الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن9%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128772 / تحميل: 6815
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

١٩٧٤ - وسأل عبيد بن زرارة أبا عبدالله عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه(١) " قال: ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ".

١٩٧٥ - وروى محمد بن حكيم عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو أن رجلا مات صائما في السفر لما صليت عليه".

١٩٧٦ - وروى حريز، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر وقصر: العصاة، قال: وهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنا لنعرف أبناء‌هم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا".

١٩٧٧ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج من المدينة إلى مكة في شهر رمضان ومعه الناس وفيهم المشاة فلما انتهى إلى كراع الغميم(٢) دعا بقدح من ماء فيما بين الظهر والعصر فشرب وأفطر وأفطر الناس معه وتم أناس على صومهم فسماهم العصاة، وإنما يؤخذ بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله "(٣) .

١٩٧٨ - وروى أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا، وإذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وشرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به، يأكلون طيب الطعام، ويلبسون لين الثياب، وإذا تكلموا لم يصدقوا ".

___________________________________

(١) " فمن شهد " أى فمن حضر في موضع في هذا الشهر ولم يكن مسافرا ولا مريضا.

(٢) هو اسم موضع بين مكة والمدينة، والكراع جانب مستطيل من الحرة، تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق، والغميم بالفتح واد بالحجاز أمام عسفان.

(٣) بيان لوجه عصيانهم أى يجب الاخذ والعمل بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله فاذا أمر بالافطار وجب الافطار، فمن لم يفطر كان عاصيا، وانما يؤخذ الصوم بأمره فلما أفطر يجب الاطاعة (سلطان) أقول: كأن في سقطا والاصل " انما يؤخذ بآخر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله " كما في الكافى ج ٤ ص ١٢٧ ولعله من النساخ، وذلك لرفع توهم عدم كونهم عصاة لاخذهم بقوله السابق.

١٤١

١٩٧٩ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن عمار بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سمعته يقول: من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد(١) أو في معصية الله عزوجل، أو رسولا لمن يعص الله عزوجل، أو طلب عدو أو شحناء، أو سعاية(٢) أو ضرر على قوم من المسلمين ".

١٩٨٠ - وقال عليه السلام: " لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا بسبيل حق "(٣) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: قد أخرجت تقصير المسافر في جملة أبواب الصلاة في هذا الكتاب، والحد الذي يجب فيه التقصير، والذين يجب عليهم التمام.

فأما صوم التطوع في السفر

١٩٨١ - فقد قال الصادق عليه السلام: " ليس من البر الصوم في السفر"(٤) .

١٩٨٢ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه " سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم، فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه "(٥) .

١٩٨٣ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان، وإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الاقامة بها فعليه صوم ذلك

___________________________________

(١) المراد بالصيد اللهوى منه، قال الشيخ في النهاية والمبسوط " ان طلب الصيد للتجارة يقصر صومه ويتم صلاته " وفى خصوص هذه المسألة اختلاف بين فقهائنا راجع مصباح الفقيه ص ٧٤٤ من كتاب الصلاة.

(٢) سعى به إلى الوالى: وشئ به.

والشحناء: العداوة.

(٣) أى مباح كما هو المشهور، أو راجح كما قيل. (المرآة)

(٤) ظاهره نفى صحة الصوم ومشروعيته في السفر اذ العبادة ليست غير البر، الا أن يكون المراد ليس من البر الكامل، ثم لا يخفى أن الحديث ليس صريحا في صوم التطوع اذ ربما كان المراد صوم شهر رمضان (سلطان) أقول: في بعض النسخ " الصيام في السفر ".

(٥) في بعض النسخ " فليتم صومه ".

١٤٢

اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، وإن شاء صام "(١) .

١٩٨٤ - وفي رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن رجل يقبل(٢) في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة(٣) أو ارتفاع النهار، قال: إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر ".

١٩٨٥ - وورى يونس بن عبدالرحمن عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال: " في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه قال:(٤) يعني إذا كانت جنابته من احتلام ".

١٩٨٦ - وسأل عبدالله بن سنان أبا عبدالله عليه السلام " عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر، فقال: ما عرف هذا حق شهر رمضان إن له في الليل سبحا طويلا(٥) قال: قلت له: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ قال: إن الله عز وجل رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر(٦) ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء

___________________________________

(١) المشهور وجوب الصوم إذا دخل قبل الزوال ولم يفطر، وحمل هذا الخبر وأمثاله على التخيير قبل الدخول ويؤيده خبر رفاعة الاتى.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٣٢ " يقدم ".

(٣) ضحوة النهار: بعد طلوع الشمس، والضحى ارتفاعه.

(٤) لعله كلام يونس وحملها على جنابة لم تخل بصحة الصوم فالمراد الاحتلام في اليوم أو في الليل ولم ينتبه الا بعد طلوع الفجر أو انتبه ونام بقصد الغسل (المرآة) وقال الفاضل التفرشى: لعل مراده بالاحتلام في اليوم دون الليل وبقائه على الجنابة حتى يطلع الفجر اذ الظاهر عدم الفرق بين الاحتلام والجماع في الليل.

