الميزان في تفسير القرآن الجزء ٤

الميزان في تفسير القرآن17%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134581 / تحميل: 6224
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ١: -

النص والاجتهاد

تأليف الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس الله سره

تحقيق وتعليق أبو مجتبى

بسم الله الرحمن الرحيم(١)

[ خطبة الكتاب ]

الحمد لله الذي اختص عبده ورسوله محمدا بما اختصه به من الكرامة والمنزلة والزلفى لديه، فعلمه علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاه من الفضل ما لم يؤت أحدا من العالمين، و " الله أعلم حيث يجعل رسالته " فختم به النبوة والوحي ونسخ بشريعته السمحة ما كان قبلها من شرائعه المقدسة المتعلقة بأفعال المكلفين(٢) فحلال محمد هو الحلال إلى يوم القيامة، وكذلك حرامه وسائر أحكامه(٣) ، سواء أكانت تكليفية أم وضعية. وهذا مما أجمع عليه

____________________

(١) بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد والأئمة من آله شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء وعلى الصالحين من ذريتهم ومواليهم في كل خلف ورحمة الله وبركاته (منه قدس).

(٢) دون ما كان منها متعلقا بأصول الدين كالتوحيد والعدل والنبوة والبعث والجنة والنار والثواب والعقاب، فان هذه وأمثالها مما جاء به آدم وسائر من بعده من الأنبياء حتى خاتمهمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم أجمعين (منه قدس).

(٣) مضمون الحديث القائل: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة. وسائل الشيعة ج ١٨ / ١٢٤ ح ٤٧ (*).

٢١

كافة، كإجماعهم على نبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينبس(١) منهم واحد بكلمة من خلاف فيه، ولا رتم بها أبدا. وقد علموا - ولله الحمد - ان الشرائع الإسلامية قد وسعت الدنيا والآخرة بنظمها وقوانينها وحكمتها في جميع أحكامها وقسطها في موازينها، وانها المدنية الحكيمة الرحيمة الصالحة لأهل الأرض في كل مكان وزمان، على اختلافهم في أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم.

لم يبق شارع الإسلام " وهو علام الغيوب جل وعلا " غاية الا أوضح سبيلها وأقام لأولي الألباب دليلها، وحاشاه تعالت آلاؤه أن يوكل الناس إلى آرائهم، أو يذرهم يسرحون في دينه على غلوائهم، بل ربطهم - على لسان عبده وخاتم رسالته - بحبليه، وعصمهم بثقليه، وبشرهم بالهدى ما ان أخذوا بهديهما، وأنذرهم الضلال ان لم يتمسكوا بهما، واخبرهم انهما لن يفترقا ولن تخلو الأرض منهما حتى يردا عليه الحوض(٢) ، فهما معا مفزع الأمة ومرجعها بعد نبيها، فالمنتهج نهجهما لاحق به، والمتخلف عنهما أو عن أحدهما مفارق لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

____________________

(١) أي ما تكلم، وكذا ما نبس ولا رتم (منه قدس).

(٢) أشارة إلى حديث الثقلين الآتي مع مصادره تحت رقم - ١٥ -.

(٣) مشيرا إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن وعترته: " فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم " راجع الحديث في: الصواعق المحرقة ص ١٤٨ و ٢٢٦ ط المحمدية وص ٨٩ و ١٣٦ ط الميمنية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٣ ط بيروت، كنز العمال ج ١ ص ١٦٨ ح ٩٥٨ ط ٢، الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٦٠ ط مصر، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤١ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٧ و ٢٩٦ ط اسلامبول، الغدير للأميني ج ١ ص ٣٤ وج ٣ ص ٨٠ ط بيروت.

٢٢

مثلهم في هذه الأمة كباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قومه(٤) ، فليس لأحد - وان عظم شأنه - أن يتبع غير سبيلهم،( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) (٥)

وليس لأحد أن يحمل من المأثور عن الله تعالى آية أو عن رسوله سنة الا على ظاهرهما المتبادر منهما إلى الأذهان، وليس له أن يحيد عن الظاهر المتبادر فضلا عن المنصوص عليه بصراحة، الا بسلطان مبين، فان كان هناك سلطان يخرج به الظاهر عن ظاهره عمل بمقتضاه، والا فقد ضل وابتدع.

هذا ما عليه الأمة المسلمة - امة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله - بجميع مذاهبها، فان من دينهم التعبد بظواهر الكتاب والسنة، فضلا عن نصوصها الصريحة.

جروا في الأخذ بهما، والعمل على مقتضاهما مجرى أهل العرف من أهل اللغات كلها، فان أهل اللغات بأسرهم انما يحملون ألفاظهم المطلقة على ما يسبق منها إلى أذهانهم من المعاني، لا يتأولون منها - عند انطلاقها - شيئا، ولا يحملونها على ما تقتضيه أغراضهم ومصالحهم، شخصية كانت أم عامة.

نعم رأيت - بكل أسف - بعض ساسة السلف وكبرائهم يؤثرون اجتهادهم في ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب والسنة ونصوصهما

____________________

(٤) مشيرا إلى حديث السفينة الآتي تحت رقم (١٧) فراجع.

(٥) أخرج ابن مردويه في تفسير الآية: ان المراد بمشاققة الرسول هنا انما هي المشاققة في شأن علي وان الهدى في قوله بعد ما تبين له الهدى انما هو شأنهعليه‌السلام وأخرج العياشي في تفسيره نحوه، والصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، في ان سبيل المؤمنين انما هو سبيلهمعليهم‌السلام (منه قدس). تفسير على بن إبراهيم القمي ج ١ ص ١٥٢ ط النجف، البرهان في تفسير القرآن ج ٢ ص ٤١٥ ط طهران. (*)

٢٣

الصريحة يتأولونها بكل جرأة ويحملون الناس على معارضتهما طوعا وكرها بكل قوة وهذا أمر ليس له قبلة ولا دبرة(١) فانا لله وإنا إليه راجعون.

وقد قال الله تعالى:( ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) )

وقال عز سلطانه:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (٣) )

( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (٤) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (٥) )

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٦) )

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٧) .

فنطقهصلى‌الله‌عليه‌وآله كالقرآن الحكيم( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (٨)

فليس لمن يؤمن بهذه الآيات أو يصدق بنبوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحيد عن نصوصه قيد شعرة فما دونها، وما كان القوم كحائدين، وانما كانوا كمجتهدين متأولين( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) فانا لله وإنا إليه راجعون.

____________________

(١) أي لا يعرف له وجه (منه قدس).

(٢) الحشر آية ٧.

(٣) الأحزاب آية ٣٦.

(٤) النساء آية ٦٥.

(٥) التكوير آية ١٩.

(٦) الحاقة آية ٤٠.

(٧) النجم آية ٣.

(٨) فصلت آية ٤٢ (*).

٢٤

واليك في كتابنا هذا (النص والاجتهاد) من موارد تأولهم للنصوص واجتهادهم في إيثار المصلحة عليها ما تسعه العجالة وضعف الشيخوخة، وبلابل المحن والإحن ونوائب الزمن، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.

فخذها إليك مائة مورد في فصول سبعة لتسمعن بها ولك بعد ذلك رأيك، والله الهادي إلى الحق والصواب، واليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

النص والاجتهاد - السيد شرف الدين ص ٦: -

[ الفصل الأول ] [ تأول أبى بكر واتباعه ] [ المورد (١) يوم السقيفة ]

إذ بسط أبو بكر يده ليبايع بالخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعه من بايعه طوعا، وبايعه - بعد ذلك - آخرون كرها(٦) مع علمهم جميعا بعهد رسول

____________________

(٦) وقد تخلف عن بيعة أبى بكر جماعة منهم: ١ - على بن أبى طالبعليه‌السلام . ٢ - العباس بن عبد المطلب ٣ - الفضل بن العباس ٤ - عتبة بن أبى لهب ٥ - سلمان الفارسي ٦ - أبو ذر الغفاري ٧ - عمار بن ياسر ٨ - المقداد ٩ - البراء بن عازب ١٠ - أبى بن كعب ١١ - سعد بن أبى وقاص ١٢ - طلحة بن عبيد الله ١٣ - الزبير بن العوام ١٤ - خزيمة بن ثابت ١٥ - فروة بن عمرو الأنصاري ١٦ - خالد بن سعيد بن العاص الأموي ١٧ - سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع حتى مات في خلافة عمر. وجماعة من بني هاشم راجع: العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٤ ص ٢٥٩ ط ٢ بمصر وج ٢ ص ٢٥١ ط آخر و =>

٢٥

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بها إلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب، وقد رأوه وسمعوه ينص عليه مستمرا في تكرار هذا النص من مبدأ أمره - في نبوته - إلى منتهى عمره الشريف. ويورده بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) (٧) إذ استقصينا البحث ثمة عن تلك النصوص، وعن كل ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ومربي العلماء الأعلام الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر يومئذرحمه‌الله تعالى، أيام كنا في خدمته(١) وكان إذ ذاك شيخ الأزهر، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصوصها مناظرات

____________________

=> ج ٣ ص ٦٤ ط آخر أيضا، عبد الله بن سبأ للعسكري ج ١ ص ١٠٥ ط ٣ بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ١٣١ - ١٣٤ ط ١ بمصر، الغدير للأميني ج ٥ ص ٣٧٠ - ٣٧١ وج ٧ ص ٧٦ و ٧٧ ط بيروت، مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٣٠١ ط دار الأندلس بيروت، أسد الغابة لابن الأثير ج ٣ ص ٢٢٢ ط مصر، تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٨ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٥ و ٣٣١ ط دار صادر، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٣ و ١٠٥ ط الغرى، سمط النجوم العوالي للعاصمى المكى ج ٢ ص ٢٤٤ ط السلفية، السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٥٦ ط البهية بمصر.

استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر. راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ ص ٢١٩ وج ٦ ص ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل وج ١ ص ٧٤ وج ٢ ص ٤ - ١٩ ط ١، وغيرها.

(٧) وكتابنا (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) المطبوع ملحقا بالمراجعات ط بغداد والطبعة الثانية في بيروت ١٤٠٢ ه‍.

(١) وذلك سنة ١٣٢٩ والتي بعدها بعد رجوعنا من الجامعة العلمية في النجف الأشرف (منه قدس) (*).

٢٦

ومراجعات خطية، بذلنا الوسع فيها ايغالا في البحث والتمحيص، وإمعانا فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق، فكانت تلك المراجعات بيمن نقيبة الشيخ سفرا من انفع أسفار الحق، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره والحمد لله على التوفيق(١) .

وها هي تلك، منتشرة في طول البلاد وعرضها، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث، وقلب واع لما يقوله الفريقان، ورأي جميع ولب رصين، فلا تفوتنكم أيها الباحثون. نعم لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيبوه.

