حقائق الاصول الجزء ٢

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 617

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 617
المشاهدات: 208475
تحميل: 4789


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 617 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208475 / تحميل: 4789
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

بمجرد إصابته ولا يكون عذرا لدى مخالفته مع عدمها ولا يكون مخالفته تجريا ولا يكون موافقته بما هي موافقته انقيادا وإن كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك إذا وقعت برجاء إصابته فمع الشك في التعبد به يقطع بعدم حجيته وعدم ترتيب شئ من الآثار عليه للقطع بانتفاء الموضوع معه (ولعمري) هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان. وأما صحة الالتزام بما أدى إليه من الأحكام وصحة نسبته إليه تعالى فليستا من آثارها ضرورة

______________________________

 (قوله: بمجرد اصابته) يعني إذا كان الامر المعتبر واقعا مصيبا للواقع لا يصح العقاب على مخالفة الواقع بمجرد كونه معتبرا واقعا ومصيبا ما لم يحرز اعتباره (قوله: ولا يكون عذرا) يعني إذا كان الامر المعتبر واقعا مخطئا للواقع لا يصح ان يكون عذرا للعبد بحيث لا يحسن عقابه ما لم يحز العبد كونه معتبرا، والاولى ان يقول: لا يصح ان يكون مؤمنا للعبد، وإلا فيصلح ان يكون عذرا له واقعا مانعا من حسن عقابه بناء على كون المناط في حسن العقاب مخالفة الواقع والطريق معا كما سيأتي إنشاء الله فتأمل (قوله: كذلك) يعني تكون انقيادا إلا انها حينئذ احتياط وهو من انواع الانقياد (قوله: واما صحة الالتزام) هذا شروع في الايراد على شيخه العلامة (قده) حيث انه في مقام بيان أن الاصل في مشكوك الاعتبار عدم الحجية استدل على حرمة التعبد بما لم يعلم اعتباره بالادلة الاربعة، ثم ساق الادلة إلى آخرها، وحاصل الايراد: ان للحجية آثارا منها لازمة وهي ما عرفت من المنجزية والمؤمنية، ومنها غير لازمة وهي جواز الالتزام وجواز نسبة مؤدى الحجة إليه تعالى، ومن المعلوم أن الاستدلال بعدم اللازم على عدم الملزوم إما يصح في اللازم الاعم أو المساوي لا في اللازم الاخص، وحينئذ فالاستدلال على عدم الحجية بما دل على حرمة الالتزام وحرمة النسبة ليس جاريا على القاعدة، ويمكن ان يناقش المصنف (ره) بان جواز النسبة وإن كان بينه وبين الحجية عموم من وجه لكنه لم يستدل الشيخ (ره) بعدمه

٨١

أن حجية الظن عملا - على تقرير الحكومة في حال الانسداد - لا يوجب صحتهما فلو فرض صحتهما شرعا مع الشك في التعبد به لما كان يجدي في الحجية شيئا ما لم يترتب عليه ما ذكر من آثارها ومعه لما كان يضر عدم صحتهما أصلا كما أشرنا إليه آنفا فبيان، عدم صحة الالتزام مع الشك في التعبد وعدم جواز الاسناد إليه تعالى غير مرتبط بالمقام فلا يكون الاستدلال عليه بمهم كما أتعب به شيخنا العلامة - اعلى الله مقامه - نفسه الزكية بما أطنب من النقض والإبرام فراجعه بما علقناه عليه وتأمل

______________________________

على عدم الحجية، واما جواز الالتزام فلما كان من الاحكام العقلية لا الشرعية وكان موضوعه مطلق الطريق إلى الواقع فإذا انتفى عن مشكوك الاعتبار كان انتفاؤه دليلا على عدم كونه طريقا وحجة. نعم لو كان من الأحكام الشرعية جاز ان يكون ملحوظا لدليل الجعل وان لا يكون، وعلى الثاني فلا يترتب مع فرض الحجية لكنه ليس كذلك بل هو حكم عقلي موضوعه مطلق الطريق إلى الواقع ولو بلحاظ العمل، واما الظن بناء على الانسداد فليس بحجة ولا يستند إليه تخويف أو تأمين بل التخويف مستند إلى العلم الاجمالي والتأمين مستند إلى ادلة رفع الحرج ونحوها غاية الأمر أن العقل يحكم بلزوم جعل المخالفة التي بها يرتفع الحرج في خصوص مظنون عدم التكليف من جهة قاعدة قبح ترجيح المرجوح كما سيأتي بيانه انشاء الله. هذا مضافا إلى أن الشيخ (ره) لم يظهر منه الاستدلال على عدم الحجية بما دل على حرمة التعبد بما لم يعلم اعتباره وإنما ظاهرة تحرير اصالة حرمة التعبد بما لم يعلم التعبدبه، فليلحظ كلامه. نعم يرد عليه أن البحث في ذلك ليس من مقاصد الاصول بل هو بحث عن مسألة فرعية، مضافا إلى أن جملة من الأدلة التي ساقها لاثبات حرمة التعبد إنما تدل على عدم جواز النسبة، فلتلحظ أيضا، ولابد من التأمل (قوله: ان حجية الظن) قد عرفت الاشكال في حجيته (قوله: صحتهما شرعا) قد عرفت أن صحة الالتزام ليست شرعية (قوله: لما كان يضر) قد عرفت أنه محل تأمل (قوله: وعدم جواز)

٨٢

وقد انقدح بما ذكرنا أن الصواب فيما هو المهم في الباب ما ذكرنا في تقرير الأصل فتدبر جيدا، إذا عرفت ذلك فما خرج موضوعا عن تحت هذا الأصل أو قيل بخروجه يذكر في ذيل فصول

فصل

لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة لاستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات مع القطع بعدم الردع عنها لوضوح عدم اختراع طريقة أخرى في مقام الافادة لمرامه من كلامه كما هو واضح والظاهر أن سيرتهم على اتباعها من غير تقييد بافادتها للظن فعلا ولا بعدم الظن كذلك على خلافها قطعا ضرورة انه لا مجال عندهم للاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها للظن بالوفاق ولا بوجود الظن بالخلاف. كما أن الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه ولذا لا يسمع اعتذار من لا يقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام

