الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 425
المشاهدات: 124246
تحميل: 6128


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124246 / تحميل: 6128
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 16

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عليّ من القوّة حتّى قتلت رجلاً بوكزة فلن أكون ظهيراً للمجرمين بل اُجاهدهم بهذه القوّة حتّى ترضى.

فأصبح موسىعليه‌السلام في المدينة خائفاً يترقّب فإذا الّذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى إنّك لغويّ مبين قاتلت رجلاً بالأمس و تقاتل هذا اليوم لاُؤدّبنّك و أراد أن يبطش به فلمّا أراد أن يبطش بالّذي هو عدوّ لهما و هو من شيعته قال:( يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ) . قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أباالحسن.

٢١

( سورة القصص الآيات 22 - 28)

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ( 22 ) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ  قَالَ مَا خَطْبُكُمَا  قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ  وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ( 23 ) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ( 24 ) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا  فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ  نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 25 ) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ  إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ( 26 ) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ  فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ  وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ  سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 27 ) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ  أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ  وَاللهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ( 28 )

( بيان)

فصل ثالث من قصّتهعليه‌السلام يذكر فيه خروجه من مصر إلى مدين عقيب قتله القبطي خوفاً من فرعون و تزوّجه هناك بابنة شيخ كبير لم يسمّ في القرآن لكن تذكر

٢٢

روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام و بعض روايات أهل السنّة أنّه هو شعيب النبيّ المبعوث إلى مدين.

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى‏ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) قال في المجمع: تلقاء الشي‏ء حذاؤه، و يقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه أي من حذاء داعي نفسه. و قال: سواء السبيل وسط الطريق انتهى.

و مدين - على ما في مراصد الاطلاع - مدينة قوم شعيب و هي تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ستّ مراحل و هي أكبر من تبوك و بها البئر الّتي استقى منها موسى لغنم شعيبعليهما‌السلام انتهى، و يقال: إنّه كان بينهما و بين مصر مسيرة ثمان و كانت خارجة من سلطان فرعون و لذا توجّه إليها.

و المعنى: و لمّا صرف وجهه بعد الخروج من مصر حذاء مدين قال: أرجو من ربّي أن يهديني وسط الطريق فلا أضلّ بالعدول عنه و الخروج منه إلى غيره.

و السياق - كما ترى - يعطي أنّهعليه‌السلام كان قاصداً لمدين و هو لا يعرف الطريق الموصلة إليها فترجّى أن يهديه ربّه.

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ) إلخ الذود الحبس و المنع، و المراد بقوله:( تَذُودانِ ) أنّهما يحبسان أغنامهما من أن ترد الماء أو تختلط بأغنام القوم كما أنّ المراد بقوله:( يَسْقُونَ ) سقيهم أغنامهم و مواشيهم، و الرعاء جمع الراعي و هو الّذي يرعى الغنم.

و المعنى: و لمّا ورد موسى ماء مدين وجد على الماء جماعة من الناس يسقون أغنامهم و وجد بالقرب منهم ممّا يليه امرأتين تحبسان أغنامهما و تمنعانها أن ترد المورد قال موسى مستفسراً عنهما - حيث وجدهما تذودان الغنم و ليس على غنمهما رجل -: ما شأنكما؟ قالتا لا نسقي غنمنا أي عادتنا ذلك حتّى يصدر الراعون و يخرجوا أغنامهم و أبونا شيخ كبير لا يقدر أن يتصدّى بنفسه أمر السقي و لذا تصدّينا الأمر.

قوله تعالى: ( فَسَقى‏ لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فهم ) عليه‌السلام من كلامهما أنّ تأخّرهما في السقي نوع تعفّف و تحجّب منهما

٢٣

و تعدّ من الناس عليهما فبادر إلى ذلك و سقى لهما.

و قوله:( ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) أي انصرف إلى الظلّ ليستريح فيه و الحرّ شديد و قال ما قال، و قد حمل الأكثرون قوله:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ ) إلخ على سؤال طعام يسدّ به الجوع، و عليه فالأولى أن يكون المراد بقوله:( لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ ) القوّة البدنيّة الّتي كان يعمل بها الأعمال الصالحة الّتي فيها رضى الله كالدفاع عن الإسرائيليّ و الهرب من فرعون بقصد مدين و سقي غنم شعيب و اللّام في( لِما أَنْزَلْتَ ) بمعنى إلى و إظهار الفقر إلى هذه القوّة الّتي أنزلها الله إليه من عنده بالإفاضة كناية عن إظهار الفقر إلى شي‏ء من الطعام تستبقى به هذه القوّة النازلة الموهوبة.

