الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128775 / تحميل: 6816
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الحركات الرجعيّة

1

7

الجهميّة

قد عرفت أنّ المتّهمين بالقدرية كانوا دعاة الحرّية، لا نُفاة القضاء والقدر، بل كانوا قائلين بأنّه سبحانه تبارك وتعالى قدّر وقضى، ومع ذلك، لم يسلب الاختيار عن الإنسان، فخيّره بين الإيمان والكفر، بين الخير والشّر، فلو قدّر الخير فلعلم منه بأنّه يختار الخير عن اختيار، أو قدّر الشر فلعلم منه أنّ الفاعل يختار الشر كذلك، وهو نفس صميم الإسلام ولبّه، قال سبحانه: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ ) (1) .

لكن ظهرت في القرن الثاني والثالث حركات رجعيّة استهدفت أركان الإسلام والعودة بالأُمّة إلى الأفكار الجاهلية الّتي سادت قبل الإسلام، من القول بالجبر والتجسيم، وإليك أبرز ممثّلي هذه الحركات الرجعية.

____________________

(1) الكهف: 29.

٨١

الجهميّة:

إنّ سمات الجهميّة، هي: القول بالجبر والتعطيل، أسّسها جهم بن صفوان السمرقندي (المتوفّى 128هـ).

قال الذهبي: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهميّة في زمان صغار التابعين، وما علِمْته روى شيئاً، لكنّه زرع شرّاً عظيماً.

وقال المقريزي: الجهميّة،أتباع جهم بن صفوان الترمذي، مولى راسب، وقُتل في آخر دولة بني أُميّة، وتتلخّص عقائده في الأُمور التالية:

1 - ينفي الصفات الإلهيّة كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خَلْقه.

2 - إنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة.

3 - إنّ الجنّة والنّار يفنيان، وتنقطع حركات أهلهما.

4 - إنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر؛ لأنّ العلم لا يزول بالصمت، وهو مؤمن مع ذلك.

وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.

5 - وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.

6 - وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (1)

____________________

(1). الخطط المقريزيّة: 3/349، ولاحظ: ص351.

٨٢

أقول: الظاهر أنّ قاعدة مذهبه أمران:

الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه، ويُطْلق على أتباعه الجبريّة الخالصة، في مقابل غير الخالص منها.

الثاني: تعطيل ذاته سبحانه، عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة.

وأمّا غير هذين الأمرين فمشكوك جداً.

التطورات الّتي مرّ بها مفهوم الجهمي:

لمّا كان نفي الصفات عن الله والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ممّا نسب إلى منهج الجهم، صار لفظ الجهمي رمزاً لكلِّ من قال بأحد هذه الأُمور، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر؛ ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة ويراد بها المعتزلة أو القدريّة، يقول أحد بن حنبل:

والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. (1)

____________________

(1) السنّة: 49.

٨٣

الحركات الرجعيّة

2

8

المجسّمة

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد، والبرهان عن التفكير، ألحق أضراراً جسيمة بالمجتمع الإسلامي، حيث ظهرت فيه حركات هدّامة ترمي إلى تقويض الأُسس الدينية والأخلاقيّة.

ومن تلك الحركات المجسّمة؛ الّتي رفع لواءها مقاتل بن سليمان المجسم (1) (المتوفّى عام 150هـ)، ونشر أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثالث، فهو وجهم بن صفوان، مع تشاطرهما في دفع الأُمّة الإسلامية إلى حافة الجاهلية،على طرفي نقيض في مسألة التنزيه والتشبيه.

____________________

(1) مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدّث بها، وتوفّي بالبصرة، كان متروك الحديث، من كتبه (التفسير الكبير)، و(نوادر التفسير)، و(الرّد على القدريّة)، و(متشابه القرآن)، و(الناسخ والمنسوخ)، و(القراءات)، و(الوجوه والنظائر)، [الأعلام: 7/281].

٨٤

أمّا صفوان، فقد بالغ في التنزيه حتّى عطّل وصف ذاته بالصفات.

وأمّا مقاتل، فقد أفرط في التشبيه فصار مجسّماً، وقد نقل المفسرون آراء مقاتل في كتب التفاسير.

فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق.

قال ابن حبّان: كان يأخذ من اليهود والنصارى - في علم القرآن - الّذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.

وقال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه. (1)

____________________

(1) لاحظ: ميزان الاعتدال، 4/173. وراجع تاريخ بغداد، 13/166.

٨٥

الحركات الرجعية

3

9

الكرّاميّة

وهذه الفرقة منسوبة إلى محمد بن كرام السجستاني (المتوفّى عام 255هـ) شيخ الكرامية.

قال الذهبي: ساقط الحديث على بدعته، أكَثَر عن أحمد الجويباري، ومحمد بن تميم السعدي؛ وكانا كذّابين.

وقال ابن حبّان: خذل، حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها... وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة.

وقال ابن حزم: قال ابن كرام: الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه، فهو مؤمن. ومن بِدَع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام، وقد سقت أخبار ابن كرّام في تاريخي الكبير، وله أتباع ومؤيّدون، وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثُمَّ أُخرج وسار

٨٦

إلى بيت المقدس، ومات بالشام سنة 255هـ. (1)

إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات أُخر، ذكرها البغدادي، وقد بلغت جُرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النبي أخطأ في تبليغ قوله[ تعالى]: ( وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى ) ، حتّى قال بعده: (تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتها لترتجى). (2)

مع أنّ قصة الغرانيق أُقصوصة ابتدعها قوم من أهل الضلالة، وقد أوضحنا حالها في كتابنا (سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم».

ونكتفي بهذا النزر في بيان عقائدهم، وكلّها وليد إقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد، والاكتفاء بالروايات مع ما فيها من أباطيل وترّهات وضعها الأعداء واختلقتها الأهواء، فهي من أسوأ الحركات الرجعيّة الظاهرة في أواسط القرن الثالث.

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 4/21.

(2) الفرق بين الفِرق: 222.

٨٧

الحركات الرّجعيّة

4

10

الظاهرية

وهذا المذهب منسوب إلى داود بن علي الأصفهاني الظاهري (200 - 270هـ).

وقد أسّس مذهباً في الفروع، فالمصدر الأصلي في الفقه عنده هو النصوص، بلا رأي في حكم من أحكام الشرع، فهم يأخذون بالنصوص وحدها، فإذا لم يكن بالنص، أخذوا بالإباحة الأصليّة.

ما هو السبب لظهور هذا المذهب؟

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى، لأنّ أساسه هو التعبُّد بالنصوص، وعدم الإفتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة، لكن الجمود على حرفيّة النصوص شيء، والتعبّد بالنصوص وعدم الإفتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيّين شيء آخر،

٨٨

فالظاهرية على الأوّل، والفقهاء على الثاني، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين:

1 - إنّ الشكّل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروري الإنتاج، من غير فرق بين الأُمور التكوينيّة أو الأحكام الشرعيّة؛ فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتمية لقولنا: العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث، فهكذا الحكم بحرمة كلّ مسكر، نتيجة قطعيّة لقولنا: الفقاع مسكر، وكل مسكر حرام، فالفقاع حرام؛ لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين، ولكن لا يفتي بالنتيجة؛ بحجة أنّها غير مذكورة في النصوص.