(٥) السبح: الفراغ والتصرف في المعاش كما قال قتادة في قوله تعالى " ان لك في النهار سبحا طويلا ". أى فراغا طويلا. (الصحاح)

(٦) الوعث: المكان السهل الكثير الدهس، ووعثاء السفر مشتقة.

١٤٣

الصيام ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: والسنة لا تقاس(١) وإني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل كل القوت(٢) وما أشرب كل الري ".

والنهي عن الجماع للمقصر في السفر إنما هو نهي كراهة لا نهي تحريم.

١٩٨٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل صام في السفر فقال: إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه ".

باب صوم الحائض والمستحاضة

١٩٨٨ - روى أبوالصباح الكناني عن أبي عبدالله عليه السلام " في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء(٣) حاضت أتفطر؟ قال: نعم وإن كان قبل المغرب فلتفطر، وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال: إنما فطرها من الدم "(٤) .

١٩٨٩ - وروي عن علي بن مهزيار قال: كتبت إليه عليه السلام(٥) " امرأة طهرت

___________________________________

(١) ذكره هذه الجملة هنا كانه لبيان عدم صحة القياس حتى يقاس جواز الجماع بجواز الاكل والشرب، ثم الظاهر من الخبر حرمة الجماع بالنهار في السفر وحمله الاكثر على الكراهة جمعا (المرآة) وذهب الشيخ إلى عدم الجواز في بعض كتبه وعمل بظاهر هذا الخبر وحمل ما يدل على الجواز على غلبة الشهوة وخوف وقوعه في المحظور أو على الوطى بالليل ولا يخفى بعدهما.

(٢) في الكافى " الا القوت " وما في المتن أظهر، ويدل على كراهة التملى من الطعام والشراب للمسافر كما هو مذهب الاصحاب فيه وفى سائر ذوى الاعذار. (المرآة)

(٣) العشاء هى الزوال إلى المغرب والمشهور أنه اخر النهار. (المغرب)

(٤) أى لا صوم لها ولا بأس عليها.

(٥) يعنى أبا جعفر الجواد عليه السلام.

١٤٤

من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام: تقضي صومها ولا تقضي صلاتها لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات(١) من نسائه بذلك "(٢) .

١٩٩٠ - وروي عن سماعة قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام " عن المستحاضة، قال: تصوم شهر رمضان إلا الايام التى كانت تحيض فيهن، ثم تقضيها من بعده ".

١٩٩١ - وسأل عبدالرحمن بن الحجاج أبا الحسن عليه السلام " عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال: تفطر ثم تقضي ذلك اليوم ".

١٩٩٢ - وروى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المرأة

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٣٦ والتهذيب ج ١ ص ٤٤٠ " يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك".

(٢) هذا الخبر مع اضماره مخالف للاخبار الكثيرة والاجماع على اشتراط الصلاة بالطهارة، وفى هامش التهذيب " السائل سأل عن حكم المستحاضة التى صلت وصامت في شهر رمضان ولم تعمل أعمال المستحاضة، والامام عليه السلام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السائل من باب التقية لان الاستحاضة من باب الحدث الاصغر عند العامة فلا توجب غسلا عندهم.

وقال الفيض رحمه الله في الوافى: هذا الخبر مع اضماره متروك بالاتفاق ولو كان الحكم بقضاء الصوم دون الصلاة متعاكسا لكان له وجه، على أنه قد ثبت عندنا أن فاطمة لم تر حمرة قط، اللهم الا أن يقال: ان المراد بفاطمة فاطمة بنت أبى حبيش فانها كانت مشتهرة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان، ويحمل قضاء الصوم على قضاء صوم ايام حيضها خاصة دون سائر الايام وكذا نفى قضاء الصلاة انتهى.

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن المستحاضة إذا أخلت بالاغسال تقضى صومها، واستدلوا بهذا الخبر وفيه اشكال لاشتماله على عدم قضاء الصلاة، ولم يقل به أحد ومخالف لسائر الاخبار قال: وقد وجه بوجوه (نقلنا بعضها): الاول ما ذكره الشيخ رحمه الله في التهذيب حيث قال: لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لا تعلم أن عليها لكل صلاتين غسلا أو لا يعلم ما يلزم المستحاضة فاما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء. وأورد عليه أنه ان بقى الفرق بين الصوم والصلاة فالاشكال بحاله وان حكم بالمساواة بينهما ونزل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر. =

١٤٥

تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال: تفطر حين تطمث ".

١٩٩٣ - وروى علي بن الحكم، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج شهر رمضان

___________________________________

= الثانى ما ذكره المحقق الاردبيلى قدس الله روحه وهو أن المراد لا يجب عليها قضاء جميع الصلوات لان منها ما كان واقعا في الحيض، وهو بعيد.