أمعنوا في أهداف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومراميه من أقواله وأفعاله. التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور، ولا تغلبنكم العاطفة على إفهامكم وعقولكم، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول، لا يأبهون بشئ من صحتها، ولا من صراحتها، والله تعالى يقول:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٨) فأين تذهبون، أيها المسلمون( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) (٩) .

ما رأيت كنصوص الخلافة صريحة متواترة صودرت من أكثر الأمة، والجرح لما يندمل والنبي لما يقبر. على ان حياة النبي بعد النبوة كانت مليئة مفعمة بتلك النصوص منذ يوم الإنذار في دار أبي طالب(١٠) فما بعده من الأيام حتى سجيصلى‌الله‌عليه‌وآله على فراش الموت

____________________

(١) وقد بلغت مائة واثنتي عشرة مراجعة (منه قدس).

(٨) سورة التكوير آية: ١٩ - ٢٢.

(٩) سورة الحاقة آية: ٣ - ٥.

(١٠) إذا دعا عشيرته الأقربين لينذرهم، وكان آخر كلامه معهم ان أخذ بيد على =>

٢٧

..

____________________

=> فقال: ان هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فلتراجع المراجعة ٢٠ والتي بعدها من المراجعات (منه قدس).

حديث الدار يوم الإنذار وفيه قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىعليه‌السلام : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ".

راجع: تاريخ الطبري ج ٢ ص ٣١٩ - ٣٢١ ط دار المعارف بمصر، الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ ط دار صادر في بيروت، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١٣ ص ٢١٠ و ٢٤٤ وصححه ط مصر بتحقيق أبو الفضل، السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج ١ ص ٣١١ ط البهية بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ ط الميمنية بمصر، شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧١ ح ٥١٤ و ٥٨٠ ط ١ بيروت، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٢ ط ١ وج ١٥ ص ١١٥ ح ٣٣٤ ط ٢، ترجمة الإمام على بن أبى طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ ص ٨٥ ح ١٣٩ و ١٤٠ و ١٤١ ط ١ بيروت، حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص ١٠٤ الطبعة الأولى سنة ١٣٥٤ ه‍

وفى الطبعة الثانية وما بعدها من طبعات الكتاب حذف من الحديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " وان يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم " ! وأكبر شاهد مراجعة الطبعة الأولى والطبعات الأخرى، جريدة السياسة المصرية لمحمد حسين هيكل ملحق عدد - ٢٧٥١ - بتاريخ ١٢ ذي القعدة ١٣٥٠ ه‍ ص ٥ وص ٦ من ملحق عدد: - ٢٧٨٥ - ذكر الحديث بتمامه، تفسير الخازن ج ٣ ص ٣٧١ و ٣٩٠ ط مصر، التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ج ٢ ص ١١٨ ط ٣، تفسير الطبري ج ١٩ ص ١٢١ ط ٢ ولكن المؤلف أو الطابع حرف آخر الحديث فحذف قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم " وذكر بدله " ان هذا أخي وكذا وكذا ! ! " فيا للعجب لهذه الأعمال التي تنطوي على الحقد الدفين والحسد المشين مع انه ذكر الحديث تاما في تاريخه ج ٢ ص ٢١٩ كما تقدم. وبلفظ آخر: وفيه نزل قوله تعالى: "( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) " الشعراء: ٢١٤ يوجد في =>

٢٨

والحجرة غاصة بأصحابه فقال: " أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي. وقد قدمت إليكم الا أني مخلف فيكم كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ". ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض "(١١) . وكفى بنصوص

____________________

=> شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج ١ ص ٣٧٢ ح ٥١٤ وج ٢ ص ٤٢٠ ح ٥٨٠ ط ١ بيروت، مسند أحمد ج ١ ص ١١١ ط الميمنية بمصر، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٠٤ - ٢٠٦ ط الحيدرية وص ٨٩ ط الغرى، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزى الحنفي ص ٣٨ ط الحيدرية وص ٤٤ ط النجف، كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٦ ط ١ وج ١٥ ص ١١٣ و ١١٥ ط ٢، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١ و ٤٢ و ٤٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٠٥ ط اسلامبول وص ١٢٢ ط الحيدرية، تاريخ أبى الفداء ج ١ ص ١١٩ ط القسطنطنية، الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ٩٧ ط مصر، تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٣٥١ ط مصر. وبلفظ ثالث يوجد في: خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ٨٦ ط الحيدرية وص ٣٠ ط بيروت، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٨٣ ط النجف، مجمع الزوائد ج ٨ ص ٣٠٢ وج ٩ ص ١١٣ ط القدسي. ولاجل المزيد من المصادر راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) تحت رقم - ٧١١ - ط بيروت .

(١١) يوجد في: الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٥ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٣٤٢ ط الحيدرية.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " علي مع القرآن والقرآن مع على لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " يوجد في: المستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٢٤ وصححه، تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك ج ٣ ص ١٢٤ وصححه أيضا، المناقب للخوارزمي الحنفي =>

٢٩

الثقلين حكما بين الفريقين(١٢) ، وخصائص علي كل نص جلي:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (١٣) .

استأثروا بالأمر يوم السقيفة، متأولين نصوص لا يلوون على شئ، وقد قضوا أمرهم بينهم بدون أن يؤذنوا به أحدا من بني هاشم وأوليائهم(١٤) وهم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، حتى كأنهمعليهم‌السلام لم يكونوا ثقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأعدال كتاب الله عزوجل(١٥) .

____________________

=> ص ١١٠ ط الحيدرية وص ١٠٧ ط تبريز، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ٥٥ ط دار النصر بالقاهرة، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٩٩ ط الحيدرية وص ٢٥٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٣٤ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ و ١٢٤ ط المحمدية وص ٧٤ و ٧٥ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣ ط السعادة، إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص ١٥٧ ط السعيدية وص ١٤٣ ط العثمانية، الغدير للأميني ج ٣ ص ١٨٠ ط بيروت، نور الأبصار للشبلنجى ص ٧٣ ط السعيدية، ينابيع المودة للقندوزى ص ٤٠ و ٩٠ و ١٨٥ و ٢٣٧ و ٢٨٣ و ٢٨٥ ط اسلامبول وص ٤٤ و ١٠٣ و ٢١٩ و ٢٨١ و ٣٣٩ و ٣٤٢ ط الحيدرية وج ١ ص ٣٨ و ٨٨ وج ٢ ص ١٠ و ٦١ و ١٠٨ و ١١٠ ط العرفان بصيدا، فيض القدير للشوكاني ج ٤ ص ٣٥٨، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٦ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٢ ص ٢٤٢ ط مصر، غاية المرام ص ٥٤٠ (باب) ٤٥ ط ايران، أسنى المطالب للحوت ص ٢٠١ ح ٨٩٨.

(١٢) سوف تأتى مصادره تحت رقم (١٥)

(١٣) سورة ق: ٣٧.

(١٤) لم يحضر أحد من بني هاشم السقيفة بل كانوا متخلفين راجع المصادر تحت رقم (٦)

(١٥) إشارة إلى النصوص الصريحة في السنن الصحيحة، التي أنزلت العترة من منزلة الكتاب فجعلتهما القدوة لأولى الألباب، وقد أخرجها مسلم في صحيحه، وأخرجها =>

٣٠

.

____________________

=> الترمذي والنسائي والإمام أحمد في مسنده والطبراني في الكبير، والحاكم في مستدركه والذهبي في تلخيص المستدرك، وابن أبى شيبة وأبو يعلى في سننهما، وابن سعد في الطبقات، وغير واحد من أصحاب السنن بطرق متعددة وأسانيد كثيرة، والتفصيل في المراجعة ٨ من مراجعاتنا (منه قدس).

أقول: إشارة إلى مضمون الحديث المتواتر وهو حديث الثقلين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨ ط بيروت وج ١٣ ص ١٩٩ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ دار إحياء الكتب العربية بمصر، مصابيح السنة للبغوي ص ٢٠٦ ط القاهرة وج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٥٠٣ وج ٣ ص ٣٨٥ ط دار الكتب العربية، الشرف المؤبد للنبهاني أيضا ص ١٨ ط مصر، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٢ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٥ و ٤٤٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٤١ و ٣٧٠ ط اسلامبول

وبلفظ ثان قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الأخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". راجع الحديث في: صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٩ ط دار الفكر بيروت وج ١٣ ص ٢٠٠ ط الصاوى وج ٢ ص ٣٠٨ ط بولاق بمصر، نظم درر السمطين للزرندى ص ٢٣١ ط النجف، الدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٧ و ٣٠٦ ط مصر، ذخائر العقبى ص ١٦ ط القدسي، الصواعق المحرقة ص ٨٩ ط الميمنية وص ١٤٧ و ٢٢٦ ط المحمدية، أسد الغابة لابن الأثير ج ٢ ص ١٢ =>

٣١

وأمان الأمة من الاختلاف(١٦)

____________________

=> ط مصر، المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ١٣٥ ط دار النصر بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٣٣ و ٤٠ و ٢٢٦ و ٣٥٥ ط الحيدرية وص ٣٠ و ٣٦ و ١٩١ و ٢٩٦ ط اسلامبول، تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١١٣ ط مصر، عبقات الأنوار ج ١ من حديث الثقلين ص ٢٥ ط اصفهان، كنز العمال ج ١ ص ٤٤ ح ٨٧٤ ط ١ وج ١ ص ١٥٤ ط ٢، الفتح الكبير للنبهاني ج ١ ص ٤٥١ ط مصر، تفسير الخازن ج ١ ص ٤ ط مصر، مصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٢٧٩ ط محمد على صبيح وص ٢٠٦ ط الخيرية، جامع الأصول لابن الأثير ج ١ ص ١٨٧ ط مصر، مشكاة المصابيح للعمري ج ٣ ص ٢٥٨ ط دمشق.

وفى لفظ ثالث عن زيد بن ثابت قال: " قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". راجع: الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٦. مسند أحمد بن حنبل ج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ط ١، فرائد السمطين للحموينى ج ٢ / ١٤٤ عن زيد بن ثابت قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل وعترتي أهل بيتي ألا وهما الخليفتان من بعدى ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ".

وعن أبى سعيد الخدري أيضا: " إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ". الفضائل لأحمد بن حنبل ص ٢٠ ح ٣٥ ترجمة الحسين وح ٣٦. ويوجد هذا الحديث بألفاظ أخرى متعددة ومصادر كثيرة جدا ولأجل المزيد من الاطلاع راجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٠ و ٣١ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٦ ط في بغداد وبيروت مع المراجعات).

