الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128773 / تحميل: 6815
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

١٩٧٤ - وسأل عبيد بن زرارة أبا عبدالله عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه(١) " قال: ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ".

١٩٧٥ - وروى محمد بن حكيم عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو أن رجلا مات صائما في السفر لما صليت عليه".

١٩٧٦ - وروى حريز، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر: العصاة، قال: وهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنا لنعرف أبناء‌هم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا".

١٩٧٧ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم(٢) دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشرب وأفطر وأفطر الناس معه وتم أناس على صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله "(٣) .

١٩٧٨ - وروى أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا، وإذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به، يأكلون طيب الطعام، ويلبسون لين الثياب، وإذا تكلموا لم يصدقوا ".

___________________________________

(١) " فمن شهد " أى فمن حضر في موضع في هذا الشهر ولم يكن مسافرا ولا مريضا.

(٢) هو اسم موضع بين مكة والمدينة، والكراع جانب مستطيل من الحرة، تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق، والغميم بالفتح واد بالحجاز أمام عسفان.

(٣) بيان لوجه عصيانهم أى يجب الاخذ والعمل بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله فاذا أمر بالافطار وجب الافطار، فمن لم يفطر كان عاصيا، وانما يؤخذ الصوم بأمره فلما أفطر يجب الاطاعة (سلطان) أقول: كأن في سقطا والاصل " انما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله " كما في الكافى ج ٤ ص ١٢٧ ولعله من النساخ، وذلك لرفع توهم عدم كونهم عصاة لاخذهم بقوله السابق.

١٤١

١٩٧٩ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن عمار بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سمعته يقول: من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد(١) أو في معصية الله عزوجل، أو رسولا لمن يعص الله عزوجل، أو طلب عدو أو شحناء، أو سعاية(٢) أو ضرر على قوم من المسلمين ".

١٩٨٠ - وقال عليه السلام: " لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا بسبيل حق "(٣) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: قد أخرجت تقصير المسافر في جملة أبواب الصلاة في هذا الكتاب، والحد الذي يجب فيه التقصير، والذين يجب عليهم التمام.

فأما صوم التطوع في السفر

١٩٨١ - فقد قال الصادق عليه السلام: " ليس من البر الصوم في السفر"(٤) .

١٩٨٢ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه " سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم، فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه "(٥) .

١٩٨٣ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان، وإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الاقامة بها فعليه صوم ذلك

___________________________________

(١) المراد بالصيد اللهوى منه، قال الشيخ في النهاية والمبسوط " ان طلب الصيد للتجارة يقصر صومه ويتم صلاته " وفى خصوص هذه المسألة اختلاف بين فقهائنا راجع مصباح الفقيه ص ٧٤٤ من كتاب الصلاة.

(٢) سعى به إلى الوالى: وشئ به.

والشحناء: العداوة.

(٣) أى مباح كما هو المشهور، أو راجح كما قيل. (المرآة)

(٤) ظاهره نفى صحة الصوم ومشروعيته في السفر اذ العبادة ليست غير البر، الا أن يكون المراد ليس من البر الكامل، ثم لا يخفى أن الحديث ليس صريحا في صوم التطوع اذ ربما كان المراد صوم شهر رمضان (سلطان) أقول: في بعض النسخ " الصيام في السفر ".

(٥) في بعض النسخ " فليتم صومه ".

١٤٢

اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، وإن شاء صام "(١) .

١٩٨٤ - وفي رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن رجل يقبل(٢) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة(٣) أو ارتفاع النهار، قال: إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ".

١٩٨٥ - وورى يونس بن عبدالرحمن عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: " في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه قال:(٤) يعني إذا كانت جنابته من احتلام ".

١٩٨٦ - وسأل عبدالله بن سنان أبا عبدالله عليه السلام " عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر، فقال: ما عرف هذا حق شهر رمضان إن له في الليل سبحا طويلا(٥) قال: قلت له: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ قال: إن الله عز وجل رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر(٦) ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء

___________________________________

(١) المشهور وجوب الصوم إذا دخل قبل الزوال ولم يفطر، وحمل هذا الخبر وأمثاله على التخيير قبل الدخول ويؤيده خبر رفاعة الاتى.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٣٢ " يقدم ".

(٣) ضحوة النهار: بعد طلوع الشمس، والضحى ارتفاعه.

(٤) لعله كلام يونس وحملها على جنابة لم تخل بصحة الصوم فالمراد الاحتلام في اليوم أو في الليل ولم ينتبه الا بعد طلوع الفجر أو انتبه ونام بقصد الغسل (المرآة) وقال الفاضل التفرشى: لعل مراده بالاحتلام في اليوم دون الليل وبقائه على الجنابة حتى يطلع الفجر اذ الظاهر عدم الفرق بين الاحتلام والجماع في الليل.

(٥) السبح: الفراغ والتصرف في المعاش كما قال قتادة في قوله تعالى " ان لك في النهار سبحا طويلا ". أى فراغا طويلا. (الصحاح)

(٦) الوعث: المكان السهل الكثير الدهس، ووعثاء السفر مشتقة.

١٤٣

الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: والسنة لا تقاس(١) وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كل القوت(٢) وما أشرب كل الري ".

والنهي عن الجماع للمقصر في السفر إنما هو نهي كراهة لا نهي تحريم.

١٩٨٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل صام في السفر فقال: إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه ".

باب صوم الحائض والمستحاضة

١٩٨٨ - روى أبوالصباح الكناني عن أبي عبدالله عليه السلام " في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء(٣) حاضت أتفطر؟ قال: نعم وإن كان قبل المغرب فلتفطر، وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال: إنما فطرها من الدم "(٤) .

١٩٨٩ - وروي عن علي بن مهزيار قال: كتبت إليه عليه السلام(٥) " امرأة طهرت

___________________________________

(١) ذكره هذه الجملة هنا كانه لبيان عدم صحة القياس حتى يقاس جواز الجماع بجواز الاكل والشرب، ثم الظاهر من الخبر حرمة الجماع بالنهار في السفر وحمله الاكثر على الكراهة جمعا (المرآة) وذهب الشيخ إلى عدم الجواز في بعض كتبه وعمل بظاهر هذا الخبر وحمل ما يدل على الجواز على غلبة الشهوة وخوف وقوعه في المحظور أو على الوطى بالليل ولا يخفى بعدهما.

(٢) في الكافى " الا القوت " وما في المتن أظهر، ويدل على كراهة التملى من الطعام والشراب للمسافر كما هو مذهب الاصحاب فيه وفى سائر ذوى الاعذار. (المرآة)

(٣) العشاء هى الزوال إلى المغرب والمشهور أنه اخر النهار. (المغرب)

(٤) أى لا صوم لها ولا بأس عليها.

(٥) يعنى أبا جعفر الجواد عليه السلام.

١٤٤

من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام: تقضي صومها ولا تقضي صلاتها لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات(١) من نسائه بذلك "(٢) .

١٩٩٠ - وروي عن سماعة قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام " عن المستحاضة، قال: تصوم شهر رمضان إلا الايام التى كانت تحيض فيهن، ثم تقضيها من بعده ".

١٩٩١ - وسأل عبدالرحمن بن الحجاج أبا الحسن عليه السلام " عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال: تفطر ثم تقضي ذلك اليوم ".

١٩٩٢ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المرأة

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٣٦ والتهذيب ج ١ ص ٤٤٠ " يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك".

(٢) هذا الخبر مع اضماره مخالف للاخبار الكثيرة والاجماع على اشتراط الصلاة بالطهارة، وفى هامش التهذيب " السائل سأل عن حكم المستحاضة التى صلت وصامت في شهر رمضان ولم تعمل أعمال المستحاضة، والامام عليه السلام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السائل من باب التقية لان الاستحاضة من باب الحدث الاصغر عند العامة فلا توجب غسلا عندهم.

وقال الفيض رحمه الله في الوافى: هذا الخبر مع اضماره متروك بالاتفاق ولو كان الحكم بقضاء الصوم دون الصلاة متعاكسا لكان له وجه، على أنه قد ثبت عندنا أن فاطمة لم تر حمرة قط، اللهم الا أن يقال: ان المراد بفاطمة فاطمة بنت أبى حبيش فانها كانت مشتهرة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان، ويحمل قضاء الصوم على قضاء صوم ايام حيضها خاصة دون سائر الايام وكذا نفى قضاء الصلاة انتهى.

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن المستحاضة إذا أخلت بالاغسال تقضى صومها، واستدلوا بهذا الخبر وفيه اشكال لاشتماله على عدم قضاء الصلاة، ولم يقل به أحد ومخالف لسائر الاخبار قال: وقد وجه بوجوه (نقلنا بعضها): الاول ما ذكره الشيخ رحمه الله في التهذيب حيث قال: لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لا تعلم أن عليها لكل صلاتين غسلا أو لا يعلم ما يلزم المستحاضة فاما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء. وأورد عليه أنه ان بقى الفرق بين الصوم والصلاة فالاشكال بحاله وان حكم بالمساواة بينهما ونزل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر. =

١٤٥

تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال: تفطر حين تطمث ".

١٩٩٣ - وروى علي بن الحكم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج شهر رمضان

___________________________________

= الثانى ما ذكره المحقق الاردبيلى قدس الله روحه وهو أن المراد لا يجب عليها قضاء جميع الصلوات لان منها ما كان واقعا في الحيض، وهو بعيد.

