الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128708 / تحميل: 6807
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

( سورة القصص مكّيّة و هي ثمان و ثمانون آية)

( سورة القصص الآيات ١ – ١٤)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ طسم ( ١ ) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ( ٢ ) نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( ٣ ) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ  إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( ٤ ) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ( ٥ ) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ( ٦ ) وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ  فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي  إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( ٧ ) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا  إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ( ٨ ) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ  لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( ٩ ) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا  إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( ١٠ ) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ  فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( ١١ ) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ

٢

لَهُ نَاصِحُونَ ( ١٢ ) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( ١٣ ) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٤ )

( بيان)

غرض السورة الوعد الجميل للمؤمنين و هم بمكّة قبل الهجرة شرذمة قليلون يستضعفهم فراعنة قريش و طغاتها و اليوم يوم شدّة و عسرة و فتنة بأنّ الله سيمنّ عليهم و يجعلهم أئمّة و يجعلهم الوارثين و يمكّن لهم و يرى طغاة قومهم منهم ما كانوا يحذرون يقصّ تعالى للمؤمنين من قصّة موسى و فرعون أنّه خلق موسى في حين كان فرعون في أوج قدرته يستضعف بني إسرائيل يذبّح أبناءهم و يستحيي نساءهم فربّاه في حجر عدوّ، حتّى إذا استوى و بلغ أشدّه نجّاه و أخرجه من بينهم إلى مدين ثمّ ردّه إليهم رسولاً منه بسلطان مبين حتّى إذا أغرق فرعون و جنوده أجمعين و جعل بني إسرائيل هم الوارثين و أنزل التوراة على موسى هدى و بصائر للمؤمنين.

و على هذا المجرى يجري حال المؤمنين و فيه وعدٌ لهم بالملك و العزّة و السلطان و وعد للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بردّه إلى معاد.

و انتقل من القصّة إلى بيان أنّ من الواجب في حكمة الله أن ينزّل كتاباً من عنده للدعوة الحقّة ثمّ ذكر طعنهم في دعوة القرآن بقولهم: لو لا اُوتي مثل ما اُوتي موسى و الجواب عنه، و تعلّلهم عن الإيمان بقولهم: إن نتّبع الهدى معك نتخطّف من أرضنا و الجواب عنه و فيه التمثّل بقصّة قارون و خسفه.

و السورة مكّيّة كما يشهد بذلك سياق آياتها، و ما أوردناه من الآيات فصل من قصّة موسى و فرعون من يوم ولد موسى إلى بلوغه أشدّه.

قوله تعالى: ( طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ) تقدّم الكلام فيه في نظائره.

٣

قوله تعالى: ( نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى‏ وَ فِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( مِنْ ) للتبعيض و( بِالْحَقِّ ) متعلّق بقوله:( نَتْلُوا ) أي نتلو تلاوة متلبّسة بالحقّ فهو من عندنا و بوحي منّا من غير أن يداخل في إلقائه الشياطين، و يمكن أن يكون متعلّقاً بنبإ أي حال كون النبإ الّذي نتلوه عليك متلبّساً بالحقّ لا مرية فيه.

و قوله:( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) اللّام فيه للتعليل و هو متعلّق بقوله:( نَتْلُوا ) أي نتلو عليك من نبإهما لأجل قوم يؤمنون بآياتنا.

و محصّل المعنى: نتلو عليك بعض نبإ موسى و فرعون تلاوة بالحقّ لأجل أن يتدبّر فيه هؤلاء الّذين يؤمنون بآياتنا ممّن اتّبعوك و هم طائفة أذلّاء مستضعفون في أيدي فراعنة قريش و طغاة قومهم فيتحقّقوا أنّ الله الّذي آمنوا به و برسوله و تحمّلوا كلّ أذى في سبيله هو الله الّذي أنشأ موسىعليه‌السلام لإحياء الحقّ و إنجاء بني إسرائيل و إعزازهم بعد ذلّتهم هاتيك الذلّة يذبّح أبناءهم و يستحيي نساءهم و قد علا فرعون و أنشب فيهم مخالب قهره و أحاط بهم بجوره.

أنشأه و الجوّ ذلك الجوّ المظلم الّذي لا مطمع فيه فربّاه في حجر عدوّه ثمّ أخرجه من مصر ثمّ أعاده إليهم بسلطان فأنجا به بني إسرائيل و أفنى بيده فرعون و جنوده و جعلهم أحاديث و أحلاما.

فهو الله جلّ شأنه يقصّ على نبيّه قصّتهم و يرمز له و لهم بقوله:( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) أنّه سيفعل بهؤلاء مثل ما فعل باُولئك و يمنّ على هؤلاء المستضعفين و يجعلهم أئمّة و يجعلهم الوارثين حذو ما صنع ببني إسرائيل.

قوله تعالى: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ) إلخ، العلوّ في الأرض كناية عن التجبّر و الاستكبار، و الشيع جمع شيعة و هي الفرقة، قال في المجمع: الشيع: الفرق و كلّ فرقة شيعة و سمّوا بذلك لأنّ بعضهم يتابع بعضاً. انتهى. و كأنّ المراد بجعل أهل الأرض - و كأنّهم أهل مصر و اللّام للعهد - فرقاً إلقاء الاختلاف بينهم لئلّا يتّفق كلمتهم فيثوروا عليه و يقلبوا عليه الأمور على ما هو من دأب الملوك في بسط القدرة و تقوية السلطة، و استحياء النساء إبقاء حياتهنّ.

٤

و محصّل المعنى: أنّ فرعون علا في الأرض و تفوّق فيها ببسط السلطة على الناس و إنفاذ القدرة فيهم و جعل أهلها شيعاً و فرقاً مختلفة لا تجتمع كلمتهم على شي‏ء و بذلك ضعّف عامّة قوّتهم على المقاومة دون قوّته و الامتناع من نفوذ إرادته.

و هو يستضعف طائفة منهم و هم بنو إسرائيل و هم أولاد يعقوبعليه‌السلام و قد قطنوا بمصر منذ أحضر يوسفعليه‌السلام أباه و إخوته و أشخصهم هناك فسكنوها و تناسلوا بها حتّى بلغوا الاُلوف.

و كان فرعون هذا و هو ملك مصر المعاصر لموسىعليه‌السلام يعاملهم معاملة الاُسراء الأرقّاء و يزيد في تضعيفهم حتّى بلغ من استضعافه لهم أن أمر بتذبيح أبنائهم و استبقاء نسائهم و كان فيه إفناء رجالهم بقتل الأبناء الذكور و فيه فناء القوم.

و السبب في ذلك أنّه كان من المفسدين في الأرض فإنّ الخلقة العامّة الّتي أوجدت الإنسان لم يفرّق في بسط الوجود بين شعب و شعب من الشعوب الإنسانيّة ثمّ جهّز الكلّ بما يهديهم إلى حياة اجتماعيّة بالتمتّع من أمتعة الحياة الأرضيّة و لكلّ ما يعادل قيمته في المجتمع و ما يساوي زنته في التعاون.

هذا هو الإصلاح الّذي يهتف به الصنع و الإيجاد، و التعدّي عن ذلك بتحرير قوم و تعبيد آخرين و تمتيع شعب بما لا يستحقّونه و تحريم غيرهم ما يصلحون له هو الإفساد الّذي يسوق الإنسانيّة إلى البيد و الهلاك.

و في الآية تصوير الظرف الّذي ولد فيه موسىعليه‌السلام و قد أحدقت الأسباب المبيدة لبني إسرائيل على إفنائه.

قوله تعالى: ( وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ - إلى قوله -ما كانُوا يَحْذَرُونَ ) الأصل في معنى المنّ - على ما يستفاد من كلام الراغب - الثقل و منه تسمية ما يوزن به منّا، و المنّة النعمة الثقيلة و منّ عليه منّا أي أثقله بالنعمة. قال: و يقال ذلك على وجهين أحدهما بالفعل كقوله:( وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) أي نعطيهم من النعمة ما يثقلهم و الثاني بالقول كقوله:( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) و هو مستقبح إلّا عند كفران النعمة. انتهى ملخصّاً.

