الميزان في تفسير القرآن الجزء ٤

الميزان في تفسير القرآن17%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134570 / تحميل: 6224
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

٦٣ - سهل بن قيس بن أبي كعب.

٦٤ - ذكوان بن عبد قيس.

٦٥ - عبيد بن المعلّى.

٦٦ - مالك بن تميلة.

٦٧ - حارث بن عديّ بن خرشة.

٦٨ - مالك بن إياس.

٦٩ - إياس بن عديّ.

٧٠ - عمرو بن إياس.

فهؤلاء سبعون رجلاً على ما ذكره ابن هشام في سيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .‏

٨١

( سورة آل عمران الآيات ١٧٦ - ١٨٠)

وَلاَ يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنّهُمْ لَن يَضُرّوا اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( ١٧٦) إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرّوا اللّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ١٧٧) وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ( ١٧٨) مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى‏ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى‏ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ( ١٧٩) وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ سَيُطَوّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللّهِ‏ِ مِيرَاثُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ( ١٨٠)

( بيان)

الآيات مرتبطة بما تقدّم من الآيات النازلة في غزوة اُحد فكأنّها و خاصّة الآيات الأربع الاُول منها تتمّة لها لأنّ أهمّ ما تتعرّض لها تلك الآيات قضيّة الابتلاء و الامتحان الإلهيّ لعباده، و على ذلك فهذه الآيات بمنزلة الفذلكة لآيات اُحد يبيّن الله سبحانه فيها أنّ سنّة الابتلاء و الامتحان سنّة جارية لا مناص عنها في كافر و لا مؤمن، فالله سبحانه مبتليهما ليخرج ما في باطن كلّ منهما إلى ساحة الظهور فيتمحّض الكافر للنار و يتميّز الخبيث من الطيّب في المؤمن.

قوله تعالى: ( وَ لا يَحْزُنْكَ الّذينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ) إلى آخر الآية تسلية و رفع للحزن ببيان حقيقة الأمر فإنّ مسارعتهم في الكفر و تظاهرهم على إطفاء نور الله

٨٢

و غلبتهم الظاهرة أحياناً ربّما أوجبت أن يحزن المؤمن كأنّهم غلبوا الله سبحانه في إرادة إعلاء كلمة الحقّ لكنّه إذا تدبّر في قضيّة الامتحان العامّ استيقن أنّ الله هو الغالب و أنّهم جميعاً واقعون في سبيل الغايات يوجّهون إليها ليتمّ لهم الهداية التكوينيّة و التشريعيّة إلى غايات أمرهم فالكافر يوجّه به بواسطة إشباعه بالعافية و النعمة و القدرة - و هو الاستدراج و المكر الإلهيّ - إلى آخر ما يمكنه أن يركبه من الطغيان و المعصية، و المؤمن لا يزال يحكّ به محكّ الامتحان ليخلص ما في باطنه من الإيمان المشوب بغيره، فيخلص لله أو يخلص شركه فيهبط في مهبط غيره من أولياء الطاغوت و أئمّة الكفر.

فمعنى الآية: لا يحزنك الّذين يسرعون و لا يزال يشتدّ سرعتهم في الكفر فإنّك إن تحزن فإنّما تحزن لما تظنّ أنّهم يضرّون الله بذلك و ليس كذلك فهم لا يضرّون الله شيئاً لأنّهم مسخّرون لله يسلك بهم في سير حياتهم إلى حيث لا يبقى لهم حظّ في الآخرة (و هو آخر حدّهم في الكفر) و لهم عذاب أليم فقوله: لا يَحْزُنْكَ، أمر إرشاديّ، و قوله: إِنَّهُمْ إلخ تعليل للنهي، و قوله: يُرِيدُ الله إلخ تعليل و بيان لعدم ضررهم.

ثمّ ذكر تعالى نفي ضرر جميع الكافرين بالنسبة إليه أعمّ من المسارعين في الكفر و غيرهم، و هو كالبيان الكلّيّ بعد البيان الجزئيّ يصحّ أن يعلّل به النهي (لا يحزنك) و أن يعلّل به علّته (أنّهم لن يضرّوا إلخ) لأنّه أعمّ يعلّل به الأخصّ، و المعنى: و إنّما قلنا إنّ هؤلاء المسارعين لا يضرّون الله شيئاً لأنّ الكافرين جميعاً لا يضرّونه شيئاً.

قوله تعالى: ( وَ لا يَحسبنَّ الّذينَ كَفَرُوا ) ، لمّا طيّب نفس نبيّه في مسارعة الكفّار في كفرهم أنّ ذلك في الحقيقة تسخير إلهيّ لهم لينساقوا إلى حيث لا يبقى لهم حظّ في الآخرة عطف الكلام إلى الكفّار أنفسهم، فبيّن أنّه لا ينبغي لهم أن يفرحوا بما يجدونه من الإملاء و الإمهال الإلهيّ فإنّ ذلك سوق لهم بالاستدراج إلى زيادة الإثم، و وراء ذلك عذاب مهيمن ليس معه إلّا الهوان، كلّ ذلك بمقتضى سنّة التكميل.

قوله تعالى: ( ما كانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ ) إلخ ثمّ عطف الكلام إلى المؤمنين فبيّن

٨٣

أنّ سنّة الابتلاء جارية فيهم ليتمّ تكميلهم أيضاً فيخلص المؤمن الخالص من غيره، و يتميّز الخبيث من الطيّب.

و لمّا أمكن أن يتوهّم أنّ هناك طريقاً آخر إلى تمييز الخبيث من الطيّب و هو أن يطلعهم على الخبثاء حتّى يتميّزوا منهم فلا يقاسوا جميع هذه المحن و البلايا الّتي يقاسونها بسبب اختلاط المنافقين و الّذين في قلوبهم مرض بهم فدفع هذا الوهم بأنّ علم الغيب ممّا استأثر الله به نفسه فلا يطلع عليه أحداً إلّا من اجتبى من رسله فإنّه ربّما أطلعه عليه بالوحي، و ذلك قوله تعالى:( وَ ما كانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ الله يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ ) .

ثمّ ذكر أنّه لمّا لم يكن من الابتلاء و التكميل محيد فآمنوا بالله و رسله حتّى تنسلكوا في سلك الطيّبين دون الخبثاء، غير أنّ الإيمان وحده لا يكفي في بقاء طيب الحياة حتّى يتمّ الأجر إلّا بعمل صالح يرفع الإيمان إلى الله و يحفظ طيبه، و لذلك قال أوّلاً: فَآمِنُوا بِالله وَ رُسُلِهِ ثمّ تمّمه ثانياً بقوله: وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ.

و قد ظهر من الآية أوّلاً: أنّ قضية تكميل النفوس و إيصالها إلى غايتها و مقصدها من السعادة و الشقاء ممّا لا محيص عنه.

و ثانياً: أنّ الطيب و الخباثة في عين أنّهما منسوبان إلى ذوات الأشخاصّ يدوران مدار الإيمان و الكفر اللّذين هما أمران اختياريّان لهم، و هذا من لطائف الحقائق القرآنيّة الّتي ينشعب منها كثير من أسرار التوحيد، و يدلّ عليها قوله تعالى:( لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ‏ ) البقرة: ١٤٨، إذا انضمّ إلى قوله:( وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) المائدة: ٤٨، و سيجي‏ء إشباع الكلام فيها في قوله تعالى:( لِيَمِيزَ الله الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى‏ بَعْضٍ ) الآية الأنفال: ٣٧.

و ثالثاً: أنّ الإيمان بالله و رسله مادّة لطيب الحياة و هو طيب الذات، و أمّا الأجر فيتوقّف على التقوى و العمل الصالح، و لذلك ذكر تعالى أوّلاً حديث الميز بين

٨٤

الطيّب و الخبيث ثمّ فرّع عليه قوله:( فَآمِنُوا بِالله وَ رُسُلِهِ ) ، ثمّ لمّا أراد ذكر الأجر أضاف التقوى إلى الإيمان فقال:( وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .

و بذلك يتبيّن في قوله تعالى:( مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحسن ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل: ٩٧، أنّ الإحياء المذكور ثمرة الإيمان متفرّع عليه، و الجزاء بالأجر متفرّع على العمل الصالح فالإيمان روح الحياة الطيّبة، و أمّا بقاؤها حتّى يترتّب عليها آثارها فيحتاج إلى العمل الصالح كالحياة الطبيعيّة الّتي تحتاج في تكوّنها و تحقّقها إلى روح حيوانيّ، و بقاؤها يحتاج إلى استعمال القوى و الأعضاء، و لو سكنت الجميع بطلت و أبطلت الحياة.

و قد كرّر لفظ الجلالة مرّات في الآية، و الثلاثة الأواخر من وضع الظاهر موضع المضمر و ليس إلّا للدلالة على مصدر الجلال و الجمال في اُمور لا يتّصف بها إلّا هو باُلوهيّته و هو الامتحان، و الإطلاع على الغيب، و اجتباء الرسل، و أهليّة الإيمان به.

قوله تعالى: ( وَ لا يَحسبنَّ الّذينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ ) الآية، لمّا بيّن حال إملاء الكافرين و كان الحال في البخل بالمال و عدم إنفاقه في سبيل الله مثله، فإنّ البخيل فرح فخور بما يجمعه من المال عطف تعالى الكلام إليهم و بيّن أنّه شرّ لهم، و في التعبير عن المال بقوله: بِما آتاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إشعار بوجه لومهم و ذمّهم، و قوله: سَيُطَوَّقُونَ إلخ في مقام التعليل لكون البخل شرّاً لهم، و قوله: وَ لله مِيراثُ السَّماواتِ، الظاهر أنّه حال من يوم القيامة، و كذا قوله: وَ الله بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

و يحتمل على بعد أن يكون قوله: وَ لله مِيراثُ حالاً من فاعل قوله يبخلون، و قوله: وَ الله بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ حالاً منه أيضاً أو جملة مستأنفة.

٨٥

( بحث روائي‏)

في تفسير العيّاشيّ، عن الباقرعليه‌السلام أنّه سئل عن الكافر الموت خير له أم الحياة؟ فقال: الموت خير للمؤمن و الكافر لأنّ الله يقول:( وَ ما عِنْدَ الله خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ) ، و يقول:( لا يَحسبنَّ الّذينَ كَفَرُوا إنّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ) ، الآية.

