدما كان أو مؤخرا) هذا تعريض بشيخنا الأعظم (ره) حيث يظهر من عبارته في الرسالة اعتبار تققدم المحكوم في تحقق الحكومة لانه لابد أن يكون متفرعا عليه وناظرا إليه بحيث لولا المحكوم كان الحاكم لاغيا، فاورد عليه المصنف (ره) بانه لا يعتبر فيه ذلك بل يجوز ان يكون المحكوم متأخرا واستشهد عليه في الحاشية بأن اظهر افراد الحكومة ما يكون بين ادلة الامارات وادلة الاصول مع أن الأول لا تكون لاغية لو لم تجعل الأصول إلى يوم القيامة بديهة، وعليه فلا يعتبر في الحكومة إلا سوق الدليل بنحو يصلح للنظر إلى كمية موضوع الآخر. (هذا) ولكن الظاهر أن مراد شيخنا الأعظم (ره) كون الحاكم متفرعا على المحكوم بحيث يكون متقدما عليه رتبة

٥٥٢

* السافية للعسر والحرج والضرر والاكراه والاضطرار مما يتكفل لاحكامها بعناوينها الثانوية حيث يقدم في مثلهما الأدلة النافية ولا تلاحظ النسبة بينهما أصلا ويتفق في غيرهما كما لا يخفى (أو بالتصرف) فيهما فيكون مجموعهما قرينة على التصرف فيهما أو في أحدهما المعين لو كان الآخر أظهر، ولذلك تقدم الامارات المعتبرة على الأصول الشرعية فانه لا يكاد يتحير أهل العرف في تقديمها عليها بعد ملاحظتهما حيث لا يلزم منه محذور تخصيص أصلا، بخلاف العكس فانه يلزم منه محذور التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر كما أشرنا إليه في أواخر الاستصحاب

______________________________

لا زمانا واستشهاد المصنف (ره) على خلافه بما ذكر مبني على عدم دلالة حجية الامارات على إلغاء احتمال الخلاف تعبدا وانها علم تنزيلا، لكن عرفت خلافه وانه لولاه لم يكن وجه لتقديمها على الاصول. وحينئذ فالمناقشة في معنى الحكومة تشبه ان تكون مناقشة في الاصطلاح فلاحظ (قوله: النافية للعسر) قد تقدم في مبحث الانسداد انها حاكمة (قوله: والضرر) قد تقدم في قاعدة الضرر انها على مذاق المصنف (ره) في معناها حاكمة باجلي مظاهر الحكومة وكذا على مذاق شيخنا الاعظم (ره) واما نفي الاكراه والاضطرار فحاله حالهما (قوله: في غيرهما) اي غير أدلة احكام العناوين الاولية والثانوية فيتصرف فيهما أيضا بذلك التصرف فيحمل أحدهما على الاقتضاء والثاني على المانعية مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق (قوله: أو بالتصرف فيهما) كما لو قال: افعل ثم قال: لا تفعل، حيث يحمل الاول على الاستحباب والثاني على نفي الالزام، ولو كان المتقدم (لا تفعل) حمل على الكراهة وحمل (افعل) على الرخصة ولو جهل التاريخ فهما متعارضان (قوله: أو في احدهما المعين) كالعام والخاص والمطلق والمقيد $ وغ‍ ؟ ؟ مما كان أحدهما أظهر فيتعين التصرف في غيره (قوله: ولذلك تقدم) قد تقدم ان التقديم المورود لا للجمع العرفي فان الورود ليس منه إذ المتواردان يمتنع فرض

٥٥٣

* وليس وجه تقديمها حكومتها على أدلتها لعدم كونها ناظرة إلى أدلتها بوجه، وتعرضها لبيان حكم موردها لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلتها وشارحة لها وإلا كانت أدلتها أيضا دالة ولو بالالتزام على ان حكم مورد الاجتماع فعلا هو مقتضي الأصل لا الامارة وهو مستلزم عقلا نفي ما هو قضية الامارة بل ليس مقتضي حجيتها إلا نفي ما قضيته عقلا من دون دلالة عليه لفظا، ضرورة أن نفس الامارة لا دلالة له الا على الحكم الواقعي وقضية حجيتها ليست إلا لزوم العمل على وفقها شرعا المنافي عقلا للزوم العمل على خلافه وهو قضية الاصل. هذا مع احتمال أن يقال: إنه ليس قضية الحجية شرعا إلا لزوم العمل على وفق الحجه عقلا وتنجز الواقع مع المصادفة وعدم تنجزه في صورة المخالفة (وكيف كان)