الثالث ما ذكره صاحب المنتقى روح الله روحه قال: والذى يختلج بخاطرى أن الجواب الواقع في الحديث غير متعلق بالسؤال المذكور فيه والانتقال إلى ذلك من وجهين أحدهما قوله فيه " ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة الخ " فان مثل هذه العبارة انما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر وكيف يعقل كون تركهن لما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلا والثانى أن هذه العبارة بعينها كانت في أخبار الحيض في كتاب الطهارة مرادا بها قضاء الحائض للصوم دون الصلاة إلى أن قال: ولا يخفى أن للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة تشهد بها السليقة لكثرة وقوع الحيض وتكرره والرجوع اليه صلى الله عليه وآله في حكمه وبالجملة فارتباطها بذلك الحكم ومنافرتها لقضية الاستحاضة مما لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم وليس بالمستبعد أن يبلغ الوهم إلى موضع الجواب مع غير سؤاله فان من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الاسؤلة المتعددة فاذا لم ينعم الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم انتهى كلامه (ر ه) واحتمل سبطه الجليل احتمالا لعله قريب حاصله أن قوله " تقضى صومها ولا تقضى صلاتها " أصله " تقضى صومها ولاء وتقضى صلاتها " ثم ذكر في توجيهها كلاما لا يسعنا ذكره راجع مرآة العقول ج ٣ ص ٢٣٣.

وأقول: قال المحقق التسترى صاحب الاخبار الدخيلة مد ظله فيما كتب إلى: الظاهر أن على بن مهزيار في اصوله التى جمع منها كتابة خبران: خبر في السؤال عن حكم تاركة غسل الاستحاضة في شهر رمضان لصلاتها وصومها، وخبر في السؤال عن قضاء الحائض صلاتها وصومها فخلط بين الخبرين بنقل سؤال الخبر الاول وجواب الخبر الثانى في كتابة فنقله المشايخ الثلاثة عن كتابة مثل ما وجدوا ولم يأوله أحد منهم الا الشيخ رحمه الله.

١٤٦

هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما السفر فنعم "(١) .

١٩٩٤ - وروى ابن مسكان، عن محمد بن جعفر قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل فلم تقدر(٢) على الصوم، قال: فلتصدق مكان كل يوم بمد على مسكين"(٣) .

باب قضاء صوم شهر رمضان

٥ ١٩٩ روى عقبة بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل مرض في شهر رمضان فلما برأ أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال: إذا رجع فليصمه "(٤) .

١٩٩٦ - وسأله عبدالرحمن بن أبي عبدالله " عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجة وقطعه قال: إقضه في ذي الحجة واقطعه إن شئت "(٥) .

___________________________________

(١) عمل الشيخ رحمه الله في التهذيب بظاهره، والمشهور الاستحباب.

(٢) نسخة في الجميع " لم تقو ".

(٣) المشهور بين الاصحاب أن مع العجز عن الصوم المنذور يسقط الصوم ولا يلزمه شئ وذهب جماعة إلى لزوم الكفارة عن كل يوم بمد وجماعة بمدين لرواية أخرى، والقائلون بالمشهور حملوا تلك الاخبار على الاستحباب لكن العجز لا يتحقق في النذر المطلق الا باليأس منه في جميع العمر فهذا الخبر اما محمول على شهرين معينين أو على اليأس بأن يكون ظنها أنها تكون دائما اما في الحمل أو في الرضاع، مع أنه يحتمل أن يكون الكفارة في الخبر للتأخير مع عدم سقوط المنذور. (المرآة)

(٤) في بعض النسخ " فليقضه ". ويدل على عدم جواز قضاء صوم شهر رمضان في السفر وعليه الاصحاب.

(٥) ليس التتابع شرطا في القضاء فلا بأس أن يقطع بالعيد أو غيره (سلطان) وقال العلامة المجلسى رحمه الله: الشرط متعلق بالامرين لا بخصوص القطع مع احتماله فيكون المراد القطع بغير العيد، ثم ان الخبر يدل على عدم مرجوحية القضاء في عشر ذى الحجة كما هو المشهور بين الاصحاب، وروى الشيخ رحمه الله في التهذيب بسند موثق عن غياث ابن ابراهيم عن أبى عبدالله عليه السلام المنع منه وحمله على ما إذا كان مسافرا ولعله محمول على التقية لان بعض العامة يمنعون من ذلك لفوات التتابع الذى يقولون بلزومه.

وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: لا يكره القضاء في عشر ذى الحجة والرواية عن على عليه السلام بالنهى عنه مدخولة.

١٤٧

١٩٩٧ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أياما متتابعة فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحص الايام، فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن ".

١٩٩٨ - وسأل سليمان بن جعفر الجعفري أبا الحسن الرضا عليه السلام " عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة؟ قال: لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان، إنما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار، وكفارة الدم وكفارة اليمين "(١) .

١٩٩٩ - وروى جميل، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: يتصدق عن الاول ويصوم الثاني، وإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الاول ".

ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الشهر الثالث من مرض فعليه أن يصوم هذا الذي دخله وتصدق عن الاول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني(٢) .

_________________________________

(١) الحصر اضافى بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، أو المراد كفارة الظهار وأمثالها من الكفارات (سلطان) وقال المولى المجلسى رحمه الله: تخصيص الثلاث بالذكر لكونها منصوصا عليها في القرآن أو لمزيد الاهتمام.