الثالث ما ذكره صاحب المنتقى روح الله روحه قال: والذى يختلج بخاطرى أن الجواب الواقع في الحديث غير متعلق بالسؤال المذكور فيه والانتقال إلى ذلك من وجهين أحدهما قوله فيه " ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة الخ " فان مثل هذه العبارة انما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر وكيف يعقل كون تركهن لما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلا والثانى أن هذه العبارة بعينها كانت في أخبار الحيض في كتاب الطهارة مرادا بها قضاء الحائض للصوم دون الصلاة إلى أن قال: ولا يخفى أن للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة تشهد بها السليقة لكثرة وقوع الحيض وتكرره والرجوع اليه صلى الله عليه وآله في حكمه وبالجملة فارتباطها بذلك الحكم ومنافرتها لقضية الاستحاضة مما لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم وليس بالمستبعد أن يبلغ الوهم إلى موضع الجواب مع غير سؤاله فان من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الاسؤلة المتعددة فاذا لم ينعم الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم انتهى كلامه (ر ه) واحتمل سبطه الجليل احتمالا لعله قريب حاصله أن قوله " تقضى صومها ولا تقضى صلاتها " أصله " تقضى صومها ولاء وتقضى صلاتها " ثم ذكر في توجيهها كلاما لا يسعنا ذكره راجع مرآة العقول ج ٣ ص ٢٣٣.

وأقول: قال المحقق التسترى صاحب الاخبار الدخيلة مد ظله فيما كتب إلى: الظاهر أن على بن مهزيار في اصوله التى جمع منها كتابة خبران: خبر في السؤال عن حكم تاركة غسل الاستحاضة في شهر رمضان لصلاتها وصومها، وخبر في السؤال عن قضاء الحائض صلاتها وصومها فخلط بين الخبرين بنقل سؤال الخبر الاول وجواب الخبر الثانى في كتابة فنقله المشايخ الثلاثة عن كتابة مثل ما وجدوا ولم يأوله أحد منهم الا الشيخ رحمه الله.

١٤٦

هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم "(١) .

١٩٩٤ - وروى ابن مسكان، عن محمد بن جعفر قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقدر(٢) على الصوم، قال: فلتصدق مكان كل يوم بمد على مسكين"(٣) .

باب قضاء صوم شهر رمضان

٥ ١٩٩ روى عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل مرض في شهر رمضان فلما برأ أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال: إذا رجع فليصمه "(٤) .

١٩٩٦ - وسأله عبدالرحمن بن أبي عبدالله " عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجة وقطعه قال: إقضه في ذي الحجة واقطعه إن شئت "(٥) .

___________________________________

(١) عمل الشيخ رحمه الله في التهذيب بظاهره، والمشهور الاستحباب.

(٢) نسخة في الجميع " لم تقو ".

(٣) المشهور بين الاصحاب أن مع العجز عن الصوم المنذور يسقط الصوم ولا يلزمه شئ وذهب جماعة إلى لزوم الكفارة عن كل يوم بمد وجماعة بمدين لرواية أخرى، والقائلون بالمشهور حملوا تلك الاخبار على الاستحباب لكن العجز لا يتحقق في النذر المطلق الا باليأس منه في جميع العمر فهذا الخبر اما محمول على شهرين معينين أو على اليأس بأن يكون ظنها أنها تكون دائما اما في الحمل أو في الرضاع، مع أنه يحتمل أن يكون الكفارة في الخبر للتأخير مع عدم سقوط المنذور. (المرآة)

(٤) في بعض النسخ " فليقضه ". ويدل على عدم جواز قضاء صوم شهر رمضان في السفر وعليه الاصحاب.

(٥) ليس التتابع شرطا في القضاء فلا بأس أن يقطع بالعيد أو غيره (سلطان) وقال العلامة المجلسى رحمه الله: الشرط متعلق بالامرين لا بخصوص القطع مع احتماله فيكون المراد القطع بغير العيد، ثم ان الخبر يدل على عدم مرجوحية القضاء في عشر ذى الحجة كما هو المشهور بين الاصحاب، وروى الشيخ رحمه الله في التهذيب بسند موثق عن غياث ابن ابراهيم عن أبى عبدالله عليه السلام المنع منه وحمله على ما إذا كان مسافرا ولعله محمول على التقية لان بعض العامة يمنعون من ذلك لفوات التتابع الذى يقولون بلزومه.

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: لا يكره القضاء في عشر ذى الحجة والرواية عن على عليه السلام بالنهى عنه مدخولة.

١٤٧

١٩٩٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أياما متتابعة فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحص الايام، فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن ".

١٩٩٨ - وسأل سليمان بن جعفر الجعفري أبا الحسن الرضا عليه السلام " عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار، وكفارة الدم وكفارة اليمين "(١) .

١٩٩٩ - وروى جميل، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: يتصدق عن الاول ويصوم الثاني، وإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الاول ".

ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الشهر الثالث من مرض فعليه أن يصوم هذا الذي دخله وتصدق عن الاول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني(٢) .

_________________________________

(١) الحصر اضافى بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، أو المراد كفارة الظهار وأمثالها من الكفارات (سلطان) وقال المولى المجلسى رحمه الله: تخصيص الثلاث بالذكر لكونها منصوصا عليها في القرآن أو لمزيد الاهتمام.

(٢) يمكن أن يكون من تتمة خبر زرارة وأن يكون قول الصدوق، ويؤيده عدم ذكر الكلينى والشيخ لهذه الزيادة، وظاهره أن التصدق واجب للسنة الاولى ويجب القضاء فقط للسنة الثانية أو يكون هذا الحكم من خبر وصل اليه ان لم يكن جزء الخبر، والمشهور العمل بالاخبار الاولة، ويمكن حمله على ما إذا صح فيما بين الثانى والثالث ولم يقض ولم يتهاون بل كان في نيته القضاء ثم مرض ولم يقض ولم يصح فيما بين الاول والثانى، واختلف في وجوب تعدد الكفارة بتعدد السنين والاحوط التعدد بمعنى أنه إذا مرض وتهاون في القضاء حتى مضى أربع سنين فهل يجب لكل يوم أربعة أم يكفى مد واحد. (م ت)

١٤٨

٢٠٠٠ - وروى ابن محبوب، عن الحارث بن محمد، عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم، وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع "(١) .

وقد روي أنه إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان(٢) .

٢٠٠١ - وروى سماعة، عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار فقال: لا ينبغي(٣) أن يكرهها بعد زوال الشمس ".

٢٠٠٢ - وسأله سماعة " عن قوله: " الصائم بالخيار إلى زوال الشمس " قال: " إن ذلك في الفريضة فأما في النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس ".

٢٠٠٣ - وروى ابن فضال، عن صالح بن عبدالله الخثعمي قال: " سألت أبا عبدالله

___________________________________

(١) قال بعض الشراح تحريم الافطار بعد الزوال في قضاء رمضان هو مذهب الاصحاب لا يعلم فيه خلاف وأما الجواز قبله فمذهب الاكثر ونقل عن أبى الصلاح القول بوجوب اتمام كل صوم واجب، وعن ابن أبى عقيل عدم جواز الافطار في قضاء رمضان مطلقا هذا مع التوسعة وأما مع تضييق الوقت يحرم الافطار مطلقا لكن لا تجب الكفارة قبل الزوال.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٣٠ عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذى أصاب في شهر رمضان " وحمله الشيخ على الاستحباب وجوز فيه الحمل على الافطار مع الاستخفاف و يمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفارة لا في قدرها.

(٣) ظاهره الكراهة وحمل على الحرمة. (المرآة)

١٤٩

عليه السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره(١) فيسأله أن يفطر أيفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه وحسب له، وإن كان قضاء فريضة قضاه "(٢) .

وإذا أصبح الرجل وليس عليه من نيته أن يصوم ثم بدا له فله أن يصوم(٣) .

٢٠٠٤ - وسئل عليه السلام " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، فقال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن(٤) نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء(٥) ".

وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها بقية يوم صامت ذلك المقدار تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم، وإن حاضت وقد بقي عليها بقية يوم أفطرت وعليها القضاء(٦) .

___________________________________

(١) أى على دينه ومذهبه أو عليه أطاعته وقبول أمره.

(٢) ظاهر الخبر أن بدعوة المؤمن يستحب افطار صوم القضاء أيضا لكن لا يجزيه بل يلزمه فعله مرة اخرى، وأما حمله على أن المراد بالقضاء اتمام هذا الصوم وعدم الافطار فلا يخفى بعده. (المرآة)

(٣) يدل عليه أخبار منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن عليه السلام " في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل: قال: نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا " (الكافى ج ٤ ص ١٢٢).

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ١٢٢ بسند موثق عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصائم الخبر " وفيه " فان لم يكن " وما في المتن أظهر.

(٥) قد قطع الاصحاب بأن وقت النية في الواجب غير المعين كالقضاء والنذر المطلق يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافى نهارا ويدل عليه روايات كثيرة ويظهر من كلام ابن الجنيد جواز تجديد النية بعد الزوال أيضا وفى المعين المشهور أنه يجوز النية مع النسيان إلى الزوال لا مع العمد وبعد الزوال لا يجوز الا على ظاهر ابن الجنيد، وفى النافلة ذهب جماعة إلى امتداد وقت النية إلى الغروب. (سلطان)

(٦) روى الشيخ رحمه الله عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان فلما ارتفع النهار حاضت؟ قال: تفطر، قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار؟ قال: تصلى وتتم صومها أى تأديبا ويقضى ".

