الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128764 / تحميل: 6815
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

كما سمعت يعارض أوّلاً الحديث و يتّخذه سخريّاً.

فالمراد بسبيل الله القرآن بما فيه من القصص و المعارف و كأنّ مراد من كان يشتري لهو الحديث أن يضلّ الناس بصرفهم عن القرآن و أن يتّخذ القرآن هزواً بأنّه حديث مثله و أساطير كأساطيره.

و قوله:( بِغَيْرِ عِلْمٍ ) متعلّق بيضلّ و هو في الحقيقة وصف ضلال الضالّين دون إضلال المضلّين و إن كانوا أيضاً لا علم لهم ثمّ هدّدهم بقوله:( أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) أي مذلّ يوهنهم و يذلّهم حذاء استكبارهم في الدنيا.

قوله تعالى: ( وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً ) إلخ، وصف لذاك الّذي يشتري لهو الحديث ليضلّ الناس عن القرآن و يهزأ به و الوقر الحمل الثقيل و المراد بكون الوقر على اُذنيه أن يشد عليهما ما يمنع من السمع و قيل: هو كناية عن الصمم.

و المعنى: و إذا تتلى على هذا المشتري لهو الحديث آياتنا أي القرآن ولّى و أعرض عنها و هو مستكبر كأن لم يسمعها قطّ كأنّه أصمّ فبشّره بعذاب أليم.

و قد اُعيد إلى من يشتري ضمير الإفراد أوّلاً كما في( يَشْتَرِي ) و( لِيُضِلَّ ) و( يَتَّخِذَها ) باعتبار اللّفظ و الضمير الجمع، ثانياً باعتبار المعنى ثمّ ضمير الإفراد باعتبار اللّفظ كما في( عَلَيْهِ ) و غيره كذا قيل، و من الممكن أن يكون ضمير( لَهُمْ ) في الآية السابقة راجعاً إلى مجموع المضلّ و الضالّين المدلول عليهم بالسياق فتكون الضمائر الراجعة إلى( مِنَ ) مفردة جميعاً.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ - إلى قوله -الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) رجوع بعد إنذار ذاك المشتري و تهديده بالعذاب المهين ثمّ العذاب الأليم إلى تبشير المحسنين و تطييب أنفسهم بجنّة النعيم الخالدة الموعودة من قبله تعالى و وعده الحقّ.

و لمّا كان غرض من اشترى لهو الحديث أن يلتبس الأمر على من يضلّه بغير علم فيحسب القرآن من الأساطير الباطلة كأساطيره و يهين به و كان لا يعتني بما تتلى عليه

٢٢١

من الآيات مستكبراً و ذلك استهانة بالله سبحانه أكّد أوّلاً ما وعده للمحسنين بقوله:( وَعْدَ اللهِ حَقًّا ) ثمّ وصف ثانياً نفسه بالعزّة المطلقة، فلا يطرأ عليه ذلّة و أهانه و الحكمة المطلقة فلا يداخل كلامه باطل و لا هزل و خرافة.

ثمّ وصفه ثالثاً بأنّه الّذي يدبّر أمر السماء و الأرض و النبات و الحيوان و الإنسان لأنّه خالقها فله أن يعد هؤلاء بالجنّة و اُولئك بالعذاب و هو قوله:( خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) إلخ.

قوله تعالى: ( خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) إلخ، تقدّم في تفسير قوله تعالى:( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) الرعد: ٢ أنّ قوله:( تَرَوْنَها ) يحتمل أن يكون قيداً توضيحيّاً، و المعنى أنّكم ترونها و لا أعمدة لها، و أن يكون قيداً احترازيّاً و المعنى خلقها بغير أعمدة مرئيّة إشعاراً بأنّ هناك أعمدة غير مرئيّة.

و قوله:( وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) ، أي ألقى فيها جبالاً شامخة لئلّا تضطرب بكم و فيه إشعار بأنّ بين الجبال و الزلازل رابطة مستقيمة.

و قوله:( وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ ) أي نشر في الأرض من كلّ حيوان يدبّ عليها.

و قوله:( وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) أي و أنزلنا من جهة العلو ماء و هو المطر و أنبتنا فيها شيئاً من كلّ زوج نباتيّ شريف فيه منافع و له فوائد، و فيه إشارة إلى تزوّج النبات و قد تقدّم الكلام فيه في نظيره.

و الالتفات فيها من الغيبة إلى التكلّم مع الغير للإشارة إلى كمال العناية بأمره كما قيل.