٥

و تمكينهم في الأرض إعطاؤهم فيها مكاناً يملكونه و يستقرّون فيه، و عن الخليل أنّ المكان مفعل من الكون و لكثرته في الكلام اُجري مجرى فعال. فقيل: تمكن و تمسكن نحو تمنزل انتهى.

و قوله:( وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ) إلخ الأنسب أن يكون حالاً من( طائِفَةً ) و التقدير يستضعف طائفة منهم و نحن نريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا إلخ و قيل: معطوف على قوله:( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ ) و الأوّل أظهر، و( نُرِيدُ ) على أيّ حال لحكاية الحال الماضية.

و قوله:( وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ) عطف تفسير على قوله:( نَمُنَّ ) و كذا ما بعده من الجمل المتعاقبة.

و المعنى: أنّ الظرف كان ظرف علوّ فرعون، و تفريقه بين الناس و استضعافه لبني إسرائيل استضعافاً يبيدهم و يفنيهم و الحال أنّا نريد أن ننعم على هؤلاء الّذين استضعفوا من كلّ وجه نعمة تثقلهم و ذلك بأن نجعلهم أئمّة يقتدى بهم فيكونوا متبوعين بعد ما كانوا تابعين، و نجعلهم الوارثين لها بعد ما كانت بيد غيرهم و نمكّن لهم في الأرض بأن نجعل لهم مكاناً يستقرّون فيه و يملكونه بعد ما لم يكن لهم من المكان إلّا ما أراد غيرهم أن يبوّئهم فيه و يقرّهم عليه، و نري فرعون و هو ملك مصر و هامان و هو وزيره و جنودهما منهم أي من هؤلاء الّذين استضعفوا ما كانوا يحذرون و هو أن يظهروا عليهم فيذهبوا بملكهم و مالهم و سنّتهم كما قالوا في موسى و أخيه لمّا اُرسلاً إليهم:( يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) طه: ٦٣.

و الآية تصوّر ما في باطن هذا الظرف الهائل الّذي قضى على بني إسرائيل أن لا يعيش منهم متنفّس و لا يبقى منهم نافخ نار و قد أحاطت بهم قدرة فرعون الطاغية و ملأ أقطار وجودهم رعبه و هو يستضعفهم حتّى يقضي عليهم بالبيد هذا ظاهر الأمر و في باطنه الإرادة الإلهيّة تعلّقت بأن تنجيهم منهم و تحوّل ثقل النعمة من آل فرعون الأقوياء العالين إلى بني إسرائيل الأذلّاء المستضعفين و تبدّل من الأسباب ما كان على بني إسرائيل لهم و ما كان لآل فرعون عليهم و الله يحكم لا معقّب لحكمه.

٦

قوله تعالى: ( وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ) إلى آخر الآية، الإيحاء هو التكليم الخفيّ و يستعمل في القرآن في تكليمه تعالى بعض خلقه بنحو الإلهام و الإلقاء في القلب كما في قوله:( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى‏ لَها ) الزلزال: ٥ و قوله:( وَ أَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) النحل: ٦٨ و قوله في اُمّ موسى:( وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى) الآية أو بنحو آخر كما في الأنبياء و الرسل، و في غيره تعالى كما في قوله:( إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى‏ أَوْلِيائِهِمْ ) الأنعام: ١٢١، و الإلقاء الطرح، و اليمّ البحر و النهر الكبير.

و قوله:( وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى) في الكلام إيجاز بالحذف و التقدير و حبلت اُمّ موسى به - و الحال هذه الحال من الشدّة و الحدّة - و وضعته و أوحينا إليها إلخ.

و المعنى: و قلنا بنوع من الإلهام لاُمّ موسى لمّا وضعته: أرضعيه ما دمت لا تخافين عليه من قبل فرعون فإذا خفت عليه - أن يطّلع عليه آل فرعون فيأخذوه و يقتلوه - فألقيه في البحر و هو النيل على ما وردت به الرواية و لا تخافي عليه القتل و لا تحزني لفقده و مفارقته إيّاك إنّا رادّوه إليك بعد ذلك و جاعلوه من المرسلين فيكون رسولاً إلى آل فرعون و بني إسرائيل.

فقوله:( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ) تعليل للنهي في قوله:( وَ لا تَحْزَنِي ) كما يشهد به أيضاً قوله بعد:( فَرَدَدْناهُ إِلى‏ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ ) و الفرق بين الخوف و الحزن بحسب المورد أنّ الخوف إنّما يكون في مكروه محتمل الوقوع و الحزن في مكروه قطعيّ الوقوف.

قوله تعالى: ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ ) الالتقاط أصابه الشي‏ء و أخذه من غير طلب، و منه اللقطة و اللّام في قوله:( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً ) للعاقبة - على ما قيل - و الحزن بفتحتين و الحزن بالضمّ فالسكون بمعنى واحد كالسقم و السقم، و المراد بالحزن سبب الحزن فإطلاق الحزن عليه مبالغة في سببيّته لحزنهم.

و الخاطئين اسم فاعل من خطئ يخطأ خطأً كعلم يعلم علما كما أنّ المخطئ

٧

اسم فاعل من أخطأ يخطئ إخطاءً، و الفرق بين الخاطئ و المخطئ - على ما ذكره الراغب - أنّ الخاطئ يطلق على من أراد فعلاً لا يحسنه ففعله قال تعالى:( إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً ) ، و قال:( وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ ) ، و المخطئ يستعمل فيمن أراد فعلاً يحسنه فوقع منه غيره و اسم مصدره الخطأ بفتحتين، قال تعالى:( وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً ) النساء: ٩٢ و المعنى الجامع هو العدول عن الجهة. انتهى ملخّصاً.

فقوله:( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ ) أي فيما كانوا يفعلونه في أبناء بني إسرائيل و موسى تحذّرا من انهدام ملكهم و ذهاب سلطانهم بيدهم إرادة لتغيير المقادير عن مجاريها فقتلوا الجمّ الغفير من الأبناء و لا شأن لهم في ذلك و تركوا موسى حيث التقطوه و ربّوه في حجورهم و كان هو الّذي بيده انقراض دولتهم و زوال ملكهم.

و المعنى: فأصابه آل فرعون و أخذوه من اليمّ و كان غاية ذلك أن يكون لهم عدوّاً و سبب حزن إنّ فرعون و هامان و جنودهما كانوا خاطئين في قتل الأبناء و ترك موسى: أرادوا أن يقضوا على من سيقضي عليهم فعادوا يجتهدون في حفظه و يجدّون في تربيته.

و بذلك يظهر أنّ تفسير بعضهم كونهم خاطئين بأنّهم كانوا مذنبين فعاقبهم الله أن ربّي عدوّهم على أيديهم ليس بسديد.

قوله تعالى: ( وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى‏ أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ ) شفاعة من امرأة فرعون و قد كانت عنده حينما جاؤا إليه بموسى - و هو طفل ملتقط من اليمّ - تخاطب فرعون بقوله:( قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ ) أي هو قرّة عين لنا( لا تَقْتُلُوهُ ) و إنّما خاطب بالجمع لأنّ شركاء القتل كانوا كثيرين من سبب و مباشر و آمر و مأمور.

و إنّما قالت ما قالت لأنّ الله سبحانه ألقى محبّة منه في قلبها فعادت لا تملك نفسها دون أن تدفع عنه القتل و تضمّه إليها، قال تعالى فيما يمنّ به على موسىعليه‌السلام :( وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَيْنِي ) طه: ٣٩.

و قوله:( عَسى‏ أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) قالته لمّا رأت في وجهه من آثار الجلال

٨

و سيماء الجذبة الإلهيّة، و في قولها:( أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) دلالة على أنّهما كانا فاقدين للإبن.

و قوله:( وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ ) جملة حاليّة أي قالت ما قالت و شفعت له و صرفت عنه القتل و القوم لا يشعرون ما ذا يفعلون و ما هي حقيقة الحال و ما عاقبته؟

قوله تعالى: ( وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى‏ فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى‏ قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الإبداء بالشي‏ء إظهاره، و الربط على الشي‏ء شدّة و هو كناية عن التثبيت.

