الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128769 / تحميل: 6815
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وبعد أشهر من القراءة والبحث عن الحقيقة والحوارات الطويلة حدث أمر أعتبره العامل المفصلي في اعتناقي للإسلام. كنت واقفة في غرفة ابني أحاول أن أصلي. وكان أمامي كتاب عن الإسلام مفتوح على فصل «كيفية الصلاة». وقفت هناك أصارع نفسي. لم أكن قد اعتدت الصلاة مباشرة؟. طيلة حياتي علموني أن أصلي ليسوع وهو سيوصل صلاتي إلى الله... لذا خشيت أنني أقوم بأمر خطأ، ولم أشأ أن يغضب يسوع عليّ! وفي تلك اللحظة، خطرت لي فكرة كموجة عاتية. هل يعقل أن الله سيغضب إذا أردت أن أكون أكثر قرباً منه؟ وهل يعقل أن يسوع سيستاء مني إذا حاولت أن أكون أكثر قرباً من الله..؟ أليس ذلك ما يريدني أن أفعله؟ إن الله.. أعلم بنيتي. حتى هذا اليوم، لا زلت أعتقد أن الله.... كان يتحدث إليّ - بهذه القوة كان الشعور والصوت الذي شعرت به في داخلي. ممَّ كنت أخشى؟ كيف يمكنني أن لا أعتنق الإسلام؟ في تلك اللحظة بكيت طويلاً.

كان ذلك ما احتجت سماعه. وعلمت حينها أنه يجب أن أدخل في الإسلام. شعرت بأن ذلك هو الأمر الصائب وما خلا ذلك أمور غير مهمة.

وبعد أن نطقت بالشهادتين أمام المدرسة كلها أصبحت إنسانة أخرى. لم يعد لديَّ ذلك الشعور بعدم الانتماء وبماذا أؤمن، فقد تحرّرت من القلق الذي كان لديَّ من قبل وولىَّ إلى غير رجعة. وعلمت أنني قد اتخذت القرار الصائب.

لم أكن قط على هذا القدر من القرب من الله.. كما أصبحت بعد أن اعتنقت الإسلام. الحمد لله.. أنا إنسانة محظوظة. وأشكركم على السماح لي بمشاطرتكم تجربتي.

٢٢١

بعد رحلة طويلة من البحث والإبحار في عالم الأفكار والأديان:

سفينة المسلم الهندي نيرڤان تحطّ بأمان على شاطئ الإِسلام

· قصة أخرى مشوّقة من قصص المهتدين للإِسلام، ذات دلالات وإيحاءات غنية بالتجارب الإنسانية والمشاعر الإيمانية الفياضة، يسردها بإيجاز للقرّاء المعتنق الجديد للإِسلام، الأخ الهندي نيرفان، بعدما غمرته أنوار الهداية الإلهية وأنقذته من مهاوي التيه والشك والضلال.

متى وكيف بدأت القصة كلها؟ وهل بدأت فعلاً أم كانت مجرد يقظة روحية؟ إنه إدراك للحقيقة التي طالما كانت كامنة في داخلي؟

إسمي نيرڤان، من التابعية الهندية. لقد وُلدت لعائلة مختلطة، فأبي هندوسي وأمي مسلمة. منذ طفولتي أذكر بوضوح أنني لم أتلقَّ أي تربية دينية من أي نوع كانت. فأبي لم يكن هندوسياً متديناً، فيما تخلت أمي عن الإِسلام، لذا فقد تربيتُ في ما يمكن وصفه بالـ «خواء» الديني والروحي، بيد أنني سأظل ممتناً لأبويَّ لزرعهما فيّ القيم الأخلاقية التي ستظل ترشدني طيلة حياتي. فمع أن عائلتي لم تكن متدينة، إلا أنها ربتني على مبادئ أخلاقية جيّدة تتمثّل في طاعة الأبوين، والصدق، والامتناع عن السرقة، وخدمة الناس كان حجر الزاوية لحياتنا اليومية.

أدركت مؤخراً خلال فترة المراهقة أنه كانت تجول في خلدي ألغاز الوجود: ما هي الغاية من الحياة على الأرض؟ هل الموت هو نهاية كل شيء؟ هل هناك إله؟ وقد تحرك شيء ما في أعماقي موجِّهاً عقلي نحو سعي دؤوب طلباً للحقيقة. كنت بحاجة إلى أجوبة منطقية واضحة وشاملة عن كل تلك الأسئلة التي أرّقت حياتي وحيّرت لُبّي. وعزمتُ على خوض المغامرة، مع أنها متاهة معقدة حول اللاهوت، وطقوس الغابرين، والفلسفة.

٢٢٢

إنطلاقاً من الإلحاد، شققت طريقي إلى البوذية، والمسيحية، والهندوسية، إلا أنني لم أجد أي طمأنينة في أي منها. تملّكني شعور بأن الحقيقة موجودة في مكان ما، ربما أمام عينيّ، إلا أنها لا تزال تراوغني. وفي مرحلة معينة، تخليت عن البحث وتملّكني اليأس. فَلُذت بنيتشه، وسارتر، وكانط، وهاديجر، وماركس، وفرويد، وأندريه جيد، وكريشنامورتي... ولَكَم بدا الإلحاد أكثر إغراءً لي! أقوال مثل «الله قد مات»، «الدين أفيون الجماهير»، «الأديان تنبع من الخوف الفطري من الأب في المجتمعات البدائية». كنت أحيا وأموت بكتب نيتشه وموسيقى مارلين مانسون. حتى أنني أخذتُ أقرأ «الكتاب الشيطاني المقدس» وأصبحتُ مهتماً بالويكا أو الوثنية. وقد قادني هذا الأمر إلى اكتشاف الميثولوجيا الإسكندناڤية، وآلهة الرومان والإغريق... بَيْدَ أن ظمأي للروحانية والحقيقة النهائية لم يتوقف.

عندئذٍ حصلت المعجزة! فذات يوم جمعة، قرّرت أن أذهب مع صديق مسلم إلى صلاة الجمعة لمجرد التسلية. لم يكن في نيتي أن أصلّي هناك، فقد كنت مجرد فضولي فيما يتعلق بالممارسات الدينية في الإِسلام. الدين الوحيد الذي لم أبحث فيه - لقد استمعنا إلى خطبة الإمام وأديتُ حركات الصلاة من خلال تقليدي لصديقي (القيام، والركوع والسجود). عند هذه النقطة، عشتُ تجربة سماوية روحية غريبة. لم أسمع أي صوت، ولم أرَ أي نور... شعرتُ فقط بعاطفة سماوية وكأنها تجذبني. وكلما لامست جبهتي الأرض، كنت أشعر وكأنها لا تريد أن تفارقها. لقد أرسل الله هدايته إليّ. ولن أعود لحالي السابق بعد الآن أبداً.

وبعد الصلاة، سألني صديقي عن شعوري، فلم أجبه، لأن لغة البشر لا يمكن أن تعبّر عن تلك العاطفة بشكلٍ كافٍ. ذلك الإحساس بالحبور تملّك عقلي لأيام، وكان يشير إلى اتجاه واضح جداً: «الإِسلام»، فتساءلت «هل أنخرط في البحث من جديد؟» كانت قوة خفية ما تدفعني إلى الأمام وترشدني للقيام بذلك. وبعد فترة قصيرة، ألفيت نفسي غارقاً في مطالعة الكتب الإِسلامية ومعجباً بأركان الإيمان الخمسة، والعقائد، والمعجزات العلمية في القرآن، والكمال الرياضي. وشرعتُ في الصلاة بحماسة والدراسة الجادة للقرآن، ولكن القصة لم تنته هنا.

٢٢٣

لقد سقطتُ مرات عديدة في بحور الشك، والشيطان يطاردني بإغراءاته. أمضيت ليالٍ طويلة أرقاً متسائلاً إذا ما كنت على الصراط المستقيم، وهل كنت أتصرف بتهور أم لا؟ حتى أنني بلغتُ حافة الارتداد وتملّكتني رغبة بالتخلي عن كل شيء. وتزامن ذلك مع مشاكل واجهتها في المنزل لكون عائلتي غير مسلمة، مما جعل ترك الإِسلام يروق لي، فتركتُ الصلاة، المعراج الشريف، وأصبحتُ أناظر المسلمين حول معتقداتهم وأساعد المواقع المعادية للإِسلام على شبكة الإنترنت. إلا أن شيئاً ما في قلبي ما كان ليتركني أتخلى عن الله. وأدركت أن تلك الأوقات العصيبة كانت فترة ابتلاء لي، فهل أنجح أم أفشل؟ أخذت أصلّي ليل نهار، وأتوسل إلى الله طالباً العون. شعرت بالخجل لأنني شككت في كلمة الله وتركتُ نفسي تتأثر بالحملات المعادية للإِسلام. شعرتُ بالغثيان لأنني كنت ضحية الشك في كل مرة، وتوسلت إلى الله طالباً الغفران. ولكن في النهاية غمرني النور.

شيئاً فشيئاً، قوّى الله تعالى إيماني وجعلني أصمد. واجهتُ النقد والقسوة من الآخرين بالصبر والسكينة، فلم أجادل أو أغتاظ قط. وإذا ما غمرتني الكآبة، توجهت إلى الله للهداية والعون. لقد عدت إلى دين الفطرة، فماذا هناك لأخافه، وأدركت أن المغامرة لم تنته... بل هي قد بدأت. رحلة فاتنة في أرجاء معجزات وأطايب الإِسلام.

لم أبلغ نهاية الطريق بعد، ولكنني الآن في حالة سلام مع نفسي ومع الله تعالى.

٢٢٤

الهداية إلى الصراط المستقيم

بقلم الأخت زهراء (جويس سلوتر) سابقاً

· الأخت الأميركية جويس سلوتر (زهراء) لاح لها شعاع الإِسلام في مراحل عديدة مرّت بها خلال حياتها وتجاربها الدينية السابقة، وظل يلاحقها حتى عمّها أخيراً سنا بريقه الساطع. فاهتدت إلى الصراط المستقيم، كما تقول في قصَّتها التالية التي بعثت بها إلى المجلة، وهي تعمل حالياً على إرساء دعائم الإِسلام ونشره في منطقتها في ولاية ميشغان إلى جانب أخواتها في منظمة المسلمات الأميركيات.

