الميزان في تفسير القرآن الجزء ٤

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 458

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 458
المشاهدات: 129090
تحميل: 5416


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 129090 / تحميل: 5416
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كلّ ذلك توبة منه سبحانه كما أنّ قبول توبة العبد و رفع آثار المعصية توبة.

و تذييل الكلام بقوله:( وَ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ليكون راجعاً إلى جميع فقرات الآية، و لو كان المراد رجوعه إلى آخر الفقرات لكان الأنسب ظاهراً أن يقال:( وَ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

قوله تعالى: ( وَ الله يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الّذينَ ) إلخ، كأنّ تكرار ذكر توبته للمؤمنين للدلالة على أنّ قوله:( وَ يُرِيدُ الّذينَ يتّبعونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً ) إنّما يقابل من الفقرات الثلاث في الآية السابقة الفقرة الأخيرة فقط، إذ لو ضمّ قوله:( وَ يُرِيدُ الّذينَ ) إلخ إلى الآية السابقة من غير تكرار قوله:( وَ الله يُرِيدُ ) إلخ أفاد المقابلة في معنى جميع الفقرات و لغا المعنى قطعاً.

و المراد بالميل العظيم هتك هذه الحدود الإلهيّة المذكورة في الآيات بإتيان المحارم، و إلغاء تأثير الأنساب و الأسباب، و استباحة الزنا و المنع عن الأخذ بما سنّة الله من السنّة القويمة.

قوله تعالى: ( يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) كون الإنسان ضعيفاً لما ركّب الله فيه القوى الشهويّة الّتي لا تزال تنازعه في ما تتعلّق به من المشتهيات، و تبعثه إلى غشيانها فمنّ الله عليهم بتشريع حلّيّة ما تنكسر به سورة شهوتهم بتجويز النكاح بما يرتفع به غائلة الحرج حيث قال:( وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) و هو النكاح و ملك اليمين فهداهم بذلك سنن الّذين من قبلهم، و زادهم تخفيفاً منه لهم لتشريع نكاح المتعة إذ ليس معه كلفة النكاح و ما يستتّبعه من أثقال الوظائف من صداق و نفقة و غير ذلك.

و ربّما قيل: إنّ المراد به إباحة نكاح الإماء عند الضرورة تخفيفاً. و فيه: أنّ نكاح الإماء عند الضرورة كان معمولاً به بينهم قبل الإسلام على كراهة و ذمّ، و الّذي ابتدعته هذه الآيات هو التسبّب إلى نفي هذه الكراهة و النفرة ببيان أنّ الاُمّة كالحرّة إنسان لا تفاوت بينهما، و أنّ الرقّيّة لا توجب سقوط صاحبها عن لياقة المصاحبة و المعاشرة.

و ظاهر الآيات - بما لا ينكر - أنّ الخطاب فيها متوجّه إلى المؤمنين من هذه الاُمّة فالتخفيف المذكور في الآية تخفيف على هذه الاُمّة، و المراد به ما ذكرناه.

٣٠١

و على هذا فتعليل التخفيف بقوله:( وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) مع كونه وصفاً مشتركاً بين جميع الاُمم - هذه الاُمّة و الّذين من قبلهم - و كون التخفيف مخصوصاً بهذه الاُمّة إنّما هو من قبيل ذكر المقتضي العامّ و السكوت عمّا يتمّ به في تأثيره فكأنّه قيل: إنّا خفّفنا عنكم لكون الضعف العامّ في نوع الإنسان سبباً مقتضياً للتخفيف لو لا المانع لكن لم تزل الموانع تمنع عن فعليّة التخفيف و انبساط الرحمة في سائر الاُمم حتّى وصلت النوبة إليكم فعمّتكم الرحمة، و ظهرت فيكم آثاره فبرز حكم السبب المذكور و شرّع فيكم حكم التخفيف و قد حرمت الاُمم السابقة من ذلك كما يدلّ عليه قوله:( ربّنا وَ لا تحمّل عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الّذينَ مِنْ قَبْلِنا ) البقرة: ٢٨٦، و قوله:( هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج: ٧٨.

و من هنا يظهر أنّ النكتة في هذا التعليل العامّ بيان ظهور تمام النعم الإنسانيّة في هذه الاُمّة.

( بحث روائي‏)

عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب‏، و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الرضاع لحمة كلحمة النسب.

و في الدرّ المنثور، أخرج مالك و عبد الرزّاق عن عائشة قالت: كان فيما اُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هنّ فيما يقرأ من القرآن.

أقول: و روي فيه عنها ما يقرب منه بطرق اُخرى، و هي من روايات التحريف مطروحة بمخالفة الكتاب.

و فيه أخرج عبد الرزّاق و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و البيهقيّ في سننه من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا نكح الرجل

٣٠٢

المرأة فلا يحلّ له أن يتزوّج اُمّها دخل بالابنة أو لم يدخل، و إذا تزوّج الاُمّ فلم يدخل بها ثمّ طلّقها فإن شاء تزوّج الابنة.

أقول: و هذا المعنى مرويّ من طرق الشيعة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، و هو مذهبهم و هو المستفاد من الكتاب كما مرّ في البيان المتقدّم‏ و قد روي من طرق أهل السنّة عن عليّعليه‌السلام : أنّ اُمّ الزوجة لا بأس بنكاحها قبل الدخول بالبنت، و أنّها بمنزلة الربيبة، و أنّ الربيبة إذا لم تكن في حجر زوج اُمّها لم تحرم عليه نكاحها، و هذه اُمور يدفعها المرويّ عنهمعليه‌السلام من طرق الشيعة.

و في الكافي، بإسناده عن منصور بن حازم قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها أ يتزوّج باُمّها؟ فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : قد فعله رجل منّا فلم ير به بأساً، فقلت جعلت فداك ما تفتخر الشيعة إلّا بقضاء عليّعليه‌السلام في هذا في المشيخة(١) الّتي أفتاه ابن مسعود أنّه لا بأس به بذلك.