و المراد بفراغ فؤاد اُمّ موسى فراغه و خلوّة من الخوف و الحزن و كان لازم ذلك أن لا يتوارد عليه خواطر مشوّشة و أوهام متضاربة يضطرب بها القلب فيأخذها الجزع فتبدي ما كان عليها أن تخفيه من أمر ولدها.

و ذلك أنّ ظاهر السياق أنّ سبب عدم إبدائها له فراغ قلبها و سبب فراغ قلبها الربط على قلبها و سبب الربط هو قوله تعالى لها فيما أوحى إليها:( لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ) إلخ.

و قوله:( إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا ) إلخ،( إِنْ ) مخفّفة من الثقيلة أي إنّها قربت من أن تظهر الأمر و تفشي السرّ لو لا أن ثبّتنا قلبها بالربط عليه، و قوله:( لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) أي الواثقين بالله في حفظه فتصبر و لا تجزع عليه فلا يبدو أمره.

و المجموع أعني قوله:( إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) إلى آخر الآية في مقام البيان لقوله:( وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى‏ فارِغاً ) و محصّل معنى الآية و صار قلب اُمّ موسى بسبب وحينا خالياً من الخوف و الحزن المؤدّيين إلى إظهار الأمر، لو لا أن ثبّتنا قلبها بسبب الوحي لتكون واثقة بحفظ الله له لقربت من أن تظهر أمره لهم بالجزع عليه.

و بما تقدّم يظهر ضعف بعض ما قيل في تفسير جمل الآية كقول بعضهم في( وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى‏ فارِغاً ) أي صفراً من العقل لما دهمها من الخوف و الحيرة حين سمعت بوقوع الطفل في يد فرعون، و قول آخرين: أي فارغاً من الوحي الّذي اُوحي إليها بالنسيان، و ما قيل: أي فارغاً من كلّ شي‏ء إلّا ذكر موسى أي صار فارغاً له. فإنّها

٩

جميعاً وجوه لا يحتمل شيئاً منها السياق.

و نظير ذلك في الضعف قولهم: إنّ جواب لو لا محذوف و التقدير لو لا أن ربطنا على قلبها لأبدته و أظهرته، و الوجه في تقديرهم ذلك ما قيل: إنّ لو لا شبيهه بأدوات الشرط فلها الصدر و لا يتقدّم جوابها عليها. و قد تقدّمت المناقشة فيه في الكلام على قوله تعالى:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ ) يوسف: ٢٤.

قوله تعالى: ( وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ ) قال في المجمع: القصّ اتّباع الأثر و منه القصص في الحديث لأنّه يتّبع فيه الثاني الأوّل. و قال: و معنى بصرت به عن جنب أبصرته عن جنابة أي عن بعد. انتهى.

و المعنى: و قالت اُمّ موسى لاُخته اتّبعي أثر موسى حتّى ترين إلام يؤل أمره فرأته عن بعد و قد أخذه خدم فرعون و هم لا يشعرون بأنّها تقصّه و تراقبه.

قوله تعالى: ( وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ ) التحريم في الآية تكوينيّ لا تشريعيّ و معناه جعله بحيث لا يقبل ثدي مرضع و يمتنع من ارتضاعها.

و قوله:( مِنْ قَبْلُ ) أي من قبل حضورها هناك و مجيئها إليهم و المراضع جمع مرضعة كما قيل.

و قوله:( فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ ) تفريع على ما تقدّمه غير أنّ السياق يدلّ على أنّ هناك حذفاً كأنّه قيل: و حرّمنا عليه المراضع غير اُمّه من قبل أن تجي‏ء اُخته فكلّما أتوا له بمرضع لترضعه لم يقبل ثديها فلمّا جاءت اُخته و رأت الحال قالت عند ذلك لآل فرعون: هل أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لنفعكم و هم له ناصحون.

قوله تعالى: ( فَرَدَدْناهُ إِلى‏ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) تفريع على ما تقدّمه مع تقدير مّا يدلّ عليه السياق، و المحصّل أنّها قالت: هل أدلّكم على أهل بيت كذا فأنعموا لها بالقبول فدلّتهم على اُمّه فسلّموه إليها فرددناه إلى اُمّه بنظم هذه الأسباب.

١٠

و قوله:( كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ ) إلخ، تعليل للردّ و المراد بالعلم هو اليقين بالمشاهدة فإنّها كانت تعلم من قبلُ أنّ وعد الله حقّ و كانت مؤمنة و إنّما اُريد بالردّ أن توقن بالمشاهدة أنّ وعد الله حقّ.

و المراد بوعد الله مطلق الوعد الإلهيّ بدليل قوله:( وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) أي لا يوقنون بذلك و يرتابون في مواعده تعالى و لا تطمئنّ إليها نفوسهم، و محصّله أن توقع بمشاهدة حقيّة هذا الّذي وعدها الله به أنّ مطلق وعده تعالى حقّ.

و ربّما يقال: إنّ المراد بوعد الله خصوص الوعد المذكور في الآية السابقة:( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) و لا يلائمه قوله بعد:( وَ لكِنَّ ) إلخ على ما تقدّم.

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى‏ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) بلوغ الأشدّ أن يعمّر الإنسان ما تشتدّ عند ذلك قواه و يكون في الغالب في الثمان عشرة، و الاستواء الاعتدال و الاستقرار فالاستواء في الحياة استقرار الإنسان في أمر حياته و يختلف في الأفراد و هو على الأغلب بعد بلوغ الأشدّ، و قد تقدّم الكلام في معنى الحكم و العلم و إيتائهما و معنى الإحسان في مواضع من الكتاب.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى:( وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ) قال: يوسف و ولده.

أقول: لعلّ المراد بنو إسرائيل، و إلّا فظهور الآية في خلافه غير خفيّ.

و في معاني الأخبار، بإسناده عن محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر إلى عليّ و الحسن و الحسينعليهم‌السلام فبكى و قال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضّل: فقلت له: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنّكم الأئمّة بعدي إنّ الله عزّوجلّ يقول:( وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي

١١

الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.

أقول: و الروايات من طرق الشيعة في كون الآية في أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كثيرة و بهذه الرواية يظهر أنّها جميعاً من قبيل الجري و الانطباق.

و في نهج البلاغة: لتعطفنّ الدنيا عليا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها و تلا عقيب ذلك( وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) .

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى) إلى آخر الآية: حدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّه لمّا حملت به اُمّه لم يظهر حملها إلّا عند وضعها له و كان فرعون قد وكّل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظنهنّ و ذلك أنّه كان لمّا بلغه عن بني إسرائيل أنّهم يقولون: إنّه يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران يكون هلاك فرعون و أصحابه على يده فقال فرعون عند ذلك: لأقتلنّ ذكور أولادهم حتّى لا يكون ما يريدون و فرّق بين الرجال و النساء و حبس الرجال في المحابس.

فلمّا وضعت اُمّ موسى بموسى نظرت إليه و حزنت عليه و اغتمّت و بكت و قالت: يذبح الساعة فعطف الله عزّوجلّ قلب الموكّلة بها عليه فقالت لاُمّ موسى: ما لك قد اصفرّ لونك؟ فقالت أخاف أن يذبح ولدي فقالت: لا تخافي و كان موسى لا يراه أحد إلّا أحبّه و هو قول الله:( وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) .

فأحبّته القبطيّة الموكّلة بها و أنزل الله على اُمّ موسى التابوت، و نوديت ضعيه في التابوت فألقيه في اليمّ و هو البحر( وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) فوضعته في التابوت و أطبقته عليه و ألقته في النيل.

و كان لفرعون قصر على شطّ النيل متنزّه فنظر من قصره - و معه آسية امرأته - إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج و الرياح تضربه حتّى جاءت به إلى باب قصر فرعون فأمر فرعون بأخذه فاُخذ التابوت و رفع إليه فلمّا فتحه وجد فيه صبيّاً فقال: هذا إسرائيليّ فألقى الله في قلب فرعون محبّة شديدة و كذلك في قلب آسية.

١٢

و أراد فرعون أن يقتله فقالت آسية:( لا تَقْتُلُوهُ عَسى‏ أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أنّه موسى.

