الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات0%

الشفاء الإلهيّات مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: مكتبة الفلسفة والعرفان
الصفحات: 489

الشفاء الإلهيّات

مؤلف: ابن سينا
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف:

الصفحات: 489
المشاهدات: 93424
تحميل: 8005

توضيحات:

الشفاء الإلهيّات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 489 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93424 / تحميل: 8005
الحجم الحجم الحجم
الشفاء الإلهيّات

الشفاء الإلهيّات

مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
العربية

ويجب أن تعلم أن في نفس الأمر (١) طريقا إلى (٢) أن يكون الغرض من هذا العلم تحصيل (٣) مبدإ (٤) إلا (٥) بعد علم آخر. فإنه سيتضح لك فيما (٦) بعد إشارة إلى أن لنا سبيلا إلى إثبات المبدإ الأول لا من طريق الاستدلال من الأمور (٧) المحسوسة ، بل من طريق مقدمات كلية عقلية توجب للوجود (٨) مبدأ واجب الوجود وتمنع (٩) أن يكون متغيرا أو متكثرا في جهة ، وتوجب أن يكون هو مبدأ للكل ، وأن يكون الكل يجب عنه على ترتيب الكل. لكنا لعجز أنفسنا لا نقوي على سلوك ذلك الطريق البرهاني الذي هو سلوك عن المبادئ إلى الثواني (١٠) ، وعن العلة إلى المعلول ، إلا في بعض جمل مراتب الموجودات منها دون التفصيل.

فإذن من حق هذا العلم في نفسه أن يكون مقدما على العلوم كلها ، إلا أنه من جهتنا يتأخر عن العلوم كلها ، فقد تكلمنا على مرتبة هذا العلم من جملة العلوم.

وأما اسم هذا العلم فهو أنه : « ما بعد (١١) الطبيعة ». ويعني بالطبيعة لا القوة (١٢) التي هي مبدأ حركة وسكون ، بل جملة الشيء الحادث عن المادة الجسمانية وتلك القوة والأعراض.

فقد قيل إنه قد يقال : الطبيعة (١٣) ، للجرم الطبيعي الذي له الطبيعة. والجرم الطبيعي هو الجرم المحسوس بما له من الخواص والأعراض. ومعنى « ما بعد الطبيعة » بعدية بالقياس إلينا. فإن (١٤) أول ما نشاهد الوجود ، ونتعرف عن أحواله

__________________

(١) الأمر : الأمور ب ، ط ، م

(٢) إلى : فى ب

(٣) تحصيل : تحصل م

(٤) مبدأ : مبتدأ م

(٥) إلا : لا ص ، م

(٦) فيما : مما ط

(٧) من الأمور : عن الأمور م

(٨) للوجود : الوجود ج ، ط ؛ الموجود ص

(٩) وتمنع : تمتنع ط ، م

(١٠) الثوانى : التوالى م

(١١) ما بعد : فيما بعد بخ ، ج ، ص ، م

(١٢) لا القوة : القوة ب ؛ لا القوة القوة ج ، ص ، ط

(١٣) الطبيعة : طبيعة م. (١٤) فإن : فإنا ب ، ص ، م.

٢١

نشاهد هذا الوجود الطبيعي. وأما الذي يستحق أن يسمى به هذا العلم إذا اعتبر بذاته ، فهو أن يقال له علم « ما قبل الطبيعة » ، لأن الأمور المبحوث عنها في هذا العلم ، هي بالذات وبالعموم (١) ، قبل الطبيعة.

ولكنه (٢) لقائل أن يقول : إن الأمور الرياضية المحضة التي ينظر فيها في الحساب (٣) والهندسة ، هي أيضا « قبل الطبيعة » ، وخصوصا العدد فإنه لا تعلق لوجوده بالطبيعة البتة ، لأنه قد يوجد (٤) لا في الطبيعة ، فيجب أن يكون علم الحساب والهندسة علم « ما قبل الطبيعة » (٥).

فالذي (٦) يجب أن يقال (٧) في هذا التشكيك هو أنه : أما الهندسة فما كان (٨) النظر فيه منها (٩) إنما هو في الخطوط والسطوح والمجسمات. فمعلوم أن موضوعه غير مفارق للطبيعة في القوام ، فالأعراض (١٠) اللازمة له أولى بذلك. وما كان موضوعه المقدار المطلق فيؤخذ فيه المقدار المطلق على أنه مستعد لأية نسبة اتفقت ، وذلك ليس للمقدار بما هو مبدأ للطبيعيات وصورة ، بل (١١) بما هو مقدار وعرض. وقد عرف (١٢) في شرحنا للمنطقيات والطبيعيات الفرق بين المقدار الذي هو يعد الهيولى مطلقا ، وبين المقدار الذي هو كم ، وأن اسم المقدار يقع عليهما بالاشتراك (١٣). وإذا كان (١٤) كذلك فليس موضوع الهندسة بالحقيقة هو (١٥) المقدار المعلوم (١٦) المقوم للجسم الطبيعي ، بل المقدار المقول على الخط والسطح والجسم (١٧). وهذا هو المستعد للنسب المختلفة.

__________________

(١) وبالعموم : أو بالعموم م

(٢) ولكنه : ولكن م

(٣) فى الحساب : بالحساب م

(٤) يوجد : + أيضا ص ، م

(٥) ما قبل الطبيعة : ما بعد الطبيعة ص ، م

(٦) فالذى : والذي ص

(٧) يقال : فقوله ص ، م

(٨) كان : ساقطة من م

(٩) فيه منها : فيها هاهنا ج ، ط

(١٠) فالأعراض : والأعراض ص. (١١) بل : + هو ص ؛ بما : ساقطة من م

(١٢) عرف : عرفت ص. (١٣) بالاشتراك : باشتراك ب ، ج ، م

(١٤) وإذا : فإذا م. (١٥) هو : ساقطة من ط

(١٦) المعلوم : ساقطة من ص ، م. (١٧) والجسم : والجثة ب ، ص ، ط ، طا ، م.