أقول: الاستدلال المذكور في الرواية لا يوافق مذاق أئمّة أهل البيت كلّ الموافقة فإنّ الأبرار طائفة خاصّة من المؤمنين لا جميعهم إلّا أن يقال: إنّ المراد بالأبرار جميع المؤمنين بما في كلّ منهم من شي‏ء من البرّ، و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور عن ابن مسعود.

٨٦

( سورة آل عمران الآيات ١٨١ - ١٨٩)

لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ( ١٨١) ذلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ( ١٨٢) الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى‏ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِن قَبْلِي بِالْبَيّنَاتِ وَبِالّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( ١٨٣) فَإِن كَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ( ١٨٤) كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنّمَا تُوَفّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عِنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ الْغُرُورِ( ١٨٥) لَتُبْلَوُنّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذَىً كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ( ١٨٦) وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ( ١٨٧) لاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنّهُم بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ١٨٨) وَللّهِ‏ِ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللّهُ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ( ١٨٩)

( بيان)

الآيات مرتبط بما قبلها، فقد كانت عامّة الآيات السابقة في استنهاض الناس و ترغيبهم على الجهاد في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم، و تحذيرهم عن الوهن و الفشل و البخل فيرتبط بها قول اليهود: إنّ الله فقير و نحن أغنياء، و تقليبهم الأمر على المسلمين، و تكذيبهم آيات الرسالة، و كتمانهم ما أخذ منهم الميثاق لبيانه، و هذه هي الّتي تتعرّض

٨٧

الآيات لبيانها مع ما فيها من تقوية قلوب المؤمنين على الاستقامة و الصبر و الثبات، و التحريض على الإنفاق في سبيل الله.

قوله تعالى: ( لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّذينَ قالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ ) القائلون هم اليهود بقرينة ما في ذيل الكلام من حديث قتلهم الأنبياء و غير ذلك.

و إنّما قالوا ذلك لمّا سمعوا أمثال قوله تعالى:( مَنْ ذَا الّذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حسناً ) الآية البقرة: ٢٤٥ و يشهد بذلك بعض الشهادة اتّصاله بالآية السابقة:( وَ لا يَحسبنَّ الّذينَ يَبْخَلُونَ ) ، الآية.

أو أنّهم قالوا ذلك لمّا رأوا فقر عامّة المؤمنين و فاقتهم، فقالوا ذلك تعريضاً بأنّ ربّهم لو كان غنيّاً لغار لهم و أغناهم فليس إلّا فقيراً و نحن أغنياء.

قوله تعالى: ( سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حقّ ) الآية، المراد بالكتابة الحفظ و التثبيت أو الكتابة في صحائف أعمالهم، و المآل واحد، و المراد بقتل الأنبياء بغير حقّ القتل على العرفان و العمد دون السهو و الخطأ و الجهالة، و قد قارن الله قولهم هذا بقتلهم الأنبياء لكونه قولاً عظيماً، و قوله: عَذابَ الْحَرِيقِ، الحريق النار أو اللّهب و قيل: هو بمعنى المحرق.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) الآية، أي بما قدّمتم أمامكم من العمل و نسب إلى الأيدي لأنّها آلة التقديم غالباً، و قوله:( وَ أَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) عطف على قوله: بِما قَدَّمَتْ، و تعليل للكتابة و العذاب، فلو لم يكن ذلك الحفظ و الجزاء لكان إهمالاً لأمر نظام الأعمال و في ذلك ظلم كثير بكثرة الأعمال فيكون ظلّاماً لعباده تعالى عن ذلك.

قوله تعالى: ( الّذينَ قالُوا إِنَّ الله عَهِدَ إِلَيْنا ) الآية، نعت للّذين قبله و العهد هو الأمر، و القربان ما يتقرّب به من النعم و غيره، و أكل النار كناية عن إحراقها، و المراد بقوله:( قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي ) ، أمثال زكريّا و يحيى من أنبياء بني إسرائيل المقتولين بأيديهم.

قوله تعالى: ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ ) الآية، تسلية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تكذيبهم له،

٨٨

و الزبر جمع زبور و هو كتاب الحكم و المواعظ، و قد اُريد بالزبر و الكتاب المنير مثل كتاب نوح و صحف إبراهيم و التوراة و الإنجيل.

قوله تعالى: ( كلّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) ، الآية تتضمّن الوعد للمصدّق و الوعيد للمكذّب و قد بدأ فيها بالحكم العامّ المقضيّ في حقّ كلّ ذي نفس، و التوفية هو الإعطاء الكامل، و قد استدلّ بعضهم بالآية على ثبوت البرزخ لدلالتها على سبق بعض الإعطاء و أنّ الّذي في يوم القيامة هو الإعطاء الكامل، و هو استدلال حسن، و الزحزحة هو الإبعاد، و أصله تكرار الجذب بعجلة، و الفوز الظفر بالبغية، و الغرور مصدر غرّ أو هو جمع غارّ.

قوله تعالى: ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ) الآية، الإبلاء الاختبار، بعد ما ذكر سبحانه جريان البلاء و الإبلاء على المؤمنين، ثمّ ذكر قول اليهود و هو ممّا من شأنه أن يوهن عزم المؤمنين أخبرهم بأنّ هذا الإبلاء الإلهيّ و الأقاويل المؤذية من أهل الكتاب و المشركين ستتكرّر على المؤمنين، و يكثر استقبالها إيّاهم و قرعها سمعهم فعليهم أن يصبروا و يتّقوا حتّى يعصمهم ربّهم من الزلل و الفشل، و يكونوا أرباب عزم و إرادة، و هذا إخبار قبل الوقوع ليستعدّوا لذلك استعدادهم، و يوطّنوا عليه أنفسهم.

و قد وضع في قوله:( وَ لَتَسْمَعُنَّ - إلى قوله -أَذىً كَثِيراً ) ، الأذى الكثير موضع القول و هو من قبيل وضع الأثر موضع المؤثّر مجازاً.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ أَخَذَ الله مِيثاقَ ) ، النبذ الطرح، و نبذه وراء ظهره كالمثل يراد به الترك و عدم الاعتناء كما أنّ قولهم: جعله نصب عينيه كالمثل يراد به الأخذ و اللّزوم.

قوله تعالى: ( لا تَحسبنَّ الّذينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا ) إلى آخر الآيتين، أي بما أنعم عليهم من المال و لازمه حبّ المال و البخل به، و المفازة النجاة و إنّما هلك هؤلاء لأنّ قلوبهم تعلّقت بالباطل فلا ولاية للحقّ عليهم.

ثمّ ذكر تعالى حديث ملكه للسماوات و الأرض، و قدرته على كلّ شي‏ء، و هذان الوصفان يصلحان لتعليل مضامين جميع ما تقدّم من الآيات.

٨٩

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن قتادة في قوله: لَقَدْ سَمِعَ الله الآية، قال: ذكر لنا أنّها نزلت في حييّ بن أخطب لمّا نزل:( مَنْ ذَا الّذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حسناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً ) ، قال: يستقرضنا ربّنا إنّما يستقرض الفقير الغنيّ.

و في تفسير العيّاشيّ في الآية عن الصادقعليه‌السلام قال: و الله ما رأوا الله حتّى يعلموا أنّه فقير، و لكنّهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا: لو كان غنيّاً لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى.

و في المناقب، عن الباقرعليه‌السلام : هم الّذين يزعمون أنّ الإمام يحتاج إلى ما يحملونه إليه.

أقول: أمّا الروايتان الأوليان فقد تقدّم انطباق مضمونهما على الآية، و أمّا الثالثة فهي من الجري.

و في الكافي، عن الصادقعليه‌السلام قال: كان بين القائلين و القاتلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم بما فعلوا.

أقول: ما ذكر من السنين لا يوافق التاريخ الميلاديّ الموجود فارجع إلى ما تقدّم من البحث التاريخيّ.

و في الدرّ المنثور في قوله تعالى:( كلّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) الآية، أخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب قال: لمّا توفّي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و جاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسّه و لا يرون شخصه فقال: السلام عليكم يا أهل البيت و رحمة الله و بركاته كلّ نفس ذائقة الموت و إنّما توفّون اُجوركم يوم القيامة إنّ في الله عزاءً من كلّ مصيبة و خلفاً من كلّ هالك، و دركاً من كلّ ما فات فبالله فثقوا، و إيّاه فارجوا فإنّ المصاب من حرم الثواب، فقال عليّ: هذا الخضر.

٩٠

و فيه أخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لموضع سوط أحدكم في الجنّة خير من الدنيا و ما فيها ثمّ تلا هذه الآية:( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجنّة فَقَدْ فازَ ) .

أقول: و رواه فيه ببعض طرق اُخر عن غيره، و اعلم أنّ هنا روايات كثيرة في أسباب نزول هذه الآيات تركنا إيرادها لظهور كونها من التطبيق النظريّ.

٩١

( سورة آل عمران الآيات ١٩٠ - ١٩٩)

إِنّ فِي خَلْقِ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيْلِ وَالنّهَارِ لآيَاتٍ لَأُوْلِي الْأَلْبَابِ( ١٩٠) الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى‏ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ( ١٩١) رَبّنَا إِنّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلْظّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ( ١٩٢) رَبّنَا إِنّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنّا سَيّآتِنَا وَتَوَفّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ( ١٩٣) رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتّنَا عَلَى‏ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( ١٩٤) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏ بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ فَالّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفّرَنّ عَنْهُم سَيّآتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثّوَابِ( ١٩٥) لَا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاَدِ( ١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ( ١٩٧) لكِنِ الّذِينَ اتّقَوْا رَبّهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ( ١٩٨) وَإِنّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للّهِ‏ِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ( ١٩٩)

( بيان)

الآيات بمنزلة تلخيص ما تقدّم من بيان حال المؤمنين و المشركين و أهل الكتاب في هذه السورة، بيان أنّ حال أبرار المؤمنين هو ذكر الله سبحانه، و التفكّر

٩٢

في آياته و الاستجارة بالله من عذاب النار، و سؤال المغفرة و الجنّة، و أنّ الله استجاب لهم و سيرزقهم ما سألوه - هذه عامّة حالهم - و أنّ الّذين كفروا حالهم أنّهم يتقلّبون في متاع قليل ثمّ لهم مهاد النار فلا يقاس حال المؤمنين بحالهم، و قد استثنى منهم المتّبعين للحقّ من أهل الكتاب فهم مع المؤمنين.