قوله تعالى: ( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) ، لمّا أراهم خلقه و تدبيره تعالى للسماوات و الأرض و ما عليها فأثبت به ربوبيّته و اُلوهيّته تعالى كلّفهم أن يروه شيئاً من خلق آلهتهم إن كانوا آلهة و أرباباً فإن لم يقدروا على إراءة شي‏ء ثبت بذلك وحدانيّته تعالى في اُلوهيّته و ربوبيّته.

و إنّما كلّفهم بإراءة شي‏ء من خلق آلهتهم - و هم يعترفون أنّ الخلق لله وحده

٢٢٢

و لا يسندون إلى آلهتهم خلقاً و إنّما ينسبون إليهم التدبير فقط - لأنّه نسب إلى الله خلقاً هو بعينه تدبير من غير انفكاك، فلو كان لآلهتهم تدبير في العالم كان لهم خلق ما يدبّرون أمره و إذ ليس لهم خلق فليس لهم تدبير فلا إله إلّا الله و لا ربّ غيره.

و قد سيقت الآية خطاباً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ نوع هذا الخطاب( فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) لا يستقيم من غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

( بحث روائي)

في المجمع: نزل قوله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار بن قصيّ بن كلاب كان يتّجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم و يحدّث بها قريشاً و يقول لهم: إنّ محمّداً يحدّثكم بحديث عاد و ثمود و أنا اُحدّثكم بحديث رستم و إسفنديار و أخبار الأكاسرة فيستمعون حديثه و يتركون استماع القرآن. عن الكلبيّ.

أقول: و روى هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن البيهقيّ عن ابن عبّاس، و لا يبعد أن يكون ذلك سبب نزول تمام السورة كما تقدّمت الإشارة إليه.

و في المعاني، بإسناده عن يحيى بن عبادة عن أبي عبداللهعليه‌السلام : قلت: قوله عزّوجلّ:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) قال: منه الغناء.

أقول: و روى هذا المعنى في الكافي، بإسناده عن مهران عنهعليه‌السلام ، و بإسناده عن الوشّاء عن الرضا عنهعليه‌السلام ، و بإسناده عن الحسن بن هارون عنهعليه‌السلام .

و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: الغناء ممّا أوعد الله عليه النار و تلا هذه الآية:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) .

و فيه، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن كسب المغنّيات فقال: الّتي يدخل عليها الرجال حرام و الّتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس و هو قول الله عزّوجلّ:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) .

٢٢٣

و في المجمع، و روى أبو أمامة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا يحلّ تعليم المغنّيات و لا بيعهنّ و أثمانهنّ حرام و قد نزل تصديق ذلك في كتاب الله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) الآية.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن جمّ غفير من أصحاب الجوامع عن أبي أمامة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و فيه، و روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال: هو الطعن في الحقّ و الاستهزاء به و ما كان أبوجهل و أصحابه يجيؤن به إذ قال: يا معاشر قريش أ لا اُطعمكم من الزقّوم الّذي يخوّفكم به صاحبكم؟ ثمّ أرسل إلى زبد و تمر فقال: هذا هو الزقّوم الّذي يخوّفكم به. قال: و منه الغناء.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي الدنيا عن عليّ بن الحسين قال: ما قدّست اُمّة فيها البربط.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فهو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدار بن قصيّ، و كان النضر ذا رواية لأحاديث الناس و أشعارهم، يقول الله عزّوجلّ:( وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً ) الآية.

و فيه، عن أبيه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: قلت له: أخبرني عن قول الله تعالى:( وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ ) قال: هي محبوكة إلى الأرض و شبّك بين أصابعه. فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض و الله يقول:( رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ؟ فقال: سبحان الله أ ليس يقول:( بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ) ؟ فقلت: بلى. فقال: فثمّ عمد و لكن لا ترونها.

٢٢٤

( سورة لقمان الآيات ١٢ - ١٩)

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ  وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ  وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( ١٢ ) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( ١٣ ) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ( ١٤ ) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا  وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا  وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ  ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( ١٥ ) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ  إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ( ١٦ ) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ  إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ١٧ ) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا  إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( ١٨ ) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ  إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ( ١٩ )

( بيان)

في الآيات إشارة إلى إيتاء لقمان الحكمة و نبذة من حكمه و مواعظه لابنه و لم يذكر في القرآن إلّا في هذه السورة و يناسب المورد من حيث مقابلة قصّته الممتلئة حكمة

٢٢٥

و موعظة لما قصّ من حديث من كان يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم و يتّخذها هزؤا.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) إلخ، الحكمة على ما يستفاد من موارد استعمالها هي المعرفة العلميّة النافعة و هي وسط الاعتدال بين الجهل و الجربزة. و قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي ) قيل: هو بتقدير القول أي و قلنا:( أَنِ اشْكُرْ لِي ) .