٢٢

وأما العدد فالشبهة فيه آكد ، ويشبه في ظاهر النظر أن يكون علم العدد هو علم « ما (١) بعد الطبيعة ». إلا أن يكون علم « ما بعد الطبيعة » إنما يعني به شيء آخر ، وهو علم « ما هو مباين » من كل الوجوه للطبيعة ، فيكون قد سمي هذا العلم بأشرف ما فيه. كما يسمى هذا العلم بالعلم الإلهي أيضا ، لأن المعرفة بالله تعالى هي (٢) غاية هذا العلم. وكثيرا ما تسمى الأشياء من جهة المعنى الأشرف ، والجزء الأشرف ، والجزء الذي هو كالغاية. فيكون كأن هذا العلم هو العلم الذي كماله ، وأشرف أجزائه ، ومقصوده الأول ، هو معرفة ما يفارق الطبيعة من كل وجه. وحينئذ (٣) إذا كانت التسمية موضوعة بإزاء هذا المعنى لا يكون لعلم العدد مشاركة له (٤) في معنى هذا الاسم ، فهذا هذا (٥).

ولكن البيان المحقق لكون علم الحساب خارجا عن علم « ما بعد الطبيعة » هو أنه سيظهر لك أن موضوعه ليس هو العدد من كل وجه ، فإن العدد قد يوجد في الأمور المفارقة ، وقد يوجد في الأمور الطبيعية ، وقد يعرض له وضع في الوهم مجردا عن كل شيء هو عارض له. وإن كان لا يمكن أن يكون العدد موجودا ، إلا عارضا لشيء في الوجود. فما كان من العدد وجوده في الأمور المفارقة ، امتنع أن يكون موضوعا لأية نسبة اتفقت من الزيادة والنقصان ، بل إنما يثبت على ما هو عليه فقط ، بل إنما يجب (٦) أن يوضع بحيث يكون قابلا لأي زيادة اتفقت ، ولأي نسبة اتفقت إذا كان في هيولى الأجسام التي هي (٧) بالقوة كل (٨) نحو من المعدودات ، أو كان في الوهم ، وفي الحالين جميعا هو غير مفارق

__________________

(١) ما : يما ج ، ص

(٢) هى : هو ب ، ج ، ط ، م

(٣) وحينئذ : فحينئذ ج ، ص ، م

(٤) له : ساقطة من ب

(٥) فهذا هذا : فهذا ب ، ط ، م ؛ هذا ص

(٦) يجب : يجوز م

(٧) هى : الذي هو ب ، ج ، ط ، م

(٨) كل : ساقطة من ط.

٢٣

للطبيعة ، فإذن علم الحساب من حيث ينظر في العدد إنما ينظر فيه وقد حصل له الاعتبار الذي إنما يكون له عند كونه في الطبيعة ، ويشبه أن يكون أول نظره فيه وهو في الوهم ، ويكون إنما هو في الوهم بهذه الصفة ، لأنه وهم له مأخوذ من (١) أحوال طبيعية (٢) لها أن تجتمع وتفترق (٣) وتتحد (٤) وتنقسم.

فالحساب ليس نظرا في ذات العدد ، ولا نظرا في عوارض العدد من حيث هو (٥) عدد مطلقا ، بل في عوارضه من حيث هو يصير بحال تقبل ما أشير إليه ، وهو حينئذ مادي أو وهمي إنساني يستند إلى المادة.

وأما النظر في ذات العدد ، وفيما يعرض له من حيث لا يتعلق بالمادة ولا يستند إليها ، فهو لهذا العلم.

__________________

(١) من : عن ص

(٢) طبيعية : الطبيعة ح ، ط ، طا ، م ؛ طبيعة ص

(٣) وتفترق : وتنفرق ج ، ط

(٤) وتتحد : وتتحدد ج ، ص ، ط

(٥) هو : ساقطة من م.

٢٤

[ الفصل الرابع ]

( د ) فصل

في جملة ما يتكلم فيه في هذا العلم (١)

فينبغي لنا في هذه الصناعة أن نعرف حال نسبة الشيء والموجود إلى المقولات (٢) ، وحال العدم ، وحال الوجوب ، أي (٣) الوجود (٤) الضروري وشرائطه ، وحال الإمكان وحقيقته ، وهو بعينه النظر في القوة والفعل ، وأن ننظر (٥) في حال الذي بالذات والذي بالعرض ، وفي الحق والباطل ، وفي حال الجوهر ، وكم أقسام (٦) هو ، لأنه ليس يحتاج الموجود في أن يكون جوهرا موجودا (٧) إلى أن يصير طبيعيا أو تعليميا ، فإن هاهنا جواهر خارجة عنهما ، فيجب أن نعرف حال الجوهر الذي هو كالهيولى ، وأنه كيف هو ، وهل هو مفارق أو غير مفارق ، ومتفق النوع أو مختلف ، وما نسبته إلى الصورة (٨) ، وأن الجوهر الصوري كيف هو ، وهل هو أيضا مفارق أو ليس بمفارق (٩) ، وما حال المركب ، وكيف حال كل واحد منهما عند الحدود ، وكيف مناسبة ما بين الحدود والمحدودات.

ولأن مقابل الجوهر بنوع (١٠) ما هو العرض ، فينبغي أن نتعرف في هذا العلم طبيعة العرض ، وأصنافه ، وكيفية الحدود التي تحد بها الأعراض ، ونتعرف حال مقولة مقولة من الأعراض ، وما أمكن فيه أن يظن أنه جوهر وليس

__________________

(١) العلم : + فهرست لعناوين الفصول م

(٢) المقولات : المعقولات ج ، ط

(٣) أى : فى ج ، ص ، ط ، م

(٤) الوجود : الموجود ج ، ط

(٥) تنظر : نظر ط.

(٦) أقسام : أقساما م

(٧) موجودا : ساقطة من م

(٨) الصورة : الصور م.

(٩) ليس بمفارق : غير مفارق ج ، ط ، م

(١٠) بنوع : نوع م.

٢٥

بجوهر ، فنبين (١) عرضيته ، ونعرف مراتب الجواهر كلها بعضها عند بعض في الوجود بحسب التقدم والتأخر ، ونعرف كذلك (٢) حال الأعراض.

