الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128745 / تحميل: 6814
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

( أحكام الصلاة )

الصلوات الواجبة في زمان غيبة امام العصر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ خمسة انواع :

(1) الصلوات اليومية وتندرج فيها صلاة الجمعة كما سيأتي.

(2) صلاة الآيات.

(3) صلاة الطواف الواجب.

(4) الصلاة الواجبة بالاجارة والنذر ، والعهد واليمين ونحو ذلك.

(5) الصلاة على الميت ، وتضاف إلى هذه : الصلاة الفائتة عن الوالد فان ـ الأحوط وجوباً ـ ان يقضيها عنه ولده الأكبر على تفصيل يأتي في محله.

١٠١

( صلاة الجمعة )

وهي ركعتان كصلاة الصبح ، وتجب قبلها خطبتان يلقيهما الإمام ففي الأولى : منهما يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويوصي بتقوى الله ، ويقرأ سورة قصيرة من الكتاب العزيز ثم يجلس قليلاً ، وفي الثانية يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ـ والأحوط استحباباً ـ أن يضم إلى ذلك الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات.

( مسألة 176 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ إتيان الحمد والصلاة من الخطبة باللغة العربية ، وأما غيرهما من أجزائها كالثناء على الله والوصية بالتقوى فيجوز إتيانها بغير العربية أيضاً ، بل ـ الأحوط لزوماً ـ فيما إذا كان أكثر الحضور غير عارفين باللغة العربية أن تكون الوصية بتقوى الله تعالى باللغة التي يفهمونها.

( مسألة 177 ) : صلاة الجمعة واجبة تخييراً ، ومعنى ذلك ان المكلف يوم الجمعة مخير بين الاتيان بصلاة الجمعة على النحو الذي تتوفر فيه شروطها الآتية ، وبين الاتيان بصلاة الظهر ولكن الإتيان بالجمعة أفضل ، فإذا أتى بها بشروطها أجزأت عن الظهر.

( مسألة 178 ) : تعتبر في صحة صلاة الجمعة الجماعة ، فلا تصح فرادى.

( مسألة 179 ) : يشترط في جماعة الجمعة عدد خاص وهو خمسة نفر

١٠٢

أحدهم الامام ، فلا تصح الجمعة ما لم يكن المجتمعون خمسة نفر من المسلمين أحدهم الإمام.

( مسألة 180 ) : يشترط في صحة صلاة الجمعة استجماعها للأمور الآتية المعتبرة في صلاة الجماعة ، ومنها ان يكون الإمام جامعاً لشروط الإمامة من العدالة وغيرها ، فلا تصح الجمعة إذا لم يكن الامام جامعاً للشروط.

( مسألة 181 ) : تعتبر في صحة الجمعة في بلد أن لا تكون المسافة بينها وبين جمعة اخرى اقل من فرسخ ( ½5 كم تقريباً ) ، فلو اقيمت جمعة اخرى فيما دون فرسخ بطلتا جميعاً إن كانتا مقترنتين زماناً ، وأما إذا كانت أحداهما سابقة على الاُخرى ولو بتكبيرة الاحرام صحت السابقة دون اللاحقة.

( مسألة 182 ) : اقامة الجمعة إنما تكون مانعة عن جمعة اخرى في تلك المسافة إذا كانت صحيحة وواجدة للشرائط ، وأما إذا لم تكن واجدة لها فلا تمنع عن ذلك.

( مسألة 183 ) : إذا اقيمت الجمعة في بلد واجدة للشرائط فإن كان من اقامها الامامعليه‌السلام أو من يمثله وجب الحضور فيها تعييناً ، وان كان غيره لم يجب الحضور ، بل يجوز الاتيان بصلاة الظهر ولو في اول وقتها.

( مسألة 184 ) : لا يجب الحضور على المرأة ولا على المسافر ـ وإن كانت وظيفته الاتمام ـ ولا على المريض ، ولا على الأعمى ، ولا على الشيخ الكبير ، ولا على من كان بينه وبين الجمعة اكثر من فرسخين ( 11 كم تقريباً ) ولا على من كان الحضور عليه حرجياً لمطر ، أو برد شديد ، أو نحوهما ، فهؤلاء جميعاً لا يجب عليهم الحضور في صلاة الجمعة حتى في فرض وجوبها تعييناً الذي تقدم بيانه في المسألة السابقة.

١٠٣

( النوافل اليومية )

يستحب التنفل في اليوم والليلة بأربع وثلاثين ركعة : ثمان ركعات لصلاة الظهر قبلها ، وثمان ركعات لصلاة العصر كذلك ، وأربع ركعات بعد صلاة المغرب ، وركعتان بعد صلاة العشاء من جلوس وتحسبان بركعة ، وثمان ركعات نافلة الليل ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بها بعد منتصف الليل والأفضل اداؤها قريباً من الفجر الصادق ، وركعتا الشفع بعد صلاة الليل ، وركعة الوتر بعد الشفع ، وركعتان نافلة الفجر قبل فريضته ، ولا يبعد ان يكون مبدأ وقتها مبدأ وقت صلاة الليل ـ بعد مضي مقدار يتمكن المكلف من الاتيان بها ـ ويمتد إلى قبيل طلوع الشمس.

( مسألة 185 ) : النوافل ركعتان ركعتان ـ إلاّ صلاة الوتر فإنها ركعة واحدة ويجوز الاتيان بها متصلة بالشفع أيضاً ـ ويستحب فيها القنوت ولكن يؤتى به في صلاة الشفع رجاءً ، ويجوز الاكتفاء فيها بقراءة الحمد من دون سورة ، كما يجوز الاكتفاء ببعض انواعها دون بعض ، بل يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشفع والوتر بل على الوتر خاصة ، وفي نافلة العصر على أربع ركعات بل ركعتين ، وإذا اريد التبعيض في غير هذه الموارد ـ فالأحوط لزوماً ـ الاتيان به بقصد القربة المطلقة حتى في الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين.

والأولى أن يقنت في صلاة الوتر بالدعاء الآتي : « لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ

١٠٤

الكَريم ، لا إله إلاّ اللهُ العَليّ العَظيم ، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ السمواتِ السَبْع ، وَربّ الأرضينَ السبع ، وَما فيهن وما بَيْنَهُنّ ، وَرَبُّ العَرش العَظيم ، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين » ، وان يدعو لأربعين مؤمناً ، وان يقول : « أَسْتَغْفِرُ اللهَ رَبّي وَأَتوبُ إليه » سبعين مرة ، وأن يقول : « هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النّار » سبع مرات ، وأن يقول : « العفو » ثلاثمائة مرة.

( مسألة 186 ) : تسقط ـ في السفر ـ نوافل الظهر والعصر بل والعشاء أيضاً ، ولا تسقط بقية النوافل ، ويجوز أن يأتي بنافلة العشاء رجاءً.

( مسألة 187 ) : صلاة الغفيلة ركعتان ما بين فرضي المغرب والعشاء ، يقرأ في الركعة الأولى بعد سورة الحمد( وَذَا النّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَليه ، فَنَادى في الظُّـلُماتِ اَنْ لا إلهَ إلاّ أنت سُبْحانَك إنّي كُنْتُ من الظّالِمين ،فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجّيْناهُ مِنَ الغَمّ وَكَذَلِكَ نُنْجي المُؤمِنين ) ويقرأ في الركعة الثانية بعد سورة الحمد( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعْلَمُها إلاّ هو ،وَيَعْلَمُ مَا في البَرِّ والبَحرِ ،وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُها ،ولا حَبّةٍ في ظُلُماتِ الأرضِ ،ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلاّ في كِتَابٍ مُبِين ) ثم يقنت فيقول : « اللّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ بِمَفاتِحِ الغَيبِ التي لا يَعْلَمُها إلاّ أَنْتَ أنْ تُصلي عَلى مُحمد وَآل مُحمد » ويطلب حاجته ويقول : « اللّهم أنت وَليّ نِعْمَتي والقادِرُ على طَلِبَتي تَعْلَمُ حاجَتي فَاسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي » ويجوز أن يأتي بهاتين الركعتين بقصد نافلة المغرب أيضاً فتجزى عنهما جميعاً.

١٠٥

( مقدمات الصلاة )

مقدمات الصلاة خمس :

1 ـ الوقت

( مسألة 188 ) : وقت صلاة الظهرين من زوال الشمس إلى الغروب ، وتختص صلاة الظهر من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص صلاة العصر من آخره بمقدار ادائها ، ولا تزاحم كل منهما الاُخرى وقت اختصاصها ، ولو صلى الظهر قبل الزوال معتقداً دخول الوقت ثم علم بدخوله وهو في الصلاة صحت صلاته ، وجاز له الاتيان بصلاة العصر بعدها وإن كان ـ الأحوط استحباباً ـ إتمامها وإعادتها.

( مسألة 189 ) : يعتبر الترتيب بين الصلاتين ، فلا يجوز تقديم العصر على الظهر عمداً ، نعم إذا صلى العصر قبل ان يأتي بالظهر لنسيان ونحوه صحت صلاته ، فإن التفت في اثناء الصلاة عدل بها إلى الظهر وأتم صلاته وإن التفت بعد الفراغ صحت عصراً وأتى بالظهر بعدها.

( مسألة 190 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تأخير صلاة الظهرين إلى سقوط قرص الشمس ، نعم مع الشك في سقوط القرص واحتمال اختفائه بالأبنية ونحوها يجوز التأخير والاتيان بهما قبل زوال الحمرة المشرقية.

( مسألة 191 ) : وقت صلاة العشاءين للمختار من أول المغرب إلى نصف الليل ( منتصف ما بين غروب الشمس والفجر ) وتختص صلاة

١٠٦

المغرب من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص العشاء من آخره بمقدار أدائها نظير ما تقدم في الظهرين ، وأما المضطر لنوم أو نسيان ، أو حيض أو غيرها فيمتد وقتهما له إلى الفجر ، وتختص العشاء من آخره بمقدار أدائها ، ويعتبر الترتيب بينهما ، ولكنه لو صلى العشاء قبل أن يصلي المغرب لنسيان ونحوه ولم يتذكر حتى فرغ منها صحت صلاته ، وأتى بصلاة المغرب بعدها ولو كان في الوقت المختص بالعشاء.