______________________________

التنافي بين مدلولهما ذاتا واثباتا فالجمع بينهما واقعي لا عرفي (قوله: وليس وجه) بل هو الوجه كما تقدم (قوله: وتعرضها لبيان) يعني بالدلالة الالتزامية العقلية كما سيأتي إذ التنافي بين الاحكام الظاهرية يوجب دلالة دليل كل منها بالالتزام العقلي على نفي ما عداه بلا فرق بين دليل الاصل ودليل الامارة (قوله: ما قضيته) يعني ما يقتضيه الاصل (قوله: ضرورة أن) بيان لنفي الدلالة اللفظية، يعني لا تدل الامارة بالدلالة اللفظية على نفى حكم الاصل وانما تدل على ثبوت الحكم الواقعي ولا دليل اعتبارها يدل عليه وانما يدل على ثبوت الحكم الظاهري الموافق لمؤداها (اقول): لو فرض دلالة الامارة أو دليل اعتبارها على نفي حكم الاصل لفظا لا يكون ذلك كافيا في الحكومة بل لابد من نفي الموضوع ليتحقق النظر المعتبر في الحكومة (قوله: الا لزوم العمل) قد عرفت أن عليه لا وجه للتقديم لان أدلتها كأدلة الاصل جاعلة للمؤدى في ظرف قيام الامارة (قوله: مع احتمال ان يقال) يعني يكون مفاد دليل الاعتبار جعل الحجية فيترتب عليه وجوب الموافقة عقلا (اقول) هذا لا ينافي جعل الطريقة لها والا

٥٥٤

ليس مفاد دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا كي يختلف الحال ويكون مفاده في الامارة نفي حكم الاصل حيث أنه حكم الاحتمال بخلاف مفاده فيه لأجل أن الحكم الواقعي ليس حكم احتمال خلافه، كيف وهو حكم الشك فيه واحتماله ؟ (فافهم) وتأمل جيدا. فانقدح بذلك أنه لا يكاد ترتفع غائلة المطردة والمعارضة بين الاصل والامارة إلا بما أشرنا سابقا وآنفا فلا تغفل. هذا ولا تعارض أيضا إذا كان أحدهما قرينة على التصرف إلى الآخر كما في الظاهر مع النص أو الاظهر مثل العام والخاص والمطلق والمقيد أو مثلهما مما كان أحدهما نصا أو أظهر حيث أن بناء العرف على كون النص أو الاظهر قرينة على التصرف في الآخر (وبالجملة) الادلة في هذه الصور وان كانت متنافية بحسب مدلولاتها الا انها غير متعارضة لعدم تنافيها في الدلالة وفى مقام الاثبات بحيث تبقي أبناء المحاورة متحيرة، بل بملاحظة المجموع أو خصوص بعضها يتصرف في الجميع أو في البعض عرفا بما ترتفع به المنافات التي تكون في البين

______________________________

لم يكن وجه للتقديم لتنافي دليلهما (قوله: ليس مفاد دليل) بل الظاهر أنه هو المفاد فان أدلة الحجية يستفاد منها طريقيتها ودليلتها وهو عين إلغاء احتمال لخلاف، مع أنه المطابق لارتكاز العقلاء في كثير منها حيث أنها طرق عندهم وعلم بالواقع تنزيلا فيجب تنزيل دليل الاعتبار عليه (قوله: مفاده) يعني مفاد دليل الاعتبار (قوله: حكم الاحتمال) يعني موضوع حكم الاصل احتمال الواقع فإذا دل دليل اعتبار الامارة على انها علم بالواقع وانه يجب إلغاء احتمال الخلاف تعبدا ارتفع موضوع حكم الاصل فتكون حاكمة عليه (قوله: مفاده فيه) يعني مفاد دليل الاعتبار في الاصل (قوله: لاجل أن الحكم) يعني لو كان الحكم الواقعي الذي هو مدلول الامارة موضوعه عدم حكم الاصل كان

