الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن18%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128776 / تحميل: 6816
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الحركات الرجعيّة

1

7

الجهميّة

قد عرفت أنّ المتّهمين بالقدرية كانوا دعاة الحرّية، لا نُفاة القضاء والقدر، بل كانوا قائلين بأنّه سبحانه تبارك وتعالى قدّر وقضى، ومع ذلك، لم يسلب الاختيار عن الإنسان، فخيّره بين الإيمان والكفر، بين الخير والشّر، فلو قدّر الخير فلعلم منه بأنّه يختار الخير عن اختيار، أو قدّر الشر فلعلم منه أنّ الفاعل يختار الشر كذلك، وهو نفس صميم الإسلام ولبّه، قال سبحانه: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ ) (1) .

لكن ظهرت في القرن الثاني والثالث حركات رجعيّة استهدفت أركان الإسلام والعودة بالأُمّة إلى الأفكار الجاهلية الّتي سادت قبل الإسلام، من القول بالجبر والتجسيم، وإليك أبرز ممثّلي هذه الحركات الرجعية.

____________________

(1) الكهف: 29.

٨١

الجهميّة:

إنّ سمات الجهميّة، هي: القول بالجبر والتعطيل، أسّسها جهم بن صفوان السمرقندي (المتوفّى 128هـ).

قال الذهبي: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهميّة في زمان صغار التابعين، وما علِمْته روى شيئاً، لكنّه زرع شرّاً عظيماً.

وقال المقريزي: الجهميّة،أتباع جهم بن صفوان الترمذي، مولى راسب، وقُتل في آخر دولة بني أُميّة، وتتلخّص عقائده في الأُمور التالية:

1 - ينفي الصفات الإلهيّة كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خَلْقه.

2 - إنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة.

3 - إنّ الجنّة والنّار يفنيان، وتنقطع حركات أهلهما.

4 - إنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر؛ لأنّ العلم لا يزول بالصمت، وهو مؤمن مع ذلك.

وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.

5 - وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.

6 - وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (1)

____________________

(1). الخطط المقريزيّة: 3/349، ولاحظ: ص351.

٨٢

أقول: الظاهر أنّ قاعدة مذهبه أمران:

الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه، ويُطْلق على أتباعه الجبريّة الخالصة، في مقابل غير الخالص منها.

الثاني: تعطيل ذاته سبحانه، عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة.

وأمّا غير هذين الأمرين فمشكوك جداً.

التطورات الّتي مرّ بها مفهوم الجهمي:

لمّا كان نفي الصفات عن الله والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ممّا نسب إلى منهج الجهم، صار لفظ الجهمي رمزاً لكلِّ من قال بأحد هذه الأُمور، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر؛ ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة ويراد بها المعتزلة أو القدريّة، يقول أحد بن حنبل:

والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. (1)

____________________

(1) السنّة: 49.

٨٣

الحركات الرجعيّة

2

8

المجسّمة

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد، والبرهان عن التفكير، ألحق أضراراً جسيمة بالمجتمع الإسلامي، حيث ظهرت فيه حركات هدّامة ترمي إلى تقويض الأُسس الدينية والأخلاقيّة.

ومن تلك الحركات المجسّمة؛ الّتي رفع لواءها مقاتل بن سليمان المجسم (1) (المتوفّى عام 150هـ)، ونشر أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثالث، فهو وجهم بن صفوان، مع تشاطرهما في دفع الأُمّة الإسلامية إلى حافة الجاهلية،على طرفي نقيض في مسألة التنزيه والتشبيه.

____________________

(1) مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدّث بها، وتوفّي بالبصرة، كان متروك الحديث، من كتبه (التفسير الكبير)، و(نوادر التفسير)، و(الرّد على القدريّة)، و(متشابه القرآن)، و(الناسخ والمنسوخ)، و(القراءات)، و(الوجوه والنظائر)، [الأعلام: 7/281].

٨٤

أمّا صفوان، فقد بالغ في التنزيه حتّى عطّل وصف ذاته بالصفات.

وأمّا مقاتل، فقد أفرط في التشبيه فصار مجسّماً، وقد نقل المفسرون آراء مقاتل في كتب التفاسير.

فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق.

قال ابن حبّان: كان يأخذ من اليهود والنصارى - في علم القرآن - الّذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.

وقال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه. (1)

____________________

(1) لاحظ: ميزان الاعتدال، 4/173. وراجع تاريخ بغداد، 13/166.

٨٥

الحركات الرجعية

3

9

الكرّاميّة

وهذه الفرقة منسوبة إلى محمد بن كرام السجستاني (المتوفّى عام 255هـ) شيخ الكرامية.

قال الذهبي: ساقط الحديث على بدعته، أكَثَر عن أحمد الجويباري، ومحمد بن تميم السعدي؛ وكانا كذّابين.

وقال ابن حبّان: خذل، حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها... وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة.

وقال ابن حزم: قال ابن كرام: الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه، فهو مؤمن. ومن بِدَع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام، وقد سقت أخبار ابن كرّام في تاريخي الكبير، وله أتباع ومؤيّدون، وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثُمَّ أُخرج وسار

٨٦

إلى بيت المقدس، ومات بالشام سنة 255هـ. (1)

إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات أُخر، ذكرها البغدادي، وقد بلغت جُرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النبي أخطأ في تبليغ قوله[ تعالى]: ( وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى ) ، حتّى قال بعده: (تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتها لترتجى). (2)

مع أنّ قصة الغرانيق أُقصوصة ابتدعها قوم من أهل الضلالة، وقد أوضحنا حالها في كتابنا (سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم».

ونكتفي بهذا النزر في بيان عقائدهم، وكلّها وليد إقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد، والاكتفاء بالروايات مع ما فيها من أباطيل وترّهات وضعها الأعداء واختلقتها الأهواء، فهي من أسوأ الحركات الرجعيّة الظاهرة في أواسط القرن الثالث.

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 4/21.

(2) الفرق بين الفِرق: 222.

٨٧

الحركات الرّجعيّة

4

10

الظاهرية

وهذا المذهب منسوب إلى داود بن علي الأصفهاني الظاهري (200 - 270هـ).

وقد أسّس مذهباً في الفروع، فالمصدر الأصلي في الفقه عنده هو النصوص، بلا رأي في حكم من أحكام الشرع، فهم يأخذون بالنصوص وحدها، فإذا لم يكن بالنص، أخذوا بالإباحة الأصليّة.

ما هو السبب لظهور هذا المذهب؟

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى، لأنّ أساسه هو التعبُّد بالنصوص، وعدم الإفتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة، لكن الجمود على حرفيّة النصوص شيء، والتعبّد بالنصوص وعدم الإفتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيّين شيء آخر،

٨٨

فالظاهرية على الأوّل، والفقهاء على الثاني، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين:

1 - إنّ الشكّل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروري الإنتاج، من غير فرق بين الأُمور التكوينيّة أو الأحكام الشرعيّة؛ فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتمية لقولنا: العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث، فهكذا الحكم بحرمة كلّ مسكر، نتيجة قطعيّة لقولنا: الفقاع مسكر، وكل مسكر حرام، فالفقاع حرام؛ لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين، ولكن لا يفتي بالنتيجة؛ بحجة أنّها غير مذكورة في النصوص.

2 - ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب، وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب، لكنّه من اللوازم البيّنة له، بحيث يتبادر إلى الذّهن من سماعه، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله: ( فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍ ) (1) ، يتوجّه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى، ولكن الفقيه الظاهري يأبى عن الأخذ به بحجّة كونه غير منصوص.

قال سبحانه: ( قُل لِلّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنّتُ الْأَوّلِينَ ) (2) .

فالموضوع للحكم (مغفرة ما سلف عند الانتهاء)؛ وإن كان هو الكافر، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر، لازم لهذا الحكم بالضرورة، وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد، ولكنّ الظاهري يتركه؛ بحجة أنّه غير مذكور في النص.

____________________

(1) الإسراء: 23.

(2) الأنفال: 38.

٨٩

وهذا النوع من الجمود يجعل النصوص غير كافلة لاستخراج الفروع الكثيرة، وتصبح الشريعة ناقصة من حيث التشريع والتقنين، وغير صالحة لجميع الأجيال والعصور، وفاقدة للمرونة اللازمة الّتي عليها أساس خاتميّة نبوّة نبيّناً محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكتابه وسنّته.