ويليق بهذا الموضع أن نتعرف حال الكلي والجزئي ، والكل والجزء ، وكيف وجود الطبائع الكلية ، وهل لها وجود في الأعيان الجزئية ، وكيف وجودها في النفس ، وهل لها وجود مفارق للأعيان والنفس (٣).

وهنالك نتعرف حال الجنس والنوع ، وما يجري مجراهما ، ولأن الموجود لا يحتاج في كونه علة أو معلولا إلى (٤) أن يكون طبيعيا أو تعليميا أو غير ذلك. فبالحري أن نتبع ذلك الكلام في العلل ، وأجناسها ، وأحوالها ، وأنها كيف ينبغي أن تكون الحال بينها وبين المعلولات ، وفي تعريف الفرقان بين المبدإ الفاعلي ، وبين غيره. وأن نتكلم في الفعل والانفعال. وفي تعريف الفرقان بين الصورة (٥) والغاية ، وإثبات كل واحد منهما ، وأنهما (٦) في كل طبقة يذهب إلى علة أولى.

ونبين الكلام في المبدإ والابتداء ، ثم الكلام في التقدم والتأخر والحدوث ، وأصناف ذلك ، وأنواعه ، وخصوصية كل نوع منه ، وما يكون متقدما في الطبيعة ومتقدما عند العقل ، وتحقيق (٧) الأشياء المتقدمة عند العقل ، ووجه مخاطبة من أنكرها ، فما كان فيه من هذه الأشياء رأي مشهور مخالف للحق نقضناه.

فهذه وما يجري مجراها لواحق الوجود بما هو وجود ، ولأن الواحد (٨) مساوق (٩) للوجود فيلزمنا (١٠) أن ننظر أيضا في الواحد ، وإذا نظرنا في الواحد وجب أن ننظر في الكثير ، ونعرف التقابل بينهما.

__________________

(١) فنبين : فنتبين ج ، ط

(٢) كذلك : كيف طا

(٣) والنفس : وللنفس م.

(٤) الى : إلا ج ، ط

(٥) الصورة : + وبين ج ، م

(٦) وأنهما : وأنها ب ، ص ، م.

(٧) وتحقيق : وفى تحقيق ج ، ط

(٨) الواحد : الوحدة ط ، طا.

(٩) مساوق : مساو م.

(١٠) فيلزمنا : + أيضا ط.

٢٦

وهناك يجب أن ننظر في العدد ، وما نسبته إلى الموجودات ، وما نسبة الكم المتصل ، الذي يقابله بوجه ما ، إلى الموجودات (١) ، ونعد الآراء الباطلة كلها فيه ، ونعرف أنه ليس شيء من ذلك مفارقا ولا مبدأ للموجودات (٢) ، ونثبت العوارض التي تعرض للأعداد ، والكميات المتصلة ، مثل الأشكال وغيرها. ومن توابع الواحد : الشبيه ، والمساوي ، والموافق ، والمجانس ، والمشاكل ، والمماثل ، والهو هو. فيجب أن نتكلم في كل واحد من هذه ومقابلاتها ، وأنها (٣) مناسبة للكثرة مثل الغير الشبيه ، وغير المساوي (٤) ، وغير المجانس ، وغير المشاكل ، والغير بالجملة ، والخلاف ، والتقابل ، وأصنافها ، والتضاد بالحقيقة ، وماهيته.

ثم بعد ذلك ننتقل إلى مبادئ الموجودات فنثبت المبدأ الأول وأنه واحد حق في غاية الجلالة ، ونعرف أنه من كم وجه « واحد » ، ومن كم وجه « حق » (٥) ، وأنه كيف يعلم كل شيء ، وكيف هو قادر على كل شيء ، وما معنى أنه يعلم وأنه يقدر ، وأنه جواد ، وأنه سلام أي خير محض ، معشوق لذاته ، وهو اللذيذ الحق ، وعنده الجمال الحق ، ونفسخ ما قيل وظن فيه من الآراء المضادة للحق ، ثم نبين كيف نسبته إلى الموجودات عنه (٦) ، وما أول الأشياء التي توجد عنه.

ثم كيف تترتب عنه الموجودات (٧) مبتدئة من الجواهر الملكية العقلية ، ثم الجواهر الملكية النفسانية ، ثم الجواهر الفلكية (٨) السماوية ، ثم هذه العناصر ، ثم المكونات عنها. ثم الإنسان وكيف تعود إليه هذه الأشياء ، وكيف هو مبدأ

__________________

(١) وما نسبة الكم المتصل ... الموجودات : ساقطة من ب

(٢) للموجودات : الموجودات ط

(٣) وأنها : ولأنها ب ، ص ؛ فإنها ط

(٤) المساوى : + وغير الموافق ب

(٥) فى غاية ...... حق : ساقطة من م

(٦) الموجودات عنه : الموجودات م

(٧) الموجودات : + مترتبة م.

(٨) الفلكية : الملكية م.

٢٧

لها فاعلي ، وكيف هو (١) مبدأ لها كمالي ، وما ذا تكون حال النفس الإنسانية إذا انقطعت العلاقة بينها (٢) وبين الطبيعة ، وأي مرتبة تكون مرتبة وجودها.

وندل فيما بين ذلك على جلالة قدر النبوة ، ووجوب طاعتها ، وأنها واجبة من عند الله (٣) ، وعلى الأخلاق والأعمال التي تحتاج إليها النفوس الإنسانية مع الحكمة في أن يكون لها السعادة الأخروية. ونعرف أصناف السعادات.

فإذا بلغنا هذا المبلغ (٤) ختمنا كتابنا هذا ، والله المستعان به (٥) على ذلك (٦).

__________________

(١) هو : ساقطة من ط.

(٢) بينها : بينهما ج ، ط

(٣) الله : + تعالى ب ، ص

(٤) المبلغ : الموضع هامش ص ، م

(٥) به : ساقطة من ب

(٦) به على ذلك : ساقطة من م.