و الظاهر أنّه تفسير إيتائه الحكمة من غير تقدير القول، و ذلك أنّ حقيقة الشكر هي وضع النعم في موضعها الّذي ينبغي له بحيث يشير إلى إنعام المنعم، و إيقاعه كما هو حقّه يتوقّف على معرفة المنعم و معرفة نعمه بما هي نعمة و كيفيّة وضعها موضعه بحيث يحكي عن إنعامه فإيتاؤه الحكمة بعث له إلى الشكر فإيتاء الحكمة أمر بالشكر بالملازمة.

و في قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) التفات من التكلّم مع الغير إلى الغيبة و ذلك أنّ التكلّم مع الغير من المتكلّم إظهار للعظمة بالتكلّم عن قبل نفسه و خدمه و قول أن اشكر لنا على هذا لا يناسب التوحيد في الشكر و هو ظاهر.

و قوله:( وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) استغناء منه تعالى أنّ نفع الشكر إنّما يرجع إلى نفس الشاكر و الكفر لا يتضرّر به إلّا نفسه دونه سبحانه و من يشكر فإنّما يوقع الشكر لنفع نفسه و لا ينتفع به الله سبحانه لغناه المطلق و من كفر فإنّما يتضرّر به نفسه إنّ الله غنيّ لا يؤثّر فيه الشكر نفعاً و لا ضرّاً حميد محمود على ما أنعم سواء شكر أو كفر.

و في التعبير عن الشكر بالمضارع الدالّ على الاستمرار و في الكفر بالماضي الدالّ على المرّة إشعار بأنّ الشكر إنّما ينفع مع الاستمرار لكن الكفر يتضرّر بالمرّة منه.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) عظمة كلّ عمل بعظمة أثره و عظمة المعصية بعظمة المعصيّ فإنّ مؤاخذة العظيم عظيمة فأعظم المعاصي معصية الله لعظمته و كبريائه فوق كلّ عظمة و كبرياء بأنّه الله لا شريك له و أعظم معاصيه معصيته في أنّه الله لا شريك له.

٢٢٦

و قوله:( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) حيث اُطلق عظمته من غير تقييد بقياسه إلى سائر المعاصي يدلّ على أنّ له من العظمة ما لا يقدّر بقدر.

قوله تعالى: ( وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ) إلى آخر الآية، اعتراض واقع بين الكلام المنقول عن لقمان و ليس من كلام لقمان و إنّما اطّرد ههنا للدلالة على وجوب شكر الوالدين كوجوب الشكر لله بل هو من شكره تعالى لانتهائه إلى وصيّته و أمره تعالى، فشكرهما عبادة له تعالى و عبادته شكر.

و قوله:( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى‏ وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) ذكر بعض ما تحمّلته اُمّه من المحنة و الأذى في حمله و تربيته ليكون داعياً له إلى شكرهما و خاصّة الاُمّ.

و الوهن الضعف و هو حال بمعنى ذات وهن أو مفعول مطلق و التقدير تهن وهناً على وهن، و الفصال الفطم و ترك الإرضاع، و معنى كون الفصال في عامين تحقّقه بتحقّق العامين فيؤل إلى كون الإرضاع عامين، و إذا ضمّ إلى قوله تعالى:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) الأحقاف: ١٥ بقي لأقلّ الحمل ستّة أشهر، و ستكرّر الإشارة إليه فيما سيأتي(١) .

و قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) تفسير لقوله:( وَصَّيْنَا ) إلخ، في أوّل الآية أي كانت وصيّتنا هو أمرنا بشكرهما كما أمرناه بشكر الله، و قوله:( إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) إنذار و تأكيد للأمر بالشكر.

و القول في الالتفات الواقع في الآية في قوله:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) إلخ، من سياق التكلّم مع الغير إلى سياق التكلّم وحده كالقول في الالتفات في قوله السابق:( أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) .

قوله تعالى: ( وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) إلى آخر الآية. أي إن ألحّا عليك بالمجاهدة أن تجعل ما ليس لك علم به أو بحقيقته شريكاً لي فلا تطعهما و لا تشرك بي، و المراد بكون الشريك المفروض لا علم به كونه معدوماً مجهولاً مطلقاً لا يتعلّق به علم فيؤل المعنى: لا تشرك بي ما ليس بشي‏ء، هذا محصّل ما ذكره

____________________

(١) في بحث روائي في ذيل آية الأحقاف.

٢٢٧

في الكشّاف، و ربّما أيّده قوله تعالى:( أَ تُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ) يونس: ١٨.