(٢) يمكن أن يكون من تتمة خبر زرارة وأن يكون قول الصدوق، ويؤيده عدم ذكر الكلينى والشيخ لهذه الزيادة، وظاهره أن التصدق واجب للسنة الاولى ويجب القضاء فقط للسنة الثانية أو يكون هذا الحكم من خبر وصل اليه ان لم يكن جزء الخبر، والمشهور العمل بالاخبار الاولة، ويمكن حمله على ما إذا صح فيما بين الثانى والثالث ولم يقض ولم يتهاون بل كان في نيته القضاء ثم مرض ولم يقض ولم يصح فيما بين الاول والثانى، واختلف في وجوب تعدد الكفارة بتعدد السنين والاحوط التعدد بمعنى أنه إذا مرض وتهاون في القضاء حتى مضى أربع سنين فهل يجب لكل يوم أربعة أم يكفى مد واحد. (م ت)

١٤٨

٢٠٠٠ - وروى ابن محبوب، عن الحارث بن محمد، عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم، وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع "(١) .

وقد روي أنه إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان(٢) .

٢٠٠١ - وروى سماعة، عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار فقال: لا ينبغي(٣) أن يكرهها بعد زوال الشمس ".

٢٠٠٢ - وسأله سماعة " عن قوله: " الصائم بالخيار إلى زوال الشمس " قال: " إن ذلك في الفريضة فأما في النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس ".

٢٠٠٣ - وروى ابن فضال، عن صالح بن عبدالله الخثعمي قال: " سألت أبا عبدالله

___________________________________

(١) قال بعض الشراح تحريم الافطار بعد الزوال في قضاء رمضان هو مذهب الاصحاب لا يعلم فيه خلاف وأما الجواز قبله فمذهب الاكثر ونقل عن أبى الصلاح القول بوجوب اتمام كل صوم واجب، وعن ابن أبى عقيل عدم جواز الافطار في قضاء رمضان مطلقا هذا مع التوسعة وأما مع تضييق الوقت يحرم الافطار مطلقا لكن لا تجب الكفارة قبل الزوال.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٣٠ عن زرارة قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذى أصاب في شهر رمضان " وحمله الشيخ على الاستحباب وجوز فيه الحمل على الافطار مع الاستخفاف و يمكن الحمل على التشبيه في وجوب الكفارة لا في قدرها.

(٣) ظاهره الكراهة وحمل على الحرمة. (المرآة)

١٤٩

عليه السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره(١) فيسأله أن يفطر أيفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه وحسب له، وإن كان قضاء فريضة قضاه "(٢) .

وإذا أصبح الرجل وليس عليه من نيته أن يصوم ثم بدا له فله أن يصوم(٣) .

٢٠٠٤ - وسئل عليه السلام " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، فقال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن(٤) نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء(٥) ".

وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها بقية يوم صامت ذلك المقدار تأديبا وعليها قضاء ذلك اليوم، وإن حاضت وقد بقي عليها بقية يوم أفطرت وعليها القضاء(٦) .

___________________________________

(١) أى على دينه ومذهبه أو عليه أطاعته وقبول أمره.

(٢) ظاهر الخبر أن بدعوة المؤمن يستحب افطار صوم القضاء أيضا لكن لا يجزيه بل يلزمه فعله مرة اخرى، وأما حمله على أن المراد بالقضاء اتمام هذا الصوم وعدم الافطار فلا يخفى بعده. (المرآة)

(٣) يدل عليه أخبار منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن عليه السلام " في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل: قال: نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا " (الكافى ج ٤ ص ١٢٢).

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ١٢٢ بسند موثق عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصائم الخبر " وفيه " فان لم يكن " وما في المتن أظهر.

(٥) قد قطع الاصحاب بأن وقت النية في الواجب غير المعين كالقضاء والنذر المطلق يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافى نهارا ويدل عليه روايات كثيرة ويظهر من كلام ابن الجنيد جواز تجديد النية بعد الزوال أيضا وفى المعين المشهور أنه يجوز النية مع النسيان إلى الزوال لا مع العمد وبعد الزوال لا يجوز الا على ظاهر ابن الجنيد، وفى النافلة ذهب جماعة إلى امتداد وقت النية إلى الغروب. (سلطان)

(٦) روى الشيخ رحمه الله عن أبى بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان فلما ارتفع النهار حاضت؟ قال: تفطر، قال: وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار؟ قال: تصلى وتتم صومها أى تأديبا ويقضى ".

١٥٠

وإذا وجب على الرجل صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه أن يعيد صومه ولم يجزئه الشهر الاول إلا أن يكون أفطر لمرض فله أن يبني على ما صام فان الله عزوجل حبسه(١) ، فإن صام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما(٢) ثم أفطر فعليه أن يبني على ما صام(٣) .

___________________________________

(١) أى منعه من الصوم وعموم التعليل ربما يدل على عموم الحكم لكل مانع من قبل الله كالحيض وغيره.

وفى المدارك: اما وجوب البناء إذا كان قد صام من الشهر الثانى يوما فصاعدا فقال العلامة في التذكرة والمنتهى وولده في الشرح: انه قول علمائنا أجمع واختلف الاصحاب في جواز التفريق اختيارا بعد الاتيان بما يتحقق به التتابع فذهب الاكثر إلى الجواز والمفيد رحمه الله إلى المنع واختاره ابن ادريس قدس سره.

(٢) المشهور كفاية يوم واحد ومراد المصنف أعم منه لقوله سابقا " ولم يصم من الشهر الثانى شيئا".

