• البداية
  • السابق
  • 197 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14093 / تحميل: 6225
الحجم الحجم الحجم
تاريخ القرآن

تاريخ القرآن

مؤلف:
العربية

ويرد على هذه الروايات ما يلي :

أ ـ إننا قد رجحنا أن يكون القرآن مجموعاً في عهد رسول الله ٦ وإذا ثبت ذلك بطلت هذه الدعاوى.

ب ـ لو أن عليا وعمر ، كانا قد علما بأن هاتين سورتان ، فما يمنعهما من إلحاقهما بالمصحف ، وهما من القوة بحيث لا يستطيع أحد معارضتها مجتمعين إطلاقاً.

ج ـ لو كان الإمام علي ٧ يعلم هاتين السورتين ، فلم لم يشر بهما إلى أحد ذريته وشيعته لحفظهما من الضياع ، وذلك في عهد خلافته ، ولا رواية واحدة تدل على ذلك.

د ـ إن السياق الجملي للسورتين المزعومتين ، لا يتناسب مع مناخ القرآن البلاغي ، ولا أسلوبه الإعجازي ، ولا لغته المتميزة ، فلغة القرآن « سبوح لها منها عليها شواهد ، ولغة هاتين السورتين الموهومتين لغة دعاء مجرد »(١) .

٣ ـ نسب إلى عكرمة أنه قال : لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان ، فوجد حروفا من اللحن ، فقال : لا تغيروها ، فإن العرب ستغيرها ، أو قال ستعربها بألسنتها »(٢) .

ولا دلالة في هذا على التحريف إطلاقاً ، وإذا صح ، ففيه دلالة على اشتباه الكتبة ، ولكن الأمر المشكل فيها هو لماذا أمر عثمان بعدم تغييرها ، ولماذا لا يكون هذا الأمر مخترعا لا سيما وأن الرواية منقطعة غير متصلة ـ لأن عكرمة هذا لم يسمع من عثمان شيئاً بل لم يره كما يرى ذلك الداني(٣) .

٤ ـ روى ابن عباس عن عمر أنه قال : « إن الله عز وجل بعث محمداً بالحق ، وأنزل معه الكتاب ، فكان مما أنزل إليه آية الرجم ، فرجم

__________________

(١) ظ : نص هاتين السورتين في : السيوطي ، الاتقان : ١ / ١٨٤ وما بعدها.

(٢) المصدر نفسه : ١ / ١٨٣.

(٣) ظ : الداني ، المقنع : ١١٥.

١٦١

رسول الله ٦ ورجمناه بعده ، ثم قال : كنا نقرأ : ( ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ) أو : ( إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم )(١) .

ويرد على هذه الرواية ما يأتي :

أ ـ لم ترو هذه الرواية متواترة عن عمر ، وإنما رويت بطريق الآحاد ، وهي بعيدة الصدور عن عمر ، إذ لو اعتقد أنها آية ( آية الرجم ) لأثبتها لأنه كان يحتل الموقع الأول في الدولة مع وجود أبي بكر ، وأية قوة تقف في صدر عمر إذا أراد شيئاً آنذاك ، وعلى فرض صحة وجود الآية فلا دلالة فيها على التحريف لأنها من نسخ التلاوة ، وإن كنا نعارضه. ونعتبره اساساً للقول بالتحريف.

ب ـ إن حكم الرجم ثابت في السنة ، ولا يعني ذلك أن ما ثبت في السنة ثابت في القرآن ، بل كلا هما يشكلان أساس التشريع. وهناك جملة من الأحكام كانت السنة أصلاً لها ولا ذكر لها في القرآن كإعداد الصلاة ، وبعض مراسيم الحج ، وأنصبة الزكاة ، وهكذا.

٥ ـ روى عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت : « كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي ٦ مئتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر إلا ما هو الآن »(٢) .

ويرد على هذه الرواية إشكالان :

أ ـ إن عروة بن الزبير ضعيف الرواية.

ب ـ لو كانت عائشة وهي أم المؤمنين ومسموعة الكلمة ، ولها أثرها في الدولة الإسلامية آنذاك تعتقد هذا الأمر فلماذا أخفته ، وحينما عارضت عثمان لماذا لم تذكر في معارضتها هذا الأمر وهو خطير جداً.

فالأحرى إذن أن تكون الرواية موضوعة لا أصل لها.

٦ ـ قال لبيب السعيد في نفي أدلة التحريف وذكر رواياتها : ما ادعاه

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٤٧.

(٢) السيوطي ، الاتقان : ٢ / ٤٠.

١٦٢

بعض الغلاة المنتسبين إلى الشيعة : أن عليا ٧ جمع القرآن فكان فيه ما سموه « فضائح المهاجرين والأنصار » وأن عمر طلب إلى زيد بن ثابت أن يسقط من القرآن هذه الفضائح(١) .