و قيل:( تُشْرِكَ ) بمعنى تكفر و( ما ) بمعنى الّذي، و المعنى: و إن جاهداك أن تكفر بي كفراً لا حجّة لك به فلا تطعهما و يؤيّده تكرار نفي السلطان على الشريك‏ في كلامه تعالى كقوله:( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) يوسف: ٤٠ إلى غير ذلك من الآيات.

و قوله:( وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ) الجملتان كالتلخيص و التوضيح لما تقدّم في الآيتين من الوصيّة بهما و النهي عن إطاعتهما إن جاهداً على الشرك بالله.

يقول سبحانه: يجب على الإنسان أن يصاحبهما في الاُمور الدنيويّة غير الدين الّذي هو سبيل الله صحاباً معروفاً و معاشرة متعارفة غير منكرة من رعاية حالهما بالرفق و اللين من غير جفاء و خشونة و تحمّل المشاقّ الّتي تلحقه من جهتهما فليست الدنيا إلّا أيّاماً معدودة متصرّمة، و أمّا الوالدين فإن كانا ممّن أناب إلى الله فلتتّبع سبيلهما و إلّا فسبيل غيرهما ممّن أناب إلى الله.

و من هنا يظهر أنّ في قوله:( وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ) إيجازاً لطيفاً فهو يفيد أنّهما لو كانا من المنيبين إلى الله فلتتّبع سبيلهما و إلّا فلا يطاعاً و لتتّبع سبيل غيرهما ممّن أناب إلى الله.

و قوله:( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أي هذا الّذي ذكر، تكليفكم في الدنيا ثمّ ترجعون إليّ يوم القيامة فاُظهر لكم حقيقة أعمالكم الّتي عملتموها في الدنيا فأقضي بينكم على حسب ما تقتضيه أعمالكم من خير أو شرّ.

و بما مرّ يظهر أنّ قوله:( فِي الدُّنْيا ) يفيد أوّلاً قصر المصاحبة بالمعروف في الاُمور الدنيويّة دون الدينيّة، و ثانياً: تهوين أمر الصحبة و أنّها ليست إلّا في أيّام قلائل فلا كثير ضير في تحمّل مشاقّ خدمتهما، و ثالثاً المقابلة ليوم الرجوع إلى الله المشار إليه بقوله:( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ) إلخ.

٢٢٨

قوله تعالى: ( يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ ) إلخ، ذكروا أنّ الضمير في( إِنَّها ) للخصلة من الخير و الشرّ لدلالة السياق على ذلك و هو أيضاً اسم كان و( مِثْقالَ حَبَّةٍ ) خبره، و المراد بكونها في صخرة اختفاؤها بالاستقرار في جوف الصخرة الصمّاء أو في السماوات أو في الأرض، و المراد بالإتيان بها إحضارها للحساب و الجزاء.

كان الفصل السابق من كلامه المنقول راجعاً إلى التوحيد و نفي الشريك و ما في هذه الآية فصل ثان في المعاد و فيه حساب الأعمال، و المعنى: يا بنيّ إن تكن الخصلة الّتي عملت من خير أو شرّ أخفّ الأشياء و أدقّها كمثقال حبّة من خردل فتكن تلك الخصلة الصغيرة مستقرّة في جوف صخرة أو في أيّ مكان من السماوات و الأرض يأت بها الله للحساب و الجزاء لأنّ الله لطيف ينفذ علمه في أعماق الأشياء و يصل إلى كلّ خفيّ خبير يعلم كنه الموجودات.

قوله تعالى: ( يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الآية و ما بعدها من كلامه راجع إلى نبذة من الأعمال و الأخلاق الفاضلة.

فمن الأعمال الصلاة الّتي هي عمود الدين و يتلوها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و من الأخلاق الصبر على ما يصيب من مصيبة.

و قوله:( إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الإشارة إلى الصبر و الإشارة البعيدة للتعظيم و الترفيع و قول بعضهم: إنّ الإشارة إلى جميع ما تقدّم من الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الصبر ليس في محلّه لتكرّر عدّ الصبر من عزم الاُمور في كلامه تعالى كقوله:( وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) الشورى: ٤٣ و قوله:( إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) آل عمران: ١٨٦.

و العزم - على ما ذكره الراغب - عقد القلب على إمضاء الأمر و كون الصبر - و هو حبس النفس في الأمر - من العزم إنّما هو من حيث إنّ العقد القلبيّ ما لم ينحلّ و ينفصم ثبت الإنسان على الأمر الّذي عقد عليه فالصبر لازم الجدّ في العقد و المحافظة عليه و هو

٢٢٩

من قدرة النفس و شهامتها.

و قول بعضهم: إنّ المعنى أنّ ذلك من عزيمة الله و إيجابه في الاُمور بعيد و كذا قول بعضهم: إنّ العزم هو الجزم و هو لغة هذيل.