٥٥٥

ولا فرق فيها بين أن يكون السند فيها قطعيا أو ظنيا أو مختلفا فيقدم النص أو الاظهر وان كان بحسب السند ظنيا على الظاهر ولو كان بحسبه قطعيا، وإنما يكون التعارض في غير هذه الصور مما كان التنافي فيه بين الادلة بحسب الدلالة ومرحلة الاثبات وإنما يكون التعارض بحسب السند فيما إذا كان كل واحد منها قطعيا

______________________________

الاصل رافعا لموضوعها فيكون مقدما عليها، لكنه ليس كذلك لان حكم الاصل موضوعه الشك في الواقع فلو كان موضوع الواقع عدم حكم الشك كان حكم الاصل رافعا له فيلزم من وجود حكم الاصل عدمه (قوله: ولا فرق فيها بين) لانه بعد فرض عدم التنافي بين الدليلين يجب العمل بهما في جميع الصور وكون الظاهر قطعي السند لا يمنع من تصرف العرف فيه بعد كونه ظني الدلالة وكون الاظهر اقوى منه دلالة (قوله: مما كان) بيان لغير (قوله: وإنما يكون التعارض بحسب السند) لا يخفى ان استفادة الحكم من الدليل تتوقف على صدور لفظه ممن له الحكم وكونه لبيان الواقع لا لغيره لتقية أو غيرها وحجيته في معناه والحافظ للجهة الاولى دليل الحجية المعبر عنه باصالة السند، وللثانية الاصل العقلائي الراجع إلى ظهور حال المتكلم في ذلك أو تعبدا المعبر عنه باصالة الجهة، وللجهة الثالثة اصالة الظهور، فمع تعارض الدليلين يعلم اجمالا بمخالفة احدهما للواقع فيعلم بكذب احد الاصول الثلاثة اعني اصالة السند أو اصالة الجهة أو اصالة الظهور في احد الدليلين فيكون التعارض بين الاصول الستة فيهما، وربما يكون التعارض في خصوص اصالتي السند فيهما كما لو كانا مقطوعي الدلالة والجهة. أو في خصوص اصالتي الجهة كما لو كانا مقطوعي السند والدلالة أو في خصوص اصالتي الظهور لو كانا مقطوعي السند والجهة، وربما يكون التعارض بين احد الاصول بعينه في احدهما، وبين الاصول الثلاثة في الآخر أو اثنين منها فيه أو واحد منها فيه مخالف له، كما لو كان احدهما معلوم الجهة والصدور والآخر معلوم الجهة والسند، وربما يكون

٥٥٦

دلالة وجهة أو ظنيا فيما إذا لم يكن التوفيق بينها بالتصرف في البعض أو الكل فانه حينئذ لا معنى للتعبد بالسند في الكل إما للعلم بكذب أحدهما أو لاجل أنه لا معنى للتعبد بصدورها مع اجمالها فيقع التعارض بين ادلة السند حينئذ كما لا يخفى

فصل

التعارض وان كان لا يوجب إلا سقوط احد المتعارضين عن الحجية رأسا حيث

______________________________

التعارض بين اثنين منها في احدهما وبين الثلاثة في الآخر أو بين اثنين فيه متفقين مع الاولين أو مختلفين... إلى غير ذلك، والحكم في الجميع اجراء احكام التعارض لعدم المرجح الذاتي (قوله: دلالة وجهة) فيتعارض اصالة السند فيهما لا غير (قوله: أو ظنيا) فتتعارض الاصول الستة) (قوله: اما للعلم بكذب احدهما) راجع إلى ما كان قطعيا دلالة وجهة (قوله: أو لاجل انه) راجع إلى قوله أو ظنيا (قوله: لا معنى للتعبد) الظاهر ان الاصول الثلاثة المتقدمة لا ترتب بينها بحيث يكون بعضها مأخوذا في موضوع الآخر فيكون جريانه شرطا في جريان الآخر بل هي متلازمة في مقام الحجية لا يكون بعضها حجة الا في ظرف حجية الآخر لأجل أن الأثر العملي العقلي إنما يكون في ظرف حجية الجميع، وقد يظهر من المصنف (ره) بقوله: فيقع التعارض... الخ حيث فرع المعارضة بين ادلة السند على اجمال الدليلين، ان اصالة الظهور متقدمة رتبة على اصالة السند فبعد تعارض اصالة الظهور في الدليلين الموجب لاجمالهما يقع التعارض بين اصالتي السند، ويظهر من بعض الاعيان عكس ذلك، وهو غير ظاهر الوجه فإذا اللازم الحكم بكون التعارض بين تمام الأصول في احدهما وتمامها في الآخر. مضافا إلى أنه بعد تعارض اصالتي الظهور والحكم بالاجمال لا معنى لفرض التعارض بين اصالتي السند للغوية حجية السند حينئذ فتسقط بذاتها لا بالمعارضة فتأمل جيدا