قوله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) ، كأنّ المراد بالخلق كيفيّة وجودها و آثارها و أفعالها من حركة و سكون و تغيّر و تحوّل فيكون خلق السموات و الأرض و اختلاف اللّيل و النهار مشتملاً على معظم الآيات المحسّوسة و قد تقدّم بيانها في سورة البقرة(١) . و تقدّم أيضاً معنى اُولي الألباب(٢) .

قوله تعالى: ( الّذينَ يَذْكُرُونَ الله قِياماً وَ قُعُوداً ) إلخ أي يذكرون الله في جميع حالاتهم من القيام و القعود و الاضطجاع، و قد مرّ البحث في معنى الذكر و التفكّر، و محصّل معنى الآيتين أنّ النظر في آيات السماوات و الأرض و اختلاف اللّيل و النهار أورثهم ذكراً دائماً لله فلا ينسونه في حال، و تفكّراً في خلق السموات و الأرض يتذكّرون به أنّ الله سيبعثهم للجزاء فيسألون عندئذ رحمته و يستنجزون وعده.

قوله تعالى: ( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا ) ، إنّما قيل( هذا ) مع كون المشار إليه جمعاً و مؤنّثاً إذ الغرض لا يتعلّق بتمييز أشخاصّها و أسمائها، و الجميع في أنّها خلق واحد، و هذا نظير ما حكى الله تعالى من قول إبراهيم:( فلمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ ) الأنعام: ٧٨، لعدم علمه بعد بحقيقتها و اسمها سوى أنّها شي‏ء.

و الباطل ما ليس له غاية يتعلّق به الغرض قال تعالى:( فأمّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أمّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) الرعد: ١٧ و لذلك لمّا نفوا البطلان عن‏ الخلق لاح لهم أنّ الله سيحشر الناس للجزاء، و أنّه تعالى سيجزي هناك الظالمين جزاء خزي و هو النار، و لا رادّ يردّ مصلحة العقاب و إلّا لبطل الخلقة، و هذا معنى قولهم: فقنا عذاب النار ربّنا إنّك من تدخل النار فقد أخزيته و ما للظالمين من أنصار.

____________________

(١) تفسير آية: ١٦ من سورة البقرة

(٢) في تفسير الآية السابعة من هذه السورة.

٩٣

قوله تعالى: ( رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً ) ، المراد بالمنادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قوله: أَنْ آمِنُوا. بيان للنداء و أن تفسيريّة، و لمّا ذكروا إيمانهم بالمنادي و هو الرسول و هو يخبرهم باُمور عن الله تعالى يحذّرهم من بعضها كالذنوب و السيّئات و الموت على الكفر و الذنب، و يرغّبهم في بعضها كالمغفرة و الرحمة و تفاصيل الجنّة الّتي وعدالله عباده المؤمنين الأبرار بها سألوا ربّهم أن يغفر لهم و يكفّر عن سيّئاتهم و يتوفّاهم مع الأبرار و سألوه أن ينجزهم ما وعدهم من الجنّة و الرحمة على ما ضمنه لهم الرسل بإذن الله فقالوا:( فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ) إلخ فقوله تعالى:( عَلى‏ رُسُلِكَ ) أي حمّلته على رسلك و ضمنه عليك الرسل، و قوله:( وَ لا تُخْزِنا ) ، أي بإخلاف الوعد، و لذا عقّبه بقوله:( إِنَّكَ لا تخلّف الْمِيعادَ ) .

و قد تبيّن من الآيات أنّهم إنّما حصّلوا الاعتقاد بالله و اليوم الآخر و بأنّ لله رسلاً بالنظر في الآيات و أمّا تفاصيل ما جاء به النبيّ فمن طريق الإيمان بالرسول فهم على الفطرة فيما يحكم به الفطرة، و على السمع و الطاعة فيما فيه ذلك.

قوله تعالى: ( فَاسْتَجابَ لَهُمْ ربّهم ) إلخ التعبير بالربّ و إضافته إليهم يدلّ على ثوران الرحمة الإلهيّة و يدلّ عليه أيضاً التعميم الّذي في قوله:( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ ) ، فلا فرق عنده تعالى بين عمل و عمل، و لا بين عامل و عامل.

و على هذا فقوله تعالى في مقام التفريع:( فَالّذينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا ) إلخ في مقام تفصيل صالحات الأعمال لتثبيت ثوابها، و الواو للتفصيل دون الجمع حتّى يكون لبيان ثواب المستشهدين من المهاجرين فقط.

و الآية مع ذلك لا تفصّل إلّا الأعمال الّتي تندب إليها هذه السورة و تبالغ في التحريض و الترغيب فيها، و هو إيثار الدين على الوطن و تحمّل الأذى في سبيل الله و الجهاد.

و الظاهر أنّ المراد بالمهاجرة ما يشمل المهاجرة عن الشرك و العشيرة و الوطن لإطلاق اللّفظ، و لمقابلته قوله:( وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ) ، و هو هجرة خاصّة، و لقوله بعده:( لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ ) ، فإنّ ظاهر السيّئات في القرآن صغائر المعاصي فهم هاجروا الكبائر بالاجتناب و التوبة، فالمهاجرة المذكورة أعمّ فافهم ذلك.

قوله تعالى: ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ) إلخ، هذا بمنزلة دفع الدخل و التقدير: هذا

٩٤

حال أبرار المؤمنين و هذا أجرهم، و أمّا ما ترى فيه الكفّار من رفاه الحال و ترف الحياة و درّ المعاش فلا يغرّنّك ذلك (الخطاب للنبيّ و المقصود به الناس) لأنّه متاع قليل لا دوام له.

قوله تعالى: ( لكِنِ الّذينَ اتّقوا ربّهم ) إلخ، النزل ما يعدّ للنازل من طعام و شراب و غيرهما، و المراد بهم الأبرار بدليل ما في آخر الآية، و هذا يؤيّد ما ذكرناه من أنّ الآية السابقة دفع دخل.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) إلخ، المراد أنّهم مشاركون للمؤمنين في حسن الثواب، و الغرض منه أنّ السعادة الاُخرويّة ليست جنسيّة حتّى يمنع منها أهل الكتاب و إن آمنوا بل الأمر دائر مدار الإيمان بالله و برسله فلو آمنوا كانوا هم و المؤمنون سواءً.

و قد نفي عن هؤلاء الممدوحين من أهل الكتاب ما ذمّهم الله به في سوابق الآيات و هو التفريق بين رسل الله، و كتمان ما اُخذ ميثاقهم لبيانه اشتراءً بآيات الله ثمناً قليلاً.

( بحث فلسفي و مقايسة)

المشاهدة و التجربة تقضيان أنّ الرجل و المرأة فردان من نوع جوهريّ واحد، و هو الإنسان فإنّ جميع الآثار المشهودة في صنف الرجل مشهودة في صنف المرأة من غير فرق، و بروز آثار النوع يوجب تحقّق موضوعه بلا شكّ، نعم يختلف الصنف بشدّة و ضعف في بعض الآثار المشتركة و هو لا يوجب بطلان وجود النوعيّة في الفرد، و بذلك يظهر أنّ الاستكمالات النوعيّة الميسورة لأحد الصنفين ميسورة في الآخر، و منها الاستكمالات المعنويّة الحاصلة بالإيمان و الطاعات و القربات، و بذلك يظهر عليك أنّ أحسن كلمة و أجمعها في إفادة هذا المعنى قوله سبحانه:( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) .

و إذا قايست ذلك إلى ما ورد في التوراة بان لك الفرق بين موقعي الكتابين ففي سفر الجامعة من التوراة:( درت أنا و قلبي لأعلم و لأبحث و لأطلب حكمة و عقلاً، و لأعرف الشرّ أنّه جهالة، و الحماقة أنّها جنون، فوجدت أمرّ من الموت المرأة الّتي

٩٥

هي شباك، و قلبها أشراك، و يداها قيود، إلى أن قال: رجلاً واحداً بين ألف وجدت أمّا امرأة فبين كلّ اُولئك لم أجد) و قد كانت أكثر الاُمم القديمة لا ترى قبول عملها عندالله سبحانه، و كانت تسمّى في اليونان رجساً من عمل الشيطان، و كانت ترى الروم و بعض اليونان أن ليس لها نفس مع كون الرجل ذا نفس مجرّدة إنسانيّة، و قرّر مجمع فرنسا سنة ٥٨٦ م بعد البحث الكثير في أمرها أنّها إنسان لكنّها مخلوقة لخدمة الرجل، و كانت في إنجلترا قبل مائة سنة تقريباً لا تعدّ جزء المجتمع الإنسانيّ، فارجع في ذلك إلى كتب الآراء و العقائد و آداب الملل تجد فيها عجائب من آرائهم.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج أبونعيم في الحلية عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تفكّروا في خلق الله و لا تفكّروا في الله.

أقول: و روي هذا المعنى أيضاً بطرق اُخرى عن عدّة من الصحابة كعبدالله بن سلام و ابن عمر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الرواية مرويّة من طرق الشيعة أيضاً و المراد بالتفكّر في الله أو في ذات الله على اختلاف الروايات التفكّر في كنهه و قد قال تعالى:( وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) طه: ١١٠، و أمّا صفاته تعالى فالقرآن أعدل شاهد على أنّه تعالى يعرف بها، و قد ندب إلى معرفته بها في آيات كثيرة.

و فيه، أخرج أبوالشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فكرة ساعة خير من عبادة ستّين سنة.

أقول: و في بعض الروايات: من عبادة ليلة، و في بعضها: من عبادة سنة، و هو مرويّ من طرق الشيعة أيضاً.