(١٦) إشارة إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم =>

٣٢

وسفينة نجاتها من الضلال(١٧) . وباب حطتها(١٨) .

____________________

=> قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. أخرجه الحاكم في ص ١٤٩ من الجزء ٣ من المستدرك، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (منه قدس). والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩١ و ١٤٠ ط الميمنية وص ١٥٠ و ٢٣٤ ط المحمدية وصححه، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٤ ط الحلبي بمصر، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٩٣ ط الميمنية بمصر، ينابيع المودة للقندوزى الحنفي ص ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٥٧ ط الحيدرية، جواهر البحار للنبهاني ج ١ / ٣٦١. ولأجل المزيد من المصادر راجع كتاب (سبيل النجاة في تتمة المراجعات طبع ملحقا بالمراجعات في بغداد وبيروت تحت رقم - ٤١ -).

(١٧) إشا رة إلى ما أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبى ذر ص ١٥١ من الجزء ٣ من المستدرك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (منه قدس). وراجع أيضا: تلخيص المستدرك للذهبي، نظم درر السمطين للزرندى الحنفي ص ٢٣٥ ط النجف، ينابيع المودة للقندوزى ص ٣٠ و ٣٧٠ ط الحيدرية وص ٢٧ و ٣٠٨ ط اسلامبول، الصواعق المحرقة ص ١٨٤ و ٢٣٤ ط المحمدية وص ١١١ و ١٤٠ ط الميمنية، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص، إسعاف الراغبين للصبان ص ١٠٩ ط السعيدية و ١٠٢ ط العثمانية، جواهر البحار ج ١ / ٣٦١، الفضائل لأحمد بن حنبل بترجمة الإمام الحسين ص ٢٨ ح ٥٥.

(١٨) إشارة إلى ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبى سعيد قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنما مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة بني إسرائيل من دخله غفر له (منه قدس). راجع: كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٣٧٨ ط الحيدرية وص ٢٣٤ ط الغرى، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٨، المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٢٢ ط دار =>

٣٣

وكأنهم لم يكونوا من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس(١٩) بل كأنهم انما كانوا ممن عناهم الشاعر في المثل السائر.

____________________

=> النصر بمصر، إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص ١١٣ ط الحلبي، ينابيع المودة ص ٢٨ و ٢٩٨ ط اسلامبول وص ٣٠ و ٣٥٨ ط الحيدرية، رشفة الصادى لأبي بكر الحضرمي ص ٧٩ ط مصر، الصواعق المحرقة ص ٩١ ط الميمنية وص ١٥٠ ط المحمدية وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة وان شئت المزيد فراجع (سبيل النجاة في تتمة المراجعات تحت رقم - ٣٩ و ٤٠) ففيهما عشرات المصادر.

وفى لفظ آخر يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ". يوجد في: حلية الأولياء ج ٤ ص ٣٠٦ ط السعادة بمصر، مناقب على بن أبى طالب لابن المغازلى الشافعي ص ١٣٢ ح ١٧٣ و ١٧٦ ط ١ بطهران، ذخائر العقبى ص ٢٠ ط القدسي، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٦٨، إحياء الميت ص ١١٣، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ / ١٣٢ ط الميمنية، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ / ٩٢ ط الميمنية، الفتح الكبير للنبهاني ج ٣ / ١٢٣ ط مصر، ينابيع المودة ص ١٨٧ و ١٩٣ ط اسلامبول وص ٢٢١ و ٢٢٨ ط الحيدرية، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ / ١٠٤ ط مطبعة الزهراء. وغيرها من المصادر.

(١٩) نقل الإمام الصبان في كتابه - إسعاف الراغبين - والشيخ يوسف النبهاني في - الشرف المؤبد - وغير واحد من الثقات بالإسناد إلى أبى ذر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدى الرأس الا بالعينين، ومن أراد تفصيل هذه الأحاديث وما يجرى مجراها فعليه بمراجعاتنا، ولا سيما المراجعة ٦ وما بعدها حتى المراجعة ١٣ (منه قدس). راجع: إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١١٠ ط السعيدية وص ١٠٢ ط العثمانية، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكى ص ٨ ط الحيدرية، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧٢ ط بيروت، الشرف المؤبد للنبهاني. (*)

٣٤

ويقضي الأمر حين تغيب تيم * ولا يستأذنون وهم شهود(٢٠)

أجل قضي الأمر في السقيفة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقى بين عترته الطاهرة وأوليائهم ثلاثة أيام، وهم حوله يتقطعون حسرات، ويتصعدون زفرات قد أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهم والغم ما يذيب لفائف القلوب، ومن الرعب والوجل ما تميد به الجبال ومن الهول والفرق ما أطار عيونهم، وضيق الأرض برحبها عليهم.

وأولئك في معزل عن المسجى ثلاثا - بأبي وأمي - يرهفون لسلطانه عزائمهم ويشحذون لملكه آراءهم، لم يهتموا في شئ من أمره، حتى قضوا أمرهم مستأثرين به. وما ان فاءوا إلى مواراته حتى فاجأوا أولياءه وأحباءه بأخذ البيعة منهم، أو التحريق عليهم(٢١) كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته السائرة :

____________________

(٢٠) هذا البيت.

(٢١) تهديدهم عليا بالتحريق ثابت بالتواتر القطعي، وحسبك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب (السقيفة) كما في ص ١٣٠ وفى ص ١٣٤ من المجلد الأول من شرح النهج الحميدى. وأخرجه ابن جرير الطبري في موضعين في أحداث السنة الحادية عشرة من تاريخ الأمم والملوك. وذكره ابن قتيبة في أوائل كتابه - الإمامة والسياسة -. وابن عبد ربه المالكي في حديث السقيفة في الجزء الثاني من العقد الفريد.

والمسعودي في مروج الذهب نقلا عن عروة بن الزبير في مقام الاعتذار عن أخيه عبدالله، إذ هم بالتحريق على بني هاشم حين تخلفوا عن بيعته. وابن الشحنة حيث ذكر بيعة السقيفة في كتابه (روضة المناظر). وأبو الفداء حيث أتى على ذكر أخبار أبى بكر في تاريخه الموسوم بالمختصر في أخبار البشر. ورواه الشهرستاني عن النظام عند ذكره للفرقة النظامية من كتاب - الملل والنحل - ونقله العلامة الحلي في (نهج الصدق) عن كتاب (المحاسن وأنفاس الجواهر) وغرر ابن خنزابة. وأفرد أبو مخنف لبيعة السقيفة كتابا فيه التفصيل (منه قدس) =>

٣٥

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقى عليك بها

ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها(٢٢)

فلو فرض ان لا نص بالخلافة على أحد من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفرض كونهم مع هذا غير مبرزين في حسب أو نسب، أو أخلاق، أو جهاد، أو علم، أو عمل، أو إيمان، أو إخلاص ولم يكن لهم السبق في مضامير كل فضل، بل كانوا كسائر الصحابة، فهل كان من مانع شرعي أو عقلي أو عرفي، يمنع من تأجيل عقد البيعة إلى فراغهم من تجهيز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ؟ ولو بأن يوكل حفظ الأمن إلى القيادة العسكرية مؤقتا حتى يستتب أمر الخلافة ؟

أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين ؟ وهم وديعة النبي لديهم، وبقيته فيهم، وقد قال الله تعالى:( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٢٣) أليس على حق هذا الرسول - الذي يعز عليه عنت الأمة، ويحرص على

____________________

=> تهديد عمر عليا وفاطمة بالإحراق: راجع: الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ / ١٢ ط مصر، العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج ٤ / ٢٥٩ و ٦٠ ط ٢ بمصر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ١٣٤ وج ٢ / ١٩ ط ١ بمصر وج ٢ / ٥٦ وج ٦ / ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ١٥٧ ط دار الفكر، تاريخ الطبري ج ٣ / ٢٠٢ ط دار المعارف بمصر، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ / ٥٧ ط بيروت، تاريخ أبى الفداء ج ١ / ١٥٦، أعلام النساء ج ٣ / ١٢٠٧، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج ٧ / ١٦٤، بحار الأنوار ج ٢٨ / ٣٢٨ و ٣٣٩ ط الجديد، الغدير للأميني ج ٧ / ٧٧ ط بيروت، عبدالله بن سبأ ج ١ / ١٠٨ ط بيروت.

(٢٢) ديوان حافظ إبراهيم

(٢٣) سورة التوبة: ١٢٨ (*).

٣٦

سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - ان لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به، - والجرح لما يندمل، والنبي لما يقبر - ؟ ! وحسبها يومئذ فقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قارعة تفترش بها القلق، وتتوسد الأرق، وتساور الهموم، وتسامر النجوم، وتتجرع الغصص، وتعالج البرحاء، فالتريث الذي قلناه كان أولى بتعزيتها، وأدنى إلى حفظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها، وأجمع لكلمة الأمة، واقرب إلى استعمال الحكمة، ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله مهما كلفهم الأمر، فخافوا من التريث أن يفضي بهم إلى خلاف ما صمموا عليه، فان آل محمد إذا حضروا المشورة ظهرت حجتهم وعلت كلمتهم، فبادر القوم بعقد البيعة، واغتنموا اشتغال الهاشميين برزيتهم، وانتهزوا انصرافهم بكلهم إلى واجباتهم بتجهيز جنازتهم المفداة.

وأعان أولئك على ما دبروه دهشة المسلمين وذعرهم، وتزلزل أقدامهم، واجتماع أكثر الأنصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وأسيد بن الحضير سيد الأوس، كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له الأمر، فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الأمر عنه بكل ما لديهما من وسيلة، وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الأوسي، ومعن بن عدي حليف الأنصار، وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما، فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانا مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة، فانطلق عويم إلى أبي بكر وعمر مسرعا فشحذ عزمهما لمعارضة سعد، وأسرع بهما إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين.

٣٧

فاحتدم الجدال بين المهاجرين والأنصار، واشتدت الخصومة حتى ارتفعت أصواتهم بها وكادت الفتنة أن تقع، فقام أبو بكر بكلام أثنى فيه على الأنصار، واعترف لهم بالجميل خاطبا ودهم بلين ورقة

واحتج عليهم: بأن المهاجرين شجرة رسول الله وبيضته التي تفقأت عنه، ورشحهم للوزارة إذا تمت للمهاجرين الإمرة، ثم أخذ بضبعي عمر وأبي عبيدة فأمر المجتمعين بمبايعة أيهما شاؤا، وما ان فعل ذلك حتى تسابق إلى بيعته عمر وبشير، وما ان بايعاه حتى تبارى إلى بيعته أسيد بن الحضير، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولي أبي حذيفة، وخالد بن الوليد(٢٤) واشتد هؤلاء على حمل الناس على البيعة بكل طريق، وكان أشدهم في ذلك عمر، ثم أسيد وخالد وقنفذ(١) بن عمير بن جدعان التميمي(٢٥) وما بويع أبو بكر حتى أقبلت به الفئة التي بايعته تزفه إلى مسجد

____________________

(٢٤) ولأجل المزيد من المصادر راجع: كتاب عبدالله بن سبأ للعسكري ج ١ / ٨٢ - ١٣٢.