وهذه الرواية ظاهرة النحل والبطلان من وجوه :

أ ـ إن الروايات متظافرة على جمع الإمام علي للقرآن حتى سمي ذلك بمصحف علي ، وهذا المصحف لا يختلف عن مصاحف بقية الصحابة ممن جمعوا القرآن ، ولا عن القرآن المعاصر بشيء ، لأن الإمام علي ٧ كان قد ولي الخلافة ، ولو كان في القرآن شيء منه لم يثبت لأثبته وفق ما يراه وهو الإمام الحاكم آنذاك.

ب ـ قد يستفاد من كثير من النصوص ـ كما أسلفنا القول فيه ـ(٢) أن الإمام علي ٧ قد جمع القرآن ورتبه تأريخيا بحسب النزول وأسبقيته ، ولا مانع من هذا ، كما أنه قد قسمه على سبعة أجزاء بحسب ما أثبته الزنجاني بعنوان ( ترتيب السور في مصحف علي ) وقد طبع في لايبزيك عام ١٨٧١ م(٣) .

ومع هذا فلا تختلف سور القرآن ونصوصه عن مصاحف المسلمين في شيء ، إلا أنه قد يجمع التأويل إلى جنب التنزيل ـ كما سترى هذا فيما بعد في دفع الشبهات ـ فيكون مصحفه قد اشتمل على التأويل الصادر عن النبي ٦ أو على النبي ٦ وأخبر به الإمام ، أو الصادر عنه هو بالذات مضافاً إلى أصل القرآن الكريم ، ومن قال بغير هذا فأهل البيت والإمامية براء منه.

ج ـ كيف يصح أن تكون هناك سور وآيات قد فاتت جميع المسلمين ، والقرآن منتشر بين ظهرانيهم ، ولم يستطع أحد أن يحفظ منها شيئاً ، وقد سبق لنا القول بأن حفاظ القرآن في عهد النبي ٦ بالمئات(٤) .

__________________

(١) لبيب السعيد ، الجمع الصوتي الأول للقرآن.

(٢) ظ : فيما سبق : الفصل الثاني : نزول القرآن.

(٣) ظ : الزنجاني ، تأريخ القرآن : ٦٩ ـ ٧٣.

(٤) ظ : فيما سبق. الفصل الثالث : جمع القرآن.

١٦٣

د ـ إن ما قدمه المهاجرون والأنصار للإسلام والقرآن يعد مفخرة وأي مفخرة بحد ذاته ، فما هو الذنب الذي اقترفه هؤلاء في عهد النبي ٦ فرادى أو مجتمعين ، حتى ينزل فيهم ما يسمها بالفضائح ، وهب أن معدودين تجاوزوا حدودهم ، فما نصنع بأولئك الذين يقول فيهم القرآن جهارا نهارا في سورة الفتح :

(محمَّدٌ رسولُ اللهِ والذينَ معه أشدَّاءُ على الكفَّارِ رحمآءُ بينَهُم تراهم ركَّعاً سُجَّداً يبتغونَ فضلاً من اللهِ ورضواناً سيماهُمْ في وجوهِهِم من أثر السُّجودِ ذلك مَثَلُهُم في التَّوراةِ ومَثَلَهُم في الإنجيلِ كزرعٍ أخرج شطئَهُ فأزَرَهُ فاستغلَظَ فاستوى على سوقِهِ يُعجِبُ الزُّرّاعَ ليغيظَ بهمُ الكُفّارَ وَعَدَ الله الذين امنوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ منهم مغفرةً وأجراً عظيماً (٢٩) )(١) .

قال الاستاذ لبيب السعيد : « وعندي أن نسبة هذه المزاعم إلى الشيعة ـ بعامة ـ هو قول تنقصه الدقة فضلاً عن الصحة. فهذه طائفة من علماء الشيعة يتبرأون من هذه المزاعم »(٢) .

٧ ـ روى المسور بن مخرمة : « قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : ( أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ) فإنا لا نجدها. قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن »(٣) .

ويرد على هذه الرواية أمران :

الأول : ما هي القيمة الكبرى التي يتمتع بها عبد الرحمن بن عوف في المجتمع الإسلامي ـ آنذاك ـ ولا يتمتع بها عمر حتى يسأله عن شيء يجيبه به عبد الرحمن بأنه أسقط فيما أسقط من القرآن.

الثاني : من هؤلاء القوم الذين أسقطوا من القرآن ما هو منهم ، وكيف يصح التصديق بمثل هذه الأباطيل.

وهناك روايات تجري بهذا المضمار أعرضنا عن ذكرها ، ولا كبير أمر

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) لبيب السعيد ، الجمع الصوتي الأول للقرآن : ٤٤٩.