و في المجمع: في قوله تعالى:( قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ ) إلخ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و الّذي يحلف به لو أقرّ فرعون بأن يكون له قرّة عين كما أقرّت امرأته لهداه الله به كما هداها و لكنّه أبى للشقاء الّذي كتبه الله عليه.

و في المعاني، بإسناده عن محمّد بن نعمان الأحول عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى) قال: أشدّه ثمان عشرة سنة( وَ اسْتَوى) التحى.

١٣

( سورة القصص الآيات ١٥ - ٢١)

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ  فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ  قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ  إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ( ١٥ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ  إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( ١٦ ) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ ( ١٧ ) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ  قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ( ١٨ ) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ  إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ( ١٩ ) وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( ٢٠ ) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ  قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( ٢١ )

( بيان)

فصل ثان من قصّة موسىعليه‌السلام فيه ذكر بعض ما وقع بعد بلوغه أشدّه فأدّى إلى خروجه من مصر و قصده مدين.

قوله تعالى: ( وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى‏ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها ) إلخ، لا ريب أنّ المدينة الّتي دخلها على حين غفلة من أهلها هي مصر، و أنّه كان يعيش عند فرعون،

١٤

و يستفاد من ذلك أنّ القصر الملكيّ الّذي كان يسكنه فرعون كان خارج المدينة و أنّه خرج منه و دخل المدينة على حين غفلة من أهلها، و يؤيّد ما ذكرنا ما سيأتي من قوله:( وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) على ما سيجي‏ء من الاستظهار.

و حين الغفلة من أهل المدينة هو حين يدخل الناس بيوتهم فتتعطّل الأسواق و تخلو الشوارع و الأزقّة من المارّة كالظهيرة و أواسط الليل.

و قوله:( فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ) أي يتنازعان و يتضاربان، و قوله:( هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ ) حكاية حال تمثّل به الواقعة، و معناه: أنّ أحدهما كان إسرائيليّاً من متّبعيه في دينه - فإنّ بني إسرائيل كانوا ينتسبون يومئذ إلى آبائهم إبراهيم و إسحاق و يعقوبعليهم‌السلام في دينهم و إن كان لم يبق لهم منه إلّا الاسم و كانوا يتظاهرون بعبادة فرعون - و الآخر قبطيّاً عدوّاً له لأنّ القبط كانوا أعداء بني إسرائيل، و من الشاهد أيضاً على كون هذا الرجل قبطيّاً قوله في موضع آخر يخاطب ربّه:( وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) الشعراء: ١٤.

و قوله:( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) الاستغاثة: الاستنصار من الغوث بمعنى النصرة أي طلب الإسرائيلي من موسى أن ينصره على عدوّه القبطيّ.

و قوله:( فَوَكَزَهُ مُوسى‏ فَقَضى‏ عَلَيْهِ ) ضميراً( فَوَكَزَهُ ) و( عَلَيْهِ ) للّذي من عدوّه و الوكز - على ما ذكره الراغب و غيره - الطعن و الدفع و الضرب بجمع الكفّ، و القضاء هو الحكم و القضاء عليه كناية عن الفراغ من أمره بموته، و المعنى: فدفعه أو ضربه موسى بالوكز فمات، و كان قتل خطإ و لو لا ذلك لكان من حقّ الكلام أن يعبّر بالقتل.

و قوله:( قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) الإشارة بهذا إلى ما وقع بينهما من الاقتتال حتّى أدّى إلى موت القبطي و قد نسبه نوع نسبة إلى عمل الشيطان إذ قال:( هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) و( مِنْ ) ابتدائيّة تفيد معنى الجنس أو نشوئيّة، و المعنى: هذا الّذي وقع من المعاداة و الاقتتال من جنس العمل المنسوب إلى

١٥

الشيطان أو ناش من عمل الشيطان فإنّه هو الّذي أوقع العداوة و البغضاء بينهما و أغرى على الاقتتال حتّى أدّى ذلك إلى مداخلة موسى و قتل القبطي بيده فأوقعه ذلك في خطر عظيم و قد كان يعلم أنّ الواقعة لا تبقى خفيّة مكتومة و أنّ القبط سيثورون عليه و أشرافهم و ملاؤهم و على رأسهم فرعون سينتقمون منه و من كلّ من تسبّب إلى ذلك أشدّ الانتقام.

فعند ذلك تنبّهعليه‌السلام أنّه أخطأ فيما فعله من الوكز الّذي أورده مورد الهلكة و لا ينسب الوقوع في الخطإ إلى الله سبحانه لأنّه لا يهدي إلّا إلى الحقّ و الصواب فقضي أنّ ذلك منسوب إلى الشيطان.

و فعله ذاك و إن لم يكن معصية منه لوقوعه خطأ و كون دفاعه عن الإسرائيلي دفعاً لكافر ظالم، لكنّ الشيطان كما يوقع بوسوسته الإنسان في الإثم و المعصية كذلك يوقعه في أيّ مخالفة للصواب يقع بها في الكلفة و المشقّة كما أوقع آدم و زوجه فيما أوقع من أكل الشجرة المنهيّة فأدّى ذلك إلى خروجهما من الجنّة.

فقوله:( هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) انزجار منه عمّا وقع من الاقتتال المؤدّي إلى قتل القبطيّ و وقوعه في عظيم الخطر و ندم منه على ذلك، و قوله:( إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) إشارة منه إلى أنّ فعله كان من الضلال المنسوب إلى الشيطان و إن لم يكن من المعصية الّتي فيها إثم و مؤاخذة بل خطأ محضاً لا ينسب إلى الله بل إلى الشيطان الّذي هو عدوّ مضلّ مبين، فكان ذلك منه نوعاً من سوء التدبير و ضلال السعي يسوقه إلى عاقبة وخيمة و لذا لمّا اعترض عليه فرعون بقوله:( وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ‏ ) أجابه بقوله:( فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) الشعراء: ٢٠.

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) اعتراف منه عند ربّه بظلمه نفسه حيث أوردها مورد الخطر و ألقاها في التهلكة، و منه يظهر أنّ المراد بالمغفرة المسؤولة في قوله:( فَاغْفِرْ لِي ) هو إلغاء تبعة فعله و إنجاؤه من الغمّ و تخليصه من شرّ فرعون و ملإه، كما يظهر من قوله تعالى:( وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ ) طه: ٤٠.

١٦

و هذا الاعتراف بالظلم و سؤال المغفرة نظير ما وقع من آدم و زوجه المحكيّ في قوله تعالى:( قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) الأعراف: ٢٣.

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) قيل: الباء في قوله:( بِما أَنْعَمْتَ ) للسببيّة و المعنى ربّ بسبب ما أنعمت عليّ، لك عليّ أن لا أكون معيناً للمجرمين فيكون عهداً منه لله تعالى و قيل: الباء للقسم و الجواب محذوف و المعنى: اُقسم بما أنعمت عليّ لأتوبنّ أو لأمتنعنّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين، و قيل: القسم استعطافيّ و هو القسم الواقع في الإنشاء كقولك بالله زرني، و المعنى اُقسمك أن تعطف عليّ و تعصمني فلن أكون ظهيراً للمجرمين.

و الوجه الأوّل هو الأوجه لأنّ المراد بقوله:( بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ) - على ما ذكروه - إمّا إنعامه تعالى عليه إذ حفظه و خلّصه من قتل فرعون و ردّه إلى اُمّه، و إمّا إنعامه عليه إذ قبل توبته من قتل القبطيّ و غفر له بناء على أنّه علم مغفرته تعالى بإلهام أو رؤيا أو نحوهما و كيف كان فهو إقسام بغيره تعالى، و المعنى اُقسم بحفظك إيّاي أو اُقسم بمغفرتك لي، و لم يعهد في كلامه تعالى حكاية قسم من غيره بغيره بهذا النحو.

و قوله:( فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) قيل: المراد بالمجرم من أوقع غيره في الجرم أو من أدّت إعانته إلى جرم كالإسرائيليّ الّذي خاصمه القبطيّ فأوقعت إعانته موسى في جرم القتل فيكون في لفظ المجرمين مجاز في النسبة من حيث تسمية السبب الموقع في الجرم مجرماً.