١٥٠

وإذا وجب على الرجل صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه أن يعيد صومه ولم يجزئه الشهر الاول إلا أن يكون أفطر لمرض فله أن يبني على ما صام فان الله عزوجل حبسه(١) ، فإن صام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما(٢) ثم أفطر فعليه أن يبني على ما صام(٣) .

___________________________________

(١) أى منعه من الصوم وعموم التعليل ربما يدل على عموم الحكم لكل مانع من قبل الله كالحيض وغيره.

وفى المدارك: اما وجوب البناء إذا كان قد صام من الشهر الثانى يوما فصاعدا فقال العلامة في التذكرة والمنتهى وولده في الشرح: انه قول علمائنا أجمع واختلف الاصحاب في جواز التفريق اختيارا بعد الاتيان بما يتحقق به التتابع فذهب الاكثر إلى الجواز والمفيد رحمه الله إلى المنع واختاره ابن ادريس قدس سره.

(٢) المشهور كفاية يوم واحد ومراد المصنف أعم منه لقوله سابقا " ولم يصم من الشهر الثانى شيئا".

(٣) روى الكلينى ج ٤ ص ١٣٨ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران عن أبى عبدالله عليه السلام " في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض، قال: يستقبل وان زاد على الشهر الاخر يوما أو يومين بنى على ما بقى " ورواه الشيخ في التهذيب وحمل قوله " يستقبل " على مرض يمنعه من الصيام وان كان يشق عليه. ولعل حمله على الاستحباب أظهر.

وروى الكلينى أيضا في الحسن كالصحيح والشيخ في الصحيح واللفظ له عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الشهر الاخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شئ يفطر فيه أفطر ثم قضى ما بقى عليه وان صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الاخر شيئا فلم يتابع أعاد الصيام كله "، وظاهر قوله " فان عرض له شئ " غير الاعذار الشرعية.

وفى الموثق عن سماعة قال: " سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الايام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فان كان أقل من شهر أو شهرا أن يعيد الصيام ".

١٥١

٢٠٠٥ - وروى موسى بن بكر، عن الفضيل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في رجل عليه(١) صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر، فقال: إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، وإن كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما(٢) ".

٢٠٠٦ - وروى منصور بن حازم عنه عليه السلام أنه قال " في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان ثم يستأنف الصوم وإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ".

٢٠٠٧ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، قال: يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين، قال: ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها، ولا بأس إن صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعها(٣) ، ثم يقضي بعد تمام الشهرين ".

باب قضاء الصوم عن الميت

٢٠٠٨ - روى أبان بن عثمان، عن أبي مريم الانصاري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان، ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس

___________________________________

(١) في التهذيب ج ١ ص ٤٣٢ والكافى ٤ ص ١٣٩ " في رجل جعل عليه " وكأنه سقط من النساخ.

(٢) ذلك لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين فاذا صام خمسة عشر فقد جاوز النصف.

ومضمون الخبر مشهور بين فقهائنا ومنهم من رده لضعف السند.

(٣) ظاهره عدم جواز الافطار بدون العذر وان كان العذر خفيفا، ولعله محمول على الافضلية بقرينة " لا ينبغى ". (المرآة)

١٥٢

عليه قضاء، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد فإن لم يكن له مال صام عنه وليه(١) ".

وإذا مات رجل وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه، وكذلك من فاته في السفر والمرض إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح بمقدار ما يقضي به صومه فلا قضاء عليه إذا كان كذلك(٢) وإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه.

فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء(٣) .

٢٠٠٩ - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله ".

٢٠١٠ - وكتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما

___________________________________

(١) يدل على أنه يجب على الولى قضاء الصلاة والصيام عن الميت سواء تمكن من القضاء أم لا وسواء فات بمرض أو غيره ويدل أيضا على أن الولى مطلق الوارث من الذكور وفى المسألة أقوال شتى ففى الدروس: لو مات قبل التمكن من القضاء فلا قضاء ولا كفارة ويستحب القضاء وفى التهذيب يقضى ما فات في السفر ولو مات في رمضان لرواية منصور بن حازم والسر فيه تمكن المسافر من الاداء وهو أبلغ من التمكن من القضاء إذا كان تركه للسفر سائغا، وان تمكن من القضاء ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولى سواء كان صوم رمضان أو لا، وسواء كان له مال أو لا.

ومع عدم الولى يتصدق من أصل ماله عن كل يوم بمد، قال المرتضى يتصدق عنه فان لم يكن له مال صام وليه، وقال الحسن: يتصدق عنه لا غير، وقال الحلبى: مع عدم الولى يصام عنه من ماله كالحج والاول أصح، والمرأة هنا كالرجل على الاصح وأما العيد فمشكل والمساواة قريبة، ثم الولى عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لا غير، وعند المفيد لو فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور فان فقدوا فالنساء وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار، ولو كان له وليان فصاعدا متساويان توزعوا الا أن يتبرع به بعضهم، وقال القاضى: يقرع بينهما، وقال ابن ادريس: لا قضاء والاول أثبت. (المرآة)

(٢) راجع الكافى ج ٤ ص ١٢٣.

(٣) يمكن أن يكون الدليل الخبر الآتى أو العمومات.

١٥٣

أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله(١) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رحمه الله: وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه عليه السلام.

باب فدية صوم النذر

٢٠١١ - روى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " في رجل نذر على نفسه إن هو سلم من مرض أو تخلص من حبس أن يصوم كل يوم أربعاء وهو اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن ذلك لعلة أصابته أو غير ذلك فمد الله عزوجل للرجل في عمره واجتمع عليه صوم كثير ما كفارة ذلك؟ قال: تصدق لكل يوم مدا من حنطة أو بمد تمر(٢) ".

٢٠١٢ - وفي رواية إدريس بن زيد، وعلي بن إدريس عن الرضا عليه السلام " تصدق عن كل يوم بمد من حنطة أو شعير(٣) ".

___________________________________

(١) الحكم بالتتابع محمول على الافضل. (الوافى)

(٢) اختلف الاصحاب فيمن عجز عن صوم النذر فقيل: يجب عليه القضاء دون الكفارة وقيل بالعكس، والكفارة اما مد على المشهور أو مدان كما ذهب اليه الشيخ وبعض الاصحاب فهذا الخبر يدل على الاكتفاء بالكفارة وأنها مد. (المرآة)

(٣) هذا الخبر في الكافى ج ٤ ص ١٤٣ مثل خبر البزنطى بادنى اختلاف في اللفظ.

١٥٤

باب صوم الاذن

٢٠١٣ - روى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا شيئا فيفسد، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم(١) ويشتهي فيتركه لهم ".

٢٠١٤ - وروى نشيط بن صالح، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة زوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره، ومن صلاح العبد و طاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلا، وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسدا عاصيا، وكان الولد عاقا(٢) ".

___________________________________

(١) الاحتشام بمعنى الغضب وبمعنى الحياء وبمعنى الخجلة والانقباض.

وقوله " ويشتهى " أى حالكونه يشتهى الطعام فيتركه لهم مع اشتهائه.

(٢) اختلف الاصحاب في صوم الضيف نافلة من دون اذن مضيفه فقال المحقق في الشرايع انه مكروه الا مع النهى فيفسد، وقال في النافع والمعتبر: انه غير صحيح، وأطلق العلامة وجماعة الكراهة وهو المعتمد كما هو الظاهر من سياق الرواية، وقوله صلى الله عليه وآله " وكانت المرآة عاصية " يدل على حرمة صومها بدون اذن زوجها مطلقا (المرآة) وقال ملاذنا وفقيه عصرنا الآية الخوانسارى دامت بركاته: وقد يفصل بين عدم الاذن والنهى لما في خبر هشام من التعبير بالعقوق والعصيان ويمكن أن يقال: لعل التعبير بالعقوق والعصيان للمبالغة في الكراهة مع حفظ اطلاق عدم الاذن لصورة عدم النهى (جامع المدارك ج ٢ ص ٢٣٠).

١٥٥

باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان وما جاء في العشر الاواخر و... في ليلة القدر

٢٠١٥ - روى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: " يغتسل في ثلاث ليال من شهر رمضان، في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وأصيب أمير المؤمنين عليه السلام في تسع عشرة، وقبض عليه السلام في إحدى وعشرين، قال: الغسل في أول الليل وهو يجزي إلى آخره(١) ".

٢٠١٦ - وقد روي أنه " يغتسل في ليلة سبع عشرة ".

٢٠١٧ - وروى زرارة، وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله، ثم يصلي ويفطر(٢) ".

٢٠١٨ - وروى سماعة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل العشر الاواخر شد المئزر(٣) واجتنب النساء وأحيا الليل و تفرغ للعبادة ".

٢٠١٩- وروى سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: " صل ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد عشر مرات".

٢٠٢٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها(٤) ، ولله عزوجل أن يفعل ما يشاء في خلقه ".

٢٠٢١- وروى رفاعة عنه عليه السلام أنه قال: " ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها "(٥) .

___________________________________

(١) يدل أن الغسل في أول الليل أفضل.

(٢) وجوب الشمس غروبها، في القاموس وجب الشمس وجبا ووجوبا غابت، و " قبيلة " أى قبل سقوط الشمس وغروبها بقليل.