(٣) السيوطي ، الاتقان : ٢ / ٤٢.

١٦٤

بمناقشتها ، إذ لا تختلف عما تقدم إملاها الكذب والاستهانة بمقدرات الكتاب العظيم. وجميعها لا يشكل دليلاً واحداً مقنعاً على دعوى التحريف.

وفي نهاية هذا الجانب نشير أن صاحب كتاب المباني قد عقد فصلاً قيماً في مقدمته بعنوان الفصل الرابع : ( في بيان ما ادعوا على المصحف من الزيادة والنقصان والخطأ والنسيان والكشف عنها بأوجز بيان ).

وقد تتبع فيه هذا الباب تتبعا إحصائيا وفند فيه مزاعم التحريف(١) .

رابعا : الاتهامات ، يبدو أن العصر العباسي الأول قد اختار لدوافع سياسية أن ينمي روح التفرقة والخلاف بين مختلف المسلمين ، وأن يخلق من قضايا جزئية متواضعة أمورا كلية مهمة ، فنشأ عن ذلك القول بخلق القرآن بين قدمه وحدوثه ، وما جر ذلك من الولايات بين المسلمين على أنها قضية فكرية ، ويومها وجدنا التيارات تتقاذف بالآراء على السطح ، لتصم هذا بالكفر تارة ، وغيره بالنفاق تارة أخرى ، وسواهما بالزندقة احياناً ، ونشأت هذه البذرة الخبيثة بين صفوف المسلمين ، ووجدت لها مناخا صالحا في تربة العصر العباسي الثاني ، حيث عمّق الفرقة ، وعصف بالوحدة ، فكانت الاتهامات المتبادلة تحبك بالظلام فتلقي بجرانها بين المسلمين ، فينقض هذا ما أبرم ذلك ، ويردّ ذلك على اتهامات ذه.

وقد وجدت مسألة القول بالتحريف من هذه المسائل ، إذ استثنينا القول بنسخ التلاوة ، فكل طائفة من المسلمين تنزه نفسها عن القول بها ، وبعض المذاهب تنسب القول بها إلى البعض الآخر ، وبالنتيجة تجد الجميع يبرؤون منها ، وهذا هو الصحيح.

فالقاضي ابو بكر الباقلاني ( ت : ٤٠٣ ه‍ ) يكيل في نكت الانتصار السباب والتهم دون حساب لشيعة أهل البيت : في القول بالزيادة والنقصان وعقد لذلك عدة أبواب(٢) من كتابه لا تقوم على أساس علمي على الإطلاق ، ولا تخدم القرآن ولا المسلمين في كل الأحوال.

__________________

(١) مقدمتان في علوم القرآن : ٧٨ ـ ١١٦.

(٢) ظ : الباقلاني ، نكت الانتصار : ٩٥ ـ ٢٠٣ + ٢٣٩ ـ ٢٤٢ وغيرها.

١٦٥

بينما وجدنا الطبرسي ( ت : ٥٤٨ ه‍ ) ينسب الزيادة والنقصان فيه إلى الحشوية من العامة(١) .

إن ما يؤخذ به هو الاعترافات لا الشهادات التي نجدها هنا وهناك وقد لا تمثل واقعاً ، ولا تدفع شبهة ، إن الروايات المتقدمة لم يقل بها الإمامية ، ولم يؤيدها الجمهور ، والدفاع عنها ، أو تبني نسخ التلاوة منها ، يمهد السبيل إلى القول بالتحريف ، وردّها يعني تزييف مضاميينها.

أ ـ وفي هذا الضوء كان ماقرره السيد الخوئي جديراً بالاعتبار ، قال : «المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف ، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي ٦ الأعظم وقد صرح بذلك كثير من الأعلام ، ومنهم رئيس المحدثين الصدوق محمد بن بابويه ، وقد عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية ، منهم شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، وصرح بذلك في أول تفسير « التبيان » ونقل القول بذلك أيضاً عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى ، واستدلاله على ذلك بأتم دليل ، ومنهم المفسر الشهير بالطبرسي في مقدمة تفسيره « مجمع البيان » ، ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر كاشف الغطاء في بحث القرآن من كتابه « كشف الغطاء » وادّعى الإجماع على ذلك ، ومنهم العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه « العروة الوثقى » ونسب القول بعدم بالتحريف إلى جمهور المجتهدين. ومنهم المحدث الشهير المولى محسن القاشاني في كتابيه ( الوافي وعلم اليقين ). ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي وفي مقدمة تفسيره « ألاء الرحمن ».

وقد نسب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الأعاظم ، منهم شيخ المشايخ المفيد ، والمتبحر الجامع الشيخ البهائي ، والمحقق القاضي نور الله ، وأحزابهم »(٢) .