______________________________

قد عرفت أن الشيخ لم يتعرض له وان كان بعض ادلته تقتضيه (قوله: ما ذكرنا في تقرير) قد عرفت انه كذلك لانه المقصود للاصولي، ولعل هذا هو مقصود المصنف (ره) من ايراده على شيخه وان كان بعيدا عن العبارة. فتأمل

في حجية الظهور

(قوله: في الجملة) هذا قيد لقوله: لا شبهة، يعني أن نفي الشبهة في وجوب اتباع الظهور بنحو الموجبة الجزئية لا الكلية لما سيأتي من القول بعدم وجوب الاتباع لبعض افراد الظاهر (قوله: لاستقرار طريقة) هذا دليل وجوب اتباع الظاهر، وحاصله سيرة العقلاء الممضاة من قبل الشارع قطعا إذ ليس له طريقة خاصة في افهام مقاصده (قوله: والظاهر ان سيرتهم) شروع في بيان عموم وجوب الاتباع لكل ظاهر من غير تفصيل بين ما كان موجبا للظن

٨٣

* المولى من تكليف يعمه أو يخصه ويصح به الاحتجاج لدى المخاصمة واللجاج كما تشهد به صحة الشهادة بالاقرار من كل من سمعه ولو قصد عدم إفهامه فضلا عما إذا لم يكن بصدد إفهامه. ولا فرق في ذلك بين الكتاب المبين وأحاديث سيد المرسلين والأئمة الطاهرين وان ذهب بعض الاصحاب إلى عدم حجية ظاهر الكتاب إما بدعوى اختصاص فهم القرآن ومعرفته باهله ومن خوطب به كما يشهد به ما ورد في ردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به، أو بدعوى أنه لأجل احتوائه على مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية لا يكاد تصل إليها أيدى أفكار أولى الأنظار غير الراسخين العالمين بتأويله كيف ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات الأوائل إلا الأوحدي من الافاضل ؟ فما ظنك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم

______________________________

الفعلي وغيره - كما حكى عن بعض المتأخرين - فنفى حجية الظاهر إذا لم يكن ظن على خلافه، أو بين ما كان على خلافه ظن فعلي وما لم يكن، فلا يكون الاول حجة - كما هو محتمل القول المذكور - أو بين من قصد إفهامه بالخطاب ومن لم يقصد فلا يكون الظهور حجة للثاني كما هو المحكي - عن صاحب القوانين - أو التفصيل بين ظاهر الكتاب المجيد وغيره فلا يكون الاول حجة - كما هو المحكي عن الاخباريين - والوجه في نفي هذه التفصيلات وعموم الحجية للجميع عموم دليل الحجية لاستقرار سيرة العقلاء على التمسك بالظهورات في جميع الانواع من غير فرق (قوله: من تكليف) بيان لما في قوله: ما تضمنه (قوله: ويصح به) معطوف على قوله: لا يسمع، اي ولذا يصح... الخ (قوله: ما ورد في ردع ابي حنيفة) ففي رواية شعيب بن أنس عن أبي عبد الله (ع): يا أبا حنيفة لقد ادعيت علما ويلك ما جعل الله ذلك الا عند اهل الكتاب الذين انزل عليهم، وفى رواية الشحام من قول أبي جعفر (ع): يا قتادة ويحك انما يعرف القرآن من خوطب به، وفى رواية ابن مسلم: ونحن نعلمه فليس يعلمه غيرنا (قوله: لاجل احتوائه) ففي رواية ابن الحجاج: ليس شئ ابعد عن

٨٤

كل شئ أو بدعوى شمول المتشابه الممنوع عن اتباعه للظاهر لا أقل من احتمال شموله لتشابه المتشابه وإجماله، أو بدعوى انه وإن لم يكن منه ذاتا إلا أنه صار منه عرضا للعلم الاجمالي بطروء التخصيص والتقييد والتجوز في غير واحد من ظواهره - كما هو الظاهر - أو بدعوى شمول الاخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي لحمل الكلام الظاهر في معنى على إرادة هذا المعنى ولا يخفى أن النزاع يختلف صغرويا وكبرويا بحسب الوجوه فبحسب غير الوجه الاخير والثالث يكون صغرويا وأما بحسبهما فالظاهر أنه كبروي ويكون المنع عن الظاهر إما لانه من المتشابه قطعا أو احتمالا، أو لكون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير بالرأي وكل هذه الدعاوى فاسدة (أما الاولى) فانما المراد مما دل على اختصاص فهم القرآن ومعرفته بأهله اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته ومحكماته بداهة أن فيه ما لا يختص به كما لا يخفى. وردع أبى حنيفة وقتادة عن الفتوى به إنما هو لاجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه من دون مراجعة أهله لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا ولو مع الرجوع إلى رواياتهم والفحص عما ينافيه والفتوى به مع اليأس عن الظفر به كيف وقد وقع في غير واحد من

______________________________

عقول الرجال من القرآن، وفي رواية ابن جابر: ولهذه العلة واشباهها لا يبلغ احد كنه معنى حقيقة تفسير كتاب الله تعالى الا نبيه أو أوصياؤه (قوله: أو بدعوى شمول المتشابه) كما ادعاها السيد الصدر في شرح الوافية (قوله: للعلم الاجمالي بطروء) العلم الاجمالي لا يوجب كون الظاهر من المتشابه عرضا بل يوجب كونه بحكم المتشابه من جهة اقتضائه سقوط أصالة الظهور عن الحجية كما هو الحال في كل علم اجمالي بين افراد محصورة فانه يوجب سقوط الاصول فيها على ما يأتي الاشارة إلى ذلك في محله (قوله: كما هو ظاهر) قيد للعلم الاجمالي (قوله: صغرويا) يعني يكون النزاع في أنه ظاهر أو ليس بظاهر (قوله: وكبرويا) يعني يكون النزاع في أن ظاهر القرآن بعد البناء على كونه ظاهرا هل يجب العمل به اولا ؟ (قوله: يكون صغرويا) يعني ترجع دعوى الخصم إلى عدم كونه ظاهرا،