قوله تعالى: ( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) قال الراغب: الصعر ميل في العنق و التصعير إمالته عن النظر كبراً قال:( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) و قال: المرح شدّة الفرح و التوسّع فيه انتهى.

فالمعنى: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبّراً و لا تمش في الأرض مشية من اشتدّ فرحه إنّ الله لا يحبّ كلّ من تأخذه الخيلاء - و هو التكبّر بتخيّل الفضيلة - و يُكثر من الفخر. و قال بعضهم إنّ معنى:( لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) لا تلو عنقك لهم تذلّلاً عند الحاجة و فيه أنّه لا يلائمه ذيل الآية.

قوله تعالى: ( وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) القصد في الشي‏ء الاعتدال فيه و الغضّ - على ما ذكره الراغب - النقصان من الطرف و الصوت فغضّ الصوت النقص و القصر فيه.

و المعنى: و خذ بالاعتدال في مشيك و بالنقص و القصر في صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير لمبالغتها في رفعه.

( بحث روائي)

في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ من الكبائر عقوق الوالدين و اليأس من روح الله و الأمن من مكر الله‏ و قد روي: أكبر الكبائر الشرك بالله.

و في الفقيه، في الحقوق المرويّة عن سيّد العابدينعليه‌السلام : حقّ الله الأكبر عليك أن تعبده و لا تشرك به شيئاً فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة.

٢٣٠

قال: و أمّا حقّ اُمّك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً و أعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً و وقتك بجميع جوارحها، و لم تبال أن تجوع و تطعمك، و تعطش و تسقيك، و تعرى و تكسوك، و تضحى و تظلّك، و تهجر النوم لأجلك، و وقتك الحرّ و البرد لتكون لها فإنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله و توفيقه.

و أمّا حقّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك فإنّك لولاه لم تكن فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله و اشكره على قدر ذلك و لا قوّة إلّا بالله.

و في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: اُمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أباك.

و في المناقب،: مرّ الحسين بن عليّعليه‌السلام على عبدالرحمن بن عمرو بن العاص. فقال عبدالله: من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى هذا المجتاز و ما كلّمته منذ ليالي صفيّن.

فأتى به أبوسعيد الخدريّ إلى الحسينعليه‌السلام فقال له الحسينعليه‌السلام : أ تعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء و تقاتلني و أبي يوم صفيّن؟ و الله إنّ أبي لخير منّي. فاستعذر و قال إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي: أطع أباك. فقال له الحسينعليه‌السلام : أ ما سمعت قول الله عزّوجلّ:( وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى‏ أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما الطاعة بالمعروف، و قوله: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و في الفقيه في ألفاظهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموجزة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سمعته يقول: اتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّ لها طالباً، يقول أحدكم أذنب و أستغفر إنّ الله عزّوجلّ يقول:( وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) و قال عزّوجلّ:

٢٣١

( إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) .

و فيه، بإسناده إلى معاوية بن وهب قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم و أحبّ ذلك إلى الله عزّوجلّ فقال: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة. الحديث.

و فيه، بإسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: الصلاة قربان كلّ تقيّ.

و في المجمع:( وَ اصْبِرْ عَلى‏ ما أَصابَكَ ) من المشقّة و الأذى في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: عن عليّعليه‌السلام .

و فيه،: في قوله تعالى:( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) أي و لا تمل وجهك من الناس بكلّ و لا تعرّض عمّن يكلّمك استخفافاً به، و هذا المعنى قول ابن عبّاس و أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج الطبرانيّ و ابن عدّي و ابن مردويه عن أبي أيّوب الأنصاريّ: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن قول الله:( وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) قال: لىّ الشدق.

و في المجمع: في قوله تعالى:( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) و روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: هي العطسة المرتفعة القبيحة و الرجل يرفع صوته بالحديث رفعاً قبيحاً إلّا أن يكون داعياً أو يقرأ القرآن.

أقول: و في جميع هذه المعاني و خاصّة في العقوق روايات كثيرة متظافرة.

٢٣٢

( كلام في قصّة لقمان و نبذ من حكمه في فصلين‏)

١- لم يرد اسم لقمان في كلامه تعالى إلّا في سورة لقمان و لم يذكر من قصصه إلّا ما في قوله عزّ من قائل:( وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) و قد وردت في قصّته و حكمه روايات كثيرة مختلفة و نحن نورد بعض ما كان منها أقرب إلى الاعتبار.

ففي الكافي، عن بعض أصحابنا رفعه إلى هشام بن الحكم قال: قال لي أبوالحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام : يا هشام إنّ الله قال:( وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ) قال: الفهم و العقل.