ب ـ وتأسيسا على ما تقدم ، فقد نفى السيد المرتضى علم الهدى ( ت : ٤٣٦ ه‍ ) القول بالتحريف جملة وتفصيلا فقال : « إن العلم بصحة نقل

__________________

(١) الطبرسي ، مجمع البيان : ١ / ١٥.

(٢) الخوئي ، البيان : ٢٠٠ وما بعدها.

١٦٦

القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد إن العلم بتفسير القرآن وإبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما عم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني ، فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما ، حتى لو أن مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه بابا في النحو ليس من الكتاب لعرف وميّز وعلم أنه ملحق ، وليس من أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه ، أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعر »(١) .

ج ـ قال الشيخ الطوسي ( ت : ٤٦٠ ه‍ ) في مقدمة تفسيره :

« المقصود من هذا الكتاب علم معانيه ، وفنون أغراضه ، وأما الكلام في زيادته ونقصانه فما لا يليق به أيضا ، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها. والنقصان منه ؛ فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق الصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى رحمه الله ، وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة ، من جهة الخاصة والعامة ، بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما وعملا ، والأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها ، لأنه يمكن تأويلها »(٢) .

د ـ وقال الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت : ٥٤٨ ه‍ ) :

« ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنه لا يليق بالتفسير ،

__________________

(١) الطبرسي ، مجمع البيان : ١ / ١٥.

(٢) الطوسي ، التبيان : ١ / ٣.

١٦٧

فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأما النقصان منه ، فقد روى جماعة من أصحابنا ، وقوم من حشوية العامة : أن في القرآن تغييرا أو نقصانا ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه ، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات »(١) .

ه‍ ـ وتعرض أعلام المعاصرين للمسألة ويهمنا رأي كل من :

١ ـ السيد محسن الحكيم ، وهو يصرح : « إن سلف المسلمين كافة ، وعلماء الإسلام عامة ، منذ بدأ الإسلام إلى يومنا هذا ، يرون أن القرآن في ترتيب سوره وآياته ، هو كما بين أيدينا ، ولم يعتقد أحد من السلف في التحريف »(٢) .

٢ ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، وهو يقول : « إن أي حديث ، حول أي تحريف في القرآن ، لا يعدو أن يكون خرافة ، فإن القرآن الكريم لم يعتره أي تغيير من أي نوع »(٣) .

وفي ضوء ما تقدم من هذه الأقوال الصريحة من قبل أعاظم علماء الإسلام ، لا يبقى أدنى شك ، في أن لغة الاتهام والتهجم لا يكتب لها الاستمرار في التضليل ، لهذا فقد كان الدكتور محمد عبد الله دراز مخطئا إن لم يكن مفتريا بقوله : « ولقد ظن بعض الشيعة أن عثمان قد بدل في نص القرآن ، أو أنه على وجه التحديد أسقط شيئاً يتعلق بعلي بن أبي طالب »(٤) .

فإنه لم يثبت مرجعا واحداً لاتهامه هذا بل على العكس من ذلك ، فقد أورد ما يناقض زعمه ، وأورد رأي الشيخ الطوسي بقوله :

« ومهما يكن من أمر ، فإن هذا المصحف هو الوحيد المتداول في العالم الإسلامي ـ بما فيه فرق الشيعة ـ منذ ثلاثة عشر قرنا من الزمان.

__________________

(١) الطبرسي ، مجمع البيان : ١ / ١٥.

(٢) (٣) لبيب السعيد ، الجمع الصوتي الأول للقرآن : ٤٥١ وما بعدها وانظره مصدره.

(٤) محمد عبد الله دراز ، مدخل إلى القرآن الكريم : ٣٩.

١٦٨

ونذكر هنا رأي الشيعة الإمامية ( أهم فرق الشيعة ) ، كما ورد بكتاب أبي جعفر الأم :

« إن اعتقادنا في جملة القرآن الذي أوحى به الله تعالى إلى نبيه محمد هو كل ما تحتويه دفتا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر ، وعدد السور المتعارف عليه بين المسلمين هو (١١٤) سورة ، أما عندنا فسورتا الضحى والشرح تكونان سورة واحدة ، وكذلك سورتا الفيل وقريش ، وأيضاً سورتا الأنفال والتوبة. أما من ينسب إلينا الاعتقاد في أن القرآن أكثر من هذا فهو كاذب »(١) .

وهنا يتجلى أن الاتهامات التي لا تستند إلى أصل وثيق ، تذهب أدراج الرياح.

خامسا : الشبهات ، قد يتذرع القائلون بالتحريف بتوافر بعض الشبهات الدالة على ذلك ، وليس في هذه الشبهات ـ كما سترى ـ أدنى دليل على ما يدعون ، وسنشير إلى أهمها ، ونتعقب ذلك بالرد والدفع والمناقشة(٢) .

