الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات12%

الشفاء الإلهيّات مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: مكتبة الفلسفة والعرفان
الصفحات: 489

الشفاء الإلهيّات
  • البداية
  • السابق
  • 489 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97495 / تحميل: 8551
الحجم الحجم الحجم
الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات

مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

المستجدّة، أم في بحث السُنن والآداب الدينيّة الاجتماعيّة المستجدّة.

هل يمكن استفادة الجواز من دليل:(مَن سَنّ سُنّةً حَسنة كان له أجرها وأجر مَن عملَ بها إلى يوم القيامة) (1) ، والتدليل على شرعيّة الآداب والسُنن التي تُستحدث من قِبَل المتشرِّعة؟

هل يعطي هذا الدليل نوعاً من التخويل بيد المتشرِّعة؟ ثمّ ما هو محلّ هذه المنطقة من التشريع؟ هذا بحث مستقلّ، وسنرى أنّ هذه المنطقة التي فُوّض فيها التشريع تشمل بعض السُنن الاجتماعيّة المشروعة في دائرة معيّنة، في الوقت الذي مُنع التفويض في موارد أخرى.

أي سُوِّغ في بعض ومُنع في بعض آخر، وسوف نُبيّن أنّ هذه المنطقة هي نفس منطقة اتّخاذ الشعائر، وهي منطقة تطبيق العمومات أو العناوين الثانويّة في جنبة الموضوع على المصاديق.

يُنقل أنّ الميرزا النوري (قدِّس سرّه) - صاحب كتاب مستدرك الوسائل - هو الذي شيّد سُنّة السير على الأقدام من النجف إلى كربلاء، بقصد زيارة سيّد الشهداء (عليه السلام) في الأربعين، وإن كانت الروايات تدلّ على العموم، مثل ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):(مَن أتى قبر الحسين (عليه السلام) ماشياً كتبَ الله له بكلّ خطوة ألف حسنةٍ، ومحى عنه ألف سيّئة، ورفعَ له ألف درجة..) (2) .

ولكن على صعيد سُنّة وطقس خاص: كالسير لزيارة النصف من رجب، والنصف من شعبان ونحو ذلك، قد تتفشّى وتنتشر سُنّة وعادة خاصّة

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) وسائل الشيعة 10: 342؛ كامل الزيارات: 133.

(2) من الجواب التفصيلي عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العُرف.

١٠١

لدى المؤمنين، فتُقرّر المشروعيّة بواسطة العموم الذي يشمل كلّ المصاديق، ويتناول المصاديق المحلّلة بالحلّيّة بالمعنى الأعم، أو قد يُعمّم تناوله للمحرّمة منها والمنجّزة كما مرّ.

خلاصة القول في النقطة الثالثة (1) :

إنّ الشارع إذا أمرَ بالمعنى العام الكلّي، فإنّه يُستفاد من ذلك التخيير أو الجواز الشرعي في التطبيق على الأفراد المتعدِّد، ومقتضى هذا التخيير والجواز هو التطبيق على الموارد والأفراد في الخصوصيّات المتعدّدة، مثل: ما إذا أمرَ الشارع بالصلاة، أو أمرَ ببرّ الوالدين، أو بمودّة ذوي القربى، أو أمرَ بفعل من الأفعال الكلّيّة، فيجوز تطبيق هذه الطبيعة الكلّيّة بالمعنى العام على أفراد الخصوصيّات في الموارد العديدة، باعتبار أنّ الشارع لم يُقيّد الفعل المأمور به بخصوصيّة أو بقيدٍ خاصّ معيّن، إلاّ أنّ هذا الجواز العقلي في تطبيق الطبيعة على الموارد والخصوصيات الكثيرة، لا يشمل موارد كون الأفراد محرّمة، فهذا الجواز والتخيير إنّما يُحدَّد بدائرة الأفراد المحلّلة.

فهذا حال العناوين الثانويّة التي تطرأ على المصاديق، ومثل: طروّ الصلاة على المصاديق قد يقال إنّها حالة ثانويّة، مثلاً: الصلاة حالة ثانويّة في الدار الغصبيّة، أو الصلاة في الأرض المخطورة، أو الأرض السبخة، على كلّ حال طروّ العنوان الكلّي على الأفراد المخصوصة يكون طروّاً ثانويّاً، والمفروض بمقتضى النقطة الأولى التي ذكرناها، وهي: أنّ للمكلّف التخيير في تطبيق الكلّي على موارد الأفراد العديدة، وبمقتضى النقطة الثانية ذكرنا

____________________

(1) من الجواب التفصيليّ عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العُرف.

١٠٢

أنّ الطبيعة الكلّيّة تكون حالة ثانويّة بالنسبة للأفراد وللخصوصيّات.

وبمقتضى النقطة الثالثة أيضاً، فالمفروض أنّ هذا العنوان الثانوي في جنبة الموضوع لا في جنبة الحكم، وهذا العنوان الثانوي في جنبة الموضوع لا يسوغ تطبيقه في الفرد الحرام؛ وإنّما يختصّ بدائرة الأفراد المحلّلة(1) .

وقد قرأتُ بعض كلمات الأعلام التي مؤدّاها: أنّ مثل إظهار الحزن والبكاء على مصاب الحسين (عليه السلام) إذا كان مصداقه لبس السواد - الذي هو مكروه في الصلاة مثلاً -، ومثل الشبيه وغيره، يسوغ اتّخاذه شعيرةً لإظهار الحزن على مصاب الحسين (عليه السلام)، فيُلاحظ في الكثير من فتاوى أساطين الفقه أنّهم سوّغوا اتّخاذها شعيرة، وحكموا بعدم الكراهة إذا كانت بعنوان الحزن، فانتهى البحث إلى ضرورة تحليل ضابطة التعارض وضابطة التزاحم؛ كي يتمّ تمحيص دائرة تطبيق العمومات للطبائع المأمور بها والمندوب إتيانها.

وإنّ دَيدن الفقهاء في الفتاوى المختصّة بالشعائر، والتي أشرنا إلى بعضها: هو التمييز بين التعارض والتزاحم للأدلّة ومعرفة الضابطة للتفرقة بينهما، حيث إنّه مع التعارض سوف يُزوى الدليل المبتلى بالتعارض عن التمسّك به كمستند ويسقط، وبعبارةٍ أخرى، سوف لا يكون مستنداً شرعيّاً، ولا مَدركاً شرعيّاً، وبالتالي ما يؤتى به من مصاديق تكون غير

____________________

(1) وقد ذهبَ بعض العلماء مثل: الميرزا القمّي (قدِّس سرّه) وغيره إلى أكثر من ذلك، حيث عمّم دائرة تطبيق متعلّق الأمر على المصداق المحرّم فيما إذا كانت الحرمة غير منجّزة، بل يتناول العموم كذلك الفرد المحرّم المنجّز أيضاً، وإن امتنع الامتثال في الصورة الأخيرة؛ لكونه فاسداً، لبداهة امتناع التقرّب بالمصداق المحرّم.

١٠٣

شرعيّة.

وأمّا إذا بنينا على التزاحم، فلا يسبِّب ذلك سقوطاً للدليل، فيكون حكمه فعليّاً بفعليّة موضوعه، فيجوز الاستناد إليه شرعاً، فلابدّ من معرفة ضابطة التزاحم والتعارض في هذه النقطة الثالثة من الجهة الرابعة.

ضابطةُ التعارض والتزاحم

إنّ ثمرة هذه الضابطة هي معرفة الموارد التي ينعدمُ ويُلغى فيها الدليل، فيكون عملنا في المصداق بلا شرعيّة، ويُحكم عليه بالبدعيّة، بعكس ما إذا أثبتنا عدم التعارض ووجود الدليل بالفِعل، فيكون عملنا عملاً شرعيّاً ومستنِداً إلى مدارك شرعيّة.

وهذه الزاوية هي أحد الزوايا التي تدفع البدعيّة في المقام، وتُثبت الشرعيّة.

والضابطة: هي أنّ كلّ مورد يكون فيه بين الدليلين تنافياً وتضادّاً وتنافراً في عالَم الجعل والتشريع، مثل: طلب النقيضين كما في (صلّ)، و(لا تصلِّ) فهنا يتحقّق التعارض، وبعبارةٍ أخرى: أن يكون التنافي بين الدليلين غالبيّاً، أو دائميّاً على صعيد التنظير والإطار لطبيعة متعلّق كلّ من الدليلين، سواء كانت النسبة نسبة عموم وخصوص من وجه، أو عموم و خصوص مطلق، أو تباين، سوف يكون تعارضاً، أمّا التزاحم فهو أنّ التنافي والتنافر بين الدليلين ليس ناشئاً من عالَم الجعل والتشريع، وإنّما يطرأ في عالَم الامتثال والتطبيق، أي أنّ التنافي هنا ينشأ بين الدليلين من باب الصدفة والاتّفاق، مثل: تصادف وجوب امتثال إنقاذ الغريق بالمرور على أرض مغصوبة.

١٠٤

هذه هي الضابطة بين التعارض والتزاحم.

وحالات العلاقة بين الأدلّة هي حالات عديدة جدّاً، وبعنوان الفهرسة فقط نذكر أنّ هناك وروداً وتوارداً وحكومة في مقام التنظير ومؤدّى الدليل، أي هناك تعارض وتزاحم ملاكي، وتزاحم امتثالي وحكومة في مقام الامتثال أو إحرازه.

وهذه حالات عديدة لكن لا تعنينا الآن، بل يُعنينا في المقام هو التفرقة بين التعارض وعدمه من الحالات الأخرى.

أمّا حالات عدم التعارض فلها بحث آخر، والمهمّ التثبّت من عدم وجود تعارض في البَين؛ لأنّ التعارض سوف يؤدّي إلى إزواء وإسقاط أحد الدليلين أو كلا الدليلين عن المورد، فسوف يكون المصداق والتطبيق في ذلك المورد خِلواً من الدليل ومجرّداً عن الشرعيّة.

إذاً، الاتفاقيّة في تنافي الدليلين على صعيد المؤدّى الفرضي، والدائميّة هي ضابطة التعارض وعدم التعارض، ولذلك نجد في العديد من موارد اجتماع الأمر والنهي - التي هي عموم من وجه - أنّهم لا يلتزمون بالتعارض لاتّفاقية التنافي وعدم دائميّته، وموارد التضادّ أيضاً، ومسألة التزاحم في الامتثال بين الحُكمين - كالصلاة وتطهير المسجد - هي مسألة التلازم الاتّفاقي بامتثال أحدهما لترك الآخر واتّفاق التقارن لدليلين في ظرف واحد، تكون النسبة شبيهة بعمومٍ وخصوص من وجه أيضاً، لكنّها اتّفاقيّة وليست بدائميّة.

وليست الدائميّة والاتفاقيّة بلحاظ الزمن - كما قد يتبادر في الذهن - بل المراد هو أنّ نفس مفاد الدليلين في أنفسهما - بغضّ النظر عن التطبيق الخارجي، وبغضّ النظر عن الممارسة الخارجيّة والمصداق الخارجي - يتحقّق بينها تنافي وتنافر. الدليلان في نفسيهما لو وضعتهما في بوتقة الدلالة وبوتقة التنظير والمفاد الفرضي، يحصل التنافي بينهما.

وتارةً الدليلان في نفسيهما في عالَم الدلالة وأُفق الدلالة وأُفق المفاد، أي بلحاظ الأجزاء الذاتيّة لماهيّة متعلّق الدليلين هناك نقطة تلاقي واتّحاد بين المتعلّقين، مع كون حكميهما متنافيين، أي بلحاظ إطار طبيعة كلّ من متعلّق الحُكمين، بغضّ النظر عن التطبيق والمصداق والممارسة الخارجيّة، نفس مؤدّى دلالة الدليلين ليس بينهما تنافٍ؛ وإنّما نَشأ التنافي من ممارسة خارجيّة، أي من وحدة الوجود لا من وحدة بعض أجزاء الماهيّة، فإن كان التنافي نشأ من ممارسة خارجيّة فيُقرّر أنّ التنافي اتفاقي، وإن كانت الممارسة طويلة الأمد في عمود الزمان، لكنّها ليست من شؤون الدلالة والتقنين وإنشاء القانون، فليس هناك تكاذب في الجعل، وأمّا إذا كانت بلحاظ نفس مؤدّى ماهيّة كلّ من المتعلّقين ودلالة الدليلين فهو من التعارض.