2 - ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب، وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب، لكنّه من اللوازم البيّنة له، بحيث يتبادر إلى الذّهن من سماعه، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله: ( فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍ ) (1) ، يتوجّه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى، ولكن الفقيه الظاهري يأبى عن الأخذ به بحجّة كونه غير منصوص.

قال سبحانه: ( قُل لِلّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنّتُ الْأَوّلِينَ ) (2) .

فالموضوع للحكم (مغفرة ما سلف عند الانتهاء)؛ وإن كان هو الكافر، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر، لازم لهذا الحكم بالضرورة، وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد، ولكنّ الظاهري يتركه؛ بحجة أنّه غير مذكور في النص.

____________________

(1) الإسراء: 23.

(2) الأنفال: 38.

٨٩

وهذا النوع من الجمود يجعل النصوص غير كافلة لاستخراج الفروع الكثيرة، وتصبح الشريعة ناقصة من حيث التشريع والتقنين، وغير صالحة لجميع الأجيال والعصور، وفاقدة للمرونة اللازمة الّتي عليها أساس خاتميّة نبوّة نبيّناً محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكتابه وسنّته.

ثمَّ إنّ الاكتفاء بظاهر الشريعة؛ وأخذ الأحكام من ظواهر النصوص؛ له تفسيران: أحدهما صحيح جداً، والآخر باطل، فإن أُريد منه نفي الظنون؛ الّتي لم يدلّ على صحة الاحتجاج بها دليل، فهو نفس نص الكتاب العزيز، قال سبحانه: ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (1) ، فالشيعة الإماميّة، وبفضل النصوص الوافرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتّصلة اسنادها إلى الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، استطاعت أن تستخرج أحكام الحوادث والموضوعات الكثيرة منها، وامتنعت عن العمل بالقياس والاستحسان وغيرهما من الأدلّة الظنية؛ الّتي لم يقم الدليل القطعي على صحّة الاحتجاج بها، بل قام الدليل على حرمة العمل على بعضها، كالقياس، وقد ورد في نصوص أئمتهم (عليهم السلام): «إنّ السنّة إذا قيست مُحق الدين» (2) .

وإن أُريد بها لوازم الخطاب؛ أي ما يكون في نظر العقلاء، كالمذكور أخذاً بقولهم: (الكناية أبلغ من التصريح)، ويكون التفكيك بينهما أمراً غير صحيح، فليس ذلك عملاً بغير المنصوص. نعم ليس عملاً بالظاهر الحرفي، ولكنّه عمل بها بما يفهمه المخاطبون بها.

____________________

(1) يونس: 59.

(2) الوسائل: 18، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

٩٠

أُفول نجمه:

إنّ هذا المذهب لأجل حرفيته قد أفل نجمه بسرعة.

نعم قد تبعه فقيه آخر باسم ابن حزم (384 - 458هـ)، وأعاد هذا المذهب إلى الساحة، وألّف حوله كتباً ورسائل، وخدمه بالتآليف التالية:

1 - الإحكام في أُصول الأحكام: بيّن فيه أُصول المذهب الظاهري.

2 - النُّبَذ: وهو خلاصة ذلك الكتاب.

3 - المحلّى: وهو كتاب كبير نشر في عشرة أجزاء، جمع أحاديث الأحكام وفقه علماء الأمصار، طبع في بيروت بتحقيق أحمد محمد شاكر، وله آراء شاذة - كبطلان الاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية، وجواز مس المصحف للمجنب، وقاتل الإمام عليّ كان مجتهداً - ذكرناها في موسوعتنا. (1)

وقد ذكرنا هذا المذهب، مع أنّه فقهي؛ لأجل اشتراكه مع ما سبق في الرجعيّة، وإقصاء العقل عن ساحة الاجتهاد الفقهي.

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 3/141 - 146.

٩١

11

المعتزلة

المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة؛ مدرسة فكريّة عقليّة أعطت للعقل القسط الأوفر، ومن المؤسف أنّ هوى العصبية، بل يد الخيانة، لعبت بكثير من مخلّفاتهم الفكريّة، فأطاحت به فأضاعتها بالخرق والتمزيق، فلم يبق فيما بأيدينا من آثارهم إلاّ الشيء القليل، وأكثرها يرجع إلى كتب عبد الجبار المعتزلي (المتوفّى عام 415هـ)، ولأجل ذلك فقد اعتمد في تحرير هذا المذهب غير واحد من الباحثين على كتب خصومهم كالأشاعرة، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على كتاب الخصم لا يُورث يقيناً.

وقد اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال، ولقد أُعجبوا بمنهج الاعتزال في حرّية الإنسان وأفعاله، وصار ذلك سبباً لرجوع المعتزلة إلى الساحة من قبل المفكّرين الإسلاميّين، ولذلك نُشرت في هذه الآونة الأخيرة كتباً حول المعتزلة.

ومؤسّس المذهب هو واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري، نقل الشهرستاني أنّه دخل شخص على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين!، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تُخرج به

٩٢

عن الملّة، وهم وعيديّة الخوارج، وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر، ويقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأُمّة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟

فتفكّر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً، ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثُمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد؛ يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. (1)

سائر ألقاب المعتزلة:

إنّ للمعتزلة ألقاباً أُخر:

1 - العدليّة: لقولهم بعدل الله سبحانه وحكمته.

2 - الموحّدة: لقولهم لا قديم مع الله، وينفون قدم القرآن.

3 - أهل الحق: لأنّهم يعتبرون أنفسهم أهل الحق.

4 - القدريّة: يُعبَّر عن المعتزلة في الكتب الكلاميّة بالقدريّة، والمعتزلة يطلقونها على خصومهم، وذلك لما رُوي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أنّ القدريّة مجوس هذه الأُمّة». فلو قلنا بأنّ القدريّة منسوبة إلى القدر؛ عِدْل القضاء، فتنطبق على

____________________

(1) الملل والنحل: 1/62.

٩٣

خُصَماء المعتزلة؛ القائلين بالقدر السالب للاختيار. ولو قلنا بأنّها منسوبة إلى القدرة؛ أي القائلين بتأثير قدرة الإنسان في فعله واختياره وتمكّنه في إيجاده، فتنطبق - على زعم الخُصَماء - على المعتزلة؛ لقولهم بتأثير قدرة الإنسان في فعله. وقد طال الكلام بين المتكلّمين في تفسير الحديث وذِكْر كلِّ طائفة وجهاً لانطباقه على خصمها. (1)

5 - الثنويّة: ولعلّ وجهه ما يتراءى من بعضهم من نسبة الخير إلى الله والشر إلى العبد.

6 - الوعيدية: لقولهم إنّ الله صادق في وعده، كما هو صادق في وعيده، وإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ بعد التوبة، فلو مات بدونها يكون معذّباً قطعاً ويخلَّد في النار.

7 - المعطّلة: لتعطيل ذاته سبحانه عن الصفات الذاتية، ولكن هذا اللقب أُلصق بالجهميّة، وأمّا المعتزلة فلهم في الصفات مذهبان:

أ - القول بالنيابة، أي خلو الذات عن الصفات، ولكن تنوب الذّات مكان الصفات في الآثار المطلوبة منها، وقد اشتهر قولهم: (خُذ الغايات واترك المبادئ)، وهذا مخالف لكتاب الله والسنّة والعقل. فإنّ النقل يدلّ بوضوح على اتّصافه سبحانه بالصفات الكماليّة، وأمّا العقل، فحدِّث عنه ولا حرج؛ لأنّ الكمال يساوق الوجود، وكلّما كان الوجود أعلى وأشرف، تكون الكمالات فيه آكد.