أ ـ إن التحريف سنة قد جرت في حياة الأمم السابقة ، والقرون الغابرة ، فاشتمل حتى على التوراة والإنجيل وسائر الكتب الدينية ، فلم لا يشمل القرآن ما شمل غيره.

وللرد على هذه الشبهة نرصد ما يلي :

١ ـ ليس من سنة الكون التحريف ، ولا من طبيعة خرق النواميس الحقة ، فموجده أتقن كل شيء صنعا ، وأنزله بمقدار ، ولا يمثل سنة الكون من يتلاعب بمقدارته من شعوب وأمم وقبائل وأجيال.

٢ ـ إن التوراة والإنجيل لم يتعهد الله سبحانه وتعالى ـ كشأن الكتب السماوية الأخرى ـ بحفظهما ، ولا بصيانتهما ، وإنما أوكل ذلك البشر ، محنة منه وابتلاء على طاعته أو معصيته ، فاستحفظ على ذلك الأحبار والربانيين بدلالة قوله تعالى :

__________________

(١) المرجع نفسه : ٣٩ وما بعدها ، وانظر مصادره.

(٢) ظ : الخوئي ، البيان : ٢٢٠ وما بعدها في ذكر مجمل ومفصل هذه الشبه.

١٦٩

(إنّا أنزلنا التوراةَ فيهَا هدىً ونورٌ يحكُمُ بها النبيُّونَ الذينَ أسلَمُوا للَّذينَ هادُوا والرَّبَّانيُّونَ والأحبارُ بما استُحفظُوا من كتابِ اللهِ وكانُوا عليهِ شهدآءَ فلا تخشَوا النَّاسَ واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكُم بما أنزلَ اللهُ فأولئك هم الكافرونَ (٤٤) )(١) .

٣ ـ إن القرآن نزل على سبيل الإعجاز الدائمي فوجب حفظه تأبيداً ، وتلك الكتب جاءت للبيان التوقيتي فلا يستلزم حفظها كحفظه ، ولم يرد أنها نازلة على سبيل الإعجاز والتحدي.

ب ـ هناك روايات تشير صراحة إلى أن كل ما وقع في الأمم السابقة ، لا بد أن يقع في هذه الأمة ، ومنه التحريف ، بدلالة ما روي عن الإمام الصادق ٧ :

« قال رسول الله ٦ كل ما كان في الأمم السالفة ، سيكون في هذه الأمة مثله ، حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة »(٢) .

وغير هذه من الروايات الدالة على هذا المعنى ويرد عليها ما يلي :

١ ـ إن هذه الروايات أخبار آحاد ، ولم يدع فيها التواتر ، وإذا كان الأمر كذلك فإنها لا تفيد علماً ولا عملاً.

٢ ـ على فرض صحة هذه الروايات فإنها تدل على مشابهة الأحداث من بعض الوجوه بين الأمم لا في كل جزئياتها وتفصيلاتها فإن وقع التحريف عندها في كتبها ، فيكفي في وقوع التحريف في هذه الأمة عدم اتباعهم لحدود القرآن وإن أقاموا حروفه(٣) .

٣ ـ هناك كثير من الوقائع التي حدثت في الأمم السابقة ولم تقع في أمة محمد ، ولم تصدر من المسلمين أمثالها ونظائرها ، كعبادة العجل ، وتيه بني إسرائيل ، وغرق فرعون ، وملك سليمان ٧ ، ورفع عيسى ٧ إلى السماء ، وموت هارون ٧ وهو وصي موسى ٧ قبل موت موسى ٧ نفسه ، وولادة عيسى ٧ من غير أب ، وعذاب الاستئصال وغيرها(٤) .

__________________

(١) المائدة : ٤٤.

(٢) المجلسي ، بحار الأنوار : ٨ / ٤.

(٣) (٤) ظ : الخوئي ، البيان : ٢٢١.

١٧٠

ج ـ تشير روايات الأئمة من أهل البيت : إلى أن علياً كان له مصحف غير المصحف المتداول ، وهذا يعني التغاير بين المصحفين ، أو فرضية الزيادة والنقصان بين النصين ، وروايات هذا الباب كثيرة ، أبرزها ، قول الإمام علي٧ :

« يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد عندي بإملاء رسول الله ٦ وخط يدي ، وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد وكل حلال أو حرام ، أو حد ، أو حكم ، أو شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة ، فهو عندي مكتوب بإملاء رسول الله ٦ وخط يدي ، حتى أرش الخدش(١) .

ومنها ما في احتجاجه ٧ على الزنديق من أنه : « أتى بالكتاب كملا مشتملاً على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، لم يسقط منه ألف ولا لام ، فلم يقبلوا ذلك »(٢) .