و يظهر منه أنّهعليه‌السلام كان ذا مراقبة شديدة في أعماله فلا يأتي بعمل و لا يريده و إن كان ممّا يقتضيه طبعه البشريّ إلّا ابتغاء مرضاة ربّه و جهاداً فيه، و هذا ظاهر بالتدبّر في القصّة فهو القائل لمّا وكز القبطيّ:( رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) ثمّ القائل لمّا خرج من مصر خائفاً يترقّب:( رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ثمّ القائل لمّا أخذ في السلوك:( عَسى‏ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) ثمّ القائل لمّا سقى و تولّى إلى الظلّ:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) ثمّ القائل لمّا آجر نفسه شعيباً و عقد على بنته:( وَ اللهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيلٌ ) .

و ما نقل عن بعضهم أنّ اللّام في( لِما أَنْزَلْتَ ) للتعليل و كذا قول بعضهم إنّ المراد بالخير خير الدين و هو النجاة من الظالمين بعيد ممّا يعطيه السياق.

قوله تعالى: ( فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ ) إلى آخر الآية. ضمير إحداهما للمرأتين، و تنكير الاستحياء للتفخيم و المراد بكون مشيها على استحياء ظهور التعفّف من مشيتها، و قوله:( لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) ما مصدريّة أي ليعطيك جزاء سقيك لنا، و قوله:( فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ ) إلخ يلوّح إلى أنّ شعيباً استفسره حاله فقصّ عليه قصّته فطيّب نفسه بأنّه نجا منهم إذ لا سلطان لهم على مدين.

٢٤

و عند ذلك تمّت استجابته تعالى لموسىعليه‌السلام أدعيته الثلاثة فقد كان سأل الله تعالى عند خروجه من مصر أن ينجّيه من القوم الظالمين فأخبره شعيبعليه‌السلام بالنجاة و ترجّى أن يهديه سواء السبيل و هو في معنى الدعاء فورد مدين، و سأله الرزق فدعاه شعيب ليجزيه أجر ما سقى و زاد تعالى فكفاه رزق عشر سنين و وهب له زوجاً يسكن إليها.

قوله تعالى: ( قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) إطلاق الاستيجار يفيد أنّ المراد استخدامه لمطلق حوائجه الّتي تستدعي من يقوم مقامه و إن كانت العهدة باقتضاء المقام رعي الغنم.

و قوله:( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ ) إلخ، في مقام التعليل لقوله:( اسْتَأْجِرْهُ ) و هو من وضع السبب موضع المسبّب و التقدير استأجره لأنّه قويّ أمين و خير من استأجرت هو القويّ الأمين.

و في حكمها بأنّه قويّ أمين دلالة على أنّها شاهدت من نحو عمله في سقي الأغنام ما استدلّت به على قوّته و كذا من ظهور عفّته في تكليمهما و سقي أغنامهما ثمّ في صحبته لها عند ما انطلق إلى شعيب حتّى أتاه ما استدلّت به على أمانته.

و من هنا يظهر أنّ هذه القائلة:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) إلخ، هي الّتي جاءته و أخبرته بدعوة أبيها له كما وردت به روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام و ذهب إليه جمع من المفسّرين.

قوله تعالى: ( قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) إلخ، عرض من شعيب لموسىعليهما‌السلام أن يأجره نفسه ثماني سنين أو عشراً قبال تزويجه إحدى ابنتيه و ليس بعقد قاطع و من الدليل عدم تعيّن المعقودة في كلامهعليه‌السلام .

فقوله:( إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ ) دليل على حضورهما إذ ذاك، و قوله:( عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) أي على أن تأجرني نفسك أي تكون أجيراً لي ثماني حجج، و الحجج جمع حجّة و المراد بها السنة بعناية أنّ كلّ سنة فيها حجّة للبيت الحرام، و به يظهر

٢٥

أنّ حجّ البيت - و هو من شريعة إبراهيمعليه‌السلام - كان معمولاً به عندهم.

و قوله:( فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) أي فإن أتممته عشر سنين فهو من عندك و باختيار منك من غير أن تكون ملزماً من عندي.

و قوله:( وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ) إخبار عن نحو ما يريده منه من الخدمة و أنّه عمل غير موصوف بالمشقّة و أنّه مخدوم صالح.

و قوله:( سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي إنّي من الصالحين و ستجدني منهم إن شاء الله فالاستثناء متعلّق بوجدان موسى إيّاه منهم لا بكونه في نفسه منهم.

قوله تعالى: ( قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَ اللهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيلٌ ) الضمير لموسىعليه‌السلام .