لقد وُلدت في تشرين الثاني/نوڤمبر 1947م من أبوين أميركيين، وقد رباني أهلي تربية كاثوليكية وكانت أمي قد اعتنقت الكاثوليكية قبل زواجها بأبي. وهي تنحدر من سلالة من البروتستانت المحافظين جداً وقد درس العديد من أفراد عائلتها في معهد مودي للكتاب المقدس، كما كان بعض أفراد عائلتها من اليهود، وقد شرحت لي أمي بعض الشرائع اليهودية.

ولطالما كنت مهتمة منذ الصغر بثقافات الآخرين. حيث كنت شغوفة بدراسة المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة.

وقد أقنعتني عناصر التشابه في العديد من الممارسات والمعتقدات الدينية بأن هناك معتقداً أصلياً تم نسيانه وتغييره عبر الزمن.

لقد تعلمتُ في مدرسة كاثوليكية حتى المرحلة الثانوية. وقد فكرتُ بدايةً في أن أصبح ملتزمة دينياً، غير أنني لم أوفق لذلك مع أنني كنت أواظب على حضور الصلاة في الكنيسة بقلب مؤمن وأتلقى التعاليم الكنسية في الوقت المحدد.

في ذلك الوقت، تعرّفت لأول مرة على الإِسلام، حيث كنت قد بدأتُ بدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الثانوية. وكما هو معلوم فإن شبه الجزيرة الإيبيرية تأثرت إلى حد بعيد بالثقافة الإِسلامية منذ التواجد الإِسلامي في الأندلس.

وللأسف فإنني لدى شروعي في دراستي الجامعية تركتُ ممارساتي الدينية. حتى خلال العديد من المشاكل أثناء زواجي الأول، لم أذهب للصلاة في الكنيسة. كنت أتلو صلاتي بمفردي وأقرأ في الوقت عينه عن الأديان المختلفة.

٢٢٥

وبعدما مررتُ بمرحلة مليئة بالقلق. بدأتُ بالذهاب مجدداً إلى الكنيسة ومررتُ بتجربة «الولادة الجديدة». وهذه هي مرحلة قرب خاص من الله تعالى.

بَيْدَ أن الله تعالى كان قد رسم لي خطة أخرى ليقرّبني منه أكثر، أو هكذا يبدو الأمر لي عندما أعود بالذاكرة. لقد تصادقت ابنتي مع فتاة إيرانية في المدرسة. وقد التقيتُ بأهل تلك الفتاة وتعرفتُ على ثقافتهم. عندها اشتريتُ لأول مرة ترجمة للقرآن الكريم. وبعد حوالى عام انتقلنا إلى سكن آخر، حيث التقيت بإحدى صديقاتي التي كانت متزوجة من إيراني. ومجدداً تعرّفت أكثر على الثقافة الإيرانية وكيفية طهو بعض الأطباق الإيرانية. ومع أن صديقتي لم تكن مسلمة، إلا أنها حدثتني عن الإِسلام، ومجدداً شدّ ذلك اهتمامي. في العام 1997م بدأ يساورني شعور بأن الله تعالى يريدني أن أقوم بأمر ما، شيء أكثر من مجرد إطاعة تعاليم الكنيسة وقوانين البلاد. شعرتُ بأن عليّ أن أبدأ بتعلم قيادة سيارتي بمفردي إلى أماكن بعيدة، لذا كنت أذهب إلى أوماها في نبراسكا للعمل هناك طيلة أسبوع. وذهبتُ للاعتراف في فترة عيد الميلاد وأخبرتُ الكاهن بشعوري بأن لديَّ مهمة خاصة. أعتقد أنه ظن أنني إنسانة «غريبة الأطوار». ثم في كانون الثاني/يناير 1998م، توفي زوجي الثاني إثر ذبحة قلبية. كان عمره 46 عاماً فقط. وعندئذٍ أصبحت قريبة جداً من الله تعالى وقد منحني ذلك قدراً كبيراً من الراحة.

أمضيتُ قسماً كبيراً من وقتي باحثة عما عليّ القيام به لنفسي في ذلك الحين. أصبحتُ نشطة جداً في الكنيسة كالمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة، وقد تم انتخابي عضواً في مجلس الرعية. وعبر كنيستي التقيتُ أشخاصاً من سائر أنحاء العالم. وقد تمكنتُ من السفر إلى الهند وإسبانيا.

وفي الهند رأيتُ الناس من جميع الأديان يعيشون معاً منسجمين.

٢٢٦

وفي أيار/مايو 2001م قررت أخيراً الإصغاء لنداء الله وركزت على الصلاة من أجل السلام في العالم. وقد شعرتُ على امتداد السنوات أن لديَّ حافزاً قوياً للعمل من أجل السلام في العالم. وقد بدت تلك مهمة مستحيلة.

في الأعوام القليلة التالية واصلت حياتي كما في السابق، كنت أقرأ عن الأديان الأخرى واستمريت في الأنشطة التطوعية. في العام 2003م بدأتُ بحضور سلسلة من المحاضرات عن الإِسلام في مسجد في بلومنغتون. وبعد أن انتهت السلسلة بدأتُ بحضور جلسات في منزل إحدى الأخوات إلا أنني انتقلت بعد ذلك، لذا توقفتُ عن حضورها. عرفت بأنني سأصبح مسلمة إلا أنني لم أرد أن أستسلم وأتغير. لقد اشتريتُ نسخة من القرآن الكريم ترجمها يوسف علي وقرأتها كلها. وقد قرأتُ سيرة النبي محمد (ص) وكتباً عن الإِسلام. وعندما نفق كلبي، لم أحضر كلباً آخر بل قطة لأنني عرفتُ أن معظم المسلمين يعتقدون أن الكلاب نجسة.

حلّ العام 2006م وتلقيتُ المزيد من الإشارات من الله تعالى ذات مرة كنت وصديقة لي نتحدّث عن المشاكل في العالم الإِسلامي، فقالت لي إننا من غير المسلمين ولا يمكن لنا أن نكون ممن يحمل السلام للعالم الإِسلامي. واتفقنا أن ذلك يحدث فقط من خلال المسلمين أنفسهم. وأدركتُ أنني إذا ما أردت العمل من أجل السلام في العالم فإنه عليّ أن أصبح مسلمة، إلا أن نفسي الضعيفة لم ترغب بالتغيير. وقد تجاهلتُ المزيد من الإلهامات الإلهية التي وصلت إليّ عبر أشخاص في مجموعة دراسة الكتاب المقدس التي كنت أنتمي إليها. إحدى السيدات كانت تقول للجميع باستمرار إن علينا أن نستسلم لمشيئة الله أليس ذلك ما يتضمنه الإِسلام؟ سيدة أخرى قالت اختاروا طريقاً والتزموا به. أليس الإِسلام هو الصراط المستقيم؟ لقد حاولت خلال أعوام أن أحصل على شيء يربطني أكثر بالكنيسة الكاثوليكية، وتقدمت بطلبات لعدة وظائف في أبرشيتنا، إلا أنهم لم يجدوني ملائمة للوظيفة. أعرف أن الله تعالى بمشيئته قد حال دون توظيفي كي أكون حرة أكثر من أجل الإِسلام. ومع ذلك، لم أكن أخال نفسي عنيدة إلا أنني كنت كذلك فعلاً، لم أشأ التخلّي في هذا الوقت عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير ومن ثَمَّ المواظبة على الصلاة اليومية، والالتزام باللباس الشرعي الإِسلامي.

٢٢٧

أخيراً، وخلال حضوري دروساً جامعية، قررت التوقف عن شرب الكحول. وعندما تمكّنتُ من القيام بذلك، عرفتُ أنني قادرة على القيام بأي شيءٍ آخر. ورغم ذلك استمر خوفي من تلك الخطوة. إلى أن دعوت الله تعالى أن يهيء لي معلماً إذا أرادني أن أعتنق الإِسلام. وبما أنني كنت أدرس في جامعة كاثوليكية كنت متأكدة أن معلماً كهذا لن يظهر أبداً.

ولكن الله تعالى يقول في (سورة يس آية 82):﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ﴿82﴾ ﴾ . فقد جاءني المعلم المسلم إلى صف اللاهوت المسيحي الذي كنت أتابع فيه، عندها، أدركتُ أنه لا مكان للتردد بعد الآن، فأدّيت الشهادة لله ولرسوله بعد فترة قصيرة. أعرف الآن أن عليّ الاستمرار في كفاحي كي أكون مسلمة صالحة عاملة ولكني أعرف أني بعون الله وبمساعدة إخواني وأخواتي المسلمين سأظل على الصراط المستقيم.

٢٢٨

(سيريل سفراك)

الشاب الفرنسي المهتدي للإِسلام

هكذا استنار قلبي بنور الإِسلام المتجلّي بالنبي الأكرم (ص) والمتجسّد بنهج أهل البيت (عليهم السلام)

«سيريل سفراك» شاب أخلص قلبه لله منذ طفولته، فأكرمه تعالى بنعمة الإِسلام في شبابه، وبرحمته أصبح شاباً مسلماً فخوراً بانتمائه الجديد رغم انتقادات الكثيرين من حوله لكونه فرنسياً اعتنق الإِسلام.

لكن قلب «سيريل» مطمئن بالإيمان مستنير بكلمة الحق التي تجلت في دين محمد (ص) وتجسدت في نهج آل البيت (عليهم السلام) ، وهو هنا يروي عبر مجلة (نور الإِسلام) قصة هذا التحول نحو الإِسلام الذي يراه: الحب الخالص لله.

يقول «سيريل»: وُلدت عام 1975م في أُسرة لا يؤمن أفرادها حقاً بوجوده تعالى. لم يلق تناولي للقربانة الأولى التي تمثل دخولي إلى الديانة المسيحية أي اعتراض بينهم ولا أي تشجيع. التحقتُ صغيراً بصفوف التعليم الديني. كنت متحمساً جداً فرحاً بما أتلقاه من تعاليم؛ خاصة عندما يتعلق الموضوع بالمسيح (ع) ، كانت معلومات سطحية بعض الشيء، لكنها كانت كافية لتغذي حلم كاهن صغير لا زال في سن الثانية عشر... صرتُ أقرأ التوراة والإنجيل بارتياح كبير حتى تعمّقتُ في قراءتهما، فبدا لي وقتذاك شرخاً كبيراً بين تعاليم الكتب المقدسة والدروس الكنسية، وبدأتُ أطرح على نفسي أسئلة جمة كتحريم زواج رجل الدين، مع أن الزواج خطوة مباركة يحثُّ عليها الدين، أو انتشار الأيقونات والمنحوتات كرموز دينية. حتى في الكنائس. مع أن ذلك لا يتناسب مع ما نص عليه الكتاب المقدس... كثرة الأسئلة، وكثرة التناقضات، دفعت بي إلى التمسك بإيماني (بديني) في حين أسقطت من اهتماماتي تعاليم الكنيسة، فكانت علاقتي بالله مباشرة لا تمر عبر كنيسة ولا تحدها سلطة دينية، هذا الخط الذي رسمته في سن الخامسة عشر، أخلصت له سنين طويلة.