(٣) شد المئزر كناية عن الجد والاجتهاد في العبادة أو عن اجتناب النساء أو عنهما معا وعلى الاخيرين يكون العطف تفسيرا أو تخصيصا بعد التعميم والاول أظهر. (م ت)

(٤) هكذا جاء في هذه الرواية وفى الكافى ج ٤ ص ١٥٩ مسندا عن زرارة قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " التقدير في ليلة تسع عشرة، والابرام في ليلة احدى وعشرين، والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين ".

(٥) الظاهر أن الاولية باعتبار التقدير أى أول السنة التى يقدر فيها الامور لليلة القدر والاخرية باعتبار المجاورة فان ما قدر في السنة الماضية انتهى اليها كما سيجئ =

١٥٦

٢٠٢٢ - " وأري(١) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه بني أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا، فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله مالي أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى فقال: والذي بعثك بالحق نبيا إن هذا لشئ ما اطلعت عليه، ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاء‌هم ما كانوا يوعدون ما أغنى ما كانوا يمتعون(٢) " وأنزل عليه " إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر " جعل ليلة القدر لنبيه صلى الله عليه وآله خيرا من ألف شهر من ملك بني أمية "(٣) .

___________________________________

= أن اول السنة التى يحل فيها الاكل والشرب يوم الفطر، أو أن عملها يكتب في آخر السنة الاولى وأول السنة الثانية كصلاة الصبح في أول الوقت، أو يكون أول السنة باعتبار تقدير ما يكون في السنة الثانية وآخر السنة المقدر فيها الامور. (م ت)

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٥٩ باسناده عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الخ ".

(٢) قال في المجمع معناه: أرأيت ان أنظرناهم أو أخرناهم سنين ومتعناهم بشئ من الدنيا ثم أتاهم العذاب لم يغن عنهم ما متعوا في تلك السنين من النعيم لازديادهم في الاثام واكتسابهم من الاجرام.

(٣) قد حوسب مدة ملك بنى أمية فكانت ألف شهر من دون زيادة يوم ولا نقصان يوم وانما ارى اضلالهم للناس عن الدين القهقرى لان الناس كانوا يظهرون الاسلام وكانوا يصلون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من الدين شيئا فشيئا كالذى يرتد عن الصراط السوى القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في جهنم (الوافى).

أقول: في هامش الطبع الاول من الوافى الذى لم يتم طبعه " أن المستفاد من كتب السير أن أول انفراد بنى امية بالامر كان عند ما صالح الحسن بن على عليهما السلام معاوية سنة ٤٠ من الهجرة وكان انقضاء ملكهم على يد أبى مسلم المروزى سنة ١٣٢ منها، فكانت تمام دولتهم اثنتان وتسعون سنة حذفت منها خلافة عبدالله بن الزبير وهى ثمان سنين وثمانية أشهر بقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهى ألف شهر انتهى.

أقول: ولعل المراد بألف شهر المبالغة في التكثير، لا حقيقة.

١٥٧

٢٠٢٣ - وسأل رجل الصادق عليه السلام فقال: " أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال: لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن "(١) .

٢٠٢٤ - وسأل حمران أبا جعفر عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " قال: هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر، ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر قال الله عزوجل: " فيها يفرق كل أمر حكيم " قال: يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر، أو طاعة أو معصية، أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم ولله عزوجل فيه المشيئة، قال: قلت له: ليلة القدر خير من ألف شهر أي شئ عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح في ليلة القدر(٢) ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا(٣) ولكن الله عزوجل يضاعف لهم الحسنات ".

٢٠٢٥ - وسئل الصادق عليه السلام " كيف تكون ليلة القدر خيرا من ألف شهر؟ قال العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ".(٤)

___________________________________

(١) اى تبقى ليلة القدر إلى انقضاء التكليف الذى علامته رفع القرآن إلى السماء، ويحتمل أن يكون المعنى رفع حكم القرآن ومدلوله أى لو ذهبت ليلة القدر بطل حكم القرآن حيث يدل على استمراره فان قوله " تنزل الملائكة والروح فيها " يدل على الاستمرار التجددى ثم اعلم أنه لا خلاف بين الامامية في استمرار ليلة القدر وبقائها، واليه ذهب أكثر العامة وذهب شاذ منهم إلى أنها كانت مختصة بزمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته رفعت.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٥٨ " العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر " ولعل هذه الزيادة سقطت من نسخة الفقيه.

(٣) أى غاية الفضل والثواب. (المرآة)

(٤) في الكافى هذا الخبر جزء من حديث حمران المتقدم كما أشرنا اليه.

١٥٨

٢٠٢٦ - وروى علي بن حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، ونزل الانجيل في اثنى عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان، ونزل القرآن [الفرقان خ ل) في ليلة القدر ".

٢٠٢٧ - وروي عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت(١) وإن كانت في حر بردت وطابت ".

٢٠٢٨ - وسئل عليه السلام " عن ليلة القدر فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده عزوجل موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه(٢) ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب ".

٢٠٢٩ - وروي عن علي بن أبي حمزة(٣) قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له أبوبصير: جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى(٤) أي ليلة هي؟ فقال: في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب، قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاء‌نا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى؟ فقال: ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها، قلت: جعلت فداك ليلة

___________________________________

(١) بالدال المهملة مهموزة اللام من باب فرح أى سخنت.

(٢) الظاهر أن " له " خبر المشيئة قدم عليها، و " فيه " متعلق به، ولعل المراد بذلك الامر ما لم يطلع الكتبة على تفصيله فيكتبونه على وجه الاجمال وتفصيله موكول إلى مشيئة الله تعالى ومعنى التقديم والتأخير أنه قد تراء‌ى منه أنه يقدم وهو في علم الله تعالى الذى لم يطلع عليه أحد مؤخر فيؤخر أو بالعكس، ولعل ذلك هو معنى المحو والاثبات ومعنى البداء. (مراد)

(٣) السند ضعيف لانه البطائنى تحقيقا.

(٤) يعنى من الرحمة والمغفرة وتضاعف الحسنات وقبول الطاعات يعنى بها ليلة القدر (الوافى) وفى بعض النسخ " نرجو فيها ما نرجو ".

١٥٩

ثلاث وعشرين ليلة الجهني(١) قال: إن ذلك ليقال، قلت: جعلت فداك إن سليمان بن خالد روى أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج(٢) ، فقال: يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا(٣) والبلايا والارزاق وما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت إلى النور(٤) واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: فصل وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: فعلى فراشك، قلت: فإن لم أستطع؟ فقال: لا عليك أن تكتحل أول الليل بشئ من النوم(٥) إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين(٦) وتقبل الاعمال أعمال المؤمنين نعم الشهر شهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق ".

٢٠٣٠ - وروى محمد بن حمران، عن سفيان بن السمط قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: تسع عشرة، وإحدى و عشرين، وثلاث وعشرين، قلت: فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال: ثلاث وعشرين ".

٢٠٣١ - وفي رواية عبدالله بن بكير، عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان؟ فقال: ليلة تسع عشرة

___________________________________

(١) اشارة إلى ما يأتى تحت رقم ٢٠٣١ وقوله " ما أيسر " يدل على استحباب الاحتياط في الامور المستحبة عند اشتباه الهلال لئلا يقع في حرام كصوم يوم عرفة عند اشتباه الهلال في ذى الحجة لاحتمال العيد المحرم صومه.

(٢) وفد الحاج هم القادمون إلى مكة للحج فان في تلك الليلة تكتب أسماء من قدر أن يحج في تلك السنة. (الوافى)

(٣) المنايا جمع المنية وهى الموت. والبلايا جمع البلية وهى الافات.

(٤) النور كناية عن انفجار الصبح بالفلق. (الوافى)

(٥) استعارة عن قلة النوم أول الليل. و " لا عليك " أى لا بأس عليك.

(٦) في القاموس صفده يصفده: شده وأوثقه كأصفده وصفده من باب التفعيل.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) تقييد إيذائهم بغير ما اكتسبوا لأنّ إيذاءهم بما اكتسبوا كما في القصاص و الحدّ و التعزير لا إثم فيه.

و أمّا إيذاؤهم بغير ما اكتسبوا و من دون استحقاق فيعدّه سبحانه احتمالاً للبهتان و الإثم المبين، و البهتان هو الكذب على الغير يواجهه به، و وجه كون الإيذاء من غير اكتساب بهتاناً أنّ المؤذي إنّما يؤذيه لسبب عنده يعدّه جرماً له يقول: لم قال كذا؟ لم فعل كذا؟ و ليس بجرم فيبهته عند الإيذاء بنسبة الجرم إليه مواجهة و ليس بجرم.

و كونه إثماً مبيناً لأنّ الافتراء و البهتان ممّا يدرك العقل كونه إثماً من غير حاجة إلى ورود النهي عنهما شرعاً.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) إلخ، الجلابيب جمع جلباب و هو ثوب تشتمل به المرأة فيغطّي جميع بدنها أو الخمار الّذي تغطّي به رأسها و وجهها.

و قوله:( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) أي يتستّرن بها فلا تظهر جيوبهنّ و صدورهنّ للناظرين.