و قد ورد من طرق أهل السنّة: أنّ قوله تعالى:( فَاسْتَجابَ لَهُمْ ربّهم ) ، الآية نزلت في اُمّ سلمة لمّا قالت للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشي‏ء فأنزل الله:( فَاسْتَجابَ لَهُمْ ) ، الآية.

و ورد من طرق الشيعة: أنّ قوله:( فَالّذينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا ) الآية، نزلت في

٩٦

عليّعليه‌السلام لمّا هاجر و معه الفواطم: فاطمة بنت أسد، و فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و فاطمة بنت الزبير، ثمّ لحق بهم في ضجنان اُمّ أيمن و نفر من ضعفاء المؤمنين فساروا و هم يذكرون الله في جميع أحوالهم حتّى لحقوا بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد نزلت الآيات.

و ورد من طرق أهل السنّة أنّها نزلت في المهاجرين‏، وورد أيضاً أنّ قوله:( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ) الآيات، نزل حين تمنّى بعض المؤمنين ما عليه الكفّار من حسن الحال‏ وورد أيضاً أنّ قوله:( وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) الآية، نزل في النجاشيّ و نفر من أصحابه لمّا مات هو فصلّى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو في المدينة فطعن فيه بعض المنافقين أنّه يصلّي على من ليس في دينه فأنزل الله:( وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) ، الآية.

فهذه جميعاً روايات تطبق الآيات على القصص، و ليست بأسباب للنزول حقيقة.

٩٧

( سورة آل عمران آية ٢٠٠)

يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٢٠٠)

( بيان)

الآية بمنزلة الفذلكة لتفصيل البيان الوارد في السورة، و فيه تخلّص منه بأخذ النتيجة و إعطائها.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا ) إلخ، الأوامر مطلقة فالصبر يراد به الصبر على الشدائد، و الصبر في طاعة الله، و الصبر عن معصيته، و على أيّ حال هو الصبر من الفرد بقرينة ما يقابله.

و المصابرة هي التصبّر و تحمّل الأذى جماعة باعتماد صبر البعض على صبر آخرين فيتقوّى الحال و يشتدّ الوصف و يتضاعف تأثيره، و هذا أمر محسوس في تأثير الفرد إذا اعتبرت شخصيّته في حال الانفراد، و في حال الاجتماع و التعاون باتّصال القوى بعضها ببعض و سنبحث فيه إن شاء الله بحثاً مستوفى في محلّه.

قوله تعالى: ( وَ رابِطُوا ) أعمّ معنى من المصابرة و هي إيجاد الجماعة، الارتباط بين قواهم و أفعالهم في جميع شؤون حياتهم الدينيّة أعمّ من حال الشدّة و حال الرخاء و لمّا كان المراد بذلك نيل حقيقة السعادة المقصودة للدنيا و الآخرة - و إلّا فلا يتمّ بها إلّا بعض سعادة الدنيا و ليست بحقيقة السعادة - عقّب هذه الأوامر بقوله تعالى:( وَ اتّقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) يعني الفلاح التامّ الحقيقيّ.

( كلام في المرابطة في المجتمع الإسلامي)

١- الإنسان و الاجتماع: كون النوع الإنسانيّ نوعاً اجتماعيّاً لا يحتاج في إثباته إلى كثير بحث فكلّ فرد من هذا النوع مفطور على ذلك، و لم يزل الإنسان يعيش

٩٨

في حال الاجتماع على ما يحكيه التاريخ و الآثار المشهودة الحاكية لأقدم العهود الّتي كان هذا النوع يعيش فيها و يحكم على هذه الأرض.

و قد أنبأ عنه القرآن أحسن إنباء في آيات كثيرة كقوله تعالى:( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) الآية: الحجرات: ١٣، و قال تعالى:( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) الزخرف: ٣٢، و قال تعالى:( بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) آل عمران: ١٩٥، و قال تعالى:( وَ هُوَ الّذي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً ) الفرقان: ٥٤، إلى غير ذلك.(١)

٢- الإنسان و نموه في اجتماعه: الاجتماع الإنسانيّ كسائر الخواصّ الروحيّة الإنسانيّة و ما يرتبط بها لم يوجد حين وجد تامّاً كاملاً لا يقبل النماء و الزيادة بل هو كسائر الاُمور الروحيّة الإدراكيّة الإنسانيّة لم يزل يتكامل بتكامل الإنسان في كمالاته المادّيّة و المعنويّة و على الحقيقة لم يكن من المتوقّع أن يستثني هذه الخاصّة من بين جميع الخواصّ الإنسانيّة فتظهر أوّل ظهورها تامّة كاملة أتمّ ما يكون و أكمله بل هي كسائر الخواصّ الإنسانيّة الّتي لها ارتباط بقوّتي العلم و الإرادة تدريجيّة الكمال في الإنسان.

و الّذي يظهر من التأمّل في حال هذا النوع أنّ أوّل ما ظهر من الاجتماع فيه‏ الاجتماع المنزليّ بالازدواج لكون عامله الطبيعيّ و هو جهاز التناسل أقوى عوامل الاجتماع لعدم تحقّقه إلّا بأزيد من فرد واحد أصلاً بخلاف مثل التغذّي و غيره ثمّ ظهرت منه الخاصّة الّتي سمّيناها في المباحث المتقدّمة من هذا الكتاب بالاستخدام و هو توسيط الإنسان غيره في سبيل رفع حوائجه ببسط سلطته و تحميل إرادته عليه ثمّ برز ذلك في صورة الرئاسة كرئيس المنزل و رئيس العشيرة و رئيس القبيلة و رئيس الاُمّة و بالطبع كان المقدّم المتعيّن من بين العدّة أوّلاً أقواهم و أشجعهم ثمّ أشجعهم، و أكثرهم مالاً و ولداً و هكذا حتّى ينتهي إلى أعلمهم بفنون الحكومة و السياسة و هذا هو السبب

____________________

(١) و ليرجع في دلالة كلّ واحدة من الآيات إلى المحلّ المختصّ بها من هذا التفسير

٩٩

الابتدائيّ لظهور الوثنيّة و قيامها على ساقها حتّى اليوم و سنستوفي البحث عنها فيما سيأتي إن شاء الله العزيز.

و خاصّة الاجتماع بتمام أنواعها (المنزليّ و غيره) و إن لم تفارق الإنسانيّة في هذه الأدوار و لو برهة إلّا أنّها كانت غير مشعور بها للإنسان تفصيلاً بل كانت تعيش و تنمو بتبع الخواصّ الاُخرى المعني بها للإنسان كالاستخدام و الدفاع و نحو ذلك.

و القرآن الكريم يخبر أنّ أوّل ما نبّه الإنسان بالاجتماع تفصيلاً و اعتنى بحفظه استقلالاً نبّهته به النبوّة قال تعالى:( وَ ما كانَ النَّاسُ إلّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ) يونس: ١٩، و قال:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ الله النبيّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) البقرة: ٢١٣، حيث ينبئ أنّ الإنسان في أقدم عهوده كان اُمّة واحدة ساذجة لا اختلاف بينهم حتّى ظهرت الاختلافات و بانت المشاجرات فبعث الله الأنبياء و أنزل معهم الكتاب ليرفع به الاختلاف، و يردّهم إلى وحدة الاجتماع محفوظة بالقوانين المشرّعة.

و قال تعالى:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتفرّقوا فِيهِ ) الشورى: ١٣، فأنبأ أنّ رفع الاختلاف من بين الناس و إيجاد الاتّحاد في كلمتهم إنّما كان في صورة الدعوة إلى إقامة الدين و عدم التفرّق فيه فالدين كان يضمن اجتماعهم الصالح.

و الآية - كما ترى - تحكي هذه الدعوة (دعوة الاجتماع و الاتّحاد) عن نوحعليه‌السلام و هو أقدم الأنبياء اُولي الشريعة و الكتاب ثمّ عن إبراهيم ثمّ عن موسى ثمّ عيسىعليهم‌السلام ، و قد كان في شريعة نوح و إبراهيم النزر اليسير من الأحكام، و أوسع هؤلاء الأربعة شريعة موسى و تتبعه شريعة عيسى على ما يخبر به القرآن و هو ظاهر الأناجيل و ليس في شريعة موسى - على ما قيل - إلّا ستّمائة حكم تقريباً.

فلم تبدأ الدعوة إلى الاجتماع دعوة مستقلّة صريحة إلّا من ناحية النبوّة في قالب الدين كما يصرّح به القرآن، و التاريخ يصدّقه على ما سيجي‏ء.

٣- الإسلام و عنايته بالاجتماع: لا ريب أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الّذي

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وأنسجة الاتصال فيتفاهم معها على البذة الجثمانية التي سيكون عليها هذا الكائن ، وفيبدأ العظم في التفاهم مع الدم والكلس والمعادن والأخلاط والبروتينات والشحوم وبقية الغدد على انجاز الهيكل العظمي بشكل يتفق مع الخريطة الهندسية التي أطلعه عليها هورمون النمو ، وكأن هذا الهورمون هو المهندس الذي يصمم الخريطة وبقية الأعضاء هم العمال والمقاولون والبناؤون والعتالون والنقالون الذين يبنون هذه البناية الإنسانية الفريدة ، وهكذا يقوم الهيكل العظمي بشكل متزن من كل جهاته ويساهم معه غضروف الاتصال ، وأنسجه الاتصال في كل البدن.

وأما الحاث الذي ينبه الثدي على إفراز اللبن(1) فهو يطلع غدد الثدي وخلاياها على الطريقة السحرية الغامضة التي يمكن بواسطتها قلب محصول الدم في الخلايا إلى حليب يناسب الطفل من كل جانب ، كما أن نفس الحليب يزداد تركيز المواد فيه مع الزمن بحيث يناسب الولد مع تقدم نموه واشتداد عضلاته ، وقوة مفاصله ، وتدرج تكوينه.

وأما الحاث الثالث فهو الذي يتصل الدرقية(2) وهو يعلم الدرق كيفية اصطياد اليود من الدم ، وتركيب هورمونات الدرق منه مثل التيرونين والتيروكسين ، والتيروكسين بدوره يفعل كما ذكرنا على مستويين : الأول هو تثبيط مفرز الغدة النخامية ، والثاني على مستوى

__________________

(1) يسمى اختصاراً L.T.H.