ثمّ أتى عليّاًعليه‌السلام فسأله فقال له عليّعليه‌السلام : من أين يأخذها؟(٢) فقال من قول الله عزّوجلّ:( وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) ، فقال عليّعليه‌السلام : إنّ هذه مستثناة و هذه مرسلة، فقال أبوعبداللهعليه‌السلام للرجل: أمّا تسمع ما يروي هذا عن عليّعليه‌السلام ؟.

فلمّا قمت ندمت و قلت: أيّ شي‏ء صنعت؟ يقول: قد فعله رجل منّا و لم ير به بأساً، و أقول أنا: قضى عليّعليه‌السلام فيها! فلقيته بعد ذلك و قلت: جعلت فداك مسألة الرجل إنّما كان الّذي قلت كان زلّة منّي فما تقول فيها؟ فقال: يا شيخ تخبرني أنّ عليّاًعليه‌السلام قضى فيها، و تسألني ما تقول فيها؟.

أقول: و قصّة قضائهعليه‌السلام في فتوى ابن مسعود على‏ ما رواه في الدرّ المنثور، عن سنن البيهقيّ و غيره: أنّ رجلاً من بني شمخ تزوّج امرأة و لم يدخل بها ثمّ رأى اُمّها

____________________

(١) لعلّ الصحيح: الشمخي لما في بعض أخبار أهل السنّة أنّه كان رجلاً من بني شمخ، أو الصحيح في الشمخية الّتي أفتى ابن مسعود.

(٢) نسخة الوافي: من أين أخذ بها.

٣٠٣

فأعجبته فاستفتى ابن مسعود فأمره أن يفارقها ثمّ يتزوّج اُمّها ففعل و ولدت له أولاداً، ثمّ أتى ابن مسعود المدينة فقيل له لا تصلح فلمّا رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنّها عليك حرام ففارقها.

لكن لم ينسب القول فيه إلى عليّعليه‌السلام بل ذكر: أنّه سأل عنه أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و في لفظ: أنّه سأل عنه عمر و في بعض الروايات: فاُخبر أنّه ليس كما قال، و أنّ الشرط في الربائب.

و في الإستبصار، بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه: أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول: الربائب عليكم حرام مع الاُمّهات اللّاتي دخلتم بهن في الحجور و غير الحجور سواء، و الاُمّهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل، فحرّموا و أبهموا ما أبهم الله.

أقول: و قد عزي إليهعليه‌السلام في بعض الروايات من طرق أهل السنّة اشتراط الحجور في حرمة الربائب لكنّ الروايات المأثورة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تدفعه، و هو الموافق لما يستفاد من الآية كما تقدّم.

و المبهمات من البهمة و هي كون الشي‏ء ذا لون واحد لا يختلط به لون آخر و لا يختلف في لونه سمّي به من طبقات النساء المحرّمة من كانت حرمة نكاحها مرسلة غير مشروطة، و هي الاُمّهات و البنات و الأخوات و العمّات و الخالات و بنات الأخ و بنات الاُخت و ما كان من الرضاعة، و اُمّهات النساء، و حلائل الأبناء.

و فيه، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل تكون له الجارية فيصيب منها، أ له أن ينكح ابنتها؟ قال: لا هي كما قال الله تعالى:( وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي عون قال سمعت أباصالح الحنفيّ قال: قال عليّعليه‌السلام ذات يوم: سلوني، فقال ابن الكوّا أخبرني عن بنت الاُخت من الرضاعة، و عن المملوكتين الاُختين، فقال: إنّك لذاهب في التيه سل عمّا يعنيك أو ينفعك، فقال ابن الكوّا إنّما نسألك عمّا لا نعلم و أمّا ما نعلم فلا نسألك عنه، ثمّ قال: أمّا الاُختان المملوكتان أحلّتهما آية و حرّمتهما آية، و لا اُحلّه و لا اُحرّمه، و لا أفعله أنا و لا واحد من أهل بيتي.

٣٠٤

و في التهذيب، بإسناده عن معمّر بن يحيى بن سالم قال: سألنا أباجعفرعليه‌السلام عمّا يروي الناس عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام عن أشياء لم يكن يأمر بها و لا ينهى إلّا نفسه و ولده فقلت: كيف يكون ذلك؟ قال: قد أحلّتها آية و حرّمتها آية اُخرى، فقلنا: الأول أن يكون إحداهما نسخت الاُخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ فقال: قد بيّن لهم إذ نهى نفسه و ولده، قلنا: ما منعه أن يبيّن ذلك للناس؟ قال: خشي أن لا يطاع، فلو أنّ أميرالمؤمنين ثبتت قدماه أقام كتاب الله كلّه و الحقّ كلّه.

أقول: و الرواية المنقولة عنهعليه‌السلام هي الّتي نقلت عنهعليه‌السلام من طرق أهل السنّة كما رواه في الدرّ المنثور، عن البيهقيّ و غيره عن عليّ بن أبي طالب قال في الاُختين المملوكتين، أحلّتهما آية، و حرّمتهما آية، و لا آمر و لا أنهى، و لا اُحلّ و لا اُحرّم، و لا أفعله أنا و لا أهل بيتي.

و روي فيه، أيضاً عن قبيصة بن ذؤيب: أنّ رجلاً سألهعليه‌السلام عن ذلك فقال: لو كان إلي من الأمر شي‏ء ثمّ وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً.

و في التهذيب، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: إذا كانت عند الإنسان الاُختان المملوكتان فنكح إحداهما ثمّ بدا له في الثانية فليس ينبغي له أن ينكح الاُخرى حتّى تخرج الاُولى من ملكه يهبها أو يبيعها، فإن وهبها لولده يجزيه.