____________________

(1) كشف المراد: 195، شرح المقاصد للتفتازاني: 2/143.

٩٤

ب - عينيّة الصفات مع الذّات واشتمالها على حقائقها، من دون أن يكون ذات وصفة، بل الذّات بلغت في الكمال إلى درجة صار نفس العلم قدرة.

8 - الجهميّة، وهذا اللّقب منحه أحمد بن حنبل لهم، فكل ما يقول: قالت الجهميّة، أو يصف القائل بأنّه جهميّ؛ يُريد به المعتزلة، لِمَا وجد من موافقتهم الجهميّة في بعض المسائل.

9 - المفنية.

10 - اللّفظيّة.

وهذان اللّقبان ذكرهما المقريزي وقال: إنّهم يوصفون بالمفنية، لما نسب إلى أبي الهذيل من فناء حركات أهل الجنة والنار؛ واللفظية لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة. (1)

الأُصول الخمسة عند المعتزلة:

اشتهرت المعتزلة بأُصول خمسة، فمن دان بها فهو معتزلي، ومن نقص منها أو زاد عليها فليس منهم، وتلك الأُصول المرتبة حسب أهميتها عبارة عن: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فمن دان بها، ثُمَّ خالف بقية المعتزلة في تفاصيلها، لم يخرج بذلك عنهم.

وإليك تفصيل هذه الأُصول بنحو موجز:

____________________

(1) الخطط المقريزيّة: 4/169.

٩٥

إيعاز إلى الأُصول الخمسة

وقبل كلّ شيء نطرح هذه الأُصول على وجه الإجمال، حتّى يُعلم ماذا يريد منها المعتزلة، ثُمَّ نأخذ بشرحها واحداً بعد احد؛ فنقول:

1 - التوحيد: ويراد منه العلم بأنّ الله واحد، لا يشاركه غيره فيما يستحقُّ من الصفات نفياً وإثباتاً على الحدّ الّذي يستحقّه. والتوحيد عندهم رمز لتنزيهه سبحانه عن شوائب الإمكان ووهم المثليّة وغيرهما ممّا يجب تنزيه ساحته عنه، كالتجسيم والتشبيه وإمكان الرؤية وطروء الحوادث عليه. غير أنّ المهمّ في هذا الأصل؛ هو الوقوف على كيفيّة جريان صفاته عليه سبحانه، ونفي الرؤية، وغيرهما يقع في الدّرجة الثانية من الأهمية في هذا الأصل؛ لأنّ كثيراً منها لم يختلف المسلمون فيه، إلاّ القليل منهم.

2 - العدل: إذا قيل إنّه تعالى عادل، فالمراد أنّ أفعاله كلّها حسنة، وأنّه لا يفعل القبيح، وأنّه لا يَخِلّ بما هو واجب عليه. وعلى ضوء هذا: لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه، ولا يعذِّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، ولا يُظهر المعجزة على أيدي الكذّابين، ولا يكلِّف العباد وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، بل يُقْدِرهم على ما كلّفهم، ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم، ويدلّهم على ذلك، ويبيّن لهم ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ ) (1) ، وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الّذي كُلِّف، فإنّه يثيبه لا محالة، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم، فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه، وإلاّ كان مخلاًّ بواجب...

3 - الوعد والوعيد: والمراد منه أنّ الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعّد

____________________

(1) الأنفال: 42.

٩٦

العصاة بالعقاب، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز الخُلف، لأنّه يستلزم الكذب. فإذا أخبر عن الفعل، ثُمَّ تركه، يكون كذباً. ولو أخبر عن العزم، فبما أنّه محال عليه، كان معناه الإخبار عن نفس الفعل، فيكون الخُلف كذباً. وعلى ضوء هذا الأصل، حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار؛ إذا مات بلا توبة.

4 - المنزلة بين المنزلتين: وتلقّب بمسألة الأسماء والأحكام؛ وهي أنّ صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه الخوارج، ولا منافق كما عليه الحسن البصري، ولا مؤمن كما عليه بعضهم، بل فاسق لا يحكم عليه بالكفر ولا بالإيمان.

5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمعروف: كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه، والمنكر: كلّ فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه. ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما؛ إنّما الخلاف في أنّه هل يُعلم عقلاً أو لا يُعلم إلاّ سمعاً؟، ذهب أبو عليّ (المتوفّى 303هـ) إلى أنّه يُعلم عقلاً وسمعاً، وأبو هاشم (المتوفّى 321هـ) إلى أنّه يُعلم سمعاً، ولوجوبه شروط تُذكر في محلّها، ومنها أن لا يؤدّي إلى مضرّة في ماله أو نفسه، إلاّ أن يكون في تحمّله لتلك المذلّة إعزاز للدّين.

قال القاضي: وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)؛ لِمَا كان في صبره على ما صبر، إعزاز لدين الله عزّ وجلّ، ولهذا نباهي به سائر الأُمم، فنقول: لم يبق من ولْد الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ سبط واحد، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل دون ذلك. (1)

____________________

(1) الأُصول الخمسة: 142، نقلاً عن، بحوث في الملل والنحل: 3/254 - 255.

٩٧

سبب الاقتصار على هذه الأُصول الخمسة:

هناك سؤال يطرح نفسه، وهو:

لماذا اقتصروا على هذه الأُصول، مع أنّ أمر النبوّة والمعاد أولى بأن يُعدَّ من الأُصول؟

وقد ذكروا في وجه ذلك أُموراً لا يُعتمد عليها، والحق أن يقال: إنّ الأُصول الخمسة الّتي يتبنّاها المعتزلة، مؤلّفة من أُمور تعدُّ من أُصول الدين كالتوحيد والعدل على وجه، ومن أُصول كلاميّة أنتجوها من البحث والنقاش، وأقحموها في الأُصول لغاية ردِّ الفرق المخالفة؛ الّتي لا توافقهم في هذه المسائل الكلامية.

وعند ذلك يستنتج القارئ أنّ ما اتّخذته المعتزلة من الأُصول، وجعلته في صدر آرائها، ليست إلاّ آراء كلاميّة لهذه الفرقة، تظاهروا بها للردّ على المجبّرة والمشبّهة والمرجئة والإماميّة وغيرهم من الفرق، على نحو لو لا تلكم الفِرَق لما سمعت من هذه الأُصول ذكراً.

أئمة المعتزلة:

المراد بأئمتهم؛ مشايخهم الكبار؛ الّذين نضج المذهب بأفكارهم وآرائهم، ووصل إلى القمة في الكمال.

نعم، في مقابل أئمة المذهب، أعلامهم الّذين كان لهم دور في تبيين هذا المنهج من دون أن يتركوا أثراً يستحق الذكر في الأُصول الخمسة، وها نحن نذكر من الطائفيتن نماذج:

٩٨

1. واصل بن عطاء (80 - 131هـ):

أبو حذيفة واصل بن عطاء، مؤسّس الاعتزال، المعروف بالغزّال، يقول ابن خلّكان: كان واصل أحد الأعاجيب، وذلك أنّه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الرّاء، فكان يُخلِّص كلامه من الرّاء ولا يُفطن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول أبو الطروق؛ يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الراء على كثرة تردّدها في الكلام، حتّى كأنّها ليست فيه.