و قوله:( ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ ) أي ذلك الّذي ذكرته و قرّرته من المشارطة و المعاهدة و عرضته عليّ ثابت بيننا ليس لي و لا لك أن نخالف ما شارطناه، و قوله:( أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ ) بيان للأجل المردّد المضروب في كلام شعيبعليه‌السلام و هو قوله:( ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) أي لي أن أختار أيّ الأجلين شئت فإن اخترت الثماني سنين فليس لك أن تعدو عليّ و تلزمني بالزيادة و إن اخترت الزيادة و خدمتك عشراً فليس لك أن تعدو عليّ بالمنع من الزيادة.

و قوله:( وَ اللهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيلٌ ) توكيل له تعالى فيما يشارطان يتضمّن إشهاده تعالى على ما يقولان و إرجاع الحكم و القضاء بينهما إليه لو اختلفا، و لذا اختار التوكيل على الإشهاد لأنّ الشهادة و القضاء كليهما إليه تعالى، و هذا كقول يعقوبعليه‌السلام حين أخذ الموثق من بنيه أن يردّوا إليه ابنه فيما يحكيه الله:( فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيلٌ ) يوسف: 66.

( بحث روائي)

في كتاب كمال الدين، بإسناده إلى سدير الصيرفي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في حديث طويل:( وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى‏ قالَ يا مُوسى‏ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ

٢٦

فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) من مصر بغير ظهر و لا دابّة و لا خادم تخفضه أرض و ترفعه اُخرى حتّى انتهى إلى أرض مدين.

فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر و إذا عندها اُمّة من الناس يسقون و إذا جاريتان ضعيفتان و إذا معهما غنيمة لهما قال ما خطبكما قالتا أبونا شيخ كبير و نحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال فإذا سقى الناس سقينا فرحمهما فأخذ دلوهما فقال لهما: قدّما غنمكما فسقى لهما ثمّ رجعتا بكرة قبل الناس.

ثمّ تولّى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها و قال:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) فروي أنّه قال ذلك و هو محتاج إلى شقّ تمرة فلمّا رجعتا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه الساعة؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا. فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت:( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) .

فروي أنّ موسىعليه‌السلام قال لها: وجّهني إلى الطريق و امشي خلفي فإنّا بني يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء، فلمّا جاءه و قصّ عليه القصص قال:( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

قال:( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) فروي أنّه قضى أتمّهما لأنّ الأنبياءعليهم‌السلام لا تأخذ إلّا بالفضل و التمام.

أقول: و روى ما في معناه القمّيّ في تفسيره.

و في الكافي، عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ حكاية عن موسىعليه‌السلام :( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: سأل الطعام.

أقول: و روى العيّاشيّ عن حفص عنهعليه‌السلام : مثله، و لفظه إنّما عنى الطعام: و أيضاً عن ليث عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله‏ ، و في نهج البلاغة،: مثله و لفظه و الله ما سأله إلّا خبزاً يأكله.

٢٧

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا سقى موسى للجاريتين ثمّ تولّى إلى الظلّ فقال:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: إنّه يومئذ فقير إلى كفّ من تمر.

و في تفسير القمّيّ، قال: قالت إحدى بنات شعيب:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) ، فقال لها شعيبعليه‌السلام : أمّا قوّته فقد عرّفتنيه أنّه يستقي الدلو وحده فبم عرفت أمانته؟ فقالت: إنّه لمّا قال لي: تأخّري عني و دلّيني على الطريق فإنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت أنّه ليس من الّذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته.

أقول: و روي مثله في المجمع، عن عليّعليه‌السلام .

و في المجمع، و روى الحسن بن سعيد عن صفوان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سئل أيّتهما الّتي قالت: إنّ أبي يدعوك؟ قال: الّتي تزوّج بها. قيل: فأيّ الأجلين قضى؟ قال: أوفاهما و أبعدهما عشر سنين. قيل: فدخل بها قبل أن يمضي الشرط أو بعد انقضائه؟ قال: قبل أن ينقضي. قيل له: فالرجل يتزوّج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين أ يجوز ذلك؟ قال: إنّ موسى علم أنّه سيتمّ له شرطه. قيل: كيف؟ قال: علم أنّه سيبقى حتّى يفي.

أقول: و روى قضاء عشر سنين في الدرّ المنثور، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدّة طرق.

و في تفسير العيّاشيّ، و قال الحلبيّ: سئل أبوعبداللهعليه‌السلام عن البيت أ كان يحجّ قبل أن يبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم و تصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسىعليهما‌السلام حيث تزوّج:( عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) و لم يقل ثماني سنين.