و قوله:( ذلِكَ أَدْنى‏ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) أي ستر جميع البدن أقرب إلى أن يعرفن أنّهنّ أهل الستر و الصلاح فلا يؤذين أي لا يؤذيهنّ أهل الفسق بالتعرّض لهنّ. و قيل: المعنى ذلك أقرب من أن يعرفن أنّهنّ مسلمات حرائر فلا يتعرّض لهنّ بحسبان أنّهنّ إماء أو من غير المسلمات من الكتابيّات أو غيرهنّ و الأوّل أقرب.

قوله تعالى: ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ) إلخ، الانتهاء عن الشي‏ء الامتناع و الكفّ عنه، و الإرجاف إشاعة الباطل للاغتمام به و إلقاء الاضطراب بسببه، و الإغراء بالفعل التحريض عليه.

و المعنى: اُقسم لئن لم يكفّ المنافقون و الّذين في قلوبهم مرض عن الإفساد و الّذين يشيعون الأخبار الكاذبة في المدينة لإلقاء الاضطراب بين المسلمين لنحرّضنّك عليهم ثمّ يجاورونك في المدينة بسبب نفيهم عنها إلّا زماناً قليلاً و هو ما بين صدور الأمر و فعليّة إجرائه.

٣٦١

قوله تعالى: ( مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا ) الثقف إدراك الشي‏ء و الظفر به، و الجملة حال من المنافقين و من عطف عليهم أي حال كونهم ملعونين أينما وجدوا اُخذوا و بولغ في قتلهم فعمّهم القتل.

قوله تعالى: ( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا ) السنّة هي الطريقة المعمولة الّتي تجري بطبعها غالباً أو دائماً.

يقول سبحانه هذا النكال الّذي أوعدنا به المنافقين و من يحذو حذوهم من النفي و القتل الذريع هي سنّة الله الّتي جرت في الماضين فكلّما بالغ قوم في الإفساد و إلقاء الاضطراب بين الناس و تمادوا و طغوا في ذلك أخذناهم كذلك و لن تجد لسنّة الله تبديلاً فتجري فيكم كما جرت في الاُمم من قبلكم.

( بحث روائي)

في الفقيه، روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا ) قال: متّعوهنّ أي أجملوهنّ بما قدرتم عليه من معروف فإنّهنّ يرجعن بكآبة و وحشة و همّ عظيم و شماتة من أعدائهنّ فإنّ الله كريم يستحيي و يحبّ أهل الحياء إنّ أكرمكم أشدّكم إكراماً لحلائلهم.

و في الكافي، بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها. قال: عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً و إن لم يكن فرض لها فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء.

أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة و هي مبنيّة على تخصيص الآية بآية البقرة كما تقدّم في تفسير الآية.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد عن حبيب بن ثابت قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحسين فسأله عن رجل قال: إن تزوّجت فلانة فهي طالق قال: ليس

٣٦٢

بشي‏ء بدأ الله بالنكاح قبل الطلاق فقال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ) .

أقول: و رواه في المجمع، عن حبيب بن ثابت عنهعليه‌السلام .

و فيه، أخرج ابن ماجة و ابن مردويه عن المسوّر بن مخرمة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا طلاق قبل نكاح و لا عتق قبل ملك.

أقول: و روي مثله عن جابر و عائشة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الكافي، بإسناده عن الحضرميّ عن أبي جعفرعليه‌السلام و بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) كم اُحلّ له من النساء؟ قال: ما شاء من شي‏ء.

و فيه، بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت:( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ) ؟ فقال: لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينكح ما شاء من بنات عمّه و بنات عمّاته و بنات خاله و بنات خالاته و أزواجه اللّاتي هاجرن معه.

و اُحلّ له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر و هي الهبة و لا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمّا لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلّا بمهر و ذلك معنى قوله تعالى:( وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن سعد و ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و الطبرانيّ عن عليّ بن الحسين: في قوله:( وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً ) هي اُمّ شريك الأزديّة الّتي وهبت نفسها للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أقول: و روي أنّها خولة بنت الحكيم و أنّها ليلى بنت الخطيم و أنّها ميمونة، و الظاهر أنّ الواهبة نفسها عدّة من النساء.

و في الكافي، مسنداً عن محمّد بن قيس عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يا رسول الله إنّ المرأة لا تخطب الزوج و أنا امرأة أيّم لا زوج لي منذ دهر و لا ولد فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني. فقال لها رسول الله خيرا و دعا لها.

٣٦٣

ثمّ قال: يا اُخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله خيراً فقد نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم. فقالت لها حفصة: ما أقلّ حياءك و أجرأك و أنهمك للرجال. فقال رسول الله: كفّي عنها يا حفصة فإنّها خير منك رغبت في رسول الله و لمتها و عبتها.

ثمّ قال للمرأة: انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنّة لرغبتك فيّ و تعرّضك لمحبّتي و سروري و سيأتيك أمري إن شاء الله، فأنزل الله عزّوجلّ:( وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) قال: فأحلّ الله عزّوجلّ هبة المرأة نفسها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا يحلّ ذلك لغيره.

و في المجمع، و قيل: إنّها لمّا وهبت نفسها للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت عائشة: ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟ فنزلت الآية، فقالت عائشة: ما أرى الله إلّا يسارع في هواك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإنّك إن أطعت الله سارع في هواك.

و في المجمع: في قوله تعالى:( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ) قال أبوجعفر و أبوعبداللهعليهما‌السلام . من أرجى لم ينكح و من آوى فقد نكح.

و في الكافي، بإسناده عن الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) فقال: إنّما عنى به لا يحلّ لك النساء الّتي حرّم الله عليك في هذه الآية( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ ) إلى آخرها.

و لو كان الأمر كما يقولون كان قد اُحلّ لكم ما لم يحلّ له لأنّ أحدكم يستبدل كلّما أراد و لكنّ الأمر ليس كما يقولون إنّ الله عزّوجلّ أحلّ لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينكح من النساء ما أراد إلّا ما حرّم في هذه الآية في سورة النساء.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن زيد عن الحسن: في قوله:( وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ ) قال: قصره الله على نسائه التسع اللّاتي مات عنهنّ.

قال عليّ فأخبرت عليّ بن الحسين فقال: لو شاء تزوّج غيرهنّ. و لفظ عبد بن حميد فقال: بل كان له أيضاً أن يتزوّج غيرهنّ.

و في تفسير القمّيّ: و أمّا قوله عزّوجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا

٣٦٤

بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) فإنّه لمّا أن تزوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزينب بنت جحش و كان يحبّها فأولم و دعا أصحابه فكان أصحابه إذا أكلوا يحبّون أن يتحدّثوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و كان يحبّ أن يخلو مع زينب فأنزل الله عزّوجلّ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) و ذلك أنّهم كانوا يدخلون بلا إذن فقال عزّوجلّ:( إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ - إلى قوله -مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) .

أقول: و روي تفصيل القصّة عن أنس بطرق مختلفة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان قال: نزل حجاب رسول الله على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة.

أقول: و رواها أيضاً ابن سعد عن أنس و فيه: أنّ السنة كانت مبتنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزينب.

و فيه، في قوله تعالى:( وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا ) الآية أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ قال: بلغنا أنّ طلحة بن عبيد الله قال: أ يحجبنا محمّد عن بنات عمّنا و يتزوّج نساءنا من بعدنا؟ لئن حدث به حدث لنتزوّجنّ نساءه من بعده فنزلت الآية.

أقول: و قد وردت بذلك عدّة من الروايات و في بعضها أنّه كان يريد عائشة و اُمّ سلمة.

و في ثواب الأعمال، عن أبي المعزى عن أبي الحسنعليه‌السلام في حديث قال: قلت: ما معنى صلاة الله و صلاة ملائكته و صلاة المؤمن؟ قال: صلاة الله رحمة من الله، و صلاة الملائكة تزكية منهم له، و صلاة المؤمنين دعاء منهم له.

و في الخصال، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال: صلّوا على محمّد و آل محمّد فإنّ الله تعالى يقبل دعاءكم عند ذكر محمّد و دعاءكم و حفظكم إيّاه إذا قرأتم( إِنَّ اللهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) فصلّوا عليه في الصلاة كنتم أو في غيرها.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد الرزّاق و ابن أبي شيبة و أحمد و عبد بن حميد و البخاريّ و مسلم و أبو داود و الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و ابن مردويه عن كعب بن عجرة قال: قال رجل: يا رسول الله أمّا السلام عليك فقد علمناه فكيف

٣٦٥

الصلاة عليك؟ قال: قل: اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد اللّهمّ بارك على محمّد و على آل محمّد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

أقول: و قد أورد ثماني عشرة حديثاً غير هذه الرواية تدلّ على تشريك آل النبيّ معه في الصلاة روتها أصحاب السنن و الجوامع عن عدّة من الصحابة منهم ابن عبّاس و طلحة و أبوسعيد الخدريّ و أبو هريرة و أبو مسعود الأنصاريّ و بريدة و ابن مسعود و كعب بن عجرة و عليّعليه‌السلام و أمّا روايات الشيعة فهي فوق حدّ الإحصاء.