ثمَّ إنّ الاكتفاء بظاهر الشريعة؛ وأخذ الأحكام من ظواهر النصوص؛ له تفسيران: أحدهما صحيح جداً، والآخر باطل، فإن أُريد منه نفي الظنون؛ الّتي لم يدلّ على صحة الاحتجاج بها دليل، فهو نفس نص الكتاب العزيز، قال سبحانه: ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (1) ، فالشيعة الإماميّة، وبفضل النصوص الوافرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتّصلة اسنادها إلى الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، استطاعت أن تستخرج أحكام الحوادث والموضوعات الكثيرة منها، وامتنعت عن العمل بالقياس والاستحسان وغيرهما من الأدلّة الظنية؛ الّتي لم يقم الدليل القطعي على صحّة الاحتجاج بها، بل قام الدليل على حرمة العمل على بعضها، كالقياس، وقد ورد في نصوص أئمتهم (عليهم السلام): «إنّ السنّة إذا قيست مُحق الدين» (2) .

وإن أُريد بها لوازم الخطاب؛ أي ما يكون في نظر العقلاء، كالمذكور أخذاً بقولهم: (الكناية أبلغ من التصريح)، ويكون التفكيك بينهما أمراً غير صحيح، فليس ذلك عملاً بغير المنصوص. نعم ليس عملاً بالظاهر الحرفي، ولكنّه عمل بها بما يفهمه المخاطبون بها.

____________________

(1) يونس: 59.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

٩٠

أُفول نجمه:

إنّ هذا المذهب لأجل حرفيته قد أفل نجمه بسرعة.

نعم قد تبعه فقيه آخر باسم ابن حزم (384 - 458هـ)، وأعاد هذا المذهب إلى الساحة، وألّف حوله كتباً ورسائل، وخدمه بالتآليف التالية:

1 - الإحكام في أُصول الأحكام: بيّن فيه أُصول المذهب الظاهري.

2 - النُّبَذ: وهو خلاصة ذلك الكتاب.

3 - المحلّى: وهو كتاب كبير نشر في عشرة أجزاء، جمع أحاديث الأحكام وفقه علماء الأمصار، طبع في بيروت بتحقيق أحمد محمد شاكر، وله آراء شاذة - كبطلان الاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية، وجواز مس المصحف للمجنب، وقاتل الإمام عليّ كان مجتهداً - ذكرناها في موسوعتنا. (1)

وقد ذكرنا هذا المذهب، مع أنّه فقهي؛ لأجل اشتراكه مع ما سبق في الرجعيّة، وإقصاء العقل عن ساحة الاجتهاد الفقهي.

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 3/141 - 146.

٩١

11

المعتزلة

المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة؛ مدرسة فكريّة عقليّة أعطت للعقل القسط الأوفر، ومن المؤسف أنّ هوى العصبية، بل يد الخيانة، لعبت بكثير من مخلّفاتهم الفكريّة، فأطاحت به فأضاعتها بالخرق والتمزيق، فلم يبق فيما بأيدينا من آثارهم إلاّ الشيء القليل، وأكثرها يرجع إلى كتب عبد الجبار المعتزلي (المتوفّى عام 415هـ)، ولأجل ذلك فقد اعتمد في تحرير هذا المذهب غير واحد من الباحثين على كتب خصومهم كالأشاعرة، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على كتاب الخصم لا يُورث يقيناً.

وقد اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال، ولقد أُعجبوا بمنهج الاعتزال في حرّية الإنسان وأفعاله، وصار ذلك سبباً لرجوع المعتزلة إلى الساحة من قبل المفكّرين الإسلاميّين، ولذلك نُشرت في هذه الآونة الأخيرة كتباً حول المعتزلة.

ومؤسّس المذهب هو واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري، نقل الشهرستاني أنّه دخل شخص على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين!، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تُخرج به

٩٢

عن الملّة، وهم وعيديّة الخوارج، وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر، ويقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأُمّة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟

فتفكّر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً، ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثُمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد؛ يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. (1)

سائر ألقاب المعتزلة:

إنّ للمعتزلة ألقاباً أُخر:

1 - العدليّة: لقولهم بعدل الله سبحانه وحكمته.

2 - الموحّدة: لقولهم لا قديم مع الله، وينفون قدم القرآن.

3 - أهل الحق: لأنّهم يعتبرون أنفسهم أهل الحق.

4 - القدريّة: يُعبَّر عن المعتزلة في الكتب الكلاميّة بالقدريّة، والمعتزلة يطلقونها على خصومهم، وذلك لما رُوي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أنّ القدريّة مجوس هذه الأُمّة». فلو قلنا بأنّ القدريّة منسوبة إلى القدر؛ عِدْل القضاء، فتنطبق على

____________________

(1) الملل والنحل: 1/62.

٩٣

خُصَماء المعتزلة؛ القائلين بالقدر السالب للاختيار. ولو قلنا بأنّها منسوبة إلى القدرة؛ أي القائلين بتأثير قدرة الإنسان في فعله واختياره وتمكّنه في إيجاده، فتنطبق - على زعم الخُصَماء - على المعتزلة؛ لقولهم بتأثير قدرة الإنسان في فعله. وقد طال الكلام بين المتكلّمين في تفسير الحديث وذِكْر كلِّ طائفة وجهاً لانطباقه على خصمها. (1)

5 - الثنويّة: ولعلّ وجهه ما يتراءى من بعضهم من نسبة الخير إلى الله والشر إلى العبد.

6 - الوعيدية: لقولهم إنّ الله صادق في وعده، كما هو صادق في وعيده، وإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ بعد التوبة، فلو مات بدونها يكون معذّباً قطعاً ويخلَّد في النار.

7 - المعطّلة: لتعطيل ذاته سبحانه عن الصفات الذاتية، ولكن هذا اللقب أُلصق بالجهميّة، وأمّا المعتزلة فلهم في الصفات مذهبان:

أ - القول بالنيابة، أي خلو الذات عن الصفات، ولكن تنوب الذّات مكان الصفات في الآثار المطلوبة منها، وقد اشتهر قولهم: (خُذ الغايات واترك المبادئ)، وهذا مخالف لكتاب الله والسنّة والعقل. فإنّ النقل يدلّ بوضوح على اتّصافه سبحانه بالصفات الكماليّة، وأمّا العقل، فحدِّث عنه ولا حرج؛ لأنّ الكمال يساوق الوجود، وكلّما كان الوجود أعلى وأشرف، تكون الكمالات فيه آكد.

____________________

(1) كشف المراد: 195، شرح المقاصد للتفتازاني: 2/143.

٩٤

ب - عينيّة الصفات مع الذّات واشتمالها على حقائقها، من دون أن يكون ذات وصفة، بل الذّات بلغت في الكمال إلى درجة صار نفس العلم قدرة.

8 - الجهميّة، وهذا اللّقب منحه أحمد بن حنبل لهم، فكل ما يقول: قالت الجهميّة، أو يصف القائل بأنّه جهميّ؛ يُريد به المعتزلة، لِمَا وجد من موافقتهم الجهميّة في بعض المسائل.

9 - المفنية.

10 - اللّفظيّة.

وهذان اللّقبان ذكرهما المقريزي وقال: إنّهم يوصفون بالمفنية، لما نسب إلى أبي الهذيل من فناء حركات أهل الجنة والنار؛ واللفظية لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة. (1)

الأُصول الخمسة عند المعتزلة:

اشتهرت المعتزلة بأُصول خمسة، فمن دان بها فهو معتزلي، ومن نقص منها أو زاد عليها فليس منهم، وتلك الأُصول المرتبة حسب أهميتها عبارة عن: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فمن دان بها، ثُمَّ خالف بقية المعتزلة في تفاصيلها، لم يخرج بذلك عنهم.

وإليك تفصيل هذه الأُصول بنحو موجز:

____________________

(1) الخطط المقريزيّة: 4/169.

٩٥

إيعاز إلى الأُصول الخمسة

وقبل كلّ شيء نطرح هذه الأُصول على وجه الإجمال، حتّى يُعلم ماذا يريد منها المعتزلة، ثُمَّ نأخذ بشرحها واحداً بعد احد؛ فنقول:

1 - التوحيد: ويراد منه العلم بأنّ الله واحد، لا يشاركه غيره فيما يستحقُّ من الصفات نفياً وإثباتاً على الحدّ الّذي يستحقّه. والتوحيد عندهم رمز لتنزيهه سبحانه عن شوائب الإمكان ووهم المثليّة وغيرهما ممّا يجب تنزيه ساحته عنه، كالتجسيم والتشبيه وإمكان الرؤية وطروء الحوادث عليه. غير أنّ المهمّ في هذا الأصل؛ هو الوقوف على كيفيّة جريان صفاته عليه سبحانه، ونفي الرؤية، وغيرهما يقع في الدّرجة الثانية من الأهمية في هذا الأصل؛ لأنّ كثيراً منها لم يختلف المسلمون فيه، إلاّ القليل منهم.