٢٨

( سورة القصص الآيات 29 - 42)

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ( 29 ) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 30 ) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ  فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ  يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ  إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ( 31 ) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ  فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ  إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( 32 ) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ( 33 ) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي  إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ( 34 ) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا  بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ( 35 ) فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ( 36 ) وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ  إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 37 ) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ

٢٩

فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( 38 ) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ( 39 ) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ  فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ( 40 ) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ( 41 ) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ( 42 )

( بيان)

فصل آخر من قصّة موسىعليه‌السلام و قد اُودع فيه إجمال قصّته من حين سار بأهله من مدين قاصداً لمصر و بعثته بالرسالة إلى فرعون و ملائه لإنجاء بني إسرائيل و تكذيبهم له إلى أن أغرقهم الله في اليمّ و تنتهي القصّة إلى إيتائه الكتاب و كأنّه هو العمدة في سرد القصّة.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا قَضى‏ مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً ) إلخ، المراد بقضائه الأجل إتمامه مدّة خدمته لشعيبعليه‌السلام و المرويّ أنّه قضى أطول الأجلين، و الإيناس الإبصار و الرؤية، و الجذوة من النار القطعة منها، و الاصطلاء الاستدفاء.

و السياق يشهد أنّ الأمر كان باللّيل و كانت ليلة شديدة البرد و قد ضلّوا الطريق فرأى من جانب الطور و قد أشرفوا عليه ناراً فأمر أهله أن يمكثوا ليذهب إلى ما آنسه لعلّه يجد هناك من يخبره بالطريق أو يأخذ قطعة من النار فيصطلوا بها، و قد وقع في القصّة من سورة طه موضع قوله:( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ ) إلخ قوله:( لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً ) طه: 10، و هو أدلّ على كونهم ضلّوا الطريق.

و كذا في قوله خطاباً لأهله:( امْكُثُوا ) إلخ، شهادة على أنّه كان معها من يصحّ

٣٠

معه خطاب(1) الجمع.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ) إلخ قال في المفردات: شاطئ الوادي جانبه، و قال: أصل الوادي الموضع الّذي يسيل منه الماء و منه سمّي المنفرج بين الجبلين وادياً و جمعه أودية انتهى و البقعة القطعة من الأرض على غير هيئة الّتي إلى جنبها.

و المراد بالأيمن الجانب الأيمن مقابل الأيسر و هو صفة الشاطئ و لا يعبؤ بما قاله بعضهم: إنّ الأيمن من اليمين مقابل الأشأم من الشؤم.

و البقعة المباركة قطعة خاصّة من الشاطئ الأيمن في الوادي كانت فيه الشجرة الّتي نودي منها، و مباركتها لتشرّفها بالتقريب و التكليم الإلهيّ و قد اُمر بخلع نعليه فيها لتقدّسها كما قال تعالى في القصّة من سورة طه:( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) طه: 12.

و لا ريب في دلالة الآية على أنّ الشجرة كانت مبدءاً للنداء و التكليم بوجه غير أنّ الكلام و هو كلام الله سبحانه لم يكن قائماً بها كقيام الكلام بالمتكلّم منّا فلم تكن إلّا حجاباً احتجب سبحانه به فكلّمه من ورائه بما يليق بساحة قدسه من معنى الاحتجاب و هو على كلّ شي‏ء محيط، قال تعالى:( وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) الشورى: 51.

و من هنا يظهر ضعف ما قيل: إنّ الشجرة كانت محلّ الكلام لأنّ الكلام عرض يحتاج إلى محلّ يقوم به.

و كذا ما قيل: إنّ هذا التكليم أعلى منازل الأنبياءعليهم‌السلام أن يسمعوا كلام الله سبحانه من غير واسطة و مبلّغ. و ذلك أنّه كان كلاماً من وراء حجاب و الحجاب واسطة و ظاهر آية الشورى المذكورة آنفاً أنّ أعلى التكليم هو الوحي من غير واسطة حجاب أو رسول مبلّغ.

____________________

(1) و في التوراة الحاضرة أنّه حمل معه إلى مصر امرأته و بنيه (سفر الخروج الإصحاح الرابع آية 20).

٣١

و قوله:( أَنْ يا مُوسى‏ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) أن فيه تفسيريّة، و فيه إنباء عن الذات المتعالية المسمّاة باسم الجلالة الموصوفة بوحدانيّة الربوبيّة النافية لمطلق الشرك إذ كونه ربّاً للعالمين جميعاً - و الربّ هو المالك المدبّر لملكه الّذي يستحقّ العبادة من مملوكيه - لا يدع شيئاً من العالمين يكون مربوباً لغيره حتّى يكون هناك ربّ غيره و إله معبود سواه.

ففي الآية إجمال ما فصّله في سورة طه في هذا الفصل من النداء من الإشارة إلى الاُصول الثلاثة أعني التوحيد و النبوّة و المعاد إذ قال:( إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ) الآيات طه: 14 - 16.