(١) كان هؤلاء مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمةعليها‌السلام وحسبك ما هو منقول عنهم في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج. وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري - كما في ص ١٣٠ من المجلد الأول من شرح النهج - قال: لما بويع أبو بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فخرج عمر حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، ومنك بعد أبيك وايم الله ما هذا بما نعى ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان آمر بتحريق البيت عليهم. (الحديث) (منه قدس).

(٢٥) استعمال القوة والإكراه في البيعة لأبي بكر: راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ١ / ٢١٩ وج ٦ / ٩ و ١١ و ١٩ و ٤٠ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل وج ١ / ٧٤ وج ٢ / ٤ - ١٩ ط ١ بمصر .(*)

٣٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زفاف العروس(٢٦) والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمة لقي بين أولئك المولهين والمولهات من الطيبين والطيبات، فما وسع أمير المؤمنينعليه‌السلام حينئذ الا التمثيل بقول القائل ؟

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائل(٢٧)

وكانعليه‌السلام على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وانه لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وان ذلك يوجب التغرير في الدين والخطر بالأمة، فاختار الكف احتياطا على الإسلام، وإيثارا للصالح العام، وتقديما للأهم على المهم، عهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . صبر أمير المؤمنين على تنفيذه وفي العين قذى، وفي الحلق شجى(١) .

نعم قعد في بيته ساخطا مما فعلوه، حتى أخرجوه كرها(٢٨) احتفاظا بحقه المعهود به إليه

____________________

(٢٦) نص على زفافه الزبير بن بكار في الموفقيات كما في ص ٨ من المجلد الثاني من شرح النهج (منه قدس). وج ٦ / ١٩ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٧) نقل تمثله بهذا البيت أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب - السقيفة - كما في ص ٥ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى (منه قدس). شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٦ / ١٤ بتحقيق أبو الفضل.

(١) وتفصيل هذه الأمور كلها في رسالتنا - فلسفة الميثاق والولاية - وحسبك المراجعة ٨٢ و ٨٤ من كتابنا - المراجعات - فان فيهما من التفصيل ما يثلج الغليل. وكذلك التنبيه المعقود في الفصل الثامن من - فصولنا المهمة - فراجع (منه قدس).

(٢٨) أخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة - كما في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدى - عن الشعبى حديثا قال فيه: فانطلق عمر وخالد بن الوليد إلى بيت فاطمة فدخل عمر ووقف خالد على الباب، فقال عمر للزبير: ما هذا =>

٣٩

واحتجاجه على من استبد به(٢٩) وما أبلغ حجته إذ قال مخاطبا لأبي بكر :

فأن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

____________________

=> السيف ؟ قال: أعددته لأبايع عليا. قال وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف وضرب به صخرة في البيت فكسره ثم أخرجوا الزبير إلى خالد ومن معه، وكان معه جمع كثير أرسلهم أبو بكر ردءا لعمر وخالد، ثم قال عمر لعلى: قم فبايع. فتلكأ وأحتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبى فحملوه ودفعوه إلى خالد كما دفعوا الزبير وساقهما عمر ومن معه من الرجال سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله. والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله، (الحديث)، ومن استقصى ما كان منهم يومئذ تجلت له الحقيقة في قول أبى بكر عند موته: وددت إني لم أكشف عن بيت فاطمة ولو أغلق على حرب.

وأخرج أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة أيضا من حديث أبى لهيعة عن أبى الأسود: ان عمر وأصحابه اقتحموا الدار وفاطمة تصيح وتناشدهم الله، وأخرجوا عليا والزبير يسوقهما عمر سوقا، وأخرج أبو بكر الجوهري: ان عمر جاء إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاجتمعوا عليه حتى ندر السيف من يده، فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يسوقهم سوقا عنيفا. (الحديث)، فراجعه في ص ١٩ من المجلد الثاني من شرح النهج، وكل ما ذكرناه هنا تجده هناك (منه قدس).

أخراج الإمام أمير المؤمنين (ع) كرها لأجل البيعة: راجع: العقد الفريد ج ٤ / ٣٣٥ ط لجنة التأليف والنشر في مصر وج ٢ / ٢٨٥ ط آخر، شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج ٣ / ٤١٥ ط أفست بيروت وج ٦ / ١١ و ٤٨ ط مصر بتحقيق أبو الفضل.

(٢٩) مطالبة الإمام (ع) بحقه واحتجاجه عليهم =>

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

في أيدي الناس، و يقبلوا إلى جنابه، و يسألوا من فضله فإنّ الفضل بيد الله، و هو الّذي أعطى كلّ ذي فضل فضله فله أن يعطيكم ما تزيدون به و تفضّلون بذلك على غيركم ممّن ترغبون فيما عنده، و تتمنّون ما اُعطيه.

و قد اُبهم هذا الفضل الّذي يجب أن يسأل منه بدخول لفظة( مِنْ ) عليه، و فيه من الفائدةأوّلاً التعليم بأدب الدعاء و المسألة من جنابه تعالى فإنّ الأليق بالإنسان المبنيّ على الجهل بما ينفعه و يضرّه بحسب الواقع إذا سأل ربّه العالم بحقيقة ما ينفع خلقه و ما يضرّهم، القادر على كلّ شي‏ء أن يسأله الخير فيما تتوق نفسه إليه، و لا يطنب في تشخيص ما يسأله منه و تعيين الطريق إلى وصوله، فكثيراً ما رأينا من كانت تتوق نفسه إلى حاجة من الحوائج الخاصّة كمال أو ولد أو جاه و منزلة أو صحّة و عافية و كان يلحّ في الدعاء و المسألة لأجلها لا يريد سواها ثمّ لما استجيب دعاؤه، و اُعطي مسألته كان في ذلك هلاكه و خيبة سعيه في الحياة.

و ثانياً: الإشارة إلى أن يكون المسؤل ما لا يبطل به الحكمة الإلهيّة في هذا الفضل الّذي قرّره الله تعالى بتشريع أو تكوين، فمن الواجب أن يسألوا شيئاً من فضل الله الّذي اختصّ به غيرهم فلو سأل الرجال ما للنساء من الفضل أو بالعكس ثمّ أعطاهم الله ذلك بطلت الحكمة و فسدت الأحكام و القوانين المشرّعة فافهم.

فينبغي للإنسان إذا دعا الله سبحانه عند ما ضاقت نفسه لحاجة أن لا يسأله ما في أيدي الناس ممّا يرفع حاجته بل يسأله ممّا عنده و إذا سأله ممّا عنده أن لا يعلّم لربّه الخبير بحاله طريق الوصول إلى حاجته بل يسأله أن يرفع حاجته بما يعلمه خيراً من عنده.

و أمّا قوله تعالى:( إِنَّ الله كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) فتعليل للنهي في صدر الآية أي لا تتمنّوا ما أعطاه الله من فضله من أعطاه الله إنّ الله بكلّ شي‏ء عليم لا يجهل طريق المصلحة و لا يخطئ في حكمه.

٣٦١

( كلام في حقيقة قرآنيّة)

اختلاف القرائح و الاستعدادات في اقتناء مزايا الحياة في أفراد الإنسان ممّا ينتهي إلى اُصول طبيعيّة تكوينيّة لا مناص عن تأثيرها في فعليّة اختلاف درجات الحياة و على ذلك جرى الحال في المجتمعات الإنسانيّة من أقدم عهودها إلى يومنا هذا فيما نعلم.

فقد كانت الأفراد القويّة من الإنسان يستعبدون الضعفاء و يستخدمونهم في سبيل مشتهياتهم و هوى نفوسهم من غير قيد أو شرط، و كان لا يسع لاُولئك الضعفاء المساكين إلّا الانقياد لأوامرهم، و لا يهتدون إلّا إلى إجابتهم بما يشتهونه و يريدونه منهم لكنّ القلوب ممتلئة غيظاً و حنقاً و النفوس متربّصة و لا يزال الناس على هذه السنّة الّتي ابتدأت سنّة شيوخيّة و انتهت إلى طريقة ملوكيّة و إمبراطوريّة.

حتّى إذا وفّق النوع الإنسانيّ بالنهضة بعد النهضة على هدم هذه البنية المتغلّبة و إلزام أولياء الحكومة و الملك على اتّباع الدساتير و القوانين الموضوعة لصلاح المجتمع و سعادته فارتحلت بذلك حكومة الإرادات الجزافيّة، و سيطرة السنن الاستبداديّة ظاهراً و ارتفع اختلاف طبقات الناس و انقسامهم إلى مالك حاكم مطلق العنان و مملوك محكوم مأخوذ بزمامه غير أنّ شجرة الفساد أخذت في النموّ في أرض غير الأرض، و منظر غير منظره السابق، و الثمرة هي الثمرة، و هو تمايز الصفات باختلاف الثروة بتراكم المال عند بعض، و صفارة الكفّ عند آخر، و بعد ما بين القبيلين بعداً لا يتمالك به المثري الواجد من نفسه إلّا أن ينفذ بثروته في جميع شؤون حياة المجتمع، و لا المسكين المعدم إلّا أن ينهض للبراز و يقاوم الاضطهاد.

فاستتبع ذلك سنّة الشيوعيّة القائلة بالاشتراك في موادّ الحياة و إلغاء المالكيّة، و إبطال رؤس الأموال، و إنّ لكلّ فرد من المجتمع أن يتمتّع بما عملته يداه و هيّأه كماله النفسانيّ الّذي اكتسبه فانقطع بذلك أصل الاختلاف بالثروة و الجدة غير أنّه

٣٦٢

أورث من وجود الفساد ما لا يكاد تصيبه رمية السنّة السابقة و هو بطلان حرّيّة إرادة الفرد، و انسلاب اختياره، و الطبيعة تدفع ذلك، و الخلقة لا توافقه، و هيهات أن يعيش ما يرغم الطبيعة و يضطهد الخلقة.

على أنّ أصل الفساد مع ذلك مستقرّ على قراره فإنّ الطبيعة الإنسانيّة لا تنشط إلّا لعمل فيه إمكان التميّز و السبق، و رجاء التقدّم و الفخر و مع إلغاء التمايزات تبطل الأعمال، و فيه هلاك الإنسانيّة، و قد احتالوا لذلك بصرف هذه التميّزات إلى الغايات و المقاصد الافتخاريّة التشريفيّة غير المادّيّة، و عاد بذلك المحذور جذعاً فإنّ الإنسان إن لم يذعن بحقيقتها لم يخضع لها، و إن أذعن بها كان حال التمايز بها حال التمايز المادّيّ.