و قيل: المراد بالمجرمين فرعون و قومه و المعنى: اُقسم بإنعامك عليّ لأتوبنّ فلن أكون معيناً لفرعون و قومه بصحبتهم و ملازمتهم و تكثير سوادهم كما كنت أفعله إلى هذا اليوم.

و ردّ هذا الوجه الثاني بأنّه لا يناسب المقام.

و الحقّ أنّ قوله:( رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) عهد من

١٧

موسىعليه‌السلام أن لا يعين مجرماً على إجرامه شكراً لله تعالى على ما أنعم عليه، و المراد بالنعمة و قد اُطلقت إطلاقاً الولاية الإلهيّة على ما يشهد به قوله تعالى:( فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ ) النساء: ٦٩.

و هؤلاء أهل الصراط المستقيم مأمونون من الضلال و الغضب لقوله تعالى:( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ ) الفاتحة: ٧ و ترتّب الامتناع عن إعانة المجرمين على الإنعام بهذا المعنى ظاهر لا سترة عليه.

و من هنا يظهر أنّ المراد بالمجرمين أمثال فرعون و قومه دون أمثال الإسرائيلي الّذي أعانه فلم يكن في إعانته جرم و لا كان وكز القبطيّ جرماً حتّى يتوبعليه‌السلام منه كيف؟ و هوعليه‌السلام من أهل الصراط المستقيم الّذين لا يضلّون بمعصيته، و قد نصّ تعالى على كونه من المخلصين الّذين لا سبيل للشيطان إليهم بالإغواء حيث قال:( إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) مريم: ٥١.

و قد نصّ تعالى أيضاً آنفاً بأنّه آتاه حكماً و علماً و أنّه من المحسنين و من المتيقّن من أمره أن لا تستخفّه عصبيّة قوميّة أو غضب في غير ما ينبغي أو إعانة و نصرة لمجرم في إجرامه.

و قد كرّر( قالَ ) ثلاثاً حيث قيل:( قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) ( قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ) ( قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ) و ذلك لاختلاف السياق في الجمل الثلاث فالجملة الاُولى قضاء منه و حكم، و الجملة الثانية استغفار و دعاء، و الجملة الثالثة عهد و التزام.

قوله تعالى: ( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى‏ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ) تقييد( فَأَصْبَحَ ) بقوله:( فِي الْمَدِينَةِ ) دليل على أنّه بقي في المدينة و لم يرجع إلى قصر فرعون، و الاستصراخ الاستغاثة برفع الصوت من الصراخ بمعنى الصياح، و الغواية إخطاء الصواب خلاف الرشد.

و المعنى: فأصبح موسى في المدينة - و لم يرجع إلى بلاط فرعون - و الحال أنّه خائف من فرعون ينتظر الشرّ ففاجأه أنّ الإسرائيليّ الّذي استنصره على القبطيّ

١٨

بالأمس يستغيث به رافعاً صوته على قبطيّ آخر قال موسى للإسرائيليّ توبيخاً و تأنيباً: إنّك لغويّ مبين لا تسلك سبيل الرشد و الصواب لأنّه كان يخاصم و يقتتل قوماً ليس في مخاصمتهم و المقاومة عليهم إلّا الشرّ كلّ الشرّ.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ) إلى آخر الآية، ذكر جلّ المفسّرين أنّ ضمير( قالَ ) للإسرائيلي الّذي كان يستصرخه و ذلك أنّه ظنّ أنّ موسى إنّما يريد أن يبطش به لمّا سمعه يعاتبه قبل بقوله:( إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ) فهاله ما رأى من إرادته البطش فقال:( يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ) إلخ، فعلم القبطيّ عند ذلك أنّ موسى هو الّذي قتل القبطيّ بالأمس فرجع إلى فرعون فأخبره الخبر فأتمروا بموسى و عزموا على قتله.

و ما ذكروه في محلّه لشهادة السياق بذلك فلا يعبوء بما قيل: إنّ القائل هو القبطيّ دون الإسرائيليّ، هذا و معنى باقي الآية ظاهر. و في قوله:( أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما ) تعريض للتوراة الحاضرة حيث تذكر أنّ المتقاتلين هذين كانا جميعاً إسرائيليّين، و فيه أيضاً تأييد أنّ القائل:( يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ ) إلخ، الإسرائيلي دون القبطيّ لأنّ سياقه سياق اللّوم و الشكوى.

قوله تعالى: ( وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى‏ قالَ يا مُوسى‏ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ) إلخ، الائتمار المشاورة، و النصيحة خلاف الخيانة.

و الظاهر كون قوله:( مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ) قيداً لقوله:( جاءَ ) فسياق القصّة يعطي أنّ الائتمار كان عند فرعون و بأمر منه، و أنّ هذا الرجل جاء من هناك و قد كان قصر فرعون في أقصى المدينة و خارجها فأخبر موسى بما قصدوه من قتله و أشار عليه بالخروج من المدينة.

و هذا الاستئناس من الكلام يؤيّد ما تقدّم أنّ قصر فرعون الّذي كان يسكنه كان خارج المدينة، و معنى الآية ظاهر.

١٩

قوله تعالى: ( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فيه تأييد أنّه ما كان يرى قتله القبطيّ خطأ جرماً لنفسه.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، قال: فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتّى بلغ مبلغ الرجال و كان ينكر عليه ما يتكلّم به موسىعليه‌السلام من التوحيد حتّى همّ به فخرج موسى من عنده و دخل المدينة فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى و الآخر يقول بقول فرعون فاستغاثه الّذي من شيعته فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضى عليه و توارى في المدينة.

فلمّا كان الغد جاء آخر فتشبّث بذلك الرجل الّذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلمّا نظر صاحبه إلى موسى قال له:( أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ) فخلّى عن صاحبه و هرب.

و في العيون، بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضاعليه‌السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أ ليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى. قال: فأخبرني عن قول الله:( فَوَكَزَهُ مُوسى‏ فَقَضى‏ عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) قال الرضاعليه‌السلام : إنّ موسىعليه‌السلام دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها و ذلك بين المغرب و العشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوّه فقضى على العدوّ بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات، قال:( هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) يعني الاقتتال الّذي وقع بين الرجلين لا ما فعله موسىعليه‌السلام من قتله( إِنَّهُ ) يعني الشيطان( عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) .

قال المأمون: فما معنى قول موسى:( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) ؟ قال: يقول: وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلّا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم. قال موسى: ربّ بما أنعمت

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الشافعي(١) - وسيأتي(٢) - فحينئذٍ تجب الزكاة عند الحول.

ومقتضى قول المانعين من الوجوب على المديون المنع هنا ، لأنّه دَين(٣) .

وقيل : لا تجب بمعنى آخر وهو عدم استقرار الملك ، إذ لصاحبها أخذها متى وجدها(٤) .

مسألة ٢٧ : إمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب‌ ، فلو لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتى تلفت لم يضمن ، ولو تلف بعض النصاب سقط من الفريضة بقدره ، وسيأتي(٥) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

أمّا الكافر فإنّ الزكاة وإن وجبت عليه عندنا ، لأنّه مخاطب بالفروع ، وبه قال الشافعي(٦) - خلافا لأحمد وأبي حنيفة(٧) - إلاّ أنّه لا يصح منه أداؤها حال كفره.

فإذا أسلم سقطت عنه وإن كان النصاب موجوداً ، لأنّها عبادة فسقطت بإسلامه ، لقولهعليه‌السلام : ( الإِسلام يجبّ ما قبله )(٨) ويستأنف الحول حين الإِسلام.

ولو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان وإن أسلم.

وأما المرتدّ فلا يسقط عنه ما وجب عليه حال الإِسلام.

____________________

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٢) يأتي في اللقطة ( المقصد الخامس من كتاب الأمانات ).

(٣) اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٤) القائل هو ابن عقيل من الجمهور. اُنظر : المغني ٢ : ٦٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٥٣.

(٥) يأتي في المسألة ١٢٤.

(٦) المجموع ٣ : ٤ و ٥ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧.

(٨) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥.

٤١

ثم إن كان عن فطرة انتقلت أمواله إلى ورثته في الحال وإلّا بقيت عليه ، فإذا حال الحول وجبت عليه.