قوله تعالى: ( وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ ) تقدّم تفسيره في سورة النمل.

قوله تعالى: ( يا مُوسى‏ أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ) بتقدير القول أي قيل له: أقبل و لا تخف إنّك من الآمنين، و في هذا الخطاب تأمين له، و به يظهر معنى قوله في هذا الموضع من القصّة في سورة النمل:( يا مُوسى‏ لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) النمل: 10 و أنّه تأمين معناه أنّك مرسل و المرسلون آمنون لديّ و ليس من العتاب و التوبيخ في شي‏ء.

قوله تعالى: ( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) المراد بسلوك يده في جيبه إدخاله فيه، و المراد بالسوء - على ما قيل - البرص.

و الظاهر أنّ في هذا التقييد تعريضاً لما في التوراة الحاضرة في هذا(1) الموضع من القصّة: ثمّ قال له الربّ أيضاً: أدخل يدك في عبّك فأدخل يده في عبّه ثمّ أخرجها و إذا يده برصاء مثل الثلج.

قوله تعالى: ( وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ) إلى آخر الآية، الرهب بالفتح فالسكون و بفتحتين و بالضمّ فالسكون الخوف، و الجناح قيل: المراد به اليد و قيل: العضد.

____________________

(1) سفر الخروج الإصحاح الرابع آية 6.

٣٢

قيل: المراد بضمّ الجناح إليه من الرهب أن يجمع يديه على صدره إذا عرضه الخوف عند مشاهدة انقلاب العصا حيّة ليذهب ما في قلبه من الخوف.

و قيل: إنّه لمّا ألقى العصا و صارت حيّة بسط يديه كالمتّقي و هما جناحاه فقيل له: اضمم إليك جناحك أي لا تبسط يديك خوف الحيّة فإنّك آمن من ضررها.

و الوجهان - كما ترى - مبنيّان على كون الجملة أعني قوله:( وَ اضْمُمْ ) إلخ، من تتمّة قوله:( أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ) و هذا لا يلائم تخلّل قوله:( اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ) إلخ، بين الجملتين بالفصل من غير عطف.

و قيل: الجملة كناية عن الأمر بالعزم على ما أراده الله سبحانه منه و الحثّ على الجدّ في أمر الرسالة لئلّا يمنعه ما يغشاه من الخوف في بعض الأحوال.

و لا يبعد أن يكون المراد بالجملة الأمر بأن يأخذ لنفسه سيماء الخاشع المتواضع فإنّ من دأب المتكبّر المعجب بنفسه أن يفرّج بين عضديه و جنبيه كالمتمطّي في مشيته فيكون في معنى ما أمر الله به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التواضع للمؤمنين بقوله:( وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الحجر: 88 على بعض المعاني.

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ) إشارة إلى قتله القبطيّ بالوكز و كان يخاف أن يقتلوه قصاصاً.

قوله تعالى: ( وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ) قال في المجمع: يقال: فلان ردء لفلان إذا كان ينصره و يشدّ ظهره. انتهى.

و قوله:( إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ) تعليل لسؤاله إرسال هارون معه، و السياق يدلّ على أنّه كان يخاف أن يكذّبوه فيغضب و لا يستطيع بيان حجّته للكنة كانت في لسانه لا أنّه سأل إرساله لئلّا يكذّبوه فإنّ من يكذّبه لا يبالي أن يكذّب هارون معه و من الدليل على ذلك ما وقع في سورة الشعراء في هذا الموضع من القصّة من قوله:( قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَ يَضِيقُ صَدْرِي وَ لا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى‏ هارُونَ ) الشعراء: 13.

٣٣

فمحصّل المعنى: أنّ أخي هارون هو أفصح منّي لساناً فأرسله معيناً لي يبيّن صدقي في دعواي إذا خاصموني إنّي أخاف أن يكذّبوني فلا أستطيع بيان صدق دعواي.

قوله تعالى: ( قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ ) شدّ عضده بأخيه كناية عن تقويته به، و عدم الوصول إليهما كناية عن عدم التسلّط عليهما بالقتل و نحوه كأنّ الطائفتين يتسابقان و إحداهما متقدّمة دائماً و الاُخرى لا تدركهم بالوصول إليهم فضلاً أن يسبقوهم.

و المعنى: قال سنقوّيك و نعينك بأخيك هارون و نجعل لكما سلطة و غلبة عليهم فلا يتسلّطون عليكما بسبب آياتنا الّتي نظهركما بها. ثمّ قال:( أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ ) و هو بيان لقوله:( وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً ) إلخ، يوضح أنّ هذا السلطان يشملهما و من اتّبعهما من الناس.