و فيه، أخرج أحمد و الترمذيّ عن الحسن بن عليّ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) فإنّه كان سبب نزولها أنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد و يصلّين خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا كان الليل و خرجن إلى صلاة المغرب و العشاء الآخرة يقعد الشبّاب لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ و يتعرّضون لهنّ فأنزل الله:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) الآية.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد الرزّاق و عبد بن حميد و أبو داود و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن اُمّ سلمة قالت: لمّا نزلت هذه الآية( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) خرج نساء الأنصار كأنّ على رؤسهنّ الغربان من أكسية سود يلبسنها.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ) نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج في بعض غزواته يقولون: قتل و اُسر فيغتمّ المسلمون لذلك و يشكون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل الله عزّوجلّ في ذلك( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ - إلى قوله -إِلَّا قَلِيلًا ) أي نأمرك بإخراجهم من المدينة إلّا قليلاً.

( مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا ) و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( مَلْعُونِينَ ) فوجبت عليهم اللعنة بعد اللّعنة بقول الله.

٣٦٦

( سورة الأحزاب الآيات ٦٣ - ٧٣)

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ  قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ  وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ( ٦٣ ) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ( ٦٤ ) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا  لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ( ٦٥ ) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ( ٦٦ ) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ( ٦٧ ) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ( ٦٨ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا  وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا ( ٦٩ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( ٧٠ ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ  وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( ٧١ ) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ  إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ( ٧٢ ) لِّيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ  وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ( ٧٣ )

٣٦٧

( بيان)

آيات تذكر شأن الساعة و بعض ما يجري على الكفّار من عذابها و تأمر المؤمنين بالقول السديد و تعدهم عليه وعداً جميلاً ثمّ تختتم السورة بذكر الأمانة.

قوله تعالى: ( يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) تذكر الآية سؤال الناس عن الساعة و إنّما كانوا يريدون أن يقدّر لهم زمن وقوعها و أنّها قريبة أو بعيدة كما يؤمي إليه التعبير عنها بالساعة فاُمر أن يجيبهم بقصر العلم بها في الله سبحانه و على ذلك جرت الحال كلّما ذكرت في القرآن.

و قوله:( وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) زيادة في الإبهام و ليعلموا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل غيره في عدم العلم بها و ليس من الستر الّذي أسرّه إليه و ستره من الناس.

قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) لعن الكفّار إبعادهم من الرحمة، و الإعداد التهيئة، و السعير النار الّتي اُشعلت فالتهبت، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً ) الفرق بين الوليّ و النصير أنّ الوليّ يلي بنفسه تمام الأمر و المولى عليه بمعزل، و النصير يعين المنصور على بعض الأمر و هو إتمامه فالوليّ يتولّى الأمر كلّه و النصير يتصدّى بعضه، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولَا ) تقلّب وجوههم في النار تحوّلها لحال بعد حال فتصفرّ و تسوّد و تكون كالحة أو انتقالها من جهة إلى جهة لتكون أبلغ في مسّ العذاب كما يفعل باللحم المشويّ.

و قولهم:( يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولَا ) كلام منهم على وجه التحسّر و التمنّي.

٣٦٨

قوله تعالى: ( وَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) السادة جمع سيّد و هو - على ما في المجمع - المالك المعظّم الّذي يملك تدبير السواد الأعظم و هو الجمع الأكثر، و الكبراء جمع كبير و لعلّ المراد به الكبير سنّا فالعامّة تطيع و تقلّد أحد رجلين إمّا سيّد القوم و إمّا أسنّهم.

قوله تعالى: ( رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) الضعفان المثلان و إنّما سألوا لهم ضعفي العذاب لأنّهم ضلّوا في أنفسهم و أضلّوا غيرهم، و لذلك أيضاً سألوا لهم اللعن الكبير.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى‏ فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَ كانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً ) نهي عن أن يكونوا كبعض بني إسرائيل فيعاملوا نبيّهم بمثل ما عامل به بنو إسرائيل من الإيذاء و ليس المراد مطلق الإيذاء بقول أو فعل و إن كان منهيّاً عنه بل قوله:( فَبَرَّأَهُ اللهُ ) يشهد بأنّه كان إيذاء من قبيل التهمة و الافتراء المحوج في رفعه إلى التبرئة و التنزيه.

و لعلّ السكوت عن ذكر ما آذوا به موسىعليه‌السلام يؤيّد ما ورد في الحديث أنّهم قالوا: ليس لموسى ما للرجال فبرّأه الله من قولهم و سيوافيك.

و أوجه ما قيل في إيذائهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه إشارة إلى قصّة زيد و زينب، و إن يكن كذلك فمن إيذائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما في كثير من روايات القصّة من سردها على نحو لا يناسب ساحة قدسه.

و قوله:( وَ كانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً ) أي ذا جاه و منزلة و الجملة مضافاً إلى اشتمالها على التبرئة إجمالاً تعلّل تبرئته تعالى له و للآية و ما بعدها نوع اتّصال بالآيات الناهية عن إيذاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً ) ، السديد من السداد و هو الإصابة و الرشاد فالسديد من القول ما يجتمع فيه مطابقة الواقع و عدم كونه لغواً أو ذا فائدة غير مشروعة كالنميمة و غير ذلك فعلى المؤمن أن يختبر صدق ما يتكلّم به و أن لا يكون لغواً أو يفسد به إصلاح.

٣٦٩

قوله تعالى: ( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً ) رتّب على ملازمة القول السديد إصلاح الأعمال و مغفرة الذنوب و ذلك أنّ النفس إذا لازمت القول السديد انقطعت عن كذب القول و لغو الحديث و الكلام الّذي يترتّب عليه فساد، و برسوخ هذه الصفة فيها تنقطع طبعاً عن الفحشاء و المنكر و اللغو في الفعل و عند ذلك يصلح أعمال الإنسان فيندم بالطبع على ما ضيّعه من عمره في موبقات الذنوب إن كان قد ابتلي بشي‏ء من ذلك و كفى بالندم توبة.

و يحفظه الله فيما بقي من عمره عن اقتحام المهلكات و إن رام شيئاً من صغائر الذنوب غفره الله له فقد قال الله تعالى:( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) النساء: ٣١ فملازمة القول السديد تسوق الإنسان إلى صلاح الأعمال و مغفرة الذنوب بإذن الله.

و قوله:( وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً ) وعد جميل على الإتيان بجميع الأعمال الصالحة و الاجتناب عن جميع المناهي بترتيب الفوز العظيم على طاعة الله و رسوله.

و بذلك تختتم السورة في معناها في الحقيقة لأنّ طاعة الله و رسوله هي الكلمة الجامعة بين جميع الأحكام السابقة، من واجبات و محرّمات و الآيتان التاليتان كالمتمّم لمعنى هذه الآية.

قوله تعالى: ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا - إلى قوله -غَفُوراً رَحِيماً ) الأمانة - أيّاً مّا كانت - شي‏ء يودع عند الغير ليحتفظ عليه ثمّ يردّه إلى من أودعه، فهذه الأمانة المذكورة في الآية شي‏ء ائتمن الله الإنسان عليه ليحفظ على سلامته و استقامته ثمّ يردّه إليه سبحانه كما أودعه.

و يستفاد من قوله:( لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ ) إلخ، أنّه أمر يترتّب على حمله النفاق و الشرك و الإيمان، فينقسم حاملوه باختلاف كيفيّة حملهم إلى منافق و مشرك و مؤمن.

٣٧٠

فهو لا محالة أمر مرتبط بالدين الحقّ الّذي يحصل بالتلبّس به و عدم التلبّس به النفاق و الشرك و الإيمان.

فهل هو الاعتقاد الحقّ و الشهادة على توحّده تعالى أو مجموع الاعتقاد و العمل بمعنى أخذ الدين الحقّ بتفاصيله مع الغضّ عن العمل به، أو التلبّس بالعمل به أو الكمال الحاصل للإنسان من جهة التلبّس بواحد من هذه الاُمور.

و ليست هي الأوّل أعني التوحيد فإنّ السماوات و الأرض و غيرهما من شي‏ء توحّده تعالى و تسبّح بحمده، و قد قال تعالى:( وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) إسراء: ٤٤ و الآية تصرّح بإبائها عنه.

و ليست هي الثاني أعني الدين الحقّ بتفاصيله فإنّ الآية تصرّح بحمل الإنسان كائناً من كان من مؤمن و غيره له و من البيّن أنّ أكثر من لا يؤمن لا يحمله و لا علم له به، و بهذا يظهر أنّها ليست بالثالث و هو التلبّس بالعمل بالدين الحقّ تفصيلاً.

و ليست هي الكمال الحاصل له بالتلبّس بالتوحيد فإنّ السماوات و الأرض و غيرهما ناطقة بالتوحيد فعلاً متلبّسة به.

و ليست هي الكمال الحاصل من أخذ دين الحقّ و العلم به إذ لا يترتّب على نفس الاعتقاد الحقّ و العلم بالتكاليف الدينيّة نفاق و لا شرك و لا إيمان و لا يستعقب سعادة و لا شقاء و إنّما يترتّب الأثر على الالتزام بالاعتقاد الحقّ و التلبّس بالعمل.

فبقي أنّها الكمال الحاصل له من جهة التلبّس بالاعتقاد و العمل الصالح و سلوك سبيل الكمال بالارتقاء من حضيض المادّة إلى أوج الإخلاص الّذي هو أن يخلصه الله لنفسه فلا يشاركه فيه غيره فيتولّى هو سبحانه تدبير أمره و هو الولاية الإلهيّة.