( مسألة 192 ) : لا يجوز تقديم صلاة المغرب على زوال الحمرة المشرقية عند الشك في سقوط قرص الشمس واحتمال استتاره بحاجب كالجبال ، والأبنية والأشجار بل ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقديمها عليه حتى مع العلم بسقوط القرص ، والأولى عدم تأخيرها عن ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية.

( مسألة 193 ) : إذا دخل في صلاة العشاء ، ثم تذكر انه لم يصلّ المغرب عدل بها إلى صلاة المغرب إذا كان تذكره قبل ان يدخل في ركوع الركعة الرابعة ، وإذا كان تذكره بعده صحت صلاته عشاءً ويأتي بعدها بصلاة المغرب ، وقد مرّ آنفاً حكم التذكر بعد الصلاة.

( مسألة 194 ) : إذا لم يصل صلاة المغرب أو العشاء إختياراً حتى انتصف الليل ـ فالأحوط وجوباً ـ ان يصليها قبل أن يطلع الفجر بقصد ما في الذمة ، من دون نية الأداء أو القضاء ، ومع ضيق الوقت يأتي بالعشاء ثم يقضيها بعد قضاء المغرب ـ احتياطاً وجوبياً ـ.

( مسألة 195 ) : وقت صلاة الفجر من الفجر إلى طلوع الشمس ، ويعرف الفجر باعتراض البياض في الاُفق المتزايد وضوحاً وجلاءً ويسمى بالفجر الصادق.

١٠٧

( مسألة 196 ) : وقت صلاة الجمعة أول الزوال عرفاً من يوم الجمعة ، ولو لم يصلها في هذا الوقت لزمه الاتيان بصلاة الظهر.

( مسألة 197 ) : يعتبر في جواز الدخول في الصلاة ان يستيقن بدخول الوقت ، أو تقوم به البينة ، ويجتزأ بالاطمينان الحاصل من اذان الثقة العارف بالوقت ، أو من اخباره أو من سائر المناشىء العقلائية ، ولا يكتفى بالظن وان كان للمكلف مانع شخصي عن معرفة الوقت ، كالعمى والحبس ، بل وان كان المانع نوعياً ـ كالغيم ـ على ـ الأحوط لزوماً ـ فلا بد في الحالتين من تأخير الصلاة إلى حين الاطمينان لدخول الوقت.

( مسألة 198 ) : إذا صلى معتقداً دخول الوقت بأحد الأمور المذكورة ثم انكشف له أنّ الصلاة وقعت بتمامها خارج الوقت بطلت صلاته ، نعم إذا علم أنّ الوقت قد دخل وهو في الصلاة صحت صلاته ، وإذا صلى غافلاً وتبين دخول الوقت في الأثناء لم تصح ولزمه اعادتها.

( مسألة 199 ) : لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها اختياراً ، ولا بد من الاتيان بجميعها في الوقت ، ولكنه لو أخرها عصياناً أو نسياناً حتى ضاق الوقت وتمكن من الاتيان بها فيه ولو بركعة وجبت المبادرة إليها وكانت الصلاة اداءً.

( مسألة 200 ) : يجوز التنفّل في وقت الفريضة ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بالفريضة أوّلاً في غير النوافل اليومية السابقة على الفريضة.

2 ـ القبلة وأحكامها

( مسألة 201 ) : يجب استقبال القبلة مع الإمكان في جميع الفرائض

١٠٨

وتوابعها من الأجزاء المنسية ، وصلاة الاحتياط ، دون سجدتي السهو ، وأما النوافل فلا يعتبر فيها الاستقبال حال المشي أو الركوب ـ والأحوط وجوباً ـ اعتباره فيها حال الاستقرار ، والقبلة هي المكان الواقع فيه البيت الشريف ويتحقق استقباله بمحاذاة عينه مع التمكن من تمييزها ، والمحاذاة العرفية عند عدم التمكن من ذلك.

( مسألة 202 ) : ما كان من الصلوات واجبة زمان حضور الامامعليه‌السلام كصلاة العيدين يعتبر فيها استقبال القبلة وان كانت مستحبة فعلاً ، وأما ما عرض عليه الوجوب بنذر وشبهه فلا يعتبر فيه الاستقبال حال المشي والركوب.

( مسألة 203 ) : يجب العلم باستقبال القبلة ، وتقوم البينة مقامه إذا كانت مستندة إلى المبادىء الحسية أو ما بحكمها ، كالاعتماد على الآلات المستحدثة لتعيين القبلة ، والظاهر حجيّة قول الثقة من أهل الخبرة في تعيين القبلة ، وان لم يفد الظن حتى مع التمكن من تحصيل العلم بها ، ومع عدم التمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه يجب ان يبذل المكلف جهده في معرفتها ويعمل على ما يحصل له من الظن ، ومع عدم التمكن منه أيضاً يجزئ التوجه إلى ما يحتمل وجود القبلة فيه ـ والأحوط استحباباً ـ ان يصلي إلى أربع جهات.

( مسألة 204 ) : إذا ثبت له بوجه شرعي ان القبلة في جهة فصلى إليها ، ثم إنكشف له الخلاف فان كان انحرافه عنها لم يبلغ حد اليمين أو اليسار توجه إلى القبلة وأتم صلاته فيما إذا كان الانكشاف اثناء الصلاة ، وإذا كان بعد الفراغ منها لم تجب الاعادة ، وأما إذا بلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار أو كانت صلاته إلى دبر القبلة ، فان كان الانكشاف قبل مضي الوقت أعادها ،

١٠٩

ولا يجب القضاء إذا انكشف الحال بعد مضي الوقت وان كان ـ أحوط استحباباً ـ.

3 ـ الطهارة في الصلاة

( مسألة 205 ) : تعتبر في الصلاة طهارة ظاهر البدن حتى الظفر والشعر وطهارة اللباس ، نعم لا بأس بنجاسة ما لا تتم فيه الصلاة من اللباس كالقلنسوة ، والتكة ، والجورب ، بشرط أن لا يكون متخذاً من الميتة النجسة ، ولا نجس العين ، كالكلب على ـ الأحوط وجوباً ـ ولا بأس بحمل النجس والمتنجس في الصلاة كان يضع منديله المتنجس في جيبه.

( مسألة 206 ) : لا بأس بنجاسة البدن أو اللباس من دم القروح أو الجروح قبل البرء ، ولا سيما إذا كان التطهير أو التبديل حرجياً نوعاً ، نعم يعتبر في الجرح أن يكون مما يعتد به وله ثبات واستقرار ، وأما الجروح الجزئية فيجب تطهيرها إلاّ فيما سيأتي.

( مسألة 207 ) : لا بأس بالصلاة في الدم إذا كان اقل من الدرهم ـ أي ما يساوي عقد الابهام ـ بلا فرق بين اللباس والبدن ، ولا بين اقسام الدم ، ويستثنى من ذلك دم الحيض ، ويلحق به ـ على الأحوط لزوماً ـ دم نجس العين والميتة والسباع ، بل مطلق غير مأكول اللحم ، ودم النفاس والاستحاضة فلا يعفى عن قليلها أيضاً ، وإذا شك في دم انه أقل من الدرهم أم لا بنى على العفو عنه ، إلاّ إذا كان مسبوقاً بالأكثرية عن المقدار المعفو عنه ، وإذا علم انه اقل من الدرهم وشك في كونه من الدماء المذكورة المستثناة فلا بأس بالصلاة فيه.

١١٠

( مسألة 208 ) : إذا صلى جاهلاً بنجاسة البدن أو اللباس ، ثم علم بها بعد الفراغ منها صحت صلاته إذا لم يكن شاكاً فيها قبل الصلاة ، أو شك وفحص ولم يحصل له العلم بها ، وأما الشاك غير المتفحص ـ فالأحوط لزوماً ـ فيما إذا وجد النجاسة بعد الصلاة ان يعيدها في الوقت ويقضيها في خارجه ، وإذا علم بالنجاسة في الأثناء فان احتمل حدوثها بعد الدخول في الصلاة وتمكن من التجنب عنها بالتبديل أو التطهير ، أو النزع على نحو لا ينافي الصلاة فعل ذلك وأتم صلاته ولا شيء عليه ، وان لم يتمكن منه فان كان الوقت واسعاً استأنف الصلاة على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان ضيقاً اتمها مع النجاسة ولا شيء عليه ، وإن علم ان النجاسة كانت قبل الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ استينافها مع سعة الوقت ، وأما مع ضيقه حتى عن ادراك ركعة فإن أمكن التجنب عن النجاسة بالتبديل أو التطهير أو النزع ، من غير لزوم المنافي فعل ذلك واتم الصلاة ، وإلاّ صلى معها وتصح صلاته.

( مسألة 209 ) : إذا علم بنجاسة البدن أو اللباس فنسيها وصلى ، فان كان نسيانه ناشئاً عن الاهمال وعدم التحفظ ـ فالأحوط لزوماً ـ أن يعيد الصلاة ، سواءً تذكر في اثنائها أم بعد الفراغ منها ، وهكذا لو تذكر بعد مضي الوقت ، وأما إذا لم يكن منشأ نسيانه الاهمال فحكمه حكم الجاهل بالموضوع وقد تقدم في المسألة السابقة.

( مسألة 210 ) : تجب في الصلاة الطهارة من الحدث بالوضوء أو الغسل أو التيمم ، وقد مرّ تفصيل ذلك في مسائل الوضوء والغسل والتيمم.

4 ـ مكان المصلي

( مسألة 211 ) : يعتبر في مكان المصلي اباحته ، فلا تصح الصلاة في

١١١

المكان المغصوب على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان الركوع والسجود بالإيماء ، ويختص هذا الحكم بالعالم العامد ، فلو صلى من المغصوب غافلاً أو جاهلاً بغصبيته ، أو ناسياً لها ولم يكن هو الغاصب صحت صلاته.