٢٢٩

أذكر أني حين تعرفتُ إلى أصدقاء من «شهود يهوه» كنت أحاججهم بإيماني بالإنجيل، كانت أسئلتهم تحثني على البحث لاستخلاص الأجوبة، ولكن ما تعلمته من خصمي أن العقل هو السبيل لمعرفة الله «وهذا لا زال منهجاً في حياتي الدينية».

خلال أعوام دراستي الجامعية (كنت قد اخترت دراسة علم النفس) تعرفت على صديق سرعان ما صار بمثابة أخ لي، كان يجمعنا، عدا السكن الجامعي، سهرات قضيناها معاً تبادلنا فيها الآراء وأخرى ناقشنا فيها أفكاراً فلسفية لا حدود لها.

كان صديقي مسلماً، يصوم شهر رمضان لا أكثر، لكن إيمانه الداخلي كان يحاكي قناعاتي التي كونتها عن الله، ولما كنت أفتقر إلى كثير من المعلومات حول ديانته (الإِسلام) قدم لي مرة كتاب «القرآن» وعلمني كيفية الوضوء شارحاً لي ضرورة القيام به عند قراءة القرآن. ظل الكتاب على طاولتي شهوراً لم أفتحه، كنت أشعر أني لست جديراً بفتحه، وغاب صديقي عني فجأة.. واختفى! صدفة أخرى جمعتني بسيدة مغربية دعتني لحضور حلقات دينية كانت تعقد في شهر رمضان، بدا لي الحديث عن الإِسلام جلياً، فبادرتُ أطرح أسئلتي وأتعرف أكثر فأكثر على الإِسلام، ولا أنسى أني سمعتُ لأول مرة في حياتي عن الصهيونية العالمية وكان عمري قد تجاوز السابعة والعشرين.... وبدأتُ رحلة البحث عن الحقيقة: صرتُ أنهل من هذا العلم الواسع لأجد الأجوبة الشافية لأسئلتي، وأستغرقُ في البحث والتفكير فتمضي ليالٍ تلو أخرى والتساؤلات تكبر في داخلي، فأرويها بالمعرفة والتزود، ويقيني بوجود دين يجيب على أسئلتي (تطلعاتي وأفكاري) يتأكد يوماً بعد يوم، فعرفت أن الدين الإِسلامي هو آخر الديانات السماوية، وأن الله هو الرب الأوحد لكل هذه الديانات، فاعتقدتُ بذلك، وصرتُ أرى الإِسلام مُكمّلاً لها. ذات يوم تجرأت وفتحت القرآن، ومن قراءتي لأول آياته، تعلقت بكتابي، وصرت أقرأ وأزداد تعلقاً وأتمنى أن أصل إلى آخر صفحاته. فهمتُ أن المسلم يؤمن بوجود المسيح كرسول كريم وهذه الحقيقة لعيسى (ع) لاقت صورة رسمتها سابقاً في داخلي للمسيح الذي آمنت بوجوده على طريقتي (على فطرتي)، وتوضحت أكثر. اعتقدت ببعثة محمد (ص) خاتماً للرسل، صرتُ أراني مسلماً بشكلٍ عفوي وتلقائي؛ فكيف أتعبد؟ تودّدتُ لجار لي، سوري علوي، كنا نتحاور وحين يصعب سؤالي عليه، كان يتصل بأستاذه في سوريا ويجيبني، حدثني كثيراً عن الإمام علي (ع) ، شخصية جذبتني بعفوية، لكن مبالغات جاري وصديقي لم تخفَ عليّ.

٢٣٠

نهج أهل البيت(عليهم السلام) :

واصلت البحث وتعمقت أكثر، وكان طريق أهل البيت بالنسبة لي هو المنهج السليم والنيّر، فخيانة يهوذا في الدين المسيحي حادثة تعيد نفسها بعد وفاة النبي (ص) وانقلاب بعض الأصحاب عليه، وهذه الخيانات يحذرنا منها القرآن الكريم في مواضع عدة، والنبي محمد (ص) الذي تأذى أكثر من كل الأنبياء في حياته، لم يرحمه أتباعه من بعده، فالتيار جرف كثيراً من المسلمين وقلة منهم تمسك بوصاياه. هنا، يرشدنا العقل إلى السبيل القويم، إلى نهج آل محمد (ص) ، ولمَ كان أتباعه الخلّص قلة تفانوا لأجله وما زالوا.

أصداء:

كان لاعتناقي الإِسلام صدى كبيراً لدى مَن حولي: أصدقائي وزملائي في الجامعة على وجه الخصوص. أحدهم (والذي جمعتني به صلة قرابة لاحقاً: صار أخ زوجتي) كان يأتي إليّ يحدثني عن الإِسلام، ونصلي معاً، ويصحح لي ما تعلمته، ويوضح لي الأحكام الشرعية، فصرت أتبع المدرسة الجعفرية. (مدرسة الإمام الصادق (ع) ):

وصارت تعقد في غرفتي حلقات الحوار والنقاشات الفلسفية والتي غالباً ما جمعت الكثير من الشبان والشابات، فكانت فرصتي للتعرف على زوجتي التي كانت وما زالت بالنسبة لي لطفاً إلهياً مباركاً أنار دربي؛ إذ كان لها الفضل أولاً في تعليمي حفظ بعض السور، وكذلك أداء الصلاة باللغة العربية. وفجأة ظهر صديقي وأخي الذي افتقدته طويلاً، أطل هذه المرة بحلة جديدة، فقد التزم دينياً واصطحبني إلى المسجد لأول مرة وشرح لي أحكام صلاة الجماعة، وتزوج هو أيضاً، وكلانا رزق بطفلة، فكبرت عائلتانا في نور الإِسلام.

إلهي وسيدي الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسري... الحمد لك والشكر لك على ما خلقتني وسوّيتني، وربّيتني وأعطيتني حمداً دائماً لا ينقطع أبداً.. اللّهمّ املأ قلبي حباً لك وخشية منك وتصديقاً لك وإيماناً بك.

٢٣١

قصة إسلام الشاب الأرجنتيني

«محمد عيسى غارسيا»

من آثار السمعة الحسنة التي حققها مسلمو الأرجنتين هي ظاهرة إسلام العديد من المواطنين من أصل أرجنتيني نظراً للقِيَم النبيلة التي لمسوها في الدين الإِسلامي والطابع الأخلاقي السليم لسلوك المهاجرين المسلمين.

في هذا الإطار تلقينا من الأخ الكاتب مجاهد شرارة المقيم في الأرجنتين قصة شيقة عن (محمد عيسى غارسيا) وهو شاب أرجنتيني وجد سعادته كما يقول في الإِسلام بعد بحث طويل عن الحقيقة مقتفياً آثار الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)

حكاية محمد عيسى أنه ولد لأبوين نصرانيين وقد أمضى طفولته في التردد على الكنيسة، ولمّا بلغ العاشرة من عمره أنهضته نفسه البريئة إلى بداية رحلة جديدة للتأمل في الكون الذي حوله، ورغم صغر سنّه وقصور ذهنه على الاستدلال إلّا أن فطرته لم تكن لتتقبّل عقيدة التثليث فقد كان يميل ببراءته إلى أن عيسى بن مريم (ع) شخصية عظيمة وليس إلهاً، وهذه المسألة هي التي فتحت باب المناقشات والتساؤلات بينه وبين أهله في البيت ومع قساوسة الكنيسة التي يتردد إليها.

لم يجد محمد عيسى غارسيا وهو الطفل البريء جواباً شافياً على تساؤلاته المبكّرة وما يجيش في نفسه، وازدادت حيرته وقلقه عندما لم يعر أهله والكنيسة اهتماماً بسؤاله نظراً لصغر سنّه.

مرّت الأعوام بمحمد عيسى حتى بلغ الخامسة عشر وهو يحمل في نفسه تلك الأسئلة، ودخل الثانوية العامة، وتلقى في أثناء دراسته كلاماً سطحياً عن الإِسلام ومغلوطاً في الكثير من الأحيان، فالكتاب المدرسي يذكر أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود ويسجدون للكعبة مصحوباً بصور للمسلمين وهم يصلون ويسجدون ويطوفون حول الكعبة.

٢٣٢

كبر محمد عيسى وكبرت معه حيرته فهو الآن شاب بإمكانه أن يحلّل ويستدل فقد قوِيَ تمسّكه وولعه بالبحث عن الحقيقة. وفي ليلة من ليالي شهر أكتوبر عام 1989 ضاقت به نفسه فالسؤال ما زال يتردد داخله، من هو خالق الكون؟! ووقف في جنح الليل ينظر إلى السماء هاتفاً: «يا أنت الذي خلقتني اهدني للحق وإلّا خذ روحي فإني أعيش حياة ضالة» وانهمرت من عينيه دموع الحيرة ثم استسلم للنوم. وفي الصباح استيقظ على طرق الباب فوجد محمد رجلاً مشرق الوجه يطلب منه أن يحدِّثه لبعض الوقت، وبدأ حديثه بقوله: أنا «ماشوركا»، مسلم جئت لأحدثك عن الإِسلام. وأخذ ماشوركا يحدّثه عن الله ووحدانيته وعظمته وكيف أنه يستحق العبادة ومنزّه عن كل نقص.