و في المجمع، روى نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: حقّاً أقول لم يكن لقمان نبيّاً و لكن كان عبداً كثير التفكّر حسن اليقين أحبّ الله فأحبّه و منّ عليه بالحكمة.

كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس بالحقّ؟ فأجاب الصوت إن خيّرني ربّي قبلت العافية و لم أقبل البلاء و إن هو عزم عليّ فسمعاً و طاعة فإنّي أعلم أنّه إن فعل بي ذلك أعانني و عصمني.

فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأنّ الحكم أشدّ المنازل و آكدها يغشاه الظلم من كلّ مكان إن وفى فبالحريّ أن ينجو، و إن أخطأ أخطأ طريق الجنّة، و من يكن في الدنيا ذليلاً و في الآخرة شريفاً خير من أن يكون في الدنيا شريفاً و في الآخرة ذليلاً و من تخيّر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا و لا يصيب الآخرة.

فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فاُعطي الحكمة فانتبه يتكلّم بها ثمّ كان يوازر داود بحكمته فقال له داود: طوبى لك يا لقمان اُعطيت الحكمة و صرفت عنك البلوى.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أ تدرون ما كان لقمان؟ قالوا: الله و رسوله أعلم. قال: كان حبشيّاً.

٢٣٣

٢- و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن حمّاد قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن لقمان و حكمته الّتي ذكرها الله عزّوجلّ، فقال: أما و الله ما اُوتي لقمان الحكمة بحسب و لا مال و لا أهل و لا بسط في جسم و لا جمال.

و لكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله متورّعاً في الله ساكتاً مستكيناً عميق النظر طويل الفكر حديد النظر مستغن(١) بالعبر لم ينم نهاراً قطّ و لم يره أحد من الناس علي بول و لا غائط و لا اغتسال لشدّة تستّره و عموق نظره و تحفّظه في أمره، و لم يضحك من شي‏ء قطّ مخافة الإثم و لم يغضب قطّ، و لم يمازح إنساناً قطّ، و لم يفرح بشي‏ء أتاه من أمر الدنيا و لا حزن منها على شي‏ء قطّ و قد نكح من النساء و ولد له من الأولاد الكثير و قدّم أكثرهم أفراطاً فما بكى على موت أحد منهم.

و لم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلّا أصلح بينهما و لم يمض عنهما حتّى تحاباً، و لم يسمع قولا قطّ من أحد استحسنه إلّا سأل عن تفسيره و عمّن أخذه، و كان يكثر مجالسة الفقهاء و الحكماء، و كان يغشى القضاة و الملوك و السلاطين فيرثي للقضاة ممّا ابتلوا به، و يرحم الملوك و السلاطين لغرّتهم بالله و طمأنينتهم في ذلك، و يعتبر و يتعلّم ما يغلب به نفسه و يجاهد به هواه و يحترز به من الشيطان يداوي قلبه بالفكر و يداوي نفسه بالعبر، و كان لا يظعن إلّا فيما يعنيه فبذلك اُوتي الحكمة و منح العصمة.

و إنّ الله تبارك و تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار و هدأت العيون بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع و لا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ فقال لقمان: إن أمرني الله بذلك فالسمع و الطاعة لأنّه إن فعل ذلك أعانني عليه و علّمني و عصمني و إن هو خيّرني قبلت العافية.

فقالت الملائكة: يا لقمان لم؟ قال: لأنّ الحكم بين الناس بأشدّ المنازل و أكثر فتناً و بلاءً يخذل و لا يعان و يغشاه الظلم من كلّ مكان و صاحبه فيه بين أمرين إن أصاب فيه الحقّ فبالحريّ أن يسلم و إن أخطأ أخطأ طريق الجنّة، و من يكن في الدنيا ذليلاً ضعيفاً كان أهون عليه في المعاد من أن يكون حكماً سريّاً شريفاً، و من اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه و لا تدرك تلك.

____________________________________________

(١) كذا والظاهر مستغنياً

٢٣٤

قال: فتعجّب الملائكة من حكمته و استحسن الرحمن منطقه فلمّا أمسى و أخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها من قرنه إلى قدمه و هو نائم و غطّاه بالحكمة غطاء فاستيقظ و هو أحكم الناس في زمانه، و خرج على الناس ينطق بالحكمة و يبثّها فيها.

قال: فلمّا اُوتي الحكم بالخلافة و لم يقبلها أمر الله عزّوجلّ الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها و لم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله عزّوجلّ الخلافة في الأرض و ابتلي بها غير مرّة كلّ ذلك يهوي في الخطإ يقيله الله و يغفر له، و كان لقمان يكثر زيارة داودعليه‌السلام و يعظه بمواعظه و حكمته و فضل علمه، و كان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان اُوتيت الحكمة و صرفت عنك البليّة و اُعطي داود الخلافة و ابتلي بالحكم و الفتنة.