( مسألة 212 ) : إذا أوصى الميت بصرف الثلث من تركته في مصرف ما وعيّن الثلث من دار أو بستان أو دكان ونحوها لم يجز التصرف فيه قبل اخراج الثلث ، فلا يجوز الوضوء أو الغسل ، أو الصلاة في ذلك المكان.

( مسألة 213 ) : إذا كان الميت مشغول الذمة بدين أو زكاة أو نحوهما من الحقوق المالية ـ عدا الخمس ـ لم يجز التصرف في تركته بما ينافي أداء الحق منها ، سواء أكان مستوعباً لها أم لا ، وأما التصرف بمثل الصلاة في داره فالظاهر جوازه باذن الورثة. وإذا كان مشغول الذمة بالخمس فان كان ممن يدفع الخمس جرى عليه ما تقدم ، وان كان ممن لا يدفعه ـ عصياناً أو اعتقاداً منه بعدم وجوبه ـ لم يجب على وارثه المؤمن ابراء ذمته وجاز له التصرف في التركة.

( مسألة 214 ) : لا تجوز الصلاة ولا سائر التصرفات في مال الغير إلاّ برضاه وطيب نفسه ، وهو يستكشف بوجوه :

(1) الإذن الصريح من المالك.

(2) الإذن بالفحوى ، فلو أذن له بالتصرف في داره ـ مثلاً ـ بالجلوس والأكل والشرب والنوم فيها ، وقطع بكونه ملازماً للاذن بالصلاة جاز له أن يصلي فيها ، وان لم يأذن للصلاة صريحاً.

(3) شاهد الحال ، وذلك بأن تدل القرائن على رضا المالك بالتصرف في ماله ولو لم يكن ملتفتاً إليه فعلاً لنوم أو غفلة بحيث يعلم او يطمأن بانّه

١١٢

لو التفت لأذن.

( مسألة 215 ) : لا بأس بالصلاة في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً ، كما لا بأس بالوضوء من مائها وان لم يعلم رضا المالك به ، بل وان علم كراهته ـ سواء أكان كاملاً أم قاصراً ، صغيراً أم مجنوناً ـ وبحكمها أيضاً الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب فيجوز الدخول إليها والصلاة فيها وإن لم يعلم رضا المالك ، نعم إذا علم كراهته أو كان قاصراً ـ فالأحوط لزوماً ـ الاجتناب عنها ، ولا بأس أيضاً بالصلاة في البيوت المذكورة في القرآن والأكل منها ما لم يحرز كراهة المالك ، وتلك البيوت بيوت الأب والأم ، والأخ والاخت ، والعم والعمة ، والخال والخالة والصديق ، والبيت الذي يكون مفتاحه بيد الانسان.

( مسألة 216 ) : الأرض المفروشة لا تجوز الصلاة عليها إذا كان الفرش أو الأرض مغصوباً ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 217 ) : الأرض المشتركة لا تجوز فيها الصلاة ولا سائر التصرفات ، إذا لم يأذن جميع الشركاء ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 218 ) : العبرة في الأرض المستأجرة باجازة المستأجر دون المؤجر.

( مسألة 219 ) : إذا كانت الأرض المملوكة متعلقة لحق الغير وكان الحق مما ينافيه مطلق التصرف في متعلقه حتى بمثل الصلاة فيه ـ كحق السكنى ـ فلا بد في جواز التصرف فيها من اجازة المالك وذي الحق معاً.

( مسألة 220 ) : المحبوس في الأرض المغصوبة ـ إذا لم يتمكن من

١١٣

التخلص من دون ضرر أو حرج ـ تصح صلاته فيها ، ويصلي صلاة المختار إذا لم تستلزم تصرفاً زائداً على الكون فيها على الوجه المتعارف ، وإلاّ صلى بما يمكنه من دون تصرف زائد.

( مسألة 221 ) : يعتبر في مكان المصلي ان لا يكون نجساً على نحو تسري النجاسة منه إلى اللباس أو البدن نجاسة غير معفو عنها ، ومع عدم السراية كذلك لا بأس بالصلاة عليها ، نعم تعتبر الطهارة في مسجد الجبهة كما سيأتي.

( مسألة 222 ) : لا يجوز استدبار قبور المعصومين : في حال الصلاة وغيرها إذا عدّ هتكاً لحرمتهم واساءة للأدب معهم.

( مسألة 223 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقدم المرأة على الرجل ولا محاذاتهما في الصلاة في مكان واحد فيلزم ، تأخرها عنه ـ ولو بمقدار يكون مسجد جبهتها محاذياً لركبتيه في حال السجود ـ أو يكون بينهما حائل ، أو مسافة أكثر من عشرة اذرع بذراع اليد ( ½4 متراً تقريباً ).

( مسألة 224 ) : تستحب الصلاة في المساجد للرجال والنساء ، وان كان الأفضل للمرأة ان تختار الصلاة في المكان الأستر حتى في بيتها.

5 ـ لباس المصلي

( مسألة 225 ) : يعتبر في الصلاة ستر العورة ، وهي في الرجل القبل ( القضيب والبيضتان ) والدبر ، وفي المرأة جميع بدنها غير الوجه ـ بالمقدار الذي لا يستره الخمار عادة مع ضربه على الجيب ـ واليدين إلى الزند ، والرجلين إلى أول جزء من الساق ، ولا يعتبر ستر الرأس وشعره والرقبة في

١١٤

صلاة غير البالغة.

( مسألة 226 ) : يكفي في الساتر الصلاتي في حال الإختيار مطلق ما يخرج المصلي عن كونه عارياً ، كالورق والحشيش ، والقطن والصوف غير المنسوجين ، بل الطين إذا كان من الكثرة بحيث لا يصدق معه كون المصلي عارياً ، وأما في حال الاضطرار فيجزي التلطخ بالطين ونحوه.

( مسألة 227 ) : إذا انكشف له اثناء الصلاة ان عورته لم تستر فعلاً وجبت المبادرة إلى سترها ـ مع عدم الاشتغال بشيء من الصلاة في حال الانكشاف على ـ الأحوط لزوماً ـ وتصح صلاته ، كما تصح أيضاً إذا كان الانكشاف بعد الفراغ من الصلاة.

( مسألة 228 ) : إذا لم يتمكن المصلي من الساتر بوجه فإن تمكن من الصلاة قائماً مع الركوع والسجود بحيث لا تبدو سوأته للغير المميِّز ـ إما لعدم وجوده أو لظلمة ـ أو نحوها ـ اتى بها كذلك ، ولو اقتضى التحفظ على عدم بدوّ سوءته ترك القيام والركوع والسجود صلى جالساً مومياً ، ولو اقتضى ترك واحد من الثلاثة تركه واتى ببدله فيومي بالرأس بدلاً عن الركوع والسجود ، ويجلس بدلاً عن القيام ، ـ والأحوط لزوماً ـ للعاري ستر السوأتين ببعض اعضائه كاليد في حال القيام ، والفخذين في حال الجلوس.

١١٥

( شروط لباس المصلي )

يشترط في لباس المصلي أمور :

( الأوّل ) : الطهارة وقد مرّ تفصيله في المسألة (205) وما بعدها.

( الثاني ) : اباحته على ـ الأحوط لزوماً ـ فيما كان ساتراً للعورة فعلاً واستحباباً في غيره.

( مسألة 229 ) : إذا صلى في ثوب جاهلاً بغصبيته ثم انكشف له ذلك صحت صلاته ، وكذلك إذا كان ناسياً وتذكر بعد الصلاة إذا لم يكن هو الغاصب وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ إعادتها.

( مسألة 230 ) : إذا اشترى ثوباً بما فيه الخمس كان حكمه حكم المغصوب ، وأما إذا اشترى بما فيه حق الزكاة فلا يلحقه حكمه كما سيأتي في المسألة (551).

( الثالث ) : أن لا يكون من اجزاء الميتة التي تحلها الحياة من دون فرق بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم فيه الصلاة على الأحوط وجوباً ، ويختص هذا الحكم بالميتة النجسة وان كان ـ الأحوط الأولى ـ الاجتناب عن الميتة الطاهرة أيضاً ، وأما ما لا تحله الحياة من ميتة حيوان يحل أكل لحمه ـ كالشعر والصوف ـ فلا بأس بالصلاة فيه.

( مسألة 231 ) : يجوز حمل ما تحله الحياة من اجزاء الميتة النجسة في الصلاة وان كان ملبوساً ، كأن يضع الثوب المتخذ من جلد الميتة في جيبه.

١١٦

( مسألة 232 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد المسلم يحكم عليه بالتذكية ويجوز اكله بشرط اقترانها بما يقتضي تصرفه فيه تصرفاً يناسب التذكية ، وفي حكم المأخوذ من يد المسلم ما صنع في أرض غلب فيها المسلمون ، وما يوجد في سوق المسلمين إذا لم يعلم ان المأخوذ منه غير مسلم ، وأما ما يوجد مطروحاً في أرضهم فيحكم بطهارته ولا يحكم بحليته على ـ الأحوط لزوماً ـ إلاّ مع الاطمينان بسبق احد الأمور الثلاثة.

( مسألة 233 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد الكافر أو المجهول إسلامه ، وما وجد في بلاد الكفر ، وما اخذ من يد المسلم مما علم انه قد أخذه من يد الكافر ولم يحرز تذكيته لا يجوز أكله ، ولكن يجوز بيعه ويحكم بطهارته وبجواز الصلاة فيه إذا احتمل ان يكون مأخوذاً من الحيوان المذكى.

( مسألة 234 ) : تجوز الصلاة في ما لم يحرز انه جلد حيوان ، وان اخذ من يد الكافر.

( مسألة 235 ) : إذا صلى في ثوب ثم علم بعد الصلاة أنه كان متخذاً من الميتة النجسة صحت صلاته ، إلاّ اذا كان شاكاً ولم يفحص قبل الدخول في الصلاة حسبما تقدم في المسألة (208) ، واما إذا نسي ذلك وتذكره بعد الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ إعادتها ـ سواء أكان الثوب مما تتم فيه الصلاة أم لا ـ إذا كان نسيانه ناشئاً من اهماله وعدم تحفظه وإلاّ فلا شيء عليه.

