فدك في التاريخ

فدك في التاريخ0%

فدك في التاريخ مؤلف:
الناشر: مؤسسة البعثة
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 148

فدك في التاريخ

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
الناشر: مؤسسة البعثة
تصنيف:

الصفحات: 148
المشاهدات: 12408
تحميل: 11736

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 148 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12408 / تحميل: 11736
الحجم الحجم الحجم
فدك في التاريخ

فدك في التاريخ

مؤلف:
الناشر: مؤسسة البعثة
العربية

واذن فلماذ طلب الخليفة بيّنة من فاطمة على دعواها وهل تحتاج الدعوى المعلوم صدقها إلى بيّنة ؟

قال المعترضون على أبي بكر : ان البيّنة انّما تراد ليغلب في الظن صدق المدعى والعلم أقوى منها فإذا لزم الحكم للمدعى الذي تقوم البيّنة على دعواه يجب الحكم للمدعى الذي يعلم الحاكم بصدقه.

والاحظ ان في هذا الدليل ضعفاً مادياً لأنّ المقارنة لم تقم فيه بين البيّنة وعلم الحاكم بالاضافة إلى صلب الواقع وانّما لوحظ مدى تأثير كل منهما في نفس الحاكم وكانت النتيجة حينئذ ان العلم أقوى من البيّنة لأنّ اليقين أشدّ من الظنّ. وكان من حقّ المقارنة ان يلاحظ الأقرب منهما إلى الحقيقة المطلوب مبدئياً الأخذ بها في كل مخاصمة. ولا يفضل علم الحاكم في هذا الطور من المقايسة على البيّنة لأن الحاكم قد يخطأ كما انّ البيّنة قد تخطأ فهما في شرع الواقع سواء كلاهما مظنة للزلل والاشتباه.

ولكن في المسألة أمر غفل عنه الباحثون أيضاً وهو أن ما يعلمه الخليفة من صدق الزهراء يستحيل ان لا يكون حقيقة ، لأنّ سبب علمه بصدقها ليس من الأسباب التي قد تنتج توهما خاطئاً وجهلاً مركباً وانّما هو قرآن كريم دلّ على عصمة المدعية. وعلى ضوء هذه الخاصية التي يمتاز بها العلم بصدق الزهراء يمكننا ان نقرر أن البيّنة التي قد تخطأ إذا كانت دليلاً شرعياً مقتضياً للحكم على طبقه فالعلم الذي لا يخطئ وهو ما كان بسبب شهادة الله تعالى بعصمة المدعي وصدقه أولى بأن يكتسب تلك الصفة في المجالات القضائية.

وعلى أسلوب آخر من البيان نقول : ان القرآن الكريم لو كان قد نص على ملكية الزهراء لفدك وصدقها في دعوى النحلة لم يكن في المسألة متسع للتشكيك لمسلم أو مساغ للتردد لمحكمة من محاكم القرآن ومن الواضح أن نصه على عصمة الزهراء في قوة النصّ على النحلة

١٤١

لأنّ المعصوم لا يكذب فإذا ادعى شيئاً فدعواه صائبة بلا شك ولا فرق بين النصّ على العصمة والنصّ على النحلة فيما يتصل بمسألتنا سوى ان ملكية الزهراء لفدك هي المعنى الحرفي للنصّ الثاني والمعنى المفهوم من النصّ الأول عن طريق مفهومه الحرفي.

4 ـ ونقول من ناحية أخرى : ان احداً من المسلمين لم يشك في صدق الزهراء ولم يتهمها بالافتراء على أبيها وانّما قام النزاع بين المتنازعين في أنّ العلم بصواب الدعوى هل يكفي مدركاً للحكم على وفقها او لا ؟ فلندع آية التطهير ونفترض انّ الخليفة كان كأحد هؤلاء المسلمين وعلمه بصدق الزهراء حينئذ ليس حاوياً على الامتياز الذي أشرنا إليه في النقطة السابقة بل هو علم في مصاف سائر الاعتقادات التي تحصل بأسباب هي عرضه للخطأ والاشتباه ولا يدلّ حينئذ جعل البيّنة دليلاً على مشاركته لها في تلك الخاصية لأنّه ليس أولى منها بذلك كما عرفنا سابقاً.