انشرح قلب محمد عيسى غارسيا لهذه الكلمات، ونظر إلى السماء متذكراً ما دعا به في الليلة الماضية، وشعر برحمة الله تحفه ونفحات الإيمان تتدافع في قلبه. دام حديث ماشوركا معه ثلاث ساعات بعدها استأذن لصلاة الجمعة. وقبل أن ينصرف طلب غارسيا أن يرافقه إلى المسجد، فقد وجد ضالته ولن يتركها تضيع من بين يديه، واستمع للخطبة التي تحدثت عن الإِسلام. وما إن فرغ المصلّون من الصلاة حتى توجه محمد غارسيا إلى ماشوركا مخاطباً: أريد أن أسلم، ماذا أفعل؟ فقال له: عليك بنطق الشهادتين ثم الاغتسال. ففعل محمد غارسيا ما طلب منه فكبّر المصلّون فرحاً بإسلامه.

طريق الأهل الشائك والهجرة إلى الحقيقة:

تعلّم محمد عيسى غارسيا في المدرسة والبيت الحرية في أن يعتقد ما يريد دون أن يؤثر ذلك في حياة الأسرة، لكن ما حدث بعد إسلامه كان خلاف ذلك، فقد واجهته المصاعب من جميع الجهات؛ فوالدته غضبت منه غضباً شديداً وتوعدته رغم حبها الجمّ له، وقام والده بطرده من المنزل وهو ما زال طالباً لم يتعدَّ 18 عاماً، فخرج حزيناً من بيته مصدوماً من أهله الذين طالما تغنوا بالحرية في المعتقد والسلوك.

٢٣٣

ليس لمحمد عيسى غارسيا أحد يلجأ إليه سوى «ماشوركا» الذي احتضنه ووفر له عملاً بسيطاً في شركة لتصنيع البلاستيك، ومأوى في بيته كي يعيش فيه. ظل محمد عيسى يعمل ويتردد إلى المسجد كي يتعلم العربية وتعاليم الإِسلام، كان جلّ همّه أن يستزيد من المعرفة وينهل من نهج نبي الإِسلام (ص)

رغب محمد عيسى أن يتعلم سيرة النبي (ص) فأقبل على كتاب السيرة النبوية «لمارتن لينكس»، وكلما قرأ عن الاضطهاد الذي تعرض له النبي وكيف صبر عليه، ازداد صلابة في مواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها، وبعد فترة اجتهد محمد عيسى في حفظ القرآن والأحاديث النبوية حتى حفظ جزء «عم» و«الأربعون النووية».

ظلّت نفس محمد عيسى تهفو لزيارة البيت الحرام والوقوف أمام مقام الرسول (ص) حتى أتت فرصة الحج عام 1993 ووقف أمام الكعبة يصلّي معلناً أنه لا يسجد لها ولا يعبد الحجر الأسود بل يسجد ويعبد الله وحده.

بعد الحج عزم محمد عيسى على التخصص في علم الحديث بعدما تعلّم اللغة العربية، وكانت ترافقه أمنية في أن يهدي الله أُمه للإِسلام فأخذ يراسلها ويكتب إليها ويتصل بها بين الحين والحين، وفي إحدى المرات فاجأته أُمه بقولها: «لقد أسلمتُ يا محمد» حينها طار قلب محمد فرحاً لإِسلام أُمه.

عاد محمد عيسى عام 2004 إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت إحدى عشر عاماً، حفظ خلالها عشرة أجزاء من القرآن الكريم وأتقن اللغة العربية، آنذاك حمل محمد عيسى لواء الدعو إلى الله وتبصير الناس بالله وبالإِسلام لكنه واجه ظروفاً صعبة، ولكن من براثن الظلام يتولد الضوء، فكثير من الأرجنتينيين بدأوا يسألونه عن الإِسلام وهو يشرح لهم حقيقة الافتراءات التي ألصقت بهذا الدين الحنيف، حتى أسلم على يديه 70 رجلاً وامرأة خصصوا لهم مكاناً للصلاة في حيّهم، ويقوم محمد عيسى بتدريس العربية للمسلمين الجدد وتعليمهم قراءة القرآن وتعاليم الإِسلام.

٢٣٤

أصبحت الدعوة إلى الإِسلام هي الشغل الشاغل لمحمد عيسى وتطورت أساليبه في التبليغ، فنظراً إلى أنه يجيد اللغة العربية والإسبانية اتجه إلى الترجمة عندما وجد ندرة في الكتب الإِسلامية باللغة الإسبانية، فعمل مديراً لقسم اللغة الإسبانية في الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، وقد ترجم حتى الآن أكثر من سبعين كتاباً إسلامياً من العربية إلى الإسبانية، ويناشد محمد عيسى الجميع الحكومات والمؤسسات الإسلامية أن يدعموا الدعوة والتبليغ في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية، وأن تزيد حركة الترجمة وتتسع حتى تشمل جميع الكتب التي تحتضن العلوم الشرعية.

وليس غريباً أن يلوم المسلم الأرجنتيني محمد عيسى المسلمين على تقصيرهم في تبليغ رسالة الإِسلام في أمريكا اللاتينية، بعدما اطلع على عظمة الإِسلام ونجاعته في سعادة الإنسان في هذا العصر، فالمسلمون بنظره لا يقدّرون إسلامهم حق قدره. ويضيف محمد عيسى غارسياً قائلاً: «كثير من الدعاة يسافرون إلى أماكن أخرى من العالم مقابل عدد قليل جداً يأتي إلينا للدعوة إلى الله، وهذا يحزنني كثيراً، فالناس هنا في الأرجنتين، متقبلون للإِسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يرشدهم إليه».

نداء إلى المسلمين:

وفي نهاية حديثه معنا قال: «60% من الأرجنتينيين الذين أسلموا تعرفوا على الإِسلام من خلال مواقع الإنترنت، وهناك مواقع إسبانية عن الإِسلام وكذلك منتديات للحوار باللغة الإسبانية، لذلك أناشد الشباب المسلم العربي أن يتعلم اللغة الإسبانية يدخل إلى هذه المواقع ليدعوا إلى الله، أرجو أن تهتموا بأمور المسلمين الجدد في أمريكا اللاتينية ونحن نرحب بكم جميعاً ونود أن نستقبلكم في بيوتنا».

٢٣٥

قصّة قسيس روسي

اعتنق الإسلام بعد صراع ضد الإلحاد :

من هو القسيس المسيحي الروسي الذي اعتنق الإسلام وما هي قصة الشيخ الذي دخل عليه إلى قلب الكنيسة وكان كلامه بمثابة دعوة للهدى، وماذا يفعل بولوسين ورفاقه لنصرة الإسلام في روسيا؟

قال الدكتور في الفلسفة والعلوم السياسية علي فيتشسلاف بولوسين: «لقد تربيت في عائلة غير مؤمنة ولكنني كنت أدرك بإحساسي وجود الله الذي أتوجه إليه في كل ضائقة وسرعان ما تنفرج».

وأضاف بولوسين الذي وضع عدداً من المؤلفات حول علوم الدنيا والآخرة أبرزها كتابه «الخرافات والدين والدولة» الذي صدر في موسكو في عام 9991م إنه التحق بكلية الفلسفة في جامعة موسكو من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة الله (سبحانه وتعالى) حيث تخرَّج بعد أن أمعن في دراسة المسيحية الأرثوذكسية وقال «اكتشفت الكثير من التناقضات فيها».

وإبان العهد السوفياتي حيث كانت الشيوعية تمثل الإيديولوجية الرسمية للدولة وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تمثل البديل الوحيد الموجود التحق بولوسين بمدرسة الرهبان وأصبح قسيساً في عام 3891م. وأقر بولوسين بأن وضعه كراهب كان يشكِّل رمزاً للصراع ضد الإلحاد وفي الوقت نفسه فإن مقامه كراهب كان يفرض عليه ممارسة طقوس تلبية لاحتياجات الناس المؤمنين التي يقول إنه «لم يقتنع بها مما خلق لديه ازدواجية بين الإيمان الشخصي والواجب الديني الاجتماعي ويعتقد بولوسين أن شكوكه ومواقفه التي لم يكن قادراً على إخفائها كانت السبب وراء إبعاده إلى آسيا الوسطى للخدمة في إحدى الكنائس في طاجكستان «حيث تعرفت لأول مرة وبصورة مباشرة على المسلمين والإسلام الذي بدأت أشعر بانشداد إليه».

وروى بولوسين أن شيخاً وقوراً دخل عليه إلى قلب الكنيسة التي كان يرعى أمورها وبدون أن يقدِّم نفسه «سألني عدة أسئلة أجبته عليها وبعدها قال لي إنك تنظر إلى الأمور بعيون مسلم وستكون إن شاء الله من المسلمين».

٢٣٦

وقال بولوسين: «بدا هذا الأمر عجيباً وغريباً إذ دخل الشيخ إلى قلب الكنيسة بكل احترام ولكنه غير آبه بأي مكروه قد يتعرض إليه ليدعو راعي الكنيسة إلى الإسلام، والعجيب في الأمر أن هذه الدعوة دخلت إلى روحي ولم تلقَ مني أي مقاومة».

وأضاف: إن الأمر الأكثر عجباً أنني لم أرَ هذا الشيخ قبل هذه الحادثة ولا بعدها وبعد وقت أدركت أن مجيئه إليّ كان مثابة «دعوة للهدى».

وبعد آسيا الوسطى تولى بولوسين رعاية كنيسة مهجورة أعيد ترميمها في مدينة كالوغا حيث يعترف بأنه بدأ فيها ممارسة قناعته بالإيمان بعيداً عن الطقوس التي لم يكن يؤمن بها.

وبفضل العلاقة الطيبة التي ارتسمت بينه وبين رواد الكنيسة سارع الناس في سنوات الانفتاح والانعتاق الديني التي دشنتها البيرسترويكا إلى ترشيحه لعضوية البرلمان الروسي في عام 0991م حيث أصبح نائباً في البرلمان وترأس لجنة برلمانية لحرية العقيدة وتفرغ للعمل النيابي بعد أن تقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة حرره من التزاماته الشكلية الدينية.

وأضاف أن فترة عمله في البرلمان تُوِّجت بإقرار قانون حول الأديان منح الكثير من التسهيلات للمسلمين وظل العمل به مستمراً حتى عام 7991م.

ويعترف بولوسين أنه انكب في بداية التسعينيات على دراسة المصادر التاريخية القديمة للمسيحية في محاولة للوقوف على تفسيرات للشكوك التي انطوت عليها نفسه ولكن هذه الدراسة المتعمقة زادت شكوكه وعمقتها «حسب قوله».