وإذا أخرج في حال الردّة جاز ، وبه قال الشافعي(١) ، كما لو أطعم عن الكفارة ، وفيه له وجه آخر(٢) .

وأمّا الشرائط الخاصة فستأتي عند كلّ صنف إن شاء الله تعالى.

* * *

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨ ، مغني المحتاج ١ : ٤٠٨.

(٢) وهو عدم إخراج المرتدّ زكاته حال ردّته. اُنظر : المجموع ٥ : ٣٢٨ ، وفتح العزيز ٥ : ٥١٩.

٤٢

٤٣

المقصد الثاني

في المحلّ‌

وقد أجمع المسلمون كافّة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء : الإِبل ، والبقر ، والغنم ، والذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، واختلفوا في ما زاد على ذلك ، وسيأتي(١) ، فهنا مطالب :

الأول : في زكاة الأنعام‌ ، وفيه فصول :

____________________

(١) يأتي في المسائل ١١٠ - ١١٥.

٤٤

٤٥

الفصل الأول

في زكاة الإِبل‌

مسألة ٢٨ : يشترط فيها أربعة : الملك ، والنصاب ، والسوم ، والحول‌ ، أمّا الملك ، فلما تقدّم(١) : أنّ غير المالك لا زكاة عليه ، وأمّا النصاب فبإجماع المسلمين.

لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس فيما دون خمس ذود(٢) صدقة )(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإِبل شي‌ء »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالنُصُب في الإِبل ثلاثة عشر نصاباً : خمس ، عشر ، خمس عشرة ، عشرون ، خمس وعشرون ، ستّ وعشرون ، ستّ وثلاثون ، ستّ وأربعون ، إحدى وستّون ، ستّ وسبعون ، إحدى وتسعون ، مائة‌

____________________

(١) تقدّم في المسألة ١١.

(٢) الذود من الإِبل : ما بين الثنتين الى التسع. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ١٧١ « ذود ».

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ١ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٥ و ١٢٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦.

٤٦

وإحدى وعشرون ، ثم بعد ذلك أربعون أو خمسون بالغاً ما بلغت عند علمائنا أجمع ، وسيأتي(١) البحث في ذلك.

مسألة ٢٩ : يشترط فيها وفي غيرها من الأنعام السوم‌ ، وهي الراعية المعدّة للدرّ والنسل.

واحترزنا بذلك عن المعلوفة وإن كانت للدّر والنسل ، والعوامل وإن لم تكن معلوفةً ، فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد والحسن البصري والنخعي ، ومن الفقهاء : الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين من الغنم السائمة شاة )(٣) دلّ بمفهومه على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وإلّا كان ذكر الوصف ضائعاً ، بل موهماً للتخصيص ، ولو لم يكن مراداً كان قبيحاً.

وقالعليه‌السلام : ( ليس في البقر العوامل صدقة )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية »(٥) .

ولأنّ وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها.

____________________

(١) يأتي في المسائل ٣٥ - ٣٧.

(٢) المجموع ٥ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٥ ، المغني ٢ : ٤٣٨ و ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ و ٥٠١ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، المحلّى ٦ : ٤٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٤ و ١١٥ / ٢ و ٣ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٠ بتفاوت فيها.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٠ / ١٠٩٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٣ / ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١ / ٥٩.

٤٧

وقال مالك : تجب في العوامل والمعلوفة. وبه قال ربيعة ومكحول وقتادة(١) .

وقال داود : تجب في عوامل البقر والإبل ومعلوفها دون الغنم(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( في أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين من البقر تبيع )(٣) ولأنه تجوز الأضحية به فأشبه السائمة.

والحديث يخصّه مفهوم الخطاب ، والفرق بين السائمة والمعلوفة لزوم المؤونة في المعلوفة ، والعوامل معدّة لاستعمال مباح فأشبهت الثياب.

مسألة ٣٠ : لو سامت بعض الحول ، وعلفها البعض الآخر‌ ، قال الشيخ تعالى : يحكم للأغلب(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعية ، لأنّ اسم السوم لا يزول مع القلّة ، وخفّة المؤونة موجودة فكانت زكاة السوم واجبةً كالزرع إذا سقي سيحاً وناضحاً(٥) .

وقال بعض الشافعية : إن علفها يوماً أو يومين لم يبطل حكم السوم ، وإن علفها ثلاثة أيّام زال حكم السوم ، لأنّ ثلاثة أيّام لا تصبر عن العلف ، وما دون ذلك تصبر عن العلف ، ولا تتلف بتركه(٦) .

وقال بعضهم : إنّما يثبت حكم العلف بأن ينوي علفها ويفعله وإن كان مرّة ، كما لو كان له ذهب فنوى صياغته وصاغه انقطع حوله(٧) .

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ ، المغني ٢ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٥ ، عمدة القارئ ٩ : ٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ / ١٥٧٢.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٦ ، المغني ٢ : ٤٣٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٧٦ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٦) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٢٣ ، المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦.

٤٨

ولأنّ السوم موجب ، والعلف مسقط ، وإذا اجتمعا غُلّب الإِسقاط ، كما لو كان معه أربعون منها واحدة معلوفة لم تجب ، تغليباً للمسقط ، والزرع اعتبر فيه الأكثر ، لأنّه غير مسقط ، بخلاف مسألتنا.

والأقرب عندي اعتبار الاسم ، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلّا سقطت.

فروع :

أ - إذا خرجت عن اسم السوم بالعلف ، ثم عادت إليه استؤنف الحول من حين العود ، ولا فرق بين أن يعلفها مالكها أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه من مال المالك.

ولو علفها من ماله ، فالأقرب إلحاقها بالسائمة ، لعدم المؤونة حينئذٍ ، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر كالثلج أو لا.

ب - لو علفها بقصد قطع الحول وخرجت عن اسم السائمة انقطع الحول.

وقال الشافعي : لا ينقطع(١) . وسيأتي بحثه في قاصد الفرار بالسبك(٢) .

ج - لو تساوى زمان العلف والسوم ، فعندنا لا زكاة ، وعلى قول الشيخ من اعتبار الأغلب ينبغي السقوط أيضاً.

د - لو اعتلفت من نفسها حتى خرجت عن اسم السائمة سقطت الزكاة ، ومن اعتبر القصد من الشافعيّة لم يسقطها ، وأسقطها بعضهم ، لخروجها عن اسم السوم(٣) .

ه- لو غصب سائمته غاصب فلا زكاة عندنا.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٥٨.

(٢) يأتي في الفرع « و» من المسألة ٧١.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٦ - ٤٩٧.

٤٩

ومن أوجبها في المغصوب فعنده وجهان : الوجوب ، لأنّ فعل الغاصب عديم الأثر ، وكذا لو غصب ذهباً واتّخذ منه حُليّاً لا تسقط. وهو ممنوع.

والعدم ، لفوات شرط السوم ، كما لو ذبح بعض الماشية(١) .

ولو غصب معلوفة وأسامها ، فوجهان : الوجوب ، لحصول الرفق ، كما لو غصب حنطة وبذرها يجب العشر في النابت ، والمنع(٢) ، لما تقدّم.

فإن وجبت قيل : تجب على الغاصب ، لأنّه من فعله. وقيل : على المالك.

ففي رجوعه على الغاصب وجهان : المنع ، لأنّ السبب في الوجوب ملك المالك ، والرجوع ، لأنّه لو لا الإِسامة لم تجب.

وهل يرجع قبل الإِخراج أو بعده؟ وجهان(٣) ؛ وهذا كلّه ساقط عندنا.

مسألة ٣١ : المال الذي تجب فيه الزكاة ضربان : ما هو نماء في نفسه ، وما يرصد للنماء ، فالأول الحبوب والثمار ، فإذا تكامل نماؤه وجبت فيه الزكاة ولا يعتبر فيه حول.

وما يرصد للنماء كالمواشي يرصد للدرّ والنسل ، والذهب والفضّة للتجارة ، فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي حول من حين تمّ نصابه في ملكه ، وبه قال جميع الفقهاء(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٩ - ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣.