2 - العدل: إذا قيل إنّه تعالى عادل، فالمراد أنّ أفعاله كلّها حسنة، وأنّه لا يفعل القبيح، وأنّه لا يَخِلّ بما هو واجب عليه. وعلى ضوء هذا: لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه، ولا يعذِّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، ولا يُظهر المعجزة على أيدي الكذّابين، ولا يكلِّف العباد وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، بل يُقْدِرهم على ما كلّفهم، ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم، ويدلّهم على ذلك، ويبيّن لهم ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ ) (1) ، وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الّذي كُلِّف، فإنّه يثيبه لا محالة، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم، فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه، وإلاّ كان مخلاًّ بواجب...

3 - الوعد والوعيد: والمراد منه أنّ الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعّد

____________________

(1) الأنفال: 42.

٩٦

العصاة بالعقاب، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز الخُلف، لأنّه يستلزم الكذب. فإذا أخبر عن الفعل، ثُمَّ تركه، يكون كذباً. ولو أخبر عن العزم، فبما أنّه محال عليه، كان معناه الإخبار عن نفس الفعل، فيكون الخُلف كذباً. وعلى ضوء هذا الأصل، حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار؛ إذا مات بلا توبة.

4 - المنزلة بين المنزلتين: وتلقّب بمسألة الأسماء والأحكام؛ وهي أنّ صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه الخوارج، ولا منافق كما عليه الحسن البصري، ولا مؤمن كما عليه بعضهم، بل فاسق لا يحكم عليه بالكفر ولا بالإيمان.

5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمعروف: كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه، والمنكر: كلّ فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه. ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما؛ إنّما الخلاف في أنّه هل يُعلم عقلاً أو لا يُعلم إلاّ سمعاً؟، ذهب أبو عليّ (المتوفّى 303هـ) إلى أنّه يُعلم عقلاً وسمعاً، وأبو هاشم (المتوفّى 321هـ) إلى أنّه يُعلم سمعاً، ولوجوبه شروط تُذكر في محلّها، ومنها أن لا يؤدّي إلى مضرّة في ماله أو نفسه، إلاّ أن يكون في تحمّله لتلك المذلّة إعزاز للدّين.

قال القاضي: وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)؛ لِمَا كان في صبره على ما صبر، إعزاز لدين الله عزّ وجلّ، ولهذا نباهي به سائر الأُمم، فنقول: لم يبق من ولْد الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ سبط واحد، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل دون ذلك. (1)

____________________

(1) الأُصول الخمسة: 142، نقلاً عن، بحوث في الملل والنحل: 3/254 - 255.

٩٧

سبب الاقتصار على هذه الأُصول الخمسة:

هناك سؤال يطرح نفسه، وهو:

لماذا اقتصروا على هذه الأُصول، مع أنّ أمر النبوّة والمعاد أولى بأن يُعدَّ من الأُصول؟

وقد ذكروا في وجه ذلك أُموراً لا يُعتمد عليها، والحق أن يقال: إنّ الأُصول الخمسة الّتي يتبنّاها المعتزلة، مؤلّفة من أُمور تعدُّ من أُصول الدين كالتوحيد والعدل على وجه، ومن أُصول كلاميّة أنتجوها من البحث والنقاش، وأقحموها في الأُصول لغاية ردِّ الفرق المخالفة؛ الّتي لا توافقهم في هذه المسائل الكلامية.

وعند ذلك يستنتج القارئ أنّ ما اتّخذته المعتزلة من الأُصول، وجعلته في صدر آرائها، ليست إلاّ آراء كلاميّة لهذه الفرقة، تظاهروا بها للردّ على المجبّرة والمشبّهة والمرجئة والإماميّة وغيرهم من الفرق، على نحو لو لا تلكم الفِرَق لما سمعت من هذه الأُصول ذكراً.

أئمة المعتزلة:

المراد بأئمتهم؛ مشايخهم الكبار؛ الّذين نضج المذهب بأفكارهم وآرائهم، ووصل إلى القمة في الكمال.

نعم، في مقابل أئمة المذهب، أعلامهم الّذين كان لهم دور في تبيين هذا المنهج من دون أن يتركوا أثراً يستحق الذكر في الأُصول الخمسة، وها نحن نذكر من الطائفيتن نماذج:

٩٨

1. واصل بن عطاء (80 - 131هـ):

أبو حذيفة واصل بن عطاء، مؤسّس الاعتزال، المعروف بالغزّال، يقول ابن خلّكان: كان واصل أحد الأعاجيب، وذلك أنّه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الرّاء، فكان يُخلِّص كلامه من الرّاء ولا يُفطن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول أبو الطروق؛ يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الراء على كثرة تردّدها في الكلام، حتّى كأنّها ليست فيه.

عـليم بـإبدال الحروف وقامع

لـكلّ خطيب يغلب الحقَّ باطلُه

وقال الآخر:

ويـجعل البرّ قمحاً في تصرّفه

وخالف الرّاء حتّى احتال للشعر

ولـم يطق مطراً والقول يعجله

فـعاذ بالغيث اشفاقاً من المطر

من آرائه ومصنّفاته:

إنّ واصل هو أوّل من أظهر المنزلة بين المنزلتين؛ لأنّ الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال: كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق.

مؤلّفاته:

ذكر ابن النديم في (الفهرست)، وتبعه ابن خلّكان: إنّ لواصل التصانيف التالية:

٩٩

1 - كتاب أصناف المرجئة.

2 - كتاب التوبة.

3 - كتاب المنزلة المنزلتين.

4 - كتاب خطبه الّتي أخرج منها الرّاء.

5 - كتاب معاني القرآن.

6 - كتاب الخُطب في التوحيد والعدل.

ومن المحتمل أنّه قام بجمع خطب الإمام عليّ (عليه السّلام) في التوحيد والعدل فأفرده تأليفاً.

7 - كتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد.

8 - كتاب السبيل إلى معرفة الحق.

9 - كتاب في الدعوة.

10 - كتاب طبقات أهل العلم والجهل. (1)

2. عمرو بن عبيد (80 - 143هـ):

وهو الإمام الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء، وكان من أعضاء حلقة الحسن البصري، مثل واصل، لكن التحق به بعد مناظرة جرت بينهما في مرتكب الكبيرة.

روى ابن المرتضى، عن الجاحظ، أنّه قال: صلَّى عمرو أربعين عاماً صلاة

____________________

(1) فهرست ابن النديم: 203، الفن الأوّل من المقالة الخامسة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

من السماء و العروج إلى الله يشعر بأنّ السماء هو مقام الحضور الّذي يصدر منه تدبير الأمر أو أنّ موطن تدبير الأمر الأرضيّ هو السماء و الله المحيط بكلّ شي‏ء ينزّل التدبير الأرضيّ من هذا الموطن، و لعلّ هذا هو الأقرب إلى الفهم بالنظر إلى قوله:( وَ أَوْحى‏ فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ) .

و قوله:( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) معناه على أيّ حال أنّه في ظرف لو طبّق على ما في الأرض من زمان الحوادث و مقدار حركتها انطبق على ألف سنة ممّا نعدّه فإنّ من المسلّم أنّ الزمان الّذي يقدّره ما نعدّه من الليل و النهار و الشهور و السنين لا يتجاوز العالم الأرضيّ.

و إذ كان المراد بالسماء هو عالم القرب و الحضور و هو ممّا لا سبيل للزمان إليه كان المراد أنّه وعاء لو طبّق على مقدار حركة الحوادث في الأرض كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون.

و أمّا أنّ هذا المقدار هل هو مقدار النزول و اللبث و العروج أو مقدار مجموع النزول و العروج دون اللبث أو مقدار كلّ واحد من النزول و العروج أو مقدار نفس العروج فقط بناء على أنّ( فِي يَوْمٍ ) قيد لقوله:( يَعْرُجُ إِلَيْهِ ) فقط كما وقع في قوله:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المعارج: ٤.

ثمّ على تقدير كون الظرف قيدا للعروج هل العروج مطلق عروج الحوادث إلى الله أو العروج يوم القيامة و هو مقدار يوم القيامة، و أمّا كونه خمسين ألف سنة فهو بالنسبة إلى الكافر من حيث الشقّة أو أنّ الألف سنة مقدار مشهد من مشاهد يوم القيامة و هو خمسون موقفاً كلّ موقف مقداره ألف سنة.