و قد احتالت الديمقراطيّة لدفع ما تسرّب إليها من الفساد بإيضاح مفاسد هذه السنّة بتوسعة التبليغ و بضرب الضرائب الثقيلة الّتي تذهب بجانب عظيم من أرباح المكاسب و المتاجر، و لمّا ينفعهم ذلك فظهور دبيب الفساد في سنّة مخالفيهم لا يسدّ طريق هجوم الشرّ على سنّتهم أنفسهم و لا ذهاب جلّ الربح إلى بيت المال يمنع المترفين عن إترافهم و مظالمهم، و هم يحيلون مساعيهم لمقاصدهم من تملّك المال إلى التسلّط و تداول المال في أيديهم فالمال يستفاد من التسلّط و وضع اليد عليه و إدارته ما يستفاد من ملكه.

فلا هؤلاء عالجوا الداء و لا اُولئك، و لا دواء بعد الكيّ، و ليس إلّا لأنّ الّذي جعله البشر غاية و بغية لمجتمعه، و هو التمتّع بالحياة المادّيّة بوصلة تهدي إلى قطب الفساد، و لن تنقلب عن شأنها أينما حوّلت، و مهما نصبت.

و الّذي يراه الإسلام لقطع منابت هذا الفساد أن حرّر الناس في جميع ما يهديهم إليه الفطرة الإنسانيّة، ثمّ قرّب ما بين الطبقتين برفع مستوى حياة الفقراء بما وضع من الضرائب الماليّة و نحوها، و خفض مستوى حياة الأغنياء بالمنع عن الإسراف و التبذير و التظاهر بما يبعّدهم من حاقّ الوسط، و تعدّيل ذلك بالتوحيد و الأخلاق، و صرف الوجوه عن المزايا المادّيّة إلى كرامة التقوى و ابتغاء ما عندالله من الفضل.

و هو الّذي يشير إليه قوله تعالى:( وَ سْئَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ ) الآية، و قوله:( إِنَّ

٣٦٣

أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ ) الحجرات: ١٣، و قوله:( فَفِرُّوا إِلَى الله ) الذاريات: ٥٠، و قد بيّنا فيما تقدّم أنّ صرف وجوه الناس إلى الله سبحانه يستتبع اعتناءهم بأمر الأسباب الحقيقيّة الواقعيّة في تحرّي مقاصدهم الحيويّة من غير أن يستتبع البطالة في اكتساب معيشة أو الكسل في ابتغاء سعادة فليس قول القائل: إنّ الإسلام دين البطالة و الخمود عن ابتغاء المقاصد الحيويّة الإنسانيّة إلّا رمية من غير مرمى جهلاً، هذا ملخّص القول في هذا المقصد، و قد تكرّر الكلام في أطرافه تفصيلاً فيما تقدّم من مختلف المباحث من هذا الكتاب.

قوله تعالى: ( وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ممّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ) الآية، الموالي جمع مولى، و هو الوليّ و إن كثر استعماله في بعض المصاديق من الولاية كالمولى لسيّد العبد لولايته عليه، و المولى للناصر لولايته على أمر المنصور، و المولى لابن العم لولايته على نكاح بنت عمّه، و لا يبعد أن يكون في الأصل مصدراً ميميّاً أو اسم مكان اُريد به الشخص المتلبّس به بوجه كما نطلق اليوم الحكومة و المحكمة و نريد بهما الحاكم.

و العقد مقابل الحلّ، و اليمين مقابل اليسار، و اليمين اليد اليمنى، و اليمين الحلف و له غير ذلك من المعاني.

و وقوع الآية مع قوله قبل:( وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ ) ، في سياق واحد، و اشتمالها على التوصيّة بإعطاء كلّ ذي نصيب نصيبه، و أنّ الله جعل لكلّ موالي ممّا ترك الوالدان و الأقربون يؤيّد أن تكون الآية أعني قوله:( وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا ) إلخ بضميمة الآية السابقة تلخيصاً للأحكام و الأوامر الّتي في آيات الإرث، و وصيّة إجماليّة لما فيها من الشرائع التفصيليّة كما كان قوله قبل آيات الإرث:( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ممّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ) الآية تشريعاً إجماليّاً كضرب القاعدة في باب الإرث تعود إليه تفاصيل أحكام الإرث.

و لازم ذلك أن ينطبق من اُجمل ذكره من الورّاث و المورّثين على من ذكر منهم تفصيلاً في آيات الإرث، فالمراد بالموالي جميع من ذكر وارثاً فيها من الأولاد و الأبوين و الإخوة و الأخوات و غيرهم.

٣٦٤

و المراد بالأصناف الثلاث المذكورين في الآية بقوله:( الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الّذينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ) الأصناف المذكورة في آيات الإرث، و هم ثلاثة: الوالدان و الأقربون و الزوجان فينطبق قوله:( الّذينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ) على الزوج و الزوجة.

فقوله:( وَ لِكُلٍّ ) أي و لكلّ واحد منكم ذكراً أو اُنثى، جعلنا موالي أي أولياء في الوراثة يرثون ما تركتم من المال، و قوله: ممّا تَرَكَ، من فيه للابتداء متعلّق بالموالي كأنّ الولاية نشأت من المال، أو متعلّق بمحذوف أي يرثون أو يؤتون ممّا ترك، و ما ترك هو المال الّذي تركه الميّت المورث الّذي هو الوالدان و الأقربون نسباً و الزوج و الزوجة.

و إطلاق( الّذينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ) على الزوج و الزوجة إطلاق كنائيّ فقد كان دأبهم في المعاقدات و المعاهدات أن يصافحوا فكأنّ أيمانهم الّتي يصافحون بها هي الّتي عقدت العقود، و أبرمت العهود فالمراد: الّذين أوجدتم بالعقد سببيّة الازدواج بينكم و بينهم.

و قوله:( فَآتوهّم نَصِيبَهُمْ ) الضمير للموالي، و المراد بالنصيب ما بيّن في آيات الإرث، و الفاء للتفريع، و الجملة متفرّعة على قوله تعالى:( وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) ، ثمّ أكّد حكمه بإيتاء نصيبهم بقوله:( إِنَّ الله كانَ عَلى‏ كلّ شَيْ‏ءٍ شَهِيداً ) .

و هذا الّذي ذكرناه من معنى الآية أقرب المعاني الّتي ذكروها في تفسيرها، و ربّما ذكروا أنّ المراد بالموالي العصبة دون الورثة الّذين هم أولى بالميراث، و لا دليل عليه من جهة اللّفظ بخلاف الورثة.

و ربّما قيل: إنّ( من ) في قوله( ممّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ) ، بيانيّة و المراد بما الورثة الأولياء، و المعنى: و لكلّ منكم جعلنا أولياء، يرثونه و هم الّذين تركهم و خلّفهم الوالدان و الأقربون.

و ربّما قيل: إنّ المراد بالّذينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ الحلفاء، فقد كان الرجل في الجاهليّة يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، و حربي حربك، و سلمي سلمك، و ترثني و أرثك، و تعقل عنّي و أعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال الحليف.

٣٦٥

و على هذا فالجملة مقطوعة عمّا قبلها، و المعنى: و الحلفاء آتوهم سدسهم، ثمّ نسخ ذلك بقوله:( وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ ) . و قيل: إنّ المراد : آتوهم نصيبهم من النصر و العقل و الرفد، و لا ميراث، و على هذه فلا نسخ في الآية.

و ربّما قيل: إنّ المراد بهم الّذين آخا بينهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة، و كانوا يتوارثون بذلك بينهم ثمّ نسخ ذلك بآية الميراث.

و ربّما قيل: اُريد بهم الأدعياء الّذين كانوا يتبنّونهم في الجاهليّة فاُمروا في الإسلام أن يوصوا لهم بوصيّة، و ذلك قوله تعالى:( فَآتوهّم نَصِيبَهُمْ ) .

و هذه معان لا يساعدها سياق الآية و لا لفظها على ما لا يخفى للباحث المتأمّل، و لذلك أضربنا عن الإطناب في البحث عمّا يرد عليها.

قوله تعالى: ( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) القيم هو الّذي يقوم بأمر غيره، و القوّام و القيّام مبالغة منه.

و المراد بما فضّل الله بعضهم على بعض هو ما يفضل و يزيد فيه الرجال بحسب الطبع على النساء، و هو زيادة قوّة التعقّل فيهم، و ما يتفرّع عليه من شدّة البأس و القوّة و الطاقة على الشدائد من الأعمال و نحوها فإن حياة النساء حياة إحساسيّة عاطفيّة مبنيّة على الرقّة و اللّطافة، و المراد بما أنفقوا من أموالهم ما أنفقوه في مهورهنّ و نفقاتهنّ.

و عموم هذه العلّة يعطي أنّ الحكم المبنيّ عليها أعني قوله:( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) غير مقصور على الأزواج بأن يختصّ القوّاميّة بالرجل على زوجته بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامّة الّتي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً فالجهات العامّة الاجتماعيّة الّتي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة و القضاء مثلاً اللّذين يتوقّف عليهما حياة المجتمع، إنّما يقومان بالتعقّل الّذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، و كذا الدفاع الحربيّ الّذي يرتبط بالشدّة و قوّة التعقّل كلّ ذلك ممّا يقوم به الرجال على النساء.

و على هذا فقوله:( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) ذو إطلاق تامّ، و أمّا قوله بعد:( فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ ) إلخ الظاهر في الاختصاص بما بين الرجل و زوجته على ما سيأتي فهو

٣٦٦

فرع من فروع هذا الحكم المطلق و جزئيّ من جزئيّاته مستخرج منه من غير أن يتقيّد به إطلاقه.

قوله تعالى: ( فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ الله ) المراد بالصلاح معناه اللّغويّ، و هو ما يعبّر عنه بلياقة النفس. و القنوت هو دوام الطاعة و الخضوع.

و مقابلتها لقوله:( وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) إلخ، تفيد أنّ المراد بالصالحات الزوجات الصالحات، و أنّ هذا الحكم مضروب على النساء في حال الازدواج لا مطلقاً، و أنّ قوله:( قانِتاتٌ حافِظاتٌ ) - الّذي هو إعطاء للأمر في صورة التوصيف أي ليقنتن و ليحفظن - حكم مربوط بشؤون الزوجيّة و المعاشرة المنزليّة، و هذا مع ذلك حكم يتّبع في سعته و ضيقه علّته أعني قيمومة الرجل على المرأة قيمومة زوجيّة فعليها أن تقنت له و تحفّظه فيما يرجع إلى ما بينهما من شؤون الزوجيّة.