٨٥

الروايات الارجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته ؟ (وأما الثانية) فلأن احتواءه على المضامين العالية الغامضة لا يمنع عن فهم ظواهره المتضمنة للأحكام وحجيتها كما هو محل الكلام (واما الثالثة) فللمنع عن كون الظاهر من المتشابه فان الظاهر كون المتشابه هو خصوص المجمل وليس بمتشابه ومجمل (واما الرابعة) فلان العلم إجمالا بطروء إرادة خلاف الظاهر إنما يوجب الاجمال فيما إذا لم ينحل بالظفر في الروايات بموارد ارادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالاجمال - مع أن دعوى اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما يخالفه لظفر به غير بعيدة فتأمل جيدا (وأما الخامسة) فيمنع كون حمل الظاهر على ظاهره من التفسير فانه كشف القناع ولا قناع للظاهر ولو سلم فليس من التفسير بالرأي إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني الذي لا اعتبار به وإنما كان منه حمل اللفظ على خلاف ظاهره

______________________________

لكن قد عرفت أنه يشكل ذلك على الوجه الرابع إذا العلم الاجمالي لا يرفع الظهور فتأمل (قوله: فيما إذا لم ينحل بالظفر) يعني العلم الاجمالي إنما يمنع من أصالة الظهور لو لم يكن ينحل بالعلم التفصيلي بالمخصصات والمقيدات أما إذا انحل بالعلم التفصيلي بذلك الحاصل من البحث والفحص فلا يؤثر اثره، لكن لا يخفى أن هذا مبني على انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي اللاحق، وهو محل الكلام والاشكال كما سيأتي بيانه في محله انشاء الله (قوله: مع ان دعوى اختصاص) يعنى أن العلم الاجمالي الحاصل ليس بوجود مخالفات الظواهر مطلقا بل بوجود مخالفات لو فحصنا عنها لعثرنا عليها ومثل هذا العلم الاجمالي إنما يمنع قبل الفحص اما بعده فان عثر على ما يوجب مخالفة الظاهر كان من المعلوم بالاجمال وان لم يعثر عليه كان الظاهر معلوم الخروج تفصيلا عن أطراف الشبهة، وحينئذ لا مانع من أصالة الظهور (قوله: غير بعيدة) بل لو كانت بعيدة فغاية الامر ان يكون هناك علمان اجماليان احدهما عام والآخر خاص وهما مقترنان ولا ريب في انحلال الاول بالثاني مع الاقتران كما سيجيئ في محله (قوله: وإنما كان منه) يعني بل منه حمل... الخ

٨٦

لرجحانه بنظره أو حمل المجمل على محتمله بمجرد مساعدته ذاك الاعتبار من دون السؤال عن الاوصياء وفى بعض الاخبار: إنما هلك الناس في المتشابه لانهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الاوصياء فيعرفونهم. هذا - مع أنه لا محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير به على ذلك ولو سلم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره ضرورة انه قضية التوفيق بينها وبين ما دل على جواز التمسك بالقرآن مثل خبر الثقلين، وما دل على التمسك والعلم بما به فيه، وعرض الاخبار المتعارضة عليه، ورد الشروط المخالفة له، وغير ذلك مما لا محيص عن إرادة الارجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه ضرورة أن الآيات التي يمكن ان تكون مرجعا في باب تعارض الروايات أو الشروط أو يمكن أن يتمسك بها ويعمل بما فيها ليست إلا ظاهرة في معانيها وليس فيها ما كان نصا كما لا يخفي (ودعوى) العلم الاجمالي بوقوع التحريف فيه بنحو إما باسقاط أو بتصحيف (وان كانت) غير بعيدة كما يشهد به بعض الاخبار ويساعده الاعتبار إلا أنه لا يمنع عن حجية ظواهره

______________________________

 (قوله: ورد الشروط المخالفة) مثل صحيح الحلبي: كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود ونحوه كثير (قوله: لا محيص عن ارادة يعني لا محيص عن كون المراد به الارجاع إلى ظواهر... الخ (قوله: ودعوى العلم الاجمالي) قال الفضل الطبرسي في مجمعه: فاما الزيادة فيه فمجع على بطلانه، واما النقصان فقد روى جماعة من اصحابنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا ونقصانا والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه، استوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات، وذكر في مواضع: أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة واشعار العرب المسطورة فان العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله

٨٧

لعدم العلم بوقوع الخلل فيها بذلك أصلا، ولو سلم فلا علم بوقوعه في آيات الأحكام

______________________________

وحراسته وبلغت إلى حد لم يبلغه ما ذكرناه لان القرآن معجز النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والاحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟ وقال ايضا: إن العلم بتفصيل القرآن وابعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني إلى آخر ما نقل من كلام السيد (ره)، وقال الشيخ (ره) في محكي تبيانه: أما الكلام في زيادته ونقصانه - يعنى القرآن - فمها لا يليق به لان الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا كما نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات، غير انه رويت روايات كثيرة من جهة العامة والخاصة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شئ منه من موضع إلى موضع لكن طريقها الآحاد التي لا توجب علما، فالاولى الاعراض عنها وترك التشاغل بها لانه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين فان ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الامة ولا يدفعه، ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ورد ما يرد من اختلاف الاخبار في الفروع إليه وعرضها عليه.. إلى آخر كلامه، ومما ذكره السيد (ره) يظهر لك الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) بقوله: ويساعد عليه الاعتبار، كما ان مما ذكره الشيخ (ره) في آخر كلامه يظهر انه لا يقدح العلم بالتحريف في جواز التمسك بالكتاب المجيد إذ يكفي في حجيته حينئذ الاخبار الآمرة بالرجوع إليه الكاشفة عن كون التحريف لا يقدح في ظواهره المثبتة للاحكام ولا حاجة إلى الجواب بما ذكره المصنف (ره) (قوله: لعدم العلم بوقوع) هذا الجواب الأول، وحاصله: أن العلم بالتحريف لا يوجب سقوط اصالة الظهور عن الحجية لعدم العلم بكون التحريف موجبا للخلل بالظواهر (قوله: ولو سلم فلا علم) هذا جواب ثان بعد تسليم الأول وحاصله: أن