(2) الغدد التي تترابط بشكل مباشر مع النخامة هي الدرق وتقع في أسفل ومتتصف العنق ولا تظهر إلا في الاحوال المرضية ، وغدة الكظر وهي مثل القبعة المثلثة فوق رأس الكلية ، وغدة المبيض وتقع في أسفل البطن والخصية والثدي ، واجهزة النمو بشكل عام ، والهورمونات الستة اختصاراً هي A.C.T.H لقشر الكظر أو مغذي الكظر و T.S.H مغذي الدرق ، و L.T.H مغذي الثدي ، و G.H النمو ، و F.S.H لجريب دو غراف ، و I.C.S.H لخلايا المبيض والخصية.

٢٤١

الجسم ، فهو يؤثر في كل الأجهزة على الإطلاق عدا الدماغ لأنه مركز القيادة ، والطحال لأنه المقبرة الموحشة المنعزلة ، والخصية والرحم لأنهما من اختصاص الغدة النخامية.

وهذا الهورمون أصح ما يقال عنه إنه هورمون الفعالية والنشاط فهو يدفع النشاط والحيوية في كل مسارب البدن ، فالقلب يضرب ، والتوتر يرتفع ، والفعالية تزداد ، والعرق يتصبب ، والصوت يعلو ، والحرارة تتدفق في أرجاء البدن ، والنمو يزداد ، ومنعكسات الجهاز العصبي تزداد ، والكلية تعمل ، ويزداد ادرار البول ، والعضلات تشتد ، والسكاكر تحرق ، والشحوم تذاب في البدن ، والفيتامينات تتكون مثل الفيتامين A من الكاروتين إنها الفعالية والنشاط في كل مستويات البدن. إنها حرارة العمل ، ونشاط الانتاج ، ووهج الحيوية ، ولكن إذا زاد الأمر أو نقص انقلب الأمر بشكل مريع ، وهو ما يعرف بقصور الغدة الدرقية ونشاط الغدة الدرقية ، ففي الأول يسيطر الكسل والخمول على كل فعاليات البدن ، فإذا تحرك نقل المريض نفسه ببطء ، وإذا تكلم كان صوته خشناً خافتاً وكأنه ينبعث من كهف ، وأما وجهه ففيه تعابير البلادة ، وأما قلبه ففيه بطء الحياة ، وهكذا يعم الكسل وينتشر الخمول!! وإذا اشتد نشاط هذه الغدة تدفق العرق من الجسم فلا تصافح المريض إلا ويده رطبة من التعرق ، وتفيض الحرارة على الجسم فيشعر المريض وكأنه في أتون ويتضايق من الحر. ويميل إلى حب البرد ، وإذا تكلم ارتفع صوته واشتد غضبه وحدثت لديه الانفعالات بسرعة وبشدة ، وإذا مد يديه أصابهما الرجفان ، وهكذا تنتشر السرعة ، ويعم الاضطراب العصبي وكأن الحالة الأولى هي القطار البطىء والثانية هي القطار الأهوج السريع!!!

وأما الحاث الرابع فهو الرسول الموقر إلى مملكة الكظر حيث يقابل

٢٤٢

عناصر الدولة في الحدود الأولى ، وهي القشر في الكظر ، وهناك تشرح الخطة التي يجب أن يقوم بها الكظر ، حيث يبدأ بإفراز الهورمونات من ثلاث مناطق ، وبعدد يبلغ الثلاثين هورموناً ، وهي تقوم بثلاث وظائف حيوية : الأولى على مستوى السكاكر ، والثانية على مستوى معادن البدن ، والثالثة في الوظائف الجنسية ، ولذا تسمى هذه الهورمونات : بالقشرية السكرية ، والمعدنية ، والجنسية. وهي تفرز من مناطق اختصاص من منطقة قشر الكظر.

وهذه الهورمونات الثلاثون تقوم بجملة عجيبة في البدن فتعدل الشوارد المعدنية فيه ، وتحسن وظائف أجهزته ، وتحافظ على اتزان أخلاطه ، وتسير أموره ، وتضبط موازينه فيما يزيد على سبعين وظيفة لسنا بصددها الآن ، هذا مع العلم بأن كل الكظر بما فيه القشر واللب لا يتجاوز وزنه سبعة غرامات فقط.

وأما الرسولان الأخيران فهما يرسلان إلى مراكز الجنس ومستودعات الذخيرة الإنسانية ، وهي الخصية والمبيض ، وهناك تشرح الخطة المفصلة لانضاج البيضة الإنسانية وإعدادها للالقاح ، كما يهىء الحيوان المنوي بما يلزمه في الرحلة التي يقطعها عبر الرحم والأخلاط والمفرزات والطرق المتعرجة ، والمسارب الملتوية ، والأحماض والسوائل ، فهو يزود بذنب طويل يساعده على الحركة اللولبية ، كما يفهم كيف يجب أن يمشي وأي الطرق يختار ، وما هي السرعة التي يجب أن يسير بها ، والطريقة التي يسرع بها ، وأنسب ما تكون الحركة اللولبية ، كما يغطى رأسه من الأمام بخوذة مصفحة حتى لا يتأثر بالصدمات والرضوض والضربات ، وهي القلنسوة الامامية ، وحتى يلج بها جدار البيضة التي تنتظره. ثم يزود بعد ذلك بالأدعية أن يحفظه الله في رحلته الميمونة الخطرة!! فكيف علمت وعلمت هذه الهورمونات ، أهو عامل الصدقة؟ أم هو

٢٤٣

قوة النطفة بذاتها ، أم هي القوة المدبرة اللطيفة الحكيمة والعقل المنظم الدافع الذي يبعث الحياة ، ويهب الحكمة ، ويمنح الرحمة ، ويعطي الهداية للكائنات( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ايتوني بكتاب من قبل هذا أن أثارة من علم إن كنتم صادقين ) سورة الأحقاف( أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ) سورة الطور

هذا ما كان من أخبار الفص الأمامي للغدة النخامية ، وأما الفص المتوسط فيفرز حاثاً يتعلق بالجلد حيث يوفد هذا السفير إلى تلك الأصقاع النائية الشاسعة التي تغطي الوجود الانساني كله من مفرق رأسه إلى قدمه ، ولا تنفتح عنه إلا في الفوهات مثل الفم والانف والاحليل والمستقيم ، والجلد في هذه الفوهات يستدير ويفصل بطريقة ملائمة جداً ، ويأتي هذا السفير إلى تلك الاصقاع فيخبرهم بالخطر الذي يتعرض له الجلد من الضياء والحرارة والأعداء الخارجيين ، لذا فان أنسب تلوين يأخذه هو من طبيعة الأرض ولون الأرض التي يعيش عليها ، كما أن المناطق التي تتعرض بكثرة للنور يجب أن لا تبقى بيضاء والا احترقت خاصة في المناطق التي تزداد فيها أشعة الشمس مثل المناطق الاستوائية ولذا يتلون الجلد باللون الأسود ويحدث العكس في المناطق الباردة والمناطق القليلة الشمس.

إن تتظيم الصباغ الذي بلون الجلد يعود إلى هذا الهورمون الحاث حيث يتفاهم مع خلايا قاعدة الجلد على افراز صباغ خاص يسمى بالميلانين ، وهذا الصباغ يلون الجلد باللون المناسب حسب الحرارة ووهج الضياء الخارجي ، ولنا أن نتساءل أمام هذه الحقيقة : ما ذنب الزنجي الاسود حتى تسقط حقوقه ، وتداس كرامته ، ويحرم من التعليم ، ويسام الخسف والهوان والضيم والذل ، ويسلط عليه الفقر والجهل

٢٤٤

والمرض ، ويطارد كالكلب ، بل يكتب على المطاعم ممنوع دخول الكلاب والسود!! ما ذنبه إذا كان كل صباغ الميلانين هذا الذي يتوزع في جلده يساوي غراماً واحداً فقط ، ولكن هل تساوي هذه الحضارة المزيفة غراماً واحداً من الخلق والإنسانية؟!!

وآخر الأقسام الثلاثة من النخامة هو الفص الخلفي ، ويسمى بالفص العصبي ، لأن له اتصالات عصبية مباشرة مع مراكز الدماغ العليا أكثر من الفص الأمامي والمتوسط ، وكما ذكرنا سابقاً فهناك مراكز تقع فوق النخامة وتحت السرير البصري ، وهذه المناطق هي مناطق التنظيم والقياده العليا التي تنصّب الملوك ، وتعين الأمراء ، وترسل الرسل ، وتهيمن على الجميع!! إن هذه المنطقة ترسل أليافاً عصبية تسيطر بها على فعالية الغدة النخامية حتى تتناسق في العمل مع بقية أعضاء الجسم عن طريق الدماغ ، وهذه الألياف تنحدر إلى الغدة وتتوزع في الفصوص الثلاثة ، وأكثرها في الفص الخلفي ، ويبلغ عدد الألياف وسطياً في كل فص (50) ألف ليف عصبي ، فهي شبكة اتصالات هاتفية مكونة من أكثر من (100000) مائة ألف خط للتفاهم وتنسيق الجهود.

هذا الفص يفرز ثلاثة هرمونات ، وهذه الهورمونات تقوم بثلاثة أدوار هي تقليص عضلة الرحم ، وتقبيض الأوعية الدموية ، والدور الثالث عبارة عن عملية مضادة للإدرار في الكلية. فأما الهورمون الأول فهو الذي ينظم تقلص الرحم في ساحة الخلاص وبشكل تدريجي ونتساءل لماذا يبدأ هذا الهورمون عمله وفي هذه اللحظة بالذات؟ لقد وجد من أسرار التنظيم العجيبة أن هناك تضاداً ما بين إفراز هذا الهورمون من غدة النخامة ، وما بين الهورمونات التي تفرزها المشيمة المتعلقة بأرجل هي أقوى من مائة (100) أخطبوط إلى جدار الرحم ، وهي هورمونات البروجسترون والأستروجين ، ولقد لوحظ ان هذه

٢٤٥

الهورمونات تنخفض كلياً وبسرعة في لحظة ما ، وكأن هذا اللجام للغدة النخامية قد أفلت وكأن تعلق المشيمة بجدار الرحم قد تزعزع من الأساس فيبدأ هذا الهورمون باقناع الرحم أن يتقلص لدفع الجنين إلى الخارج بشكل منظم تدريجي بعد أن حواه تسعة أشهر كاملة ( حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ونتساءل مرة أخرى ما الذي دعا الى هبوط مستوى هورمونات المشيمة من الدم كلياً دفعة واحدة وبسرعة؟ هل لأن المشيمة شاخت ، أو ماذا؟ لا أحد يدري وقيل في هذا تعليلات مختلفة ولكن أصدق ما يقال هو قدرة الله المنسقة للكون والحيان والانسان(1) .