و في الكافي، و تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن قوله عزّوجلّ:( وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال: هو أن يأمر الرجل عبده و تحته أمته فيقول له: اعتزل امرأتك و لا تقربها ثمّ يحبسها عنه حتّى تحيض ثمّ يمسّها فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير نكاح.

و في تفسير العيّاشيّ، عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام : في قول الله:( وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال: هنّ ذوات الأزواج إلّا ما ملكت أيمانكم إن كنت زوّجت أمتك غلامك نزعتها منه إذا شئت، فقلت أ رأيت إن زوّج غير غلامه؟ قال ليس له أن ينزع حتّى تباع، فإن باعها صار بضعها في يد غيره فإن شاء المشتري فرّق، و إن شاء أقرّ.

٣٠٥

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و أبوداود و الترمذيّ - و حسّنه - و ابن ماجة عن فيروز الديلميّ: أنّه أدركه الإسلام و تحته اُختان، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طلّق أيّتهما شئت.

و فيه، أخرج ابن عبد البرّ في الاستذكار عن إياس بن عامر قال: سألت عليّ بن أبي طالب فقلت: إنّ لي اُختين ممّا ملكت يميني اتّخذت إحداهما سريّة و ولدت لي أولاداً ثمّ رغبت في الاُخرى فما أصنع؟ قال: تعتق الّتي كنت تطأ ثمّ تطأ الاُخرى.

ثمّ قال: أنّه يحرم عليك ممّا ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلّا العدد أو قال: إلّا الأربع، و يحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب.

أقول: و رواه بطرق اُخر غير هذا الطريق عنه.

و في صحيحي البخاريّ و مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يجمع بين المرأة و عمّتها، و لا بين المرأة و خالتها.

أقول: و هذا المعنى مرويّ بغير الطريقين من طرق أهل السنّة، لكنّ المرويّ من طرق أئمّة أهل البيت خلاف ذلك، و الكتاب يساعده.

و في الدرّ المنثور، أخرج الطيالسيّ و عبدالرزّاق و الفريابيّ و ابن أبي شيبة و أحمد و عبد بن حميد و مسلم و أبوداود و الترمذيّ و النسائيّ و أبويعلى و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطحاويّ و ابن حيّان و البيهقيّ في سننه عن أبي سعيد الخدريّ: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فلقوا عدوّاً فقاتلوهم فظهروا عليهم و أصابوا لهم سبايا فكأنّ ناساً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحرّجوا من غشيانهنّ من أجل أزواجهنّ من المشركين فأنزل الله في ذلك:( وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) يقول: إلّا ما أفاء الله عليكم، فاستحللنا بذلك فروجهنّ.

أقول: و روي ذلك عن الطبرانيّ عن ابن عبّاس.

و فيه، أخرج عبد بن حميد عن عكرمة: أنّ هذه الآية الّتي في سورة النساء:( وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) نزلت في امرأة يقال لها معاذة، و كانت تحت شيخ من بني سدوس يقال له: شجاع بن الحارث، و كان معها ضرّة لها قد ولدت

٣٠٦

لشجاع أولاداً رجالاً، و أنّ شجاعاً انطلق يمير أهله من هجر، فمرّ بمعاذة ابن عمّ لها فقالت له: احملني إلى أهلي فإنّه ليس عند هذا الشيخ خير، فاحتملها فانطلق بها فوافق ذلك جيئة الشيخ، فانطلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله و أفضل العرب، إنّي خرجت أبغيها الطعام في رجب، فتولّت و ألطت بالذنب، و هي شرّ غالب لمن غلب، رأت غلاماً واركاً على قتب، لها و له أرب، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ عليّ، فإن كان الرجل كشف بها ثوباً فارجموها، و إلّا فردّوا إلى الشيخ امرأته، فانطلق مالك بن شجاع و ابن ضرّتها فطلبها فجاء بها، و نزلت بيتها.

أقول: و قد مرّ مراراً أنّ أمثال هذه الأسباب المرويّة للنزول و خاصّة فيما كانت متعلّقة بأبعاض الآيات و أجزائها تطبيقات من الرواة و ليست بأسباب حقيقيّة.

في الفقيه، سئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ) قال: هنّ ذوات الأزواج، فقيل:( وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، قال هنّ العفائف.

أقول: و رواه العيّاشيّ أيضاً عنهعليه‌السلام .

و في المجمع، في قوله تعالى:( وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا ) أي من لم يجد منكم غنىّ قال: و هو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام .

و في الكافي، عن الصادقعليه‌السلام قال: لا ينبغي أن يتزوّج الحرّ المملوكة اليوم، إنّما كان ذلك حيث قال الله عزّوجلّ:( وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا ) ، و الطول المهر، و مهر الحرّة اليوم مهر الأمة أو أقلّ.

أقول: الغنى أحد مصاديق الطول كما تقدّم، و الرواية لا تدلّ على أزيد من الكراهة.

و في التهذيب، بإسناده عن أبي العبّاس البقباق قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : يتزوّج الرجل الأمة بغير علم أهلها؟ قال: هو زنا، إنّ الله تعالى يقول: فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ.

و فيه، بإسناده عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت الرضاعليه‌السلام يتمتّع بالأمة

٣٠٧

بإذن أهلها؟ قال: نعم إنّ الله عزّوجلّ يقول:( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن قول الله في الإماء( فَإِذا أُحْصِنَّ ) ما إحصانهنّ؟ قال: يدخل بهنّ، قلت: فإن لم يدخل بهنّ ما عليهنّ حدّ؟ قال: بلى.

و فيه، عن حريز قال: سألته عن المحصن فقال: الّذي عنده ما يغنيه.

و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قضى أميرالمؤمنينعليه‌السلام في العبيد و الإماء إذا زنا أحدهم أن يجلّد خمسين جلدة إن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانيّاً، و لا يرجم و لا ينفى.