٨٨

* والعلم بوقوعه فيها أو في غيرها من الآيات غير ضائر بحجية آياتها لعدم حجية ظاهر سائر الآيات والعلم الاجمالي بوقوع الخلل في الظواهر إنما يمنع عن حجيتها إذا كانت كلها حجة والا لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك كما لا يخفي فافهم (نعم) لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به لأخل بحجيته لعدم انعقاد ظهور له حينئذ وان انعقد له الظهور لولا اتصاله (ثم) إن التحقيق أن الاختلاف في القراءة

______________________________

التحريف المعلوم وإن كان يوجب الخلل بظواهر الكتاب في الجملة إلا أنه لما كان بعض اطراف الشبهة خارجا عن محل الابتلاء لاحتمال كون الظواهر التي وردها الخلل ظواهر غير آيات الأحكام، ولما كانت الظواهر المذكورة خارجة عن محل الابتلاء لم يكن العلم الاجمالي منجزا ومانعا من الرجوع إلى الأصل فيما هو محل الابتلاء من ظواهر الآيات (قوله: عن ذلك) يعني عن كونه طرفا لعلم اجمالي بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء (قوله: فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى الاشكال في خروج ظواهر غير آيات الأحكام عن محل الابتلاء إذ يكفي في كونها محل الابتلاء كونها موضوعا لجواز الاعتماد عليها في الاخبار عن مضامينها الواقعية، فحجية اصالة الظهور لا تختص بالاحكام الشرعية بل تكون أيضا بلحاظ جواز حكاية مضمون الظاهر واقعا، فلاحظ (قوله: نعم لو كان الخلل المحتمل) يعني ان الخلل الحاصل من التحريف (تارة) يمنع من انعقاد الظهور نظير القرائن المتصلة (واخرى) يمنع عن العمل بالظهور نظير القرائن المنفصلة، وهذا الذي ذكرناه انما هو لو كان المعلوم ثبوت التحريف بنحو يوجب الخلل بالنحو الثاني أما لو كان بنحو يوجب الخلل بالنحو الأول أمكن المنع من حجية الظواهر، وذلك لأن العلم الاجمالي يوجب الشك في انعقاد الظهور فيما هو محل الابتلاء، ومع هذا الشك كيف يكون حجة لأن أصالة الظهور انما تجري بعد الفراغ عن أصل الظهور لا مع الشك فيه (وفيه) أن أصالة الظهور وان كانت كما ذكر إلا أن أصالة عدم القرينة لا مانع من جريانها حينئذ بالنسبة إلى ما هو محل

٨٩

* بما يوجب الاختلاف في الظهور مثل (يطهرن) بالتشديد والتخفيف يوجب الاخلال بجواز التمسك والاستدلال لعدم احراز ما هو القرآن ولم يثبت تواتر القراءات

______________________________

الابتلاء، وإذا جرت أوجبت ثبوت الظهور تعبدا فيكون موضوعا لاصالة الظهور وبعبارة أخرى: لا فرق بين نحوي التحريف المعلوم بالاجمال فكما أن العلم بالنحو الثاني لا يمنع من جريان اصالة الظهور فيما هو محل الابتلاء كذلك العلم بالنحو الأول لا يمنع من اجراء اصالة عدم القرينة. ثم انه يمكن دعوى انحلال العلم الاجمالي بالتحريف بالعلم الاجمالي بتحريف لو فحصنا عنه عثرنا عليه، فان هذا العلم لما كان مقارنا للعلم الاجمالي لم يكن اشكال في اقتضائه الانحلال على النحو المتقدم كما أشار إليه في الحاشية (قوله: بما يوجب الاختلاف) أما إذا لم يكن موجبا للاختلاف في الظهور فلا إشكال في جواز العمل به بعد البناء على حجية ظواهره للعلم بكونه قرآنا لتواتره (قوله: لعدم احراز ما هو القرآن) يعني فيكون العمل باحدى القراءات عملا بما لا يعلم كونه قرآنا وهو لا يجوز للشك في موضوع الحجية (قوله: ولم يثبت تواتر القراءات) الكلام في هذا المقام يقع في أمور (الاول) تواتر القراءات وعدمه، المشهور - كما قيل - تواتر القراءات السبع وعن الشهيد الثاني في المقاصد العلية أن كلا من القراءات السبع من عند الله تعالى نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين تخفيفا على الأمة وتهوينا على أهل هذه الملة، ومثله المحكي عن غيره من علماء الامامية وغيرهم، لكن ظاهر المحكي من كلام الشيخ في التبيان والطبرسي في مجمع البيان وغيرهما العدم وهو المصرح به في كلام جماعة من المتأخرين من أصحابنا وآخرين من غيرهم، وعليه المعول، ففي صحيح الفضيل لما قال له: ان الناس يقولون: ان القرآن نزل على سبعة أحرف،: كذب أعداء الله ولكنه نزل بحرف واحد من عند الواحد، ونحوه غيره (الثاني) جواز الاستدلال بكل قراءة مطلقا أو من السبع فقد يتوهم بدعوى استفادته من نصوص الرجوع إليه كما تقدمت إليها الاشارة نظير استفادة جواز القراءة بكل قراءة من مثل قول الصادق

٩٠

ولا جواز الاستدلال بها وان نسب إلى المشهور تواترها لكنه مما لا أصل له وانما الثابت جواز القراءة بها ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى ولو فرض جواز الاستدلال بها فلا وجه لملاحظة الترجيح بينها بعد كون الاصل في تعارض الامارات هو (سقوطها) عن الحجية في خصوص المؤدى بناء على اعتبارها من باب الطريقية