فالمراد بالأمانة الولاية الإلهيّة و بعرضها على هذه الأشياء اعتبارها مقيسة إليها و المراد بحملها و الإباء عنه وجود استعدادها و صلاحيّة التلبّس بها و عدمه، و هذا المعنى هو القابل لأن ينطبق على الآية فالسماوات و الأرض و الجبال على ما فيها من العظمة و الشدّة و القوّة فاقدة لاستعداد حصولها فيها و هو المراد بإبائهنّ عن حملها و إشفاقهنّ منها.

٣٧١

لكنّ الإنسان الظلوم الجهول لم يأب و لم يشفق من ثقلها و عظم خطرها فحملها على ما بها من الثقل و عظم الخطر فتعقّب ذلك أن انقسم الإنسان من جهة حفظ الأمانة و عدمه بالخيانة إلى منافق و مشرك و مؤمن بخلاف السماوات و الأرض و الجبال فما منها إلّا مؤمن مطيع.

فإن قلت: ما بال الحكيم العليم حمل على هذا المخلوق الظلوم الجهول حملاً لا يتحمّله لثقله و عظم خطره السماوات و الأرض و الجبال على عظمتها و شدّتها و قوّتها و هو يعلم أنّه أضعف من أن يطيق حمله و إنّما حمله على قبولها ظلمه و جهله و أجرأه عليه غروره و غفلته عن عواقب الاُمور فما تحميله الأمانة باستدعائه لها ظلماً و جهلاً إلّا كتقليد مجنون ولاية عامّة يأبى قبولها العقلاء و يشفقون منها يستدعيها المجنون لفساد عقله و عدم استقامة فكره.

قلت: الظلم و الجهل في الإنسان و إن كانا بوجه ملاك اللّوم و العتاب فهما بعينهما مصحّح حمله الأمانة و الولاية الإلهيّة فإنّ الظلم و الجهل إنّما يتّصف بهما من كان من شأنه الاتّصاف بالعدل و العلم فالجبال مثلاً لا تتّصف بالظلم و الجهل فلا يقال: جبل ظالم أو جاهل لعدم صحّة اتّصافه بالعدل و العلم و كذلك السماوات و الأرض لا يحمل عليها الظلم و الجهل لعدم صحّة اتّصافها بالعدل و العلم بخلاف الإنسان.

و الأمانة المذكورة في الآية و هي الولاية الإلهيّة و كمال صفة العبوديّة إنّما تتحصّل بالعلم بالله و العمل الصالح الّذي هو العدل و إنّما يتّصف بهذين الوصفين أعني العلم و العدل الموضوع القابل للجهل و الظلم فكون الإنسان في حدّ نفسه و بحسب طبعه ظلوماً جهولاً هو المصحّح لحمل الأمانة الإلهيّة فافهم ذلك.

فمعنى الآيتين(١) يناظر بوجه معنى قوله تعالى:( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) التين: ٦.

فقوله تعالى:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ) أي الولاية الإلهيّة و الاستكمال بحقائق

____________________

(١) فالآية الاولى تحاذي الاولى و الثانية تحاذي الثانية و الثالثة.

٣٧٢

الدين الحقّ علماً و عملاً و عرضها هو اعتبارها مقيسة إلى هذه الأشياء.

و قوله:( عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ ) أي هذه المخلوقات العظيمة الّتي خلقها أعظم من خلق الإنسان كما قال:( لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) المؤمن: ٥٧ و قوله:( فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها ) إباؤها عن حملها و إشفاقها منها عدم اشتمالها على صلاحية التلبّس و تجافيها عن قبولها و في التعبير بالحمل إيماء إلى أنّها ثقيلة ثقلاً لا يحتملها السماوات و الأرض و الجبال.

و قوله:( وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ ) أي اشتمل على صلاحيتها و التهيّؤ للتلبّس بها على ضعفه و صغر حجمه( إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا ) أي ظالماً لنفسه جاهلاً بما تعقّبه هذه الأمانة لو خانها من وخيم العاقبة و الهلاك الدائم.

و بمعنى أدقّ لكون الإنسان خالياً بحسب نفسه عن العدل و العلم قابلاً للتلبّس بما يفاض عليه من ذلك و الارتقاء من حضيض الظلم و الجهل إلى أوج العدل و العلم.

و الظلوم و الجهول وصفان من الظلم و الجهل معناهما من كان من شأنه الظلم و الجهل نظير قولنا: فرس شموس و دابّة جموح و ماء طهور أي من شأنها ذلك كما قاله الرازيّ أو معناهما المبالغة في الظلم و الجهل كما ذكر غيره، و المعنى مستقيم كيفما كانا.

و قوله:( لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ ) اللّام للغاية أي كانت عاقبة هذا الحمل أن يعذّب الله المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات و ذلك أنّ الخائن للأمانة يتظاهر في الأغلب بالصلاح و الأمانة و هو النفاق و قليلاً ما يتظاهر بالخيانة لها و لعلّ اعتبار هذا المعنى هو الموجب لتقديم المنافقين و المنافقات في الآية على المشركين و المشركات.

و قوله:( وَ يَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) عطف على( لِيُعَذِّبَ ) أي و كان عاقبة ذلك أن يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات، و التوبة من الله هي رجوعه إلى عبده بالرحمة فيرجع إلى الإنسان إذا آمن به و لم يخن بالرحمة و يتولّى أمره و هو وليّ المؤمنين فيهديه إليه بالستر على ظلمه و جهله و تحليته بالعلم النافع و العمل الصالح لأنّه غفور رحيم.

٣٧٣

فإن قلت: ما هو المانع من جعل الأمانة بمعنى التكليف و هو الدين الحقّ و كون الحمل بمعنى الاستعداد و الصلاحية و الإباء هو فقده و العرض هو اعتبار القياس فيجري فيه حينئذ جميع ما تقدّم في بيان الانطباق على الآية.

قلت: نعم لكنّ التكليف إنّما هو مطلوب لكونه مقدّمة لحصول الولاية الإلهيّة و تحقّق صفة العبوديّة الكاملة فهي المعروضة بالحقيقة و المطلوبة لنفسها.

و الالتفات في قوله:( لِيُعَذِّبَ اللهُ ) من التكلّم إلى الغيبة و الإتيان باسم الجلالة للدلالة على أنّ عواقب الاُمور إلى الله سبحانه لأنّه الله.

و وضع الظاهر موضع المضمر في قوله:( وَ يَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) للإشعار بكمال العناية في حقّهم و الاهتمام بأمرهم.

و لهم في تفسير الأمانة المذكورة في الآية أقوال مختلفة:

فقيل: المراد بها التكاليف الموجبة طاعتها دخول الجنّة و معصيتها دخول النار و المراد بعرضها على السماوات و الأرض و الجبال اعتبارها بالنسبة إلى استعدادها و إباؤهنّ عن حملها و إشفاقهنّ منها عدم استعدادهنّ لها، و حمل الإنسان لها استعداده، و الكلام جار مجرى التمثيل.

و قيل: المراد بها العقل الّذي هو ملاك التكليف و مناط الثواب و العقاب.

و قيل: هي قول لا إله إلّا الله.

و قيل: هي الأعضاء فالعين أمانة من الله يجب حفظها و عدم استعمالها إلّا فيما يرتضيه الله تعالى، و كذلك السمع و اليد و الرجل و الفرج و اللسان.

و قيل: المراد بها أمانات الناس و الوفاء بالعهود.

و قيل: المراد بها معرفة الله بما فيها و هذا أقرب الأقوال من الحقّ يرجع بتقريب مّا إلى ما قدّمنا.

و كذلك اختلف في معنى عرض الأمانة عليها على أقوال:

منها: أنّ العرض بمعناه الحقيقيّ غير أنّ المراد بالسماوات و الأرض و الجبال أهلها فعرضت على أهل السماء من الملائكة و بيّن لهم أنّ في خيانتها الإثم العظيم

٣٧٤

فأبوها و خافوا حملها و عرض على الإنسان فلم يمتنع.

و منها: أنّه بمعناه الحقيقيّ و ذلك أنّ الله لمّا خلق هذه الأجرام خلق فيها فهماً و قال لها: إنّي فرضت فريضة و خلقت جنّة لمن أطاعني فيها و ناراً لمن عصاني فيها فقلن: نحن مسخّرات لما خلقتنا لا نحتمل فريضة و لا نبغي ثواباً و لا عقاباً و لمّا خلق آدم عرض عليه ذلك فاحتمله و كان ظلوماً لنفسه جهولاً بوخامة عاقبته.

و منها: أنّ المراد بالعرض المعارضة و المقابلة، و محصّل الكلام أنّا قابلنا بهذه الأمانة السماوات و الأرض و الجبال فكانت هذه أرجح و أثقل منها.

و منها أنّ الكلام جار مجرى الفرض و التقدير و المعنى: أنّا لو قدّرنا أنّ السماوات و الأرض و الجبال فهماً، و عرضنا عليها هذه الأمانة لأبين حملها و أشفقن منها لكنّ الإنسان تحمّلها.

و بالمراجعة إلى ما قدّمناه يظهر ما في كلّ من هذه الأقوال من جهات الضعف و الوهن فلا تغفل.

( بحث روائي)

في الكافي، بإسناده عن محمّد بن سالم عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث قال: و لا يلعن الله مؤمناً قال الله عزّوجلّ:( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً ) .

و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّ بني إسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال، و كان موسى إذا أراد الاغتسال ذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد فكان يوماً يغتسل على شطّ نهر و قد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتّى نظر بنوإسرائيل إليه فعلموا أن ليس كما قالوا فأنزل الله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) الآية.