( الرابع ) : ان لا يكون من اجزاء السباع ، بل مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على ـ الأحوط وجوباً ـ ويختص المنع بما تتم الصلاة فيه وان كان الاجتناب عن غيره أيضاً ـ أحوط استحباباً ـ وتجوز الصلاة في جلد

١١٧

الخز والسنجاب ووبرهما وإن كانا من غير مأكول اللحم.

( مسألة 236 ) : لا بأس بالصلاة في شعر الانسان ، سواء أكان من نفس المصلي أو من غيره.

( مسألة 237 ) : لا بأس بالصلاة في الشمع والعسل ، والحرير غير الخالص ودم البق والبرغوث والقمل ونحوها من الحيوانات التي لا لحم لها.

( مسألة 238 ) : لا بأس بالصلاة في ما يحتمل انه من غير مأكول اللحم ، وكذلك ما لا يعلم انه من أجزاء الحيوان. وما لا يعلم كون الحيوان المتخذ منه ذا لحم عرفاً.

( مسألة 239 ) : إذا صلى في ما لا يؤكل لحمه جهلاً أو نسياناً حتى فرغ من الصلاة صحت صلاته إلاّ إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير فانه تجب عليه الاعادة.

( الخامس ) : ان لا يكون لباس الرجل من الذهب الخالص ، أو المغشوش دون الممّوه والمطّلي الذي يعد الذهب فيه لوناً محضاً ، والمراد باللباس هنا كل ما يطلق على استعماله عنوان ( اللبس ) عرفاً وان لم يكن من الثياب كالخاتم والزناجير المعلقة ، والساعة اليدوية ، نعم لا بأس بحمل الذهب في الصلاة ، ومن هذا القبيل حمل الساعة الذهبية الجيبية.

( مسألة 240 ) : يحرم لبس الذهب للرجال في غير حال الصلاة أيضاً ، والأحوط لزوماً ترك التزيُّن به مطلقاً حتى فيما لا يطلق عليه اللبس عرفاً كجعل ازرار اللباس من الذهب ، أو جعل مقدم الاسنان منه ، نعم لا بأس بشدها به أو جعل الأسنان الداخلية منه.

١١٨

( مسألة 241 ) : إذا شك في فلزّ ولم يعلم انه من الذهب جاز لبسه في نفسه ولا يضر بالصلاة.

( مسألة 242 ) : لا فرق في حرمة لبس الذهب وابطاله الصلاة بين أن يكون ظاهراً أو لا.

( مسألة 243 ) : إذا صلى في فلزّ لم يعلم انه من الذهب أو نسيه ثم التفت إليه بعد الصلاة صحت صلاته.

( السادس ) : ان لا يكون لباس الرجل الذي تتم فيه الصلاة من الحرير الخالص ، وأما إذا امتزج بغيره ولم يصدق عليه الحرير الخالص جاز لبسه والصلاة فيه.

( مسألة 244 ) : لا بأس بأن يكون سجاف الثوب ونحوه من الحرير الخالص ـ والأحوط استحباباً ـ ان لا يزيد عرضه على أربعة اصابع مضمومة.

( مسألة 245 ) : لا بأس بحمل الحرير في الصلاة ، وان كان مما تتم الصلاة فيه.

( مسألة 246 ) : لا يجوز للرجال لبس الحرير الخالص في غير حال الصلاة أيضاً ، نعم لا بأس به في الحرب والضرورة والحرج كالبرد والمرض ونحوهما ، وفي هذه الموارد تجوز الصلاة فيه أيضاً.

( مسألة 247 ) : إذا صلى في الحرير جهلاً أو نسياناً ، ثم انكشف له الحال بعد الصلاة صحت صلاته.

( مسألة 248 ) : إذا شك في لباس ولم يعلم انه من الحرير ، جاز لبسه والصلاة فيه.

١١٩

( مسألة 249 ) : تختص حرمة لبس الذهب والحرير بالرجال ـ كما تقدم ـ ولا بأس به للنساء في الصلاة وفي غيرها ، وكذلك الأطفال الذكور فيجوز للولي ان يلبسهم الذهب والحرير وتصح صلاتهم فيهما.

( مسألة 250 ) : يحرم لبس لباس الشهرة ، وهو اللباس الذي يظهر المؤمن في شنعة وقباحة وفظاعة عند الناس ، لحرمة هتك المؤمن نفسه واذلاله اياها.

( مسألة 251 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ ان لا يتزيّ اي من الرجل والمرأة بزيّ الآخر في اللباس ، وأما لبس الرجل بعض ملابس المرأة لغرض آخر ـ وكذا العكس ـ فلا بأس به ، وفيما إذا حرم اللبس لم يضر بصحة الصلاة مطلقاً وإن كان ساتراً له حالها.

( مسألة 252 ) : إذا انحصر لباس المصلي بالمغصوب أو الحرير ، أو الذهب أو السباع صلى عارياً ، وإذا انحصر بما عدا السباع من غير مأكول اللحم من الحيوان ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الصلاة فيه والصلاة عارياً ، وإذا انحصر في النجس جاز الصلاة فيه.

( مسألة 253 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل حصوله عليه في آخر الوقت ، أما لو يئس عن حصوله عليه فله ان يصلي عارياً ولا تلزمه اعادتها لو صادف فحصل على الساتر في الوقت.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

( بيان)

قصّة غزوة الخندق و ما عقّبها من أمر بني قريظة و وجه اتّصالها بما قبلها ما فيها من ذكر حفظ العهد و نقضه.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ) إلخ، تذكير للمؤمنين بما أنعم عليهم أيّام الخندق بنصرهم و صرف جنود المشركين عنهم و قد كانوا جنوداً مجنّدة من شعوب و قبائل شتّى كغطفان و قريش و الأحابيش و كنانة و يهود بني قريظة و النضير أحاطوا بهم من فوقهم و من أسفل منهم فسلّط الله عليهم الريح و أنزل ملائكة يخذلونهم.

و هو قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ ) ظرف للنعمة أو لثبوتها( جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ) من طوائف كلّ واحدة منهم جند كغطفان و قريش و غيرهما( فَأَرْسَلْنا ) بيان للنعمة و هو الإرسال المتفرّع على مجيئهم( عَلَيْهِمْ رِيحاً ) و هي الصبا و كانت باردة في ليال شاتية( وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) و هي الملائكة لخذلان المشركين( وَ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) .

قوله تعالى: ( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) إلخ الجاؤن من فوقهم و هو الجانب الشرقيّ للمدينة غطفان و يهود بني قريظة و بني النضير و الجاؤن من أسفل منهم و هو الجانب الغربيّ لها قريش و من انضمّ إليهم من الأحابيش و كنانة فقوله:( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) عطف بيان لقوله:( إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ) .

و قوله:( إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ) ، عطف بيان آخر لقوله:( إِذْ جاءَتْكُمْ ) إلخ، و زيغ الأبصار ميلها و القلوب هي الأنفس و الحناجر جمع حنجر و هو جوف الحلقوم.

و الوصفان أعني زيغ الأبصار و بلوغ القلوب الحناجر كنايتان عن كمال

٣٠١

غشيان الخوف لهم حتّى حوّلهم إلى حال المحتضر الّذي يزيغ بصره و تبلغ روحه الحلقوم.

و قوله:( وَ تَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ) أي يظنّ المنافقون و الّذين في قلوبهم مرض الظنون فبعضهم يقول: إنّ الكفّار سيغلبون و يستولون على المدينة، و بعضهم يقول: إنّ الإسلام سينمحق و الدين سيضيع، و بعضهم يقول: إنّ الجاهليّة ستعود كما كانت، و بعضهم يقول: إنّ الله غرّهم و رسوله إلى غير ذلك من الظنون.

قوله تعالى: ( هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً ) هنالك إشارة بعيدة إلى زمان أو مكان و المراد الإشارة إلى زمان مجي‏ء الجنود و كان شديداً عليهم لغاية بعيدة، و الابتلاء الامتحان، و الزلزلة و الزلزال الاضطراب، و الشدّة القوّة و تختلفان في أنّ الغالب على الشدّة أن تكون محسوساً بخلاف القوّة، قيل: و لذلك يطلق القويّ عليه تعالى دون الشديد.

و المعنى في ذلك الزمان الشديد امتحن المؤمنون و اضطربوا خوفاً اضطراباً شديداً.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ) الّذين في قلوبهم مرض هم ضعفاء الإيمان من المؤمنين و هم غير المنافقين الّذين يظهرون الإيمان و يبطنون الكفر، و إنّما سمّي المنافقون الرسول لمكان إظهارهم الإسلام.

و الغرور حمل الإنسان على الشرّ بإراءته في صورة الخير و الاغترار احتماله له. قال الراغب: يقال: غررت فلاناً أصبت غرّته و نلت منه ما اُريد، و الغرّة - بكسر الغين - غفلة في اليقظة. انتهى.

و الوعد الّذي يعدّونه غروراً من الله و رسوله لهم بقرينة المقام هو وعد الفتح و ظهور الإسلام على الدين كلّه و قد تكرّر في كلامه تعالى كما ورد أنّ المنافقين قالوا: يعدنا محمّد أن يفتح مدائن كسرى و قيصر و نحن لا نأمن أن نذهب إلى الخلاء.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ) يثرب اسم المدينة قبل الإسلام ثمّ غلب عليه اسم مدينة الرسول بعد الهجرة ثمّ المدينة،

٣٠٢

و المقام بضمّ الميم الإقامة، و قولهم:( لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ) أي لا وجه لإقامتكم ههنا قبال جنود المشركين فالغلبة لهم لا محالة فارجعوا ثمّ أتبعه بحكاية ما قاله آخرون فقال عاطفاً على قوله: قالت طائفة:( وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ ) أي من المنافقين و الّذين في قلوبهم مرض( النَّبِيَّ ) في الرجوع( يَقُولُونَ ) استئذاناً( إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ ) أي فيها خلل لا يأمن صاحبها دخول السارق و زحف العدوّ( وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ ) أي ما يريدون بقولهم هذا( إِلَّا فِراراً ) .