٢٨

[ الفصل الخامس ]

( هـ ) فصل

في الدلالة على الموجود والشيء وأقسامهما الأول ، بما يكون فيه

تنبيه على الغرض

فنقول : إن الموجود ، والشيء ، والضروري ، معانيها ترتسم في النفس ارتساما أوليا ، ليس ذلك (١) الارتسام مما يحتاج إلى (٢) أن يجلب بأشياء أعرف منها. فإنه كما أن في باب التصديق (٣) مبادئ أولية ، ويقع التصديق بها لذاتها ، ويكون التصديق بغيرها ، بسببها ، وإذا لم يخطر بالبال أو لم يفهم اللفظ الدال عليها ، لم يمكن التوصل إلى معرفة ما يعرف بها ، وإن لم يكن التعريف الذي يحاول إخطارها بالبال أو تفهيم ما يدل به عليها من الألفاظ محاولا لإفادة علم ليس في الغريزة ، بل منبها (٤) على تفهيم (٥) ما يريده القائل ويذهب إليه. وربما كان ذلك بأشياء هي في نفسها أخفى من المراد تعريفه ، لكنها لعلة ما وعبارة ما صارت أعرف. كذلك في التصورات أشياء هي مبادئ للتصور ، وهي متصورة لذواتها (٦) ، وإذا أريد أن يدل عليها لم يكن ذلك بالحقيقة تعريفا لمجهول (٧) ، بل تنبيها وإخطارا بالبال ، باسم أو بعلامة ، ربما (٨) كانت في نفسها أخفى منه (٩) ، لكنها لعلة ما وحال ما تكون أظهر دلالة.

فإذا استعملت تلك العلامة تنبهت النفس على إخطار ذلك المعنى بالبال ، من حيث أنه هو المراد لا غيره ، من غير أن تكون العلامة بالحقيقة معلمة

__________________

(١) ذلك : ساقطة من ط ، طا

(٢) إلى : ساقطة من ب ، م

(٣) التصديق : التصديقات ط

(٤) منبها : منتهيا ح

(٥) تفهيم : تفهم م

(٦) لذواتها : بذواتها ص

(٧) لمجهول : لمحمول بخ

(٨) ربما : وربما بخ

(٩) منه : منها ط.

٢٩

إياه. ولو كان كل تصور يحتاج إلى أن يسبقه تصور قبله لذهب الأمر في ذلك (١) إلى غير النهاية ، أو لدار.

وأولى الأشياء بأن تكون متصورة لأنفسها الأشياء العامة للأمور كلها ، كالموجود ، والشيء الواحد وغيره. ولهذا ليس يمكن أن يبين (٢) شيء منها ببيان لا دور فيه البتة ، أو ببيان شيء أعرف منها (٣). ولذلك من حاول أن يقوم فيها شيئا وقع في اضطراب ، كمن يقول : إن من حقيقة الموجود (٤) أن يكون فاعلا أو منفعلا ، وهذا إن كان ولا بد فمن أقسام الموجود ، والموجود أعرف من الفاعل والمنفعل. وجمهور الناس يتصورون حقيقة الموجود ولا يعرفون البتة أنه يجب أن يكون فاعلا أو منفعلا ، وأنا إلى هذه الغاية لم يتضح لي ذلك إلا بقياس لا غير ، فكيف يكون حال (٥) من يروم أن يعرف حال الشيء الظاهر بصفة له ، تحتاج إلى بيان حتى يثبت وجودها له؟ وكذلك قول من قال : إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر ، فإن « يصح » أخفى من « الشيء » و « الخبر » (٦) أخفى من « الشيء » ، فكيف يكون هذا تعريفا للشيء؟ وإنما تعرف الصحة ويعرف الخبر (٧) بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما أنه « شيء » أو أنه « أمر » أو أنه « ما » أو أنه « الذي » ، وجميع ذلك (٨) كالمرادفات لاسم الشيء ، فكيف يصح أن يعرف الشيء تعريفا حقيقيا بما لم يعرف إلا به؟ نعم ربما كان في ذلك وأمثاله تنبيه ما. وأما بالحقيقة فإنك إذا قلت إن الشيء هو ما يصح الخبر عنه ، تكون كأنك قلت : إن الشيء هو الشيء الذي يصح الخبر عنه ، لأن معنى « ما » و « الذي » و « الشيء » معنى واحد ، فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء.

__________________

(١) فى ذلك : ساقطة من ب

(٢) يبين : يتبين ص

(٣) منها : منه ط

(٤) الموجود :

الموجودات م

(٥) حال : ساقطة من م

(٦) والخبر : والجزء م

(٧) الخبر : الجزء م

(٨) ذلك : هذه طا.

٣٠

على أنا لا ننكر أن يقع بهذا أو ما يشبهه (١) ، مع (٢) فساد مأخذه ، تنبيه بوجه ما على الشيء ، ونقول : إن معنى الوجود ومعنى الشيء متصوران في الأنفس ، وهما معنيان. فالموجود (٣) والمثبت والمحصل أسماء مترادفة على معنى واحد ، ولا نشك في أن معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب.

والشيء وما يقوم مقامه قد يدل به على معنى آخر في اللغات كلها ، فإن لكل أمر حقيقة هو بها ما هو ، فالمثلث حقيقة أنه مثلث ، وللبياض حقيقة أنه بياض ، وذلك هو الذي ربما سميناه الوجود الخاص ، ولم نرد به معنى الوجود الإثباتي. فإن لفظ الوجود يدل به أيضا على معاني كثيرة ، منها الحقيقة التي عليها الشيء ، فكأنه ما عليه يكون الوجود الخاص للشيء.