ثمّ المراد بقوله:( مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ) هل هو التحديد حقيقة أو المراد مجرّد التكثير كما في قوله:( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ) البقرة: ٩٦ أي يعمّر عمراً طويلاً جدّاً و إن كان هذا الاحتمال بعيداً من السياق.

و الآية - كما ترى - تحتمل الاحتمالات جميعاً و لكلّ منها وجه و الأقرب من بينها إلى الذهن كون( فِي يَوْمٍ ) قيداً لقوله:( ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ) و كون المراد بيوم عروج

٢٦١

الأمر مشهداً من خمسين مشهداً من مشاهد يوم القيامة، و الله أعلم.

قوله تعالى: ( ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) تقدّم تفسير مفردات الآية، و مناسبة الأسماء الثلاثة الكريمة للمقام ظاهرة.

قوله تعالى: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) قال الراغب: الحسن عبارة عن كلّ مبهج - بصيغة الفاعل - مرغوب فيه و ذلك ثلاثة أضرب: مستحسن من جهة العقل و مستحسن من جهة الهوى و مستحسن من جهة الحسّ. انتهى. و هذا تعريف له من جهة خاصّته و انقسامه بانقسام الإدراكات الإنسانيّة.

و حقيقته ملاءمة أجزاء الشي‏ء بعضها لبعض و المجموع للغرض و الغاية الخارجة منه فحسن الوجه تلاؤم أجزائه من العين و الحاجب و الأنف و الفم و غيرها، و حسن العدل ملائمته للغرض من الاجتماع المدنيّ و هو نيل كلّ ذي حقّ حقّه، و هكذا.

و التدبّر في خلقة الأشياء و كلّ منها في نفسه متلائم الأجزاء بعضها لبعض و المجموع من وجوده مجهّز بما يلائم كماله و سعادته تجهيزاً لا أتمّ و لا أكمل منه يعطي أنّ كلّا منها حسن في نفسه حسناً لا أتمّ و أكمل منه بالنظر إلى نفسه.

و أمّا ما نرى من المساءة و القبح في الأشياء فلأحد أمرين: إمّا لكون الشي‏ء السيّئ ذا عنوان عدميّ يعود إليه المساءة لا لوجوده في نفسه كالظلم و الزنا فإنّ الظلم ليس بسيّئ قبيح بما أنّه فعل من الأفعال بل بما أنّه مبطل لحقّ ثابت و الزنا ليس بسيّئ قبيح من جهة نفس العمل الخارجيّ الّذي هو مشترك بينه و بين النكاح بل بما أنّ فيه مخالفة للنهي الشرعيّ أو للمصلحة الاجتماعيّة.

أو بقياسه إلى شي‏ء آخر فيعرضه المساءة و القبح من طريق المقايسة كقياس الحنظل إلى البطّيخ و قياس الشوك إلى الورد و قياس العقرب إلى الإنسان فإنّ المساءة إنّما تطرأ هذه الأشياء من طريق القياس إلى مقابلاتها ثمّ قياسها إلى طبعنا، و يرجع هذا الوجه من المساءة إلى الوجه الأوّل بالحقيقة.

و كيف كان فالشي‏ء بما أنّه موجود مخلوق لا يتّصف بالمساءة و يدلّ عليه الآية( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) إذا انضمّ إلى قوله:( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) الزمر: ٦٢

٢٦٢

فينتجان أوّلاً: أنّ الخلقة تلازم الحسن فكلّ مخلوق حسن من حيث هو مخلوق.

و ثانياً: أنّ كلّ سيّئ و قبيح ليس بمخلوق من حيث هو سيّئ قبيح كالمعاصي و السيّئات من حيث هي معاص و سيّئات و الأشياء السيّئة من جهة القياس.

قوله تعالى: ( وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) المراد بالإنسان النوع فالمبدوّ خلقه من طين هو النوع الّذي ينتهي أفراده إلى من خلق من طين من غير تناسل من أب و اُمّ كآدم و زوجهعليهما‌السلام ، و الدليل على ذلك قوله بعده:( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) فالنسل الولادة بانفصال المولود عن الوالدين و المقابلة بين بدء الخلق و بين النسل لا يلائم كون المراد ببدء الخلق بدء خلق الإنسان المخلوق من ماء مهين، و لو كان المراد ذلك لكان حقّ الكلام أن يقال: ثمّ جعله سلالة من ماء مهين فافهمه.

و قوله:( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) السلالة كما في المجمع، الصفوة الّتي تنسل أي تنزع من غيرها و يسمّى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه، و المهين من الهون و هو الضعف و الحقارة و ثمّ للتراخي الزمانيّ.

و المعنى: ثمّ جعل ولادته بطريق الانفصال من صفوة من ماء ضعيف أو حقير.

قوله تعالى: ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) التسوية التصوير و تتميم العمل، و في قوله:( نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) استعارة بالكناية بتشبيه الروح بالنفس الّذي يتنفّس به ثمّ نفخة في قالب من سوّاه، و إضافة الروح إليه تعالى إضافة تشريفيّة، و المعنى: ثمّ صوّر الإنسان المبدوّ خلقه من الطين و المجعول نسله من سلالة من ماء مهين و نفخ فيه من روح شريف منسوب إليه تعالى.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ ) امتنان بنعمة الإدراك الحسّيّ و الفكريّ فالسمع و البصر للمحسوسات و القلوب للفكريّات أعمّ من الإدراكات الجزئيّة الخياليّة و الكلّيّة العقليّة.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ ) أي تشكرون شكراً قليلاً، و الجملة اعتراضيّة في محلّ التوبيخ و قيل: الجملة حاليّة، و المعنى: جعل لكم الأبصار و الأفئدة و الحال أنّكم تشكرون قليلاً، و الجملة على أيّ حال مسوقة للبثّ و الشكوى و التوبيخ.

٢٦٣

و الالتفات في قوله:( وَ جَعَلَ لَكُمُ ) إلخ، من الغيبة إلى خطاب الجمع لتسجيل أنّ الإنعام الإلهيّ الشامل للجميع يربو على شكرهم فهم قاصرون أو أكثرهم مقصّرون.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) حجّة من منكري البعث مبنيّة على الاستبعاد. و الضلال في الأرض قيل: هو الضيعة كما يقال: ضلّت النعمة أي ضاعت، و قيل: هو بمعنى الغيبة، و كيف كان فمرادهم به أ إئنّا إذا متنا و انتشرت أجزاء أبداننا في الأرض و صرنا بحيث لا تميّز لأجزائنا من سائر أجزاء الأرض و لا خبر عنّا نقع في خلق جديد و نخلق ثانياً خلقنا الأوّل.؟

و الاستفهام للإنكار، و الخلق الجديد هو البعث.

و قوله:( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) إضراب عن فحوى قولهم:( أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ ) كأنّه قيل: إنّهم لا يجحدون الخلق الجديد لجحدهم قدرتنا على ذلك أو لسبب آخر بل هم كافرون بالرجوع إلينا و لقائنا و لذا جي‏ء في الجواب عن قولهم بما يدلّ على الرجوع.

قوله تعالى: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) توفّي الشي‏ء أخذه تامّاً كاملاً كتوفّي الحقّ و توفّي الدين من المديون.

و قوله:( مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) قيل: أي وكّل بإماتتكم و قبض أرواحكم و الآية مطلقة ظاهرة في أعمّ من ذلك.

و قد نسب التوفّي في الآية إلى ملك الموت، و في قوله:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) الزمر: ٤٢ إليه تعالى، و في قوله:( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) الأنعام: ٦١ و قوله:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) النحل: ٢٨ إلى الرسل و الملائكة نظراً إلى اختلاف مراتب الأسباب فالسبب القريب الملائكة الرسل أعوان ملك الموت و فوقهم ملك الموت الآمر بذلك المجرى لأمر الله و الله من ورائهم محيط و هو السبب الأعلى و مسبّب الأسباب فذلك بوجه كمثل كتابة الإنسان بالقلم فالقلم كاتب و اليد كاتبة و الإنسان كاتب.

٢٦٤

و قوله:( ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) هو الرجوع الّذي عبّر عنه في الآية السابقة باللقاء و موطنه البعث المترتّب على التوفّي و المتراخي عنه، كما يدلّ عليه العطف بثمّ الدالّة على التراخي.