قوله تعالى: ( وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً ) ضمائر الجمع للمنافقين و المرضى القلوب و الضمير في( دُخِلَتْ ) للبيوت و معنى دخلت عليهم دخل الجنود البيوت حال كونه دخولاً عليهم، و الأقطار جمع قطر و هو الجانب، و المراد بالفتنة بقرينة المقام الردّة و الرجعة من الدين و المراد بسؤالها طلبها منهم، و التلبّث التأخّر.

و المعنى: و لو دخل جنود المشركين بيوتهم من جوانبها و هم فيها ثمّ طلبوا منهم أن يرتدّوا عن الدين لأعطوهم مسؤلهم و ما تأخروا بالردّة إلّا يسيراً من الزمان بمقدار الطلب و السؤال أي إنّهم يقيمون على الدين ما دام الرخاء فإذا هجمت عليهم الشدّة و البأس لم يلبثوا دون أن يرجعوا.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلًا ) اللّام للقسم، و قوله:( لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ) أي لا يفرّون عن القتال و هو بيان للعهد و لعلّ المراد بعهدهم من قبل هو بيعتهم بالإيمان بالله و رسوله و ما جاء به رسوله و ممّا جاء به: الجهاد الّذي يحرم الفرار فيه و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) إذ لا بدّ لكلّ نفس من الموت لأجل مقضيّ محتوم لا يتأخّر عنه ساعة و لا يتقدّم عليه فالفرار لا يؤثّر في تأخير الأجل شيئاً.

و قوله:( وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) أي و إن نفعكم الفرار فمتّعتم بتأخّر الأجل فرضاً لا يكون ذلك التمتيع إلّا تمتيعاً قليلاً أو في زمان قليل لكونه مقطوع

٣٠٣

الآخر لا محالة.

قوله تعالى: ( قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً ) كانت الآية السابقة تنبيهاً لهم على أنّ حياة الإنسان مقضيّ مؤجّل لا ينفع معه فرار من الزحف و في هذه الآية تنبيه على أنّ الشرّ و الخير تابعان لإرادة الله محضاً لا يمنع عن نفوذها سبب من الأسباب و لا يعصم الإنسان منها أحد فالحزم إيكال الأمر إلى إرادته تعالى و القرار على أمره بالتوكّل عليه.

و لمّا كانت قلوبهم مرضى أو مشغولة بكفر مستبطن عدل عن أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتكليمهم إلى تكليم نفسه فقال:( وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً ) .

قوله تعالى: ( قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ - إلى قوله -يَسِيراً ) التعويق التثبيط و الصرف، و هلمّ اسم فعل بمعنى أقبل، و لا يثنّى و لا يجمع في لغة الحجاز، و البأس الشدّة و الحرب، و أشحّة جمع شحيح بمعنى البخيل، و الّذي يغشى عليه هو الّذي أخذته الغشوة فغابت حواسّه و أخذت عيناه تدوران، و السلق بالفتح فالسكون الضرب و الطعن.

و معنى الآيتين: إنّ الله ليعلم الّذين يثبّطون منكم الناس و يصرفونهم عن القتال و هم المنافقون و يعلم الّذين يقولون من المنافقين لإخوانهم من المنافقين أو ضعفة الإيمان تعالوا و أقبلوا و لا يحضرون الحرب إلّا قليلاً بخلاء عليكم بنفوسهم.

فإذا جاء الخوف بظهور مخائل القتال تراهم ينظرون إليك من الخوف نظراً لا إرادة لهم فيه و لا استقرار فيه لأعينهم تدور أعينهم كالمغشيّ عليه من الموت فإذا ذهب الخوف ضربوكم و طعنوكم بألسنة حداد قاطعة حال كونهم بخلاء على الخير الّذي نلتموه.

اُولئك لم يؤمنوا و لم يستقرّ الإيمان في قلوبهم و إن أظهروه في ألسنتهم فأبطل الله أعمالهم و أحبطها و كان ذلك على الله يسيراً.

قوله تعالى: ( يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا ) إلى آخر الآية، أي يظنّون من شدّة الخوف أنّ الأحزاب - و هم جنود المشركين المتحزّبون على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم

٣٠٤

يذهبوا بعد( وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ ) مرّة ثانية بعد ذهابهم و تركهم المدينة( يَوَدُّوا ) و يحبّوا( أَنَّهُمْ بادُونَ ) أي خارجون من المدينة إلى البدو( فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ ) و أخباركم( وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ ) و لم يخرجوا منها بادين( ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ) أي و لا كثير فائدة في لزومهم إيّاكم و كونهم معكم فإنّهم لن يقاتلوا إلّا قليلاً لا يعتدّ به.

قوله تعالى: ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) الاُسوة القدوة و هي الاقتداء و الاتّباع، و قوله:( فِي رَسُولِ اللهِ ) أي في مورد رسول الله و الاُسوة الّتي في مورده هي تأسّيهم به و اتّباعهم له و التعبير بقوله:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ ) الدالّ على الاستقرار و الاستمرار في الماضي إشارة إلى كونه تكليفاً ثابتاً مستمراً.

و المعنى: و من حكم رسالة الرسول و إيمانكم به أن تتأسّوا به في قوله و فعله و أنتم ترون ما يقاسيه في جنب الله و حضوره في القتال و جهاده في الله حقّ جهاده.

و في الكشّاف: فإن قلت: فما حقيقة قوله:( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ؟ و قرئ اُسوة بالضمّ. قلت: فيه وجهان: أحدهما أنّه في نفسه اُسوة حسنة أي قدوة و هو المؤتسى أي المقتدى به كما تقول: في البيضة عشرون منّا حديد أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد. و الثاني: أنّ فيه خصلة من حقّها أن يؤتسى بها و تتّبع و هي المواساة بنفسه انتهى و أوّل الوجهين قريب ممّا قدّمناه.

و قوله:( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) بدل من ضمير الخطاب في( لَكُمْ ) للدلالة على أنّ التأسّي برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصلة جميلة زاكية لا يتّصف بها كلّ من تسمّى بالإيمان، و إنّما يتّصف بها جمع ممّن تلبّس بحقيقة الإيمان فكان يرجو الله و اليوم الآخر أي تعلّق قلبه بالله فآمن به و تعلّق قلبه باليوم الآخر فعمل صالحاً و مع ذلك ذكر الله كثيراً فكان لا يغفل عن ربّه فتأسّى بالنبيّ في أفعاله و أعماله.

و قيل: قوله:( لِمَنْ كانَ ) إلخ، صلة لقوله:( حَسَنَةٌ ) أو صفة له للمنع عن الإبدال من ضمير الخطاب و مآل الوجوه الثلاثة بحسب المعنى واحد.

٣٠٥

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللهُ وَ رَسُولُهُ ) ، وصف لحال المؤمنين لمّا شاهدوا الأحزاب و نزول جيوشهم حول المدينة فكان ذلك سبب رشدهم و تبصّرهم في الإيمان و تصديقهم لله و لرسوله على خلاف ما ظهر من المنافقين و الّذين في قلوبهم مرض من الارتياب و سيّئ القول، و بذلك يظهر أنّ المراد بالمؤمنين المخلصون لإيمانهم بالله و رسوله.

و قوله:( قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَ رَسُولُهُ ) الإشارة بهذا إلى ما شاهدوه مجرّداً عن سائر الخصوصيّات، كما في قوله:( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) الأنعام: ٧٨.

و الوعد الّذي أشاروا إليه قيل: هو ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وعدهم أنّ الأحزاب سيتظاهرون عليهم فلمّا شاهدوهم تبيّن لهم أنّ ذلك هو الّذي وعدهم.

و قيل: إنّهم كانوا قد سمعوا قوله تعالى في سورة البقرة:( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) البقرة: ٢١٤ فتحقّقوا أنّهم سيصيبهم ما أصاب الأنبياء و المؤمنين بهم من الشدّة و المحنة الّتي تزلزل القلوب و تدهش النفوس فلمّا رأوا الأحزاب أيقنوا أنّه من الوعد الموعود و أنّ الله سينصرهم على عدوّهم.

و الحقّ هو الجمع بين الوجهين نظراً إلى جمعهم بين الله و رسوله في الوعد إذ قالوا: هذا ما وعدنا الله و رسوله.

و قوله:( وَ صَدَقَ اللهُ وَ رَسُولُهُ ) شهادة منهم على صدق الوعد، و قوله:( وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً ) أي إيماناً بالله و رسوله و تسليماً لأمر الله بنصرة دينه و الجهاد في سبيله.

قوله تعالى: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) ، قال الراغب: النحب النذر المحكوم بوجوبه، يقال: قضى فلان نحبه أي وفى بنذره قال تعالى:( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ) ،

٣٠٦

و يعبّر بذلك عمّن مات كقولهم: قضى أجله و استوفى اُكّله و قضى من الدنيا حاجته. انتهى.

و قوله:( صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) أي حقّقوا صدقهم فيما عاهدوه أن لا يفرّوا إذا لاقوا العدوّ، و يشهد على أنّ المراد بالعهد ذلك أنّ في الآية محاذاة لقوله السابق في المنافقين و الضعفاء الإيمان:( وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ) كما أنّ في الآية السابقة محاذاة لما ذكر سابقاً من ارتياب القوم و عدم تسليمهم لأمر الله.

و قوله:( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ ) إلخ، أي منهم من قضى أجله بموت أو قتل في سبيل الله و منهم من ينتظر ذلك و ما بدّلوا شيئاً ممّا كانوا عليه من قول أو عهد تبديلاً.

قوله تعالى: ( لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) اللّام للغاية و ما تتضمّنه الآية غاية لجميع من تقدّم ذكرهم من المنافقين و المؤمنين.

فقوله:( لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ) المراد بالصادقين المؤمنين و قد ذكر صدقهم قبل، و الباء في( بِصِدْقِهِمْ ) للسببيّة أي ليجزي المؤمنين الّذين صدقوا عهدهم بسبب صدقهم.