١٠٥

وإنّ مبنى المشهور شهرة عظيمة: أنّ النسبة بين العناوين الثانويّة في جنبة الحكم - مثل: الضرر، الحرج، الاضطرار، الإكراه، النسيان، وغيرها - نسبتها مع الأحكام الأوّليّة ليست نسبة التعارض، بل نسبة التزاحم، ويُعبّرون عنها بأنّها (حاكمة) على أدلّة الأحكام الأوّليّة، يعني حاكمة في صورة الدلالة، أو واردة في صورة الدلالة، لكنّ هذه الحكومة أو الورود في صورة الدلالة هي لُبّاً تزاحم.

ومن ثمرات هذه الضابطة التي تميّز التعارض عن عدم التعارض، والاتفاقيّة والدائميّة: أنّ النسبة بين العناوين الثانويّة في جنبة الحكم والأحكام الأوّليّة هي نسبة اتفاقيّة؛ لأنّ الضرر، أو الحرج، أو النسيان، أو الإكراه نشأ بسبب الممارسة الخارجيّة، وإلاّ ففي الفرض التقرّري لمعنى وماهيّة مؤدّى كِلا الدليلين، يتبيّن أنّه لا تصادُم بين دليل الإكراه أو الضرر - مثلاً - وبين أدلّة الأحكام الأوّليّة، وهذا دليل على أنّ التنافي ليس بسبب الدلالة؛ وإنّما هو بسبب الممارسة الخارجيّة وفي عالَم الامتثال.

بخلاف ما إذا كان التنافي والتصادم دائميّاً وغالبيّاً فهو تعارضي.

فبمقتضى النقطة الثانية: أنّ هذه العناوين الكلّيّة حالات ثانويّة في المصداق، لكنّ ملاكها أوّلي، فتكون ملاكاً أوّليّاً للمصاديق، وإن كانت حالات ثانويّة في المصداق، فكونها ثانويّة في المصداق، لا يُتوهّم ويُتخيّل منه أنّها ثانويّة واستثنائيّة وشاذّة الملاك، بل حكمها أوّلي؛ إنّما هي ثانويّة الموضوع، هذا بمقتضى النقطة الثانية.

١٠٦

وبمقتضى النقطة الثالثة: أنّ الشرعيّة باقية وإن كان المصداق حكمه الكراهة، فضلاً عن الاستحباب , وفضلاً عن الإباحة، وفضلاً عن الوجوب.

بل ولو كان المصداق محرّماً إذا كان غير منجزّ، ويكون حينئذٍ من قبيل: اجتماع الأمر والنهي، سواء مع المندوحة أو بدونها(1) ، بل في تصوير بعض الأعلام ولو كان منجّزاً(2) بشرط الاتفاقيّة في التصادق.

والمفروض أنّ اتّخاذ الشعائر - وسُبل ووسائل الإنذار، والبثّ الديني ووسائل إعزاز وإعلاء الدين - اتفاقي بلحاظ تقرّر معنى ومؤدّى الدليلَين - دليل الشعائر ودليل الحرمة -؛ لأنّ التصادق بسبب الخارج، وهو ليس بدائمي.

فمن ثُمّ نقول في الجهة الرابعة، إنّنا لو سلّمنا بنظريّة القائل بأنّ الشعائر حقيقة شرعيّة، فلن ننتهي إلى النتيجة التي يأمل أن يصل إليها، وهي الحُكم على الشعائر المستجدّة المُستحدَثة بأنّها بدعة، بل يحكم عليها بمحض الدليل بالشرعيّة، لمَا بيّنّاه من الفَرق بين البدعيّة والشرعيّة.

وإنّ البدعيّة أحد ضوابطها إزواء الدليل وسقوط حجّيّته عن التأثير في ذلك

____________________

(1) إذا كان الأمر هو (صلّ)، والنهي (لا تغصب)، فمع المندوحة: أي مع فرض التمكّن من الخروج من الأرض المغصوبة وأداء الصلاة في مكان آخر (والمندوحة معناها: التمكّن والمجال والسعة)، لا يتحقّق التزاحم أصلاً.

أمّا بدون المندوحة: فهي في فرض عدم التمكّن من الخروج من الأرض المغصوبة، فهنا يتحقّق التزاحم؛ لعدم إمكان امتثال الحُكمين معاً فيُقدّم الأهمّ منها.

(2) مثل: وجوب الصلاة وحرمة الغصب، غاية الأمر أنّ تنجّز الغصب يمانع من صحّة الصلاة، ولا يُمانع من شمول الأمر بالصلاة للفرد الغصبي، وقد ذهبَ إلى ذلك الميرزا القمّي (قدِّس سرّه).

١٠٧

المصداق في مجال التطبيق، أمّا إذا لم يسقط الدليل وشملَ وعمّ وتناول ذلك المصداق، فسوف يكون هناك تمام الشرعيّة وفقاً لمَا بيّنّاه عبر النقاط الثلاث الآنفة الذكر.

هذا تمام الكلام في الجواب التفصيليّ الأوّل عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العُرف، وكما يظهر منه أنّه جوابٌ نقضي.

الجوابُ التفصيلي الثاني (1) :

عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العرف، وهو جواب مبنائي وحلّي لنقوض المعترِض: وهو أنّ القائل بأنّ الشعائر حقيقة شرعيّة استندَ إلى عدّة أدلّة(2) ذكرناها سابقاً، مثل: استلزام ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال، وإنّ ذلك يستلزم اتّساع الشريعة، وغير ذلك من الوجوه التي استند إليها المُستدل.

ومن الواضح أنّ هذه الوجوه يمكن الردّ عليها بما يلي:

أوّلاً: تحريم الحلال وتحليل الحرام إن كان بمعنى أن يتّخذ المكلّف أو المتشرّعة فعلاً ومصداقاً خارجيّاً حراماً، أو يتّخذوه حلالاً من دون دليل شرعي، فحينئذٍ يصدق تحريم الحلال وبالعكس، ويثبت الاعتراض.

لكن إذا استندوا إلى دليل شرعي، فما المانع من ذلك؟ حيث لا يُنسب التحريم والتحليل إليهم؛ وإنّما المحلّل والمحرّم هو المَدرك والدليل الشرعي.

مثلاً في باب النذر: قد يُحرّم الإنسان على نفسه الحلال بواسطة النذر

____________________

(1) الجواب الأوّل تراجعه بملاحظة ص 78 من هذا الكتاب.

(2) راجع ص 79 من هذا الكتاب.

١٠٨

لغرضٍ راجح.

وفي باب الاضطرار يُحلَّل الحرام فيما إذا كان الحرام مضطرّاً إليه وما شابه.

فهنا يستند إلى دليل شرعي، فما المانع من ذلك؟ إذ يؤول ويؤوب في نهاية الأمر إلى أنّ التحليل والتشريع إنّما هو بيد الشارع وليس بيد المكلّف؛ لأنّ المفروض أنّه استندَ إلى دليل شرعي، وإلاّ سوف تجري هذه الشبهة - شبهة التحليل والتحريم - بغير ما أنزلَ الله سبحانه، حتّى في الصلاة إذا صلاّها الإنسان في مكانٍ مباح، والكون في المسجد، أو في البيت، أو في الصحراء، هذا الوجود والكون حلال، لكن بما أنّه مصداق للصلاة فيكون واجباً، فهل هذا تحريم للحلال؟!

أو هناك شيء محرّم، لكن بسبب الاضطرار أو غيره أصبح حلالاً، فتحليل الحرام هنا ليس من قِبَل المكلّف، كلاّ، التحريم هو من قِبَل الشارع.

التشريعُ بين التطبيق والبِدعة

وذكرنا أنّ بيت القصيد وعَصب البحث هو بحث إزواء وسقوط الدليل وعدم سقوطه، فإذا فرغنا وانتهينا من ذلك سوف تسهل بقيّة المباحث، مع الالتفات إلى النقاط الثلاث السابقة، إذ لابدّ لنا من إيصال الدليل وشموليّته للمصداق، هذا بالنسبة إلى تحريم الحلال و تحليل الحرام.

وأمّا بالنسبة إلى الدليل الآخر: من أنّ هذا فتح لباب التشريع وجعله بيد المكلّف والمتشرِّعة فلا يخفى ضعفه؛ لأنّ المتشرّعة لا يُفوّض إليهم التشريع، إذ

١٠٩

من المفروض أنّ باب التطبيق ليس فيه تفويض للتشريع، ومثاله الواضح في قوانين الدولة حينما يشكِّل دستور أوّلي مشتمل على قانون من القوانين الوضعيّة، مثلاً يشتمل الدستور على مائتي مادّة، ثُمّ بعد ذلك تُفوّض الدولة وتُنزّل تلك المواد الدستوريّة إلى المجالس النيابيّة في الشُعَب المختلفة، ثُمّ تتنزّل هذه القوانين المتوسطة الشُعبيّة إلى درجات أنزل، أي إلى الوزارات والإدارات المختلفة، فحينئذٍ يصبح هناك تعميم وزاري أنزل وأدون بتوسّط لوائح داخليّة، ثُمّ تُخوّل الوزارات المؤسّسات التجاريّة والاقتصاديّة والأندية السياسيّة والحقوقيّة والمؤسّسات.

كلّ ذلك حقيقته يرجع إلى نوع من التشريع، وهذا البعد الذي تُخوّله الوزارات إلى عموم شرائح المجتمع من فئات سياسيّة، أو تجاريّة، أو اقتصاديّة، أو حقوقيّة، أو غيرها، هذا التخويل ليس تشريعاً مذموماً، ولا يصدق عليه البدعة أو الإحداث في القانون أو التبديل في الشريعة، بل هو نوع من تطبيق القوانين، لكن ليس تطبيق القوانين الفوقانيّة جدّاً، ولا المتوسّطة، بل هو بمثابة تطبيق النازلة التحتانيّة على المصاديق.

فالمتشرّعة لا يُنشئون الأحكام الشرعيّة الفوقانيّة، بل الأحكام الفوقانيّة الكلّيّة هي على حالها، والذي يحصل من المتشرّعة هو تطبيق تلك القوانين الكلّيّة، والتطبيق ليس نوعاً من التشريع، بل هو نوع من الممارسة التي أذِن الشارع فيها، كما في موارد كثيرة حيث يأمر الشارع بعناوين عامّة ويُوكل جانب التطبيق ويُخوّله إلى المتشرّعة، سواء المتشرِّعة على صعيد فردي، أو على صعيد جماعات، أو على صعيد حاكم، وهكذا.

١١٠

وذكرنا أنّ هذا المقدار من التخويل في التشريع مع التطبيق لابدّ منه في أيّ قانون، حتّى في القوانين الوضعيّة(1) ، ولابدّ من الأخذ بالاعتبار أنّ القانون - مهما بلغَ من التنزّل - يبقى له جهة كلّيّة، وله جهة عامّة، وليس مخصوصاً بجزئي حقيقي ومصداق متشخّص فيبقى كلّيّاً ويبقى تنظيريّاً، وإذا بقي كذلك فمقام التطبيق الأخير لابدّ حينئذٍ من أن يكون بيد المكلّف، فجانب التطبيق ليس فيه نوع من التشريع المنكر، أو القبيح في حكم العقل، أو في حكم الوضع، بل هو نوع من التطبيق الذي لابدّ منه في كلّ القوانين.