وييدأ الرحم في التقلص ، ويبدأ صراخ الأم وتمر بمراحل مختلفة من الالم يشتد فيها تدريجياً حتى يصل الألم إلى درجة لا تستطيع الام أن تخرج معه صوتها ، نقف هنا لنلفت نظر القارئ إلى نقطة عجيبة وهي : إن تفلص الرحم المنظم المشتد تدريحياً هو الذي يخرج الجنين إلى الحياة لأن نقص التقلص يفضي إلى ما يعرف بعطالة الرحم حيث يمتنع الرحم عن التقلص ويبقى الجنين في الداخل ينتظر ساعة الخلاص ، وهنا يعمد الاطباء إلى ما يعرف بتحريض المخاض عن طريق حقن مواد ودوائية في الوريد ، وإذا اشتد تقلص الرحم حدث ما يعرف باشتداد تقلص الرحم ، وفرط مقوية الرحم التي قد تصل إلى درجة تكزز الرحم حيث تتوالى التقلصات بدون فواصل راحة وكأنها هستريا تشنجية في عضلة الرحم ، ويصل الامر في آخره إلى أن تنقبض الرحم مرة واحدة فلا ترتخي ، وهذا معناه الهلاك المبين للجنين ، لا تشنج الرحم

__________________

(1) لا يعني هذا ان بقية الآليات والتفاعلات في الجسم إذا جاء العلماء وفسروها فان معناها ان قدرة الله لا تتدخل فيها ، بل إن نفس الدماغ الذي يفسر بواسطته العالم مشاكل العلم هو من هبات الله التي لا تحصى.

٢٤٦

وانقباضه بهذا الشكل يعني انقطاع ورود الدم إلى الجنين عبر المشيمة ، ويبدأ الجنين في التالم ويرسل صيحات النجدة وإشارات الاستغاثة ، ولكن كيف سنعرف أنه في حالة محنة وكرب؟ إنه يرسل صرخات النجدة من خلال أثمن ما يملك وهو دقات القلب(1) ، وهكذا يعرف الطبيب وضع الجنين تماماً من خلال سماع دقات قلب الجنين ، وتكون إشارات الاستغاثة تماماً كالإشارات الخضراء والصفراء والحمراء. فالقلب أولاً يسرع ثم يبطؤ ، ثم تخف ضرباته ويضيع انتظامه ، وكأن الحالة الأولى الانفعال السريع ثم التراخي ثم الاقتراب من سكرة الموت وضياع الوعي ، فما أعقل قلب هذا الجنين الذي يرسل هذه الإشارات المعبرة!! ان سماع هذه الدقات يعني للطبيب أن يتدخل بسرعة لانقاذ حياة هذا الذي يغرق في الموت كل لحظة.

إن هذا الهورمون هو الذي ينظم تقلصات الرحم كحد السيف فلا تزيد ولا تنقص وكل شي بمقدار ، حتى يسهل خروج الجنين إلى الحياة ولكن إذا خرج سالماً هل انتهت القضية؟ إن المحنة تبقى للأم فجدار الرحم مثقوب بآلاف الثقوب من أوعية الدم التي كانت تغذي المشيمة وها هي قد انفتحت دفعة واحدة فيا للهول الهائل!! إن هذا يعني موت الأم في دقائق لأن النزيف سيقتلها ولن ينقذها شيء في هذه اللحظة إلا القدرة الحكيمة اللطيفة التي رتبت الأمور!!

يا أيها الهورمون الذكي لقد كنت تشبه الذي يلعب الأستغماية فأنت تبرز وجهك للرحم فيخاف وينكمش ثم تختفي فيرتخي الرحم ويبش ،

__________________

(1) دقات قلب الجنين ضعف دقات قلب الرجل الكهل أي 120 ـ 140 ضربة في الدقيقة الواحد وهي تشبه دقات الساعة ، وقد ترتفع في حالات تألم الجنين إلى 160 ـ 180 ـ 200 واكثر في الدقيقة الواحدة.

٢٤٧

وهكذا تتوالى التقلصات ، فالآن جاء دورك أيها الهورمون الذكي إجعل الرحم ينقبض دفعة واحدة ، ولفترة طويلة(1) ، لقد جاء دور الانقباض الآن!! ألا تعجب أيها القارىء ما بين خطورة الانقباض قبل قليل وفائدته الآن!! ان انقباض الرحم قبل قليل معناه موت الجنين ، وعدم انقباض الرحم الآن يعني موت الام ، نفس العمل يميت ويحيي ، فتباركت اللهم الذي جعلت من الموت حياة ومن الحياة موتاً( إن الله فالق الحب والنوى ، يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنّى تؤفكون ، فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون. وهو الذي انشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون ) سورة الانعام ، هذا هو عمل هذا الهورمون الذكي العاقل فهو هورمون ساعة الخلاص ، وهو هورمون النجدة ، وهو هورمون التخفيف والمواساة للأم.

وأما الهورمون الثاني من الفص الخلفي للنخامة فهو يتعلق بالعروق الدموية المرنة ، فهو يخنقها أو يرخيها. وأما كيف يتم هذا التقلص أو الارتخاء ، وبالتالي يرتفع ضغط الدم أو ينزل ، فان السبب فيه يرجع إلى أن هذا الهورمون له علاقة وصحبة قديمة مع عناصر مهمة في جدار العرق الدموي وخاصة الشرايين ، فالشريان يتكون جداره من ثلاث طبقات ، وتحوي الطبقة المتوسطة أليافاً عضلية مرنة ، فإذا تقلصت هذه الألياف العضلية أدى ذلك إلى صغر لمعة الوعاء الدموي وبالتالي اشتد

__________________

(1) يسمى هذا الفعل عند المولدين بالارقاء الحي ، وسماها بينار تشكل كرة الامان لأن الشعور بها يبعث الى الاطمئنان على حياة الأم ، وعدم تشكلها يعني النزف كافواه القرب

٢٤٨

ضغط الدم ، والعكس بالعكس ، إن هذا الهورمون الجوال لا يهمه من كل ما يحيط به إلا هذه المنطقة فقط فيأوي اليها ويفهمها أن ترتخي وتتقلص بما يناسب حالة البدن بشكل عام من الداخل أو الخارج. وأما كيف يتم التفاهم بين هذا الهورمون وبين الألياف العضلية اللاارادية أو ما تسمى بالألياف الملس فتقوم بما املاه عليها اقتناعها؟ فذلك سر من الاسرار!

وأما الهورمون العاشر والأخير من سلسلة هورمونات الغدة النخامية ، أو الهورمون الثالث من هورمونات الفص الخلفي من النخامة ، فيختص بالكلية فهو معجب بها ولا يحب غيرها ، ولذا فهو يأوي اليها ليقوم ببعض المهام التي تعتبر في منتهى الخطورة بالنسبة للجسم ، إن هذا الهورمون يقع تأثيره بعمل معين وفي منطقة معينة ، فأما العمل المعين فهو الامتصاص وكأنه ذلك الحيوان الاسطوري الذي لا يكف عن شرب السوائل ليل نهار ، وأما مكان عمله فهذا يحتاج لشرح بسيط.

لقد وجد أن الكلية تتكون من مليون كبة!! وما هي الكبة؟ أهي كبة شعر؟!؟ لا إنها كبة من شعريات دموية فالشريان الكلوي يتفرع حتى يصل إلى درجة عظيمة من الدقة والصغر وهنا يلتف على نفسه حتى يكون كبة ، ولكن من وعاء دموي صغير هو أرفع من الشعرة ، وهذه الكبة يحيط بها غشاء هو أشبه بالقربة التي تتلقى السوائل التي ترشح من هذه الكبة ، ومن هذه القربة يمتد أنبوب متعرج ثم يشكل عروة صغيرة(1) ، ثم يتعرج مرة أخرى حتى يلتقي بأمثاله ، مكوّناً أنبوباً كبيراً ، وهكذا تجتمع الأنابيب فتكوّن أنبوباً أكبر ، وهكذا حتى تصب فيما يسمى بالكؤوس الكلوية ، وهي تشبه الخلجان البحرية ، ثم

__________________

(1) تسمى هذه العروة بعروة هانلة.

٢٤٩

يلقى البول المتكون الراشح في الحويضة ثم يمر إلى الحالب فالمثانة فالاحليل ، ثم إلى الخارج نهائياً ، ان الأنبوب القريب من الكبة تمتص منه معظم السوائل المرتشحة وهي ما تقارب 85% ، والمنطقة التي تقع بعد عروة هائلة تسمى بالأنبوب البعيد وهنا يمتص قرابة 14% من السائل الراشح ، والامتصاص هنا يخضع لهورمون الغدة النخامية ، ولذا سمي بالهورمون المضاد للأدرار ، ويتم الامتصاص هنا بشكل فاعل أي أن الامتصاص هنا يتعلق بكمية هذا الهورمون في الدم ، وبكمية الشوارد المعدنية والسوائل التي توجد في البدن ، ولكن الشيء المهم هو أن هذا الهورمون هو الذي يمسك هذه القناة فيصرف سوائلها ، بينما تعتبر المنطقة القريبة من الكبة منطقة منفعلة يتم الامتصاص فيها بشكل آلي وبدون تدخل أحد ، فهي قناة عامة لا يد لأحد فيها ، وحتى نتفهم خطورة هذا العمل الذي يقوم به الهورمون فيجب أن نعلم أن كمية الدم المارة في الدقيقة الواحدة هي (1300) سم 3 أي أن الكلية تقوم بتصفية (1800) ليترة من الدم يومياً فأي مصفاة عجيبة هذه!! وهذه المصفاة تصفي من الدم عشرات العناصر من المعادن والسموم والنفايات ، والمخلفات والمواد التي تعتبر حصيلة استقلابات البدن ، ولذا يعتبر فحص البول مهماً جداً لكشف الكثير من الأمراض التي تختص بجهاز البول وببقية الأجهزة.