و الآية - على أيّ تقدير - جواب عن الاحتجاج بضلال الموتى في الأرض على نفي البعث و من المعلوم أنّ إماتة ملك الموت لهم ليس يحسم مادّة الإشكال فيبقى قوله:( ثُمَّ إِلى‏ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) دعوى خالية عن الدليل في مقابل دعواهم المدلّلة و الكلام الإلهيّ أنزه ساحة أن يتعاطى هذا النوع من المحاجّة.

لكنّه تعالى أمر رسوله أن يجيب عن حجّتهم المبنيّة على الاستبعاد بأنّ حقيقة الموت ليس بطلاناً لكم و ضلالاً منكم في الأرض بل ملك الموت الموكّل بكم يأخذكم تامّين كاملين من أجسادكم أي ينزع أرواحكم من أبدانكم بمعنى قطع علاقتها من الأبدان و أرواحكم تمام حقيقتكم فأنتم أي ما يعني بلفظة( كم) محفوظون لا يضلّ منكم شي‏ء في الأرض و إنّما يضلّ الأبدان و تتغيّر من حال إلى حال و قد كانت في معرض التغيّر من أوّل كينونتها. ثمّ إنّكم محفوظون حتّى ترجعوا إلى ربّكم بالبعث و رجوع الأرواح إلى أجسادها.

و بهذا يندفع حجّتهم على نفي المعاد بضلالهم سواء قرّرت على نحو الاستبعاد أو قرّرت على أنّ تلاشي البدن يبطل شخصيّة الإنسان فينعدم و لا معنى لإعادة المعدوم فإنّ حقيقة الإنسان هي نفسه الّتي يحكي عنها بقول( أنا) و هي غير البدن و البدن تابع لها في شخصيّته و هي لا تتلاشى بالموت و لا تنعدم بل محفوظة في قدرة الله حتّى يؤذن في رجوعها إلى ربّها للحساب و الجزاء فيبعث على الشريطة الّتي ذكر الله سبحانه.

و ظهر بما تقدّم أوّلاً وجه اتّصال قوله:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ ) إلخ بقوله:( أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ ) إلخ و أنّه جواب حاسم للإشكال قاطع للشبهة، و قد أشكل الأمر على بعض من فسّر التوفّي بمطلق الإماتة من غير التفات إلى نكتة التعبير بلفظ التوفّي فتكلّف في توجيه اتّصال الآيتين بما لا يرتضيه العقل السليم.

و ثانياً: أنّ الآية من أوضح الآيات القرآنيّة الدالّة على تجرّد النفس بمعنى

٢٦٥

كونها غير البدن أو شي‏ء من حالات البدن.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَرى‏ إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) نكس الرأس إطراقه و طأطأته، و المراد بالمجرمين بقرينة ذيل الآية خصوص المنكرين للمعاد فاللّام فيه لا تخلو من معنى العهد أي هؤلاء الّذين يجحدون المعاد و يقولون:( أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ ) إلخ.

و في التعبير عن البعث بقوله:( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) محاذاة لما تقدّم من قوله:( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) أي واقفون موقفاً من اللقاء لا يسعهم إنكاره، و قولهم:( أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا ) و مسألتهم الرجوع للعمل الصالح لما ينجلي لهم أنّ النجاة في الإيمان و العمل الصالح و قد حصل لهم الإيمان اليقينيّ و بقي العمل الصالح و لذا يعترفون باليقين و يسألون الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فيتمّ لهم سبباً النجاة.

و المعنى: و لو ترى إذ هؤلاء الّذين يجرمون بإنكار لقاء الله مطرقوا رؤسهم عند ربّهم في موقف اللقاء من الخزي و الذلّ و الندم يقولون ربّنا أبصرنا بالمشاهدة و سمعنا بالطاعة فارجعنا نعمل عملاً صالحاً إنّا موقنون و المحصّل أنّك تراهم يجحدون اللقاء و لو تراهم إذ أحاط بهم الخزي و الذلّ فنكسوا رؤسهم و اعترفوا بما ينكرونه اليوم و سألوا العود إلى ههنا و لن يعودوا.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ) إلى آخر الآية أي لو شئنا أن نعطي كلّ نفس أعمّ من المؤمنة و الكافرة الهدى الّذي يختصّ بها و يناسبها لأعطيناه لها بأن نشاء من طريق اختيار الكافر و إرادته أن يتلبّس بالهدى فيتلبّس بها من طريق الاختيار و الإرادة كما شئنا في المؤمن كذلك فتلبّس بالهدى باختيار منه و إرادة من دون أن ينجرّ إلى الإلجاء و الاضطرار فيبطل التكليف و يلغو الجزاء.

و قوله:( وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ ) أي و لكن هناك قضاء سابق منّي محتوم و هو إملاء جهنّم من الجنّة و الناس أجمعين و هو قوله لإبليس لمّا امتنع من سجدة آدم و قال:( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) :( فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ )

٢٦٦

ص: ٨٥ فقضى أن يدخل متّبعي إبليس العذاب المخلّد.

و لازم ذلك أن لا يهديهم لظلمهم و فسقهم بالخروج عن زيّ العبوديّة كما قال:( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( وَ اللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) التوبة: ٨٠ إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى: ( فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ ) إلى آخر الآية، تفريع على قوله:( وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ) و النسيان ذهول صورة الشي‏ء عن الذاكرة و يكنّى به عن عدم الاعتناء بما يهمّ الشي‏ء و هو المراد في الآية.

و المعنى: فإذا كان من القضاء إذاقة العذاب لمتّبعي إبليس فذوقوا العذاب بسبب عدم اعتنائكم بلقاء هذا اليوم حتّى جحدتموه و لم تعملوا صالحاً تثابون به فيه لأنّا لم نعتن بما يهمّكم في هذا اليوم من السعادة و النجاة، و قوله:( وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) تأكيد و توضيح لسابقه أي إنّ الذوق الّذي أمرنا به ذوق عذاب الخلد و نسيانهم لقاء يومهم هذا أعمالهم السيّئة.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج النحّاس عن ابن عبّاس قال: نزلت سورة السجدة بمكّة سوى ثلاث آيات( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً ) إلى تمام الآيات الثلاث.

و فيه، أخرج سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة عن عليّ قال: عزائم سجود القرآن الم تنزيل السجدة، و حم تنزيل السجدة، و النجم، و اقرأ باسم ربّك الّذي خلق.

و في الخصال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الّذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الطبرانيّ عن الشريد بن سويد قال: أبصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً قد أسبل إزاره فقال له: ارفع إزارك، فقال: يا رسول الله إنّي أحنف تصطكّ ركبتاي. قال: ارفع إزارك كلّ خلق الله حسن.

و في الفقيه سئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) و عن قول الله عزّوجلّ:( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ )

٢٦٧

و عن قول الله عزّوجلّ:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ ) و( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) و عن قول الله عزّوجلّ:( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) و عن قوله عزّوجلّ:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ ) و قد يموت في الدنيا في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلّا الله عزّوجلّ، فكيف هذا؟.

فقال: إنّ الله تبارك و تعالى جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه فيتوفّاهم الملائكة و يتوفّاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو، و يتوفّاها الله تعالى من ملك الموت.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و أبوالشيخ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ قال: دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من الأنصار يعوده فإذا ملك الموت عند رأسه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنّه مؤمن فقال: أبشر يا محمّد فإنّي بكلّ مؤمن رفيق.

و اعلم يا محمّد إنّي لأقبض روح ابن آدم فيصرخ أهله فأقوم في جانب من الدار فأقول: و الله ما لي من ذنب و إنّ لي لعودة و عودة الحذر الحذر و ما خلق الله من أهل بيت و لا مدر و لا شعر و لا وبر في برّ و لا بحر إلّا و أنا أتصفحّهم في كلّ يوم و ليلة خمس مرّات حتّى إنّي لأعرف بصغيرهم و كبيرهم منهم بأنفسهم. و الله يا محمّد إنّي لا أقدر أن أقبض روح بعوضة حتّى يكون الله تبارك و تعالى هو الّذي يأمر بقبضه.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ) قال: لو شئنا أن نجعلهم كلّهم معصومين لقدرنا.

أقول: العصمة لا تنافي الاختيار فلا تنافي بين مضمون الرواية و ما قدّمناه في تفسير الآية.

٢٦٨

( كلام في كينونة الإنسان الأولي)

تقدّم في تفسير أوّل سورة النساء كلام في هذا المعنى و كلامنا هذا كالتكملة له.