ونرجع فنقول : إنه من البين أن لكل شيء حقيقة خاصة هي ماهيته ، ومعلوم أن حقيقة كل شيء الخاصة به غير الوجود الذي يرادف الإثبات ، وذلك لأنك إذا قلت : حقيقة كذا موجودة إما في الأعيان ، أو في الأنفس (٤) ، أو مطلقا يعمها (٥) جميعا ، كان لهذا معنى محصل مفهوم. ولو قلت : إن حقيقة كذا ، حقيقة كذا ، أو أن حقيقة كذا حقيقة ، لكان حشوا من الكلام غير مفيد. ولو قلت : إن حقيقة كذا شيء ، لكان أيضا قولا غير مفيد ما يجهل ، وأقل إفادة منه أن تقول : إن الحقيقة شيء ، إلا أن يعنى بالشيء ، الموجود ، كأنك قلت : إن حقيقة كذا حقيقة موجودة. وأما إذا قلت : حقيقة آشيء ما (٦) ، وحقيقة ب شيء آخر ، فإنما صح (٧) هذا وأفاد (٨). لأنك تضمر في نفسك أنه شيء آخر مخصوص مخالف

__________________

(١) يشبه : يشبه ط ، م

(٢) يقع ... مع : ساقطة من م

(٣) فالموجود : والموجود ب

(٤) الأنفس : النفس ب

(٥) يعمها : يعمهما ب ، ج ، ص ، ط

(٦) ما : ساقطة من ج

(٧) صح : يصح ص ، ط

(٨) وأفاد : فأفاد م.

٣١

لذلك الشيء الآخر ، كما لو قلت : إن حقيقة آوحقيقة ب حقيقة أخرى. ولو لا هذا الإضمار وهذا الاقتران جميعا لم يفد ، فالشيء يراد به هذا المعنى.

ولا يفارق لزوم معنى الوجود إياه البتة ، بل معنى الموجود يلزمه دائما ، لأنه يكون إما موجودا في الأعيان ، أو موجودا في الوهم والعقل ، فإن لم يكن كذا لم يكن شيئا.

وأن ما يقال : إن الشيء هو الذي يخبر عنه ، حق ، ثم الذي يقال ، مع هذا ، إن الشيء قد يكون معدوما على الإطلاق ، أمر يجب أن ينظر فيه. فإن عني بالمعدوم المعدوم في الأعيان ، جاز أن يكون كذلك ، فيجوز أن يكون الشيء ثابتا في الذهن معدوما في الأشياء (١) الخارجة. وإن عني غير ذلك كان باطلا ، ولم يكن عنه خبر البتة ، ولا كان معلوما إلا على أنه متصور في النفس فقط. فأما أن يكون متصورا في النفس صورة تشير إلى شيء خارج فكلا.

أما (٢) الخبر ، فلأن الخبر يكون دائما عن شيء متحقق في الذهن. والمعدوم المطلق لا يخبر عنه بالإيجاب ، وإذا أخبر عنه بالسلب أيضا فقد جعل له وجود بوجه ما في الذهن. لأن قولنا : « هو » (٣) ، يتضمن إشارة ، والإشارة إلى المعدوم ـ الذي لا صورة له بوجه من الوجوه في الذهن ـ محال. فكيف (٤) يوجب على المعدوم شيء؟

ومعنى قولنا : إن المعدوم « كذا » ، معناه أن وصف « كذا » حاصل للمعدوم ، ولا فرق بين الحاصل والموجود. فنكون كأنا قلنا : إن هذا الوصف

__________________

(١) الأشياء : الأعيان ط

(٢) أما : وأما ص

(٣) هو : ساقطة من ط

(٤) فكيف : وكيف ب ، م.

٣٢

موجود للمعدوم. بل نقول : إنه لا يخلو أن (١) ما يوصف به المعدوم ويحمل عليه إما أن يكون موجودا وحاصلا للمعدوم أو لا يكون موجودا حاصلا له ، فإن كان موجودا وحاصلا للمعدوم ، فلا يخلو إما أن يكون في نفسه موجودا أو معدوما ، فإن كان موجودا فيكون للمعدوم صفة موجودة ، وإذا كانت الصفة موجودة ، فالموصوف بها موجود لا محالة ، فالمعدوم موجود ، وهذا محال ، وإن كانت الصفة معدومة ، فكيف يكون المعدوم (٢) في نفسه موجودا لشيء؟ فإن ما لا يكون موجودا في نفسه ، يستحيل (٣) أن يكون موجودا للشيء.

نعم قد يكون الشيء موجودا في نفسه ولا يكون موجودا لشيء آخر ، فأما إن لم تكن (٤) الصفة موجودة للمعدوم فهي (٥) نفي الصفة عن المعدوم ، فإنه إن لم يكن هذا هو النفي للصفة عن (٦) المعدوم ، فإذا نفينا الصفة عن المعدوم ، كان (٧) مقابل هذا ، فكان وجود الصفة له ، وهذا كله باطل.

وإنما نقول : إن لنا علما بالمعدوم ، فلأن المعنى إذا تحصل في النفس فقط ولم يشر (٨) فيه إلى خارج (٩) ، كان المعلوم نفس ما في النفس فقط ، والتصديق الواقع بين المتصور من جزأيه هو أنه جائز في طباع (١٠) هذا المعلوم وقوع نسبة له معقولة إلى خارج ، وأما في هذا (١١) الوقت فلا نسبة له ، فلا معلوم غيره.

وعند القوم الذين يرون هذا الرأي ، أن في جملة ما يخبر عنه ويعلم أمورا لا شيئية لها في العدم ، ومن شاء أن يقف على ذلك فليرجع إلى ما هذوا به من أقاويلهم التي لا تستحق فضل الاشتغال بها.

__________________

(١) لا يخلو أن : لا يخلو ب ، ج ، ص ، م

(٢) المعدوم : للمعدوم ط

(٣) يستحيل : فيستحيل ج

(٤) لم تكن : لا تكون م

(٥) فهى : فهو ج ، م

(٦) للصفة عن : ساقطة من ط ، طا

(٧) كان : وكان ط

(٨) يشر : يشير م

(٩) خارج : الخارج ج ، ص ، ط

(١٠) طباع : طبائع ج ، ص ، ط ، م

(١١) وأما فى هذا : وفى ب ، ج ، ص ، م.