عـليم بـإبدال الحروف وقامع

لـكلّ خطيب يغلب الحقَّ باطلُه

وقال الآخر:

ويـجعل البرّ قمحاً في تصرّفه

وخالف الرّاء حتّى احتال للشعر

ولـم يطق مطراً والقول يعجله

فـعاذ بالغيث اشفاقاً من المطر

من آرائه ومصنّفاته:

إنّ واصل هو أوّل من أظهر المنزلة بين المنزلتين؛ لأنّ الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال: كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق.

مؤلّفاته:

ذكر ابن النديم في (الفهرست)، وتبعه ابن خلّكان: إنّ لواصل التصانيف التالية:

٩٩

1 - كتاب أصناف المرجئة.

2 - كتاب التوبة.

3 - كتاب المنزلة المنزلتين.

4 - كتاب خطبه الّتي أخرج منها الرّاء.

5 - كتاب معاني القرآن.

6 - كتاب الخُطب في التوحيد والعدل.

ومن المحتمل أنّه قام بجمع خطب الإمام عليّ (عليه السّلام) في التوحيد والعدل فأفرده تأليفاً.

7 - كتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد.

8 - كتاب السبيل إلى معرفة الحق.

9 - كتاب في الدعوة.

10 - كتاب طبقات أهل العلم والجهل. (1)

2. عمرو بن عبيد (80 - 143هـ):

وهو الإمام الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء، وكان من أعضاء حلقة الحسن البصري، مثل واصل، لكن التحق به بعد مناظرة جرت بينهما في مرتكب الكبيرة.

روى ابن المرتضى، عن الجاحظ، أنّه قال: صلَّى عمرو أربعين عاماً صلاة

____________________

(1) فهرست ابن النديم: 203، الفن الأوّل من المقالة الخامسة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

بك و صدّقتك و لكنّي على دين اليهود عليه أحيا و عليه أموت. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قدّموه و اضربوا عنقه فضربت.

و فيه أيضاً: فقتلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البردين بالغداة و العشيّ في ثلاثة أيّام و كان يقول: اسقوهم العذب و أطعموهم الطيّب و أحسنوا اُساراهم حتّى قتلهم كلّهم فأنزل الله عزّوجلّ فيهم:( وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ - إلى قوله -وَ كانَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً ) .

و في المجمع: روى أبوالقاسم الحسكانيّ عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن عليّعليه‌السلام قال: فينا نزلت( رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) فأنا و الله المنتظر ما بدّلت تبديلاً.

٣٢١

( سورة الأحزاب الآيات ٢٨ - ٣٥)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ( ٢٨ ) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ( ٢٩ ) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ  وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ( ٣٠ ) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ( ٣١ ) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ  إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ( ٣٢ ) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ  وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ  إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( ٣٣ ) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ  إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ( ٣٤ ) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ( ٣٥ )

٣٢٢

( بيان)

آيات راجعة إلى أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأمره أوّلاً: أن ينبئهنّ أن ليس لهنّ من الدنيا و زينتها إلّا العفاف و الكفاف إن اخترن زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ تخاطبهنّ ثانياً: أنّهنّ واقفات في موقف صعب على ما فيه من العلوّ و الشرف فإن اتّقين الله يؤتين أجرهنّ مرّتين و إن أتين بفاحشة مبيّنة يضاعف لهنّ العذاب ضعفين و يأمرهنّ بالعفّة و لزوم بيوتهنّ من غير تبرّج و الصلاة و الزّكاة و ذكر ما يتلى في بيوتهنّ من الآيات و الحكمة ثمّ يعد مطلق الصالحين من الرجال و النساء وعداً بالمغفرة و الأجر العظيم.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) إلى تمام الآيتين، سياق الآيتين يلوّح أنّ أزواج النبيّ أو بعضهنّ كانت لا ترتضي ما في عيشتهنّ في بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الضيق و الضنك فاشتكت إليه ذلك و اقترحت عليه أن يسعدهنّ في الحياة بالتوسعة فيها و إيتائهنّ من زينتها.

فأمر الله سبحانه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخيّرهنّ بين أن يفارقنه و لهنّ ما يردن و بين أن يبقين عنده و لهنّ ما هنّ عليه من الوضع الموجود.

و قد ردّد أمرهنّ بين أن يردن الحياة الدنيا و زينتها و بين أن يردن الله و رسوله و الدار الآخرة، و هذا الترديد يدلّ أوّلاً: أنّ الجمع بين سعة العيش و صفائها بالتمتّع من الحياة و زينتها و زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و العيشة في بيته ممّا لا يجتمعان.

و ثانياً: أنّ كلّا من طرفي الترديد مقيّد بما يقابل الآخر، و المراد بإرادة الحياة الدنيا و زينتها جعلها هي الأصل سواء اُريدت الآخرة أو لم يرد، و المراد بإرادة الحياة الآخرة جعلها هي الأصل في تعلّق القلب بها سواء توسّعت معها الحياة الدنيا و نيلت الزينة و صفاء العيش أو لم يكن شي‏ء من ذلك.

ثمّ الجزاء أعني نتيجة اختيارهنّ كلّا من طرفي الترديد مختلف فلهنّ على تقدير اختيارهنّ الحياة الدنيا و زينتها بمفارقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطلّقهنّ و يمتّعهنّ

٣٢٣

جمعاء من مال الدنيا، و على تقدير بقائهنّ على زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و اختيار الآخرة على الحياة الدنيا و زينتها الأجر العظيم عندالله لكن لا مطلقاً بل بشرط الإحسان و العمل الصالح.

و يتبيّن بذلك أن ليس لزوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث هي زوجيّة كرامة عندالله سبحانه و إنّما الكرامة لزوجيّته المقارنة للإحسان و التقوى و لذلك لمّا ذكر ثانياً علوّ منزلتهنّ قيّده أيضاً بالتقوى فقال:( لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) و هذا كقوله في النبيّ و أصحابه:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً - إلى أن قال -وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ) حيث مدحهم عامّة بظاهر أعمالهم أوّلاً ثمّ قيّد وعدهم الأجر العظيم بالإيمان و العمل الصالح.

و بالجملة فإطلاق قوله:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) الحجرات: ١٠ على حاله غير منتقض بكرامة اُخرى بسبب أو نسب أو غير ذلك.

فقوله:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ الآيتين أزواجه و لازمه أن يطلّقهنّ و يمتّعهنّ إن اخترن الشقّ الأوّل و يبقيهنّ على زوجيّته إن اخترن الله و رسوله و الدار الآخرة.

و قوله:( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها ) إرادة الحياة الدنيا و زينتها كناية بقرينة المقابلة عن اختيارها و تعلّق القلب بتمتّعاتها و الإقبال عليها و الإعراض عن الآخرة.

و قوله:( فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ) قال في الكشّاف: أصل تعال أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطأ ثمّ كثرت حتّى استوت في استعماله الأمكنة، و معنى تعالين أقبلن بإرادتكنّ و اختياركنّ لأحد أمرين و لم يرد نهوضهنّ بأنفسهنّ كما تقول: أقبل يخاصمني و ذهب يكلّمني و قام يهدّدني. انتهى.

و التمتيع إعطاؤهنّ عند التطليق مالاً يتمتّعن به و التسريح هو التطليق و السراح

٣٢٤

الجميل هو الطلاق من غير خصومة و مشاجرة بين الزوجين.