قدّمنا هناك أنّ الآيات القرآنيّة ظاهرة ظهوراً قريباً من الصراحة في أنّ البشر الموجودين اليوم - و نحن منهم - ينتهون بالتناسل إلى زوج أي رجل و امرأة بعينهما و قد سمّي الرجل في القرآن بآدم و هما غير متكوّنين من أب و اُمّ بل مخلوقان من تراب أو طين أو صلصال أو الأرض على اختلاف تعبيرات القرآن.

فهذا هو الّذي يفيده الآيات ظهوراً معتدّاً به و إن لم تكن نصّة صريحة لا تقبل التأويل و لا المسألة من ضروريّات الدين نعم يمكن عدّ انتهاء النسل الحاضر إلى آدم ضروريّاً من القرآن و أمّا أنّ آدم هذا هل اُريد به آدم النوعيّ أعني الطبيعة الإنسانيّة الفاشية في الأشخاص أو عدّة معدودة من الأفراد هم اُصول النسب و الآباء و الاُمّهات الأوّليّة أو فرد إنسانيّ واحد بالشخص؟.

و على هذا التقدير هل هو فرد من نوع الإنسان تولّد من نوع آخر كالقردة مثلاً على طريق تطوّر الأنواع و ظهور الأكمل من الكامل و الكامل من الناقص و هكذا أو هو فرد من الإنسان كامل بالكمال الفكريّ تولّد من زوج من الإنسان غير المجهّز بجهاز التعقّل فكان مبدأ لظهور النوع الإنسانيّ المجهّز بالتعقّل القابل للتكليف و انفصاله من النوع غير المجهّز بذلك فالبشر الموجودون اليوم نوع كامل من الإنسان ينتهي أفراده إلى الإنسان الأوّل الكامل الّذي يسمّى بآدم، و ينشعب هذا النوع الكامل بالتولّد تطوّراً من نوع آخر من الإنسان ناقص فاقد للتعقّل و هو يسير القهقرى في أنواع حيوانيّة مترتّبة حتّى ينتهي إلى أبسط الحيوان تجهيزاً و أنقصها كمالاً و إن أخذنا من هناك سائرين لم نزل ننتقل من ناقص إلى كامل و من كامل إلى أكمل حتّى ننتهي إلى الإنسان غير المجهّز بالتعقّل ثمّ إلى الإنسان الكامل كلّ ذلك في سلسلة نسبيّة متّصلة مؤلّفة من آباء و أعقاب.

٢٦٩

أو أنّ سلسلة التوالد و التناسل تنقطع بالاتّصال بآدم و زوجه و هما متكوّنان من الأرض من غير تولّد من أب و اُمّ فليس شي‏ء من هذه الصور ضروريّاً.

و كيف كان فظاهر الآيات القرآنيّة هو الصورة الأخيرة و هي انتهاء النسل الحاضر إلى آدم و زوجه المتكوّنين من الأرض من غير أب و اُمّ.

غير أنّ الآيات لم تبيّن كيفيّة خلق آدم من الأرض و أنّه هل عملت في خلقه علل و عوامل خارقة للعادة؟ و هل تمّت خلقته بتكوين إلهيّ آنيّ من غير مهل فتبدّل الجسد المصنوع من طين بدناً عاديّاً ذا روح إنسانيّ أو أنّه عاد إنساناً تامّاً كاملاً في أزمنة معتدّ بها يتبدّل عليه فيها استعداد بعد استعداد و صورة و شكل بعد صورة و شكل حتّى تمّ الاستعداد فنفخ فيه الروح و بالجملة اجتمعت عليه من العلل و الشرائط نظير ما تجتمع على النطفة في الرحم.

و من أوضح الدليل عليه قوله تعالى:( إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) آل عمران: ٥٩ فإنّ الآية نزلت جواباً عن احتجاج النصارى على بنوّة عيسى بأنّه ولد من غير أب بشريّ و لا ولد إلّا بوالد فأبوه هو الله سبحانه، فردّ في الآية بما محصّله أنّ صفته كصفة آدم حيث خلقه الله من أديم الأرض بغير والد يولده فلم لا يقولون بأنّ آدم ابن الله.

و لو كان المراد بخلقه من تراب انتهاء خلقته كسائر المتكوّنين من النطف إلى الأرض كان المعنى: أنّ صفة عيسى و لا أب له كمثل آدم حيث تنتهي خلقته كسائر الناس إلى الأرض، و من المعلوم أن لا خصوصيّة لآدم على هذا المعنى حتّى يؤخذ و يقاس إليه عيسى فيفسد معنى الآية في نفسه و من حيث الاحتجاج به على النصارى.

و بهذا يظهر دلالة جميع الآيات الدالّة على خلق آدم من تراب أو طين أو نحو ذلك، على المطلوب كقوله:( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ) ص: ٧١ و قوله:( وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) الم السجدة: ٧.

و أمّا قول من قال: إنّ المراد بآدم هو آدم النوعيّ دون الشخصيّ بمعنى الطبيعة الإنسانيّة الخارجيّة الفاشية في الأفراد، و المراد ببنوّة الأفراد له تكثّر الأشخاص

٢٧٠

منه بانضمام القيود إليه و قصّة دخوله الجنّة و إخراجه منها لمعصيته بإغواء من الشيطان تمثيل تخييليّ لمكانته في نفسه و وقوفه موقف القرب ثمّ كونه في معرض الهبوط باتّباع الهوى و طاعة إبليس.

ففيه أنّه مدفوع بالآية السابقة و ظواهر كثير من الآيات كقوله:( الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً ) النساء: ١ فلو كان المراد بالنفس الواحدة آدم النوعيّ لم يبق لفرض الزوج لها محلّ و نظير الآية الآيات الّتي تفيد أنّ الله أدخله و زوجه الجنّة و أنّه و زوجه عصيا الله بالأكل من الشجرة.

على أنّ أصل القول بآدم النوعيّ مبنيّ على قدم الأرض و الأنواع المتأصّلة و منها الإنسان و أنّ أفراده غير متناهية من الجانبين و الاُصول العلميّة تبطل ذلك بتاتاً.

و أمّا القول بكون النسل منتهياً إلى أفراد معدودين كأربعة أزواج مختلفين ببياض اللون و سواده و حمرته و صفرته أو أزواج من الإنسان ناشئين بعضهم بالدنيا القديمة و بعضهم بالدنيا الحديثة و الأراضي المكشوفة أخيراً و فيها بشر قاطنون كإمريكا و أستراليا.

فمدفوع بجميع الآيات الدالّة على انتهاء النسل الحاضر إلى آدم و زوجه فإنّ المراد بآدم فيها إمّا شخص واحد إنسانيّ و إمّا الطبيعة الإنسانيّة الفاشية في الأفراد و هو آدم النوعيّ و أمّا الأفراد المعدودون فلا يحتمل لفظ الآيات ذلك البتّة.

على أنّه مبنيّ على تباين الأصناف الأربعة من الإنسان: البيض و السود و الحمر و الصفر و كون كلّ من هذه الأصناف نوعاً برأسه ينتهي إلى زوج غير ما ينتهي إليه الآخر أو كون قارات الأرض منفصلاً بعضها عن بعض انفصالاً أبديّاً غير مسبوق بالعدم، و قد ظهر بطلان هذه الفرضيّات اليوم بطلاناً كاد يلحقها بالبديهيّات.

و أمّا القول بانتهاء النسل إلى زوج من الإنسان أو أزيد انفصلاً أو انفصلوا من

٢٧١

نوع آخر هو أقرب الأنواع إليه كالقرد مثلاً انفصال الأكمل من الكامل تطوّراً.

ففيه أنّ الآيات السابقة الدالّة على خلق الإنسان الأوّل من تراب من غير أب و اُمّ تدفعه.

على أنّ ما اُقيم عليه من الحجّة العلميّة قاصر عن إثباته كما سنشير إليه في الكلام على القول التالي.

و أمّا القول بانتهاء النسل إلى فردين من الإنسان الكامل بالكمال الفكريّ من طريق التولّد ثمّ انشعابهما و انفصالهما بالتطوّر من نوع آخر من الإنسان غير الكامل بالكمال الفكريّ ثمّ انقراض الأصل و بقاء الفرع المتولّد منهما على قاعدة تنازع البقاء و انتخاب الأصلح.

فيدفعه قوله تعالى:( إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) على التقريب المتقدّم و ما في معناه من الآيات.