مراتبُ تنزّل القانون

وهنا لفتة لا بأس من الإشارة إليها، وهي: أنّ بعض القوانين - سواء القانون الوضعي، أو القانون السماوي - يتكفّل الشارع أو المُقنّن بنفسه تنزيلها إلى

____________________

(1) وهنا قد يتبادر تساؤل، وهو: هل يمكن قياس التشريع الإلهي بالقانون الوضعي؟

والجواب: أنّ لغة القانون والاعتبار لغة ينطوي في مبادئها التصوّريّة والتصديقيّة، أنّها لغة موحّدة بين التقنين السماوي والوضعي إلاّ ما دلّ الدليل على الخلاف، ومن ثُمّ ترى علماء الأصول والفقهاء يبنون على وحدة معاني وماهيّات العناوين المستخدمة كآلة قانونيّة، في العرف العقلائي مع العرف الشرعي إلاّ ما استثناه الدليل، وبعبارة أخرى: كما أنّ الشارع لم يستحدث لغة لسانيّة جديدة في صعيد حواره مع الأُمّة المخاطَبة، فكذلك لم يستحدث لغة اعتباريّة قانونيّة جديدة في صعيد التخاطب القانوني التشريعي، وإن كانت تشريعات الشرع المبين مغايرة لتشريعات العرف البشري؛ فإنّ ذلك على صعيد المسائل التفصيليّة وتصديقاتها، لا على صعيد مبادئ اللغة القانونيّة: كمعنى الموضوع، ومعنى الحكم من الوجوب، والحرمة، والملكيّة، والصحّة، والبطلان، والحُجّيّة ونحوها.

١١١

درجات، وبعض المواد قد ترى أنّ الشارع قد أبقاها على وضعها الكلّي الفوقاني.

فالمواد الكلّيّة القانونيّة على أنحاء:

بعضها عمومات فوقانيّة جدّاً، وبعضها كلّيّات فوقانيّة متوسّطة، وبعضها كلّيّات تحتانيّة متنزّلة، فالمواد القانونيّة مختلفة المراتب، ومتفاوتة الدرجات.

وكيفيّة إيكال الشارع وتطبيقه لهذه المواد يختلف بحسب طبيعة المادّة وطبيعة المتعلّق لتلك المادة القانونيّة، وبحسب طبيعة الموضوع.

قاعدةُ اتّخاذ السُّنّة الحَسنة

فعلى ضوء ذلك، لا مانع عقلاً ولا شرعاً في تخويل المتشرِّعة في التطبيق لا سيّما في العمومات المتنزلّة، وبالمناسبة هنا نشير إلى معنى القاعدة المنصوصة المستفيضة عند الفريقين:(مَن سَنّ سُنّةً حَسنة كان له أجرها وأجر مَن عمل بها) (1) ، وهو حديث نبوي مستفيض بين الفريقين العامّة والخاصّة، وهو قاعدة مسلّمة.

فما هو المائز بينها وبين قاعدة حرمة البدعة والبدعيّة؟

المائز والفارق: هو أنّ كلّ مورد يوجد فيه عموم يمكن أن يستند إليه المكلّف أو المتشرّعة، هذا أوّلاً،

وثانياً: يوكَل تطبيقه وإيقاعه إلى المكلّف أو إلى المتشرّعة، فيكون مشمولاً للحديث السابق:(مَن سَنّ سُنّة حَسنة...) بخلاف البدعة التي هي في

____________________

(1) انظر: سُنن ابن ماجة 1: 74 / ح 203، المعجم الكبير للطبراني 2: 315 / ح 2312؛ و 22: 74 / ح 184.

١١٢

مورد إنشاء تشريع فردي أو اجتماعي، من دون الاستناد إلى دليل فوقاني، أو إلى عموم معيّن.

فالفارق بين مؤدّى:(مَن سَنّ سُنّة حَسنة) وبين موارد حرمة البدعة: هو أنّ موارد حرمة البدعة لا يستند فيها إلى دليل، وتشريع معيّن، بينما في موارد السُنّة الحسنة وإنشاء العادات الدينيّة في المجتمع والأعراف ذات الطابع الاجتماعي، يستند فيها إلى دليل شرعي.

والعبارة الأخرى:(ومَن سَنّ سُنّة سيئة) (1) ، معناها ظاهر بمقتضى المقابلة، حيث يكون سبباً لنشر الرذائل بين الناس لدرجة تتحوّل إلى ظاهرة اجتماعيّة، أي تطبيق الحرمة بشكل مُنتشر وكظاهرة اجتماعيّة، وهذا عليه الوزر المضاعف.

إذاً، استحداث سُنّة حَسنة بالشروط السابقة ليس بتفويض ممقوت أو مكروه؛ إنّما التفويض الباطل هو أن يشرِّع المتشرّعة تشريعاً ابتدائيّاً، ومن حصول هذا التفويض في التشريع المتنزّل في قاعدة الشعائر الدينيّة وفي قاعدة(مَن سَنّ سُنّةً حَسنة) ، يُقرّر وجهان إضافيّان لأدلّة الولاية التشريعيّة للنبي والأئمّة (عليهم السلام) المنزِّلة للأصول التشريعيّة الإلهيّة.

لمحةٌ حول الولاية التشريعيّة

ولهذا البحث صلة ببحث منطقة الولاية التشريعيّة المفوّضة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة (عليهم السلام)، تمييزاً عن التشريع الذي هو بيد الله سبحانه وتعالى.

____________________

(1) المصدر السابق.

١١٣

وهذا غير ما يُخوّل به المتشرّعة، الذي هو نوع تطبيقي محض في جانب المتشرّعة.

كما وردت في ذلك بعض الآيات مثل:( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (1) ، وقوله تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (2) وغيرها، والروايات العديدة التي تُثبت الولاية التشريعيّة لهم.

وللتفرقة بين المقامين لأجل بيان حقيقة التطبيق المسموح به للمتشرِّعة، تفريقاً له عمّا فُوّض به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة (عليهم السلام): هو أنّه في عالَم التقنين، سواء الوضعي ولغة القانون، أو لغة الشريعة السماويّة، أنّ العمومات الفوقانيّة يكون تنزّلها قهريّاً انطباقيّاً مصداقيّاً، وهناك بعض العمومات المسمّاة بالأصول القانونيّة والأصول والأُسس التشريعيّة، لا تتنزّل بنفسها بتنزّل قهري عقلي تكويني، بل لا تتنزّل هذه العمومات الفوقانيّة القانونيّة إلاّ بجعلٍ قانوني.

وهذه الظاهرة من ضروريّات القانون، هذا التشريع والجعل - الموجِب لتنزّل الأصول القانونيّة بمعنى تنزيل تشريعات الله عزّ وجلّ إلى تشريعات تنزّليّة - نظير ما هو موجود الآن في المجالس النيابيّة، إذ لا يمكن للمادّة الدستوريّة أن تُعطى بيد رئيس الوزراء، فضلاً عن أن تُعطى بيد موظف في الوزارة، وفضلاً عن أن تُعطى بيد عامّة المجتمع، بل المادّة الدستوريّة لابدّ لها من تنزيل بواسطة المجلس النيابي بعد أن ينزِّلها المجلس النيابي بتنزيلات عديدة، ثُمّ تُعطى بيد الوزير أو بيد رئيس الوزراء، ولابدّ أن تُنزّل بتوسّط الوزير والوزارة أيضاً إلى

____________________

(1) الحشر: 7.

(2) الأحزاب: 21.

١١٤

الشُعَب الوزاريّة بتنزّلات أخرى، ثُمّ تُعطى بيد عامّة المجتمع، فهذا السِنخ من التنزّلات ليس من قبيل ما طرقَ أسماعنا وشاع في أذهاننا،من كونها تطبيقات قهريّة مصداقيّة عقليّة تكوينيّة، كلاّ، بل هي من قبيل تطبيقات جعليّة بجعول قانونيّة، إذ لابدّ من جعل قانوني ينزِّل هذه المادّة ويُعدّها للتطبيق، وبعض المواد القانونيّة تكون خاصيّتها كذلك، وبعضها لا تكون خاصيّتها كذلك.

والذي فُوّض إلى المكلّف أو المتشرّع هو غير سنخ ما يُوكل ويفوّض إلى النبي والأئمّة (عليهم السلام) في التشريع؛ إنّما هو سنخ تطبيقي ساذج بسيط، وهو تطبيق قهري تنزّلي عقلي، بخلاف المنطقة التي يُفوّض بها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو إلى الأئمّة (عليهم السلام)، فتلك تحتاج إلى جعول وتقنينات أخرى تنزيليّة، نظير ما هو موجود في المجالس النيابيّة، نقول هو نظيره وليس هو عينه، إذ التمثيل إنّما هو من جهة لا من كلّ الجهات، وإلاّ فالمجالس النيابيّة تسمّى القوّة التشريعيّة، وهي التي يكون على كاهلها وفي عهدتها تنزيل المواد الدستوريّة، ثُمّ تُدلي بها إلى القوّة التنفيذيّة الإجرائيّة.

إذاً، لا بدّ من تخويل تشريعي في المجلس النيابي، إذ إنّ بعض الكلّيّات الفوقانيّة الأمّ لا يمكن أن تتنزّل إلى عامّة المكلّفين وعامّة المجتمع بتوسّط نفس المادّة الدستوريّة، فلابدّ من تفويض مرجع ومصدر له صلاحيّة تشريعيّة، وهذا اصطلاح في علم الأصول، وهو أنّ لدينا عمومات فوقانيّة تختلف عن العمومات الفوقانيّة الرائجة، التي هي تتنزّل بتنزّل قهري تطبيقي، هناك عمومات فوقانيّة لا تتنزّل إلاّ بجعول تطبيقيّة.

١١٥

بعضُ الفوارق بين صلاحيّة التفويض للأئمّة (عليهم السلام) والقوانين الوضعيّة

وهذا - كما يُقال - تشبيه من جهة وليس من جميع الجهات كل جهة، إذ هناك عدّة من الفوارق، نُشير إلى جملة منها:

الأوّل: إنّ الدستور بتمامه ليس إلاّ بعض أبواب الفقه في فروع الدين، فضلاً عن أصول ومعارف الدين.

الثاني: إنّ مصوّبات المجالس النيابيّة يمكن نسخها بمصوّبات المجالس النيابيّة اللاحقة، فضلاً عن المصوّبات القانونيّة الوزاريّة، وهذا بخلاف التشريعات النبويّة؛ فإنّها لا تنسخ من غيره، وكذلك سُنن وأحكام المعصوم لا تنسخ من غير المعصوم.

الثالث: إنّ مصوّبات المجالس النيابيّة لا تعدو الأنظار الظنّيّة القابلة للخطأ والصواب، بخلاف تشريعات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي؛ فإنّها من عين العصمة والعلم اللدنّي.

وغيرها من الفوارق المذكورة في مظانّها.

فهذه هي العمومات الفوقانيّة التي لا تتنزّل إلاّ بجعول تنزيليّة أخرى(1) ، وهي غير التطبيق الساذج الذي أُوكلَ إلى عامّة المكلّفين، الذي هو تطبيق محض ليس فيه أيّ شائبة جعل أو تشريع أو ولاية تشريعيّة، بل هو نوع من التطبيق الساذج.

____________________

(1) وقد ذكرهُ الأستاذ المحاضر بشرح مفصّل في خاتمة كتابه (العقل العملي) ص: 377.

١١٦

فهذا جواب المحذور الثاني الذي ذكره المُستدل.

وإلاّ لكان كلّ تطبيقات وأداء العمومات الكلّيّة من قِبَل المتشرّعة نوعاً من التشريع، فيخلط بين ما هو مشروع وما هو تشريع، وبين ما هو بدعة وما هو شرعي، فلابدّ من معرفة الفرق بين الشرعي والبدعيّة.

ويفرِّط القائل بحماية الدين من البِدَع، والمتشدّد بقاعدة البدعة بتوهّم حراسة الشريعة، حيث يقع في المحذور الذي حاولَ الفرار منه؛ لأنّ طمس الشرعيّات هو نوع من البدعة وضربٌ من الإحداث في الدين.

وينبغي المحافظة على حدود الفوارق بين هذين الأمرين، ومعرفة الفيصل بين ما هو شرعي وبين ما هو بدعي؛ لأنّ طغيان البدعي على الشرعي هو بحدّ ذاته بدعةٌ أيضاً.