و بعبارة اُخرى كما أنّ قيمومة قبيل الرجال على قبيل النساء في المجتمع إنّما تتعلّق بالجهات العامّة المشتركة بينهما المرتبطة بزيادة تعقّل الرجل و شدّته في البأس و هي جهات الحكومة و القضاء و الحرب من غير أن يبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفرديّة و عمل نفسها بأن تريد ما أحبّت و تفعل ما شاءت من غير أن يحقّ للرجل أن يعارضها في شي‏ء من ذلك في غير المنكر فلا جناح عليهم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تنفذ للمرأة في ما تملكه إرادة و لا تصرّف، و لا أن لا تستقلّ المرأة في حفظ حقوقها الفرديّة و الاجتماعيّة، و الدفاع عنها، و التوسّل إليها بالمقدّمات الموصلة إليها بل معناها أنّ الرجل إذ كان ينفق ما ينفق من ماله بإزاء الاستمتاع فعليها أن تطاوعه و تطيعه في كلّ ما يرتبط بالاستمتاع و المباشرة عند الحضور، و أن تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشه غيره، و أن تمتّع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتّع منها بذلك، و لا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال، و سلّطها عليه في ظرف الازدواج و الاشتراك في الحياة المنزليّة.

فقوله:( فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ ) أي ينبغي أن يتّخذن لأنفسهنّ وصف الصلاح،

٣٦٧

و إذا كنّ صالحات فهنّ لا محالة قانتات، أي يجب أن يقنتن و يطعن أزواجهنّ إطاعة دائمة فيما أرادوا منهنّ ممّا له مساس بالتمتّع، و يجب عليهنّ أن يحفظن جانبهم في جميع ما لهم من الحقوق إذا غابوا.

و أمّا قوله:( بِما حَفِظَ الله ) فالظاهر أنّ ما مصدريّة، و الباء للآلة و المعنى: إنّهنّ قانتات لأزواجهنّ حافظات للغيب بما حفظ الله لهم من الحقوق حيث شرّع لهم القيمومة، و أوجب عليهنّ الإطاعة و حفظ الغيب لهم.

و يمكن أن يكون الباء للمقابلة، و المعنى حينئذ: أنّه يجب عليهنّ القنوت و حفظ الغيب في مقابلة ما حفظ الله من حقوقهنّ حيث أحيا أمرهنّ في المجتمع البشريّ، و أوجب على الرجال لهنّ المهر و النفقة، و المعنى الأوّل أظهر.

و هناك معان ذكروها في تفسير الآية أضربنا عن ذكرها لكون السياق لا يساعد على شي‏ء منها.

قوله تعالى: ( وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ) ، النشوز العصيان و الاستكبار عن الطاعة، و المراد بخوف النشوز ظهور آياته و علائمه، و لعلّ التفريع على خوف النشوز دون نفسه لمراعاة حال العظة من بين العلاجات الثلاث المذكورة فإنّ الوعظ كما أنّ له محلّاً مع تحقّق العصيان كذلك له محلّ مع بدوّ آثار العصيان و علائمه.

و الاُمور الثلاثة أعني ما يدلّ عليه قوله:( فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ ) و إن ذكرت معاً و عطف بعضها على بعض بالواو فهي اُمور مترتّبة تدريجيّة: فالموعظة، فإن لم تنجح فالهجرة، فإن لم تنفع فالضرب، و يدلّ على كون المراد بها التدرّج فيها أنّها بحسب الطبع وسائل للزجر مختلفة آخذة من الضعف إلى الشدّة بحسب الترتيب المأخوذ في الكلام، فالترتيب مفهوم من السياق دون الواو.

و ظاهر قوله:( وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ ) أن تكون الهجرة مع حفظ المضاجعة كالاستدبار و ترك الملاعبة و نحوها، و إن أمكن أن يراد من مثل الكلام ترك المضاجعة لكنّه بعيد، و ربّما تأيّد المعنى الأوّل بإتيان المضاجع بلفظ الجمع فإنّ المعنى الثاني لا حاجة فيه إلى إفادة كثرة المضجع ظاهراً.

٣٦٨

قوله تعالى: ( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ) إلخ أي لا تتّخذوا عليهنّ علّة تعتلّون بها في إيذائهنّ مع إطاعتهنّ لكم، ثمّ علّل هذا النهي بقوله:( إِنَّ الله كانَ عَلِيًّا كَبِيراً ) ، و هو إيذان لهم أنّ مقام ربّهم عليّ كبير فلا يغرّنّهم ما يجدونه من القوّة و الشدّة في أنفسهم فيظلموهنّ بالاستعلاء و الاستكبار عليهنّ.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا ) ، الشقاق البينونة و العداوة، و قد قرّر الله سبحانه بعث الحكمين ليكون أبعد من الجور و التحكّم، و قوله:( إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُما ) أي إن يرد الزوجان نوعاً من الإصلاح من غير عناد و لجاج في الاختلاف، فإنّ سلب الاختيار من أنفسهما و إلقاء زمام الأمر إلى الحكمين المرضيّين يوجب وفاق البين.

و أسند التوفيق إلى الله مع وجود السبب العاديّ الّذي هو إرادتهما الإصلاح، و المطاوعة لما حكم به الحكمان لأنّه تعالى هو السبب الحقيقيّ الّذي يربط الأسباب بالمسبّبات و هو المعطي لكلّ ذي حقّ حقّه، ثمّ تمّم الكلام بقوله:( إِنَّ الله كانَ عَلِيماً خَبِيراً ) ، و مناسبته ظاهرة.

( كلام في معنى قيمومة الرجال على النساء)

تقويّة القرآن الكريم لجانب العقل الإنسانيّ السليم، و ترجيحه إيّاه على الهوى و اتّباع الشهوات، و الخضوع لحكم العواطف و الإحساسات الحادّة و حضّه و ترغيبه في اتّباعه، و توصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهيّة عن الضيعة ممّا لا ستر عليه، و لا حاجة إلى إيراد دليل كتابيّ يؤدّي إليه فقد تضمّن القرآن آيات كثيرة متكثّرة في الدلالة على ذلك تصريحاً و تلويحاً و بكلّ لسان و بيان.

و لم يهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة، و مهام آثارها الجميلة الّتي يتربّى بها الفرد، و يقوم بها صلب المجتمع كقوله:( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكفّار رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) الفتح: ٢٩، و قوله:( لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً ) الروم: ٢١، و قوله:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الأعراف: ٣٢،

٣٦٩

لكنّه عدّلها بالموافقة لحكم العقل فصار اتّباع حكم هذه العواطف و الميول اتّباعاً لحكم العقل.

و قد مرّ في بعض المباحث السابقة أنّ من حفظ الإسلام لجانب العقل و بنائه أحكامه المشرّعة على ذلك أنّ جميع الأعمال و الأحوال و الأخلاق الّتي تبطل استقامة العقل في حكمه و توجب خبطه في قضائه و تقويمه لشؤون المجتمع كشرب الخمر و القمار و أقسام المعاملات الغرريّة و الكذب و البهتان و الافتراء و الغيبة كلّ ذلك محرّمة في الدين.

و الباحث المتأمّل يحدس من هذا المقدار أنّ من الواجب أن يفوّض زمام الاُمور الكلّيّة و الجهات العامّة الاجتماعيّة - الّتي ينبغي أن تدبّرها قوّة التعقّل و يجتنب فيها من حكومة العواطف و الميول النفسانيّة كجهات الحكومة و القضاء و الحرب - إلى من يمتاز بمزيد العقل و يضعف فيه حكم العواطف، و هو قبيل الرجال دون النساء.

و هو كذلك، قال الله تعالى:( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) و السنّة النبوّية الّتي هي ترجمان البيانات القرآنيّة بيّنت ذلك كذلك، و سيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جرت على ذلك أيّام حياته فلم يولّ امرأة على قوم و لا أعطى امرأة منصب القضاء و لا دعاهنّ إلى غزاة بمعنى دعوتهنّ إلى أن يقاتلن.

و أمّا غيرها من الجهات كجهات التعليم و التعلّم و المكاسب و التمريض و العلاج و غيرها ممّا لا ينافي نجاح العمل فيها مداخلة العواطف فلم تمنعهنّ السنّة ذلك، و السيرة النبوّية تمضي كثيراً منها، و الكتاب أيضاً لا يخلو من دلالة على إجازة ذلك في حقّهنّ فإنّ ذلك لازم ما اُعطين من حرّيّة الإرادة و العمل في كثير من شؤون الحياة إذ لا معنى لإخراجهنّ من تحت ولاية الرجال، و جعل الملك لهنّ بحيالهنّ ثمّ النهي عن قيامهنّ بإصلاح ما ملكته أيديهنّ بأيّ نحو من الإصلاح، و كذا لا معنى لجعل حقّ الدعوى أو الشهادة لهنّ ثمّ المنع عن حضورهنّ عند الوالي أو القاضي و هكذا.

اللّهمّ إلّا فيما يزاحم حقّ الزوج فإنّ له عليها قيمومة الطاعة في الحضور، و الحفظ في الغيبة، و لا يمضي لها من شؤونها الجائزة ما يزاحم ذلك.

٣٧٠

( بحث روائي‏)

في المجمع، في قوله تعالى:( وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ الله ) الآية: أي لا يقل أحدكم: ليت ما اُعطي فلان من النعمة و المرأة الحسنى كان لي فإنّ ذلك يكون حسداً، و لكن يجوز أن يقول: اللّهمّ أعطني مثله، قال: و هو المروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

أقول: و روى العيّاشيّ في تفسيره عن الصادقعليه‌السلام مثله.

في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام في قوله تعالى:( ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) ، و في قوله:( وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ ) أنّهما نزلتا في عليّعليه‌السلام .

أقول: و الرواية من باب الجري و التطبيق.

و في الكافي، و تفسير القمّيّ، عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ليس من نفس إلّا و قد فرض الله لها رزقها حلالاً يأتيها في عافية، و عرض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئاً من الحرام قاصّها به من الحلال الّذي فرض لها و عندالله سواهما فضل كثير، و هو قول الله عزّوجلّ:( وَ سْئَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ ) .

أقول: و رواه العيّاشيّ عن إسماعيل بن كثير رفعه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و روي هذا المعنى أيضاً عن أبي الهذيل عن الصادقعليه‌السلام ، و روى قريباً منه أيضاً القمّيّ في تفسيره عن الحسين بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام .

و قد تقدّم كلام في حقيقة الرزق و فرضه و انقسامه إلى الرزق الحلال و الحرام في ذيل قوله:( وَ الله يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حساب ) البقرة: ٢١٢، في الجزء الثاني فراجعه.