٣٣

وإنما وقع أولئك فيما وقعوا فيه بسبب جهلهم بأن الإخبار إنما يكون عن معان لها وجود في النفس ، وإن كانت معدومة في الأعيان ، ويكون معنى (١) الإخبار عنها أن لها نسبة ما إلى الأعيان. مثلا إن قلت : إن القيامة « تكون » ، فهمت القيامة وفهمت « تكون » ، وحملت « تكون » التي في (٢) النفس ، على القيامة التي في (٣) النفس (٤) ، بأن هذا المعنى إنما (٥) يصح في معنى آخر معقول أيضا ، وهو معقول في (٦) وقت مستقبل ، أن يوصف بمعنى ثالث معقول ، وهو معقول الوجود. وعلى هذا القياس الأمر في الماضي. فبين أن المخبر عنه لا بد من أن يكون موجودا وجودا ما في النفس. والإخبار في الحقيقة هو (٧) عن الموجود في النفس ، وبالعرض عن الموجود في الخارج (٨). وقد فهمت الآن أن الشيء بما ذا (٩) يخالف المفهوم للموجود والحاصل ، وأنهما مع ذلك متلازمان.

وعلى أنه قد بلغني أن قوما يقولون : إن الحاصل يكون حاصلا ، وليس بموجود ، وقد تكون صفة الشيء ليس شيئا لا موجودا ولا معدوما ، وأن « الذي » و « ما » يدلان (١٠) على غير ما يدل عليه الشيء. فهؤلاء ليسوا من جملة المميزين. وإذا (١١) أخذوا بالتمييز بين هذه الألفاظ من حيث مفهوماتها انكشفوا.

فنقول الآن : إنه وإن لم يكن الموجود (١٢) ، كما علمت ، جنسا (١٣) ، ولا مقولا بالتساوي على ما تحته ، فإنه معنى متفق فيه على التقديم والتأخير. وأول (١٤) ما يكون ، يكون للماهية التي هي الجوهر (١٥) ثم يكون لما بعده. وإذ هو معنى واحد

__________________

(١) معنى : مع م

(٢) فى : ساقطة من ب

(٣) فى ( الأولى ) : ساقطة من ب

(٤) على ... النفس : ساقطة من م

(٥) إنما : ساقطة من م

(٦) فى : ساقطة من م

(٧) هو : وهو ط

(٨) الموجود فى الخارج : الموجود الخارج م

(٩) بما ذا : ما ذا م

(١٠) يدلان : تدل م

(١١) وإذا : فإذا ط

(١٢) الموجود : الوجود ط. (١٣) جنسا : حسيا ط

(١٤) وأول : فأول ج ، ط. (١٥) الجوهر : للجوهر طا.

٣٤

على النحو الذي أومأنا إليه فتلحقه عوارض تخصه ، كما قد بينا قبل. فلذلك (١) يكون له علم واحد يتكفل به. كما أن لجميع ما هو صحي علما واحدا.

وقد يعسر علينا أن نعرف حال الواجب والممكن والممتنع بالتعريف المحقق أيضا ، بل بوجه العلامة. وجميع ما قيل في تعريف (٢) هذه مما بلغك عن (٣) الأولين قد يكاد يقتضي دورا. وذلك لأنهم ، على ما مر لك في فنون المنطق ، إذا أرادوا أن يحدوا الممكن ، أخذوا في حده إما الضروري وإما المحال ولا وجه (٤) لهم غير ذلك. وإذا (٥) أرادوا أن يحدوا الضروري ، أخذوا في حده إما الممكن وإما المحال.

وإذا (٦) أرادوا أن يحدوا (٧) المحال أخذوا في حده إما الضروري وإما الممكن. مثلا إذا حدوا (٨) الممكن قالوا مرة ، إنه غير الضروري أو أنه المعدوم ، في الحال الذي ليس وجوده ، في أي وقت فرض (٩) من المستقبل ، بمحال. ثم إذا (١٠) احتاجوا إلى أن يحدوا الضروري قالوا : إما أنه الذي لا يمكن أن يفرض معدوما ، أو أنه الذي إذا فرض بخلاف ما هو عليه (١١) كان محالا. فقد أخذوا الممكن تارة في حده ، والمحال أخرى. وأما (١٢) الممكن فقد كانوا أخذوا ، قبل ، في حده إما الضروري وإما المحال. ثم المحال ، إذا أرادوا أن يحدوه ، أخذوا في حده إما الضروري بأن يقولوا : إن المحال هو ضروري العدم ، وإما الممكن بأن يقولوا : إنه الذي لا يمكن أن يوجد ، أو لفظا آخر يذهب مذهب هذين.

وكذلك ما يقال من أن الممتنع هو الذي لا يمكن أن يكون ، أو هو (١٣) الذي يجب أن لا يكون. والواجب هو الذي هو ممتنع ومحال أن لا يكون ، أو ليس (١٤)

__________________

(١) فلذلك : ولذلك ص ، ط

(٢) تعريف : ساقطة من م

(٣) عن : من ج ، ط

(٤) ولا وجه : لا وجه م

(٥) وإذا : فإذا ج ، ص ، ط

(٦) وإذا : فإذا ص

(٧) يحدوا : يحددوا ط

(٨) حدوا : أخذوا ج ، ص ، ط

(٩) فرض : فرضت ب

(١٠) ثم إذا : ثم إن ب ، ج ، م. (١١) ما هو عليه : ما عليه ج

(١٢) وأما : أما م. (١٣) أو هو : وهو م

(١٤) أو ليس : وليس ب ، ج ، م.

٣٥

بممكن (١) أن لا يكون. والممكن هو الذي ليس (٢) يمتنع (٣) أن يكون أو لا يكون ، أو الذي ليس بواجب أن يكون وأن لا يكون. وهذا (٤) كله كما تراه دور ظاهر. وأما كشف الحال في ذلك فقد مر (٥) لك في أنولوطيقا.

على أن أولى هذه الثلاثة في أن يتصور أولا ، هو الواجب. وذلك لأن الواجب يدل على تأكد الوجود ، والوجود أعرف من العدم ، لأن الوجود يعرف بذاته ، والعدم يعرف ، بوجه ما من الوجوه (٦) ، بالوجود. ومن تفهمنا (٧) هذه الأشياء يتضح لك بطلان قول من يقول : إن المعدوم يعاد لأنه أول شيء مخبر عنه بالوجود. وذلك أن المعدوم إذا أعيد يجب أن يكون بينه وبين ما هو مثله ، لو وجد بدله ، فرق. فإن كان مثله إنما ليس هو لأنه ليس الذي كان عدم (٨) ، وفي حال العدم كان هذا غير ذلك ، فقد صار المعدوم موجودا على النحو الذي أومأنا إليه فيما سلف آنفا.