واستطرد بأن عام 5991م كان عام التحول في قناعاته الدينية حيث توقف تماماً عن ممارسة عمله في الكنيسة وانتقل لدراسة الإسلام وقال: «لكن قراءة القرآن بالترجمة الروسية التي أعدها أغناتي كراتشكوفسكي شوهت المعاني السامية للقرآن التي لم تتضح بأبعادها العظيمة إلّا بعد مراجعة ترجمة عصرية للمعاني القرآنية والمؤلفات الإسلامية حول المسيح واستماعي إلى سلسلة محاضرات حول الدين الإسلامي حيث لم يبقَ لديّ أي شك في اعتناق الإسلام.

٢٣٧

وقال بولوسين «أعلنت إسلامي سراً ولم يكن يعلم به أحد سوى شخصين، وانطوى هذا القرار على خطر يتهدد حياتي وحياة زوجتي التي سبقتني إلى الإسلام وظللت على هذا الحال حتى العام الماضي حيث نطقت علناً بالشهادتين في حديث أدليت به لصحيفة «المسلمون» واتخذت لنفسي اسم علي وزوجتي علية».

ورداً على النظريات الغربية التي ترى أن الصراع بين الأديان والحضارات يبدو حتمياً أعرب بولوسين عن قناعته بأن روسيا تشكل نموذجاً يحتذى للتعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية بالرغم من بعض الفترات التاريخية التي ألحقت فيها الدولة أذى بالمسلمين كما حدث في العهد القيصري إبان حكم إيفان الرهيب وغيرها.

وحذر بولوسين من وجود أطراف خارجية تسعى لإثارة النعرات الدينية في روسيا من أجل تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الدولة الروسية.

ويتهم بولوسين الصهيونية بأنها صاحبة المصلحة الأولى في الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين في روسيا.

ودحض بولوسين بقوة محاولة إضفاء صفة الإرهاب على الإسلام قائلاً إن الأصولية اليهودية تشكل قمة التطرف لأنها تندرج في الإطار الإيديولوجي للصهيونية وتقوم على الخرافات التي كانت قائمة قبل ثلاثة آلاف عام.

وتساءل «كيف يتحدثون عن الأصولية الإسلامية وكلنا نعرف إن الأصولية اليهودية هي التي أقامت دولة على حساب شعب آخر استناداً إلى روايات خرافية وما زالت تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب الأمة العربية جمعاء».

وعن المهام الملحَّة التي يقوم بها بولوسين لنصرة الإسلام في روسيا قال إن المهمة الملحة تتمثل في «تقديم صورة صحيحة عن الإسلام للمواطنين الروس على جميع الأصعدة بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».

وأضاف أننا نقوم بنشر صورة الإسلام المشرقة بصفته ديناً قائماً على المحبة والتعايش السلمي وسط المثقفين الروس وبدأنا بإصدار نشرة الصراط المستقيم التي تتضمن مقالات تطرح نظرة عصرية وحديثة للإسلام في روسيا وموقف المسلمين إزاء معضلات ومشكلات المجتمع الروسي.

٢٣٨

وذكر بولوسين الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً لدى رئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا أنه يعمل مع فريق من المسلمين الروس على وضع أسس لبرنامج اجتماعي للمسلمين الروس من أجل طرحه في الأوساط الروسية الرسمية والاجتماعية.

٢٣٩

الأخ الإسباني يوسف فرنانديز

يقول:

· أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة، فهو نهج حياة واضح لا يكتنفه غموض أو أسرار.

· قبل الإسلام كنت شخصاً عصبياً متشائماً لا يرى معنى لوجوده.. وقد أصبحت بعده إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً.

· في إسبانيا آفاق الدعوة إلى الإسلام جيّدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً.

يوسف فرنانديز.. أخ مسلم غربي آخر يروي قصّة تحوّله المشوّقة إلى جمال أنوار الإسلام، بعد رحلة طالت مع العقائد والأفكار السائدة في عالم الغرب، التي لم تشفِ غليله، ولم توفّر له قناعة بسلامتها وطمأنينة بصلاحيتها.. وقد تفضّل مشكوراً بالكتابة عن قصّة اعتناقه للإسلام، ليطّلع عليها قرّاء المجلة وكل من هو متيقِّن بعظمة هذا الدين الحنيف.

لقد وُلدت في العام 5691 في أستورياس، وهي منطقة في شمال إسبانيا زُعم أنها مهد الكاثوليكية الوطنية، أي العقيدة السياسية والدينية التي سادت في إسبانيا طيلة خمسة قرون. تقول أساطير الفكر الرسمي القديم إن المسلمين الذين جاؤوا في العام 711 ميلادي إلى إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق واستولوا على معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات فقط، قد هُزموا من قبل الملك بيلايو وبعض أتباع المسيحية في كوفادونغا، وهي معقل جبلي في أستورياس. وقد قيل إن ذلك آذن ببدء الـatsiuqnoceR (الاسترداد) أي الحرب المسيحية المقدسة التي استمرت ثمانية قرون لفتح شبه الجزيرة بأكملها والقضاء على الدول الإسلامية فيها. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير 2941، سقطت غرناطة؛ وقد مثل هذا التاريخ نهاية العصر الإسلامي المشرق في الأندلس.

بعد ذلك، أصبحت إسبانيا دولة كاثوليكية رسمية وذلك حتى وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو في العام 5791. وفي عام 8791، تمت المصادقة على أول دستور ديمقراطي، وبعد ذلك بعامين صدر أول قانون للحرية الدينية.

نظراً لهذه الحقائق التاريخية، كان من المفترض أن تكون أستورياس مكاناً من الصعب أن يكتشف المرء الإسلام فيه، لا سيما وأن الهويتين الأستورية والإسبانية قد تم ربطهما بالكاثوليكية الوطنية لفترة طويلة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) إلخ، يشهد السياق على أنّ المراد بالقضاء هو القضاء التشريعيّ دون التكوينيّ فقضاء الله تعالى حكمه التشريعيّ في شي‏ء ممّا يرجع إلى أعمال العباد أو تصرّفه في شأن من شؤنهم بواسطة رسول من رسله، و قضاء رسوله هو الثاني من القسمين و هو التصرّف في شأن من شؤن الناس بالولاية الّتي جعلها الله تعالى له بمثل قوله:( النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .

فقضاؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضاء منه بولايته و قضاء من الله سبحانه لأنّه الجاعل لولايته المنفذ أمره، و يشهد سياق قوله:( إِذا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً ) حيث جعل الأمر الواحد متعلّقاً لقضاء الله و رسوله معاً، على أنّ المراد بالقضاء التصرّف في شؤن الناس دون الجعل التشريعيّ المختصّ بالله.

و قوله:( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ ) أي ما صحّ و لا يحقّ لأحد من المؤمنين و المؤمنات أن يثبت لهم الاختيار من أمرهم بحيث يختارون ما شاؤا و قوله:( إِذا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً ) ظرف لنفي الاختيار.

و ضميراً الجمع في قوله:( لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) للمؤمن و المؤمنة المراد بهما جميع المؤمنين و المؤمنات لوقوعهما في حيّز النفي و وضع الظاهر موضع المضمر حيث قيل:( مِنْ أَمْرِهِمْ ) و لم يقل: أن يكون لهم الخيرة فيه للدلالة على منشأ توهّم الخيرة و هو انتساب الأمر إليهم.

و المعنى: ليس لأحد من المؤمنين و المؤمنات إذا قضى الله و رسوله بالتصرّف في أمر من اُمورهم أن يثبت لهم الاختيار من جهته لانتسابه إليهم و كونه أمراً من اُمورهم فيختاروا منه غير ما قضى الله و رسوله بل عليهم أن يتّبعوا إرادة الله و رسوله.

و الآية عامّة لكنّها لوقوعها في سياق الآيات التالية يمكن أن تكون كالتمهيد لما سيجي‏ء من قوله:( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ) الآية، حيث يلوح منه أنّ بعضهم كان قد اعترض على تزوّج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزوج زيد و تعييره بأنّها كانت زوج ابنه المدعوّ له بالتبنّي و سيجي‏ء في البحث الروائيّ بعض ما يتعلّق بالمقام.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ

٣٤١

وَ اتَّقِ اللهَ ) إلى آخر الآية المراد بهذا الّذي أنعم الله عليه و أنعم النبيّ عليه زيد بن حارثة الّذي كان عبداً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ حرّره و اتّخذه ابناً له و كان تحته زينب بنت جحش بنت عمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى زيد النبيّ فاستشاره في طلاق زينب فنهاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الطلاق ثمّ طلّقها زيد فتزوّجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نزلت الآيات.

فقوله:( أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) أي بالهداية إلى الإيمان و تحبيبه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قوله:( وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) أي بالإحسان إليه و تحريره و تخصيصه بنفسك، و قوله:( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللهَ ) كناية عن الكفّ عن تطليقها، و لا يخلو من إشعار بإصرار زيد على تطليقها.

و قوله:( وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) أي مظهره( وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) ذيل الآيات أعني قوله:( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ ) دليل على أنّ خشيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس لم تكن خشية على نفسه بل كان خشية في الله فأخفى في نفسه ما أخفاه استشعاراً منه أنّه لو أظهره عابه الناس و طعن فيه بعض من في قلبه مرض فأثّر ذلك أثّراً سيّئاً في إيمان العامّة، و هذا الخوف - كما ترى - ليس خوفاً مذموماً بل خوف في الله هو في الحقيقة خوف من الله سبحانه.

و قوله:( وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) الظاهر في نوع من العتاب ردع عن نوع من خشية الله و هي خشيته عن طريق الناس و هداية إلى نوع آخر من خشيته تعالى و أنّه كان من الحريّ أن يخشى الله دون الناس و لا يخفي ما في نفسه ما الله مبديه و هذا نعم الشاهد على أنّ الله كان قد فرض له أن يتروّج زوج زيد الّذي كان تبنّاه ليرتفع بذلك الحرج عن المؤمنين في التزوّج بأزواج الأدعياء و هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخفيه في نفسه إلى حين مخافة سوء أثره في الناس فآمّنه الله ذلك بعتابه عليه نظير ما تقدّم في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - إلى قوله -وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) الآية.

فظاهر العتاب الّذي يلوح من قوله:( وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ )

٣٤٢

مسوق لانتصاره و تأييد أمره قبال طعن الطاعنين ممّن في قلوبهم مرض نظير ما تقدّم في قوله:( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ ) التوبة: ٤٣.