(٣) روى الكلينى ج ٤ ص ١٣٨ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران عن أبى عبدالله عليه السلام " في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض، قال: يستقبل وان زاد على الشهر الاخر يوما أو يومين بنى على ما بقى " ورواه الشيخ في التهذيب وحمل قوله " يستقبل " على مرض يمنعه من الصيام وان كان يشق عليه. ولعل حمله على الاستحباب أظهر.

وروى الكلينى أيضا في الحسن كالصحيح والشيخ في الصحيح واللفظ له عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الشهر الاخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شئ يفطر فيه أفطر ثم قضى ما بقى عليه وان صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الاخر شيئا فلم يتابع أعاد الصيام كله "، وظاهر قوله " فان عرض له شئ " غير الاعذار الشرعية.

وفى الموثق عن سماعة قال: " سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الايام؟ فقال: إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فان كان أقل من شهر أو شهرا أن يعيد الصيام ".

١٥١

٢٠٠٥ - وروى موسى بن بكر، عن الفضيل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في رجل عليه(١) صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر، فقال: إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، وإن كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما(٢) ".

٢٠٠٦ - وروى منصور بن حازم عنه عليه السلام أنه قال " في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان ثم يستأنف الصوم وإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ".

٢٠٠٧ - وروى ابن محبوب، عن أبي أيوب عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، قال: يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين، قال: ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها، ولا بأس إن صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعها(٣) ، ثم يقضي بعد تمام الشهرين ".

باب قضاء الصوم عن الميت

٢٠٠٨ - روى أبان بن عثمان، عن أبي مريم الانصاري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان، ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس

___________________________________

(١) في التهذيب ج ١ ص ٤٣٢ والكافى ٤ ص ١٣٩ " في رجل جعل عليه " وكأنه سقط من النساخ.

(٢) ذلك لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين فاذا صام خمسة عشر فقد جاوز النصف.

ومضمون الخبر مشهور بين فقهائنا ومنهم من رده لضعف السند.

(٣) ظاهره عدم جواز الافطار بدون العذر وان كان العذر خفيفا، ولعله محمول على الافضلية بقرينة " لا ينبغى ". (المرآة)

١٥٢

عليه قضاء، وإن صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد فإن لم يكن له مال صام عنه وليه(١) ".

وإذا مات رجل وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه، وكذلك من فاته في السفر والمرض إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح بمقدار ما يقضي به صومه فلا قضاء عليه إذا كان كذلك(٢) وإن كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه.

فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء(٣) .

٢٠٠٩ - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله ".

٢٠١٠ - وكتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما

___________________________________

(١) يدل على أنه يجب على الولى قضاء الصلاة والصيام عن الميت سواء تمكن من القضاء أم لا وسواء فات بمرض أو غيره ويدل أيضا على أن الولى مطلق الوارث من الذكور وفى المسألة أقوال شتى ففى الدروس: لو مات قبل التمكن من القضاء فلا قضاء ولا كفارة ويستحب القضاء وفى التهذيب يقضى ما فات في السفر ولو مات في رمضان لرواية منصور بن حازم والسر فيه تمكن المسافر من الاداء وهو أبلغ من التمكن من القضاء إذا كان تركه للسفر سائغا، وان تمكن من القضاء ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولى سواء كان صوم رمضان أو لا، وسواء كان له مال أو لا.

ومع عدم الولى يتصدق من أصل ماله عن كل يوم بمد، قال المرتضى يتصدق عنه فان لم يكن له مال صام وليه، وقال الحسن: يتصدق عنه لا غير، وقال الحلبى: مع عدم الولى يصام عنه من ماله كالحج والاول أصح، والمرأة هنا كالرجل على الاصح وأما العيد فمشكل والمساواة قريبة، ثم الولى عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لا غير، وعند المفيد لو فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور فان فقدوا فالنساء وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار، ولو كان له وليان فصاعدا متساويان توزعوا الا أن يتبرع به بعضهم، وقال القاضى: يقرع بينهما، وقال ابن ادريس: لا قضاء والاول أثبت. (المرآة)

(٢) راجع الكافى ج ٤ ص ١٢٣.

(٣) يمكن أن يكون الدليل الخبر الآتى أو العمومات.

١٥٣

أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله(١) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رحمه الله: وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه عليه السلام.

باب فدية صوم النذر

٢٠١١ - روى أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " في رجل نذر على نفسه إن هو سلم من مرض أو تخلص من حبس أن يصوم كل يوم أربعاء وهو اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن ذلك لعلة أصابته أو غير ذلك فمد الله عزوجل للرجل في عمره واجتمع عليه صوم كثير ما كفارة ذلك؟ قال: تصدق لكل يوم مدا من حنطة أو بمد تمر(٢) ".

٢٠١٢ - وفي رواية إدريس بن زيد، وعلي بن إدريس عن الرضا عليه السلام " تصدق عن كل يوم بمد من حنطة أو شعير(٣) ".