و في الآية أبحاث فقهيّة أوردها المفسّرون و الحقّ أنّ ما تتضمّنه من الأحكام الشخصيّة خاصّة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا دليل من جهة لفظها على شموله لغيره و تفصيل القول في الفقه.

و قوله:( وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) فقد تقدّم أنّ المقابلة بين هذه الجملة و بين قوله:( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها ) إلخ، تقيّد كلّا منهما بخلاف الاُخرى و عدمها، فمعنى الجملة: و إن كنتنّ تردن و تخترن طاعة الله و رسوله و سعادة الدار الآخرة مع الصبر على ضيق العيش و الحرمان من زينة الحياة الدنيا و هي مع ذلك كناية عن البقاء في زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الصبر على ضيق العيش و إلّا لم يصحّ اشتراك الإحسان في الأجر الموعود و هو ظاهر.

فالمعنى: و إن كنتنّ تردن و تخترن البقاء على زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الصبر على ضيق العيش فإنّ الله هيّأ لكُنّ أجراً عظيماً بشرط أن تكنّ محسنات في أعمالكنّ مضافاً إلى إرادتكنّ الله و رسوله و الدار الآخرة فإن لم تكنّ محسنات لم يكن لكنّ إلّا خسران الدنيا و الآخرة جميعاً.

قوله تعالى: ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ) إلخ، عدل عن مخاطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهنّ إلى مخاطبتهنّ أنفسهنّ لتسجيل ما لهنّ من التكليف و زيادة التوكيد، و الآية و الّتي بعدها تقرير و توضيح بنحو لما يستفاد من قوله:( فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) إثباتاً و نفياً.

فقوله:( مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) الفاحشة الفعلة البالغة في الشناعة و القبح و هي الكبيرة كإيذاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الافتراء و الغيبة و غير ذلك، و المبيّنة هي الظاهرة.

و و قوله:( يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ) أي حال كونه ضعفين و الضعفان المثلان و يؤيّد هذا المعنى قوله في جانب الثواب بعد:( نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ ) فلا يعبأ بما قيل إنّ المراد بمضاعفة العذاب ضعفين تعذيبهم بثلاثة أمثاله بتقريب أنّ مضاعفة العذاب

٣٢٥

زيادته و إذا زيد على العذاب ضعفاه صار المجموع ثلاثة أمثاله.

و ختم الآية بقوله:( وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) للإشارة إلى أنّه لا مانع من ذلك من كرامة الزوجيّة و نحوها إذ لا كرامة إلّا للتقوى و زوجيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما تؤثّر الأثر الجميل إذا قارن التقوى و أمّا مع المعصية فلا تزيد إلّا بعداً و وبالاً.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ ) إلخ، القنوت الخضوع، و قيل: الطاعة و قيل: لزوم الطاعة مع الخضوع، و الاعتاد التهيئة، و الرزق الكريم مصداقه الجنّة.

و المعنى: و من يخضع منكنّ لله و رسوله أو لزم طاعة الله و رسوله مع الخضوع و يعمل عملاً صالحاً نعطها أجرها مرّتين أي ضعفين و هيّأنا لها رزقاً كريماً و هي الجنّة.

و الالتفات من الغيبة إلى التكلّم بالغير في قوله:( نُؤْتِها ) و( أَعْتَدْنا ) للإيذان بالقرب و الكرامة، خلاف البعد و الخزي المفهوم من قوله:( يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ) .

قوله تعالى: ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) إلخ، الآية تنفي مساواتهنّ لسائر النساء إن اتّقين و ترفع منزلتهنّ على غيرهنّ ثمّ تذكر أشياء من النهي و الأمر متفرّعة على كونهنّ لسن كسائر النساء كما يدلّ عليه قوله:( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ وَ قَرْنَ وَ لا تَبَرَّجْنَ ) إلخ، و هي خصال مشتركة بين نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سائر النساء.

فتصدير الكلام بقوله:( لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) ثمّ تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه، يفيد تأكّد هذه التكاليف عليهنّ كأنّه قيل: لستنّ كغيركنّ فيجب عليكنّ أن تبالغن في امتثال هذه التكاليف و تحتطن في دين الله أكثر من سائر النساء.

و تؤيّد بل تدلّ على تأكّد تكاليفهنّ مضاعفة جزائهنّ خيراً و شرّاً كما دلّت عليها الآية السابقة فإنّ مضاعفة الجزاء لا تنفكّ عن تأكّد التكليف.

و قوله:( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) بعد ما بيّن علوّ

٣٢٦

منزلتهنّ و رفعة قدرهنّ لمكانهنّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و شرط في ذلك التقوى فبيّن أنّ فضيلتهنّ بالتقوى لا بالاتّصال بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهاهنّ عن الخضوع في القول و هو ترقيق الكلام و تليينه مع الرجال بحيث يدعو إلى الريبة و تثير الشهوة فيطمع الّذي في قلبه مرض و هو فقدان قوّة الإيمان الّتي تردعه عن الميل إلى الفحشاء.

و قوله:( وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً ) أي كلاماً معمولاً مستقيماً يعرفه الشرع و العرف الإسلاميّ و هو القول الّذي لا يشير بلحنه إلى أزيد من مدلوله معرّى عن الإيماء إلى فساد و ريبة.

قوله تعالى: ( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى -‏ إلى قوله -وَ أَطِعْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ ) ( قَرْنَ ) من قرّ يقرّ إذا ثبت و أصله اقررن حذفت إحدى الرائين أو من قار يقار إذا اجتمع كناية عن ثباتهنّ في بيوتهنّ و لزومهنّ لها، و التبرّج الظهور للناس كظهور البروج لناظريها. و الجاهليّة الاُولى الجاهليّة قبل البعثة فالمراد الجاهليّة القديمة، و قول بعضهم: إنّ المراد به زمان ما بين آدم و نوحعليهما‌السلام ثمان مائة سنة، و قول آخرين إنّها ما بين إدريس و نوح، و قول آخرين زمان داود و سليمان و قول آخرين أنّه زمان ولادة إبراهيم، و قول آخرين إنّه زمان الفترة بين عيسىعليه‌السلام و محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقوال لا دليل يدلّ عليها.

و قوله:( وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ ) أمر بامتثال الأوامر الدينيّة و قد أفرد الصلاة و الزكاة بالذكر من بينها لكونهما ركنين في العبادات و المعاملات ثمّ جمع الجميع في قوله:( وَ أَطِعْنَ اللهَ وَ رَسُولَهُ ) .

و طاعة الله هي امتثال تكاليفه الشرعيّة و طاعة رسوله فيما يأمر به و ينهى بالولاية المجعولة له من عندالله كما قال:( النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .

قوله تعالى: ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كلمة( إِنَّما ) تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس و التطهير و كلمة أهل البيت سواء كان لمجرّد الاختصاص أو مدحاً أو نداء يدلّ على اختصاص إذهاب الرجس و التطهير بالمخاطبين بقوله:( عَنْكُمُ ) ، ففي الآية في الحقيقة قصران قصر الإرادة

٣٢٧

في إذهاب الرجس و التطهير و قصر إذهاب الرجس و التطهير في أهل البيت.