ثمّ قال أبوعبداللهعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ:( وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) قال: فوعظ لقمان ابنه بآثار(١) حتّى تفطّر و انشقّ.

و كان فيما وعظه به يا حمّاد أن قال: يا بنيّ إنّك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها و استقبلت الآخرة فدارٌ أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بنيّ جالس العلماء و زاحمهم بركبتيك و لا تجادلهم فيمنعوك، و خذ من الدنيا بلاغاً و لا ترفضها فتكون عيالاً على الناس، و لا تدخل فيها دخولاً يضرّ بآخرتك، و صم صوماً يقطع شهوتك و لا تصم صياماً يمنعك من الصلاة فإنّ الصلاة أحبّ إلى الله من الصيام.

يا بنيّ: إنّ الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الإيمان و اجعل شراعها التوكّل، و اجعل زادك فيها تقوى الله فإن نجوت فبرحمة الله و إن‏ هلكت فبذنوبك.

يا بنيّ: إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً و من عنى بالأدب اهتمّ به، و من اهتمّ به تكلّف علمه و من تكلّف علمه اشتدّ له طلبه و من اشتدّ له طلبه أدرك منفعته فاتّخذه عادة

____________________

(١) بآثار ابنه و التفطّر و الانشقاق كناية عن كمال التأثّر.

٢٣٥

فإنّك تخلف في سلفك و ينتفع به من خلفك و يرتجيك فيه راغب و يخشى صولتك راهب، و إيّاك و الكسل عنه بالطلب لغيره فإن غُلبت على الدنيا فلا تغلبنّ على الآخرة و إذا فاتك طلب العلم في مظانّه فقد غلبت على الآخرة و اجعل في أيّامك و لياليك و ساعاتك نصيباً في طلب العلم فإنّك لن تجد له تضييعاً أشدّ من تركه و لا تمارينّ فيه لجوجاً و لا تجادلنّ فقيها و لا تعادينّ سلطاناً، و لا تماشينّ ظلوماً و لا تصادقنّه و لا تؤاخينّ فاسقاً و لا تصاحبنّ متهّماً و اخزن علمك كما تخزن ورقك.

يا بنيّ: خف الله عزّوجلّ خوفاً لو أتيت القيامة ببرّ الثقلين خفت أن يعذّبك و ارج الله رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثقلين رجوت أن يغفر الله لك.

فقال له ابنه: يا أبت كيف اُطيق هذا و إنّما لي قلب واحد؟ فقال له لقمان: يا بنيّ: لو استخرج قلب المؤمن يوجد فيه نوران نور للخوف و نور للرجاء لو وزناً لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة فمن يؤمن بالله يصدّق ما قال الله عزّوجلّ و من يصدّق ما قال الله يفعل ما أمر الله، و من لم يفعل ما أمر الله لم يصدّق ما قال الله فإنّ هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض.

فمن يؤمن بالله إيماناً صادقاً يعمل لله خالصاً ناصحاً و من يعمل لله خالصاً ناصحاً فقد آمن بالله صادقاً و من أطاع الله خافه، و من خافه فقد أحبّه، و من أحبّه فقد اتّبع أمره و من اتّبع أمره استوجب جنّته و مرضاته، و من لم يتّبع رضوان الله فقد هان عليه سخطه نعوذ بالله من سخط الله.

يا بنيّ: لا تركن إلى الدنيا و لا تشغل قلبك بها فما خلق الله خلقاً هو أهون عليه منها أ لا ترى أنّه لم يجعل نعيمها ثواب المطيعين و لم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.

و في قرب الإسناد:، هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيهعليهما‌السلام : قيل للقمان: ما الّذي أجمعت عليه من حكمتك؟ قال: لا أتكلّف ما قد كفيته و لا اُضيّع ما ولّيته.

و في البحار، عن قصص الأنبياء بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال: يا بنيّ: إن تك في شكّ من الموت فارفع عن نفسك النوم و لن تستطيع ذلك و إن كنت في شكّ من البعث فارفع عن نفسك الانتباه و لن تستطيع

٢٣٦

ذلك فإنّك إذا فكّرت في هذا علمت أنّ نفسك بيد غيرك و إنّما النوم بمنزلة الموت و إنّما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت، و قال: قال لقمان لابنه: يا بنيّ لا تقترب فيكون أبعد لك و لا تبعد فتهان، كلّ دابّة تحبّ مثلها و ابن آدم(١) لا يحبّ مثله. لا تنشر(٢) بزّك إلّا عند باغيه، و كما ليس بين الكبش و الذئب خلّة، كذلك ليس بين البارّ و الفاجر خلّة، من يقترب من الزفت تعلّق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرفه، من يحبّ المراء يشتم، و من يدخل مدخل السوء يتّهم، و من يقارن قرين السوء لا يسلم، و من لا يملك لسانه يندم.