وعلى أن المعدوم إذا أعيد احتيج (٩) أن تعاد جميع (١٠) الخواص التي كان بها هو ما هو. ومن خواصه وقته ، وإذا (١١) أعيد وقته كان المعدوم غير معاد ، لأن المعاد هو الذي يوجد في وقت ثان. فإن كان المعدوم تجوز إعادته وإعادة جملة المعدومات التي كانت معه ، والوقت إما شيء له حقيقة وجود قد (١٢) عدم ، أو موافقة موجود لعرض من الأعراض ، على ما عرف (١٣) من مذاهبهم ، جاز أن يعود الوقت والأحوال ، فلا يكون وقت ووقت ، فلا يكون عود.

على أن العقل يدفع هذا دفعا لا يحتاج فيه إلى بيان ، وكل ما يقال فيه فهو خروج عن طريق التعليم.

__________________

(١) بممكن : يمكن ج

(٢) ليس : لا ط

(٣) يمتنع : بممتنع م

(٤) وهذا : وهذه ط

(٥) فقد مر : فقدم م

(٦) من الوجوه : ساقطة من ب ، ص ، م

(٧) تفهمنا : تفهيمنا ب ، ص ، ط

(٨) عدم : وعدم ط

(٩) احتيج : + إلى ط

(١٠) جميع : لجميع ج ؛ بجمع طا. (١١) وإذا : فإذا ج ، م

(١٢) قد : فقد ب ؛ وقد بخ ، ص. (١٣) ما عرف : ما عرفت ص.

٣٦

[ الفصل السادس ]

( و ) فصل

في ابتداء القول في الواجب (١) الوجود ، والممكن الوجود ، وأن

الواجب الوجود لا علة له ، وأن الممكن الوجود معلول ، وأن

الواجب الوجود غير مكافئ (٢) لغيره في الوجود ، ولا متعلق بغيره (٣) فيه

ونعود إلى ما كنا فيه فنقول : إن لكل واحد من الواجب الوجود ، والممكن الوجود ، خواص. فنقول : إن الأمور التي تدخل في الوجود تحتمل في العقل الانقسام إلى قسمين ، فيكون منها ما إذا اعتبر بذاته لم يجب وجوده ، وظاهر (٤) أنه لا يمتنع أيضا وجوده ، وإلا لم يدخل في الوجود ، وهذا الشيء هو في حيز الإمكان ، ويكون منها ما إذا اعتبر بذاته وجب وجوده.

فنقول : إن الواجب الوجود (٥) بذاته لا علة له ، وإن الممكن الوجود بذاته له علة ، وإن الواجب الوجود بذاته واجب الوجود من جميع جهاته ، وإن الواجب الوجود لا يمكن أن يكون وجوده مكافئا لوجود آخر ، فيكون كل واحد منهما مساويا للآخر في وجوب الوجود ويتلازمان. وإن الواجب الوجود لا يجوز أن يجتمع وجوده عن كثرة البتة. وإن الواجب الوجود لا يجوز أن تكون الحقيقة التي له مشتركا فيها بوجه من الوجوه (٦) ، حتى يلزم من تصحيحنا ذلك أن يكون واجب الوجود غير مضاف ، ولا متغير ٤٦٨ ، ١ ولا متكثر ، ولا مشارك في وجوده الذي يخصه.

__________________

(١) الواجب : واجب م

(٢) مكافئ : مكاف ب ، ج ، د ، ص ، ط

(٣) بغيره : لغيره ص ، م

(٤) وظاهر : فظاهر ج

(٥) الوجود : ساقطة من ج

(٦) من الوجوه : ساقطة من ب ، م.

٣٧

أما أن الواجب الوجود لا علة له ، فظاهر. لأنه (١) إن كان (٢) لواجب الوجود علة في وجوده ، كان وجوده بها. وكل ما وجوده بشيء ، فإذا اعتبر بذاته دون غيره (٣) لم يجب له وجود ، وكل ما إذا اعتبر بذاته دون غيره ، ولم يجب له وجود ، فليس واجب الوجود بذاته. فبين (٤) أنه إن (٥) كان لواجب الوجود بذاته (٦) علة لم يكن واجب الوجود بذاته. فقد ظهر أن الواجب (٧) الوجود لا علة له.

وظهر من ذلك أنه لا يجوز أن يكون شيء واجب الوجود بذاته ، وواجب الوجود بغيره ، لأنه إن كان يجب وجوده بغيره ، فلا يجوز أن يوجد دون غيره ، وكلما لا يجوز أن يوجد دون غيره (٨) ، فيستحيل وجوده واجبا بذاته. ولو وجب بذاته ، لحصل. ولا تأثير لإيجاب الغير في وجوده الذي يؤثر غيره في وجوده فلا يكون واجبا وجوده في ذاته.

وأيضا أن كل ما هو ممكن الوجود باعتبار ذاته ، فوجوده (٩) وعدمه كلاهما بعلة ، لأنه إذا وجد فقد حصل له الوجود متميزا من العدم ، وإذا (١٠) عدم حصل له العدم متميزا من الوجود. فلا يخلو إما أن يكون كل واحد من الأمرين يحصل له عن غيره أو لا عن غيره ، فإن كان عن غيره فالغير (١١) هو العلة ، وإن كان لا يحصل عن غيره ، ومن البين أن كل ما لم يوجد ثم وجد فقد تخصص بأمر جائز غيره.

وكذلك في العدم ، وذلك لأن هذا التخصيص (١٢) إما أن تكفي فيه ماهية الأمر أو لا تكفي فيه ماهية (١٣) ، فإن كانت (١٤) ماهيته تكفي (١٥) لأي الأمرين كان ، حتى يكون

__________________

(١) لأنه : أنه ب

(٢) كان : كانت ج ، ص ، ط

(٣) دون غيره : دونه ج ، ص ، ط ، م.