___________________________________

(١) الحكم بالتتابع محمول على الافضل. (الوافى)

(٢) اختلف الاصحاب فيمن عجز عن صوم النذر فقيل: يجب عليه القضاء دون الكفارة وقيل بالعكس، والكفارة اما مد على المشهور أو مدان كما ذهب اليه الشيخ وبعض الاصحاب فهذا الخبر يدل على الاكتفاء بالكفارة وأنها مد. (المرآة)

(٣) هذا الخبر في الكافى ج ٤ ص ١٤٣ مثل خبر البزنطى بادنى اختلاف في اللفظ.

١٥٤

باب صوم الاذن

٢٠١٣ - روى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا شيئا فيفسد، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم(١) ويشتهي فيتركه لهم ".

٢٠١٤ - وروى نشيط بن صالح، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة زوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره، ومن صلاح العبد و طاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلا، وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسدا عاصيا، وكان الولد عاقا(٢) ".

___________________________________

(١) الاحتشام بمعنى الغضب وبمعنى الحياء وبمعنى الخجلة والانقباض.

وقوله " ويشتهى " أى حالكونه يشتهى الطعام فيتركه لهم مع اشتهائه.

(٢) اختلف الاصحاب في صوم الضيف نافلة من دون اذن مضيفه فقال المحقق في الشرايع انه مكروه الا مع النهى فيفسد، وقال في النافع والمعتبر: انه غير صحيح، وأطلق العلامة وجماعة الكراهة وهو المعتمد كما هو الظاهر من سياق الرواية، وقوله صلى الله عليه وآله " وكانت المرآة عاصية " يدل على حرمة صومها بدون اذن زوجها مطلقا (المرآة) وقال ملاذنا وفقيه عصرنا الآية الخوانسارى دامت بركاته: وقد يفصل بين عدم الاذن والنهى لما في خبر هشام من التعبير بالعقوق والعصيان ويمكن أن يقال: لعل التعبير بالعقوق والعصيان للمبالغة في الكراهة مع حفظ اطلاق عدم الاذن لصورة عدم النهى (جامع المدارك ج ٢ ص ٢٣٠).

١٥٥

باب الغسل في الليالي المخصوصة في شهر رمضان وما جاء في العشر الاواخر و... في ليلة القدر

٢٠١٥ - روى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: " يغتسل في ثلاث ليال من شهر رمضان، في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وأصيب أمير المؤمنين عليه السلام في تسع عشرة، وقبض عليه السلام في إحدى وعشرين، قال: الغسل في أول الليل وهو يجزي إلى آخره(١) ".

٢٠١٦ - وقد روي أنه " يغتسل في ليلة سبع عشرة ".

٢٠١٧ - وروى زرارة، وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله، ثم يصلي ويفطر(٢) ".

٢٠١٨ - وروى سماعة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل العشر الاواخر شد المئزر(٣) واجتنب النساء وأحيا الليل و تفرغ للعبادة ".

٢٠١٩- وروى سليمان الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: " صل ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين مائة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و قل هو الله أحد عشر مرات".

٢٠٢٠ - وقال الصادق عليه السلام: " في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها(٤) ، ولله عزوجل أن يفعل ما يشاء في خلقه ".

٢٠٢١- وروى رفاعة عنه عليه السلام أنه قال: " ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها "(٥) .

___________________________________

(١) يدل أن الغسل في أول الليل أفضل.

(٢) وجوب الشمس غروبها، في القاموس وجب الشمس وجبا ووجوبا غابت، و " قبيلة " أى قبل سقوط الشمس وغروبها بقليل.

(٣) شد المئزر كناية عن الجد والاجتهاد في العبادة أو عن اجتناب النساء أو عنهما معا وعلى الاخيرين يكون العطف تفسيرا أو تخصيصا بعد التعميم والاول أظهر. (م ت)

(٤) هكذا جاء في هذه الرواية وفى الكافى ج ٤ ص ١٥٩ مسندا عن زرارة قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " التقدير في ليلة تسع عشرة، والابرام في ليلة احدى وعشرين، والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين ".

(٥) الظاهر أن الاولية باعتبار التقدير أى أول السنة التى يقدر فيها الامور لليلة القدر والاخرية باعتبار المجاورة فان ما قدر في السنة الماضية انتهى اليها كما سيجئ =

١٥٦

٢٠٢٢ - " وأري(١) رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه بني أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا، فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله مالي أراك كئيبا حزينا؟ قال: يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى فقال: والذي بعثك بالحق نبيا إن هذا لشئ ما اطلعت عليه، ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاء‌هم ما كانوا يوعدون ما أغنى ما كانوا يمتعون(٢) " وأنزل عليه " إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر " جعل ليلة القدر لنبيه صلى الله عليه وآله خيرا من ألف شهر من ملك بني أمية "(٣) .

___________________________________

= أن اول السنة التى يحل فيها الاكل والشرب يوم الفطر، أو أن عملها يكتب في آخر السنة الاولى وأول السنة الثانية كصلاة الصبح في أول الوقت، أو يكون أول السنة باعتبار تقدير ما يكون في السنة الثانية وآخر السنة المقدر فيها الامور. (م ت)

(١) في الكافى ج ٤ ص ١٥٩ باسناده عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الخ ".

(٢) قال في المجمع معناه: أرأيت ان أنظرناهم أو أخرناهم سنين ومتعناهم بشئ من الدنيا ثم أتاهم العذاب لم يغن عنهم ما متعوا في تلك السنين من النعيم لازديادهم في الاثام واكتسابهم من الاجرام.