على أنّ الحجّة الّتي اُقيمت على هذا القول قاصرة عن إثباته فإنّها شواهد مأخوذة من التشريح التطبيقي و أجنّة الحيوان و الآثار الحفريّة الدالّة على التغيّر التدريجيّ في صفات الأنواع و أعضائها و ظهور الحيوان تدريجاً آخذاً من الناقص إلى الكامل و خلق ما هو أبسط من الحيوان قبل ما هو أشدّ تركيباً.

و فيه أنّ ظهور النوع الكامل من حيث التجهيزات الحيويّة بعد الناقص زماناً لا يدلّ على أزيد من تدرّج المادّة في استكمالها لقبول الصور الحيوانيّة المختلفة فهي قد استعدّت لظهور الحياة الكاملة فيها بعد الناقصة و الشريفة بعد الخسيسة و أمّا كون الكامل من الحيوان منشعباً من الناقص بالتولّد و الاتّصال النسبي فلا و لم يعثر هذا الفحص و البحث على غزارته و طول زمانه على فرد نوع كامل متولّد من فرع نوع آخر على أن يقف على نفس التولّد دون الفرد و الفرد.

و ما وجد منها شاهداً على التغيّر التدريجيّ فإنّما هو تغيّر في نوع واحد بالانتقال من صفة لها إلى صفة اُخرى لا يخرج بذلك عن نوعيّته و المدّعى خلاف ذلك.

٢٧٢

فالّذي يتسلّم أنّ نشأة الحياة ذات مراتب مختلفة بالكمال و النقص و الشرف و الخسّة و أعلى مراتبها الحياة الإنسانيّة ثمّ ما يليها ثمّ الأمثل فالأمثل و أمّا أنّ ذلك من طريق تبدّل كلّ نوع ممّا يجاوره من النوع الأكمل، فلا يفيده هذا الدليل على سبيل الاستنتاج.

نعم يوجب حدساً مّا غير يقينيّ بذلك فالقول بتبدّل الأنواع بالتطوّر فرضيّة حدسيّة تبتني عليها العلوم الطبيعيّة اليوم و من الممكن أن يتغيّر يوماً إلى خلافها بتقدّم العلوم و توسّع الأبحاث.

و ربّما استدلّ على هذا القول بقوله تعالى:( إِنَّ اللهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) آل عمران: ٣٣ بتقريب أنّ الاصطفاء هو انتخاب صفوة الشي‏ء و إنّما يصدق الانتخاب فيما إذا كان هناك جماعة يختار المصطفى من بينهم و يؤثر عليهم كما اصطفي كلّ من نوح و آل إبراهيم و آل عمران من بين قومهم و لازم ذلك أن يكون مع آدم قوم غيره فيصطفى من بينهم عليهم، و ليس إلّا البشر الأوّليّ غير المجهّز بجهاز التعقّل فاصطفي آدم من بينهم فجهز بالعقل فانتقل من مرتبة نوعيّتهم إلى مرتبة الإنسان المجهّز بالعقل الكامل بالنسبة إليهم ثمّ نسل و كثر نسله و انقرض الإنسان الأوّليّ الناقص.

و فيه أنّ( الْعالَمِينَ ) في الآية جمع محلّى باللّام و هو يفيد العموم و يصدق على عامّة البشر إلى يوم القيامة فهم مصطفون على جميع المعاصرين لهم و الجائين بعدهم كمثل قوله:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) فما المانع من كون آدم مصطفى مختاراً من بين أولاده ما خلا المذكورين منهم في الآية؟.

و على تقدير اختصاص الاصطفاء بما بين المعاصرين و عليهم ما هو المانع من كونه مصطفى مختاراً من بين أولاده المعاصرين له و لا دلالة في الآية على كون اصطفائه أوّل خلقته قبل ولادة أولاده.

على أنّ اصطفاء آدم لو كان على الإنسان الأوّليّ كما يذكره المستدلّ كان ذلك بما أنّه مجهّز بالعقل و كان ذلك مشتركاً بينه و بين بني آدم جميعاً على الإنسان الأوّليّ

٢٧٣

فكان تخصيص آدم في الآية بالذكر تخصيصاً من غير مخصّص.

و ربّما استدلّ بقوله:( وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ) الآية الأعراف: ١١ بناء على أنّ( ثمّ ) تدلّ على التراخي الزمانيّ فقد كان للنوع الإنسانيّ وجود قبل خلق آدم و أمر الملائكة بالسجدة له.

و فيه أنّ( ثُمَّ ) في الآية للترتيب الكلاميّ و هو كثير الورود في كلامه تعالى على أنّ هناك معنى آخر أشرنا إليه في تفسير الآية في الجزء الثامن من الكتاب.

و ربّما استدلّ بقوله:( وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) الآيات و تقريبه أنّ الآية الاُولى المتعرّضة لأوّل خلق الإنسان تذكر خلقته الأوّلية من تراب الّتي يشترك فيها جميع الأفراد، و الآية الثالثة تذكر تسويته و نفخ الروح فيه و بالجملة كماله الإنسانيّ و العطف بثمّ تدلّ على توسّط زمان معتدّ به بين أوّل خلقته من تراب و بين ظهوره بكماله.

و ليس هذا الزمان المتوسّط إلّا زمان توسّط الأنواع الاُخري الّتي تنتهي بتغيّرها التدريجيّ إلى الإنسان الكامل و خاصّة بالنظر إلى تنكّر( سُلالَةٍ ) المفيد للعموم.

و فيه أنّ قوله:( ثُمَّ سَوَّاهُ ) عطف على قوله( بَدَأَ ) و الآيات في مقام بيان ظهور النوع الإنسانيّ بالخلق و أنّ بدأ خلقه و هو خلقه و هو خلق آدم كان من طين ثمّ بدّل سلالة من ماء في ظهور أولاده، ثمّ تمّت الخلقة سواء كان فيه أو في أولاده بالتسوية و نفخ الروح.

و هذا معنى صحيح يقبل الانطباق على اللفظ و لا يلزم منه حمل قوله:( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) على أنواع متوسّطة بين الخلق من الطين و بين التسوية و نفخ الروح، و كون( سُلالَةٍ ) نكرة لا يستلزم العموم فإنّ إفادة النكرة للعموم إنّما هو فيما إذا وقعت في سياق النفي دون الإثبات.

و قد استدلّ بآيات اُخر مربوطة بخلقه الإنسان و آدم بنحو ممّا مرّ يعلم الجواب عنها بما قدّمناه فلا موجب لنقلها و إطالة الكلام بالجواب عنها.

٢٧٤

( سورة السجده الآيات ١٥ - ٣٠)

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ   ( ١٥ ) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( ١٦ ) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٧ ) أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا  لَّا يَسْتَوُونَ ( ١٨ ) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ١٩ ) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ  كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ( ٢٠ ) وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( ٢١ ) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا  إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ( ٢٢ ) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ  وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ( ٢٣ ) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا  وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ( ٢٤ ) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ٢٥ ) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ  

٢٧٥

أَفَلَا يَسْمَعُونَ ( ٢٦ ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ  أَفَلَا يُبْصِرُونَ ( ٢٧ ) وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٨ ) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ( ٢٩ ) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ( ٣٠ )

( بيان)

الآيات تفرّق بين المؤمنين بحقيقة معنى الإيمان و بين الفاسقين و الظالمين و تذكر لكلّ ما يلزمه من الآثار و التبعات ثمّ تنذر الظالمين بعذاب الدنيا و تأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانتظار الفتح و عند ذلك تختم السورة.

قوله تعالى: ( إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) لمّا ذكر شطراً من الكلام في الكفّار الّذين يجحدون لقاءه و يستكبرون في الدنيا عن الإيمان و العمل الصالح أخذ في صفة الّذين يؤمنون بآيات ربّهم و يخضعون للحقّ لمّا ذكّروا و وعظوا.

فقوله:( إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا ) حصر للإيمان بحقيقة معناه فيهم و معناه أنّ علامة التهيّؤ للإيمان الحقيقي هو كذا و كذا.

و قوله:( الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً ) ذكر سبحانه شيئاً من أوصافهم و شيئاً من أعمالهم، أمّا ما هو من أوصافهم فتذلّلهم لمقام الربوبيّة و عدم استكبارهم عن الخضوع لله و تسبيحه و حمده و هو قوله:( إِذا ذُكِّرُوا بِها ) أي الدالّة على وحدانيّته في ربوبيّته و اُلوهيّته و ما يلزمها من المعاد و الدعوة النبويّة إلى الإيمان و العمل الصالح( خَرُّوا سُجَّداً ) أي سقطوا على الأرض ساجدين لله تذلّلاً و استكانة( وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ

٢٧٦

رَبِّهِمْ ) أي نزّهوه مقارناً للثناء الجميل عليه. و السجدة و التسبيح و التحميد و إن كانت من الأفعال لكنّها مظاهر لصفة التذلّل و الخضوع لمقام الربوبيّة و الاُلوهيّة، و لذا أردفها بصفة تلازمها فقال:( وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) .