و فيه، بإسناده عن أبي بكر الحضرميّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام عن عبد مملوك قذف حرّاً قال: يجلّد ثمانين، هذا من حقوق الناس، فأمّا ما كان من حقوق الله عزّوجلّ فإنّه يضرب نصف الحدّ.

قلت: الّذي من حقوق الله عزّوجلّ ما هو؟ قال: إذا زنا أو شرب خمراً، فهذا من الحقوق الّتي يضرب عليها نصف الحدّ.

و في التهذيب، بإسناده عن بريد العجليّ عن أبي جعفرعليه‌السلام : في الأمة تزني قال: تجلّد نصف الحدّ كان لها زوج أو لم يكن.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال: المسافحات المعلنات بالزنا المتّخذات أخدان ذات الخليل الواحد، قال: كان أهل الجاهليّة يحرّمون ما ظهر من الزنا و يستحلّون ما خفي، يقولون: أمّا ما ظهر منه فهو لؤم، و أمّا ما خفي فلا بأس بذلك، فأنزل الله:( وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ ) .

أقول: و الروايات فيما تقدّم من المعاني كثيرة اقتصرنا منها على اُنموذج يسير.

٣٠٨

( بحث آخر روائي)

في الكافي، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن المتعة، فقال: نزلت في القرآن:( فَمَا اسْتمتعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) .

و فيه، بإسناده عن ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إنّما نزلت: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ اُجورهنّ فريضة.

أقول: و روى هذه القراءة العيّاشيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام ، و رواها الجمهور بطرق عديدة عن اُبيّ بن كعب و عبدالله بن عبّاس‏ كما سيأتي، و لعلّ المراد بأمثال هذه الروايات الدلالة على المعنى المراد من الآية دون النزول اللّفظيّ.

و فيه، بإسناده عن زرارة قال: جاء عبدالله بن عمير اللّيثيّ إلى أبي جعفرعليه‌السلام فقال له: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: أحلّها الله في كتابه و على لسان نبيّه فهي حلال إلى يوم القيامة، فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا و قد حرّمها عمر و نهى عنها؟ فقال: و إن كان فعل. فقال: إنّي اُعيذك بالله من ذلك أن تحلّ شيئاً حرّمه عمر.

قال: فقال له: فأنت على قول صاحبك، و أنا على قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهلم ألاعنك أنّ القول ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أنّ الباطل ما قال صاحبك، فأقبل عبدالله بن عمير فقال: أ يسرّك أنّ نساءك و بناتك و أخواتك و بنات عمّك يفعلن؟ قال: فأعرض عنه أبوجعفرعليه‌السلام حين ذكر نساءه و بنات عمّه.

و فيه، بإسناده عن أبي مريم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: المتعة نزل بها القرآن و جرت بها السنّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و فيه، بإسناده عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أباعبداللهعليه‌السلام عن المتعة. فقال: أيّ المتعتين تسأل؟ قال: سألتك عن متعة الحجّ فأنبئني عن متعة النساء أ حقّ هي؟ فقال: سبحان الله أ ما قرأت كتاب الله عزّوجلّ:( فَمَا اسْتمتعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) فقال: و الله كأنّها آية لم أقرأها قطّ.

٣٠٩

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال جابر بن عبدالله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّهم غزوا معه فأحلّ لهم المتعة و لم يحرّمها، و كان عليّ يقول: لو لا ما سبقني به ابن الخطّاب - يعني عمر - ما زنى إلّا شقيُّ(١) . و كان ابن عبّاس يقول: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ اُجورهنّ فريضة، و هؤلاء يكفرون بها، و رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحلّها و لم يحرّمها.

و فيه، عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام في المتعة قال: نزلت هذه الآية:( فَمَا اسْتمتعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) . قال: لا بأس بأن تزيدها و تزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما، يقول: استحللتك بأجل آخر برضىّ منها. و لا تحلّ لغيرك حتّى تنقضي عدّتها، و عدّتها حيضتان.

و عن الشيبانيّ، في قوله تعالى:( وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) : عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام أنّهما قالا: هو أن يزيدها في الاُجرة، و تزيده في الأجل.

أقول: و الروايات في المعاني السابقة مستفيضة أو متواترة عن أئمّة أهل البيت ع، و إنّما أوردنا طرفاً منها، و على من يريد الاطّلاع عليها جميعاً أن يراجع جوامع الحديث.

(٢) و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال: كان متعة النساء في أوّل الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته، و لا يحفظ متاعه فيتزوّج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته فتنظر له متاعه، و تصلح له ضيعته، و كان يقرأ:( فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى) نسختها:( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) ، و كان الإحصان بيد الرجل يمسك متى شاء، و يطلّق متى شاء.

و في مستدرك الحاكم، بإسناده عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عبّاس:( فَمَا اسْتمتعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، قال ابن عبّاس: فما استمتعتم به منهنّ

____________________

(١) و في نسخة: إلّا الأشقى‏

(٢) أخبار في قراءة: إلى أجل مسمّى.

٣١٠

إلى أجل مسمّى، فقلت: ما نقرؤها كذلك فقال ابن عبّاس: و الله لأنزلها الله كذلك.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عنه و عن عبد بن حميد و ابن جرير و ابن الأنباريّ في المصاحف.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن قتادة قال: في قراءة اُبيّ بن كعب: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى.

و في صحيح الترمذيّ، عن محمّد بن كعب عن ابن عبّاس قال: إنّما كانت المتعة في أوّل الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوّج المرأة بقدر ما يرى أنّه يقيم فيحفظ له متاعه و يصلح له شيئه حتّى إذا نزلت الآية:( إلّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) قال ابن عبّاس فكلّ فرج سوى هذين فهو حرام.