٥٥٧

لا يوجب الا العلم بكذب احدهما فلا يكون هناك مانع عن حجية الآخر

______________________________

 (قوله: لا يوجب الا العلم بكذب) هذا شروع في تحقيق الاصل في المتعارضين وانه التساقط أو التخيير والذي اختاره انه التساقط (وتقريبه): أن المتعارضين مما يعلم بكذب احدهما ولا ريب في ان معلوم الكذب ليس بحجة ولما لم يكن له عنوان محفوظ متعين وكان محتمل الانطباق على كل واحد منهما كان كل واحد منهما مما يحتمل انه ليس بحجة لكونه مما يحتمل كونه معلوم الكذب فيسقط كلاهما عن الحجية ويكون الحال كا لو اشتبه خبر الفاسق بخبر العادل فانه لا ريب في سقوط كل من الخبرين عن الحجية. (هذا) ولكن قد تكرر غير مرة أن مبنى هذا التقريب سراية العلم إلى الخارج والا فكل منهما مشكوك الكذب قطعا ولا يحتمل كونه معلوم الكذب فيكون داخلا تحت دليل الحجية جزما (فان قلت): العلم الاجمالي وان كان لا يسري إلى الخارج إلا أنه ينجز متعلقه فيجب الاحتياط في اطرافه (قلت): الكذب الواقعي لا يمنع عن شمول دليل الحجية والا اختص الحجة بما هو معلوم الصدق وذلك خلف، وإذا لم يكن الكاذب الواقعي خارجا عن دليل الحجية فالعلم به لا اثر له غاية الامر أن معلوم الكذب ليس بحجة والمفروض انه لا ينطبق على احدهما بل كل واحد منهما مشكوك الكذب فحال معلوم الكذب حال معلوم الصدق لامتناع جعل الحجية لكل واحد منهما، فكما أن العلم بصدق أحد الخبرين لا يمنع عن حجيتهما ولا حجية احدهما فكذا العلم بكذب احدهما (فالتحقيق) في وجه اصالة التساقط: ان الدليلين المتعارضين لما كان كل واحد منهما دالا على نفي الآخر بالمطابقة - لو كانا متناقضي المضمون - أو بالالتزام - لو كانا متضادي المضمون - وكان اطلاق دليل حجيتهما في المدلول المطابقي والالتزامي في عرض واحد امتنع دخولهما معا تحت دليل الحجية لادائه إلى التناقض، ودخول احدهما بعينه تحت دليل الحجية دون الآخر بلا مرجح ممتنع فلابد من الحكم بخروجهما معا عنه (قوله: عن حجية الآخر) لانه غير معلوم الكذب

٥٥٨

إلا أنه حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعا فانه لم يعلم كذبه الا كذلك، واحتمال كون كل منهما كاذبا لم يكن واحد منهما بحجة في خصوص مؤداه لعدم التعيين في الحجة اصلا كما لا يخفى (نعم) يكون نفي الثالث باحدهما لبقائه على الحجية وصلاحيته على ما هو عليه من عدم التعين لذلك لا بهما. هذا بناء على حجية الامارات من باب الطريقية - كما هو كذلك - حيث لا يكاد يكون حجة طريقا إلا ما احتمل إصابته، فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعا عن حجية، وأما بناء على حجيتها من باب السببية فكذلك