قوله تعالى: ( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) هذا معرّفهم من حيث أعمالهم كما أنّ ما في الآية السابقة كان معرّفهم من حيث أوصافهم.

فقوله:( تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ) التجافي التنحّي و الجنوب جمع جنب و هو الشقّ، و المضاجع جمع مضجع و هو الفراش و موضع النوم، و التجافي عن المضاجع كناية عن ترك النوم.

و قوله:( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً ) حال من ضمير جنوبهم و المراد اشتغالهم بدعاء ربّهم في جوف الليل حين تنام العيون و تسكن الأنفاس لا خوفاً من سخطه تعالى فقط حتّى يغشيهم اليأس من رحمة الله و لا طمعاً في ثوابه فقط حتّى يأمنوا غضبه و مكره بل يدعونه خوفاً و طمعاً فيؤثرون في دعائهم أدب العبوديّة على ما يبعثهم إليه الهدى و هذا التجافي و الدعاء ينطبق على النوافل اللّيليّة.

و قوله:( وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) عمل آخر لهم و هو الإنفاق لله و في سبيله.

قوله تعالى: ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) تفريع لما لهم من الأوصاف و الأعمال يصف ما أعدّ الله لهم من الثواب.

و وقوع نفس و هي نكرة في سياق النفي يفيد العموم، و إضافة قرّة إلى أعين لا أعينهم تفيد أنّ فيما اُخفي لهم قرّة عين كلّ ذي عين.

و المعنى: فلا تعلم نفس من النفوس - أي هو فوق علمهم و تصوّرهم - ما أخفاه الله لهم ممّا تقرّ به عين كلّ ذي عين جزاء في قبال ما كانوا يعملون في الدنيا.

قوله تعالى: ( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) الإيمان سكون علميّ خاصّ من النفس بالشي‏ء و لازمه الالتزام العمليّ بما آمن به و الفسق هو الخروج عن الالتزام المذكور من فسقت التمرة إذا خرجت عن قشرها و مآل معناه الخروج عن

٢٧٧

زيّ العبوديّة.

و الاستفهام في الآية للإنكار، و قوله:( لا يَسْتَوُونَ ) نفي لاستواء الفريقين تأكيداً لما يفيده الإنكار السابق.

قوله تعالى: ( أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى‏ نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ ) المأوى المكان الّذي يأوي إليه و يسكن فيه الإنسان، و النزل بضمّتين كلّ ما يعدّ للنازل في بيت من الطعام و الشراب، ثمّ عمّم كما قيل لكلّ عطيّة، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ ) إلى آخر الآية، كون النار مأواهم لازمه خلودهم فيها و لذلك عقّبه بقوله:( كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها ) ، و قوله:( وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) دليل على أنّ المراد بالّذين فسقوا هم منكرو المعاد و خطابهم و هم في النار بهذا الخطاب شماتة بهم و كثيراً ما كانوا يشمتون في الدنيا بالمؤمنين لقولهم بالمعاد.

قوله تعالى: ( وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) لمّا كان غاية إذاقتهم العذاب رجوعهم المرجوّ و الرجوع المرجوّ هو الرجوع إلى الله بالتوبة و الإنابة كان المراد بالعذاب الأدنى هو عذاب الدنيا النازل بهم للتخويف و الإنذار ليتوبوا دون عذاب الاستئصال و دون العذاب الّذي بعد الموت و حينئذ المراد بالعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة.

و المعنى: اُقسم لنذيقنّهم من العذاب الأدنى أي الأقرب مثل السنين و الأمراض و القتل و نحو ذلك قبل العذاب الأكبر يوم القيامة لعلّهم يرجعون إلينا بالتوبة من شركهم و جحودهم.

قيل: سمّي عذاب الدنيا أدنى و لم يقل: الأصغر، حتّى يقابل الأكبر لأنّ المقام مقام الإنذار و التخويف و لا يناسبه عدّ العذاب أصغر، و كذا لم يقل دون العذاب الأبعد حتّى يقابل العذاب الأدنى لعدم ملاءمته مقام التخويف.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ

٢٧٨

مُنْتَقِمُونَ ) كأنّه في مقام التعليل لما تقدّم من عذابهم بالعذاب الأكبر بما أنّهم مكذّبون فعلّله بأنّهم ظالمون أشدّ الظلم بالإعراض عن الآيات بعد التذكرة فيكونون مجرمين و الله منتقم منهم.

فقوله:( وَ مَنْ أَظْلَمُ ) إلخ تعليل لعذابهم بأنّهم ظالمون أشدّ الظلم ثمّ قوله:( إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ) ، تعليل لعذاب الظالمين بأنّهم مجرمون و العذاب انتقام منهم، و الله منتقم من المجرمين.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ ) المراد بالكتاب التوراة و المرية الشكّ و الريب.

و قد اختلفوا في مرجع الضمير في قوله:( مِنْ لِقائِهِ ) و معنى الكلمة فقيل: الضمير لموسى و هو مفعول اللقاء و التقدير فلا تكن في مرية من لقائك موسى و قد لقيه ليلة المعراج كما وردت به الروايات فإن كانت السورة نازلة بعد المعراج فهو تذكرة لما قد وقع و إن كانت نازلة قبله فهو وعد منه تعالى للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه سيراه.

و قيل: الضمير لموسى و المعنى: فلا تكن في مرية من لقائك موسى يوم القيامة.

و قيل: الضمير للكتاب و التقدير فلا تكن في مرية من لقاء موسى الكتاب. و قيل: التقدير من لقائك الكتاب أو من لقاء الكتاب إيّاك.

و قيل: الضمير لما لقي موسى من الأذى من قومه و المعنى: فلا تكن في مرية من لقاء الأذى كما لقيه موسى من قومه و أنت خبير بأنّ الطبع السليم لا يقبل شيئاً من هذه الوجوه - على أنّها لا تفي لبيان وجه اتّصال الآية بما قبلها.

و من الممكن - و الله أعلم - أن يرجع ضمير لقائه إليه تعالى و المراد بلقائه البعث بعناية أنّه يوم يحضرون لربّهم لا حجاب بينه و بينهم كما تقدّم، و قد عبّر عنه باللقاء قبل عدّة آيات في قوله:( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) ، ثمّ عبّر عنه بما في معناه في قوله:( ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .

فيكون المعنى: و لقد آتينا موسى الكتاب كما آتيناك القرآن فلا تكن في مرية من البعث الّذي ينطق به القرآن بالشكّ في نفس القرآن و قد اُيّد نزول القرآن

٢٧٩

عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنزول التوراة على موسى في مواضع من القرآن، و يؤيّده قوله بعد:( وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) إلخ.

و يمكن أن يكون المراد بلقائه الانقطاع التامّ إليه تعالى عند وحي القرآن أو بعضه كما في بعض الروايات، فيكون رجوعاً إلى ما في صدر السورة من قوله:( تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، و ذيل الآية أشدّ تأييداً لهذا الوجه من سابقه و الله أعلم.

و قوله:( وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ ) أي هادياً فالمصدر بمعنى اسم الفاعل أو بمعناه المصدريّ مبالغة.

قوله تعالى: ( وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ ) أي و جعلنا من بني إسرائيل أئمّة يهدون الناس بأمرنا و إنّما نصبناهم أئمّة هداة للناس حين صبروا في الدين و كانوا قبل ذلك موقنين بآياتنا.

و قد تقدّم البحث عن معنى الإمامة و هداية الإمام بأمر الله في تفسير قوله:( قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) البقرة: ١٢٤ و قوله:( وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) الأنبياء: ٧٣ و غير ذلك من الموارد المناسبة.

و قد تضمّنت هاتان الآيتان من الرحمة المنبسطة بالتوراة أنّها هدى في نفسه يهدي من اتّبعه إلى الحقّ، و أنّها أنشأت في حجر تربيتها اُناساً اجتباهم الله للإمامة فصاروا يهدون بأمره فهي مباركة للعمل بها و مباركة بعد العمل.

قوله تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) يريد اختلافهم في الدين و إنّما كان ذلك بغياً بينهم كما يذكره في مواضع من كلامه كقوله:( وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ - إلى أن قال -فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) الجاثية: ١٧.

فالمراد بقوله:( يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ) القضاء الفاصل بين الحقّ و الباطل و المحقّ و المبطل و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ )

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425