(٣) المجموع ٥ : ٣٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦١.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ - ١٠١ / ١٥٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ / ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ - ٩١ / ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

٥٠

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإِبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال الحول وجب عليه »(١) .

وقول الباقرعليه‌السلام : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه »(٢) .

وحكي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا : إذا استفاد المال زكّاه في الحال ، ثم تتكرّر الزكاة بتكرّر الحول(٣) ؛ لأنّه مال تجب فيه الزكاة فوجبت حال استفادته كالحبوب والثمار.

والفرق : أن الغلّات يتكامل نماؤها دفعة ، ولهذا لا تتكرّر الزكاة فيها بخلاف هذه.

مسألة ٣٢ : يشترط بقاء النصاب طول الحول‌ ، فلو نقص في وسطه أو أحد طرفيه وكمل اعتبر ابتداء الحول من حين الكمال ، وسقط حكم الأول عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٥) وهو يقتضي مرور الحول على جميعه.

ولأنّ ما اعتبر في طرفي الحول اعتبر في وسطه كالملك والإِسلام.

وحكي عن أبي حنيفة : أنّ النصاب إذا كمل طرفي الحول لم يضرّ نقصه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ - ١ ، التهذيب ٤ : ٤١ - ١٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ - ٦٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ - ٩٠.

(٣) المغني ٢ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦١ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٢.

(٤) المجموع ٥ : ٣٦٠ ، المغني ٢ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٥) تقدمت مصادره في المسألة ٣١.

٥١

في وسطه(١) . وليس بجيّد.

مسألة ٣٣ : وحولان الحول هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة على المال‌ ، فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع.

لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن رجل كانت له مائتا درهم فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً من الزكاة : « إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة »(٢) .

فروع :

أ - في احتساب الثاني عشر من الحول الأول أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأول حقيقةً ، ومن صدق الحولان باستهلال الثاني عشر.

ب - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده يجب الجميع إن فرّط وإلّا فبالنسبة.

ج - لو ارتدّ في أثناء الحول عن فطرة استأنف ورثته الحول ، ولو كان عن غيرها أتمّ.

مسألة ٣٤ : لا تجب الزكاة في السخال‌ وهي أولاد الغنم أوّل ما تلدها حتى يحول عليها الحول من حين سومها ، ولا يبنى على حول الاُمّهات ، فلو كان عنده أربع ، ثم نتجت وجبت الشاة إذا استغنت بالرعي حولاً.

ولو كان عنده خمس ستة أشهر ، ثم نتجت خمساً ، وتمّ الحول وجبت الزكاة في الخمس لا غير عند علمائنا ، وبه قال الحسن البصري والنخعي(٣) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول )(٤)

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٦ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ / ٩٢.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٠ ، المجموع ٥ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٣١.

٥٢

ولأصالة البراءة.

وقال الشافعي : السخال تضمّ إلى الاُمّهات في حولها بثلاث شرائط : أن تكون متولّدةً منها ، وأن تكون الاُمّهات نصاباً ، وأن توجد معها في بعض الحول ، فلو لم تكن متولّدةً منها ، بل كان الأصل نصاباً ، فاستفاد مالاً من غيرها ، وكانت الفائدة من غير عينها لم تضمّ إليها ، وكان حول الفائدة معتبراً بنفسها سواء كانت الفائدة من جنسها بأن يحول على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثم تملّك خمساً منها أو من غير جنسها مثل أن حال على خمسة من الإِبل ستة أشهر ، ثمّ ملك ثلاثين بقرة.

ولو ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت أربعين كان ابتداء الحول من حين كملت نصاباً سواء كانت الفائدة من عينها أو من غيرها ؛ لقصور الاُمّهات عن النصاب.

ولو وجدت بعد انقضاء الحول لم تضمّ إليها.

واحتجّ على التبعيّة : بقول عليعليه‌السلام : « اعتد عليهم بالكبار والصغار »(١) .

وقال عمر لساعيه : اعتد عليهم بالسخلة(٢) . ولا مخالف لهما فكان إجماعاً ، ولأنّ النماء إذا تبع الأصل في الملك تبعه في الزكاة كأموال التجارة(٣) .

والجواب : نقول بموجب الحديث ، فإنّ السخال والصغار تجب فيهما الزكاة مع حصول السوم ، ونمنع حكم الأصل.

ونازع أبو حنيفة الشافعي في الشرط الأول ، فقال : إذا استفاد سخالاً‌

____________________

(١و٢) أورد قولهما أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، والرافعي في فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ ، وانظر أيضاً لقول عمر : الموطأ ١ : ٢٦٥ ذيل الحديث ٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣.

٥٣

من غير غنمه في أثناء الحول ضمّ إلى ماله إذا كان من جنسه ، وكان حول الاُمّهات حول السخال ، وإن لم تكن من جنسه كسخال الإِبل مع الغنم لم تضمّ ، فلو كان عنده خمس من الإِبل حولاً إلّا يوماً فملك خمساً من الإِبل ، ثم مضى اليوم زكّى المالين معاً ، وبه قال مالك(١) .

لكن انفرد أبو حنيفة بأنّه إن زكّى بدلها لم تضمّ مثل أن كان عنده خمس من الإِبل ومائتا درهم أخرج زكاة المائتين ، ثم اشترى بها خمساً من الإِبل لم تضمّ إلى التي كانت عنده في الحول ، وإن لم يزكّ المبدل ضمّهما معاً ، ولو كان عنده عبد وأخرج زكاة الفطرة عنه ، ثم اشترى به خمساً من الإِبل ضمّها إلى ما عنده(٢) .

واحتجّ أبو حنيفة على الضمّ وإن لم يكن من أصله : بأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فوجب أن يضمّ المستفاد إلى النصاب فيه كالنصاب - وينتقض بالمزكّى بدله - ولأنّ الضمّ في النصاب إنّما هو في المستقبل فكذا في الحول.

وينتقض بقولهعليه‌السلام : ( ليس في مال المستفيد زكاة حتى يحول عليه الحول )(٣) .

ولأنّها فائدة لم تتولّد ممّا عنده فلم تضمّ إليه في حوله كالتي زكّي بدلها أو كانت من غير جنسه.

ونازع مالك الشافعي في الشرط الثاني ، فقال : لو كانت الغنم أقلّ من أربعين ، ومضى عليها بعض الحول ، ثم توالدت وتمّت الأربعين اعتبر الحول من حين ملك الاُصول ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنّ السخال إنّما تضمّ في الزكاة فتجب أن تضمّ إلى ما دون النصاب كأرباح التجارات(٤) .

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣ - ٤٨٤ ، القوانين الفقهية : ١٠٧ - ١٠٨.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ / ٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٤.

(٤) المدونة الكبرى ١ : ٣١٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٢ ، التفريع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٤

ونمنع الحكم في الأصل ، وللفرق بأنّ مراعاة القيمة في كلّ حال يشقّ فاعتبر آخر الحول بخلاف السخال ؛ لأنّ الزكاة تجب في عينها فلا يشقّ ذلك فيه فاعتبر في جميع الحول ، كما لو تمّت بغير سخالها.

فروع :

أ - لو نتجت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تضمّ عندنا ، وهو ظاهر.

وللشافعي قولان مبنيّان على وجوب الزكاة هل يتعلّق بإمكان الأداء أم لا؟

فإن قيل : بأنّه شرط الوجوب ضمّت ، وإن قيل : إنّه شرط الضمان لم تضمّ(١) .

ب - لا تؤخذ السخلة في الزكاة إجماعاً ، أمّا عندنا ، فلعدم الوجوب ، وأمّا المخالف ، فلقول عمر : اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم(٢) .

ولو كان النصاب كلّه صغاراً جاز أخذ الصغيرة ، وإنّما يتصوّر عندهم لو بدّل كباراً بصغار في أثناء الحول ، أو كان عنده نصاب من الكبار فتوالدت نصاباً من الصغار ثم ماتت الاُمّهات ، وحال الحول على الصغار ، وهو ظاهر قول أحمد(٣) .

وقال مالك : لا يؤخذ إلّا كبيرةً تجزي في الاُضحية(٤) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( إنّما حقّنا في الجذعة أو الثنيّة )(٥) .

وهو محمول على ما فيه كبار.