ولكن الحاكم يجوز له مع ذلك ـ أن يحكم على وفق علمه كما يجوز له أن يستند في الحكم إلى البيّنة بدليل ما جاء في الكتاب الكريم مما يقرر ذلك اذ قال الله تعالى في سورة النساء :( واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ) وقال في سورة الاعراف :( ممن خلقنا أمة يهدون بالحقّ وبه يعدلون ) أي يحكمون.

وللحق والعدل ملاحظتان : ـ

( احداهما ) الحق والعدل في نفس الأمر والواقع.

( والاخرى ) الحق والعدل بحسب الموازين القضائية فالحكم على وفق البيّنة حق واعتدال في عرف هذه الملاحظة وان اخطأت ويعاكسه الحكم على وفق شهادة الفاسق فانه ليس حقاً ولا عدلاً وان كان الفاسق صادقاً في خبره.

١٤٢

والمعنى بالكلمتين في الآيتين الكريمتين ان كان هو المعنى الأول للحق والعدل كانتا دالتين على صحة الحكم بالواقع من دون احتياج إلى البيّنة فإذا احرز الحاكم ملكية شخص لمال صحّ له أن يحكم بذلك لأنّه يرى انّه الحق الثابت في الواقع والحقيقة العادلة فحكمه بملكية ذلك الشخص للمال مصداق في عقيدته للحكم بالحق والعدل الذي أمر به الله تعالى. واما إذا فسرنا الكلمتين في الآيتين بالمعنى الثاني اعني ما يكون حقّاً وعدلاً بحسب مقاييس القضاء فلا يستقيم الاستدلال بالنصين القرآنيين على شيء في الموضوع لأنهما لا يثبتان حينئذ ان أي قضاء يكون قضاء بالحق وعلى طبق النظام وأي قضاء لا يكون كذلك.

ومن الواضح ان المفهوم المتبادر من الكلمتين هو المعنى الأول دون الثاني وخاصة كلمة الحق فانّها متى وصف بها شي ء فهم ان ذلك الشيء أمر ثابت في الواقع فالحكم بالحق عبارة عن الحكم بالحقيقة الثابتة. ويدل على ذلك الأسلوب الذي صيغت عليه الآية الأولى فانّها تضمنت أمراً بالحكم بالعدل وواضح جداً أن تطبيق التنظيمات الإسلامية في موارد الخصومة لا يحتاج إلى أمر شرعي لأن نفس وضعها قانوناً للقضاء معناه لزوم تطبيقها فلا يكون الأمر بالتزام القانون إلا تكراراً أو تنبيها وليس من حقيقة الأمر في شيء واما الأمر بالحكم على طبق الحقائق الواقعية سواء أكان عليها دليل من بيّنة وشهادة أولا فهو من طبيعة الأمر بالصميم لأنّه تقرير جديد يوضح ان الواقع هو ملاك القضاء الإسلامي والمحور الذي ينبغي ان يدور عليه دون أن يتقيد بالشكليات والأدلة الخاصة(1) .

__________________

(1) واذا أردنا أن نترجم هذا المعنى إلى اللغة العلمية قلنا : انّ الأمر على التقدير الثاني يكون ارشادياً اذ لا ملاك للأمر المولوي في المقام حيث ان المأمور اتباعه هو بنفسه كاف للبعث والتحريك فظهور الأمر في المولوية يقضي بصرف لفظة العدل إلى المعنى الأول لجواز الأمر مولوياً باتباع الواقع فيما إذا دلت عليه البيّنة خاصة وامكان الأمر باتباعه مطلقاً.

١٤٣

واذن فالآيتان دليل على اعتبار علم الحاكم في قوانين القضاء الإسلامية(1) .