و في المجمع: و اختلفوا فيما اُوذي به موسى على أقوال:

أحدها: أنّ موسى و هارون صعداً الجبل فمات هارون فقالت بنوإسرائيل: أنت

٣٧٥

قتلته فأمر الله الملائكة فحملته حتّى مرّوا به على بني إسرائيل و تكلّمت الملائكة بموته حتّى عرفوا أنّه قد مات و برّأه الله من ذلك عن عليّ و ابن عبّاس.

و ثانيها: أنّ موسى كان حييّاً ستيراً يغتسل وحده فقالوا: ما يستتر منّا إلّا لعيب في جلده إمّا برص و إمّا أدرة فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمرّ الحجر بثوبه فطلبه موسى فرآه بنو إسرائيل عرياناً كأحسن الرجال خلقاً فبرّأه الله ممّا قالوا. رواه أبوهريرة مرفوعاً.

أقول: و روى الرواية الاُولى في الدرّ المنثور، أيضاً عن ابن مسعود و الثانية أيضاً عن أنس و ابن عبّاس.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر و ابن مردويه عن سهل بن سعد الساعديّ قال: ما جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا المنبر قطّ إلّا تلا هذه الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً ) .

أقول: و روي ما يقرب منه أيضاً عن عائشة و أبي موسى الأشعريّ و عروة.

و في نهج البلاغة: ثمّ أداء الأمانة فقد خاب من ليس من أهلها إنّها عرضت على السماوات المبنيّة و الأرض المدحوّة و الجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم منها و لو امتنع شي‏ء بطول أو عرض أو قوّة أو عزّ لأمتنعن و لكن أشفقن من العقوبة، و عقلن ما جهل من هو أضعف منهن و هو الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً.

و في الكافي، بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن رجل عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ) الآية، قال: هي ولاية أميرالمؤمنينعليه‌السلام .

أقول: المراد بولاية أميرالمؤمنينعليه‌السلام ما كان هو أوّل فاتح لبابه من هذه الاُمّة و هو كون الإنسان، بحيث يتولّى الله سبحانه أمره بمجاهدته فيه بإخلاص العبوديّة له دون الولاية بمعنى المحبّة أو بمعنى الإمامة و إن كان ظاهر بعض الروايات ذلك بنوع من الجري و الانطباق.

٣٧٦

( سورة سبإ مكّيّة، و هي أربع و خمسون آية)

( سورة سبإ الآيات ١ - ٩)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ  وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ( ١ ) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا  وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ( ٢ ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ  قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ  لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ( ٣ ) لِّيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  أُولَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ( ٤ ) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ( ٥ ) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( ٦ ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ( ٧ ) أَفْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ  بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ( ٨ ) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ  إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ( ٩ )

٣٧٧

( بيان)

تتكلّم السورة حول الاُصول الثلاثة أعني الوحدانيّة و النبوّة و البعث فتذكرها و تذكر ما لمنكريها من الاعتراض فيها و الشبه الّتي ألقوها ثمّ تدفعها بوجوه الدفع من حكمة و موعظة و مجادلة حسنة و تهتمّ ببيان أمر البعث أكثر من غيره فتذكره في مفتتح الكلام ثمّ تعود إليه عودة بعد عودة إلى مختتمه.

و هي مكّيّة بشهادة مقاصد آياتها على ذلك.

قوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ) إلخ، المطلوب بيان البعث و الجزاء بياناً لا يعتريه شكّ بالإشارة إلى الحجّة الّتي ينقطع بها الخصم و الأساس الّذي يقوم عليه ذلك أمران أحدهما عموم ملكه تعالى لكلّ شي‏ء من كلّ جهة حتّى يصحّ له أيّ تصرّف أراد فيها من إبداء و رزق و إماتة و إحياء بالإعادة و جزاء، و ثانيهما كمال علمه تعالى بالأشياء من جميع جهاتها علماً لا يطرأ عليه عزوب و زوال حتّى يعيد كلّ من أراد و يجزيه على ما علم من أعماله خيراً أو شرّاً.

و قد اُشير إلى أوّل الأمرين في الآية الاُولى الّتي نحن فيها و إلى الثانية في الآية الثانية و بذلك يظهر أنّ الآيتين تمهيد لما في الآية الثالثة و الرابعة.

فقوله:( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ) ثناء عليه على ملكه المنبسط على كلّ شي‏ء بحيث له أن يتصرّف في كلّ شي‏ء بما شاء و أراد.

و قوله:( وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ) تخصيص الحمد بالآخرة لما أنّ الجملة الاُولى تتضمّن الحمد في الدنيا فإنّ النظام المشهود في السماوات و الأرض نظام دنيويّ كما يشهد به قوله تعالى:( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ ) إبراهيم: ٤٨.

و قوله:( وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) ختم الآية بالاسمين الكريمين للدلالة على أنّ تصرّفه في نظام الدنيا ثمّ تعقيبه بنظام الآخرة مبنيّ على الحكمة و الخبرة فبحكمته عقّب الدنيا بالآخرة و إلّا لغت الخلقة و بطلت و لم يتميّز المحسن من المسي‏ء كما قال:( وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا - إلى أن قال -أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا

٣٧٨

وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص: ٢٨، و بخبرته يحشرهم و لا يغادر منهم أحداً و يجزي كلّ نفس بما كسبت.

و الخبير من أسماء الله الحسنى مأخوذة من الخبرة و هي العلم بالجزئيات فهو أخصّ من العليم.

قوله تعالى: ( يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها ) الولوج مقابل الخروج و العروج مقابل النزول و كأنّ العلم بالولوج و الخروج و النزول و العروج كناية عن علمه بحركة كلّ متحرّك و فعله و اختتام الآية بقوله:( وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) كأنّ فيه إشارة إلى أنّ له رحمة ثابتة و مغفرة ستصيب قوماً بإيمانهم.

قوله تعالى: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى‏ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ ) إلخ، يذكر إنكارهم لإتيان الساعة و هي يوم القيامة و هم ينكرونه مع ظهور عموم ملكه و علمه بكلّ شي‏ء و لا مورد للارتياب في إتيانها مع ذلك كما تقدّم فضلاً عن إنكار إتيانها و لذلك أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيب عن قولهم بقوله:( قُلْ بَلى‏ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ) أي الساعة.

و لمّا كان السبب العمدة في إنكارهم هو اختلاط الأشياء و منها أبدان الأموات بعضها ببعض و تبدّل صورها تبدّلاً بعد تبدّل بحيث لا خبر عن أعيانها فيمتنع إعادتها من دون تميّز بعضها من بعض أشار إلى دفع ذلك بقوله:( عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ ) أي لا يفوت( عن علمه مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ ) .

و قوله:( وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) تعميم لعلمه لكلّ شي‏ء و فيه مع ذلك إشارة إلى أنّ للأشياء كائنة ما كانت ثبوتاً في كتاب مبين لا تتغيّر و لا تتبدّل و إن زالت رسومها عن صفحة الكون و قد تقدّم بعض الكلام في الكتاب المبين في سورة الأنعام و غيرها.

قوله تعالى: ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) اللّام في( لِيَجْزِيَ ) للتعليل و هو متعلّق بقوله:( لَتَأْتِيَنَّكُمْ ) و في قوله:( لَهُمْ

٣٧٩

مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) نوع محاذاة لقوله السابق:( وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) .

و في الآية بيان أحد السببين لقيام الساعة و هو أن يجزي الله الّذين آمنوا و عملوا الصالحات بالمغفرة و الرزق الكريم و هو الجنّة بما فيها و السبب الأخير ما يشير إليه قوله:( وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ ) إلخ.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ) السعي الجدّ في المشي و المعاجزة المبالغة في الإعجاز و قيل: المسابقة و الكلام مبنيّ على الاستعارة بالكناية كأنّ الآيات مسافة يسيرون فيها سيراً حثيثاً ليعجزوا الله و يسبقوه و الرجز كالرجس القذر و لعلّ المراد به العمل السيّئ فيكون إشارة إلى تبدّل العمل عذاباً أليماً عليهم أو سبباً لعذابهم، و قيل: الرجز هو سيّي‏ء العذاب.

و في الآية تعريض للكفّار الّذين يصرّون على إنكار البعث.

قوله تعالى: ( وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ) الموصول الأوّل فاعل يرى و الموصول الثاني مفعوله الأوّل و الحقّ مفعوله الثاني و المراد بالّذين اُوتوا العلم العلماء بالله و بآياته، و بالّذي اُنزل إليه القرآن النازل إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و جملة( وَ يَرَى ) إلخ، استئناف متعرّض لقوله السابق:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) أو حال من فاعل كفروا، و المعنى: اُولئك يقولون: لا تأتينا الساعة و ينكرونه جهلاً، و العلماء بالله و آياته يرون أنّ هذا القرآن النازل إليك المخبر بأنّ الساعة آتية هو الحقّ.

و قوله:( وَ يَهْدِي إِلى‏ صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) معطوف على الحقّ أي و يرون القرآن يهدي إلى صراط من هو عزيز لا يغلب على ما يريد محمود يثنى على جميع أفعاله لأنّه لا يفعل مع عزّته إلّا الجميل و هو الله سبحانه، و في التوصيف بالعزيز الحميد مقابلة لما وصفهم به في قوله:( الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ ) .

قوله تعالى: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى‏ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) كلام منهم وارد مورد الاستهزاء يعرّفون فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضهم لبعض بالقول بالمعاد.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425