(٣) قد حوسب مدة ملك بنى أمية فكانت ألف شهر من دون زيادة يوم ولا نقصان يوم وانما ارى اضلالهم للناس عن الدين القهقرى لان الناس كانوا يظهرون الاسلام وكانوا يصلون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من الدين شيئا فشيئا كالذى يرتد عن الصراط السوى القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في جهنم (الوافى).

أقول: في هامش الطبع الاول من الوافى الذى لم يتم طبعه " أن المستفاد من كتب السير أن أول انفراد بنى امية بالامر كان عند ما صالح الحسن بن على عليهما السلام معاوية سنة ٤٠ من الهجرة وكان انقضاء ملكهم على يد أبى مسلم المروزى سنة ١٣٢ منها، فكانت تمام دولتهم اثنتان وتسعون سنة حذفت منها خلافة عبدالله بن الزبير وهى ثمان سنين وثمانية أشهر بقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهى ألف شهر انتهى.

أقول: ولعل المراد بألف شهر المبالغة في التكثير، لا حقيقة.

١٥٧

٢٠٢٣ - وسأل رجل الصادق عليه السلام فقال: " أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال: لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن "(١) .

٢٠٢٤ - وسأل حمران أبا جعفر عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " قال: هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر، ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر قال الله عزوجل: " فيها يفرق كل أمر حكيم " قال: يقدر في ليلة القدر كل شئ يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر، أو طاعة أو معصية، أو مولود أو أجل أو رزق، فما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحتوم ولله عزوجل فيه المشيئة، قال: قلت له: ليلة القدر خير من ألف شهر أي شئ عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح في ليلة القدر(٢) ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا(٣) ولكن الله عزوجل يضاعف لهم الحسنات ".

٢٠٢٥ - وسئل الصادق عليه السلام " كيف تكون ليلة القدر خيرا من ألف شهر؟ قال العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ".(٤)

___________________________________

(١) اى تبقى ليلة القدر إلى انقضاء التكليف الذى علامته رفع القرآن إلى السماء، ويحتمل أن يكون المعنى رفع حكم القرآن ومدلوله أى لو ذهبت ليلة القدر بطل حكم القرآن حيث يدل على استمراره فان قوله " تنزل الملائكة والروح فيها " يدل على الاستمرار التجددى ثم اعلم أنه لا خلاف بين الامامية في استمرار ليلة القدر وبقائها، واليه ذهب أكثر العامة وذهب شاذ منهم إلى أنها كانت مختصة بزمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته رفعت.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٥٨ " العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر " ولعل هذه الزيادة سقطت من نسخة الفقيه.

(٣) أى غاية الفضل والثواب. (المرآة)

(٤) في الكافى هذا الخبر جزء من حديث حمران المتقدم كما أشرنا اليه.

١٥٨

٢٠٢٦ - وروى علي بن حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، ونزل الانجيل في اثنى عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثمان عشرة من شهر رمضان، ونزل القرآن [الفرقان خ ل) في ليلة القدر ".

٢٠٢٧ - وروي عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت(١) وإن كانت في حر بردت وطابت ".

٢٠٢٨ - وسئل عليه السلام " عن ليلة القدر فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده عزوجل موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه(٢) ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب ".

٢٠٢٩ - وروي عن علي بن أبي حمزة(٣) قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له أبوبصير: جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى(٤) أي ليلة هي؟ فقال: في ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب، قال: فقلت: ربما رأينا الهلال عندنا وجاء‌نا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرض أخرى؟ فقال: ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها، قلت: جعلت فداك ليلة

___________________________________

(١) بالدال المهملة مهموزة اللام من باب فرح أى سخنت.

(٢) الظاهر أن " له " خبر المشيئة قدم عليها، و " فيه " متعلق به، ولعل المراد بذلك الامر ما لم يطلع الكتبة على تفصيله فيكتبونه على وجه الاجمال وتفصيله موكول إلى مشيئة الله تعالى ومعنى التقديم والتأخير أنه قد تراء‌ى منه أنه يقدم وهو في علم الله تعالى الذى لم يطلع عليه أحد مؤخر فيؤخر أو بالعكس، ولعل ذلك هو معنى المحو والاثبات ومعنى البداء. (مراد)

(٣) السند ضعيف لانه البطائنى تحقيقا.

(٤) يعنى من الرحمة والمغفرة وتضاعف الحسنات وقبول الطاعات يعنى بها ليلة القدر (الوافى) وفى بعض النسخ " نرجو فيها ما نرجو ".

١٥٩

ثلاث وعشرين ليلة الجهني(١) قال: إن ذلك ليقال، قلت: جعلت فداك إن سليمان بن خالد روى أن في تسع عشرة يكتب وفد الحاج(٢) ، فقال: يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا(٣) والبلايا والارزاق وما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت إلى النور(٤) واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: فصل وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: فعلى فراشك، قلت: فإن لم أستطع؟ فقال: لا عليك أن تكتحل أول الليل بشئ من النوم(٥) إن أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين(٦) وتقبل الاعمال أعمال المؤمنين نعم الشهر شهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق ".