ومنها ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « سمعت أبا جعفر يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب ، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده : »(٣) .

وفي التوفيق بين هذه الروايات وبين نفي التحريف عن القرآن الكريم ، نرى أن الإمام علي ٧ ـ كما أسلفنا القول ـ(٤) قد جمع القرآن وفق ترتيب خاص ، جمع فيه إلى جنب التنزيل التأويل ، وفصل فيه بين الناسخ والمنسوخ ، ورتب فيه السور أو الآيات ترتيبا تأريخيا بعناية زمن النزول ، ولكن لا يعني ذلك أي اختلاف أو تناقض بين ما جمعه وبين القرآن ، وقد يستفاد من جملة روايات أخرى أنه أول من جمع القرآن بعد رسول الله ٦ ـ مع كونه مجموعاً في عهد رسول الله ٦ ـ وفق هذا الترتيب الذي لو صح ، لقلنا إن ترتيب القرآن اجتهادي ، أو أن الإمام علي ٧ قد علم من

__________________

(١) ظ : الخوئي البيان : ٢٢٢ وما بعدها وانظر مصادره.

(٢) (٣) المصدر نفسه : ٢٢٢ وما بعدها.

(٤) ظ : فيما سبق ، الفصل الثاني نزول القرآن : + الفقرة : ٦ من هذا الفصل.

١٧١

رسول الله ٦ ما لم يعلمه غيره ، فكان أن جمع القرآن كما أنزل ، فقد روى السدي عن عبد خير عن الإمام علي :

« إنه رأى من الناس طيرة عند وفاة رسول الله ٦ فأقسم أن لا يضع عن ظهره رداء حتى يجمع القرآن ، قال : فجلس في بيته حتى جمع القرآن ، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن ، جمعه من قبله ، وكان عند آل جعفر »(١) .

وليس في جميع الروايات دلالة على أن المجموع من قبل علي يختلف عن نص القرآن المتداول اليوم ، إذ لو كان مخالفا له في شيء لظهر أيام خلافته أو عند ورثته من الأئمة : ، فلما لم يكن من هذا شيء يذكر ، علمنا سلامة القرآن.

د ـ وهناك بعض الروايات عن الأئمة تدل بظاهرها على التحريف ، منها ما رواه جابر بن عبد الله عن النبي ٦ :

« يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون ، المصحف والمسجد والعترة. يقول المصحف : يا رب حرفوني ومزقوني ، ويقول المسجد : يا رب عطلوني وضيعوني ، وتقول العترة : يا رب قتلونا وطردونا ، وشردونا »(٢) .

ومنها قول الإمام موسى بن جعفر ٨ : « أؤتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه »(٣) .

ولا دليل في هذه الروايات على التحريف بالمعنى المشار إليه ، فهي تحمل أن القرآن قد حرّف بحدوده وضوابطه ، فهو لا يعمل به ، ولم يحرف بنصوصه وأصوله ، فهي ثابتة لم تتغير ، وسالمة لم تتحرف ، أما أن القرآن لا يعمل به ، ويشتكي غدا عند الله ، فهو ما تحمل عليه هذه الروايات دون سواه من المفاهيم.

ه‍ ـ وهناك شبهة تتلخص في أن كيفية جمع القرآن ـ بحسب روايات الجمع الموهوم ـ بشهادة الشهود ، وإقامة البينة ، تستلزم نسيان بعض

__________________

(١) الخوئي ، البيان : ٥٠٣.

(٢) (٣) المصدر نفسه : ٢٨٨ وانظر مصادره.

١٧٢

القرآن ، إما بموت من معه شيء من القرآن فضاع ، وإما على سبيل السهو والخطأ ، وعدم الضبط ، شأنه في ذلك شأن المجاميع الأخرى التي تتعرض للطوارئ.

والإجابة عن هذه الشبهة ودفعها ، نرى أن القرآن ـ كما سبق بيانه ـ(١) قد جمع متكاملاً على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانتفت الشبهة جملة وتفصيلاً.

قال السيد المرتضى علم الهدى ( ت : ٤٣٦ ه‍ ) :

« إن القرآن كان على عهد رسول الله ٦ مجموعاً ، مؤلفاً على ما هو عليه الآن ، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنه كان يعرض على النبي ٦ ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي ٦ عدة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث ، وأن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ، ظنوا صحتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته »(٢) .