و في صحيح الترمذيّ، عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سلوا الله من فضله فإنّ الله يحبّ أن يسأل.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير عن رجل لم يسمّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سلوا الله من فضله فإنّ الله يحبّ أن يسأل، و إنّ من أفضل العبادة انتظار الفرج.

٣٧١

و في التهذيب، بإسناده عن زرارة قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول:( وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ممّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ ) ، قال: عنى بذلك اُولي الأرحام في المواريث، و لم يعن أولياء النعمة فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرحم الّتي تجرّه إليها.

و فيه، أيضاً بإسناده عن إبراهيم بن محرز قال: سأل أباجعفرعليه‌السلام رجل و أنا عنده قال: فقال رجل لامرأته: أمرك بيدك، قال: أنّى يكون هذا و الله يقول:( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) ؟ ليس هذا بشي‏ء.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم من طريق أشعث بن عبدالملك عن الحسن قال: جاءت امرأة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تستعدي على زوجها أنّه لطمها، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القصاص، فأنزل الله:( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) الآية فرجعت بغير قصاص.

أقول: و رواه بطرق اُخرى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و في بعضها: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أردت أمراً و أراد الله غيره‏، و لعلّ المورد كان من موارد النشوز، و إلّا فذيل الآية:( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ) ينفي ذلك.

و في ظاهر الروايات إشكال آخر من حيث إنّ ظاهرها أنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القصاص بيان للحكم عن استفتاء من السائل لا قضاء فيما لم يحضر طرفا الدعوى، و لازمه أن يكون نزول الآية تخطئة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حكمه و تشريعه و هو ينافي عصمته، و ليس بنسخ فإنّه رفع حكم قبل العمل به، و الله سبحانه و إن تصرّف في بعض أحكام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضعاً أو رفعاً لكنّ ذلك إنّما هو في حكمه و رأيه في موارد ولايته لا في حكمه فيما شرّعه لاُمّته فإنّ ذلك تخطئة باطلة.

و في تفسير القمّيّ،: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله: قانِتاتٌ يقول: مطيعات.

و في المجمع، في قوله تعالى:( فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ ) الآية، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: يحوّل ظهره إليها، و في معنى الضرب عن أبي جعفرعليه‌السلام : أنّه الضرب بالسواك.

و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام في قوله:( فَابْعَثُوا حَكَماً

٣٧٢

مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها ) قال: الحكمان يشترطان إن شاءا فرّقا، و إن شاءا جمعا فإن فرّقا فجائز، و إن جمعا فجائز.

أقول: و روي هذا المعنى و ما يقرب منه بعدّة طرق اُخر فيه و في تفسير العيّاشيّ.

و في تفسير العيّاشيّ، عن ابن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قضى أميرالمؤمنينعليه‌السلام في امرأة تزوّجها رجل، و شرط عليها و على أهلها إن تزوّج عليها امرأة و هجرها أو أتى عليها سريّة فإنّها طالق، فقال: شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه، و إن شاء أمسك امرأته و نكح عليها و تسرّى عليها و هجرها إن أتت سبيل ذلك، قال الله في كتابه:( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ) و قال:( أحلّ لكم ممّا ملكت أيمانكم) و قال:( وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ الله كانَ عَلِيًّا كَبِيراً ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج البيهقيّ عن أسماء بنت يزيد الأنصاريّة أنّها أتت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت و اُمّي إنّي وافدة النساء إليك، و أعلم نفسي لك الفداء أنّه ما من امرأة كائنة في شرق و لا غرب سمعت بمخرجي هذا إلّا و هي على مثل رأيي.

إنّ الله بعثك بالحقّ إلى الرجال و النساء فآمنّا بك و بإلهك الّذي أرسلك، و إنّا معشر النساء محصورات مقسورات، قواعد بيوتكم، و مقضي شهواتكم، و حاملات أولادكم، و إنّكم معاشر الرجال فضّلتم علينا بالجمعة و الجماعات، و عيادة المرضى، و شهود الجنائز، و الحجّ بعد الحجّ، و أفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، و إنّ الرجل منكم إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، و غزلنا لكم أثوابكم، و ربّينا لكم أموالكم(١) ، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أصحابه بوجهه كلّه، ثمّ قال: هل سمعتم مقالة امرأة قطّ أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننّا أنّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها ثمّ قال لها: انصرفي أيّتها المرأة و أعلمي من خلفك من النساء: أنّ

____________________

(١) أولادكم ظ.

٣٧٣

حسن تبعّل إحداكنّ لزوجها، و طلبها مرضاته، و اتّباعها موافقته يعدل ذلك كلّه، فأدبرت المرأة و هي تهلّل و تكبّر استبشاراً.

أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة مرويّة في جوامع الحديث من طرق الشيعة و أهل السنّة، و من أجمل ما روي فيه ما رواه في الكافي، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام :( جهاد المرأة حسن التبعّل) ، و من أجمع الكلمات لهذا المعنى مع اشتماله على اُسّ ما بني عليه التشريع ما في نهج البلاغة، و رواه أيضاً في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن كثير عن الصادقعليه‌السلام عن عليّ عليه أفضل السلام، و بإسناده أيضاً عن الأصبغ بن نباتة عنهعليه‌السلام في رسالته إلى ابنه: أنّ المرأة ريحانة، و ليست بقهرمانة.

و ما روي في ذلك عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّما المرأة لعبة من اتّخذها فلا يضيّعها) و قد كان يتعجّب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف تعانق المرأة بيد ضربت بها، ففي الكافي، أيضاً بإسناده عن أبي مريم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أ يضرب‏ أحدكم المرأة ثمّ يظلّ معانقها؟!) و أمثال هذه البيانات كثيرة في الأحاديث، و من التأمّل فيها يظهر رأي الإسلام فيها.

و لنرجع إلى ما كنّا فيه من حديث أسماء بنت يزيد الأنصاريّة فنقول: يظهر من التأمّل فيه و في نظائره الحاكية عن دخول النساء على النبيّ ص، و تكليمهنّ إيّاه فيما يرجع إلى شرائع الدين، و مختلف ما قرّره الإسلام في حقّهنّ أنّهنّ على احتجابهنّ و اختصاصهنّ بالاُمور المنزليّة من شؤون الحياة غالباً لم يكنّ ممنوعات من المراودة إلى وليّ الأمر، و السعي في حلّ ما ربّما كان يشكل عليهنّ، و هذه حرّيّة الاعتقاد الّتي باحثنا فيها في ضمن الكلام في المرابطة الإسلاميّة في آخر سورة آل عمران.

و يستفاد منه و من نظائره أيضاًأوّلاً أنّ الطريقة المرضيّة في حياة المرأة في الإسلام أن تشتغل بتدبير اُمور المنزل الداخليّة و تربية الأولاد، و هذه و إن كانت سنّة مسنونة غير مفروضة لكنّ الترغيب و التحريض الندبي - و الظرف ظرف الدين، و الجوّ جوّ التقوى و ابتغاء مرضاة الله، و إيثار مثوبة الآخرة على عرض الدنيا و التربية على الأخلاق الصالحة

٣٧٤

للنساء كالعفّة و الحياء و محبّة الأولاد و التعلّق بالحياة المنزليّة - كانت تحفّظ هذه السنّة.

و كان الاشتغال بهذه الشؤون و الاعتكاف على إحياء العواطف الطاهرة المودعة في وجودهنّ يشغلهنّ عن الورود في مجامع الرجال، و اختلاطهنّ بهم في حدود ما أباح الله لهنّ، و يشهد بذلك بقاء هذه السنّة بين المسلمين على ساقها قروناً كثيرة بعد ذلك حتّى نفذ فيهنّ الاسترسال الغربيّ المسمّى بحرّيّة النساء في المجتمع فجرّت إليهنّ و إليهم هلاك الأخلاق، و فساد الحياة و هم لا يشعرون، و سوف يعلمون، و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتح الله عليهم بركات من السماء، و أكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم و لكن كذّبوا فاُخذوا.

و ثانياً: أنّ من السنّة المفروضة في الإسلام منع النساء من القيام بأمر الجهاد كالقضاء و الولاية.

و ثالثاً: أنّ الإسلام لم يهمل أمر هذه الحرمانات كحرمان المرأة من فضيلة الجهاد في سبيل الله دون أن تداركها، و جبر كسرها بما يعادلها عنده بمزايا و فضائل فيها مفاخر حقيقيّة كما أنّه جعل حسن التبعّل مثلاً جهاداً للمرأة، و هذه الصنائع و المكارم أوشك أن لا يكون لها عندنا - و ظرفنا هذا الظرف الحيويّ الفاسد - قدر لكنّ الظرف الإسلاميّ الّذي يقوّم الاُمور بقيمها الحقيقيّة، و يتنافس فيه في الفضائل الإنسانيّة المرضيّة عندالله سبحانه، و هو يقدّرها حقّ قدرها يقدّر لسلوك كلّ إنسان مسلكه الّذي ندب إليه، و للزومه الطريق الّذي خطّ له، من القيمة ما يتعادل فيه أنواع الخدمات الإنسانيّة و تتوازن أعمالها فلا فضل في الإسلام للشهادة في معركة القتال و السماحة بدماء المهج - على ما فيه من الفضل - على لزوم المرأة وظيفتها في الزوجيّة، و كذا لا فخار لوال يدير رحى المجتمع الحيويّ، و لا لقاض يتّكي على مسند القضاء، و هما منصبان ليس للمتقلّد بهما في الدنيا لو عمل فيما عمل بالحق و جرى فيما جرى على الحقّ إلّا تحمّل أثقال الولاية و القضاء، و التعرّض لمهالك و مخاطر تهدّدهما حيناً بعد حين في حقوق من لا حامي له إلّا ربّ العالمين -( و إِنَّ ربّك لَبِالْمِرْصادِ ) - فأيّ فخر لهؤلاء على من منعه الدين الورود موردهما، و خطّ له خطّاً و أشار إليه بلزومه و سلوكه.

٣٧٥

فهذه المفاخر إنّما يحييها و يقيم صلبها بإيثار الناس لها نوع المجتمع الّذي يربّي أجزاءه على ما يندب إليه من غير تناقض، و اختلاف الشؤون الاجتماعيّة و الأعمال الإنسانيّة بحسب اختلاف المجتمعات في أجوائها ممّا لا يسع أحداً إنكاره.