و من الدليل على أنّه انتصار و تأييد في صورة العتاب قوله بعد:( فَلَمَّا قَضى‏ زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) حيث أخبر عن تزويجه إيّاها كأنّه أمر خارج عن إرادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و اختياره ثمّ قوله:( وَ كانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا ) .

فقوله:( فَلَمَّا قَضى‏ زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ) متفرّع على ما تقدّم من قوله:( وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) و قضاء الوطر منها كناية عن الدخول و التمتّع، و قوله:( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً ) تعليل للتزويج و مصلحة للحكم، و قوله:( وَ كانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا ) مشير إلى تحقّق الوقوع و تأكيد للحكم.

و من ذلك يظهر أنّ الّذي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخفيه في نفسه هو ما فرض الله له أن يتزوّجها لا هواها و حبّه الشديد لها و هي بعد مزوّجة كما ذكره جمع من المفسّرين و اعتذروا عنه بأنّها حالة جبلّيّة لا يكاد يسلم منها البشر فإنّ فيه أوّلاً: منع أن يكون بحيث لا يقوى عليه التربية الإلهيّة، و ثانياً: أنّه لا معنى حينئذ للعتاب على كتمانه و إخفائه في نفسه فلا مجوّز في الإسلام لذكر حلائل الناس و التشبّب بهنّ.

قوله تعالى: ( ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ ) إلخ، الفرض هو التعيين و الاسهام يقال: فرض له كذا أي عيّنه له و أسهمه به، و قيل: هو في المقام بمعنى الإباحة و التجويز، و الحرج الكلفة و الضيق، و المراد بنفي الحرج نفي سببه و هو المنع عمّا فرض له.

و المعنى: ما كان على النبيّ من منع فيما عيّن الله له أو أباح الله له حتّى يكون عليه حرج في ذلك.

و قوله:( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) اسم موضوع موضع المصدر فيكون

٣٤٣

مفعولاً مطلقاً و التقدير سنّ الله ذلك سنّة، و المراد بالّذين خلوا من قبل هم الأنبياء و الرسل الماضون بقرينة قوله بعد:( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ ) إلخ.

و قوله:( وَ كانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) أي يقدّر من عنده لكلّ أحد ما يلائم حاله و يناسبها، و الأنبياء لم يمنعوا ممّا قدّره الله و أباحه لغيرهم حتّى يمنع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعض ما قدّر و اُبيح.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ ) إلخ، الموصول بيان للموصول المتقدّم أعني قوله:( الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) .

و الخشية هي تأثّر خاصّ للقلب عن المكروه و ربّما ينسب إلى السبب الّذي يتوقّع منه المكروه، يقال: خشيت أن يفعل بي فلان كذا أو خشيت فلاناً أن يفعل بي كذا، و الأنبياء يخشون الله و لا يخشون أحداً غيره لأنّه لا مؤثّر في الوجود عندهم إلّا الله.

و هذا غير الخوف الّذي هو توقّع المكروه بحيث يترتّب عليه الاتّقاء عملاً سواء كان معه تأثّر قلبيّ أو لا فإنّه أمر عمليّ ربّما ينسب إلى الأنبياء كقوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام :( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ) الشعراء: ٢١ و قوله في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً ) الأنفال: ٥٨ و هذا هو الأصل في معنى الخوف و الخشية و ربّما استعملاً كالمترادفين.

و ممّا تقدّم يظهر أنّ الخشية منفيّة عن الأنبياءعليهم‌السلام مطلقاً و إن كان سياق قوله:( يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَ يَخْشَوْنَهُ ) إلخ، يلوّح إلى أنّ المنفيّ هو الخشية في تبليغ الرسالة. على أنّ جميع أفعال الأنبياء كأقوالهم من باب التبليغ فالخشية في أمر التبليغ مستوعبة لجميع أعمالهم.

و قوله:( وَ كَفى‏ بِاللهِ حَسِيباً ) أي محاسباً يحاسب على الصغيرة و الكبيرة فيجب أن يخشى و لا يخشى غيره.

قوله تعالى: ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ )

٣٤٤

إلخ، لا شكّ في أنّ الآية مسوقة لدفع اعتراضهم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه تزوّج زوج ابنه و محصّل الدفع أنّه ليس أبا زيد و لا أبا أحد من الرجال الموجودين في زمن الخطاب حتّى يكون تزوّجه بزوج أحدهم بعده تزوّجاً بزوج ابنه فالخطاب في قوله:( مِنْ رِجالِكُمْ ) للنّاس الموجودين في زمن نزول الآية، و المراد بالرجال ما يقابل النّساء و الولدان و نفي الاُبوّة نفي تكوينيّ لا تشريعيّ و لا تتضمّن الجملة شيئاً من التشريع.

و المعنى: ليس محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا أحد من هؤلاء الرجال الّذين هم رجالكم حتّى يكون تزوّجه بزوج أحدهم بعده تزوّجاً منه بزوج ابنه و زيد أحد هؤلاء الرجال فتزوّجه بعد تطليقه ليس تزوّجاً بزوج الابن حقيقة و أمّا تبنيه زيداً فإنّه لا يترتّب عليه شي‏ء من آثار الاُبوّة و البنوّة و ما جعل أدعياءكم أبناءكم.

و أمّا القاسم و الطيّب و الطاهر(١) و إبراهيم فإنّهم أبناؤه حقيقة لكنّهم ماتوا قبل أن يبلغوا فلم يكونوا رجالاً حتّى ينتقض الآية و كذا الحسن و الحسين و هما ابناً رسول الله فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض قبل أن يبلغا حدّ الرجال.

و ممّا تقدّم ظهر أنّ الآية لا تقتضي نفي اُبوّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقاسم و الطيّب و الطاهر و إبراهيم و كذا للحسنين لما عرفت أنّها خاصّة بالرجال الموجودين في زمن النزول على نعت الرجوليّة.

و قوله:( وَ لكِنْ رَسُولَ اللهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ ) الخاتم بفتح التاء ما يختم به كالطابع و القالب بمعنى ما يطبع به و ما يقلب به و المراد بكونه خاتم النبيّين أنّ النبوّة اختتمت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا نبيّ بعده.

و قد عرفت فيما مرّ معنى الرسالة و النبوّة و أنّ الرسول هو الّذي يحمل رسالة من الله إلى الناس و النبيّ هو الّذي يحمل نبأ الغيب الّذي هو الدين و حقائقه و لازم ذلك أن يرتفع الرسالة بارتفاع النبوّة فإنّ الرسالة من أنباء الغيب، فإذا انقطعت هذه

____________________

(١) هذا على ما هو المعروف و قال بعضهم: إنّ الطيّب و الطاهر لقبان للقاسم.

٣٤٥

الأنباء انقطعت الرسالة.

و من هنا يظهر أنّ كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيّين يستلزم كونه خاتماً للرسل.

و في الآية إيماء إلى أنّ ارتباطهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تعلّقه بكم تعلّق الرسالة و النبوّة و أنّ ما فعله كان بأمر من الله سبحانه.

و قوله:( وَ كانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) أي ما بيّنه لكم إنّما كان بعلمه.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال: خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فاستنكفت منه و قالت: أنا خير منه حسباً و كانت امرأة فيها حدّة فأنزل الله( وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ ) الآية كلّها.

أقول: و في معناها روايات اُخر.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: نزلت في اُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط و كانت أوّل امرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فزوّجها زيد بن حارثة فسخطت هي و أخوها و قالت إنّما أردنا رسول الله فزوّجنا عبده فنزلت.

أقول: و الروايتان أشبه بالتطبيق منهما بسبب النزول.

و في العيون،: في باب مجلس الرضاعليه‌السلام عند المأمون مع أصحاب الملل في حديث يجيب فيه عن مسألة عليّ بن الجهم في عصمة الأنبياء:

قال: و أمّا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قول الله عزّوجلّ:( وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) فإنّ الله عزّوجلّ عرف نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسماء أزواجه في دار الدنيا و أسماء أزواجه في الآخرة و أنّهنّ اُمّهات المؤمنين و أحد من سمّي له زينب بنت جحش و هي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اسمها في نفسه و لم يبده لكيلاً يقول أحد من المنافقين: إنّه قال في امرأة في بيت رجل: إنّها أحد أزواجه

٣٤٦

من اُمّهات المؤمنين و خشي قول المنافقين.

قال الله عزّوجلّ:( وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ) يعني في نفسك.‏ الحديث.

أقول: و روي ما يقرب منه فيه عنهعليه‌السلام في جواب مسألة المأمون عنه في عصمة الأنبياء.

و في المجمع: في قوله تعالى:( وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) قيل: إنّ الّذي أخفاه في نفسه هو أنّ الله سبحانه أعلمه أنّها ستكون من أزواجه و أنّ زيداً سيطلّقها فلمّا جاء زيد و قال له: اُريد أن اُطلّق زينب قال له: أمسك عليك زوجك، فقال سبحانه: لم قلت: أمسك عليك زوجك و قد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك؟ و روي ذلك عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و عبد بن حميد و البخاريّ و الترمذيّ و ابن المنذر و الحاكم و ابن مردويه و البيهقيّ في سننه عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو زينب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: اتّق الله و أمسك عليك زوجك فنزلت:( وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ) .

قال أنس: فلو كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية، فتزوّجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحديث.

أقول: و الروايات كثيرة في المقام و إن كان كثير منها لا يخلو من شي‏ء و في الروايات: ما أولم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ذبح شاة و أطعم الناس الخبز و اللحم، و في الروايات أنّها كانت تفتخر على سائر نساء النبيّ بثلاث أنّ جدّها و جدّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحد فإنّها كانت بنت اُميمة بنت عبدالمطّلب عمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنّ الّذي زوّجها منه هو الله سبحانه و أنّ السفير جبريل.

و في المجمع في قوله تعالى:( وَ لكِنْ رَسُولَ اللهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ ) : و صحّ الحديث عن جابر بن عبدالله عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها و حسنها إلّا موضع لبنة، فكان من دخلها و نظر إليها فقال: ما أحسنها إلّا

٣٤٧

موضع هذه اللبنة. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء: أورده البخاريّ و مسلم في صحيحيهما.