سادساً : المحاولات ، ما زلت أتذكر ، قبل عشرين عاماً خلت ، ونحن طلبة في الجامعة ، أن أستاذنا الجليل الدكتور أحمد عبد الستار الجواري عضو المجمع العلمي العراقي ، قد لفت أنظارنا ـ من على كرسي التدريس ـ إلى حادث خطير ، يجب على العرب والمسلمين أن يحتدوا طاقاتهم لمحاربته ، والوقوف بحزم يدا واحدة لصده ، وهو قيام إسرائيل بمحاولة جادة لتحريف القرآن. وأتذكر أيضا أننا أصبنا بما يشبه وقع الصاعقة ، وقلبنا وجوه الاحتمالات في الموضوع ، وبعد حين ظهر صدق الحديث ، فقد جاء في الإعلام المصري ما يؤيد هذا النبأ الجلل ، وقرأنا آنذاك عن الخطوات التي اتخذت تجاهه.

__________________

(١) ظ : فيما سبق ، الفصل الثالث ـ جمع القرآن.

(٢) الطبرسي ، مجمع البيان : ١ / ١٥.

١٧٣

١ ـ في أيلول عام ١٩٦٠ م أفادت أنباء القاهرة : أن إسرائيل قد قامت بطبع مائة ألف نسخة من القرآن الكريم ، وقد أدخلت عليها التحريف ، وذلك بإحداث أكثر من ألف خطأ مطبعي ولفظي متعمد ، في طبعة محرفة للقرآن ، وقد تم توزيع هذه النسخ المحرفة في جملة من البلدان الآسيوية والإفريقية ، كالمغرب ، وغانا ، وغينيا ، ومالي ، ودول أخرى. وقد اكتشفت سفارة الجمهورية العربية المتحدة في المغرب هذه المحاولة الأثيمة ، فأشعرت بذلك السلطات في القاهرة ، وبعثت إليها ببعض النسخ المحرفة(١) .

٢ ـ وكان نتيجة هذا العمل اطلاعنا على أبرز مظاهر التحريف المهمة ، وهي كالآتي :

أ ـ حذف الآيتين التاليتين من القرآن الكريم ، ومنع تدريسهما في مدارس العرب والمسلمين في الأرض المحتلة :

(لا ينهاكُمُ اللهُ عن الذينَ لم يقاتلوكُمْ في الدِّينِ ولم يخرجوكُم من دياركُمْ أن تبرُّوهُم وتقسطوا إليهم إنَّ اللهَ يحبُّ المقسطينَ (٨)إنما ينهاكُمُ اللهُ عن الّذين قاتلوكُمْ في الدِّينِ وأخْرَجوكُم من دياركُمْ وظاهَرُوا على إخراجِكُمْ أن تولَّوْهُمْ وَمَن يتولهم فأولئك هُمُ الظَّالمونَ (٩) )(٢) .

ب ـ حذف كلمة « غير » لينقلب المعنى عكسياً من قوله تعالى :

(ومن يبتغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يقبَلَ منه وهو في الآخرةِ من الخاسرينَ (٨٥) )(٣) .

ج ـ حذف كلمتي « ليست » من الآية الكريمة :

(وقالتِ اليهودُ ليستِ النَّصارى على شيءٍ وقالتِ النَّصارى ليستِ اليهودُ على شيءٍ (١٣) )(٤) .

__________________

(١) ظ : جريدة الأهرام القاهرية عدد : ٢٨ ديسمبر ١٩٦٠ + مجلة آخر ساعة ، عدد : ١١ يناير ١٩٦١ م ، للمقارنة.

(٢) سورة الممتحنة : ٨ ـ ٩.

(٣) سورة آل عمران : ٨٥.

(٤) سورة البقرة : ١١٣.

١٧٤

د ـ إبدال عبارة « والله عزيز حكيم » بعبارة « والله غفور رحيم » من قوله تعالى :

(السَّارقُ والسَّارقَةُ فاقطعُوا أيديَهُمَا جزاءَ بما كَسَبَا نكالاً من اللهِ واللهُ عزيزٌ حكيمٌ (٣٨) )(١) (٢) .

٣ ـ لقد أحدث هذا العمل ضجة في الجمهورية العربية المتحدة دون سواها من البلدان العربية والإسلامية آنذاك ، وكان دور الأستاذ الأكبر محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر رحمه الله ، دورا كبيرا مشرفاً فبالإضافة إلى تشاوره مع وزير الأوقاف المصري في الإجراءات الإحترازية لصد هذه الظاهرة ، وذلك بتشكيل لجنة مشتركة لمراجعة المصحف المحرّف ، وتعرية الأخطاء المطبعية المتعمدة ، وتحذير المسلمين من تداوله ، فقد أرسل ببرقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر يستشير حميته وغيرته ، ومما جاء فيها :

« إن إسرائيل التي قامت على البغي والطغيان والاعتداء على المقدرات والمقدسات ما زالت تعيش في هذا العبث ، وتحيا في إطار هذا الطغيان ، وإنها ـ بتحريفها القرآن الكريم ـ تريد القضاء على معتقداتنا وديننا ، وهي بذلك تمارس ما كان عليه آباؤهم من تحريف الكلم عن مواضعه ابتغاء كبت الدعوة الإسلامية وإعاقتها.