و ليس المراد بأهل البيت نساء النبيّ خاصّة لمكان الخطاب الّذي في قوله:( عَنْكُمُ ) و لم يقل: عنكنّ فأمّا أن يكون الخطاب لهنّ و لغيرهنّ كما قيل: إنّ المراد بأهل البيت أهل البيت الحرام و هم المتّقون لقوله تعالى:( إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ) أو أهل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هم الّذين يصدق عليهم عرفاً أهل بيته من أزواجه و أقربائه و هم آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ أو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أزواجه، و لعلّ هذا هو المراد ممّا نسب إلى عكرمة و عروة أنّها في أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة.

أو يكون الخطاب لغيرهنّ كما قيل: إنّهم أقرباء النبيّ من آل عبّاس و آل عقيل و آل جعفر و آل عليّ.

و على أيّ حال فالمراد بإذهاب الرجس و التطهير مجرّد التقوى الدينيّ بالاجتناب عن النواهي و امتثال الأوامر فيكون المعنى أنّ الله لا ينتفع بتوجيه هذه التكاليف إليكم و إنّما يريد إذهاب الرجس عنكم و تطهيركم على حدّ قوله:( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) المائدة: ٦ و هذا المعنى لا يلائم شيئاً من معاني أهل البيت السابقة لمنافاته البيّنة للاختصاص المفهوم من أهل البيت لعمومه لعامّة المسلمين المكلّفين بأحكام الدين.

و إن كان المراد بإذهاب الرجس و التطهير التقوى الشديد البالغ و يكون المعنى: أنّ هذا التشديد في التكاليف المتوجّهة إليكنّ أزواج النبيّ و تضعيف الثواب و العقاب ليس لينتفع الله سبحانه به بل ليذهب عنكم الرجس و يطهّركم و يكون من تعميم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ بعد تخصيصه بهنّ، فهذا المعنى لا يلائم كون الخطاب خاصّاً بغيرهنّ و هو ظاهر و لا عموم الخطاب لهنّ و لغيرهنّ فإنّ الغير لا يشاركهنّ في تشديد التكليف و تضعيف الثواب و العقاب.

لا يقال: لم لا يجوز أن يكون الخطاب على هذا التقدير متوجّها إليهنّ مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تكليفه شديد كتكليفهنّ.

٣٢٨

لأنّه يقال: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤيّد بعصمة من الله و هي موهبة إلهيّة غير مكتسبة بالعمل فلا معنى لجعل تشديد التكليف و تضعيف الجزاء بالنسبة إليه مقدّمة أو سبباً لحصول التقوى الشديد له امتناناً عليه على ما يعطيه سياق الآية و لذلك لم يصرّح بكون الخطاب متوجّها إليهنّ مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط أحد من المفسّرين و إنّما احتملناه لتصحيح قول من قال: إنّ الآية خاصّة بأزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و إن كان المراد إذهاب الرجس و التطهير بإرادته تعالى ذلك مطلقاً لا بتوجيه مطلق التكليف و لا بتوجيه التكليف الشديد بل إرادة مطلقة لإذهاب الرجس و التطهير لأهل البيت خاصّة بما هم أهل البيت كان هذا المعنى منافياً لتقييد كرامتهنّ بالتقوى سواء كان المراد بالإرادة الإرادة التشريعيّة أو التكوينيّة.

و بهذا الّذي تقدّم يتأيّد ما ورد في أسباب النزول أنّ الآية نزلت في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عليّ و فاطمة و الحسنينعليهم‌السلام خاصّة لا يشاركهم فيها غيرهم.

و هي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثاً يربو ما ورد منها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة فقد روتها أهل السنّة بطرق كثيرة عن اُمّ سلمة و عائشة و أبي سعيد الخدريّ و سعد و وائلة بن الأسقع و أبي الحمراء و ابن عبّاس و ثوبان مولى النبيّ و عبدالله بن جعفر و عليّ و الحسن بن عليّعليها‌السلام في قريب من أربعين طريقاً.

و روتها الشيعة عن عليّ و السجّاد و الباقر و الصادق و الرضاعليهم‌السلام و اُمّ سلمة و أبي ذرّ و أبي ليلى و أبي الأسود الدؤليّ و عمرو بن ميمون الأودي و سعد بن أبي وقّاص في بضع و ثلاثين طريقاً.

فإن قيل: إنّ الروايات إنّما تدلّ على شمول الآية لعليّ و فاطمة و الحسنينعليهم‌السلام و لا ينافي ذلك شمولها لأزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يفيده وقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا: إنّ كثيراً من هذه الروايات و خاصّة ما رويت عن اُمّ سلمة - و في بيتها نزلت الآية - تصرّح باختصاصها بهم و عدم شمولها لأزواج النبيّ و سيجي‏ء الروايات و فيها الصحاح.

٣٢٩

فإن قيل: هذا مدفوع بنصّ الكتاب على شمولها لهنّ كوقوع الآية في سياق خطابهنّ.

قلنا: إنّما الشأن كلّ الشأن في اتّصال الآية بما قبلها من الآيات فهذه الأحاديث على كثرتها البالغة ناصّة في نزول الآية وحدها، و لم يرد حتّى في رواية واحدة نزول هذه الآية في ضمن آيات نساء النبيّ و لا ذكره أحد حتّى القائل باختصاص الآية بأزواج النبيّ كما ينسب إلى عكرمة و عروة، فالآية لم تكن بحسب النزول جزءا من آيات نساء النبيّ و لا متّصلة بها و إنّما وضعت بينها إمّا بأمر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة، و يؤيّده أنّ آية( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) على انسجامها و اتّصالها لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جملها، فموقع آية التطهير من آية( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) كموقع آية( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) من آية محرّمات الأكل من سورة المائدة، و قد تقدّم الكلام في ذلك في الجزء الخامس من الكتاب.

و بالبناء على ما تقدّم تصير لفظة أهل البيت اسماً خاصّاً - في عرف القرآن - بهؤلاء الخمسة و هم النبيّ و عليّ و فاطمة و الحسنان عليهم الصلاة والسلام لا يطلق على غيرهم، و لو كان من أقربائه الأقربين و إن صحّ بحسب العرف العامّ إطلاقه عليهم.يهم.يهم.

و الرّجس بالكسر فالسكون صفة من الرجاسة و هي القذارة، و القذارة هيئة في الشي‏ء توجب التجنّب و التنفّر منها، و تكون بحسب ظاهر الشي‏ء كرجاسة الخنزير، قال تعالى:( أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) الأنعام: ١٤٥ و بحسب باطنه - و هو الرجاسة و القذارة المعنوية - كالشرك و الكفر و أثر العمل السيّئ، قال تعالى:( وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ ) التوبة: ١٢٥ و قال:( وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام: ١٢٥.

و أيّاً ما كان فهو إدراك نفسانيّ و أثر شعوريّ من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّئ و إذهاب الرجس - و اللّام فيه للجنس - إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس تخطئ حقّ الاعتقاد و العمل فتنطبق على العصمة الإلهيّة الّتي هي صورة

٣٣٠

علميّة نفسانيّة تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد و سيّئ العمل.

على أنّك عرفت أنّ إرادة التقوى أو التشديد في التكاليف لا تلائم اختصاص الخطاب في الآية بأهل البيت، و عرفت أيضاً أنّ إرادة ذلك لا تناسب مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العصمة.

فمن المتعيّن حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة و يكون المراد بالتطهير في قوله:( وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) - و قد اُكّد بالمصدر - إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، و من المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد و العمل، و يكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعيّة لما عرفت أنّ الإرادة التشريعيّة الّتي هي توجيه التكاليف إلى المكلّف لا تلائم المقام أصلاً.