أقول: و روى هذا المعنى غيرهما كالترمذيّ و النسائيّ و أحمد و ابن مردويه عن غير جابر كأبي سعيد و أبي هريرة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن الأنباريّ في المصاحف عن أبي عبدالرحمن السلميّ قال: كنت اُقرئ الحسن و الحسين فمرّ بي عليّ بن أبي طالب و أنا اُقرئهما فقال لي: أقرئهما و خاتم النبيّين بفتح التاء.

٣٤٨

( سورة الأحزاب الآيات ٤١ - ٤٨)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ( ٤١ ) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ( ٤٢ ) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ( ٤٣ ) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ  وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ( ٤٤ ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ( ٤٥ ) وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ( ٤٦ ) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا ( ٤٧ ) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ  وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلًا ( ٤٨ )

( بيان‏)

آيات تدعو المؤمنين إلى الذكر و التسبيح و تبشّرهم و تعدهم الوعد الجميل و تخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصفاته الكريمة و تأمره أن يبشّر المؤمنين و لا يطيع الكافرين و المنافقين، و يمكن أن يكون القبيلان مختلفين في النزول زماناً.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) الذكر ما يقابل النسيان و هو توجيه الإدراك نحو المذكور و أمّا التلفّظ بما يدلّ عليه من أسمائه و صفاته فهو بعض مصاديق الذكر.

قوله تعالى: ( وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا ) التسبيح هو التنزيه و هو مثل الذكر لا يتوقّف على اللفظ و إن كان التلفّظ بمثل سبحان الله بعض مصاديق التسبيح.

٣٤٩

و البكرة أوّل النهار و الأصيل آخره بعد العصر و تقييد التسبيح بالبكرة و الأصيل لما فيهما من تحوّل الأحوال فيناسب تسبيحه و تنزيهه من التغيّر و التحوّل و كلّ نقص طار، و يمكن أن يكون البكرة و الأصيل معاً كناية عن الدوام كاللّيل و النهار في قوله:( يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ ) حم السجدة: ٣٨.

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) المعنى الجامع للصلاة على ما يستفاد من موارد استعمالها هو الانعطاف فيختلف باختلاف ما نسب إليه و لذلك قيل: إنّ الصلاة من الله الرحمة و من الملائكة الاستغفار و من الناس الدعاء لكنّ الّذي نسب من الصلاة إلى الله سبحانه في القرآن هو الصلاة بمعنى الرحمة الخاصّة بالمؤمنين و هي الّتي تترتّب عليها سعادة العقبى و الفلاح المؤبّد و لذلك علّل تصليته عليهم بقوله:( لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) .

و قد رتّب سبحانه في كلامه على نسيانهم له نسيانه لهم و على ذكرهم له ذكره لهم فقال:( نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) التوبة: ٦٧ و قال:( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) البقرة: ١٥٢ و تصليته عليهم ذكر منه لهم بالرحمة فإن ذكروه كثيراً و سبّحوه بكرة و أصيلاً صلّى عليهم كثيراً و غشيهم بالنور و أبعدهم من الظلمات.

و من هنا يظهر أنّ قوله:( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ) إلخ، في مقام التعليل لقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) و تفيد التعليل أنّكم إن ذكرتم الله كثيراً ذكركم برحمته كثيراً و بالغ في إخراجكم من الظلمات إلى النور و يستفاد منه أنّ الظلمات إنّما هي ظلمات النسيان و الغفلة و النور نور الذكر.

و قوله:( وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) وضع الظاهر موضع المضمر، أعني قوله:( بِالْمُؤْمِنِينَ ) و لم يقل: و كان بكم رحيماً، ليدلّ به على سبب الرحمة و هو وصف الإيمان.

قوله تعالى: ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً ) ظاهر السياق أنّ( تَحِيَّتُهُمْ ) مصدر مضاف إلى المفعول أي إنّهم يحيّون - بالبناء للمفعول - يوم

٣٥٠

يلقون ربّهم من عند ربّهم و من ملائكته بالسلام أي إنّهم يوم اللقاء في أمن و سلام لا يصيبهم مكروه و لا يمسّهم عذاب.

و قوله:( وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً ) أي و هيّأ الله لهم ثواباً جزيلاً.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً ) شهادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأعمال أن يتحمّلها في هذه النشأة و يؤدّيها يوم القيامة و قد تقدّم في قوله:( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة: ١١٢ و غيره من آيات الشهادة أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهيد الشهداء.

و كونه مبشّراً و نذيراً تبشيره المؤمنين المطيعين لله و رسوله بثواب الله و الجنّة و إنذاره الكافرين و العاصين بعذاب الله و النار.

قوله تعالى: ( وَ داعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً ) دعوته إلى الله هي دعوته الناس إلى الإيمان بالله وحده، و لازمه الإيمان بدين الله و تقيّد الدعوة بإذن الله يجعلها مساوقة للبعثة.

و كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سراجاً منيراً هو كونه بحيث يهتدي به الناس إلى سعادتهم و ينجون من ظلمات الشقاء و الضلالة فهو من الاستعارة، و قول بعضهم: إنّ المراد بالسراج المنير القرآن و التقدير ذا سراج منير تكلّف من غير موجب.

قوله تعالى: ( وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيراً ) ، الفضل من العطاء ما كان من غير استحقاق ممّن يأخذه و قد وصف الله عطاءه فقال:( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) الأنعام: ١٦٠ و قال:( لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ) ق: ٣٥ فبيّن أنّه يعطي من الثواب ما لا يقابل العمل و هو الفضل و لا دليل في الآية يدلّ على اختصاصه بالآخرة.

قوله تعالى: ( وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ دَعْ أَذاهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) إلخ، تقدّم معنى طاعة الكافرين و المنافقين في أوّل السورة.

و قوله:( وَ دَعْ أَذاهُمْ ) أي اترك ما يؤذونك بالإعراض عنه و عدم الاشتغال به و الدليل على هذا المعنى قوله:( وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) أي لا تستقلّ بنفسك في دفع

٣٥١

أذاهم بل اجعل الله وكيلاً في ذلك و كفى بالله وكيلاً.

( بحث روائي)

في الكافي، بإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما من شي‏ء إلّا و له حدّ ينتهي إليه إلّا الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه فرض الله عزّوجلّ الفرائض فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ و شهر رمضان فمن صامه فهو حدّه و الحجّ فمن حجّ فهو حدّه إلّا الذكر فإنّ الله عزّوجلّ لم يرض منه بالقليل و لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه ثمّ تلا:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا ) فقال: لم يجعل الله له حدّاً ينتهي إليه.

قال: و كان أبي كثير الذكر لقد كنت أمشي معه و إنّه ليذكر الله و آكل معه الطعام و إنّه ليذكر الله و لقد كان يحدّث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر الله و كنت أرى لساناً لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلّا الله.

و كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا و من كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر، و البيت الّذي يقرأ فيه القرآن و يذكر الله عزّوجلّ فيه يكثر بركته و يحضره الملائكة و يهجره الشياطين و يضي‏ء لأهل السماء كما يضي‏ء الكوكب لأهل الأرض و البيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر الله يقلّ بركته و يهجره الملائكة و يحضره الشياطين.

و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أ لا اُخبركم بخير أعمالكم أرفعها في درجاتكم و أزكاها عند مليككم و خير لكم من الدينار و الدرهم و خير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتقتلوهم و يقتلوكم؟ فقالوا: بلى. قال: ذكر الله عزّوجلّ كثيراً.

ثمّ قال: جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: أكثرهم لله ذكراً.

و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من اُعطي لساناً ذاكراً فلقد اُعطي خير الدنيا و الآخرة.

و قال في قوله تعالى:( وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) قال: لا تستكثر ما عملت من خير لله.

٣٥٢

و فيه، بإسناده عن أبي المعزى رفعه قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : من ذكر الله في السرّ فقد ذكر الله كثيراً إنّ المنافقين كانوا يذكرون الله علانية و لا يذكرونه في السرّ فقال الله عزّوجلّ:( يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا ) .

أقول: و هو استفادة لطيفة.

و في الخصال، عن زيد الشحّام قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : ما ابتلي المؤمن بشي‏ء أشدّ عليه من ثلاث خصال يحرمها. قيل: و ما هي؟ قال: المواساة في ذات يده، و الإنصاف من نفسه، و ذكر الله كثيراً. أمّا إنّي لا أقول: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلّا الله و الله أكبر و إن كان منه و لكن ذكر الله عند ما أحلّ له و ذكر الله عند ما حرّم عليه.

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الترمذيّ و البيهقيّ عن أبي سعيد الخدريّ: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل أيّ العباد أفضل درجة عندالله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيراً. قلت: يا رسول الله و من الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفّار و المشركين حتّى ينكسر و يختضب دماً لكان الذاكرون الله أفضل درجة منه.

و في العلل، بإسناده عن عبدالله بن الحسن عن أبيه عن جدّه الحسن بن عليّعليه‌السلام قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أعلمهم فيما سأله فقال: لأيّ شي‏ء سمّيت محمّداً و أحمد و أباالقاسم و بشيراً و نذيراً و داعياً؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا الداعي فإنّي أدعو الناس إلى دين ربّي عزّوجلّ، و أمّا النذير فإنّي اُنذر بالنار من عصاني، و أمّا البشير فإنّي اُبشّر بالجنّة من أطاعني. الحديث.

و في تفسير القمّيّ، في قوله:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ - إلى قوله -وَ دَعْ أَذاهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَ كَفى‏ بِاللهِ وَكِيلًا ) أنّها نزلت بمكّة قبل الهجرة بخمس سنين.

٣٥٣

( سورة الأحزاب الآيات ٤٩ - ٦٢)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا  فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ( ٤٩ ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ  قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ  وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ( ٥٠ ) تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ  وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ  ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ  وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ  وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ( ٥١ ) لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ  وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ( ٥٢ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ  إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ  وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ  

٣٥٤

وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ  ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ  وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا  إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ( ٥٣ ) إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( ٥٤ ) لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ  وَاتَّقِينَ اللهَ  إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ( ٥٥ ) إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( ٥٦ ) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ( ٥٧ ) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ( ٥٨ ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ  ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ  وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ( ٥٩ ) لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ( ٦٠ ) مَّلْعُونِينَ  أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ( ٦١ ) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ  وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا ( ٦٢ )

٣٥٥

( بيان)

تتضمّن الآيات أحكاماً متفرّقة بعضها خاصّة بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أزواجه و بعضها عامّة.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ) المراد بنكاحهنّ العقد عليهنّ بالنكاح، و بالمسّ الدخول، و بالتمتيع إعطاؤهنّ شيئاً من المال يناسب شأنهنّ و حالهنّ و التسريح بالجميل إطلاقهنّ من غير خصومة و خشونة.