و قد ظهر بذلك أنّ السلطان بمعنى القهر و الغلبة و قيل: هو بمعنى الحجّة و الأولى حينئذ أن يكون قوله:( بِآياتِنا ) متعلّقاً بقوله:( الْغالِبُونَ ) لا بقوله:( فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما ) و قد ذكروا في الآية وجوها اُخر لا جدوى في التعرّض لها.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى‏ بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً ) إلخ، أي سحر موصوف بأنّه مفترى و المفترى اسم مفعول بمعنى المختلق أو مصدر ميميّ وصف به السحر مبالغة.

و الإشارة في قوله:( ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً ) إلى ما جاء به من الآيات أي ليس ما جاء به من الخوارق إلّا سحراً مختلقاً افتعله فنسبه إلى الله كذباً.

و الإشارة في قوله:( وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ ) إلى ما جاء به من الدعوة و أقام عليها حجّة الآيات، و أمّا احتمال أن يراد بها الإشارة إلى الآيات فلا يلائمه تكرار اسم الإشارة على أنّهم كانوا يدعون أنّهم سيأتون بمثلها كما حكى الله عن فرعون في قوله:( فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ) طه: 58 على أنّ عدم معهوديّة السحر و عدم مسبوقيّته بالمثل لا ينفعهم شيئاً حتّى يدّعوه.

فالمعنى: أنّ ما جاء به موسى دين مبتدع لم ينقل عن آبائنا الأوّلين أنّهم اتّخذوه

٣٤

في وقت من الأوقات، و يناسبه ما حكي في الآية التالية من قول موسى:( رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى) إلخ.

قوله تعالى: ( وَ قالَ مُوسى‏ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى‏ مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ ) إلخ، مقتضى السياق كونه جواباً من موسى عن قولهم:( وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ ) في ردّ دعوى موسى، و هو جواب مبنيّ على التحدّي كأنّه يقول: إنّ ربّي - و هو ربّ العالمين له الخلق و الأمر - هو أعلم منكم بمن جاء بالهدى و من تكون له عاقبة الدار و هو الّذي أرسلني رسولاً جائياً بالهدى - و هو دين التوحيد - و وعدني أنّ من أخذ بديني فله عاقبة الدار، و الحجّة على ذلك الآيات البيّنات الّتي آتانيها من عنده.

فقوله:( رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى‏ مِنْ عِنْدِهِ ) يريد به نفسه و المراد بالهدى الدعوة الدينيّة الّتي جاء بها.

و قوله:( وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ ) المراد بعاقبة الدار إمّا الجنّة الّتي هي الدار الآخرة الّتي يسكنها السعداء كما قال تعالى حكاية عنهم:( وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) الزمر: 74 و إمّا عاقبة الدار الدنيا كما في قوله:( قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) الأعراف: 128 و إمّا الأعمّ الشامل للدنيا و الآخرة، و الثالث أحسن الوجوه ثمّ الثاني كما يؤيّده تعليله بقوله:( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) .

و في قوله:( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) تعريض لفرعون و قومه و فيه نفي أن تكون لهم عاقبة الدار فإنّهم بنوا سنّة الحياة على الظلم و فيه انحراف عن العدالة الاجتماعيّة الّتي تهدي إليها فطرة الإنسان الموافقة للنظام الكوني.

قال بعض المفسّرين: و الوجه في عطف قوله:( وَ قالَ مُوسى‏ رَبِّي أَعْلَمُ ) إلخ، على قولهم:( ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً ) إلخ حكاية القولين ليوازن السامع بينهما ليميّز صحيحهما من الفاسد. انتهى. و ما قدّمناه من كون قول موسىعليه‌السلام مسوقاً لردّ قولهم أوفق للسياق.

٣٥

قوله تعالى: ( وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) إلى آخر الآية، فيه تعريض لموسى بما جاء به من الدعوة الحقّة المؤيّدة بالآيات المعجزة يريد أنّه لم يتبيّن له حقيّة ما يدعو إليه موسى و لا كون ما أتى به من الخوارق آيات معجزة من عندالله و أنّه ما علم لهم من إله غيره.

فقوله:( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) سوق للكلام في صورة الإنصاف ليقع في قلوب الملاء موقع القبول كما هو ظاهر قوله المحكيّ في موضع آخر:( ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى‏ وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ ) المؤمن: 29.

فمحصّل المعنى: أنّه ظهر للملاء أنّه لم يتّضح له من دعوة موسى و آياته أنّ هناك إلهاً هو ربّ العالمين و لا حصل له علم بأنّ هناك إلهاً غيره ثمّ أمر هامان أن يبني له صرحاً لعلّه يطّلع إلى إله موسى.