هو ذا الجنديّ الّذي يلقي بنفسه في أخطر المهالك، و هو الموت في منفجر القنابل المبيدة ابتغاء ما يراه كرامة و مزيداً، و هو زعمه أن سيذكر اسمه في فهرسّ من فدى بنفسه وطنه و يفتخر بذلك على كلّ ذي فخر في عين ما يعتقد أنّ الموت فوت و بطلان، و ليس إلّا بغية وهميّة، و كرامة خرافيّة، و كذلك ما تؤثّره هذه الكواكب الظاهرة في سماء السينماءات و يعظم قدرهنّ بذلك الناس تعظيماً لا يكاد يناله رؤساء الحكومات السامية و قد كان ما يعتورنه من الشغل و ما يعطين من أنفسهنّ للملأ دهراً طويلاً في المجتمعات الإنسانيّة أعظم ما يسقط به قدر النساء، و أشنع ما يعيّرن به، فليس ذلك كلّه إلّا أن الظرف من ظروف الحياة يعيّن ما يعيّنه على أن يقع من سواد الناس موقع القبول و يعظّم الحقير، و يهوّن الخطير فليس من المستبعد أن يعظّم الإسلام اُموراً نستحقرها و نحن في هذه الظروف المضطربة، أو يحقّر اُموراً نستعظمها و نتنافس فيها فلم يكن الظرف في صدر الإسلام إلّا ظرف التقوى و إيثار الآخرة على الاُولى‏.

٣٧٦

( سورة النساء الآيات ٣٦ - ٤٢)

وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى‏ وَالْيَتَامَى‏ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى‏ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مِن كَانَ مُخْتَالاً فَخُور( ٣٦) الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِين( ٣٧) وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِين( ٣٨) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِمْ عَلِيم( ٣٩) إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيم( ٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى‏ هؤُلاَءِ شَهِيد( ٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرّسُولَ لَوْ تُسَوّى‏ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيث( ٤٢)

( بيان)

آيات سبع فيها حثّ على الإحسان و الإنفاق في سبيل الله و وعد جميل عليه، و ذمّ على تركه أمّا بالبخل أو بالإنفاق مراءآة للناس.

قوله تعالى: ( وَ اعْبُدُوا الله وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شيئاً ) هذا هو التوحيد غير أنّ المراد به التوحيد العمليّ، و هو إتيان الأعمال الحسنة - و منها الإحسان الّذي هو مورد الكلام - طلباً لمرضاة الله و ابتغاء لثواب الآخرة دون اتّباع الهوى و الشرك به.

و الدليل على ذلك أنّه تعالى عقّب هذا الكلام أعني قوله:( وَ اعْبُدُوا الله وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شيئاً ) ، و علّله بقوله:( إِنَّ الله لا يُحبّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً ) ، و ذكر أنّه البخيل بماله و المنفق لرئاء الناس، فهم الّذين يشركون بالله و لا يعبدونه وحده، ثمّ قال:( وَ ما ذا عَلَيْهِمْ

٣٧٧

لَوْ آمَنُوا بِالله وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَنْفَقُوا ) ، و ظهر بذلك أنّ شركهم عدم إيمانهم باليوم الآخر، و قال تعالى:( وَ لا تتّبع الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله إِنَّ الّذينَ يضلّون عَنْ سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحساب ) ص: ٢٦، فبيّن أنّ الضلال باتّباع الهوى - و كلّ شرك ضلال - إنّما هو بنسيان يوم الحساب، ثمّ قال:( أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتّخذ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ الله عَلى‏ عِلْمٍ ) الجاثية: ٢٣، فبيّن أنّ اتّباع الهوى عبادة له و شرك به.

فتبيّن بذلك كلّه أنّ التوحيد العمليّ أن يعمل الإنسان ابتغاء مثوبة الله و هو على ذكر من يوم الحساب الّذي فيه ظهور المثوبات و العقوبات، و أنّ الشرك في العمل أن ينسى اليوم الآخر - و لو آمن به لم ينسه - و أن يعمل عمله لا لطلب مثوبة بل لما يزيّنه له هواه من التعلّق بالمال أو حمد الناس و نحو ذلك، فقد أشخص هذا الإنسان هواه تجاه ربّه، و أشرك به.

فالمراد بعبادة الله و الإخلاص له فيها أن يكون طلباً لمرضاته، و ابتغاءً لمثوبته لا لاتّباع الهوى.

قوله تعالى: ( وَ بِالْوالِدَيْنِ إحساناً - إلى قوله -أَيْمانُكُمْ ) الظاهر أنّ قوله: إحساناً مفعول مطلق لفعل مقدّر، تقديره: و أحسنوا بالوالدين إحساناً، و الإحسان يتعدّى بالباء و إلى معاً يقال: أحسنت به و أحسنت إليه، و قوله:( وَ بِذِي الْقُرْبى) ، هو و ما بعده معطوف على الوالدين، و ذو القربى القرابة، و قوله:( وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ الْجارِ الْجُنُبِ ) قرينة المقابلة في الوصف تعطي أن يكون المراد بالجار ذي القربى الجار القريب داراً، و بالجار الجنب - و هو الأجنبيّ - الجار البعيد داراً، و قد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تحديد الجوار بأربعين ذراعاً، و في رواية: أربعون داراً، و لعلّ الروايتين ناظرتان إلى الجار ذي القربى و الجار الجنب.

و قوله: و الصاحب بالجنب هو الّذي يصاحبك ملازماً لجنبك، و هو بمفهومه يعمّ مصاحب السفر من رفقة الطريق و مصاحب الحضر و المنزل و غيرهم، و قوله: و ابن السبيل هو الّذي لا يعرف من حاله إلّا أنّه سألك سبيل كأنّه ليس له من ينتسب إليه إلّا السبيل فهو ابنه، و أمّا كونه فقيراً ذا مسكنة عادماً لزاد أو راحلة فكأنّه خارج من مفهوم

٣٧٨

اللّفظ، و قوله: و ما ملكت أيمانكم المراد به العبيد و الإماء بقرينة عدّه في عداد من يحسن إليهم، و قد كثر التعبير عنهم بما ملكته الأيمان دون من ملكته.

قوله تعالى: ( إِنَّ الله لا يُحبّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً ) المختال التائه المتبختر المسخّر لخياله، و منه الخيل للفرس لأنّه يتبختر في مشيته، و الفخور كثير الفخر، و الوصفان أعني الاختيال و كثرة الفخر من لوازم التعلّق بالمال و الجاه، و الإفراط في حبّهما، و لذلك لم يكن الله ليحبّ المختال الفخور لتعلّق قلبه بغيره تعالى، و ما ذكره تعالى في تفسيره بقوله:( الّذينَ يَبْخَلُونَ ) إلخ و قوله:( وَ الّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ ) إلخ يبيّن كون الطائفتين معروضتين للخيلاء و الفخر: فالطائفة الاُولى متعلّقة القلب بالمال، و الثانية بالجاه و إن كان بين الجاه و المال تلازم في الجملة.

و كان من طبع الكلام أن يشتغل بذكر أعمالهما من البخل و الكتمان و غيرهما لكن بدأ بالوصفين ليدلّ على السبب في عدم الحبّ كما لا يخفى.

قوله تعالى: ( الّذينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) الآية أمرهم الناس بالبخل إنّما هو بسيرتهم الفاسدة و عملهم به سواء أمروا به لفظاً أو سكتوا فإنّ هذه الطائفة لكونهم اُولي ثروة و مال يتقرّب إليهم الناس و يخضعون لهم لما في طباع الناس من الطمع ففعلهم آمر و زاجر كقولهم، و أمّا كتمانهم ما آتاهم الله من فضله فهو تظاهرهم بظاهر الفاقد المعدم للمال لتأذّيهم من سؤال الناس ما في أيديهم، و خوفهم على أنفسهم لو منعوا و خشيتهم من توجّه النفوس إلى أموالهم، و المراد بالكافرين الساترون لنعمة الله الّتي أنعم بها، و منه الكافر المعروف لستره على الحقّ بإنكاره.

قوله تعالى: ( وَ الّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ ) ، إلخ أي لمراءآتهم، و في الآية دلالة على أنّ الرئاء في الإنفاق - أو هو مطلقاً - شرك بالله كاشف عن عدم الإيمان به لاعتماد المرائي على نفوس الناس و استحسانهم فعله، و شرك من جهة العمل لأنّ المرائي لا يريد بعمله ثواب الآخرة، و إنّما يريد ما يرجوه من نتائج إنفاقه في الدنيا، و على أنّ المرائي قرين الشيطان و ساء قريناً.

قوله تعالى: ( وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا ) الآية، استفهام للتأسّف أو التعجّب،

٣٧٩

و في الآية دلالة على أنّ الاستنكاف عن الإنفاق في سبيل الله ناش من فقدان التلبّس بالإيمان بالله و باليوم الآخر حقيقة و إن تلبّس به ظاهراً.

و قوله:( وَ كانَ الله بِهِمْ عَلِيماً ) تمهيد لما في الآية التالية من البيان، و الأمسّ لهذه الجملة بحسب المعنى أن تكون حالاً.

قوله تعالى: ( إِنَّ الله لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) الآية. المثقال هو الزنة، و الذرّة هو الصغير من النمل الأحمر، أو هو الواحد من الهباء المبثوث في الهواء الّذي لا يكاد يرى صغراً. و قوله:( مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) نائب مناب المفعول المطلق أي لا يظلم ظلماً يعدل مثقال ذرّة وزناً.

و قوله:( وَ إِنْ تَكُ حسنةً ) ، قرئ برفع حسنة و بنصبها فعلى تقدير الرفع كان تامّة، و على تقدير النصب تقديره: و إن تكن المثقال المذكور حسنة يضاعفها، و تأنيث الضمير في قوله: إِنْ تَكُ إمّا من جهة تأنيث الخبر أو لكسب المثقال التأنيث بالإضافة إلى ذرّة.

و السياق يفيد أن تكون الآية بمنزلة التعليل للاستفهام السابق، و التقدير: و من الأسف عليهم أن لم يؤمنوا و لم ينفقوا فإنّهم لو آمنوا و أنفقوا و الله عليم بهم لم يكن الله ليظلمهم في مثقال ذرّة أنفقوها بالإهمال و ترك الجزاء، و إن تك حسنة يضاعفها. و الله أعلم.

قوله تعالى: ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كلّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) الآية. قد تقدّم بعض الكلام في معنى الشهادة على الأعمال في تفسير قوله تعالى:( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) البقرة: ١٤٣، من الجزء الأوّل من هذا الكتاب، و سيجي‏ء بعض آخر في محلّه المناسب له.

قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الّذينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ ) الآية. نسبة المعصية إلى الرسول يشهد أنّ المراد بها معصية أوامرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصادرة عن مقام ولايته لا معصية الله تعالى في أحكام الشريعة، و قوله:( لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ) كناية عن الموت بمعنى بطلان الوجود نظير قوله تعالى:( يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ) النبأ: ٤٠.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458