أقول: و لازم الخبر أنّها نسخت بمكّة لأنّ الآية مكّيّة.

و في مستدرك الحاكم، عن عبدالله بن أبي مليكة: سألت عائشة عن متعة النساء فقالت: بيني و بينكم كتاب الله. قال: و قرأت هذه الآية:( وَ الّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إلّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) ، فمن ابتغى وراء ما زوّجه الله أو ملّكه فقد عدا.

و في الدرّ المنثور،(١) أخرج أبو داود في ناسخه و ابن المنذر و النحّاس من طريق عطاء عن ابن عبّاس: في قوله:( فَمَا اسْتمتعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) قال: نسختها:( يا أَيُّهَا النبيّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ و الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ و اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) .

و فيه، أخرج أبوداود في ناسخه و ابن المنذر و النحّاس و البيهقيّ عن سعيد بن المسيّب قال: نسخت آية الميراث المتعة.

و فيه، أخرج عبدالرزّاق و ابن المنذر و البيهقيّ عن ابن مسعود قال: المتعة منسوخة نسخها الطلاق و الصدقة و العدّة و الميراث.

و فيه، أخرج عبدالرزّاق و ابن المنذر عن عليّ قال: نسخ رمضان كلّ صوم، و نسخت

____________________

(١) جملة من الأخبار الدالّة على نسخ آية المتعة بالكتاب.

٣١١

الزكاة كلّ صدقة، و نسخ المتعة الطلاق و العدّة و الميراث، و نسخت الضحية كلّ ذبيحة.

و فيه، أخرج عبدالرزّاق و أحمد و مسلم عن سبرة الجهنيّ(١) قال: أذن لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامّ فتح مكّة في متعة النساء فخرجت أنا و رجل من قومي، و لي عليه فضل في الجمال، و هو قريب من الدمامة مع كلّ واحد منّا برد، أمّا بردي فخلق، و أمّا برد ابن عمّي فبرد جديد غضّ حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة تلقّتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا: هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت: و ما تبذلان؟ فنشر كلّ واحد منّا برده فجعلت تنظر إلى الرجلين، فإذا رآها صاحبي قال: إنّ برد هذا خلق، و بردي جديد غضّ فتقول: و برد هذا لا بأس به، ثمّ استمتعت منها، فلم نخرج حتّى حرّمها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و فيه، أخرج مالك و عبدالرزّاق و ابن أبي شيبة و البخاريّ و مسلم و الترمذيّ‏ و النسائيّ و ابن ماجة عن عليّ بن أبي طالب: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، و عن أكل لحوم الحمر الإنسيّة.

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و مسلم عن سلمة بن الأكوع قال رخّص لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في متعة النساء عامّ أوطاس ثلاثة أيّام ثمّ نهى عنها بعدها.

و في شرح ابن العربيّ، لصحيح الترمذيّ، عن إسماعيل عن أبيه عن الزهريّ: أنّ سبرة روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها في حجّة الوداع‏، خرّجه أبوداود قال: و قد رواه عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه: فذكر فيه: أنّه كان في حجّة الوداع بعد الإحلال، و أنّه كان بأجل معلوم، و قد قال الحسن: إنّها في عمرة القضاء.

و فيه، عن الزهريّ: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع المتعة في غزوة تبوك.

أقول: و الروايات - كما ترى - تختلف في تشخيص زمان نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين قائلة أنّه كان قبل الهجرة، و قائلة بأنّه بعد الهجرة بنزول آيات النكاح و الطلاق و العدّة و الميراث أو بنهي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامّ خيبر أو زمن عمرة القضاء أو عام أوطاس أو عام الفتح أو عام تبوك أو بعد حجّة الوداع، و لذا حمل على تكرّر النهي عنها مرّات عديدة، و أنّ كلّاً من الروايات

____________________

(١) جملة من الأخبار الدالّة على نسخ المتعة بالنسبة.

٣١٢

تحدّث عن مرّة منها لكنّ جلالة بعض رواتها كعليّ و جابر و ابن مسعود مع ملازمتهم للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و خبرتهم بالخطير و اليسير من سيرته تأبى أن يخفى عليهم نواهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الدرّ المنثور، أخرج البيهقيّ عن عليّ قال: نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المتعة و إنّما كانت لمن لم يجد فلمّا نزل النكاح و الطلاق و العدّة و الميراث بين الزوج و المرأة نسخت.

و فيه، أخرج النحّاس عن عليّ بن أبي طالب: أنّه قال لابن عبّاس: إنّك رجل تائه إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المتعة.

و فيه، أخرج البيهقيّ عن أبي ذرّ قال: إنّما اُحلّت لأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتعة ثلاثة أيّام ثمّ نهى عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في صحيح البخاريّ، عن أبي جمرة قال: سئل ابن عبّاس عن متعة النساء فرخّص فيها فقال له مولى له: إنّما كان ذلك و في النساء قلّة و الحال شديد، فقال ابن عبّاس نعم.

و في الدرّ المنثور، أخرج البيهقيّ عن عمر: أنّه خطب فقال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة، و قد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها لا اُوتي بأحد نكحها إلّا رجمته.

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و مسلم عن سبرة قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً بين الركن و الباب و هو يقول: يا أيّها الناس إنّي كنت أذنت لكم في الاستمتاع إلّا و إنّ الله حرّمها إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهنّ شي‏ء فليخلّ سبيلها، و لا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً.

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: و الله ما كانت المتعة إلّا ثلاثة أيّام أذن لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها، ما كانت قبل ذلك و لا بعد.

(١) و في تفسير الطبريّ، عن مجاهد: فما استمتعتم به منهنّ قال: يعني نكاح المتعة.

و فيه، عن السدّيّ: في الآية قال: هذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى فإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل، و هي منه بريئة، و عليها أن تستبرئ ما في رحمها، و ليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.