و المعنى: إذا طلّقتموا النساء بعد النكاح و قبل الدخول فلا عدّة لهنّ للطلاق و يجب تمتيعهنّ بشي‏ء من المال و السراح الجميل.

و الآية مطلقة تشمل ما إذا فرض لهنّ فريضة المهر و ما إذا لم يفرض فيقيّدها قوله:( وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) البقرة: ٢٣٧ و تبقى حجّة فيما لم يفرض لهنّ فريضة.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) إلى آخر الآية، يذكر سبحانه لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإحلال سبعة أصناف من النساء: الصنف الأوّل ما في قوله:( أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) و المراد بالاُجور المهور، و الثاني ما في قوله:( وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ ) أي من يملكه من الإماء الراجعة إليه من الغنائم و الأنفال، و تقييد ملك اليمين بكونه ممّا أفاء الله عليه كتقييد الأزواج بقوله:( اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) للتوضيح لا للاحتراز.

و الثالث و الرابع ما في قوله:( وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمَّاتِكَ ) قيل: يعني نساء قريش، و الخامس و السادس ما في قوله:( وَ بَناتِ خالِكَ وَ بَناتِ خالاتِكَ ) قيل: يعني نساء بني زهرة، و قوله:( اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ ) قال في المجمع: هذا إنّما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثمّ نسخ شرط الهجرة في التحليل.

و السابع ما في قوله:( وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها ) و هي المرأة المسلمة الّتي بذلت نفسها للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعنى أن ترضى أن

٣٥٦

يتزوّج بها من غير صداق و مهر فإنّ الله أحلّها له إن أراد أن يستنكحها، و قوله:( خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) إيذان بأنّ هذا الحكم - أي حلّيّة المرأة للرجل ببذل النفس - من خصائصه لا يجري في المؤمنين، و قوله بعده:( قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) تقرير لحكم الاختصاص.

و قوله:( لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) تعليل لقوله في صدر الآية:( إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ ) أو لما في ذيلها من حكم الاختصاص و الأوّل أظهر و قد ختمت الآية بالمغفرة و الرحمة.

قوله تعالى: ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) إلخ، الإرجاء التأخير و التبعيد، و هو كناية عن الردّ، و الإيواء: الإسكان في المكان و هو كناية عن القبول و الضمّ إليه.

و السياق يدلّ على أنّ المراد به أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو ردّه.

و قوله:( وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ) ، الابتغاء هو الطلب أي و من طلبتها من اللّاتي عزلتها و لم تقبلها فلا إثم عليك و لا لؤم أي يجوز لك أن تضمّ إليك من عزلتها و رددتها من النساء اللّاتي وهبن أنفسهنّ لك بعد العزل و الردّ.

و يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقسم بين نسائه و أن يترك القسم فيؤخّر من يشاء منهنّ و يقدّم من يشاء و يعزل بعضهنّ من القسم فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل و هو أوفق لقوله بعده:( وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى‏ - أي أقرب -أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ - أي يسررن -وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَ اللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ ) و ذلك لسرور المتقدّمة بما قسمت له و رجاء المتأخّرة أن تتقدّم بعد.

و قوله:( وَ كانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً ) أي يعلم مصالح عباده و لا يعاجل في العقوبة.

و في الآية أقوال مختلفة اُخر و الّذي أوردناه هو الأوفق لوقوعها في سياق سابقتها متّصلة بها و به وردت الأخبار عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كما سيجي‏ء.

٣٥٧

قوله تعالى: ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) إلخ، ظاهر الآية لو فرضت مستقلّة في نفسها غير متّصلة بما قبلها تحريم النساء لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا من خيرهنّ فاخترن الله و نفي جواز التبدّل بهنّ يؤيّد ذلك.

لكن لو فرضت متّصلة بما قبلها و هو قوله:( إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ ) إلخ، كان مدلولها تحريم ما عداً المعدودات و هي الأصناف الستّة الّتي تقدّمت.

و في بعض الروايات عن بعض أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ المراد بالآية محرّمات النساء المعدودة في قوله:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ ) الآية النساء: ٢٣.

فقوله:( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) أي من بعد اللّاتي اخترن الله و رسوله و هي التسعة على المعنى الأوّل أو من بعد من عددناه في قولنا:( إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ ) على المعنى الثاني أو من بعد المحلّلات و هي المحرّمات على المعنى الثالث.

و قوله:( وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ) أي أن تطلّق بعضهنّ و تزوّج مكانها من غيرهنّ، و قوله:( إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) يعني الإماء و هو استثناء من قوله في صدر الآية( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ ) .

و قوله:( وَ كانَ اللهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ رَقِيباً ) معناه ظاهر و فيه تحذير عن المخالفة.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ - إلى قوله -مِنَ الْحَقِّ ) بيان لأدب الدخول في بيوت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قوله:( إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) استثناء من النهي، و قوله:( إِلى‏ طَعامٍ ) متعلّق بالإذن، و قوله:( غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ) أي غير منتظرين لورود إناء الطعام بأن تدخلوا من قبل فتطيلوا المكث في انتظار الطعام و يبيّنه قوله:( وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ أي أكلتم فَانْتَشِرُوا ) ، و قوله:( وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ) عطف على قوله:( غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ) و هو حال بعد حال، أي غير ماكثين في حال انتظار الإناء قبل الطعام و لا في حال الاستئناس لحديث بعد الطعام.

و قوله:( إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ) تعليل للنهي أي لا تمكثوا كذلك لأنّ مكثكم ذلك كان يتأذّى منه النبيّ فيستحيي منكم أن يسألكم

٣٥٨

الخروج و قوله:( وَ اللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) أي من بيان الحقّ لكم و هو ذكر تأذّيه و التأديب بالأدب اللائق.

قوله تعالى: ( وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ ) ، ضمير( سَأَلْتُمُوهُنَّ ) لأزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سؤالهنّ متاعاً كناية عن تكليمهنّ لحاجة أي إذا مسّت الحاجة إلى تكليمكم أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكلّموهنّ من وراء حجاب، و قوله:( ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ ) بيان لمصلحة الحكم.

قوله تعالى: ( وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) إلخ، أي ليس لكم إيذاؤه بمخالفة ما اُمرتم في نسائه و في غير ذلك و ليس لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذلكم أي نكاحكم أزواجه من بعده كان عند الله عظيماً، و في الآية إشعار بأنّ بعضهم ذكر ما يشير إلى نكاحهم أزواجه بعده و هو كذلك كما سيأتي في البحث الروائيّ الآتي.

قوله تعالى: ( إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) معناه ظاهر و هو في الحقيقة تنبيه تهديديّ لمن كان يؤذي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يذكر نكاح أزواجه من بعده.

قوله تعالى: ( لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ ) إلى آخر الآية ضمير( عَلَيْهِنَّ ) لنساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و الآية في معنى الاستثناء من عموم حكم الحجاب و قد استثنى الآباء و الأبناء و الإخوان و أبناء الإخوان و أبناء الأخوات و هؤلاء محارم، قيل: و لم يذكر الأعمام و الأخوال لأنّهم من الممكن أن يصفوهنّ لأبنائهم.

و استثنى أيضاً نساءهنّ و إضافة النساء إلى ضمير هنّ يلوّح إلى أنّ المراد النساء المؤمنات دون الكوافر كما مرّ في قوله تعالى:( أَوْ نِسائِهِنَّ ) النور: ٣١ و استثنى أيضاً ما ملكت أيمانهنّ من العبيد و الإماء.

و قوله:( وَ اتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيداً ) فيه تأكيد الحكم و خاصّة من جهة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في( اتَّقِينَ اللهَ ) .

قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا

٣٥٩

عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) قد تقدّم أنّ أصل الصلاة الانعطاف فصلاته تعالى انعطافه عليه بالرحمة انعطافاً مطلقاً لم يقيّد في الآية بشي‏ء دون شي‏ء و كذلك صلاة الملائكة عليه انعطاف عليه بالتزكية و الاستغفار و هي من المؤمنين الدعاء بالرحمة.

و في ذكر صلاته تعالى و صلاة ملائكته عليه قبل أمر المؤمنين بالصلاة عليه دلالة على أنّ في صلاة المؤمنين له اتّباعاً لله سبحانه و ملائكته و تأكيداً للنهي الآتي.

و قد استفاضت الروايات من طرق الشيعة و أهل السنّة أنّ طريق صلاة المؤمنين أن يسألوا الله تعالى أن يصلّي عليه و آله.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) من المعلوم أنّ الله سبحانه منزّه من أن يناله الأذى و كلّ ما فيه وصمة النقص و الهوان فذكره مع الرسول و تشريكه في إيذائه تشريف للرسول و إشارة إلى أنّ من قصد رسوله بسوء فقد قصده أيضاً بالسوء إذ ليس للرسول بما أنّه رسول إلّا ربّه فمن قصده فقد قصد ربّه.

و قد أوعدهم باللّعن في الدنيا و الآخرة و اللعن هو الإبعاد من الرحمة و الرحمة الخاصّة بالمؤمنين هي الهداية إلى الاعتقاد الحقّ و حقيقة الإيمان، و يتبعه العمل الصالح فالإبعاد من الرحمة في الدنيا تحريمه عليه جزاء لعمله فيرجع إلى طبع القلوب كما قال:( لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً ) المائدة: ١٣ و قال:( وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) النساء: ٤٦ و قال:( أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى‏ أَبْصارَهُمْ ) سورة محمّد: ٢٣.

و أمّا اللعن في الآخرة فهو الإبعاد من رحمة القرب فيها و قد قال تعالى:( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) المطفّفين: ١٥.

ثمّ أوعدهم بأنّه أعدّ لهم - أي في الآخرة - عذاباً مهيناً و وصف العذاب بالمهين لأنّهم يقصدون باستكبارهم في الدنيا إهانة الله و رسوله فقوبلوا في الآخرة بعذاب يهينهم.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425