و بذلك يظهر أنّ قوله:( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) من قبيل قصر القلب فقد كان موسىعليه‌السلام يثبت الاُلوهيّة لله سبحانه و ينفيها عن غيره و هو ينفيها عنه تعالى و يثبتها لنفسه، و أمّا سائر الآلهة الّتي كان يعبدها هو و قومه فلا تعرّض لها.

و قوله:( فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً ) المراد بالإيقاد على الطين تأجيج النار عليه لصنعة الأجر المستعمل في الأبنية، و الصرح البناء العالي المكشوف من صرح الشي‏ء إذا ظهر ففي الجملة أمر باتّخاذ الأجر و بناء قصر عال منه.

و قوله:( لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى‏ إِلهِ مُوسى) نسب الإله إلى موسى بعناية أنّه هو الّذي يدعو إليه، و الكلام من وضع النتيجة موضع المقدّمة و التقدير: اجعل لي صرحاً أصعد إلى أعلى درجاته فأنظر إلى السماء لعلّي أطّلع إلى إله موسى كأنّه كان يرى أنّه تعالى جسم ساكن في بعض طبقات الجوّ أو الأفلاك فكان يرجو إذا نظر من أعلى الصرح أن يطّلع إليه أو كان هذا القول من قبيل التعمية على الناس و إضلالهم.

و يمكن أن يكون المراد أن يبني له رصداً يترصّد الكواكب فيرى هل فيها ما يدلّ على بعثة رسول أو حقّيّة ما يصفه موسىعليه‌السلام ، و يؤيّد هذا قوله على ما حكى في موضع آخر:( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ

٣٦

إِلى‏ إِلهِ مُوسى‏ وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً ) المؤمن: 37.

و قوله:( وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ ) ترقّ منه من الجهل الّذي يدلّ عليه قوله:( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) إلى الظنّ بعدم الوجود و قد كان كاذباً في قوله هذا و لا يقوله إلّا تمويها و تعمية على الناس و قد خاطبه موسى بقوله:( لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) إسراء: 102.

و ذكر بعضهم أنّ قوله:( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) من قبيل نفي المعلوم بنفي العلم فيما لو كان لبان فيكون نظير قوله:( قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ) يونس: 18 و أنت خبير بأنّه لا يلائم ذيل الآية.

قوله تعالى: ( وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ ) أي كانت حالهم حال من يترجّح عنده عدم الرجوع و ذلك أنّهم كانوا موقنين في أنفسهم كما قال تعالى:( وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا ) .

قوله تعالى: ( فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ ) إلخ النبذ الطرح، و اليمّ البحر و الباقي ظاهر. و في الآية من الاستهانة بأمرهم و تهويل العذاب الواقع بهم ما لا يخفى.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) الدعوة إلى النار هي الدعوة إلى ما يستوجب النار من الكفر و المعاصي لكونها هي الّتي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب و إرادة سببه.

و معنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار، تصييرهم سابقين في الضلال يقتدي بهم اللاحقون و لا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر و الجحود و ليس من الإضلال الابتدائيّ في شي‏ء.

و قيل: المراد بجعلهم أئمّة يدعون إلى النار تسميتهم بذلك على حدّ قوله:( وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) الزخرف: 19.

و فيه أنّ الآية التالية على ما سيجي‏ء من معناها لا تلائمه. على أنّ كون الجعل في الآية المستشهد بها بمعنى التسمية غير مسلّم.

٣٧

و قوله:( وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ) أي لا تنالهم شفاعة من ناصر.

قوله تعالى: ( وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ) بيان للازم ما وصفهم به في الآية السابقة فهم لكونهم أئمّة يقتدي بهم من خلفهم في الكفر و المعاصي لا يزال يتبعهم ضلال الكفر و المعاصي من مقتديهم و متّبعيهم و عليهم من الأوزار مثل ما للمتّبعين فيتّبعهم لعن مستمرّ باستمرار الكفر و المعاصي بعدهم.

فالآية في معنى قوله:( وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ ) العنكبوت: 13 و قوله:( وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ ) يس: 12 و تنكير اللعنة للدلالة على تفخيمها و استمرارها.

و كذا لمّا لم ينلهم يوم القيامة نصر ناصر كانوا بحيث يتنفّر و يشمئزّ عنهم النفوس و يفرّ منهم الناس و لا يدنو منهم أحد و هو معنى القبح و قد وصف الله تعالى من قبح منظرهم شيئاً كثيراً في كلامه.

( بحث روائي)

في المجمع، روى الواحديّ بالإسناد عن ابن عبّاس قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاهما و أبطأهما.