تعريفُ البدعة

البدعة لها تعاريف عديدة، منها: النسبة إلى الله ما لم يشرّعه، أو النسبة إليه ما لم يأمر به وينهى عنه، أو ما لم يحكم به.

أو هي: إدخال في الدين ما ليس في الدين.

وهذا المعنى الأخير لا يمكن الإلمام به إلاّ بعد الإحاطة بكلّ شؤون التشريع، كي نعلم أنّ التشريع منتفي أو غير منتفٍ؛ لأنّه مأخوذ في موضوع البدعة عدم التشريع وعدم الجعل الشرعي.

فليس من السهولة أن نعرف موارد البدعة، من دون الإلمام بكلّ عالَم القانون ومشجّرة التشريع وشؤونهما المختلفة.

١١٧

ومن دون معرفة كافية - وعلى مستوى واسع وعميق - بالشريعة وبموازينها وأُسسها وقوانينها، ليس من السهل إطلاق البدعيّة على موردٍ من الموارد.

وما نحن فيه هو إعطاء حقّ تطبيق المعاني والعناوين الكلّيّة الواردة في الأدلّة العامّة بيد المتشرِّعة، وهذا لا يمتّ إلى البدعة بأيّ صلة.

جواب المحذور الثالث:

والمحذور الثالث الذي ذكره القائل كدليل على أنّ قاعدة الشعائر الدينيّة لا بدّ أن تكون حقيقة شرعيّة وليست حقيقة لغويّة: هو استلزام اتساع الشريعة وزيادتها عمّا كانت عليه، إذ سوف تتبدّل رسومها - لا سمحَ الله - وتتبدّل أعلامها وملامحها، حيث تُتّخذ شعائر كثيرة ومتنوّعة إلى حدّ تطغى معه على ما هي عليه الشريعة من ثوابت ومن حالة أوّليّة.

هذا هو المحذور، وهو ليس دليلاً على أنّها حقيقة شرعيّة، بل هو دليل على أنّها حقيقة لغويّة، والسرّ في ذلك: هو أنّ هذا الاتّساع والتضخّم والانتشار الذي يتخوّف ويحذر منه المستدل، على قسمين:

أ) إن كان اتّساعاً وانتشاراً للشريعة، فهذا ممّا تدعو إليه نفس الآيات القرآنيّة التي ذكرناها، والدالّة على نفس قاعدة الشعائر الدينيّة، وقد صنّفناها من أدلّة الصنف الثاني، مثل آية:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ... ) فالله عزّ وجل يريد أن يتمّ نوره، أن يبثّه وأن ينشره، وكذلك آية:( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ... ) فالله سبحانه وتعالى يريد إظهار الدين.

وكذلك:( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) يريد

١١٨

السموّ والعلو ورفرفة المعالم والأعلام الدينيّة، وهذا الانتشار لابدّ منه، ولابدّ أنّ له آليّاته المتنوّعة وأساليبه المختلفة، ومن أساليبه اتّخاذ الشعائر التي تؤدّي إلى اتّساع رقعة الدين وكثرة الملتزمين به، وزيادة تفاعلهم وانجذابهم إلى رسوم الدين وطقوسه.

ب) وإن كان معنى اتّساع الدين على حساب زوال الثوابت، وسبباً لإعطاء التنازلات تلو التنازلات في الأحكام الشرعيّة، فهذا المعنى لا ريب في بطلانه، وهذا يجب أن يُجعل محذوراً ومانعاً.

لكنّ الكلام في أنّ الشعائر المتّخذة هل هي من النوع الأوّل أم من النوع الثاني؟ هل هي توجب طمس الثوابت في الدين، أم هي بالعكس توجب اتّساع تلك الثوابت وانتشارها في ضمن متغيّرات مختلفة؟

الثابتُ والمتغيّر في الشريعة

فالبحث يقع في تقرير الفرق بين الثابت والمتغيّر.

أو قل - بالعبارة الاصطلاحيّة -: القضيّة الشرعيّة - مهما كانت - تشتمل على محمول وعلى موضوع، ومصاديق الموضوع متعدّدة ومستجدّة ومتغيّرة.

أمّا قَولبة عنوان الموضوع، وهيكل عنوان الموضوع والمحمول فيظلّ ثابتاً.

وهذه أحد الضوابط المهمّة جدّاً في التمييز بين الثابت والمتغيّر، أو في تمييز ما هو دائم في الشريعة وما هو متغيّر، المتغيّر في الحقيقة هو المصاديق.

كما في رواية الإمام الباقر (عليه السلام) في وصفه للقرآن الكريم أنّه(يجري كما

١١٩

يجري الشمس والقمر) (1) ، يعني باعتبار اختلاف المصاديق وتنوّعها وتكثّرها، سواء مصاديق الموضوع أو مصاديق المتعلّق للحكم (قد مرّ بنا سابقاً أنّ القضيّة الشرعيّة تشتمل على ثلاثة محاور: محو الموضوع، محور المتعلّق، محور المحمول)(2) .

فمصاديق الموضوع أو مصاديق المتعلّق متكثّرة ومتعدّدة، ومستجدّة حسب كثرة الموارد وتعدّد البيئات.

مثل:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ) (3) .

فالقوّة سواء كانت ضمن أساليب القتال القديمة أو الحديثة، القوّة مصاديقها متعدّدة، لكنّ وجوب إعداد القوّة هو ثابت في الشريعة.

فالشاهد أنّ أحد ضوابط تمييز الثابت عن المتغيّر هي: أنّ جانب المحمول وعنوان الموضوع يظلّ ثابتاً، غاية الأمر أنّ مصاديق آليّات الموضوع تختلف.

ففي مقام الجواب عن المحذور السابق - وهو اتّساع الشرعيّة - إن كان بمعنى شموليّة موضوعاتها وشموليّة قوانينها، فهذا لا ضير فيه، بل لا بدّ من الانتشار والاتّساع، أمّا بمعنى زوال القضايا الأوّليّة، وزوال جنبة الحكم وتغيّره، فهذا

____________________

(1) بحار الأنوار 92: 97، نقلاً عن كتاب بصائر الدرجات، بسنده عن فضيل بن يسّار قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الرواية:(ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن) فقال:(ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما قد مضى، ومنه ما لم يكن، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلّما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم ) نحن نعلمه) .

(2) راجع ص72 من هذا الكتاب.

(3) الأنفال: 60.

١٢٠

أن العشرة تسعة مع واحد ، وكان مرادك أن العشرة هي التسعة التي تكون مع واحد ، حتى إن كانت (١) التسعة وحدها لم تكن عشرة ، فإذا كانت مع الواحد كانت تلك التسعة عشرة ، فقد أخطأت (٢) أيضا. فإن التسعة إذا كانت وحدها أو مع أي شيء كان معها فإنها تكون تسعة ولا تكون عشرة البتة. فإن لم تجعل « مع » صفة للتسعة (٣) ، بل للموصوف بها ، فتكون كأنك قلت : إن العشرة تسعة ، ومع كونها تسعة هي أيضا واحد ، فذلك أيضا خطأ (٤) ، بل هذا كله مجاز من اللفظ مغلط ، بل العشرة مجموع التسعة والواحد إذا أخذا جميعا فصار منهما شيء غيرهما.

وحد كل واحد من الأعداد ـ إن أردت التحقيق ـ هو أن يقال : إنه عدد من اجتماع واحد وواحد وواحد (٥) ، وتذكر الآحاد كلها. وذلك لأنه (٦) لا يخلو إما أن يحد بالعدد من غير أن يشار إلى تركيبه مما ركب منه ، بل بخاصية (٧) من خواصه ، فذلك يكون رسم ذلك العدد لا حده من جوهره ، وإما أن يشار إلى تركيبه مما ركب منه (٨). فإن أشير إلى تركيبه من عددين دون الآخر مثلا أن تجعل العشرة من تركيب خمسة (٩) وخمسة لم يكن ذلك أولى من تركيب ستة مع أربعة ، وليس تعلق هويته (١٠) بأحدهما أولى من الآخر. وهو (١١) بما هو عشرة ماهية (١٢) واحدة (١٣) ، ومحال أن تكون ماهية واحدة ، وما يدل على ماهية (١٤) من حيث هي واحدة حدود مختلفة.

__________________

(١) كانت : كان ج ، ص ، ط.

(٢) أخطأت : أخطأ د

(٣) للتسعة : التسعة د ، ط

(٤) هى أيضا واحد ، فذلك أيضا خطأ : أيضا هى واحدة فذلك أيضا هى خطأ د ، م ؛ أيضا هى واحدة فتلك أيضا هى خطأ ط

(٥) وواحد وواحد : وواحد واحد ؛ ب ؛ واحد وواحد ج ؛ وواحد د

(٦) لأنه : أنه ب ، د ، ص ، م

(٧) بخاصية : بخاصة ب ، م

(٨) منه : عنه د ، م

(٩) خمسة : + وعشرة م

(١٠) هويته : هويتها ج ، د ، ط

(١١) وهو : وهى د ، ص

(١٢) عشرة ماهية : عشرة ماهيتها د ، طا ؛ عشرة ماهيته م

(١٣) ماهية واحدة : ماهيته واحدة ب ، ص ، م ؛ ماهيتها واحدة ج ، د

(١٤) على ماهية : على ماهيته ب ، ج ، م ؛ على ماهيتها د ، ص.

١٢١

فإذا كان كذلك (١) فحده (٢) ليس بهذا ولا بذاك (٣) ، بل بما قلنا. ويكون (٤) ـ إذا كان ذلك (٥) كذلك (٦) ـ وقد (٧) كان له التركيب (٨) من خمسة وخمسة ، ومن ستة وأربعة ، ومن ثلاثة وسبعة ، لازما لذلك وتابعا ، فتكون هذه رسوما له (٩). على أن تحديدك بالخمسة يحوج (١٠) إلى تحديد الخمسة فينحل (١١) ذلك كله إلى الآحاد وحينئذ يكون مفهوم قولك : إن العشرة من (١٢) خمسة وخمسة ، هو مفهوم قولك (١٣). من ثلاثة وسبعة ، وثمانية واثنين ، أعني إذا كنت تلحظ تلك الآحاد. فأما إذا (١٤) لحظت (١٥) صورة الخمسة والخمسة (١٦) ، والثلاثة والسبعة ، كان كل (١٧) اعتبار غير الآخر. وليس للذات الواحدة حقائق مختلفة المفهومات ، بل إنما تتكثر لوازمها وعوارضها (١٨) ، ولهذا ما قال الفيلسوف المقدم : لا تحسبن أن ستة ثلاثة وثلاثة ، بل هو ستة مرة واحدة.

ولكن (١٩) اعتبار العدد من حيث آحاده مما يصعب على التخيل وعلى العبارة فيصار إلى الرسوم (٢٠).

ومن (٢١) الواجب ، ومما يجب أن يبحث عنه من حال العدد (٢٢) حال الاثنوة (٢٣).

فقد قال بعضهم : إن الاثنوة (٢٤) ليست من العدد ، وذلك لأن الاثنوة (٢٥) هي الزوج الأول ، والوحدة هي الفرد الأول ، وكما أن الوحدة التي هي الفرد الأول ليس

__________________

(١) كذلك : ذلك د

(٢) فحده : فحدها ص

(٣) بهذا ولا بذاك : بهذه أولا بذلك د ، بهذا أولى بذاك ج

(٤) ويكون : يكون د. (٥) ذلك : ساقطة من ج

(٦) كذلك : ساقطة من د ، م. (٧) وقد : فقد ب ، د ، ط ؛ قد ص ، م

(٨) التركيب : التراكيب ط

(٩) له : لها د. (١٠) يحوج : محوج ج ، ط

(١١) فينحل : فيستحيل د. (١٢) من : ساقطة من ص

(١٣) هو مفهوم قولك : ساقطة من ص. (١٤) فاما إذا : فإذا ج ، د

(١٥) لحظت : لاحظت ج. (١٦) والخمسة : ساقطة من م

(١٧) كل : ساقطة من د ، + ذلك الاعتبار ط. (١٨) لوازمها وعوارضها : لوازمه وعوارضه ب ، ج ، م

(١٩) ولكن : لكن ب ، ج ، م. (٢٠) الرسوم : + « ل » د

(٢١) ومن : من ب ، ج ، د ، ص ، م. (٢٢) حال العدد : أحوال العدد د

(٢٣) حال الاثنوة : حال الاثنوية ج ، ص ؛ وحال الاثنوية د

(٢٤) الاثنوة : الاثنويه د ، ص

(٢٥) لأن الاثنوة : لأن الاثنوية د.