____________________

(١) جملة من الأخبار الدالّة على قول بعض الصحابة و التابعين عن المفسّرين بجواز المتعة.

٣١٣

و في صحيحي البخاريّ و مسلم، و رواه في الدرّ المنثور، عن عبدالرزّاق و ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ليس معنا نساؤنا، فقلنا: أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، و رخّص لنا أن نتزوّج المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبدالله:( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ الله لَكُمْ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن نافع: أنّ ابن عمر سئل عن المتعة فقال: حرام فقيل له: إنّ ابن عبّاس يفتي بها، قال فهلّا ترمرم بها في زمان عمر.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر و الطبرانيّ و البيهقيّ من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عبّاس: ما ذا صنعت؟ ذهب الركّاب بفتياك، و قالت فيه الشعراء، قال: و ما قالوا: قلت: قالوا:

أقول للـشيخ لـما طال مجلـسه

يا صاح هل لك في فتيا ابن عبّاس؟

هل لك في رخصة الأطراف آنسة

تكون مثـواك حتّى مصدر الناس؟

فقال:( إِنَّا لله وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، لا و الله ما بهذا أفتيت، و لا هذا أردت، و لا أحللتها إلّا للمضطرّ، و لا أحللت منها إلّا ما أحلّ الله من الميتة و الدم و لحم الخنزير.

و فيه، أخرج ابن المنذر من طريق عمّار مولى الشريد قال: سألت ابن عبّاس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ فقال: لا سفاح و لا نكاح، قلت: فما هي؟ قال: هي المتعة كما قال الله، قلت: هل لها من عدّة؟ قال: عدّتها حيضة، قلت: هل يتوارثان قال: لا.

و فيه، أخرج عبدالرزّاق و ابن المنذر، من طريق عطاء عن ابن عبّاس قال: يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله رحم بها اُمّة محمّد، و لو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلّا شقيّ، قال: و هي الّتي في سورة النساء:( فَمَا اسْتمتعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) إلى كذا و كذا من الأجل على كذا و كذا، قال: و ليس بينهما وراثة، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فنعم، و إن تفرّقا فنعم و ليس بينهما نكاح، و أخبر: أنّه سمع ابن عبّاس: أنّه يراها الآن حلالاً.

و في تفسير الطبريّ، و رواه في الدرّ المنثور، عن عبدالرزّاق و أبي داود في ناسخه عن الحكم: أنّه سئل عن هذه الآية أ منسوخة؟ قال: لا، و قال عليّ: لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقيّ.

٣١٤

(١) و في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق الأيّام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أبي بكر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

أقول: و نقل عن جامع الاُصول، لابن الأثير و زاد المعاد لابن القيّم و فتح الباري لابن حجر و كنز العمّال.

و في الدرّ المنثور، أخرج مالك و عبدالرزّاق عن عروة بن الزبير أنّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطّاب، فقالت: إنّ ربيعة بن اُميّة استمتع بامرأة مولدة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطّاب يجرّ رداءه فزعاً، فقال: هذه المتعة، و لو كنت تقدّمت فيها لرجمت.

أقول: و نقل عن الشافعيّ في كتاب الاُمّ و البيهقيّ في السنن الكبرى.

و عن كنز العمّال، عن سليمان بن يسار عن اُمّ عبدالله ابنة أبي خيثمة أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إنّ العزبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتّع معها، قالت: فدللته على امرأة فشارطها و أشهدوا على ذلك عدولاً، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثمّ إنّه خرج فاُخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب، فأرسل إليّ فسألني أ حقّ ما حدّثت؟ قلت: نعم قال: فإذا قدم فآذنيني، فلمّا قدم أخبرته فأرسل إليه فقال: ما حملك على الّذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ لم ينهنا عنه حتّى قبضه الله ثمّ مع أبي بكر فلم ينهنا عنه حتّى قبضه الله، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً، فقال عمر: أمّا و الّذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك، بيّنوا حتّى يعرف النكاح من السفاح.

و في صحيح مسلم، و مسند أحمد، عن عطاء: قدم جابر بن عبدالله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة فقال: استمتعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أبي بكر و عمر، و في لفظ أحمد: حتّى إذا كان في آخر خلافة عمر.

و عن سنن البيهقيّ، عن نافع عن عبدالله بن عمر: أنّه سئل عن متعة النساء فقال: حرام أمّا إنّ عمر بن الخطاب لو أخذ فيها أحداً لرجمه بالحجارة.

و عن مرآة الزمان، لابن الجوزيّ: كان عمر يقول: و الله لا اُوتي برجل أباح المتعة إلّا رجمته.

____________________

(١) جملة من الأخبار الدالّة على نهي عمر عن المتعة.

٣١٥

و في بداية المجتهد، لابن رشد عن جابر بن عبدالله: تمتّعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أبي بكر و نصفاً من خلافة عمر ثمّ نهى عنها عمر الناس.

و في الإصابة، أخرج ابن الكلبيّ: أنّ سلمة بن اُميّة بن خلف الجمحيّ استمتع من سلمى مولاة حكيم بن اُميّة بن الأوقص الأسلميّ فولدت له فجحد ولدها، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة.

و عن زاد المعاد، عن أيّوب: قال عروة لابن عبّاس: أ لا تتّقي الله ترخّص في المتعة؟ فقال ابن عبّاس: سل اُمّك يا عريّة فقال عروة: أمّا أبوبكر و عمر فلم يفعلا، فقال ابن عبّاس: و الله ما أراكم منتهين حتّى يعذّبكم الله، نحدّثكم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و تحدّثونا عن أبي بكر و عمر.

أقول: و اُمّ عروة أسماء بنت أبي بكر تمتّع منها الزبير بن العوّام فولدت له عبدالله بن الزبير، و عروة.