و قوله:( وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) أي و ليعذّب المنافقين إن شاء تعذيبهم و ذلك فيما لو لم يتوبوا أو يتوب عليهم إن تابوا إنّ الله كان غفوراً رحيماً.

و في الآية من حيث كونها بيان غاية نكتة لطيفة هي أنّ المعاصي ربّما كانت مقدّمة للسعادة و المغفرة لا بما أنّها معاص بل لكونها سائقة للنفس من الظلمة و الشقوة إلى حيث تتوحّش النفس و تتنبّه فتتوب إلى ربّها و تنتزع عن معاصيها و ذنوبها فيتوب الله عليها في الغاية.

قوله تعالى: ( وَ رَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَ كانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً ) الغيظ الغمّ و الحنق و المراد بالخير ما كان يعدّه

٣٠٧

الكفّار خيراً و هو الظفر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين.

و المعنى: و ردّ الله الّذين كفروا مع غمّهم و حنقهم و الحال أنّهم لم ينالوا ما كانوا يتمنّونه و كفى الله المؤمنين القتال فلم يقاتلوا و كان الله قويّاً على ما يريد عزيزاً لا يغلب.

قوله تعالى: ( وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ - إلى قوله -قَدِيراً ) المظاهرة المعاونة، و الصياصي جمع صيصية و هي الحصن الّذي يمتنع به و لعلّ التعبير بالإنزال دون الإخراج لأنّ المتحصّنين يصعدون بروج الحصون و يشرفون منها و من أعالي الجدران على أعدائهم في خارجها و محاصريهم.

و المعنى:( وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ ) أي عاونوا المشركين و هم بنو قريظة( مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) و هم اليهود( مِنْ صَياصِيهِمْ ) و حصونهم( وَ قَذَفَ ) و ألقى( فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ) و الخوف( فَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) و هم الرجال( وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً ) و هم الذراري و النساء( وَ أَوْرَثَكُمْ ) أي و ملّككم بعدهم( أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها ) و هي أرض خيبر أو الأرض الّتي أفاء الله ممّا لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و أمّا تفسيرها بأنّها كلّ أرض ستفتح إلى يوم القيامة أو أرض مكّة أو أرض الروم و فارس فلا يلائمه سياق الآيتين( وَ كانَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً ) .

( بحث روائي)

في المجمع، ذكر محمّد بن كعب القرظيّ و غيره من أصحاب السير قالوا: كان من حديث الخندق أنّ نفراً من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق و حيّي بن أخطب في جماعة من بني النضير الّذين أجلاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرجوا حتّى قدموا على قريش بمكّة فدعوهم إلى حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قالوا: إنّا سنكون معكم عليهم حتّى نستأصلهم.

فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأوّل فديننا خير أم دين محمّد؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه فأنتم أولى بالحقّ منه فهم الّذين أنزل الله فيهم( أَ لَمْ تَرَ

٣٠٨

إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى‏ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا - إلى قوله -وَ كَفى‏ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) فسّر قريشاً ما قالوا و نشطوا لما دعوهم إليه فأجمعوا لذلك و اتّعدوا له.

ثمّ خرج اُولئك النفر من اليهود حتّى جاؤا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أخبروهم أنّهم سيكونون عليه و أنّ قريشاً قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم.

فخرجت قريش و قائدهم أبوسفيان بن حرب، و خرجت غطفان و قائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر في فزارة و الحارث بن عوف في بني مرّة و مسعر بن جبلة الأشجعيّ فيمن تابعه من الأشجع و كتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل طليحة فيمن اتّبعه من بني أسد و هما حليفان أسد و غطفان و كتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلميّ فيمن اتّبعه من بني سليم مدداً لقريش.

فلمّا علم بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب الخندق على المدينة و كان الّذي أشار إليه سلمان الفارسي و كان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يومئذ حرّ قال: يا رسول الله إنّا كنّا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المسلمون حتّى أحكموه.

فممّا ظهر من دلائل النبوّة في حفر الخندق‏ ما رواه أبوعبدالله الحافظ بإسناده عن كثير بن عبدالله بن عمر بن عوف المزنيّ قال: حدّثني أبي عن أبيه قال: خطّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخندق عام الأحزاب أربعين ذراعاً بين عشرة فاختلف المهاجرون و الأنصار في سلمان الفارسيّ و كان رجلاً قويّاً فقال الأنصار: سلمان منّا، و قال المهاجرون: سلمان منّا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سلمان منّا أهل البيت.

قال عمرو بن عوف: فكنت أنا و سلمان و حذيفة بن اليمان و النعمان بن مقرّن و ستّة من الأنصار نقطع أربعين ذراعاً، فحفرنا حتّى إذا بلغنا الثرى أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة فكسرت حديدنا و شقّت علينا فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره عن الصخرة، فأمّا أن نعدل عنها فإنّ المعدل قريب و

٣٠٩

إمّا أن يأمرنا فيه بأمره فإنّا لا نحبّ أن نجاوز خطّه، فرقي سلمان حتّى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو مضروب عليه قبّة فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء من الخندق مدوّرة فكسرت حديدنا و شقّت علينا حتّى ما يحكّ فيها قليل و لا كثير فمرنا فيها بأمرك فهبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع سلمان في الخندق و أخذ المعول و ضرب بها ضربة فلمعت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها يعني لابتي المدينة حتّى لكان مصباحاً في جوف ليل مظلم فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكبيرة فتح فكبّر المسلمون ثمّ ضرب ضربة اُخرى فلمعت برقة اُخرى ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اُخرى.

فقال سلمان: بأبي أنت و اُمّي يا رسول الله ما هذا الّذي أرى؟ فقال: أمّا الاُولى فإنّ الله عزّوجلّ فتح عليّ بها اليمن و أمّا الثانية فإنّ الله فتح عليّ بها الشام و المغرب و أمّا الثالثة فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق فاستبشر المسلمون بذلك و قالوا: الحمد لله موعد صادق.

قال: و طلعت الأحزاب فقال المؤمنون: هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله، و قال المنافقون: ألا تعجبون؟ يحدّثكم و يعدكم الباطل و يخبركم أنّه يبصر في يثرب قصور الحيرة و مدائن كسرى و أنّها تفتح لكم و أنتم تحفرون الخندق و لا تستطيعون أن تبرزوا.(١)

و ممّا ظهر فيه أيضاً من آيات النبوّة ما رواه أبوعبدالله الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن أيمن المخزوميّ قال حدّثني، أيمن المخزوميّ قال: سمعت جابر بن عبدالله قال: كنّا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية و هي الجبل فقلنا: يا رسول الله إنّ كدية عرضت فيه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رشّوا عليها ماء ثمّ قام و أتاها و بطنه معصوب الحجر(٢) من الجوع فأخذ المعول أو المسحاة فسمّى ثلاثاً ثمّ ضرب فعادت كثيباً(٣) أهيل فقلت: ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل ففعل فقلت للمرأة هل عندك من شي‏ء؟

____________________

(١) أي تقضوا حاجتكم بالتخلّي.

(٢) الحجر حضن الإنسان و هو ما دون الإبط إلى الكشح.

(٣) أي تلا من الرمل.

٣١٠

فقالت: عندي صاع من شعير و عناق(١) فطحنت الشعير فعجنته و ذبحت العناق و سلختها و خلّيت بين المرأة و بين ذلك.

ثمّ أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلست عنده ساعة ثمّ قلت: ائذن لي يا رسول الله ففعل فأتيت المرأة فإذا العجين و اللحم قد أمكنا فرجعت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: إنّ عندنا طعيماً لنا فقم يا رسول الله أنت و رجلان من أصحابك فقال: و كم هو؟ فقلت: صاع من شعير و عناق فقال للمسلمين جميعاً: قوموا إلى جابر فقاموا فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلّا الله فقلت: جاء بالخلق إلى صاع شعير و عناق.

فدخلت على المرأة و قلت قد افتضحت جاءك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخلق أجمعين فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ قلت: نعم. فقالت: الله و رسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا فكشفت عنّي غمّاً شديداً.

فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: خذي و دعيني من اللّحم فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثرد و يفرّق اللّحم ثمّ يحمّ هذا و يحمّ هذا فما زال يقرّب إلى الناس حتّى شبعوا أجمعين و يعود التنّور و القدر أملأ ما كانا.

ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلي و أهدي فلم نزل نأكل و نهدي قومنا أجمع أورده البخاريّ في الصحيح.

قالوا: و لمّا فرغ رسول الله من الخندق أقبلت قريش حتّى نزلت بين الجرف(٢) و الغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم و من تابعهم من بني كنانة و أهل تهامة، و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل نجد حتّى نزلوا إلى جانب اُحد، و خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المسلمون حتّى جعلوا ظهورهم إلى سلع(٣) في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره و الخندق بينه و بين القوم و أمر بالذراري و النساء فرفعوا في الآطام(٤) .

____________________

(١) الأنثى من أولاد المعز.

(٢) مكان خارج المدينة.

(٣) جبل بالمدينة.

(٤) حصون لأهل المدينة.

٣١١

و خرج عدوّ الله حيّي بن أخطب النضيري حتّى أتى كعب بن أسد القرظيّ صاحب بني قريظة و كان قد وادع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قومه و عاهده على ذلك فلمّا سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه. فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه يا كعب افتح لي فقال: ويحك يا حيّي إنّك رجل مشؤم، إنّي قد عاهدت محمّداً و لست بناقض ما بيني و بينه، و لم أر منه إلّا وفاء و صدقاً. قال: ويحك افتح لي حتّى اُكلّمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: إن أغلقت دوني إلّا على جشيشة تكره أن آكل منها معك.

فأحفظ(١) الرجل ففتح له فقال: ويحك يا كعب جئتك بعزّ الدهر و ببحر طامّ(٢) جئتك بقريش على قادتها و سادتها و بغطفان على سادتها و قادتها قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتّى يستأصلوا محمّداً و من معه. فقال كعب: جئتني و الله بذلّ الدهر بجهام(٣) قد أهراق ماءه يرعد و يبرق و ليس فيه شي‏ء فدعني و محمّداً و ما أنا عليه فلم أر من محمّد إلّا صدقاً و وفاء.