١٢٢

بعدد ، فكذلك الاثنوة (١) التي هي الزوج الأول ليس بعدد. وقال (٢) : ولأن (٣) العدد كثرة مركبة من الآحاد (٤) ، والآحاد (٥) أقلها ثلاثة ، ولأن الاثنوة (٦) لا تخلو إن كانت (٧) عددا إما أن تكون مركبة (٨) أو لا تكون (٩) ، فإن كانت مركبة فنعدها غير الواحد ، وإن كانت عددا أولا فلا يكون لها نصف. وأما أصحاب الحقيقة فلا يشتغلون (١٠) بأمثال هذه الأشياء بوجه من الوجوه ، فإنه (١١) لم تكن الوحدة غير عدد لأجل أنها فرد أو زوج ، بل لأنها (١٢) لا انفصال فيها إلى وحدات.

ولا إذا قالوا : مركبة من وحدات ، يعنون بها (١٣) ما يعنيه (١٤) النحويون من لفظ الجمع وأن أقله ثلاثة بعد الاختلاف (١٥) فيه ، بل يعنون بذلك أكثر وأزيد (١٦) من واحد (١٧). وقد جرت عادتهم بذلك ، ولا يبالون أن لا يوجد زوج ليس بعدد ، وإن وجد فرد ليس (١٨) بعدد (١٩) ، فما فرض عليهم أن يدأبوا في طلب زوج ليس بعدد. وليسوا يشترطون في العدد الأول أن يكون لا نصف (٢٠) له مطلقا ، بل لا نصف له عددا من حيث هو أول ، وإنما يعنون بالأول أنه غير مركب من عدد.

وإنما يعني بالعدد ما فيه (٢١) انفصال ويوجد فيه واحد ، فالاثنوة (٢٢) أول العدد ، وهو الغاية في القلة في العدد (٢٣). وأما الكثرة في العدد فلا تنتهي إلى حد ، وقلة الاثنوة (٢٤) ليست (٢٥) مما تقال بذاتها ، بل بالقياس إلى العدد.

__________________

(١) الاثنوة : الاثنويه د ، ص ، + ليست م. (٢) وقال : قال ب ، ج ، د ، ص

(٣) ولأن : لأن ط. (٤) الآحاد : آحاد د ، م

(٥) والآحاد : فالآحاد ج. (٦) الاثنوة : الاثنوية د

(٧) كانت : كان ط ، م. (٨) تكون مركبة : تكون مركبا ب ، د ، ط ، طا ، م

(٩) أولا تكون : أولا ب ، أو تكون أولا د ، ط ، م. (١٠) يشتغلون : يشغلون ج

(١١) فإنه : فإن م. (١٢) لأنها : لأجل أنها بخ

(١٣) يعنون بها : لا يعنون به ب. (١٤) يعنون بها ما يعنيه : يعنون ما يعنوه د ؛ يعنون ما يعنيه م

(١٥) الاختلاف : الخلاف د. (١٦) وأزيد : أو أزيد م

(١٧) واحد : وحدة ب ، ص ، ط ؛ واحدة طا

(١٨) ليس : وليس م

(١٩) بعدد : + إذ وجدوا فردا ليس بعدد ب ، م ؛ إن وجد فرد ليس بعدد ج ؛ إذا وجدوا فردا ليس بعدد ص ؛ إذا وجدوا فردا وليس بعدد ط ؛ إذا وجدوا فردا وليس بعدد طا

(٢٠) يكون لا نصف : يكنن نصف ط. (٢١) ما فيه : ما هو فيه ب ، ط

(٢٢) فالاثنوة : فالاثنوية ج ، د ، ص. (٢٣) فى العدد : من العدد ج

(٢٤) الاثنوه : الاثنوية ج ، د ، ص. (٢٥) ليست : ليس د.

١٢٣

وليس إذا لم تكن الاثنوة (١) أكثر (٢) من شيء يجب من ذلك أن لا تكون قلتها بالقياس إلى غيرها ، فليس يجب أن يكون ما يعرض له إضافة إلى شيء يلزم أن تكون له إضافة أخرى إلى شيء آخر يقارن تلك الإضافة ، فإنه ليس يجب إذا كان شيء من الأشياء تعرض له إضافتان إضافة قلة وإضافة كثرة معا ـ حتى يكون كما أنه قليل بالقياس إلى شيء فهو كثير بالقياس إلى شيء آخر ـ فيلزم (٣) من ذلك أن تكون كل قلة تعرض لشيء (٤) يعرض له معها الكثرة ، كما أنه ليس إذا كان شيء هو مالكا ومملوكا (٥) يجب أن لا يكون شيء مالكا وحده ، أو شيء هو جنس ونوع يلزم أن لا يكون شيء هو جنس وحده ، فإنه ليس إنما صار القليل قليلا لأجل أن له شيئا هو أيضا عنده كثير ، بل لأجل الشيء الذي ذلك الشيء بالقياس إليه كثير (٦).

فالاثنوة (٧) هي (٨) القلة الأقلة (٩) ، أما (١٠) قلة (١١) فبالقياس إلى كل عدد لأنها تنقص عن كل عدد ، وأما الأقلة (١٢) فلأنها (١٣) ليست بكثير عند عدد ، وإذا (١٤) لم تقس الاثنوة (١٥) إلى شيء آخر لا تكون (١٦) قليلة.

والكثرة يفهم منها معنيان : أحدهما أن يكون الشيء فيه من الآحاد فوق واحد ، وهذا ليس بالقياس إلى شيء آخر (١٧) البتة ، والآخر أن يكون الشيء فيه ما في شيء آخر وزيادة ، وهذا هو الذي بالقياس.

__________________

(١) الاثنوة : الاثنوية ج ، د ، ص

(٢) أكثر : فأكثر ط

(٣) فيلزم : يلزم هامش ج ، م

(٤) لشيء : للشيء ص ، م

(٥) ومملوكا : مملوكا د

(٦) كثير : كثيرة ج

(٧) فالاثنوة : فالاثنوية ج ، د ، ص ؛ الاثنوه ط

(٨) هى : + مقابلا ط

(٩) الأقلة : الأقلية د ، ص ، ط

(١٠) أما : ما م

(١١) قلة : قلته ص ، ط

(١٢) الأقلة : الأقلية ج ، د ، ص ، ط

(١٣) فلأنها : لأنها طر (١٤) واذا : فإذا د

(١٥) الاثنوه : الاثنوية ب ، ص ، ط ، م. (١٦) لا تكون : لم تكن م

(١٧) آخر : ساقطة من ط ، م.

١٢٤

وكذلك العظم والطول والعرض ، فالكثرة مطلقة تقابل الوحدة مقابلة الشيء مع مبدئه (١) الذي يكيله ، والكثرة الأخرى تقابل القلة مقابلة المضاف ، ولا تضاد بين الوحدة والكثرة بوجه من الوجوه ، وكيف والوحدة تقوم الكثرة ، ويجب أن نحقق القول في هذا.

__________________

(١) مبدئه : مبتداه م.

١٢٥

[ الفصل السادس ]

( و ) فصل

في تقابل الواحد والكثير (١)

وبالحري أن نتأمل كيف تجري المقابلة بين الكثير والواحد ، فقد كان التقابل عندنا على أصناف أربعة ، وقد تحقق ذلك. وسنحقق بعد أيضا أن صورة التقابل توجب أن تكون أصنافه على هذه الجملة ، وكان من ذلك (٢) تقابل التضاد. وليس يمكن أن يكون التقابل بين الوحدة والكثرة (٣) على هذه الجملة (٤) ، وذلك أن الوحدة مقومة للكثرة ولا شيء من الأضداد يقوم ضده ، بل يبطله وينفيه.

لكن (٥) لقائل أن يقول : إن الوحدة والكثرة هذا شأنهما ، فإنه ليس يجب أن يقال : إن الضد يبطل الضد كيف كان ، بل إن قال : إن الضد يبطل الضد بأن يحل في (٦) موضوعه ، فالوحدة أيضا من شأنها أن تبطل الكثرة بأن تحل (٧) الموضوع الذي للكثرة ، على ما جوزت أن يكون الموضوع تعرض له الوحدة والكثرة.

فنقول في جواب هذا الإنسان : إن الكثرة كما أنها إنما تحصل بالوحدة فكذلك الكثرة إنما تبطل ببطلان وحداتها ، ولا تبطل الكثرة البتة لذاتها بطلانا أوليا ، بل يعرض لوحداتها أولا أن (٨) تبطل ، ثم يعرض لها أن تبطل معها (٩) لبطلان (١٠) وحداتها (١١). فتكون الوحدة إذا أبطلت الكثرة فليس (١٢) بالقصد الأول (١٣) تبطلها ، بل إنما تبطل أولا الوحدات التي للكثرة (١٤) عن حالها بالفعل إلى أن

__________________

(١) الواحد والكثير : الوحدة والكثرة ط

(٢) من ذلك : ذلك من م

(٣) الوحدة والكثرة : الواحد والكثير ج ، ص ، م

(٤) الجملة : الجهة ط

(٥) لكن : بل ط

(٦) فى : ساقطة من ص

(٧) فى .. تحل : ساقطة من ج ، ط. (٨) أولا أن : أو لأن م

(٩) معها : معاب ، ج ، د ، م. (١٠) لبطلان : ببطلان ط

(١١) وحداتها : وحدتها ج. (١٢) فليس : فليست ج ، ص ، م

(١٣) الأول : + أن ط. (١٤) فليس ... للكثرة : ساقطة من م.

١٢٦

تصير بالقوة ، فيلزم أن لا تكون الكثرة. فإذن الوحدة إنما تبطل أولا الوحدة على أنها ليست تبطل الوحدة كما (١) تبطل الحرارة البرودة. فإن الوحدة لا تضاد الوحدة ، بل على أن تلك الوحدات يعرض لها سبب مبطل (٢) بأن (٣) تحدث عنه هذه الوحدة وذلك ببطلان (٤) سطوح.

فإن كان لأجل هذه (٥) المعاقبة التي على الموضوع يجب أن تكون الوحدة ضد الكثرة ، فالأولى أن تكون الوحدة ضد الوحدة وعلى أن تكون الوحدة (٦) ليست تبطل الوحدة إبطال الحرارة للبرودة (٧) ، لأن الوحدة الطارئة إذا أبطلت الوحدة الأولى أبطلتها عما ليس هو بعينه موضوع الوحدة الأخرى (٨) ، بل الأحرى (٩) أن يظن أنه جزء موضوعه.

وأما الكثرة فليست تبطل عن هذه الوحدة بطلانا أوليا ، بل ليس يكفي في شرط المتضادين أن يكون الموضوع واحدا يتعاقبان فيه بل يجب أن تكون ـ مع هذا التعاقب ـ الطبائع متنافية متباعدة (١٠) ، ليس من شأن أحدهما أن يتقوم بالآخر للخلاف الذاتي فيهما (١١) وأن يكون تنافيهما (١٢) أوليا.