و قال يا بنيّ صاحب مائة و لا تعاد واحداً، يا بنيّ إنّما هو خلاقك و خلقك فخلاقك دينك و خلقك بينك و بين الناس فلا تبغضنّ إليهم و تعلّم محاسن الأخلاق.

يا بنيّ كن عبداً للأخيار و لا تكن ولداً للأشرار. يا بنيّ أدّ الأمانة تسلم دنياك و آخرتك و كن أميناً فإنّ الله لا يحبّ الخائنين. يا بنيّ لا تُر الناس أنّك تخشى الله و قلبك فاجر.

و في الكافي، بإسناده عن يحيى بن عقبة الأزديّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان فيما وعظ به لقمان لابنه يا بنيّ إنّ الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له، و إنّما أنت عبد مستأجر قد اُمرت بعمل و وعدت عليه أجراً فأوف عملك و استوف أجرك، و لا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتّى سمنت فكان حتفها عند سمنها، و لكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جُزت عليها فتركتها و لم ترجع إليها آخر الدهر أخربها و لا تعمرها فإنّك لم تؤمر بعمارتها.

و اعلم أنّك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عزّوجلّ عن أربع: شبابك فيما أبليته، و عمرك فيما أفنيته، و مالك ممّا اكتسبته و فيما أنفقته، فتأهّب لذلك و أعدّ له جواباً و لا تأس على ما فاتك من الدنيا فإنّ قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه و كثيرها لا يؤمن بلاؤه فخذ حذرك، و جدّ في أمرك، و اكشف الغطاء عن وجهك، و تعرّض لمعروف ربّك،

____________________

(١) أي أن ابن آدم لا يجب أن يكافيه غيره في مزيّة من المزايا

(٢) أي لا تظهر متاعك إلّا عند طالبه.

٢٣٧

و جدّد التوبة في قلبك، و أكمش في فراقك قبل أن يقصد قصدك، و يقضى قضاؤك، و يحال بينك و بين ما تريد.

و في البحار، عن القصص بإسناده عن حمّاد عن الصادقعليه‌السلام قال: قال لقمان: يا بنيّ إيّاك و الضجر و سوء الخلق و قلّة الصبر فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب، و ألزم نفسك التؤدة(١) في اُمورك و صبّر على مؤنات الإخوان نفسك، و حسّن مع جميع الناس خلقك.

يا بنيّ إن عدمك ما تصل به قرابتك و تتفضّل به على إخوانك فلا يعدمنّك حسن الخلق و بسط البشر فإنّ من أحسن خلقه أحبّه الأخيار و جانبه الفجّار، و اقنع بقسم الله ليصفو عيشك فإن أردت أن تجمع عزّ الدنيا فاقطع طمعك ممّا في أيدي الناس فإنّما بلغ الأنبياء و الصدّيقون ما بلغوا بقطع طمعهم.

أقول: و الأخبار في مواعظه كثيرة اكتفينا منها بما أوردناه إيثاراً للاختصار.

____________________

(١) التؤدة - بضمّ التاء كهمزة - السكون و الرزانة.

٢٣٨

( سورة لقمان الآيات ٢٠ - ٣٤)

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ( ٢٠ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا  أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ( ٢١ ) وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ  وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( ٢٢ ) وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ  إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا  إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( ٢٣ ) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ ( ٢٤ ) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ  قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ  بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( ٢٥ ) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٦ ) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ  إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( ٢٧ ) مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ  إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( ٢٨ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٢٩ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ

٢٣٩

مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( ٣٠ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣١ ) وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ  وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ( ٣٢ ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا  إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ  فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ ( ٣٣ ) إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا  وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ  إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ( ٣٤ )

( بيان)

رجوع إلى ما قبل القصّة من آيات الوحدانيّة و نفي الشريك و أدلّتها المنتهية إلى قوله:( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً ) رجوع إلى ما قبل قصّة لقمان و هو الدليل على أنّ الخطاب للمشركين و إن كان ذيل الآية يشعر بعموم الخطاب.

و عليه فصدر الآية من تتمّة كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يتّصل بقوله:( هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) و لا التفات في قوله:( أَ لَمْ تَرَوْا ) .

و على تقدير كونه من كلامه تعالى ففي قوله:( أَ لَمْ تَرَوْا ) التفات من سياق

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425