فلم يزل حيّي بكعب يفتل منه في الذروة(٤) و الغارب حتّى سمح له على أن أعطاه عهداً و ميثاقاً لئن رجعت قريش و غطفان و لم يصيبوا محمّداً أن أدخل معك في حصنك حتّى يصيبني ما أصابك فنقض كعب عهده و برى‏ء ممّا كان عليه فيما بينه و بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فلمّا انتهى الخبر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أحد بني عبد الأشهل و هو يومئذ سيّد الأوس و سعد بن عبادة أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج و هو يومئذ سيّد الخزرج و معهما عبدالله بن رواحة و خوّات بن جبير فقال: انطلقوا حتّى تنظروا أ حقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن‏ كان

____________________

(١) أحفظ الرجل: أغضبه.

(٢) الطام: البحر العظيم.

(٣) السحاب الّذي لا ماء فيه.

(٤) الذروة و الغارب أعلى الشي‏ء و أصله مثل مأخوذ من فتل ذروة البعير المصعب و غاربه لوضع الخطام في أنفه.

٣١٢

حقّاً فالحنوا لنا لحناً نعرفه و لا تفتّوا أعضاد الناس و إن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس.

و خرجوا حتّى أتوهم فوجدوهم على أخبث ممّا بلغهم عنهم. قالوا: لا عقد بيننا و بين محمّد و لا عهد، فشاتمهم سعد بن عبادة و شاتموه، و قال سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم فإنّ ما بيننا و بينهم أعظم من المشاتمة.

ثمّ أقبلوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قالوا: عضل و القارة - لغدر عضل و القارة بأصحاب رسول الله خبيب بن عديّ و أصحابه أصحاب الرجيع - فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين، و عظم عند ذلك البلاء و اشتدّ الخوف و أتاهم عدوّهم من فوقهم و من أسفل منهم حتّى ظنّ المؤمنون كلّ ظنّ و ظهر النفاق من بعض المنافقين.

فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أقام المشركون عليه بضعاً و عشرين ليلة لم يكن بينهم قتال إلّا الرمي بالنبال إلّا أنّ فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ أخو بني عامر بن لويّ و عكرمة بن أبي جهل و ضرار بن الخطّاب و هبيرة بن أبي وهب و نوفل بن عبدالله قد تلبّسوا للقتال و خرجوا على خيولهم حتّى مرّوا بمنازل بني كنانة فقالوا: تهيّؤا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان؟

ثمّ أقبلوا تعنق(١) بهم خيولهم حتّى وقفوا على الخندق فقالوا: و الله إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثمّ تيمّموا مكاناً ضيّقاً من الخندق فضربوا خيولهم فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق و سلع و خرج عليّ بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتّى أخذ عليهم الثغرة الّتي منها اقتحموا و أقبلت الفرسان نحوهم.

و كان عمرو بن عبد ودّ فارس قريش و كان قد قاتل يوم بدر حتّى ارتثّ و أثبته الجراح و لم يشهد اُحداً فلمّا كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده، و كان يعدّ بألف فارس و كان يسمّى فارس يليل لأنّه أقبل في ركب من قريش حتّى إذا كانوا بيليل و هو واد قريب من بدر عرضت لهم بنو بكر في عدد فقال لأصحابه: امضوا فمضوا فقام في وجوه بني بكر حتّى منعهم أن يصلوا إليه فعرف بذلك.

____________________

(١) أعنق به فرسه: سار به سيراً واسعا فسيحاً مسيطراً ممتداً.

٣١٣

و كان اسم الموضع الّذي حفر فيه الخندق المُذاد و كان أوّل من طفره عمرو و أصحابه فقيل في ذلك:

عمرو بن عبد كان أوّل فارس

جزع المذاد و كان فارس يليل

و ذكر ابن إسحاق أنّ عمرو بن عبد ودّ كان ينادي: من يبارز؟ فقام عليّ و هو مقنّع في الحديد فقال: أنا له يا نبيّ الله، فقال: إنه عمرو اجلس. و نادى عمرو: أ لا رجل؟ و هو يؤنّبهم و يقول: أين جنّتكم الّتي تزعمون أنّ من قتل منكم دخلها؟ فقام عليّ فقال: أنا له يا رسول الله. ثمّ نادى الثالثة فقال:

و لقد بححت عن النداء

بجمعكم هل من مبارز

و وقفت إذ جبن المشجّع

موقف البطل المناجز

إنّ السماحة و الشجاعة في

الفتى خير الغرائز

فقام عليّ فقال: يا رسول الله أنا له، فقال: إنّه عمرو، فقال: و إن كان عمراً فاستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأذن له.

قال ابن إسحاق: فمشى إليه و هو يقول:

لا تعجلنّ فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذو نيّة و بصيرة

و الصدق منجي كلّ فائز

إنّي لأرجو أن اُقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى

ذكرها عند الهزاهز

قال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا عليّ. قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف. فقال: غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسنّ منك فإنّي أكره أن اُهريق دمك. فقال عليّ: لكنّي و الله ما أكره أن اُهريق دمك. فغضب و نزل و سلّ سيفه كأنّه شعلة نار ثمّ أقبل نحو عليّ مغضباً فاستقبله عليّ بدرقته(١) فضربه عمرو بالدرقة فقدّها و أثبت فيها السيف و أصاب رأسه فشجّه، و ضربه عليّ على حبل العاتق فسقط.

____________________

(١) الدرقة: الجنّة.

٣١٤

و في رواية حذيفة: و تسيّف علىّ رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه و ثارت بينهما عجاجة فسمع عليّ يكبّر فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قتله و الّذي نفسي بيده فكان أوّل من ابتدر العجاج عمرو بن الخطّاب و قال: يا رسول الله قتله فجزّ علىّ رأسه و أقبل نحو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و وجهه يتهلّل.

قال حذيفة: فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبشر يا عليّ فلو وزن اليوم عملك بعمل اُمّة محمّد لرجح عملك بعملهم و ذلك أنّه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلّا و قد دخله وهن بقتل عمرو، و لم يبق بيت من بيوت المسلمين إلّا و قد دخله عزّ بقتل عمرو.

و عن الحاكم أبي القاسم أيضاً بالإسناد عن سفيان الثوريّ عن زبيد الثاني عن مرّة عن عبدالله بن مسعود قال: كان يقرأ( وَ كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) بعليّ.

و خرج أصحابه منهزمين حتّى طفرت خيولهم الخندق و تبادر المسلمون فوجدوا نوفل بن عبد العزّى جوف الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم: قتلة أجمل من هذه ينزل بعضكم اُقاتله فقتله الزبير بن العوّام، و ذكر ابن إسحاق: أنّ عليّاً طعنة في ترقوته حتّى أخرجها من مراقه فمات في الخندق.

و بعث المشركون إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال النبيّ: هو لكم لا نأكل ثمن الموتى، و ذكر عليّ أبياتاً منها:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

و نصرت ربّ محمّد بصواب

فضربته و تركته متجدّلا

كالجذع بين دكادك و رواب

و عففت عن أثوابه لو أنّني

كنت المقطّر بزّني أثوابي

قال ابن إسحاق: و رمى حنان بن قيس بن العرفة سعد بن معاذ بسهم و قال: خذها و أنا ابن العرفة فقطع أكحله فقال سعد: عرف الله وجهك في النار اللّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنّه لا قوم أحبّ إليّ أن اُجاهد من قوم آذوا رسولك و كذّبوه و أخرجوه، و إن كنت وضعت الحرب بيننا و بينهم فاجعله لي شهادة و لا تمتني حتّى تقرّ عيني من بني قريظة.

قال: و جاء نعيم بن مسعود الأشجعيّ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله

٣١٥

إنّي قد أسلمت و لم يعلم بي أحد من قومي فمرني بأمرك فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنّا ما استطعت فإنّما الحرب خدعة.

فانطلق نعيم بن مسعود حتّى أتى بني قريظة فقال لهم: إنّي لكم صديق، و الله ما أنتم و قريش و غطفان من محمّد بمنزلة واحدة إنّ البلد بلدكم و به أموالكم و أبناؤكم و نساؤكم و إنّما قريش و غطفان بلادهم غيرها و إنّما جاؤا حتّى نزلوا معكم فإن رأوا فرصة انتهزوها و إن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم و خلّوا بينكم و بين الرجل و لا طاقة لكم به فلا تقاتلوا حتّى تأخذوا رهنا من أشرافهم تستوثقون به أن لا يبرحوا حتّى يناجزوا محمّداً. فقالوا له: قد أشرت برأي.

ثمّ ذهب فأتى أباسفيان و أشراف قريش فقال: يا معشر قريش إنّكم قد عرفتم ودّي إيّاكم و فراقي محمّداً و دينه و إنّي قد جئتكم بنصيحة فاكتموا عليّ. فقالوا: نفعل ما أنت عندنا بمتّهم. قال: تعلمون أنّ بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا بينهم و بين محمّد فبعثوا إليه أنّه لا يرضيك عنّا إلّا أن نأخذ من القوم رهنا من أشرافهم و ندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ثمّ نكون معك عليهم حتّى نخرجهم من بلادك. فقال: بلى فإن بعثوا إليكم يسألونك نفراً من رجالكم فلا تعطوهم رجلاً واحداً و احذروا.

ثمّ جاء غطفان و قال: يا معشر غطفان إنّي رجل منكم، ثمّ قال لهم ما قال لقريش.

فلمّا أصبح أبو سفيان و ذلك يوم السبت في شوّال سنة خمس من الهجرة بعث إليهم أبوسفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش أنّ أباسفيان يقول لكم: يا معشر اليهود إنّ الكراع و الخفّ قد هلكاً و إنّا لسناً بدار مقام فاخرجوا إلى محمّد حتّى نناجزه.