و المعنى: أنّ الله سبحانه تستمرّ إرادته أن يخصّكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل و أثر العمل السيّئ عنكم أهل البيت و إيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم و هي العصمة.

قوله تعالى: ( وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى‏ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) ظاهر السياق أنّ المراد بالذكر ما يقابل النسيان إذ هو المناسب لسياق التأكيد و التشديد الّذي في الآيات فيكون بمنزلة الوصيّة بعد الوصيّة بامتثال ما وجّه إليهنّ من التكاليف، و في قوله:( فِي بُيُوتِكُنَّ ) تأكيد آخر.

و المعنى: و احفظن ما يتلى في بيوتكنّ من آيات الله و الحكمة و ليكن منكنّ في بال حتّى لا تغفلن و لا تتخطّين ممّا خطّ لكم من المسير.

و أمّا قول بعضهم: إنّ المراد و اشكرن الله إذ صيّركنّ في بيوت يتلى فيهنّ القرآن و السنّة فبعيد من السياق و خاصّة بالنظر إلى قوله في ذيل الآية:( إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ) .

قوله تعالى: ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) إلخ، الإسلام لا يفرّق بين الرجال و النساء في التلبّس بكرامة الدين و قد أشار سبحانه إلى ذلك

٣٣١

إجمالاً في مثل قوله:( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) الحجرات: ١٣ ثمّ صرّح به في مثل قوله:( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ ) آل عمران: ١٩٥ ثمّ صرّح به تفصيلاً في هذه الآية.

فقوله:( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) المقابلة بين الإسلام و الإيمان تفيد مغايرتهما نوعاً من المغايرة و الّذي يستفاد منه نحو مغايرتهما قوله تعالى:( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ - إلى أن قال -إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ) الحجرات: ١٥ يفيد أوّلاً أنّ الإسلام هو تسليم الدين بحسب العمل و ظاهر الجوارح و الإيمان أمر قلبيّ. و ثانياً: أنّ الإيمان الّذي هو أمر قلبيّ اعتقاد و إذعان باطنيّ بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح.

فالإسلام هو التسليم العمليّ للدين بإتيان عامّة التكاليف و المسلمون و المسلمات هم المسلّمون لذلك و الإيمان هو عقد القلب على الدين، بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح و المؤمنون و المؤمنات هم الّذين عقدوا قلوبهم على الدين بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح فكلّ مؤمن مسلم و لا عكس.

و قوله:( وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ ) القنوت على ما قيل لزوم الطاعة مع الخضوع و قوله:( وَ الصَّادِقِينَ وَ الصَّادِقاتِ ) الصدق مطابقة ما يخبر به الإنسان أو يظهره، للواقع. فهم صادقون في دعواهم صادقون في قولهم صادقون في وعدهم.

و قوله:( وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ ) فهم متلبّسون بالصبر عند المصيبة و النائبة و بالصبر على الطاعة و بالصبر عن المعصية، و قوله:( وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ ) الخشوع تذلّل باطنيّ بالقلب كما أنّ الخضوع تذلّل ظاهريّ بالجوارح.

و قوله:( وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ ) و الصدقة إنفاق المال في سبيل الله و منه الزكاة الواجبة، و قوله:( وَ الصَّائِمِينَ وَ الصَّائِماتِ ) بالصوم الواجب و المندوب، و قوله:( وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ ) أي لفروجهنّ و ذلك بالتجنّب عن غير ما أحلّ الله

٣٣٢

لهم، و قوله:( وَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَ الذَّاكِراتِ ) أي الله كثيراً حذف لظهوره و هم الّذين يكثرون من ذكر الله بلسانهم و جنانهم و يشمل الصلاة و الحجّ.

و قوله:( أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ) التنكير للتعظيم.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) كان سبب نزولها أنّه لمّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة خيبر و أصاب كنز آل أبي الحقيق قلن أزواجه أعطنا ما أصبت فقال لهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمته بين المسلمين على ما أمر الله عزّوجلّ فغضبن من ذلك، و قلن: لعلّك ترى أنّك إن طلّقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوّجونا؟.

فأنف الله عزّوجلّ لرسوله فأمره أن يعزلهنّ فاعتزلهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشربة اُمّ إبراهيم تسعة و عشرين يوماً حتّى حضن و طهرن ثمّ أنزل الله عزّوجلّ هذه الآية و هي آية التخيير فقال:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ - إلى قوله -أَجْراً عَظِيماً ) فقامت اُمّ سلمة أوّل من قامت فقالت: قد اخترت الله و رسوله فقمن كلهنّ فعانقنه و قلن مثل ذلك‏ الحديث.

أقول: و روي ما يقرب من ذلك من طرق أهل السنّة و فيها أنّ أوّل من اختارت الله و رسوله منهنّ عائشة.

و في الكافي، بإسناده عن داود بن سرحان عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّ زينب بنت جحش قالت: يرى رسول الله إن خلّى سبيلنا أن لا نجد زوجاً غيره و قد كان اعتزل نساءه تسعة و عشرين ليلة فلمّا قالت زينب الّذي قالت بعث الله جبرائيل إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال:( قُلْ لِأَزْواجِكَ ) الآيتين كلتيهما فقلن: بل نختار الله و رسوله و الدار الآخرة.

٣٣٣

و فيه، بإسناده عن عيص بن القاسم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها بانت؟ قال: لا. إنّما هذا شي‏ء كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة اُمر بذلك ففعل، و لو اخترن أنفسهنّ لطلّقهنّ و هو قول الله عزّوجلّ:( قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها، فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ) .

و في المجمع، روى الواحديّ بالإسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالساً مع حفصة فتشاجراً بينهما فقال لها: هل لك أن أجعل بيني و بينك رجلاً؟ قالت: نعم.

فأرسل إلى عمر فلمّا أن دخل عليهما قال لها: تكلّمي، فقالت: يا رسول الله تكلّم و لا تقل إلّا حقّاً فرفع عمر يده فوجأ وجهها ثمّ رفع يده فوجأ وجهها.

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفّ فقال عمر: يا عدوّة الله النبيّ لا يقول إلّا حقّاً و الّذي بعثه بالحقّ، لو لا مجلسه ما رفعت يدي حتّى تموتي فقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهراً لا يقرب شيئاً من نسائه يتغدّى و يتعشّى فيها فأنزل الله تعالى هذه الآيات.

و في الخصال، عن الصادقعليه‌السلام قال: تزوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس عشرة امرأة و دخل بثلاث عشر امرأة منهنّ، و قبض عن تسع فأمّا اللّتان لم يدخل بهما فعمرة و سنا. و أمّا الثلاث عشرة اللاتي دخل بهنّ فأوّلهنّ خديجة بنت خويلد ثمّ سودة بنت زمعة ثمّ اُمّ سلمة و اسمها هند بنت أبي اُميّة ثمّ اُمّ عبدالله عائشة بنت أبي بكر ثمّ حفصة بنت عمر ثمّ زينب بنت خزيمة بن الحارث اُمّ المساكين، ثمّ زينب بنت جحش ثمّ اُمّ حبيب رملة بنت أبي سفيان ثمّ ميمونة بنت الحارث ثمّ زينب بنت عميس ثمّ جويرية بنت الحارث ثمّ صفيّة بنت حييّ بن أخطب و الّتي وهبت نفسها للنبيّ خولة بنت حكيم السلميّ.