______________________________

- عليه السلام - في خبر سالم أبي سلمة: إقرأ كما يقرأ الناس، ولكنه كما ترى، للفرق بين لساني الدليلين وموردهما، فلاحظ (الثالث) جواز معاملة كل واحد منها معاملة الخبر في الاحكام من حيث الحجية واجراء قواعد التعارض وغير ذلك، الظاهر ذلك لعموم الادلة، ويشهد به أيضا خبر زرارة المروي عن كتاب فضل القرآن من الكافي عن أبى جعفر (ع): إن القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة، وقريب منه خبره الآخر المروي عن كتاب التحريف والتنزيل للسيار بطرق متعددة بعضها صحيح وحينئذ فمع التعارض يرجع إلى المرجحات، ومع فقدها يتخير، إلا أن يدعى انصراف أدلة الترجيح والتخيير عن القراءات وان كانت من قبيل الروايات ولا سيما وفى نصوص التخيير والترجيح مثل قوله: يأتي عنكم، المختص بالرواية عن الائمة (ع)، لكن هذا الاشكال ضعيف لمنع الانصراف والغاء العرف مثل هذه الخصوصيات ولا سيما بملاحظة التعليل لبعض المرجحات بمثل قوله: فان المشهور لا ريب فيه، وخلو جملة من النصوص عن التخصيص، فتأمل جيدا (قوله: ولا جواز الاستدلال) اشارة إلى المقام الثاني (قوله: فلا وجه لملاحظة) يعني لو بنينا على جواز الاستدلال بالقراءة بما أنها قراءة ففي حال التعارض بين القراءات لا وجه للرجوع إلى المرجحات السندية ومع التساوي يتخير كما هو الحكم في كل خبرين متعارضين لان ذلك كله خلاف الاصل في المتعارضين لا يجوز ارتكابه الا بدليل، والدليل الذى قام عليه يختص بالروايتين المتعارضتين فلا يشمل القراءتين، بل المرجع في القراءتين المتعارضتين هو الاصل وهو التساقط والرجوع إلى حجة أخرى من دليل

٩١

(والتخيير) بينها بناء على السببية مع عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الامارات فلابد من الرجوع حينئذ إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف المقامات.

فصل

قد عرفت حجية ظهور الكلام في تعيين المرام فان أحرز بالقطع وأن المفهوم منه جزما بحسب متفاهم أهل العرف هو ذا فلا كلام

______________________________

ثالث أو أصل بناء على الطريقية في حجية الامارات، واما بناء على السببية والموضوعية فالاصل التخيير كما هو الحكم في كل مقتضيين متزاحمين مع عدم المرجح ومعه يؤخذ بالراجح اقتضاء وتأثيرا كما لا يخفى، ثم إنك عرفت أن هذا يتم لو بني على جواز الاستدلال بكل قراءة من حيث كونها قراءة الذى هو محل الكلام في الأمر الثاني، واما لو بني على جواز الاستدلال بالقراءة باعتبار كون القارئ، راويا للقرآن كان اجراء قواعد تعارض الروايتين في محله على ما بيناه لكنه ليس محط كلام المصنف (ره) (قوله: والتخيير) معطوف على سقوطهما (قوله: بناء على السببية) سيجيئ انشاء الله وجه ذلك في محله (قوله: في غير الروايات) متعلق بسقوطها وما عطف عليه وهو التخيير وانما خصه بغير الروايات لأن الروايات المتعارضة يرجع فيها إلى أحكام التعارض التي هي خلاف الأصل المذكور لاجل الدليل كما اشرنا إليه (قوله: إلى الاصل) يعني الاصل العملي الجاري في المسألة لولا الامارات المتعارضة (قوله: حسب اختلاف) إذ المرجع في بعض المقامات العموم لوجوده وفى بعضها الاصل لفقد العموم (قوله: فان أحرز بالقطع) اعلم أن الشك في مراد المتكلم من الكلام (تارة) يكون للشك في معناه لاجل الجهل بالموضوع له (واخرى) لوجود ما يصلح لصرفه (وثالثة) للشك في وجود الصارف (ورابعة) لاحتمال تعمد ارادة خلاف

٩٢

* والا فان كان لأجل احتمال وجود قرينة فلا خلاف في أن الاصل عدمها لكن الظاهر أنه معه يبنى على المعنى الذي لولاها كان اللفظ ظاهرا فيه ابتداء لا أنه يبنى عليه بعد البناء على عدمها كما لا يخفى فافهم

______________________________

الظاهر، والشك من الجهة الرابعة قد تقدم البحث عن حكمه في الفصل المتقدم وبين فيه انه يبنى على الغاء احتمال تعمد خلاف الظاهر بل يحكم بارادة المتكلم للظاهر، وهذا الفصل معقود لحكم الشك من الجهات الثلاث الباقية (قوله: فان كان لاجل) هذا تعرض لحكم الشك من الجهة الثالثة، وحاصل ما ذكر: انه يبني على عدم الاعتناء باحتمال وجود القرينة الصارفة فيحمل على المعنى الظاهر منه لولا القرينة المحتملة (قوله: لكن الظاهر انه معه) يعني ربما يتوهم في المقام أن أصالة عدم القرينة متقدم بحسب الرتبة على أصالة الظهور حيث أن أصالة الظهور انما تجرى في رتبة متأخرة عن ثبوت الظهور، والظهور مع الشك في القرينة انما يحرز بواسطة أصالة عدم القرينة فتكون أصالة عدم القرينة متقدمة على أصالة الظهور بمرتبتين، وهذا التوهم ساقط باعتقاد المصنف - رحمه الله - وان اصالة عدم القرينة ليس أصلا عقلائيا وظيفته اثبات الظهور بل هو راجع إلى اصالة الظهور إذ ليس للعقلاء بناءان مترتبان كما توهم بل ليس لهم الا بناء واحد وهو حمل اللفظ على معناه سواء أحرز كونه ظاهرا أم شك في ذلك للشك في وجود القرينة الصارفة عنه، وهذا منه على العكس مما يظهر من عبارة شيخه في رسائله من ارجاع أصالة الحقيقة وأصالة العموم واصالة الاطلاق التي هي انواع لاصالة الظهور إلى اصالة عدم القرينة، لكن الظاهر ان ما ذكراه معا خلاف الارتكاز العقلائي إذ المرتكز في أذهان العقلاء ان لهم شكين مترتبين أحدهما الشك فيما هو ظاهر الكلام، والثاني الشك في ارادة ذلك الظاهر والاصول الجارية عندهم ايضا مترتبة بعضها جار في الاول وهو أصالة عدم القرينة، وبعهضا جار في الثاني وهو اصالة الظهور بانواعه المتنوعة حسب اختلاف المقامات من اصالة الحقيقة واخواتها، والتأمل في ترتب الشكين المذكورين مما يرتفع بمزيد التأمل وترتب الاصول تابع