ج - لو ملك نصاباً من الصغار انعقد عليه حول الزكاة من حين ملكه إذا‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) نقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٩.

(٣و٤) المغني ٢ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ١ : ٤٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٠٦.

٥٥

صدق عليه اسم السوم وإلّا فلا.

وقال أبو حنيفة وأحمد - في رواية - : لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنّاً يجزئ مثله في الزكاة ، وهو محكي عن الشعبي(١) .

لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٢) .

ولأنّ السنّ معنى يتغيّر به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد.

وفي رواية عن أحمد : أنّها ينعقد عليها الحول من حين الملك وإن لم تكن سائمةً ؛ لأنّها تعدّ مع غيرها فتعدّ منفردة كالامّهات(٣) ، والعلّة ممنوعة.

د - قد بيّنا أنّه لا زكاة في السخال ، ولا تضمّ مع الاُمّهات ، وعند الشافعي تضمّ بالشروط الثلاثة(٤) .

فلو اختلف الساعي وربّ المال في شرط منها ، فقال المالك : هذه السخال من غيرها ، أو كانت أقلّ من نصاب ، أو نتجتها بعد تمام الحول.

وخالف الساعي ، قدّم قول المالك ؛ لأنّه أمين فيما في يده ، لأنّها تجب على طريق المواساة والرفق ، فقبل قوله فيه من غير يمين.

ه- إذا ضمّت السخال إلى الاُمّهات - على رأي الشافعي - ثم تلف بعض الاُمّهات أو جميعها وبقي نصاب لم ينقطع الحول ، وبه قال مالك(٥) ؛ لأنّ السخال قد ثبت لها حكم الحول تبعاً للاُمّهات ، فصارت كما لو كانت موجودةً في جميع الحول ، فموت الاُمّهات أو نقصانها لا يبطل ما ثبت لها ، كما أنّ ولد أُمّ الولد ثبت له حكم الاستيلاد على وجه التبع لاُمّه ، فإذا ماتت‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٤٦٤.

(٣) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ - ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٣‌

(٥) التفريع ١ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٧ ، فتح العزيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

٥٦

الاُمّ لم يبطل حكم الاستيلاد للولد.

وقال بعض الشافعية : إذا نقصت الاُمّهات عن النصاب بطل حكم الحول فيها وفي السخال ؛ لأنّ السخال إنّما ضمّت إليها على وجه التبع ، فإذا نقصت الاُمّهات لم تتبعها السخال ، كما لا تتبعها في الابتداء لو كانت ناقصةً(١) .

ولو تلفت جميع الاُمّهات ، قال الشافعي : لا ينقطع الحول إذا كانت نصاباً(٢) ؛ لأنّ كلّ نوع يعدّ في الزكاة مع غيره يعدّ وحده كالثنايا والجذاع.

وقال أبو حنيفة : ينقطع الحول وإن كانت نصاباً ، ولو بقي واحدة لم ينقطع(٣) .

ولو ملك أربعين صغيرة انعقد الحول عند الشافعي(٤) ، خلافاً له(٥) ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ليس في السخال زكاة )(٦) .

و - لو كانت في الإِبل فُصلان ، وفي البقر عجاجيل ، فإن سامت حولاً اعتبرت ، وإلّا فلا ، والمخالفون في السخال خالفوا هنا.

إذا عرفت هذا ، فلو كانت الإِبل كلّها فُصلاناً والبقر عجاجيل اُخذ واحد منها.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٢) الاُم ٢ : ١٢ ، مختصر المزني : ٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، و ٤٨٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٣١ - ٣٢ ، شرح العناية ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ و ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

(٥) المغني ٢ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٦) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الفرع « ج ».

٥٧

وقال بعض الشافعية : لا يؤخذ إلّا السنّ المنصوص عليه ، لأنّا لو أخذنا واحداً منها لسوّينا بين خمس وعشرين وإحدى وستين ، وأخذنا فصيلاً من كلّ واحد من العددين وهو غير جائز ، فتؤخذ كبيرة بالقيمة بأن يقول : كم قيمة خمس وعشرين كباراً؟ فإذا قيل : مائة ، قيل : كم قيمة بنت مخاض؟ فإذا قيل : عشرة ، فيقال : كم قيمتها فُصلاناً؟ فيقال : خمسون. اُخذ بنت مخاض قيمتها خمسة(١) .

وقال بعض الشافعية : إنّما يفعل ذلك ما دام الفرض يتغيّر بالكبر ، فإذا تغيّر بالعدد كستّ وسبعين اُخذ من الصغار(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأدائه إلى التسوية بين الأربعين والخمسين ، وبين الثلاثين والأربعين في البقر ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما(٣) .

مسألة ٣٥ : أوّل نُصب الإِبل خمس ، وفيها شاة‌ ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء ، ثم عَشر ، وفيه شاتان ، ثم خمس عشرة ، وفيه ثلاث شياه ، ثم عشرون ، وفيه أربع شياه ، وهذا كلّه بإجماع علماء الإِسلام.

فإذا بلغت خمساً وعشرين ، فأكثر علمائنا على أنّ فيها خمس شياه إلى ست وعشرين ، ففيها حينئذٍ بنت مخاض(٤) .

لقول عليعليه‌السلام : « في خمس وعشرين خمس شياه »(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في خمس‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٣٨١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ و ١٠١ / ١٥٧٢ و ١٥٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠ / ٦٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٢٥ - ٢٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ / ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٨ - ٩٩.

(٤) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٠ والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٩١ ، وسلّار في المراسم ١٢٩ - ١٣٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٩٣.

٥٨

وعشرين خمس من الغنم »(١) .

ولأنّ الخمس الزائدة على العشرين كالخمس السابقة ، ولأنّا لا ننتقل من الشاة إلى الجنس بزيادة خمس في شي‌ء من نُصب الزكاة المنصوصة.

وقال ابن أبي عقيل منّا : في خمس وعشرين بنت مخاض(٢) ، وهو قول الجمهور(٣) كافة ؛ لأنّ أبا بكر كتب لأنس لمـّا وجّهه إلى البحرين كتاب الصدقة التي فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « في كلّ خمسٍ شاةً حتى تبلغ خمساً وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض »(٥) .

ونمنع الاحتجاج برواية أبي بكر ، لجواز أن يكون رأياً له ، أو يضمر فيها زيادة واحدة ، وهو جواب الثانية.

وقال ابن الجنيد : يجب بنت مخاض أو ابن لبون ، فإن تعذّر فخمس شياه(٦) .

مسألة ٣٦ : إذا بلغت ستّا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين‌ ، فإذا زادت واحدة ففيها حِقّة إلى ستين ، فإذا زادت واحدة وبلغت إحدى وستّين‌

____________________

(١) المعتبر : ٢٥٩ ، الفقيه ٢ : ١٢ / ٣٣ وفيه عن الإِمام الباقرعليه‌السلام ، والتهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ وفيهما عن الإِمام الصادقعليه‌السلام .

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٥٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٨ ، المغني ٢ : ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ - ١٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٢٥٩.

٥٩

ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا صارت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا صارت إحدى وتسعين ففيها حقّتان إلى مائة وعشرين ، وهذا كلّه لا خلاف فيه بين العلماء ، لأنّه في كتاب أبي بكر لأنس(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « فإذا كانت خمساً وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون اُنثى إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى [ خمس و ](٢) سبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقّتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإِبل ففي كلّ خمسين حقّة »(٣) .

مسألة ٣٧ : إذا زادت على مائة وعشرين ولو واحدة وجب في كلّ خمسين حقّة‌ ، وفي كل أربعين بنت لبون ، فتجب هنا ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ففيها حقّة وبنتا لبون إلى مائة وأربعين ففيها حقّتان وبنت لبون إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق ، وعلى هذا الحساب بالغاً ما بلغ عند علمائنا ، وبه قال ابن عمر وأبو ثور والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين ، ومالك في إحدى الروايتين(٤) .

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كلّ أربعين بنت لبون )(٥) والواحدة زيادة.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة السابقة (٣٥).

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦‌

(٤) الاُم ٢ : ٤ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٩ ، المغني ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، التفريع ١ : ٢٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٩.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425