واضف إلى ذلك انّ الصديق نفسه كان يكتفي كثيراً بالدعوى المجردة عن البيّنة فقد جاء عنه في صحيح البخاري(1) انّ النبي (ص) لما مات جاء لأبي بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي فقال. من كان له علي دين أو كانت قبله عدة فليأتنا قال جابر : وعدني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يده ثلاث مرات فعد في يدي خمسمأة ثم خمسمأة ثم خمسمأة.

وروي في الطبقات(2) عن أبي سعيد الخدري انّه قال : سمعت منادي أبي بكر ينادي بالمدينة حين قدم عليه مال البحرين : من كانت له عدة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فليأت ؟ فيأتيه رجال فيعطيهم فجاء أبو بشير المازني فقال : انّ رسول الله (ص) قال يا أبا بشير إذا جاءنا شيء فأتنا. فاعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثاً فوجدوها الفاً وأربعمائة درهم.

__________________

وأنا اعتذر عن عدم استعمال الاصطلاحات العلمية الدائرة في مباحث المنطق والفلسفة والفقه والاصول ـ إلا حين اضطر إلى ذلك اضطراراً ـ لأنني أحاول ان تكون بحوث هذا الفصل مفهومة لغير المتخصصين في تلك العلوم.

(1) ان قيل : ان الحديث الوارد عن أهل البيت فيمن قضى بالحق وهو لا يعلم الحكم باستحقاقه للعقاب يدلّ على عدم كون القضاء من آثار الواقع فيدور الأمر بين صرف هذه الرواية عن ظهورها في عدم نفوذ الحكم وحمل العقاب فيها على التجري وبين صرف الكلمتين إلى المعنى الثاني قلت : لا وجه لكلا التأويلين بل الرواية المذكورة مقيدة للآيات بصورة العلم فيكون موضوع القضاء مركباً من الواقع والعلم به وبتعبير آخر انّه من أثار الواقع الواصل.

(2) ج 3 ص 180.

(3) ج 4 ص 134.

١٤٤

فاذا كان الصديق لا يطلب أحداً من الصحابة بالبينة على الدين أو العدة فكيف طلب من الزهراء بيّنة على النحلة.

وهل كان النظام القضائي يخص الزهراء وحدها بذلك أو أنّ الظروف السياسية الخاصة هي التي جعلت لها هذا الاختصاص ؟

ومن الغريب حقاً أن تقبل دعوى صحابي لوعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمبلغ من المال وتردّ دعوى بضعة رسول الله (ص) لأنّها لم تجد بيّنة على ما تدعيه.

واذا كان العلم بصدق المدعي مجوزاً لاعطائه ما يدعيه فلا ريب أن الذي لا يتهمّ جابراً أو أبا بشير بالكذب يرتفع بالزهراء عن ذلك أيضاً.

واذا لم يكن اعطاء الخليفة لمدعي العدة ما طلبه على أساس الأخذ بدعواه وانّما دعاه احتمال صدقه إلى اعطائه ذلك وللامام ان يعطي أي شخص المبلغ الذي يراه فلماذا لم يحتط بمثل هذا الاحتياط في مسألة فدك.

وهكذا انجز الصديق وعود رسول الله (ص) التي لم تقم عليها بيّنة وأهمل هباته المنجزة التي ادعتها سيدة نساء العالمين وبقي السؤال عن الفارق بين الديون والعدات وبين نحلة بلا جواب مقبول.

5 ـ ولنستأنف مناقشتنا على أساس جديد وهو : انّ الحاكم لا يجوز له الحكم على طبق الدعوى المصدقة لديه إذا لم يحصل المدعى على بيّنة تشهد له ونهمل النتيجة التي انتهينا إليها في النقطة السابقة ونسأل على هذا التقدير.