أقول: و روي ما في معناه بالإسناد عن أبي ذرّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن مقسم قال: لقيت الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له: أيّ الأجلين قضى موسى؟ الأوّل أو الآخر؟ قال: الآخر.

و في المجمع، روى أبوبصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لمّا قضى موسى الأجل و سار بأهله نحو البيت أخطأ الطريق فرأى ناراً( قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) .

و عن كتاب طبّ الأئمّة، بإسناده عن جابر الجعفيّ عن الباقرعليه‌السلام في حديث قال: و قال الله عزّوجلّ في قصّة موسىعليه‌السلام :( وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) يعني من غير برص.

٣٨

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ) قال الراوي: فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام : فكم مكث موسىعليه‌السلام غائباً عن اُمّه حتّى ردّه الله عزّوجلّ عليها؟ قال: ثلاثة أيّام.

قال: فقلت: فكان هارون أخا موسىعليهما‌السلام لأبيه و اُمّه؟ قال: نعم أ ما تسمع الله عزّوجلّ يقول:( يا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي ) ؟ فقلت: فأيّهما كان أكثر سنّا؟ قال: هارون. قلت: فكان الوحي ينزل عليهما جميعاً؟ قال: كان الوحي ينزل على موسى و موسى يوحيه إلى هارون.

فقلت له: أخبرني عن الأحكام و القضاء و الأمر و النهي كان ذلك إليهما؟ قال: كان موسى الّذي يناجي ربّه و يكتب العلم و يقضي بين بني إسرائيل و هارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة. قلت: فأيّهما مات قبل صاحبه؟ قال: مات هارون قبل موسى و ماتاً جميعاً في التيه. قلت: فكان لموسى ولد؟ قال: لا كان الولد لهارون و الذرّيّة له.

أقول: و آخر الرواية لا يوافق روايات اُخر تدلّ على أنّه كان له ولد، و في التوراة الحاضرة أيضاً دلالة على ذلك.

في جوامع الجامع في قوله تعالى:( وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ ) قالعليه‌السلام فيما حكاه عن ربّه عزّوجلّ: الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار.

و في الكافي، بإسناده عن طلحة بن زيد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال: إنّ الأئمّة في كتاب الله عزّوجلّ إمامان قال الله تبارك و تعالى:( وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) لا بأمر الناس يقدّمون أمر الله قبل أمرهم و حكم الله قبل حكمهم. قال:( وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) يقدّمون أمرهم قبل أمر الله و حكمهم قبل حكم الله و يأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّوجلّ.

٣٩

( كلام حول قصص موسى و هارونعليهما‌السلام )

في فصول‏

1- منزلة موسى عندالله و موقفه العبودي: كانعليه‌السلام أحد الخمسة اُولي العزم الّذين هم سادة الأنبياء و لهم كتاب و شريعة كما خصّهم الله تعالى بالذكر في قوله:( وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) الأحزاب: 7، و قال:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى) الشورى: 13.

و لقد امتنّ الله سبحانه عليه و على أخيه في قوله:( وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلى‏ مُوسى‏ وَ هارُونَ ) الصافّات: 114 و سلّم عليهما في قوله:( سَلامٌ عَلى‏ مُوسى‏ وَ هارُونَ ) الصافّات: 120.

و أثنى على موسىعليه‌السلام بأجمل الثناء في قوله:( وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى‏ إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا ) مريم: 52 و قال:( وَ كانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً ) الأحزاب: 69 و قال:( وَ كَلَّمَ اللهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً ) النساء: 164.

و ذكره في جملة من ذكرهم من الأنبياء في سورة الأنعام الآية 84 - 88 فأخبر أنّهم كانوا محسنين صالحين و أنّه فضّلهم على العالمين و اجتباهم و هداهم إلى صراط مستقيم. و ذكره في جملة الأنبياء في سورة مريم ثمّ ذكر في الآية 58 منها أنّهم الّذين أنعم الله عليهم.

فاجتمع بذلك لهعليه‌السلام معنى الإخلاص و التقريب و الوجاهة و الإحسان و الصلاح و التفضيل و الاجتباء و الهداية و الإنعام و قد مرّ البحث عن معاني هذه الصفات في مواضع تناسبها من هذا الكتاب و كذا البحث عن معنى النبوّة و الرسالة و التكليم.

و ذكر الكتاب النازل عليه و هو التوراة فوصفها بأنّها إمام و رحمة (سورة الأحقاف: 12) و بأنّها فرقان و ضياء و ذكر (الأنبياء: 48) و بأنّ فيها هدى و نور: (المائدة: 44) و قال:( وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) الأعراف: 145.

٤٠