و كان له سرّيّتان يقسم لهما مع أزواجه مارية القبطيّة و ريحانة الخندفيّة.

٣٣٤

و التسع اللّاتي قبض عنهنّ عائشة و حفصة و اُمّ سلمة و زينب بنت جحش و ميمونة بنت الحارث و اُمّ حبيب بنت أبي سفيان و جويرية و سودة و صفيّة. و أفضلهنّ خديجة بنت خويلد ثمّ اُمّ سلمة ثمّ ميمونة.

و في المجمع في قوله:( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ ) الآيتين: روى محمّد بن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عليّ بن عبدالله بن الحسين عن أبيه عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أنّه قال رجل إنّكم أهل بيت مغفور لكم. قال: فغضب و قال: نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبيّ من أن نكون كما تقول إنّا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر و لمسيئنا ضعفين من العذاب.

و في تفسير القمّيّ، مسنداً عن أبي عبدالله عن أبيهعليهما‌السلام : في هذه الآية( وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) قال: أي ستكون جاهليّة اُخرى.

أقول: و هو استفادة لطيفة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الطبرانيّ عن اُمّ سلمة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال لفاطمة: ائتيني بزوجك و ابنيه فجاءت بهم فألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم كساء فدكيّاً ثمّ وضع يده عليهم ثمّ قال: اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل محمّد - و في لفظ آل محمّد - فاجعل صلواتك و بركاتك على آل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

قالت اُمّ سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي و قال: إنّك على خير.

أقول: و رواه في غاية المرام، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه بإسناده عن اُمّ سلمة.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن اُمّ سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) و في البيت سبعة جبريل و ميكائيل و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و أنا على باب البيت. قلت: يا رسول الله أ لست من أهل البيت؟ قال: إنّك على خير إنّك من أزواج النبيّ.

٣٣٥

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطبرانيّ و ابن مردويه عن اُمّ سلمة زوج النبيّ: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبريّ فجاءت فاطمة ببُرمة فيها خزيرة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادعي زوجك و ابنيك حسناً و حسيناً فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

فأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفضلة إزاره فغشاهم إيّاها ثمّ أخرج يده من الكساء و أومأ بها إلى السماء ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، قالها ثلاث مرّات.

قالت اُمّ سلمة: فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله و أنا معكم؟ فقال: إنّك إلى خير مرّتين.

أقول: و روى الحديث في غاية المرام، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل بثلاث طرق عن اُمّ سلمة و كذا عن تفسير الثعلبيّ.

و فيه، أخرج ابن مردويه و الخطيب عن أبي سعيد الخدريّ قال: كان يوم اُمّ سلمة اُمّ المؤمنين فنزل جبريل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قال: فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن و حسين و فاطمة و عليّ فضمّهم إليه و نشر عليهم الثوب، و الحجاب على اُمّ سلمة مضروب، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، قالت اُمّ سلمة: فأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال: أنت على مكانك و إنّك على خير.

و فيه، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطبرانيّ عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نزلت هذه الآية في خمسة فيّ و في عليّ و فاطمة و حسن و حسين( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و رواه أيضاً في غاية المرام، عن الثعلبيّ في تفسيره.

و فيه، أخرج الترمذيّ و صحّحه و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صحّحه

٣٣٦

و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه من طرق عن اُمّ سلمة قالت: في بيتي نزلت:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) و في البيت فاطمة و عليّ و الحسن و الحسين فجلّلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثمّ قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً.

و في غاية المرام، عن الحميديّ قال: الرابع و الستّون من المتّفق عليه من الصحيحين عن البخاريّ و مسلم من مسند عائشة عن مصعب بن شيبة عن صفيّة بنت شيبة عن عائشة قالت: خرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة و عليه مرط مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثمّ جاء الحسين فأدخله معه ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء عليّ فأدخله ثمّ قال:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و الحديث مرويّ عنها بطرق مختلفة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: لمّا دخل عليّ بفاطمة جاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين صباحاً إلى بابها يقول: السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته الصلاة رحمكم الله( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) أنا حرب لمن حاربتم أنا سلم لمن سالمتم.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: شهدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب عند وقت كلّ صلاة فيقول: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أهل البيت( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و رواه أيضاً عن الطبرانيّ عن أبي الحمراء و لفظه: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي باب عليّ و فاطمة ستّة أشهر فيقول:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ) الآية. ، و أيضاً عن ابن جرير و ابن مردويه عن أبي الحمراء و لفظه: حفظت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلّا أتى

٣٣٧

إلى باب عليّ فوضع يده على جنبتي الباب ثمّ قال: الصلاة الصلاة( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ) الآية.

و رواه أيضاً عن ابن أبي شيبة و أحمد و الترمذيّ و حسّنه و ابن جرير و ابن المنذر و الطبرانيّ و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن أنس و لفظه: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر و يقول: الصلاة يا أهل البيت الصلاة( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

أقول: و الروايات في هذه المعاني من طرق أهل السنّة كثيرة و كذا من طرق الشيعة، و من أراد الاطّلاع عليها فليراجع غاية المرام للبحرانيّ و العبقات.

و في غاية المرام، عن الحموينيّ بإسناده عن يزيد بن حيّان قال: دخلنا على زيد بن أرقم فقال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ألا إنّي تركت فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله عزّوجلّ من اتّبعه كان على هدى و من تركه كان على ضلالة، ثمّ أهل بيتي اُذكّركم الله في أهل بيتي ثلاث مرّات.

قلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا أهل بيته عصبته الّذين حرموا الصدقة بعده آل عليّ و آل عبّاس و آل جعفر و آل عقيل.

و فيه، أيضاً عن مسلم في صحيحة بإسناده عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله هو حبل الله من اتّبعه كان على الهدى و من تركه كان على ضلالة، فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا أيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر ثمّ الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى أهلها و قومها. أهل بيته أصله و عصبته الّذين حرموا الصدقة بعده.

أقول: فسّر البيت بالنسب كما يطلق عرفاً على هذا المعنى، يقال: بيوتات العرب بمعنى الأنساب، لكن الروايات السابقة عن اُمّ سلمة و غيرها تدفع هذا المعنى و تفسّر أهل البيت بعليّ و فاطمة و ابنيهماعليهم‌السلام .

و في المجمع، قال مقاتل بن حيّان: لمّا رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع

٣٣٨

زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: هل نزل فينا شي‏ء من القرآن؟ قلن: لا.

فأتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ النساء لفي خيبة و خسار، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و ممّ ذلك؟ قالت: لأنّهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى هذه الآية( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ ) إلخ.

أقول: و في روايات اُخر أنّ القائلة هي اُمّ سلمة.

٣٣٩

( سورة الأحزاب الآيات ٣٦ - ٤٠)

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ( ٣٦ ) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ  فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا  وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا ( ٣٧ ) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ  سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ  وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ( ٣٨ ) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ  وَكَفَىٰ بِاللهِ حَسِيبًا ( ٣٩ ) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ  وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( ٤٠ )

( بيان)

الآيات أعني قوله:( وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ - إلى قوله -وَ كانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) في قصة تزوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزوج مولاه زيد الذي كان قد اتخذه ابنا، و لا يبعد أن تكون الآية الأولى أعني قوله:( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ ) الآية، مرتبطة بالآيات التالية كالتوطئة لها.

قوله تعالى:( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425