وأيضا (١٣) فلقائل أن يقول : إنه ليس موضوع الواحد والكثير (١٤) واحدا ، فإن شرط المتضادين أن يكون للاثنين منهما (١٥) بالعدد موضوع واحد ، وليس لوحدة بعينها وكثرة بعينها موضوع واحد بالعدد ، بل في موضوع واحد بالنوع. وكيف يكون موضوع الوحدة والكثرة (١٦) واحدا بالعدد؟

__________________

(١) كما : + أنه د

(٢) مبطل : + يبطله ج

(٣) بأن : بل م

(٤) ببطلان : كبطلان ط

(٥) هذه : هذه هذه ط

(٦) وعلى أن تكون الوحدة : وعلى أن الوحدة ج ، ص ، م

(٧) للبرودة : البرودة ط

(٨) موضوع الوحدة الأخرى : موضوع الأخرى ط

(٩) الأحرى أحرى ج. (١٠) متنافية متباعده : المتنافية المتتابعة د. (١١) فيهما : فيها ب ، ج ، د ، ص

(١٢) تنافيهما : تنافيها ب ، د ، ص ، م. (١٣) وأيضا : أيضا : ط

(١٤) الواحد والكثير : الوحدة والكثرة ج ، ص ؛ الواحد والكثرة م

(١٥) منهما : منها د ، م. (١٦) الوحدة والكثرة : الكثرة د ، م.

١٢٧

ثم لا يخفى (١) عليك أن تعلم مما سلف لك حقيقة هذا وما فيه وعليه وله ، فقد ظهر وبان أن التقابل الذي بين الواحد والكثير (٢) ليس بتقابل التضاد. فلننظر (٣) هل التقابل بينهما تقابل الصورة والعدم؟

فنقول : إنه يلزم أول ذلك أن يكون العدم منهما (٤) عدم شيء من شأنه أن يكون للموضوع أو لنوعه أو لجنسه ، على ما قد مضى لك من أمر العدم. ولك أن تتمحل وجها (٥) تجعل به الوحدة عدم الكثرة فيما من شأنه بنوعه أن يتكثر ، وأن تتمحل وجها آخر تجعل به الكثرة عدم للوحدة في أشياء في طبيعتها أن تتوحد. لكن الحق لا يجوز أن يكون شيئان كل واحد منهما عدم وملكة (٦) بالقياس إلى الآخر ، بل الملكة منهما هو المعقول بنفسه الثابت بذاته ، وأما العدم فهو أن لا يكون ذلك الشيء الذي هو المعقول بنفسه الثابت بذاته (٧) فيما من شأنه أن يكون ، فيكون إنما يعقل ويحد بالملكة.

وأما القدماء فقوم جعلوا هذا التقابل من العدم والملكة ، وجعلوها هي المضادة الأولى (٨) ، ورتبوا تحت الملكة والصورة : الخير (٩) (١٠) والفرد والواحد والنهاية واليمين والنور والساكن والمستقيم والمربع والعلم والذكر ، وفي (١١) حيز العدم مقابلات هذه كالشر والزوج والكثرة واللانهاية واليسار والظلمة والمتحرك والمنحني والمستطيل والظن والأنثى.

وأما نحن فقد يصعب علينا أن نجعل الملكة هي الوحدة ونجعل الكثرة هي العدم. أما أولا ، فإنا هو ذا نحد الوحدة بعدم الانقسام أو عدم الجزء بالفعل ،

__________________

(١) لا يخفى : ساقطة من ج ، ص ، م

(٢) والكثير : وبين الكثير م

(٣) فلننظر : فننظر ج ، م

(٤) منهما : بينهما ج ، م

(٥) وجها : + آخر د

(٦) وملكة : ملكة م

(٧) وأما العدم ... بذاته : ساقطة من م

(٨) الأولى : الأولى ط

(٩) والصورة الخير : الخير والصورة د

(١٠) الخير : والخير ب ، ص ، م

(١١) وفى : ومن ب ، ج ، د ، ص ، م.

١٢٨

ونأخذ الانقسام والتجزؤ في حد الكثرة ، وقد ذكرنا ما في (١) هذا. وأما ثانيا ، فإن (٢) الوحدة موجودة في الكثرة مقومة لها ، وكيف تكون ماهية الملكة موجودة في العدم حتى يكون العدم يتألف من ملكات تجتمع (٣)؟ وكذلك إن كانت الملكة هي الكثرة فكيف يكون تركيب الملكة من أعدامها؟ فليس يجوز أن تجعل (٤) المقابلة بينهما مقابلة العدم والملكة.

وإذ (٥) لا يجوز هذا فليس (٦) يجوز أن يقال : إن المقابلة ، بينهما هي مقابلة التناقض ، لأن ما كان من (٧) ذلك في الألفاظ فهو خارج عن موافقة هذا الاعتبار ، وما كان منه في الأمور العامة فهو من جنس تقابل العدم والملكة ، بل هو جنس هذا التقابل. فإن بإزاء الموجبة الثبوت ، وبإزاء السالبة العدم ، ويعرض في ذلك من المحال ما يعرض فيما قلنا. فلننظر أنه : هل التقابل بينهما تقابل المضاف؟

فنقول : ليس يمكن أن يقال : إن بين الوحدة والكثرة في ذاتيهما تقابل المضاف ، وذلك لأن الكثرة ليس إنما تعقل ماهيتها بالقياس إلى الوحدة حتى تكون إنما (٨) هي كثرة لأجل أن (٩) هناك وحدة ، وإن كان إنما هي كثرة (١٠) بسبب الوحدة. وقد علمت في كتب المنطق الفرق بين ما لا يكون إلا بشيء وبين ما لا تقال ماهيته إلا بالقياس إلى شيء. بل إنما تحتاج الكثرة إلى أن يفهم (١١) لها أنها من الوحدة ، لأنها معلولة للوحدة في ذاتها ، ومعنى أنها معلولة غير معنى أنها كثيرة (١٢) ، والإضافة لها إنما هي من حيث هي معلولة ، والمعلولية لازمة (١٣) للكثرة

__________________

(١) ما فى : فى ج ، د ، ط ؛ ما طا

(٢) فإن : فبأن ؛ ج ؛ فلأن ص

(٣) تجتمع : تجمع ب

(٤) تجعل : تحصل د

(٥) وإذ : فإذ ج

(٦) فليس : فلا ط

(٧) من : فى ج ، ص ، ط

(٨) إنما : + يكون د

(٩) أن : لأن طا

(١٠) كثرة : الكثرة ج ، د

(١١) يفهم : + أن م

(١٢) كثيرة : كثرة ص. (١٣) لازمة : لازم ج ، م.

١٢٩

لا نفس الكثرة (١) ثم لو كانت من المضاف لكان كما تقال ماهيتها بالقياس إلى الوحدة لكان يقال (٢) ماهية الوحدة من حيث هي وحدة بالقياس إلى الكثرة على شرط انعكاس المضافين ، ولكانا متكافئين (٣) في الوجود من حيث هذه وحدة وتلك كثرة ، وليس الأمر كذلك.

فإذ (٤) قد بان لك جميع هذا ، فبالحري أن تجزم أن لا تقابل بينهما في ذاتيهما ولكن يلحقهما تقابل (٥) وهو : أن الوحدة من حيث هي مكيال تقابل الكثرة من حيث هي مكيل. وليس كون الشيء وحدة ، وكونه مكيالا ، شيئا واحدا بل (٦) بينهما فرق. والوحدة يعرض لها أن تكون مكيالا (٧) ، كما أنها يعرض لها (٨) أن تكون علة. ثم الأشياء يعرض لها ـ بسبب الوحدة التي توجد لها ـ أن تكون مكاييل ، لكن واحد كل شيء (٩) ومكياله هو من جنسه. فالواحد في الأطوال (١٠) طول ، وفي العروض عرض ، وفي المجسمات مجسم ، وفي الأزمنة زمان ، وفي الحركات حركة ، وفي الأوزان وزن ، وفي الألفاظ لفظ ، وفي الحروف حرف (١١).

وقد يجتهد أن يجعل الواحد في كل شيء أصغر مما يمكن ليكون التفاوت فيه (١٢) أقل ما يكون ، فبعض الأشياء يكون واحده (١٣) مفترضا بالطبع مثل : جوزة وبطيخة ، وبعضهما (١٤) يفرض فيه واحد بالوضع (١٥). فما زاد على ذلك الواحد أخذ أكثر من الواحد ، وما نقص منه لم يؤخذ واحدا (١٦) ، بل يكون (١٧) الواحد هذا المفروض بتمامه ، ويجعل هذا الواحد أيضا من أظهر الأشياء في ذلك الجنس

__________________

(١) لا نفس الكثرة : ساقطة من ج

(٢) لكان يقال : فكان يقال ج ، هامش ص

(٣) متكافئين : يتكافئان م

(٤) فإذ : إذ ج ؛ وإذ ط

(٥) تقابل : تقال د. (٦) شيئا واحدا بل : ساقطة من م.

(٧) بينهما ... مكيالا : ساقطة من م

(٨) أنها يعرض لها : أنها يعرض ط ، م. (٩) كل شىء : كالشىء ط ، كل طا

(١٠) الأطوال : الأطول م. (١١) وفى الألفاظ ... حرف وفى ألفاظ الحروف حرف م

(١٢) التفاوت فيه : المتفاوت منه ب. (١٣) واحدة : واحدا د

(١٤) وبعضهما : وفى بعضهما ج ، ط. (١٥) بالوضع : بالطبع م

(١٦) واحدا : واحد د

(١٧) يكون : يجعل ح ، ط.

١٣٠

فالواحد مثلا في الأطوال : شبر ، وفي العروض مثلا : شبر في شبر ، وفي المجسمات (١) : شبر في شبر في شبر (٢) ، وفي الحركات : حركة مقدرة (٣) معلومة ، ولا توجد حركة بهذه الصفة عامة للجميع إلا الحركات المتقدرة بالطبيعة ، وخصوصا التي لا تختلف ، بل تمتد متفقة حتى تبقى (٤) واحدة في كل تقدير ، وخصوصا التي هي أقل مقدار حركة.

فالأقل (٥) مقدار حركة هو الأقل زمانا ، وهذا هو الحركة الفلكية السريعة جدا المضبوط قدرها ، لأن الدور لا يزاد عليه (٦) ، ولا ينقص المعلوم صغر مقدارها بسرعة العود ليس مما ينتظر تجدده (٧) إلى حين ، بل في كل يوم وليلة تتم دورة قريبة إلى الموجود (٨) والتجديد وإلى التجزئة أيضا بحركات الساعات. فتكون حركة ساعة واحدة مثلا هي مكيال الحركات (٩) ، وكذلك زمانها (١٠) مكيال الأزمنة ، وقد يفرض في الحركات حركة واحدة بحسب المسافات (١١) ، إلا أن ذلك غير مستعمل وغير واقع موقع الفرض الأول.

وأما في الأثقال فنفرض (١٢) أيضا ثقل درهم ودينار واحد أيضا. وفي أبعاد (١٣) الموسيقى إرخاء النغمة (١٤) التي هي ربع طنيني (١٥) أو ما يجري مجراها من الأبعاد الصغار ومن الأصوات الحرف المصوت (١٦) (١٧) المقصور ، أو الحرف الساكن ، أو مقطع مقصور (١٨).

__________________

(١) وفى المجسمات : + مثلا ص ؛ والمجسمات د ؛ ساقطة من م

(٢) شر ... شبر : ساقطة من د ، م ؛ شبر فى شبر ط

(٣) مقدرة : متقدرة ج ، ط

(٤) حتى تبقى : فتبقى ب ، ط

(٥) فالأقل : والأقل د ، ص ، م

(٦) عليه : عليها ج ، طا

(٧) تجدده : بحدوده : م

(٨) الموجود : الوجود م

(٩) الحركات ... مكيال ساقطة من د

(١٠) زمانها : بزمانها م

(١١) المسافات : المسافة ب ، ص ، ط

(١٢) فنفرض : فلنفرض ط ، م. (١٣) أبعاد : الأبعاد ج ، د

(١٤) إرخاء النغمة : الإرخاء ب ، د ؛ الإرخاة ج ، ص ، م

(١٥) طنينى : طنين ج ، ص. (١٦) الحرف المصوت : الحروف المصوت د ، م

(١٧) المصوت : المصور ط. (١٨) مقصور : + كقولنا أنابك تن ج.