إن الدم الذي يمر يرشح منه في تلك القربة السحرية ـ وتسمى بمحفظة بومان ـ مقدار يبلغ (127) سم 3 في الدقيقة أي ما يعادل (183) ليتر من البول يومياً فكيف يمتص ثانية؟ إن امتصاصه يتم عن طريق الأنابيب القريبة ، ثم الأنابيب البعيدة ، بواسطة هورمون النخامة المسمى بالهورمون المضاد للإدرار ، وهكذا يمتص ( 5 و 181 ) ليتراً ويطرح (5 و 1) ليتراً يومياً وهو البول العادي الذي يطرحه كل واحد منا ، وهكذا يمتص (1100) غرام من ملح الطعام و (410) غرام من ثاني فحمات الصوديوم و (150) غرام

٢٥٠

من سكر العنب وهذا يعني أن سوائل البدن التي تتراكم ما بين الخلايا وتقدر بـ (11) ليتر تترشح وتمتص (16) مرة في اليوم الواحد ، أي ان أخلاط البدن الداخلية تنقى وتصفى من الكدر والسموم والبقايا والنفايات والمواد الضارة ، والزائدة ، والتي لا لزوم لها ، ومحاصيل الاستقلاب ، كلها تنظفها الكلية من الجسد (16) مرة في اليوم ، فأي عناية وأي نظافة وأي تصفية عجيبة هذه!!

وإذا وقعت الواقعة وفقد هذا الهورمون من البدن فماذا يحدث؟ بول دائم ليلاً نهاراً! إن المريض يبول ويبول بدون توقف(1) ، وحتى يعوض عما يبول يشرب ويشرب ويشرب الماء ، وهكذا فان المريض لا يبقى له شغل إلا أن يكون بجانب حنفية الماء ودورة المياه ، وإذا لم يفعل هذا تجفف جسمه ومات في مدى أيام قليلة ، وكل هذا بسبب فقد هذا الهورمون الذي يسيطر على إدرار البول في الجسم وبتأثير يبلغ ملغرامات بسيطة قليلة

إنه الاتزان المحكم ، والدقة الرائعة ، والحكمة المهيمنة ، والإرادة المدبرة ، فلا شيء يقوم بالفوضى أو على الفوضى ، ولا شيء يوجد من تلقاء نفسه بل تقوم السنن والنواميس والقوانين المطردة الدقيقة الرائعة المتزنة( وخلق كل شيء فقدره تقديراً ) سورة الفرقان.

وهكذا رأينا في الغدة النخامية التي تزن نصف غرام ويبلغ طولها 1 سم وعرضها ( 1 ـ 5 و 1 ) سم وارتفاعها نصف سنتمتر ، أي أن حجمها يبلغ (1) سم 3 ، وجدنا فيها ثلاثة فصوص ، يوجد في الفص الأمامي

__________________

(1) يسمى هذا المرض بالبيلة التفهة أي التي لا طعم لها لكثرة احتوائها على الماء ، ولا تتصور أيها القارىء كم يشرب ويبول هذا المريض يومياً فلقد ذكر أن أحد المصابين بال في يوم واحد (43) ليتراً من البول أي قرابة ثلثي وزنه!!

٢٥١

وحده خمسة أنواع من الخلايا ، وتفرز هذه الغدة (10) عشرة هورمونات ، وتتصل بالدماغ بأكثر من (100) ألف خط هاتفي ( ليف عصبي!! ) وتسيطر على الدرق وقشر الكظر والخصية والمبيض والثدي وأجهزة النمو ، أي العظام والمفاصل والعضلات والغضاريف ، وعلى العروق الدموية والكلية وعضلة الرحم. وهي بهذه السيطرة والهيمنة تعدل أخلاط البدن ، وتصحح مزاجه ، وتضبط سوائله ، وتصرف فائضه ، وتقوّم ميزانيته ، وتعدل أحماضه وقلوياته ، وتوازن شوارده ، وتحكم تفاعلاته ، فكيف تم هذا المزيان الرائع؟ وكيف ركبت هذه الآليات المعقدة؟ وكيف وزنت الأمور وأقيمت بالقسطاس المستقيم؟( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزّله إلا بقدر معلوم ) سورة الحجر.

والان الى بحث شيق آخر من أبحاث الروعة والعظمة في هندسة وبناء الانسان.

وزارات الجسم

مكن أن يشبه الجسم إلى حد بعيد بالأمة والدولة ، فالخلايا هي أفراد الشعب العامل ، وتجمع الخلايا في عمل واحد يشبه المديريات والمؤسسات ، والاختصاصات في الجسم تشبه الوزارات إلى حد ما ، فالجهاز العصبي المركزي هو بمثابة السلطة الحاكمة المهيمنة ، المخلصة ، العاقلة ، العالمة ، والجسم كله يمثل الشعب المتفاني في الطاعة وتقديم الولاء.

وأما جهاز الدوران فهو يجمع بين خاصية نقل الغذاء والاكسجين إلى الأنسجة العطشى الجائعة وإرجاع بقايا الاحتراق ونفايات الغذاء ، فهذا الجهاز يعبّد الطرق ، ويشق الممرات ويحس الوصل ، ولذا فهو أشبه بوزارة المواصلات.

٢٥٢

وأما الجهاز الهضمي فهو ينقل إلى الأمعاء النشويات والبروتينات والدسم والماء والأملاح المعدنية والفيتامينات ويلقي الفضلات والقمامة التي لا يحتاجها البدن ، ولذا فإن هذا الجهاز أشبه بوزارة التموين في الجسم.

وأما الغدد العرقية فهي أشبه بوزارة السياحة والاصطياف لأنها تبرد الجسم وتخفف من حرارته.

وأما الجلد واللحف(1) والأظافر والاشعار فهي تمثل الانسان من الخارج ، فهي أشبه بوزارة الخارجية!!

وأما جهاز التنفس فهو يأتي بالغازات الضرورية للبدن مثل الاكسجين ويطرح غاز الفحم وهكذا يتصفى الدم من الكدر ، ولذا فهو اشبه بوزارة الاقتصاد لأنه يستورد ويصدر.

أما العضلات والمفاصل والعظام فهي أشبه بوزارة الدفاع أو الحربية والجيش لأنها تدافع عن الانسان كما تقوم بالهجوم إذا لزم الأمر.

وأما الكبد فهو مركز الجمارك العام لأن كل ما يرد إلى البدن من الطريق الهضمي يمر فيه حيث يبعد المشتبه به ، ويدخل المرغوب فيه ، كما يعدل الشيء المشكوك به ويرسل معه مراقباً حتى يلقيه خارج الحدود عن طريق الكلية ، وهو ما يعرف بالازدواج الكبريتي أو الغلو كوروني ، لأن هاتين المادتين تترافقان مع المادة التي ستطرح إلى الكلية.

وأما الطحال فهو المقبرة الموحشة للكريات الحمر لأن الكرية لا تعيش أكثر من شهرين وسطياً حيث تنقل إلى الطحال وتواري مثواها الأخير وطريقة الدفن في الطحال عجيبة فهي اشبه ما تكون بطريقة الدفن

__________________

(1) يقصد باللحف الأغشية الخارجية التي تغطي الفوهات الخارجية مثل العين حيث تغطيها الملتحمة ، والفم من الداخل الغشاء المخاطي وهكذا.

٢٥٣

عند المسلمين حيث يدفن الجثمان ويرجع بالتابون خلافاً لطريقة الآخرين الذين يدفنون الجثمان والتابوت جميعاً ، ومظهره هنا العودة بذرة الحديد مرة أخرى حتى يتستفيد منها الجسم في بناء كريات حمر جديدة!!

وأما النخاع الموجود في باطن العظام وأماكن أخرى متنائرة في الجسم فهي أشبه ما تكون بوزارة الصناعة لأنها تصنع الكريات الحمر والبيض والصفيحات ، وعناصر أخرى كثيرة.

وأما الجهاز البولي فهو أشبه بوزارة الداخلية لأنها تطرح العناصر المشتبة خارج الحدود ، وتحافظ على نظام البدن الداخلي حتى يتزن ولا يتقلب ، كما تنظم السوائل الداخلة والخارجة حتى لا يحصل العبث بالنظام الداخلي ولذا فهي مصفاة البدن الكبيرة والمحافظة على الاتزان الداخلي.

وأما الحواس فهي امتدادات وزارة الخارجية ، أي الجلد.

وأما اللسان وأعضاء التصويت فهي وزارة الإعلام التي تذيع الاخبار وتبث الأحاديث ، وتنقل الأفكار والمفاهيم ، والإذاعة هي مراكز التصويت المتجمعة في الحبال الصوتية والحنجرة وغضاريفها ، واللسان وعضلاته ، والجمجمة وحفرها ، والشفة ومقدم الفم.

وبقي أن نتساءل : أين تقع وزارة الأوقاف بين هذه الوزارات؟ والجواب أنه لا حاجة لمكان تحدد فيه لأن الجسم وغدده وأخلاطه ودمه ولمفه وعروقه وأعصابه وشعره وجلده كله يمشي وفق الناموس الذي رسمه له الخالق العظيم ، فكل خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته انما هي في حالة عبادة واستسلام وإسلام لله رب العالمين ، فليس هناك من مكان يخصص لعبادة الله والتفرغ له وأماكن أخرى تخصص لعبادات أخرى( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) الكل يعبد ويسبح الله والكل يصلي لله وفق اختصاصه ، فالدم يصلي في جريانه ، والرئة تصلي

٢٥٤

في تنفسها ، والقلب يصلي في نبضاته ووالعصب يصلي في سريانه( كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ) سورة النور.