٩٣

* وان كان لاحتمال قرينية الموجود فهو وان لم يكن مجالا للاشكال - بناء على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد - إلا أن الظاهر أن يعامل معه معاملة المجمل. وإن كان لأجل الشك فيما هو الموضوع له لغة أو المفهوم منه عرفا فالاصل يقتضي عدم حجية الظن فيه فانه ظن في أنه ظاهر ولا دليل إلا على حجية الظواهر. نعم نسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص في تعيين الاوضاع واستدل لهم باتفاق العلماء بل العقلاء على ذلك حيث لا يزالون يستشهدون بقوله في مقام الاحتجاج بلا إنكار من أحد ولو مع المخاصمة واللجاج. وعن بعض دعوى الإجماع على ذلك وفيه أن الاتفاق لو سلم اتفاقه فغير مفيد

______________________________

لترتب موضوعاتها، ومجرد الاشتراك في النتيجة حيث أن المقصود من كل من النوعين الحمل على المعنى الخاص لا يصحح ارجاعهما إلى نوع واحد فلاحظ، ولعله إلى هذا أشار بقوله: فافهم (قوله: وان كان لاحتمال) هذا تعرض لحكم الشك في المراد من الجهة الثانية، وحاصل حكمه: انه إن بنينا على أن اصالة الحقيقة حجة تعبدا كان اللازم الحمل على المعنى الحقيقي وعدم الاعتناء باحتمال قرينية الموجود وإن بنينا على انها حجة من باب الظهور أي لانها فرد من أصالة الظهور كان اللازم الحكم بالاجمال التوقف، وذلك لان أصالة الظهور إنما تجري في ظرف الظهور ووجود ما يصلح للقرينية مانع من انعقاد الظهور للكلام قوله: الا ان الظاهر أن) لان الظاهر كون أصالة الحقيقة حجة من باب الظهور، وهذا يؤيد ما تقدم من ترتب الاصول (قوله: وان كان لاجل الشك) هذا شروع في تحقيق حكم الشك من الجهة الاولى (قوله: باتفاق العلماء) المراد به الاجماع العملي المعبر عنه بالسيرة بخلاف الاجماع الآتي بيانه فانه إجماع قولي بمعنى صدور الفتوى من جميع العلماء (قوله: لو سلم اتفاقه) اي لو سلم وجوده من باب الاتفاق (قوله: فغير مفيد) لأن حجية مثله تتوقف على الامضاء من قبل الشارع وهو غير معلوم كيف ومن مقدمات اثبات الامضاء ثبوت السيرة في زمن المعصوم (ع) وهو

٩٤

مع أن المتيقن منه هو الرجوع إليه مع اجتماع شرايط الشهادة من العدد والعدالة، والاجماع المحصل غير حاصل، والمنقول منه غير مقبول خصوصا في مثل المسألة مما احتمل قريبا أن يكون وجه ذهاب الجل لولا الكل هو اعتقاد أنه مما اتفق عليه العقلاء من الرجوع إلى أهل الخبرة من كل صنعة فيما اختص بها والمتيقن من ذلك إنما هو فيما إذا كان الرجوع يوجب الوثوق والاطمينان ولا يكاد يحصل من قول اللغوي وثوق بالاوضاع

______________________________

في المقام غير ثابت أو ثابت العدم ؟ (قوله: مع أن المتيقن) هذه الدعوى لا ينبغي ان تذكر الا بقصد تكثير السواد كما لا يخفى بادنى ملاحظة، كيف والشروط المذكورة للعدالة إنما هي شروط شرعية تعبدية ليس لها عند العقلاء عين ولا أثر ؟ مع انها مفقودة غالبا كما هو ظاهر (قوله: غير مقبول) لما سيأتي انشاء الله تعالى (قوله: مما احتمل قريبا) لكن هذا الاحتمال لا يختص قدحه في الاجماع المنقول بل يجري في المحصل أيضا لانه راجع إلى ان العلم بمستند المجمعين مانع من اعتبار إجماعهم فلا وجه لتخصيصه بالمنقول، مع انه لا يتم على طريقة اللطف كما يأتي في مبحث الاجماع (قوله: من الرجوع) يعني ان بناء العقلاء على الرجوع في كل صنعة إلى أهل الخبرة بها فيكون الرجوع إلى قول اللغوي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، ولو تم هذا البناء من العقلاء كان حجة لتمامية مقدمات الامضاء فيه لثبوته في جميع الاعصار حتى عصر المعصومين (ع) وبذلك افترق عن بنائهم على العمل باقوال اللغويين الذي عرفت انه لا دليل على حجيته لعدم تمامية مقدمات الامضاء فيه الا ان في كون اللغوي من أهل الخبرة تأملا أو منعا كما سيأتي في آخر البحث (قوله: يوجب الوثوق والاطمئنان) ينبغي ان يكون المراد بهما النوعيين لا الشخصيين إذ هو الذي استقر عليه بناء العقلاء لو كان كما هو الظاهر (قوله: ولا يكاد يحصل من قول) إنكار حصول الوثوق الشخصي فضلا عن النوعي من قول اللغوي يحتاج إلى مؤونة مثل مؤونة