و في المحاضرات، للراغب: عيّر عبدالله بن الزبير عبدالله بن عبّاس بتحليله المتعة فقال له: سل اُمّك كيف سطعت المجامر بينها و بين أبيك؟ فسألها فقالت: ما ولدتك إلّا في المتعة.

و في صحيح مسلم، عن مسلم القريّ قال: سألت ابن عبّاس عن المتعة فرخّص فيها، و كان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه اُمّ ابن الزبير تحدّث أنّ رسول الله رخّص فيها فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت: قد رخّص رسول الله فيها.

أقول: و شاهد الحال المحكيّ يشهد أنّ السؤال عنها كان في متعة النساء و تفسّره الروايات الاُخر أيضاً.

و في صحيح مسلم، عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت فقال: ابن عبّاس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.

أقول: و رواه البيهقيّ في السنن، على ما نقل‏، و روي هذا المعنى في صحيح مسلم،

٣١٦

في مواضع ثلاث بألفاظ مختلفة، و في بعضها (قال جابر): فلمّا قام عمر قال: إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، فأتمّوا الحجّ و العمرة كما أمر الله، و انتهوا عن نكاح هذه النساء، لا اُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلّا رجمته.

و روى هذا المعنى البيهقيّ في سننه و في أحكام القرآن، للجصّاص و في كنز العمّال، و في الدرّ المنثور، و في تفسير الرازيّ، و مسند الطيالسيّ.

و في تفسير القرطبيّ، عن عمر: أنّه قال في خطبة: متعتان كانتا على عهد رسول اللهعليه‌السلام ، و أنا أنهى عنهما و اُعاقب عليهما: متعة الحجّ و متعة النساء.

أقول: و خطبته هذه ممّا تسالم عليه أهل النقل، و أرسلوه إرسال المسلّمات كما عن تفسير الرازيّ، و البيان و التبيين، و زاد المعاد، و أحكام القرآن، و الطبريّ، و ابن عساكر و غيرهم.

و عن المستبين، للطبريّ عن عمر: أنّه قال: ثلاث كنّ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا محرّمهن و معاقب عليهنّ: متعة الحجّ، و متعة النساء، و حيّ على خير العمل في الأذان.

و في تاريخ الطبريّ، عن عمران بن سوادة قال: صلّيت الصبح مع عمر فقرأ سبحان و سورة معها، ثمّ انصرف و قمت معه، فقال: أ حاجة؟ قلت: حاجة، قال: فالحق، قال: فلحقت فلمّا دخل أذن لي فإذا هو على سرير ليس فوقه شي‏ء، فقلت: نصيحة، فقال: مرحباً بالناصح غدوّاً و عشيّاً، قلت، عابت اُمّتك أربعاً، قال: فوضع رأس درّته في ذقنه، و وضع أسفلها في فخذه، ثمّ قال: هات، قلت: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ و لم يفعل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لا أبوبكر ، و هي حلال، قال: هي حلال؟ لو أنّهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزية من حجّهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجّهم، و هو بهاء من بهاء الله، و قد أصبت.

قلت: و ذكروا أنّك حرّمت متعة النساء، و قد كانت رخصة من الله، نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى السعة، ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها و لا عاد إليها فالآن من شاء نكح بقبضة، و فارق عن ثلاث بطلاق. و قد أصبت.

٣١٧

قال: قلت: و أعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيّدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة، و ما أردت إلّا الخير، و أستغفر الله، قلت: و تشكو منك نهر الرعيّة، و عنف السياق، قال: فشرع الدرّة ثمّ مسحها حتّى أتى على آخرها، ثمّ قال: أنا زميل محمّد - و كان زامله في غزوة قرقرة الكدر - فوالله إنّي لأرتع فاُشبع، و أسقي فاُروي، و أنهز اللّفوث، و أزجر العروض، و أذبّ قدري، و أسوق خطوي، و أضمّ العنود، و الحقّ القطوف، و أكثر الزجر، و أقلّ الضرب، و أشهر العصا، و أدفع باليد لو لا ذلك لأعذرت.

قال: فبلغ ذلك معاوية فقال: كان و الله عالماً برعيتهم:

أقول: و نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، عن ابن قتيبة.

هذه عدّة من الروايات الواردة في أمر متعة النساء، و الناظر المتأمّل الباحث يرى ما فيها من التباين و التضارب، و لا يتحصّل للباحث في مضامينها غير أنّ عمر بن الخطّاب أيّام خلافته حرّمها و نهى عنها لرأي رآه في قصص عمرو بن حريث، و ربيعة بن اُميّة بن خلف الجمحيّ، و أمّا حديث النسخ بالكتاب أو السنّة فقد عرفت عدم رجوعه إلى محصّل، على أنّ بعض الروايات يدفع البعض في جميع مضامينها إلّا في أنّ عمر بن الخطّاب هو الناهي عنها المجري للمنع، المقرّر حرمة العمل و حدّ الرجم لمن فعل - هذا أوّلاً -.

و أنّها كانت سنّة معمولاً بها في زمن النبيّ في الجملة بتجويز منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إمّا إمضاءً و إمّا تأسيساً، و قد عمل بها من أصحابه من لا يتوهّم في حقّه السفاح كجابر بن عبدالله، و عبدالله بن مسعود، و الزبير بن العوّام، و أسماء بنت أبي بكر، و قد ولدت بها عبدالله بن الزبير - و هذا ثانياً -.

و أنّ في الصحابة و التابعين من كان يرى إباحتها كابن مسعود و جابر و عمرو بن حريث و غيرهم، و مجاهد و السدّيّ و سعيد بن جبير و غيرهم - و هذا ثالثاً -.