ونقف هنا لنلفت نظرالقارىء ولنحرك وجدان الطبيب والعالم ، إن الانسان سخر له الكون وهو يتصرف فيه كما يشاء ، وتتخصص طوائف البشر في الصناعات والحرف تعالج عللها وتكتشف أسرارها ، وتسخر سننها ، ولكن أخطر الاختصاصات هو الذي ينصب على نفس الانسان ، فالانسان يختص بدراسة كل الكون ، والطبيب يختص بمفتاح هذا كله وهو الانسان ، فماذا أثمرت هذه الدراسة؟

إن كاتب هذه السطور درس الطب سبع سنوات طويلة مليئة من عمره فلم يسمع كلمة الله من أحد من الذين يختصون بالدراسات الطبية العميقة سواء على مستوى الطب الطبيعي أو على مستوى الطب المرضي(1) ، إلا ان تذكر الكلمة عرضاً وبسرعة ، أو أن يفتتح الكتاب بجملة( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ثم تقرأ ، وتقرأ مئات الصفحات حتى تفرغ من الكتاب فلا تشعر بلمسة إيمان ، أو نبضة روح من المؤلف أو المترجم أو الناقل ، آيات تمر ، ومعجزات تسطر ومع هذا لا يتحرك وجدان ، ولا تستيقظ( وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) وحقاً إن الآية بالذات لا فائدة منها إلا للمتفكر والمتأمل والمتدبر( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) ، وتقرأ كتاباً لمؤلف آخر فتراه يعرض الآية القرآنية مبتورة وبمنتهى السرعة ، ثم اننا لفظنا الآية القرآنية والاصح أن يقال آية قرآنية لأن كتابين كبيرين من كتب الطب ليس فيهما الا نصف آية من القرآن وبشكل مبتور ، فيا أيها

__________________

(1) نستثني من هذا الكلام بعض الاساتذة ولكن كما هو معروف في اطلاق القواعد ان الحكم للاغلبية وليس للاقلية فضلاً عن أفراد معدودين على رؤوس الأصابع.

٢٥٥

القارىء بالله عليك ما فائدة الآيات إذا لم توصل إلى الإيمان ، وهل يكفي أن نقول ان الماء فيه سر الحياة وفيه خواص عجيبة ومدهشة ثم نأتي لنستشهد بالقرآن فنقول :( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وباقي الآية؟! فلتبلغ!! ان تتمة الآية هو المقصود من سوق الآية فالماء وغيره آية تشده البصيرة وتقود إلى الايمان ، ولذلك كانت الآية القرآنية كما يلي :( وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون ) سورة الأنبياء.

وطالما سار الأمر في هذا البحث ، فلنسمع شهادة التاريخ وشهادة العلماء لا لندعم به إيماننا ، ولكن لنحاكم أولئك الذين لا يصدقون إلا بما يقوله أصحاب الاسماء الرنانة ، والشهادات العريضة ، ونسوا ان الانسان مهما بلغ علمه ، وارتفعت خبرته فانه لا يحيط بالوجود ، ولا ينفذ إلى خزائن الأسرار ، لأنه مركب من نقص ، وضعف وقصور ، وهوى ،( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا ) سورة النساء.

لنذكر أولاً احصائية قام بها العالم دينرت(1) عن كبار العلماء والفالسفة في القرون الاربعة الاخيرة ، وكان عددهم (290) عالماً ، فوجد ما يلي : (28) منهم لم يصلوا إلى عقيدة ما ، (242) أعلنوا إيمانهم على رؤوس الاشهاد و (20) لم يكونوا يبالون بالوجهة الدينية ، وهذا يعني أن 92% أظهروا إيمانهم أمام الناس ، وهذا ما يثبت الفكرة التي طرحناها لامتنا وهي ان العلم والطب هما من جملة محاريب الإيمان ، ولنسمع إلى اقوال بعض العلماء في هذا الصدد :

1 ـ الطبيب المشهور باستور : ( الإيمان لا يمنع أي ارتقاء كان ،

__________________

(1) نقلاً عن كتاب روح الدين الإسلامي ، عفيف عبد الفتاح طبارة ص 82 [ معظم الفقرات ].

٢٥٦

لأن كل ترق ، يبين ويسجل الاتساق البادي في مخلوقات الله ، ولو كنت علمت أكثر مما أعلم اليوم ، لكان ايماني بالله أشد وأعمق مما هو عليه الآن ).

2 ـ الدكتور ( وتز ) عميد كلية الطب في باريس ، وعضو اكاديمية العلوم ، وكيميائي : ( اذا أحسست في حين من الأحيان أن عقيدتي بالله قد تزعزعت وجهت وجهي الى أكاديمية العلوم لتثبيتها )

3 ـ باسكال : ( صنفان فقط من الناس يجوز أن نسميهم عقلاء : الذين يعرفون الله ، والذين يجدّون في البحث عنه لأنهم لا يعرفونه ).

4 ـ اينشتاين : ( إن الإيمان هو أقوى وأنبل نتائج البحوث العلمية ) ، ( ان الايمان بلا علم ليمشي مشية الأعرج ، وان العلم بلا إيمان ليتلمس تلمس الأعمى )

5 ـ ادمون هربرت ، جيولوجي ذائع الصيت ، ومدرس بجامعة السوربون : ( العلم لا يمكن أن يؤدي الى الكفر ، ولا الى المادية ، ولا يفضي إلى التشكيك ).

6 ـ فابر : العلامة المؤرخ الطبيعي : ( كل عهد له أهواء جنونية ، واني اعتبر الكفر بالله من الأهواء الجنونية وهو مرض العهد الحالي وأيسر عندي أن ينزعوا جلدي من أن ينزعوا مني العقيدة بالله ).

7 ـ ألبرت ماكوب ونشستر : أستاذ الاحياء بجامعة بايلور وعميد أكاديمية العلوم بفلوريدا سابقاً : ( ان اشتغالي بالعلوم قد دعم إيماني بالله حتى صار أشد قوة وأمتن أساساً مما كان عليه من قبل ، ليس من

٢٥٧

شك ان العلوم تزيد الانسان تبصراً بقدرة الله وجلاله ، وكلما اكتشف الانسان جديداً في دائرة بحثه ودراسته ازداد إيماناً بالله )

8 ـ اسحق نيوتن : ( ان هذا التفرع في الكائنات وما فيها من ترتيب أجزائها ومقوماتها وتناسبها مع غيرها ومع الزمان والمكان لا يمكن أن تصدر إلا من حكيم عليم ).

ـ * ـ

٢٥٨

الطعام والتغذية

يقول الخالق الرازق :( فلينظر الانسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صباً ، ثم شققنا الأرض شقاً ، فأنبتنا فيها حباً ، وعنباً وقضباً ، وزيتوناً ونخلاً ، وحدائق غلبا ، وفاكهة وأبا ، متاعاً لكم ولأنعامكم ) سورة عبس

ـ 1 ـ

كيف يستطيع الإنسان أن يتغذى بكل هذه الأنواع ، من الأطعمة ، من الماء الى الخبز الى اللحم إلى الفاكهة الى الخضراوات ، كيف تهضم امعاؤه كل هذه الأصناف المتباينة من الأغذية؟ كيف تهضم المشوي والمقلي والمسلوق؟ كيف تهضم المطبوخ والنيء؟ كيف تتقبل وبنفس الوقت المالح والحامض والحلو والمر؟ ثم كيف تتحول هذه الأغذية الى طاقة تحرك البدن ، ومواد ترميم ، وخامات تصنيع جديدة؟

ـ 2 ـ

ثم لننظر في الأسنان والشفاه والفم وكيف ركب بشكل مدهش لتقبل الطعام ، فالأسنان منها القواطع والثنايا الأمامية لتقطيع الطعام ، ومنها الأنياب لتمزيق اللحم والأشياء القاسية ، والأضراس في كل جانب

٢٥٩

لطحن وجرش المأكولات ، بحيث ان اللقمة تنقلب إلىعجينة عندما تصل إلى المري والمعدة.

ثم لننظر في الغدد اللعابية وهي ثلاثة أزواج : تحت الفك ، وتحت اللسان ، والغدة النكفية في كل جانب ، وهذه الغدد تفرز المصل والمخاط والخمائر الخاصة بهضم النشويات وتبلل الطعام وتبلل الحلق ويصل إفرازها اليومي إلى قرابة اللتر ، والخميرة التي تهضم النشا يبقى تأثيرها حتى الساعة والنصف ولولاها لتأخر امتصاص النشويات وكلنا يعرف عسر الهضم عند المسنين وذلك لنقص إفراز هذه الخميرة من غدد اللعاب ، كما تذيب مفرزات الغدد المواد فنشعر بطعمها وهكذا نشعر بطعم المواد ومذاقها ، كما تشترك في تزليق المواد الصلبة فيسهل بلعها ، وفي تليين الغذاء فيسهل مضغه ، كما تقوم هذه المفرزات بتعديل المواد الداخلة الى الفم فيما إذا كانت ضارة أو حارة أو باردة وهكذا نشرب الشاي الساخن الذي لا يتحمله إلا الفم بهذه الدرجة وبفضل الغدد اللعابية ، كما تقوم الغدد اللعابية بجرف الخلايا المتوسفة وبقايا الأغذية والجراثيم ، وهكذا تفعل هذه الغدد كما تفعل أمانة العاصمة في تنظيف هذه الأماكن وتطهيرها ، كما تعتبر مشعراً في العطش فعندما تنقص السوائل في البدن يشعر الإنسان بجفاف حلقه فيشرب الماء ، ونرى الخطباء الذي يتكلمون الساعات الطويلة ، والمتحدث والمتكلم العادي فكيف يمكن لكل واحد فيهم من متابعة حديثه وتزييت لسانه؟!! إنه اللعاب الذي يرطب جوف الفم ولولاه لما استطعنا متابعة الحديث ، وكلنا يشعر بذلك عندما يجف حلقه كيف يصعب عليه الكلام.

فكيف اجتمعت كل هذه الوظائف في هذا اللعاب العجيب فهو المنظف والمطهر والمعدل والمرطب والمزلق والملين والحامي ، والمبلل ، والمذوق ، والمحلل ، والمشعر ، وجرس الانذار في الفم ، عشرات الوظائف في سائل

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458