إن المسلمين في أنحاء الأرض يهرعون إليكم ـ وكلهم أمل في قوة إيمانكم ، وغيرتكم على دينكم ـ أن تعملوا على حفظ كتاب الله ، فتقفوا في وجه هذا العدوان الأثيم »(٣) .

٤ ـ وفيما عدا مصر لم نجد صوتا حيويا للبلاد العربية والإسلامية لشجب هذا الاعتداء الساخر ، باستثناء الإفتاء السوداني ، والحكومة الأردنية.

__________________

(١) المائدة : ٣٨.

(٢) ظ : في المقارنة بين ما أوردناه في كل من : سليمان حسف عبد الوهاب ، تحريف اليهود للقرآن قديماً وحديثاً ، مقال في مجلة منبر الإسلام المصرية ، عدد جمادى الآخرة ، ١٣٨٥ + لبيب السعيد ، الجمع الصوتي للقرآن : ٤٧٣ وما بعدها.

(٣) جريدة الأهرام عدد : ٢٩ ديسمبر ١٩٦٠ + جريدة الجمهورية القاهرة بالتأريخ نفسه.

١٧٥

فقد أمر مفتي الديار السودانية موظفي المحاكم الشرعية وأصحاب المكتبات العامة بضرورة مراجعة المصاحف قبل تداولها للتأكد من سلامتها من التحريف ، وذلك عن طريق تسرب هذا المصحف الذي نشرته إسرائيل(١) .

وأصدرت الحكومة الأردنية بيانا استنكرت فيه جريمة التحريف ، وبيّنت عرض إسرائيل على الدول الإفريقية التي وزعمت فيها المصحف المحرف ، أن ترسل لها من يقوم بتدريس اللغة العربية في إطار النسخة المشوهة من المصحف(٢) .

ولم تنجح المؤامرة الإسرائيلية في تحريف القرآن ، إذ تم اكتشاف الجريمة مبكراً ، وأمكن القضاء عليها في مهدها ، وتنبه المسلمون في شرق الأرض وغربها إلى هذه الحركة ، فعزلت هذه النسخ المزورة وقضي عليها قضاء نهائياً.

٥ ـ ولقد كان حدثاً عالمياً كبيرا ما توصل إلى ابتكاره الأصيل ، الأستاذ لبيب السعيد من تفكيره في تسجيل المصحف المرتل ، وبعد محاولات ومشاريع وأوليات وعقبات ، تم تسجيل القرآن الكريم كاملاً ، وحفظ صوتاً مسموعاً مرتلاً برواية حفص لقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي ، بصوت المرحوم الشيخ محمود خليل الحصري ، عدا تسجيلات سواه من القراء ، وخصصت مصر وإلى اليوم إذاعة خاصة يتلى بها ليل نهار اسمتها : إذاعة القرآن الكريم.

لقد تم هذا الحدث في صورته النهائية التنفيذية في : ٢٣ يوليو ١٩٦١(٣) .

وتقرر توزيع اسطوانات المصحف المرتل في الدول التي وزعت فيها اسرائيل المصاحف المحرفة(٤) .

__________________

(١) ظ : جريدة المساء القاهرية ، عدد : ١٠ فبراير ، ١٩٦١ م.

(٢) ظ : جريدة الأخبار القاهرية ، عدد : ٨ أبريل ١٩٦١ م.

(٣) ظ : لبيب السعيد ، الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم : ١١٤.

(٤) ظ : جريدة الجمهورية القاهرية ، عدد : ٢ يناير ١٩٦١ م.

١٧٦

وكأنما جاء هذا الحدث ردا حاسماً لدرء محاولة التحريف.

وبذلك تحقق لسلامة القرآن الكريم عاملان : الكتابة في المصحف كما نزل ، والتلاوة على الأسماع من خلال المصحف المرتل تسجيلاً كاملاً ، محافظا فيه على أصول القراءة ، وشرائط العربية ، وترتيل الصوت ، ذلك مضافاً إلى الحفظ المتجاوب معه في الصدور.

لقد تحقق في هذا الزمان بالذات ، وهو زمان ابتعد عن القرآن ، ما لم يتحقق له في الأزمان السالفة ، من ضبط وشكل ، ورسم ، وقراءة ، وتلاوة ، وطباعة ، وعناية من كل الوجوه ، بما يتناسب مع التأكيد الإلهي بقوله تعالى :

(إنّا نحنُ نزَّلنَا الذكْرَ وإنَّا له لحافظونَ )(١) .

وذلك من معاجز القرآن وأسراره.

__________________

(١) سورة الحجر : ٩.

١٧٧

١٧٨

خاتمة البحث

١٧٩

١٨٠