١٣١

وليس يجب أن يكون كل واحد من هذه الأوضاع واقعا بالضرورة ، بل (١) يقع بالفرض. ويمكن أن يفرض الواحد من كل باب ما هو أنقص وأزيد مما فرض ، ومع هذا فليس يجب إذا كان في هذه الأشياء واحد منه (٢) مفروض أن يكال به جميع ما هو من ذلك الجنس ، فإنه يجوز أن يكون الآخر مباينا لكل (٣) ما كيل به أولا.

فهاهنا خط مباين (٤) لخط ، وسطح مباين لسطح ، وجسم مباين لجسم. وإذا كان الخط والسطح والجسم تباين (٥) جسما وسطحا وخطا ، فكذلك الحركة قد تباين الحركة. وإذا كان كذلك فالزمان والثقل أيضا يباين الزمان والثقل أيضا ، ويجوز أن يكون لهذا الذي يباين (٦) ذلك مباين (٧) غير ذلك ، وقد علمت جميع هذا (٨) في صناعة التعاليم.

وإذا كان كذلك فستكون (٩) إذن الوحدات (١٠) التي تفرض لكل جنس من هذه كثيرة وتكاد (١١) أن لا تتناهى. وإذا كان هناك واحد يصلح لكيل (١٢) شيء فستكون (١٣) أشياء تكاد أن لا تتناهى لأن تكال (١٤) به ، ولما كان المكيال يعرف به المكيل ، عد (١٥) العلم والحس كالمكاييل للأشياء ، فإنها تعلم بهما. فقال (١٦) بعضهم : إن الإنسان يكيل كل شيء ، لأن له (١٧) العلم والحس ، وبهما يدرك كل شيء. وبالحري أن كون العلم والحس مكيلين بالمعلوم والمحسوس ، وأن يكون ذلك أصلا له ، لكنه قد يقع أن يكال المكيال أيضا بالمكيل ، فهكذا يجب أن يتصور الحال في مقابلة الوحدة والكثرة.

__________________

(١) بل : + قدم

(٢) منه : ساقطة من ب ، ص

(٣) لكل : لما م. (٤) مباين : ساقطة من ج

(٥) تباين : مباين ج. (٦) يباين : يتباين ص ، ط ، م

(٧) ذلك مباين : ساقطة من د. (٨) هذا : ذلك ص ، ط.

(٩) فستكون : فتكون ج ، ص ، ط ، م

(١٠) الوحدات : الواحدات ب ، ط ؛ للوحدات ج

(١١) وتكاد : تكاد ص

(١٢) لكيل : لكل ب

(١٣) فستكون : فتكون ج ، ص ، ط

(١٤) لأن يكال : لا يكال ص

(١٥) عد : وعد ج ؛ عند د

(١٦) فقال : وقال ط. (١٧) له : ساقطة من ط.

١٣٢

وقد يشكل من حال الأعظم والأصغر أنهما كيف يتقابلان وكيف يقابلان المساواة. فإن المساوي يقابل كل واحد منهما ، فإنه لا يجوز أن يكون المساوي والأعظم إلا متخالفين ، وكذلك المساوي والأصغر ، أما الأعظم والأصغر فإنهما إن تقابلا فمن (١) المضاف ، فكان هذا أعظم بالقياس إلى (٢) ما هو أصغر ، فليس المساوي مضايفا لأحدهما ، بل لما هو مساو له. ويظن أنه ليس يجب حيث كان أعظم وأصغر أن يكون بينهما (٣) مساو موجود. فإن هذا قد علمته في موضع آخر.

فإذا كان الأمر على هذا ، فبالحري أن يكون المساوي ليست مقابلته (٤) الأولى (٥) للأعظم والأصغر (٦) ، بل لغير المساوي ، وهو عدمه ، مما (٧) شأنه أن تكون فيه المساواة. وليس (٨) عدمه في النقطة والوحدة واللون والعقل بأشياء (٩) لا تقدير لها ، بل في أشياء لها تقدير وكمية.

فالمساوي إنما يقابل عدمه وهو اللامساواة ، لكن اللامساواة تلزم هذين أعني الأعظم (١٠) والأصغر. كالجنس لست أعني أنه جنس ، بل أعني (١١) أنه يلزم كل واحد منهما ، فإن واحدا منهما هو عظيم (١٢) (١٣) ، والعظيمية (١٤) معنى وجودي يلزمه هذا العدم ، والآخر صغير ، والصغيرية (١٥) من تلك الحيثية كذلك.

__________________

(١) فمن : من ب ، ج ، د ، هامش ص ، م

(٢) إلى : + كل د

(٣) بينهما : منهما م

(٤) ليست مقابلته : ليس لمقابله د

(٥) الأولى : الأول م

(٦) والأصغر ، وللأصغر م

(٧) مما : فيما د ، ص ، م

(٨) وليس : ليس ب ، د ، م

(٩) بأشياء : وأشياء ب ، ج ، د ، ص ، ط

(١٠) أعنى الأعظم : أى الأعظم ج ، ص ، م

(١١) بل أعنى : بل نعنى ب ، ج ، د ، ط ، م

(١٢) واحدا منهما هو عظيم : كل واحد منهما عظيم م

(١٣) عظيم : عظيمى بخ

(١٤) والعظيمية : والعظيم ب ، طا

(١٥) والصغيرية : والصغير ب ، ط ؛ الصغيرية د.

١٣٣

[ الفصل السابع ]

( ز ) فصل

في أن الكيفيات أعراض

فنتكلم الآن في الكيفيات. أما الكيفيات المحسوسة والجسمانية (١) فلا يقع شك في وجودها ، وقد تكلمنا أيضا في وجودها في مواضع أخر ، ونقضنا مشاغبات من تمارى في ذلك.

لكنه إنما يقع الشك في أمرها ، أنها هل (٢) هي أعراض أو ليست بأعراض. فإن من الناس من يرى أن تلك جواهر تخالط الأجسام وتسري فيها ، فاللون بذاته جوهر ، والحرارة كذلك ، وكل واحد من هذه الأخر ، فهي عنده بهذه المنزلة. وليس يقنعه أن هذه الأشياء توجد تارة وتعدم تارة ، والشيء المشار إليه قائم موجود. فإنهم يقولون : إنه (٣) ليس يعدم ذلك ، بل يأخذ يفارق قليلا قليلا ، مثل الماء الذي يبتل (٤) به ثوب (٥) ، فإنه بعد ساعة لا يوجد هناك ماء ، ويكون (٦) الثوب موجودا بحاله ، ولا يصير الماء بذلك عرضا ، بل الماء جوهر له أن يفارق (٧) جوهرا آخر لاقاه فربما (٨) فارق (٩) مفارقة لا يحس فيها بالأجزاء المفارقة منه ، لأنها فارقت وهي أصغر مما (١٠) يدركه الحس مفارقة مفترقة ، ويقول بعضهم : إنها قد تكمن. فبالحري أن نبين أن ما يقولونه باطل ، فنقول : لا يخلو إن كانت هذه جواهر إما أن تكون جواهر هي أجسام ، أو تكون

__________________

(١) والجسمانية : الجسمانية د ، ص ، ط.

(٢) هل : بل ج

(٣) إنه : بأنه ج

(٤) يبتل : يبل ج ، ص ، م

(٥) ثوب : الثوب ص

(٦) ويكون : وأن يكون ج

(٧) يفارق : + به ط

(٨) فربما : ساقطة من ص ، ط

(٩) فارق : فارقت ص ، ص ؛ يفارق م

(١٠) مما : ماب.

١٣٤

جواهر ليست بأجسام. فإن كانت هذه جواهر غير جسمانية فإما أن تكون بحيث يمكن أن تؤلف منها أجسام (١) ، وهذا محال ، إذ ما يتجزأ في أبعاد جسمانية فليس بالممكن أن يؤلف منه (٢) جسم ، وإما أن لا يمكن ، إنما يكون وجوده بالمقارنة للأجسام والسريان فيها. فأول ذلك لأنه يكون لهذه الجواهر وضع ، وكل جوهر ذي وضع فإنه منقسم ، وقد (٣) بين ذلك (٤). وثانيا ، أنه لا يخلو إما أن يكون كل واحد من هذه الجواهر من شأنه أن يوجد مفارقا للجسم الذي يكون فيه ، أو لا يكون ، فإن لم يكن (٥) يوجد مفارقا ، وكان وجوده في الأجسام على أنها موضوعات له (٦) ، إذ ليست (٧) فيه كالأجزاء (٨) ، ولا هي مفارقته (٩) ، والجسم الموصوف بها مستكمل الجوهرية بنفسه ، فليست إلا أعراضا (١٠) ، وإنما (١١) لها اسم الجوهرية فقط. وإن كانت تفارق أجسامها فإما أن تكون مفارقة تنتقل (١٢) بها من جسم إلى جسم من غير أن يصح لها قوام مجرد ، أو تكون لها مفارقة قوام مجرد. فإن كانت إذا لم توجد في جسم وكانت فيه (١٣) ، فإنما يكون ذلك بأن ينتقل إلى الآخر ، فيجب من ذلك أن يكون كل جسم فسد بياضه فقد انتقل بياضه إلى جسم يماسه ، أو بقي مجردا إلى أن يحصل في جسم بعيد ، وهو غير مقارن (١٤) جسما في مدة قطع المسافة ، وليس الأمر كذلك. وأما الكمون (١٥) فقد فرغنا منه وبينا استحالته ، فإنه يجب (١٦) من ذلك أن يكون كل جسم يسخن جسما فإنه ينقل (١٧) إليه من حرارة نفسه ، فيبرد (١٨) هذا الذي يسخن.

__________________

(١) أجسام : جسم ص ، م

(٢) منه : منها ب ، د ، ط

(٣) وقد : قد ب ، ج ، د ص ، م

(٤) ذلك : + فيكون ط

(٥) يكن : ساقطة من ج ، ط ، م

(٦) له : + باقية د. (٧) إذ ليست : وليست ج

(٨) كالأجزاء : كأجزاء ج. (٩) مفارقته : مفارقة ب ، ج ، ص ، م

(١٠) أعراضا : أعراض ص. (١١) وإنما : فإنما ط

(١٢) تنتقل : فتنتقل د. (١٣) وكانت فيه : ساقطة من م

(١٤) مقارن : مفارق ص. (١٥) الكمون : الكون ط

(١٦) فإنه يجب : ويجب ج ، د ، ص ، ط ، م

(١٧) ينقل : ينتقل ج ، د ، ص ، ط ، م

(١٨) فيبرد : فيرد ط.

١٣٥

ثم هذا النوع من الانتقال لا تبطل عرضيته ، إذ كثير من الناس جوز في الأعراض أنفسها (١) هذا الانتقال ، أعني : الانتقال في إجراء الموضوع ، والانتقال من موضوع إلى موضوع ، وإنما كان لا يكون عرضا لو صح قوامه لا في موضوع. أما (٢) القائم في الموضوع إذا نظر فيه أنه هل يصح له أن ينتقل إلى موضوع آخر من غير أن يجرد عنهما ، فهذا الاعتبار ليس يصح (٣) إلا بعد القوام في الموضوع. ثم هذا لا يصح البتة ، لأنه لا يخلو إما أن يكون الذي وجد في موضوع ما تتعلق ذاته الشخصية بذلك الموضوع الشخصي ، أو لا تتعلق ، فإن كان تتعلق ذاته الشخصية (٤) بذلك الموضوع الشخصي فمعلوم أنه لا يجوز أن يبقى شخصه إلا في ذلك الموضوع الشخصي ، وإن كان إنما أوجده في ذلك الموضوع سبب (٥) من الأسباب وليس ذلك السبب مقوما له من حيث هو ذلك الشخص (٦) (٧) ، فقد يمكن أن يزال عنه ذلك السبب وسائر الأسباب حتى لا يحتاج في قوامه إلى ذلك الموضوع. وزوال (٨) ذلك السبب ليس يكون سبب احتياجه إلى موضوع آخر ، لأن السبب في أن لا يحتاج شيء إلى موضوع آخر ، هو عدم السبب في أن كان يحتاج ، وهو في ذاته ليس يحتاج. فزوال ذلك السبب ليس هو نفس وجود السبب الآخر إلا أن يكون مستحيلا زوال ذلك السبب إلا لوجود (٩) هذا السبب الآخر لا غير (١٠).