(٤) فبين : فتبين ج ، ص ، ط

(٥) إن : لو ص ، ط

(٦) بذاته : فى ذاته بخ ، ج ، ص ، م

(٧) الواجب : واجب ج ، ص ، م

(٨) وكلما ... غيره : ساقطة من ب ، م

(٩) فوجوده : ووجوده ج ، ص ، ط

(١٠) وإذا : فإذا ط

(١١) فالغير : والغير م

(١٢) التخصيص : التخصص م. (١٣) ماهية : ماهيته م

(١٤) كانت : كان ص. (١٥) ماهيته تكفى : يكفى ماهية ص ، ط.

٣٨

حاصلا ، فيكون ذلك الأمر واجب الماهية لذاته ، وقد فرض غير واجب ، هذا خلف. وإن كان لا يكفي فيه وجود ماهيته ، بل أمر يضاف إليه وجود ذاته ، فيكون وجوده لوجود شيء آخر غير ذاته لا بد منه فهو علته ، فله علة. وبالجملة فإنما يصير أحد الأمرين واجبا له ، لا لذاته ، بل لعلة.

أما المعنى الوجودي فبعلة ، هي علة (١) وجودية. وأما المعنى العدمي فبعلة ، هي عدم العلة للمعنى الوجودي ، وعلى ما علمت. فنقول : إنه يجب أن يصير واجبا بالعلة ، وبالقياس إليها. فإنه إن لم يكن واجبا ، كان عند وجود العلة وبالقياس إليها ممكنا أيضا ، فكان يجوز أن يوجد وأن لا يوجد غير متخصص بأحد الأمرين ، وهذا محتاج من رأس إلى وجود شيء ثالث يتعين له (٢) به الوجود عن العدم ، أو العدم عن الوجود عند وجود العلة ، فيكون ذلك علة أخرى ، ويتمادى الكلام إلى غير النهاية. وإذا تمادى إلى غير النهاية لم يكن (٣) ، مع ذلك ، قد تخصص (٤) له وجوده (٥) ، فلا يكون قد (٦) حصل له وجود ، وهذا محال. لا لأنه ذاهب إلى غير النهاية في العلل فقط (٧) ، فإن هذا في هذا الموضع بعد مشكوك (٨) في إحالته ، بل لأنه لم يوجد بعد ما به يتخصص وقد فرض موجودا. فقد صح أن كل ما هو ممكن الوجود لا (٩) يوجد ما لم يجب بالقياس إلى علته.

ونقول (١٠) : ولا يجوز أن يكون واجب الوجود مكافئا لواجب وجود آخر ، حتى يكون هذا موجودا مع ذلك ، وذلك موجودا مع هذا ، وليس أحدهما

__________________

(١) علة : + لجملة ط

(٢) له : ساقطة من ط

(٣) لم يكن : لا يكون ج ، م ؛ فلا يكون طا

(٤) تخصص : تعين م

(٥) وجوده : وجود م

(٦) قد : ساقطة من ص ، م

(٧) فقط : ساقطة من ط.

(٨) مشكوك : شكوك ج

(٩) لا : فلا طا

(١٠) ونقول : فنقول ح ، ص ، ط ، م.

٣٩

علة (١) للآخر ، بل هما متكافئان في أمر لزوم الوجود. لأنه لا يخلو إذا اعتبر ذات أحدهما بذاته دون الآخر ، إما أن يكون واجبا بذاته (٢) أو لا يكون (٣) واجبا بذاته ، فإن كان واجبا بذاته فلا يخلو إما أن يكون له وجوب أيضا باعتباره مع الثاني ، فيكون الشيء واجب الوجوب بذاته ، وواجب الوجود لأجل غيره ، وهذا محال ، كما قد مضى. وإما أن لا يكون له وجوب بالآخر ، فلا يجب أن يتبع وجوده وجود الآخر ، ويلزمه أن لا يكون لوجوده علاقة بالآخر ، حتى يكون إنما يوجد إذا وجد الآخر هذا. وأما إن لم يكن (٤) واجبا بذاته ، فيجب أن يكون باعتبار ذاته ممكن الوجود ، وباعتبار الآخر (٥) واجب الوجود. فلا يخلو حينئذ (٦) إما أن يكون الآخر (٧) كذلك أو لا يكون ، فإن كان الآخر كذلك فلا يخلو حينئذ إما أن يكون وجوب الوجود لهذا (٨) من ذلك ، وذلك (٩) في حد إمكان الوجود ، أو في حد وجوب الوجود. فإن كان وجوب الوجود لهذا من ذلك ، وذلك هو (١٠) في حد وجوب الوجود ، وليس من نفسه ، أو من ثالث سابق ، كما قلناه (١١) في وجه سلف ، بل من الذي يكون منه ، كان وجوب وجود (١٢) هذا شرطا فيه وجوب وجود ما يحصل بعد وجوب وجوده ، بعدية بالذات فلا يحصل له وجوب وجود البتة. وإن كان وجوب الوجود لهذا من ذلك ، وذلك في حد الإمكان ، فيكون وجوب وجود هذا من ذات ذلك وهو (١٣) في حد الإمكان ، ويكون (١٤) ذات ذلك في حد الإمكان (١٥) مفيدا لهذا وجوب الوجود ، وليس له حد الإمكان مستفادا من هذا ، بل الوجوب.

__________________

(١) علة : علته ط ، طا

(٢) دون ... بذاته : ساقطة من م

(٣) أو لا يكون : ولا يكون ط.

(٤) لم يكن : لا يكون ب ، ج ، م

(٥) الآخر : الثاني م

(٦) حينئذ : ساقطة من ب ، ص ، م

(٧) الآخر : الثاني م

(٨) لهذا : هذا ج ، ط

(٩) وذلك : + هو ط

(١٠) وذلك هو : وهو ذلك ص. (١١) قلناه : قلنا ص ، م

(١٢) وجود : الوجود م. (١٣) وهو : ساقطة من ط

(١٤) ويكون : يكون ب ؛ فيكون ج ، ص. (١٥) ويكون ... الإمكان : ساقطة من ط.

٤٠