٩٥

بل لا يكون اللغوي من أهل خبرة ذلك بل انما هو من أهل خبرة موارد الاستعمال بداهة أن همه ضبط موارده لا تعيين أن أيا منها كان اللفظ فيه حقيقة أو مجازا ؟ والا لوضعوا لذلك علامة وليس ذكره أولا علامة كون اللفظ حقيقة فيه للانتقاض بالمشترك وكون موارد الحاجة إلى قول اللغوي أكثر من أن يحصى لانسداد باب العلم بتفاصيل المعاني غالبا بحيث يعلم بدخول الفرد المشكوك أو خروجه وان كان المعنى معلوما في الجملة لا يوجب اعتبار قوله

______________________________

الاثبات، كيف وحصول الوثوق الشخصي فضلا عن النوعي كثير جدا ؟ نعم كثيرا ما لا يحصل ذلك ايضا فلا يصح الانكار مطلقا كما لا يصح الاثبات كذلك (قوله: بل لا يكون اللغوي) هذا في الاشكال كما قبله لا يسلم الا في الجملة وليس أهل اللغة الا من أهل اللسان مع زيادة التبحر والتضلع والاحاطة، وكيف يصح دعوى أن أهل اللسان ليسوا من أهل الخبرة بمعاني لغتهم (قوله: بل انما هو من أهل) هذا مسلم في جملة من الألفاظ المستعملة في المعاني المتكثرة المتناسبة لا مطلقا، وفي بعض اللغويين لا كلهم، فانظر إلى فقه اللغة ونحوه تعرف صدق ما قلنا (قوله: وكون موارد الحاجة) هذا وجه آخر للاستدلال على حجية قول اللغوي وحاصله التمسك بمقدمات دليل الانسداد في خصوص معرفة الاوضاع فيقال: لو بنى على الاقتصار على العلم في اللغات ولم يرجع إلى قول أهل اللغة لزم التوقف في اكثر المقامات لقلة الموارد التي يحصل فيها العلم، وذلك يفضي إلى العسر والحرج فدليل نفي العسر والحرج يقتضي جواز الرجوع إليهم، (قوله: لا يوجب اعتبار) هذا خبر لكون وجواب عنه وتوضيحه: أن مجرد انسداد باب العلم باللغة لا يكفي في جواز الأخذ بالظن فيها، كما أن مجرد انسداد باب العلم بالاحكام لا يكفى في جواز العمل به بل لابد من انضمام مقدمات أخر مثل أن العمل بالاحتياط موجب لاختلال النظام أو الحرج المنفي في الشريعة المقدسة والعمل بالبراءة موجب للخروج عن الدين أو المخالفة القطعية كما سيأتي

٩٦

ما دام انفتاح باب العلم بالأحكام كما لا يخفى ومع الانسداد كما قوله معتبرا إذا أفاد الظن من باب حجية مطلق الظن وان فرض انفتاح باب العلم باللغات بتفاصيلها فيما عدا المورد (نعم) لو كان هناك دليل على اعتباره لا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا له على نحو الحكمة لا العلة (لا يقال): على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة (فانه يقال): مع هذا لا يكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها فانه ربما يوجب القطع

______________________________

بيان ذلك في محله وحينئذ فان كان الأخذ بالاحتياط والبراءة عند انسداد باب العلم باللغة مما يترتب عليه المحذوران المذكوران فقد تمت مقدمات الانسداد في الأحكام وجاز الاخذ بكل ظن بالحكم سواء أكان ناشئا من الظن باللغة من قول اللغوي أم من غيره أم من الظن بغير اللغة ايضا، ولا وجه لدعوى حجية قول اللغوي بالخصوص، وان لم يترتب عليه المحذوران ان امتنع الاعتماد على قول اللغوي فضلا عن غيره ووجب الاحتياط (قوله: ما دام انفتاح) يعني بان لا تتم مقدمات الانسداد في الاحكام (قوله: ومع الانسداد) يعني مع تمامية مقدمات الانسداد في الاحكام (قوله: وان فرض انفتاح) فعلى هذا لا يكون انسداد باب العلم باللغة منشأ لجواز العمل على الظن ولا يناط به لا وجودا ولا عدما، نعم لو دل دليل على حجية قول اللغوي بالخصوص لا يبعد أن يكون الانسداد حكمة للحكم بمعنى كونه علة لتشريعه وجعل الحجية ولو في غير مورد الانسداد لا على أن يكون علة بحيث لا يكون قوله حجة مع امكان العلم في المورد، والوجه فيه أن كونه علة ينافي اطلاق دليله المقتضي للحجية حتى في المورد الذي يمكن فيه العلم، نعم لو كان دليل الحجية مختصا بحال الانسداد أمكن أن يكون علة لا حكمة. (قوله: ربما يوجب القطع) قد يتوهم أن هذا ينافي ما قدمه من عدم حصول الوثوق من قول اللغوي ولكنه في غير محله إذ لا منافاة بين حصول القطع من مراجعة كتب اللغة ولو بملاحظة موارد الاستعمال المذكورة فيها،

٩٧

بالمعنى وربما يوجب القطع بان اللفظ في المورد ظاهر في معنى بعد الظفر به وبغيره في اللغة وان لم يقطع بانه حقيقة فيه أو مجاز كما اتفق كثيرا وهو يكفي في الفتوى (فصل) الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص من جهة أنه من أفراده من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص فلابد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له بعمومها أو إطلاقها وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور (الأول) أن وجه اعتبار الاجماع هو القطع برأي الامام (ع) ومستند القطع به لحاكيه - على ما يظهر من كلماتهم - هو علمه بدخوله (ع) في المجمعين شخصا ولم يعرف عينا