فإذا عرض هذا السبب زال ذلك السبب ، فيكون (١١) الشيء قد فارقته الحاجة إلى الموضوع الأول واحتاج إلى الموضوع الآخر لأمرين : أما الأول ، فزوال (١٢)

__________________

(١) أنفسها : نفسها ب ج ، د ، ص ، م

(٢) أما : وأما ج ، ص ، ط

(٣) يصح : + فيه ص ، م

(٤) الشخصية : بشخصيته م

(٥) سبب : بسبب ج

(٦) هو ذلك الشخص : هو شخص ج ، م ؛ ذلك وهو المشخص د

(٧) الشخص : شخص ب ؛ شخصى طا

(٨) وزوال. فحينئذ زوال ج

(٩) لوجود : بوجود ص ،

(١٠) لا غير : ساقطة من ص

(١١) فيكون : + ذلك د ، ص ، ط

(١٢) فزوال : فبزوال ج ، د ، ص ، ط.

١٣٦

السبب الأول ، وأما الثاني ، فوجود (١) السبب الثاني. لكن (٢) جملة هذه الأسباب (٣) تكون أمورا خارجة عن طباعه ليس يحتاج إليها في تحقيق (٤) ذاته موجودا ذلك اللون مثلا ، بل إنما يحتاج إليها في أن تتخصص بموضوع. فكونه (٥) لونا ، وكونه هذا اللون بعينه إن كان يغنيه عن الموضوع ، فليس يحوجه إلى (٦) أن يجعله محتاجا إلى الموضوع ، فإن الغنى بوجوده (٧) عن الموضوع لا يعرض (٨) له ما يحوجه إلى الموضوع إلا بانقلاب عينه. وإن كان لا يغنيه ، بل يعلقه بموضوع فيكون ذلك الموضوع متعينا له ، لأنه يقتضي (٩) أمرا متعينا (١٠) بعينه. فإن المتعين لا يقتضي أي شيء اتفق مما (١١) لا نهاية له بالقوة مما ليس بعضه يخالف الآخر في حكمه. فإن قيل : فكيف يقتضي الواحد المعين (١٢)؟ فيقال : يقتضي الذي تعلق به صحة وجوده أولا فيتعين (١٣) له بذلك. فهذا اللون من حيث هو هذا اللون إما (١٤) غني عن الموضوع ، وإما مقتصر (١٥) على موضوع واحد.

وأما انقلاب العين فقد تلزمنا من (١٦) ذكره (١٧) عهدة (١٨) يجب أن نخرج منها. فإن انقلاب العين (١٩) ليس يعني به أن يعدم هذا ويوجد ذلك (٢٠) من غير أن يدخل من الأول شيء في الثاني ، فإنه إن كان هكذا فيكون الأول قد عدم والآخر قد حصل ، ولا يكون الأول هو الذي انتقل إلى الثاني. بل إنما نعني بالانقلاب (٢١) أن الموصوف بالأول صار موصوفا بالثاني ، وذلك أنه يبقى من الأول شيء في الثاني (٢٢) ، فيكون

__________________

(١) فوجود : فبوجود ج ، د ، ص ، ط

(٢) لكن : ساقطة من ط

(٣) الأسباب : الأشياء ط

(٤) تحقيق : تحقق ج ، ص ، م. (٥) فكونه : وكونه ب

(٦) إلى : شىء ط ، م ،. (٧) بوجوده : لوجوده د

(٨) لا يعرض : يعرض ط. (٩) يقتضى : مقتضى ب ، ج ، د ، ص ، ط

(١٠) أمرا متعينا : أمر متعين ب ، ج ، د ، ص ، ط ، م

(١١) مما : فما م. (١٢) الواحد المعين : المعين الواحد ب

(١٣) فيتعين : فيعين ج ، ص ، م ؛ يقتصر طا

(١٤) إما : ما ط. (١٥) مقتصر : مقيم ط

(١٦) من : عن ج ، ط. (١٧) ذكره : وحلاه د

(١٨) عهدة : عدة ط. (١٩) العين : + ليس ص ، م

(٢٠) ذلك : ذاك م

(٢١) بالانقلاب : بالانتقال م

(٢٢) الثاني : الآخر ص ، م.

١٣٧

مركبا من مادة وشيء فيها. فإن كان هذا صفة اللونية مثلا في مسألتنا فيكون (١) في اللونية شيء يبطل وشيء يبقى ، فيكون هذا (٢) الذي بطل (٣) هو الذي صار به الشيء لونا ، بل هو اللونية وهو الصورة المادية أو العرض وكلامنا فيها.

ونرجع فنقول (٤) : وأما إن كان يجوز له أن يفارق هذه الجواهر ويقوم مثلا بياضا أو شيئا آخر بذاته ، فلا يخلو إما أن يكون حينئذ إليه إشارة ويكون البياض الذي من شأنه أن يدرك إلا أن يعجز عن إدراكه للقلة الفاحشة ، ويكون على الجملة التي تعرف البياض عليها (٥). فإن كان كذلك فيلزم أن يكون خلاء موجودا حتى يكون فيه مشار إليه وليس في الأجسام ، ويلزم أن يكون له وضع ما (٦) وتقدير (٧) ما ، فيكون له في ذاته مقدار يكون إلا القليل منه محسوسا ، فإنا لا نتخيل (٨) بياضا لا وضع له ولا مقدار ، فضلا عن أن نراه. وإذا (٩) كان له مقدار ووضع وزيادة هي (١٠) هيئة البياضية كان جسما أبيض لا مجرد البياض ، فإنا نعني بالبياض هذه الهيئة الزائدة على المقدار والحجم ، وإن كان لا يبقى على الجملة التي كان يعرف البياض عليها ، بل قد انتقل عن هذه الصورة وصار شيئا آخر (١١) روحانيا. فيكون البياض مثلا له موضوع يعرض له أن تكون فيه البياضية التي على النحو المعروف ، ويعرض له أن يصير مرة أخرى بصورة (١٢) أخرى روحانية فيكون أولا ما تعرفه بياضا قد فسد وزالت صورته.

وأما المفارق (١٣) العقلي فقد أشرنا ـ فيما سلف ـ إلى أنه لا يجوز أن ينتقل مثل هذا الشيء مرة أخرى ذا (١٤) وضع ومخالطا للأجسام.

__________________

(١) فيكون : فستكون ب ، د ، م

(٢) هذا : ذلك ج ، د ، ص ، طا ، م

(٣) بطل : يبطل ج ، د ، ص ، م

(٤) فنقول : ونقول د ، ط ، م

(٥) عليها : + حتى يكون بعينه هو البياض الذي من شأنه أن يدرك ج

(٦) وضع ما : وضع ج ، ط ؛ وضعها د

(٧) وتقدير : تقدير د

(٨) لا نتخيل : لا نخيل ط. (٩) وإذا : وإن ب

(١٠) هى : هو ط ؛ ساقطة من ب ، ج ، د

(١١) آخر : ساقطة من ج ، د ، ص ، م

(١٢) بصورة : صورة م. (١٣) المفارق : مفارق ج

(١٤) ذا : إذا م.

١٣٨

وأما إن جعل جاعل البياض شيئا في نفسه ذا مقدار ، فيكون له وجودان : وجود أنه بياض ، ووجود أنه مقدار (١). فإن كان مقداره بالعدد غير مقدار (٢) الجسم الذي هو فيه بالعدد (٣) ، فإذا كان (٤) في الأجسام وساريا فيها فيكون قد دخل بعد في بعد (٥) ، وإن كان هو نفس الجسم منحازا فيكون الأمر قد عاد إلى أن الشيء الذي هو البياض جسم وله بياضيته. فتكون البياضية موجودة في ذلك (٦) الجسم إلا أنها لا تفارق ، ولا يكون البياض مجموع ذلك الجسم والكيفية ، بل شيء في ذلك الجسم. إذ حد البياض وماهيته ليس (٧) ماهية الطويل العريض العميق ، بل تكون ماهية الطويل العريض العميق للحرارة (٨) أيضا على هذا الرأي ، فيكون البياض مقارنا لهذا الشيء ناعتا له. وهذا معنى قولنا : الصفة في الموصوف ، وتكون مع ذلك لا تفارقه وليست (٩) جزءا من ذلك الشيء الذي هو الطويل العريض ، فيكون البياض والحرارة عرضا إلا أنه لازم.

فيبقى الكلام في أن من طبيعته أن يفارق أيضا ، فقد (١٠) تبين أن الكيفيات التي هي المحسوسة أعراض ، وهذا مبدأ للطبيعيات.

وأما الاستعدادات (١١) فأمرها أوضح (١٢) ، وأما التي تتعلق بالنفس وذوات الأنفس فقد تبين في الطبيعيات أنها أعراض تقوم في أجسام ، وذلك حين تكلمنا في أحوال النفس.

__________________

(١) أنه مقدار : أنه ذو مقدار م

(٢) بالعدد غير مقدار : بالعدد غير المقدار ج ، د ؛ غيرا بالعدد لمقدار ط

(٣) بالعدد : ساقطة من ج ، ص ، ط ، م

(٤) فإذا كان : وكان د

(٥) فى بعد : ساقطة من د

(٦) ذلك : ساقطة من ب

(٧) ليس : ليست ج ، ط

(٨) للحرارة : للحلاوة ج ، د ، ص ، ط ، م

(٩) وليست : وليس ص ، م

(١٠) فقد : وقد ص

(١١) الاستعدادات : الاستعداديات ب ، د ، ط

(١٢) أوضح : واضح ب.

١٣٩

[ الفصل الثامن ]

( ح ) فصل

في العلم وأنه عرض

وأما العلم فإن فيه شبهة ، وذلك لأن لقائل (١) أن يقول : إن العلم هو المكتسب من صور الموجودات مجردة عن موادها ، وهي صور جواهر وأعراض. فإن كانت صور الأعراض أعراضا ، فصور الجواهر كيف تكون أعراضا؟فإن الجوهر لذاته جوهر فماهيته (٢) جوهر (٣) لا تكون في موضوع البتة وماهيته (٤) محفوظة سواء نسبت إلى إدراك العقل لها (٥) أو نسبت (٦) إلى الوجود الخارجي.

فنقول : إن ماهية الجوهر جوهر (٧) بمعنى أنه الموجود في الأعيان لا في موضوع ، وهذه الصفة موجودة لماهية (٨) الجواهر (٩) المعقولة ، فإنها ماهية شأنها أن تكون موجودة في الأعيان لا في موضوع ، أي أن هذه الماهية هي معقولة عن أمر وجوده في الأعيان أن (١٠) يكون لا في موضوع. وأما وجوده في العقل بهذه الصفة فليس ذلك في حده من حيث هو جوهر ، أي ليس حد الجوهر أنه في العقل لا في موضوع ، بل حده أنه سواء كان في العقل أو لم يكن فإن (١١) وجوده في الأعيان ليس في موضوع.

فإن قيل : فالعقل أيضا من الأعيان ، قيل : يراد بالعين (١٢) التي إذا حصل فيها الجوهر صدرت (١٣) عنه أفاعيله وأحكامه. والحركة كذلك ماهيتها أنها كمال

__________________

(١) لقائل : قائل ط

(٢) قماهيته : وماهيته د

(٣) جوهر : + فماهيته ب ؛ + وماهيته د ؛ ساقطة من ج ، م

(٤) وماهيته : ساقطة من د

(٥) لها : ساقطة من ج ، د ، ط

(٦) أو نسبت : + لها ط

(٧) جوهر : ساقطة من ط

(٨) لماهية : لهيئة ط

(٩) الجواهر : الجوهر د. (١٠) أن : ساقطة من ج

(١١) فإن : ساقطة من د ؛ + يكون م

(١٢) بالعين : العين م. (١٣) صدرت : صارت م.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489