______________________________

 (قوله: إلا انه) الضمير راجع إلى معلوم الكذب (قوله: لم يكن واحد) هو خبر (أنه) (قوله: في خصوص مؤداه) يعني مدلوله المطابقي بل والالتزامي ايضا إذا لم يكن مدلولا للآخر لعدم ثبوت كونه الحجة حتى يكون حجة فيه (قوله: نفي الثالث باحدهما) يعني الحكم بنفي الحكم المخالف لهما معا لحجية غير معلوم الكذب في نفيه وليس ما يقتضي عدم حجيته علي إبهامه وعدم تعينه (قوله: لا بهما) معطوف على قوله: باحدهما. هذا ولكن التحقيق أن نفي الثالث بهما معا لانهما وان سقطا عن الحجية معا لكن في خصوص ما يتكاذبان فيه لمجيئ التقريب المتقدم فيه بخصوصه لا ما يتفقان عليه لعدم تكاذبهما فيه فلا يسقطان عن الحجية فيه (قوله: هذا بناء على حجية) (فان قلت): حجية كل من الامارات على الطريقية لابد ان يكون ناشئا عن مصلحة، وبعد تكاذب الظهورين وامتناع اعمال المقتضيين معا يجب العمل على قاعدة التزاحم باعمال احد المقتضيين على التخيير لأن اعمال احدهما بعينه ترجيح من دون مرجح فلا وجه للحكم بالتساقط (قلت): إذا فرض أن أحد الدليلين دل بالمطابقة أو الالتزام على وجوب شئ والآخر دل على عدم وجوبه، وفرض أن شمول دليل الحجية للاول كاشف عن ثبوت مصلحة مقتضية لتنجيز الواقع على المكلف وان شمول دليل الحجية للثاني كاشف عن ثبوت مصلحة مقتضية للترخيص المنافي للتنجيز فحيث لا يمكن اعمال المصلحتين معا ولم

٥٥٩

لو كان الحجة هو خصوص ما لم يعلم كذبه بان لا يكون المقتضي للسببية فيها إلا فيه - كما هو المتيقن من دليل اعتبار غير السند منها وهو بناء العقلاء على أصالتي الظهور والصدور - لا للتقية ونحوها، وكذا السند لو كان دليل اعتباره هو بناؤهم ايضا وظهوره فيه لو كان هو الآيات والاخبار. ضرورة ظهورها فيه لو لم نقل بظهورها في خصوص ما إذا حصل الظن منه أو الاطمينان وأما لو كان المقتضي للحجية في كل واحد من المعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤديين إلى

______________________________

تكن مصلحة الالزام أقوى حسب الفرض لتساوي الفردين في الدخول تحت دليل الحجية لابد ان تسقط مصلحة الالزام عن فعلية التأثير لوجود المزاحم: ولا مجال لدعوى وجوب اعمال إحداهما لأن ذلك حيث يكون ترك اعمالهما معا مخالفة لهما معا - كما في مسألة الغريقين ونحوها - لا فيما لو دار الأمر بين الفعل والترك كما لو كانت مصلحة في الوجود وأخرى في العدم فانه لا مجال للوجوب التخييري لامتناع الوجوب التخييري بين الوجود والعدم إذ المكلف لا يخلو عن احدهما فالتكليف باحدهما أمر بتحصيل الحاصل. والمقام من هذا القبيل إذ المراد من الترخيص مجرد عدم الالزام المؤدي لنفي اللزوم العقلي لا انشاء الترخيص الوجودي (وان شئت) قلت: كل من الالزام والترخيص إعمال لأحدى المصلحتين وإهمال للاخرى وحيث يدور الأمر بينهما ولا مرجح لأحدهما على الآخر يسقطان معا عن التأثير. ومنه يظهر أنه لا مجال لدعوى وجوب العمل بأحد الخبرين تخييرا فانه وجوب تخييري بين الوجود والعدم وهو ممتنع، وكذا بين الضدين اللذين لا ثالث لهما. نعم لا مانع من التخيير بين الوجود والعدم عقلا كما في موارد الدوران بين المحذورين وشرعا كما في موارد الاباحة الشرعية. وأما ما سيأتي انشاء الله من ان حكم المتعارضين مع عدم المرجح هو التخيير فمعناه وجوب اختيار أحد الدليلين لا الوجوب التخييري بين المدلولين الممتنع (قوله: لو كان الحجة هو) قد عرفت انه لا ريب في أن معلوم الكذب ليس بحجة سواء كان الدليل على الحجية لبيا من اجماع أو بناء

٥٦٠