______________________________

 (قوله: بالمعنى) يعني المعنى الحقيقي قوله: في معنى) يعني وان لم يكن معنى حقيقيا (ثم ان) أقوى ما يستدل به على حجية قول اللغوي هو ما دل على حجية خبر الثقة في الاحكام (ودعوى) أن خبر اللغوي ليس متعرضا للحكم لانه من الخبر عن الموضوع (فاسدة) لان المراد من الخبر في الاحكام كل خبر ينتهى إلى خبر عن الحكم ولو بالالتزام، ولذلك ترى الفقهاء لا يتوقفون في العمل بخبر ابن مسلم لو اخبر بانه دخلنا على المعصوم في يوم الجمعة فقال: هذا يوم عيد، أو انتهينا إلى مكان كذا فقال: هذا مكان يجب على من مر به الاحرام أو الوقوف، أو سأله رجل فقال: كذا، حيث يفتون بان الجمعة يوم عيد ووادي العقيق أو عرفات يجب الاحرام منه والوقوف فيه، أو أنه يجب على الرجل كذا وليس المستند لهم الا خبر ابن مسلم عن الموضوعات الخارجية وهو كون اليوم يوم جمعة والمكان وادى العقيق أو عرفات والسائل رجل لا امرأة، فإذا جاز الاعتماد على خبر ابن مسلم في الموضوعات المذكورة لانه ثقة لم لا يجوز الاعتماد على الجوهري فيها لانه ثقة ؟ وما الفرق ؟ وهل يصح لاحد فيما لو اخبر ابن مسلم انه (ع) جاء إلى مكان فقال: يجب على من دخله الغسل بالماء القراح، ان يدعي انه يرجع إلى ابن مسلم في تعيين ذلك المكان وانه مسجد الكوفة ولا يعتمد على الجوهري لو اخبر عن الماء القراح انه الماء الخالص عن الخليط، وكيف لا يتوقف في شمول أدلة الحجية

٩٨

أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه (ع) عقلا من باب اللطف أو عادة أو اتفاقا من

______________________________

لخبر ابن مسلم عن مثل هذه الموضوعات ولا يعتمد على اللغوي في بيان معنى اللفظ والمتتبع في الاخبار يعثر على ما لا يحصى كثرة من الاخبار المتعرض فيها لبيان بعض الموضوعات المجملة واعتماد الفقهاء عليها في تفسيرها. نعم قد يفرق بان خبر اللغوي عن حدس لا حس كخبر ابن مسلم، وفيه المنع من مثل هذا الفرق حينئذ والحدس القريب من الحس لا باس بالاعتماد عليه، ولذا بنوا على قبول الخبر المنقول بالمعنى مع انه مما نحن فيه كما هو ظاهر، ومما ذكرنا يظهر أنه يجوز الاعتماد على خبر الثقة في كل ما ينتهي إلى الحكم الكلي مثل الخبر عن عدالة الراوي وضبطه ووثاقته وموته وغير ذلك مما يرجع إلى الاخبار عن الحكم الكلي، ومثله الاخبار عن عدالة المجتهد واجتهاده وأعلميته أو نحو ذلك من شرائط الرجوع إليه وان لم يجز الاعتماد عليه في جواز الائتمام به وتسليم أموال القاصرين إليه وغير ذلك مما لا ينتهي إلى الحكم الكلي بل يترتب عليه حكم جزئي، واما ما تقدم من المصنف (ره) من كون الرجوع إلى اللغوي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة فقد عرفت أنه محل تأمل أو منع كيف واللغوي كسائر من يطلع على الامور الخارجية ذوات الآثار الظاهرة فان اطفال أهل اللسان ومجانينهم يعلمون بلغتهم ولا يصح أن يقال إنهم من أهل الخبرة، فالعلم باللغة ليس مما يوجب كون صاحبه من أهل الخبرة بل يتوقف صدق ذلك على كون العلم حاصلا من المقدمات الحدسية البعيدة عن الاحساس. نعم ربما يكون جملة من المفاهيم مما يصعب تمييز تطبيقها الحقيقي عن المجازي في بعض الموارد، بل لعله يوجد ذلك في اكثر المفاهيم فان مفهوم الماء - مع أنه من أوضح المفاهيم العرفية - يشك في انطباقه على بعض الافراد كالمخلوط بما يساوي ربعه من التراب لعدم الاحاطة بتمام خصوصيات المفهوم، وحينئذ فيصعب على الكامل التمييز فضلا عن غيره ويكون اللغوي في مثل ذلك معدودا من أهل الخبرة لاحتياجه إلى مقدمات بعيدة في مقام الاستنباط، فتأمل جيدا والله سبحانه هو العالم (قوله: أو قطعه) الضمير فيه راجع إلى الناقل للاجماع وفى

٩٩

جهة حدس رأيه - عليه السلام - وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الاجماع حيث انهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه (ع) في المجمعين عادة يحكون الاجماع كثيرا. كما انه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بانه معلوم النسب انه استند في دعوى الاجماع إلى العلم بدخوله (ع) وممن اعتذر عنه بانقراض عصره انه استند إلى قاعدة اللطف. هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك على ما يشهد به مراجعة كلماتهم وربما يتفق لبعض الاوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته (ع) وأخذه الفتوى من جنابه، وإنما لم ينقل عنه بل يحكي الاجماع لبعض دواعي الاخفاء (الأمر الثاني) أنه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع (فتارة) ينقل رأيه (ع) في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب، أو حسا وهو نادر جدا (وأخرى) لا ينقل الا ما هو السبب عند ناقله عقلا أو عادة أو اتفاقا

______________________________

 (يحكيه) راجع إلى الاجماع وفي (رأيه) راجع إلى الامام (ع) (قوله: كما هو) الضمير راجع إلى الاستلزام الاتفاقي (قوله: انه استند في) فان العلم بالنسب إما لا يقدح في العلم الاجمالي والا فمعلوم النسب خروجه قادح في الملازمة بانواعها (قوله: انه استند إلى) فانه يكفي في اقتضاء القاعدة لاستكشاف رأيه - عليه السلام - اجتماع أهل عصر واحد ويمنع من حصول العلم الاجمالي بدخوله في المجمعين أو ثبوت الملازمة العادية أو الاتفاقية خروجه ولو في عصر منقرض كما هو ظاهر (قوله: في ضمن نقله حدسا) بان يراد من الاجماع اجماع جميع العلماء حتى الامام (ع) فانه سيدهم ويكون رأيه منقولا عن حدس ورأي غيره منقول حسا أو حدسا (قوله: كما هو الغالب) يعني الغالب في نقل رأي الامام مقابل النادر وهو نقله عن حس لا الغالب في نقل الاجماع إذ هو أول الكلام فتأمل،

١٠٠