و هذا الاختلاف الفاحش بين الروايات هو المفضي للعلماء من الجمهور بعد الخلاف فيها من حيث أصل الجواز و الحرمة أوّلاً، إلى الخلاف في نحو حرمتها و كيفيّة منعها

٣١٨

ثانياً و ذهابهم فيها إلى أقوال مختلفة عجيبة ربّما اُنهي إلى خمسة عشر قولاً.

و إنّ للمسألة جهات من البحث لا يهمّنا إلّا الورود من بعضها، فهناك بحث كلاميّ دائر بين الطائفتين: أهل السنّة و الشيعة، و بحث آخر فقهيّ فرعيّ ينظر فيها إلى حكم المسألة من حيث الجواز و الحرمة، و بحث آخر تفسيريّ من حيث النظر في قوله تعالى:( فَمَا اسْتمتعتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) الآية: هل مفاده تشريع نكاح المتعة؟ و هل هو بعد الفراغ عن دلالته على ذلك منسوخ بشي‏ء من الآيات كآية المؤمنون أو آيات النكاح و التحريم و الطلاق و العدّة و الميراث؟ و هل هو منسوخ بسنّة نبوّية؟ و هل هو على تقدير تشريعه يشرّع حكماً ابتدائيّاً أو حكماً إمضائيّاً؟ إلى غير ذلك.

و هذا النحو الثالث من البحث هو الّذي نعقّبه في هذا الكتاب، و قد تقدّم خلاصة القول في ذلك فيما تقدّم من البيان، و نزيده الآن توضيحاً بإلفات النظر إلى بعض ما قيل في المقام على دلالة الآية على نكاح المتعة و تسنينها، ذلك بما ينافي ما مرّ في البيان المتقدّم.

قال بعضهم بعد إصراره على أنّ الآية إنّما سيقت لبيان إيفاء المهر في النكاح الدائم: و ذهبت الشيعة إلى أنّ المراد بالآية نكاح المتعة، و هو نكاح المرأة إلى أجل معيّن كيوم أو اُسبوع أو شهر مثلاً، و استدلّوا على ذلك بقراءة شاذّة رويت عن اُبيّ و ابن مسعود و ابن عبّاس، و بالأخبار و الآثار الّتي رويت في المتعة.

قال: فأمّا القراءة فهي شاذّة لم تثبت قرآناً، و قد تقدّم أنّ ما صحّت فيه الرواية من مثل هذا آحاداً فالزيادة فيه من قبيل التفسير، و هو فهم لصاحبه، و فهم الصحابيّ ليس حجّة في الدين لا سيّما إذا كان النظم و الاُسلوب يأباه كما هنا، فإن المتمتّع بالنكاح الموقّت لا يقصد الإحصان دون المسافحة بل يكون قصده الأوّل المسافحة، فإن كان هناك نوعٌ ما من إحصان نفسه و منعها من التنقّل في زمن الزنا، فإنّه لا يكون فيه شي‏ءٌ ما من إحصان المرأة الّتي توجر نفسها كلّ طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل:

كرة حذفت بصوالجة

فتلقّاها رجل رجل

٣١٩

أقول: أمّا قوله: إنّهم استدلّوا على ذلك بقراءة ابن مسعود و غيره فكلّ مراجع يراجع كلامهم يرى أنّهم لم يستدلّوا بها استدلالهم بحجّة معتبرة قاطعة كيف و هم لا يرون حجّيّة القراءات الشاذّة حتّى الشواذّ المنقولة عن أئمّتهم، فكيف يمكن أن يستدلّوا بما لا يرونه حجّة على من لا يراه حجّة؟ فهل هذا إلّا اُضحوكة؟!

بل إنّما هو استدلال بقول من قرأ بها من الصحابة بما أنّه قول منهم بكون المراد بالآية ذلك، سواء كان ذلك منهم قراءة مصطلحة، أو تفسيراً دالّاً على أنّهم فهموا من لفظ الآية ذلك.

و ذلك ينفعهم من جهتين: إحداها: أنّ عدّة من الصحابة قالوا بما قال به هؤلاء المستدلّون، و قد قال به - على ما نقل - جمّ غفير من صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و التابعين، و يمكن المراجع في الحصول على صحّة ذلك أن يراجع مظانّه.

و الثانية: أنّ الآية دالّة على ذلك و يدلّ على ذلك قراءة هؤلاء من الصحابة كما يدلّ ما ورد عنهم في نسخ الآية أيضاً أنّهم تسلّموا دلالتها على نكاح المتعة حتّى رأوا نسخها أو رووا نسخها، و هي روايات كثيرة تقدّمت عدّة منها، فالشيعة يستفيدون من روايات النسخ كما يستفيدون من القراءة الشاذّة المذكورة على حدّ سواء من دون أن يقولوا بحجّيّة القراءة الشاذّة كما لا يلزمهم القول بوقوع النسخ، و إنّما يستفيدون من الجميع من جهة الدلالة على أنّ هؤلاء القرّاء و الرواة كانوا يرون دلالة الآية على نكاح المتعة.

و أمّا قوله: لا سيّما إذا كان النظم و الاُسلوب يأباه كما هنا، فكلامه يعطي أنّه جعل المراد من المسافحة مجرّد سفح الماء و صبّه - أخذاً بالأصل اللّغويّ المشتقّ منه - ثمّ جعله أمراً منوطاً بالقصد، و لزمه أنّ الازدواج الموقّت بقصد قضاء الشهوة و صبّ الماء سفاح لا نكاح، و قد غفل عن أنّ الأصل اللّغويّ في النكاح أيضاً هو الوقاع، ففي لسان العرب: قال الأزهريّ: أصل النكاح في كلام العرب الوطء و لازم ما سلكه أن يكون النكاح أيضاً سفاحاً، و يختلّ به المقابلة بين النكاح و السفاح.

على أنّ لازم القول بأنّ قصد صبّ الماء يجعل الازدواج الموقّت سفاحاً أن يكون

٣٢٠