أولاً ـ عمّا منع الصديق من التقدم بالشهادة على النحلة إذا كان عالماً بصدق الحوراء سلام الله عليها اذ يضم بذلك شهادته إلى شهادة علي وتكتمل بهما البيّنة ويثبت الحق واعتباره لنفسه حاكماً لا يوجب سقوط

١٤٥

شهادته لأنّ شهادة الحاكم معتبرة وليست خارجة عن الدليل الشرعي الذي أقام البيّنة مرجعاً في موارد الخصومة.

وثانياً ـ عن التفسير المقبول لاغفال الخليفة للواقع المعلوم لديه بحسب الفرض. ولأجل توضيح هذه النقطة يلزمنا أن نفرق بين أمرين اختلطا على جملة الباحثين في المسألة :

( أحدهما ) الحكم للمدعي بما يدعيه.

( والآخر ) تنفيذ آثار الواقع واذا افترضنا ان الأوّل محدود بالبينة فالآخر واجب على كل تقدير لأنّه ليس حكماً ليحدد بحدوده فإذا علم شخص بأن بيته للآخر فسلمه لمالكه لم يكن هذا حكماً بملكيته له وانّما هو اجراء للاحكام التي نص عليها القانون. كما انّ الحاكم نفسه إذا ادعى شخص عنده ملكية بيت وكان في حيازته أو دل الاستصحاب على الملكية المدعاة فاللازم عليه وعلى غيره من المسلمين ان يعتبروا هذا البيت كسائر ممتلكات ذلك المدعي وليس معنى هذا ان الحاكم حكم بأنّ البيت ملك لمدعيه مستنداً إلى قاعدة اليد أو الاستصحاب وان المسلمين اخذوا انفسهم باتباع هذا الحكم بل لو لم يكن بينهم حاكم للزمهم ذلك وليس الاستصحاب أو اليد من موازين الحكم في الشريعة وانّما يوجبان تطبيق أحكام الواقع.

والفارق بين حكم الحاكم بملكية شخص لمال أو فسقه ونحوهما من الشؤون التي تتسع لها صلاحيات الحاكم وبين تطبيق آثار تلك الأمور هو : امتياز الحكم بفصل الخصومة ونعني بهذا الامتياز ان الحاكم إذا أصدر حكماً حرم نقضه على جميع المسلمين ولزم اتباعه من دون نظر إلى مدرك آخر سوى ذلك الحكم.

وأما تطبيق القاضي لآثار الملكية عملياً بلا حكم فلا يترتب عليه

١٤٦

ذلك المعنى ولا يجب على كل مسلم متابعته واجراء تلك الآثار كما يجريها إلا إذا حصل له العلم بذلك كما حصل للحاكم.

والنتيجة : ان الخليفة إذا كان يعلم بملكية الزهراء لفدك فالواجب عليه أن لا يتصرف فيها بما تكرهه ولا ينزعها منها اجاز له أن يحكم على وفق علمه أولا. ولم يكن في المسألة منكر ينازع الزهراء ليلزم طلب اليمين منه واستحقاقه للمال إذا اقسم لأن الأموال التي كانت تطالب بها الزهراء اما ان تكون لها أو للمسلمين. وقد افترضنا انّ أبا بكر هو الخليفة الشرعي للمسلمين يومئذ واذن فهو وليهم المكلف بحفظ حقوقهم وأموالهم فإذا كانت الزهراء صادقة في رأيه ولم يكن في الناس من ينازعها فليس للخليفة ان ينتزع فدكاً منها وتحديد الحكم بالبينة خاصة انّما يحرم الحكم ولا يجيز انتزاع الملك من صحابه.

واذن فعدم جواز حكم الحاكم على وفق علمه لا يخفف من صعوبة الحساب ولا يخرج الخليفة ناجحاً من الامتحان.

( محمّد باقر الصدر )

١٤٧

فهرست الكتاب

فدك في التاريخ. 1

على مسرح الثورة 8

فدك. 20

تاريخ الثورة 28

قبسات من الكلام الفاطمي. 86

محكمة الكتاب.. 106

فهرست الكتاب.. 148

١٤٨