فبعثوا إليه أنّ اليوم السبت و هو يوم لا نعمل فيه شيئاً و لسناً مع ذلك بالّذين نقاتل معكم حتّى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم لا تذهبوا و تدعونا حتّى نناجز محمّداً.

فقال أبوسفيان: و الله لقد حذّرنا هذا نعيم فبعث إليهم أبوسفيان: إنّا لا نعطيكم رجلاً واحداً فإن شئتم أن تخرجوا و تقاتلوا و إن شئتم فاقعدوا، فقالت اليهود: هذا

٣١٦

و الله الّذي قال لنا نعيم. فبعثوا إليهم إنّا و الله لا نقاتل حتّى تعطونا رهنا، و خذل الله بينهم و بعث سبحانه عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد حتّى انصرفوا راجعين.

قال محمّد بن كعب قال حذيفة بن اليمان و الله لقد رأيتنا يوم الخندق و بنا من الجهد و الجوع و الخوف ما لا يعلمه إلّا الله و قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ما شاء الله من الليل ثمّ قال: أ لا رجل يأتينا بخبر القوم يجعله الله رفيقي في الجنّة. قال حذيفة: فوالله ما قام منّا أحد ممّا بنا من الخوف و الجهد و الجوع، فلمّا لم يقم أحد دعاني فلم أجد بدّاً من إجابته. قلت: لبيّك قال: اذهب فجي‏ء بخبر القوم و لا تحدثنّ شيئاً حتّى ترجع.

قال: و أتيت القوم فإذا ريح الله و جنوده تفعل بهم ما تفعل ما يستمسك لهم بناء و لا تثبت لهم نار و لا يطمئنّ لهم قدر فإنّي لكذلك إذ خرج أبوسفيان من رحله ثمّ قال: يا معشر قريش لينظر أحدكم من جليسه؟ قال حذيفة: فبدأت بالّذي عن يميني فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان.

ثمّ عاد أبوسفيان براحلته فقال: يا معشر قريش و الله ما أنتم بدار مقام هلك الخفّ و الحافر و أخلفتنا بنو قريظة و هذه الريح لا يستمسك لنا معها شي‏ء ثمّ عجّل فركب راحلته و إنّها لمعقولة ما حلّ عقالها إلّا بعد ما ركبها.

قال: قلت في نفسي: لو رميت عدوّ الله و قتلته كنت قد صنعت شيئاً فوترت قوسي ثمّ وضعت السهم في كبد القوس و أنا اُريد أن أرميه فأقتله فذكرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تحدثنّ شيئاً حتّى ترجع. قال فحططت القوس ثمّ رجعت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يصلّي فلمّا سمع حسّي فرّج بين رجليه فدخلت تحته، و أرسل علىّ طائفة من(١) مرطة فركع و سجد ثمّ قال: ما الخبر؟ فأخبرته.

و عن سليمان بن صرد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أجلى عنه الأحزاب: الآن نغزوهم و لا يغزوننا فكان كما قال فلم يغزهم قريش بعد ذلك و كان هو يغزوهم حتّى

____________________

(١) كساء من صوف و نحوه يؤتزر به.

٣١٧

فتح الله عليهم مكّة.

أقول: هذا ما أورده الطبرسيّ في مجمع البيان، من القصّة أوردناه ملخّصاً و روى القمّيّ في تفسيره، قريباً منه و أورده في الدرّ المنثور، في روايات متفرّقة.

و في المجمع، أيضاً روى الزهريّ عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: لمّا انصرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخندق و وضع عنه اللأمة و اغتسل و استحمّ تبدّي له جبريل فقال: عذيرك من محارب أ لا أراك أن قد وضعت عنك اللأمة و ما وضعناها بعد.

فوثب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فزعاً فعزم على الناس أن لا يصلّوا صلاة العصر حتّى يأتوا قريظة فلبس الناس السلاح فلم يأتوا بني قريظة حتّى غربت الشمس و اختصم الناس فقال بعضهم: إنّ رسول الله عزم علينا أن لا نصلّي حتّى نأتي قريظة فإنّما نحن في عزمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليس علينا إثم، و صلّى طائفة من الناس احتساباً و تركت طائفة منهم الصلاة حتّى غربت الشمس فصلّوها حين جاؤا بني قريظة احتساباً فلم يعنف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحداً من الفريقين.

و ذكر عروة أنّه بعث عليّ بن أبي طالب على المقدّم و دفع إليه اللواء و أمره أن ينطلق حتّى يقف بهم على حصن بني قريظة ففعل و خرج رسول الله على آثارهم فمرّ على مجلس من الأنصار في بني غنم ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فزعموا أنّه قال: مرّ بكم الفارس آنفاً فقالوا: مرّ بنا دحية الكلبيّ على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس ذلك بدحية و لكنّه جبرائيل اُرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم و يقذف في قلوبهم الرعب.

قالوا: و سار عليّ حتّى إذا دنا من الحصن سمع منهم مقالة قبيحة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجع حتّى لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطريق فقال: يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال: أظنّك سمعت لي منهم أذى؟ فقال: نعم يا رسول الله فقال: لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً، فلمّا دنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حصونهم قال: يا إخوة القردة و الخنازير! هل أخزاكم الله و أنزل بكم نقمته؟ فقالوا: يا أبالقاسم ما كنت جهولاً.

٣١٨

و حاصرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمساً و عشرين ليلة حتّى أجهدهم الحصار و قذف الله في قلوبهم الرعب، و كان حيّي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش و غطفان فلمّا أيقنوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير منصرف عنهم حتّى يناجزهم قال كعب بن أسد: يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون و إنّي عارض عليكم خلالاً ثلاثاً فخذوا أيّها شئتم قالوا: ما هنّ؟.

قال: نبايع هذا الرجل و نصدّقه فوالله لقد تبيّن لكم أنّه نبيّ مرسل و أنّه الّذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دمائكم و أموالكم و نسائكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً، و لا نستبدل به غيره.

قال: فإذا أبيتم عليّ هذا فهلمّوا فلنقتل أبناءنا و نساءنا ثمّ نخرج إلى محمّد رجالاً مصلتين بالسيوف و لم نترك وراءنا ثقلاً يهمّنا حتّى يحكم الله بيننا و بين محمّد فإن نهلك نهلك و لم نترك وراءنا نسلاً يهمّنا و إن نظهر لنجدنّ النساء و الأبناء. فقالوا: نقتل هؤلاء المساكين؟ فما خير في العيش بعدهم.

قال: فإن أبيتم عليّ هذه فإنّ الليلة ليلة السبت و عسى أن يكون محمّد و أصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا فلعلّنا نصيب منهم غرّة. فقالوا: نفسد سبتنا؟ و نحدث فيه ما أحدث من كان قبلنا فأصابهم ما قد علمت من المسخ؟ فقال: ما بات رجل منكم منذ ولدته اُمّه ليلة واحدة من الدهر حازماً.

قال الزهريّ: و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سألوه أن يحكّم فيهم رجلاً: اختاروا من شئتم من أصحابي، فاختاروا سعد بن معاذ فرضي بذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسلاحهم فجعل في قبّته و أمر بهم فكتّفوا و اُوثقوا و جعلوا في دار اُسامة، و بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى سعد بن معاذ فجي‏ء به فحكم فيهم بأن يقتل مقاتلوهم و تسبى ذراريهم و نساؤهم و تغنم أموالهم و أنّ عقارهم للمهاجرين دون الأنصار و قال للأنصار: إنّكم ذو عقار و ليس للمهاجرين عقار، فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قال لسعد: لقد حكمت فيهم بحكم الله عزّوجلّ، و في بعض الروايات: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة و أرقعة جمع رقيع اسم سماء الدنيا.

٣١٩

فقتل رسول الله مقاتليهم، و كانوا فيما زعموا: ستّمائة مقاتل، و قيل: قتل منهم أربعمائة و خمسين رجلاً و سبى سبعمائة و خمسين، و روي أنّهم قالوا لكعب بن أسد و هم يذهب بهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرسالاً: يا كعب ما ترى يصنع بنا؟ فقال كعب: أ في كلّ موطن تقولون؟ أ لا ترون أنّ الداعي لا ينزع و من يذهب منكم لا يرجع هو و الله القتل.

و اُتي بحيّي بن أخطب عدوّ الله عليه حلّة فاختيّة قد شقّها عليه من كلّ ناحية كموضع الأنملة لئلّا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلمّا بصر برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أما و الله ما لمت نفسي على عداوتك و لكنّه من يخذل الله يخذل ثمّ قال: يا أيّها الناس إنّه لا بأس بأمر الله كتاب الله و قدرة ملحمة كتبت على بني إسرائيل ثمّ جلس فضرب عنقه.

ثمّ قسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءهم و أبناءهم و أموالهم على المسلمين و بعث بسبايا منهم إلى نجد مع سعد بن زيد الأنصاريّ فابتاع بهم خيلاً و سلاحاً، قالوا: فلمّا انقضى شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ فرجّعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خيمته الّتي ضربت عليه في المسجد.

و روي عن جابر بن عبدالله قال: جاء جبرائيل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: من هذا العبد الصالح الّذي مات فتحت له أبواب السماء و تحرّك له العرش فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا سعد بن معاذ قد قبض.

أقول: و روى القصّة القمّيّ في تفسيره، مفصّلة و فيه: فأخرج كعب بن اُسيد مجموعة يداه إلى عنقه فلمّا نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له: يا كعب أ ما نفعك وصيّة ابن الحواس الحبر الذكيّ الّذي قدم عليكم من الشام فقال: تركت الخمر و الخمير و جئت إلى البؤس و التمور لنبيّ يبعث مخرجه بمكّة و مهاجرته في هذه البحيرة يجتزي بالكسيرات و التميرات، و يركب الحمار العريّ، في عينيه حمرة، و بين كتفيه خاتم النبوّة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ و الحافر فقال قد كان ذلك يا محمّد و لو لا أنّ اليهود يعيّروني أنّي جزعت عند القتل لآمنت

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425