٢٠٣٠ - وروى محمد بن حمران، عن سفيان بن السمط قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: تسع عشرة، وإحدى و عشرين، وثلاث وعشرين، قلت: فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال: ثلاث وعشرين ".

٢٠٣١ - وفي رواية عبدالله بن بكير، عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان؟ فقال: ليلة تسع عشرة

___________________________________

(١) اشارة إلى ما يأتى تحت رقم ٢٠٣١ وقوله " ما أيسر " يدل على استحباب الاحتياط في الامور المستحبة عند اشتباه الهلال لئلا يقع في حرام كصوم يوم عرفة عند اشتباه الهلال في ذى الحجة لاحتمال العيد المحرم صومه.

(٢) وفد الحاج هم القادمون إلى مكة للحج فان في تلك الليلة تكتب أسماء من قدر أن يحج في تلك السنة. (الوافى)

(٣) المنايا جمع المنية وهى الموت. والبلايا جمع البلية وهى الافات.

(٤) النور كناية عن انفجار الصبح بالفلق. (الوافى)

(٥) استعارة عن قلة النوم أول الليل. و " لا عليك " أى لا بأس عليك.

(٦) في القاموس صفده يصفده: شده وأوثقه كأصفده وصفده من باب التفعيل.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

و يؤيّد هذا المعنى توصيفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبشير و النذير، فقوله:( بَشِيراً وَ نَذِيراً ) حالان يبيّنان صفته لقوله:( كَافَّةً لِلنَّاسِ ) .

و ربّما قيل: إنّ التقدير و ما أرسلناك إلّا إرساله كافّة للناس و لا يخلو من تكلّف و بعد.

و أمّا كون كافة بمعنى جميعاً و حالاً من الناس، و المعنى: و ما أرسلناك إلّا للناس جميعاً فهم يمنعون عن تقدّم الحال على صاحبه المجرور.

و اعلم أنّ منطوق الآية و إن كان راجعاً إلى النبوّة و فيها انتقال من الكلام في التوحيد إلى الكلام في النبوّة على حدّ الآيات التالية، لكن في مدلولها حجّة اُخرى على التوحيد و ذلك أنّ الرسالة من لوازم الربوبيّة الّتي شأنها تدبير الناس في طريق سعادتهم و مسيرهم إلى غايات وجودهم فعموم رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو رسول الله تعالى لا رسول غيره دليل على أنّ الربوبيّة منحصرة في الله سبحانه فلو كان هناك ربّ غيره لجاءهم رسوله و لم يعمّ رسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عمّتهم و احتاجوا معه إلى غيره، و هذا معنى قول عليّعليه‌السلام - على ما روي - لو كان لربّك شريك لأتتك رسله.

و يؤيّده ما في ذيل الآية من قوله:( وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فإنّ دلالة انحصار الرسالة في رسل الله على انحصار الربوبيّة في الله عزّ اسمه أمسّ بجهل الناس من كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسولاً كافّاً لهم عن المعاصي بشيراً و نذيراً.

فمفاد الآية على هذا: لا يمكنهم أن يُروك شريكاً له و الحال أنّا لم نرسلك إلّا كافّاً لجميع الناس بشيراً و نذيراً و لو كان لهم إله غيرنا لم يسع لنا أن نرسلك إليهم و هم عباد لإله آخر و الله أعلم.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) سؤال عن وقت الجمع و الفتح و هو البعث فالآية متّصلة بقوله السابق:( قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ) الآية، و هذا أيضاً من شواهد ما قدّمنا من المعنى لقوله:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً ) و إلّا كانت هذه الآية و الّتي بعدها متخلّلتين بين قوله:( وَ ما أَرْسَلْناكَ ) الآية، و الآيات التالية المتعرّضة لمسألة النبوّة.

٤٠١

قوله تعالى: ( قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ ) أمر منه تعالى أن يجيبهم بأنّ لهم ميعاد يوم مقضيّ محتوم لا يتخلّف عن الوقوع فهو واقع قطعاً و لا يختلف وقت وقوعه البتّة أي إنّ الله وعد به وعداً لا يخلفه إلّا أن وقت وقوعه مستور لا يعلمه إلّا الله سبحانه.

و ما قيل: إنّ المراد به يوم الموت غير سديد فإنّهم لم يسألوا إلّا عمّا تقدّم وعده و هو يوم الجمع و الفتح و الجمع ثمّ الفتح من خصائص يوم القيامة دون يوم الموت.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) و ذلك أنّ أهل السماوات لم يسمعوا وحياً فيما بين أن بعث عيسى بن مريم إلى أن بعث محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا بعث الله جبرئيل إلى محمّد سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات.

فلمّا فرغ عن الوحي انحدر جبرئيل كلّما مرّ بأهل سماء فزّع عن قلوبهم يقول: كشف عن قلوبهم، فقال بعض لبعض: ما ذا قال ربّكم؟ قالوا: الحقّ و هو العليّ الكبير.

أقول: و روي مثله من طرق أهل السنّة موصولاً و موقوفاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و مدلول الرواية على أيّ حال مصداق من مصاديق الآية و لا تصلح لتفسيرها البتّة.

و في الدرّ المنثور، عن ابن مردويه عن ابن عبّاس و في المجمع عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اُعطيت خمساً لم يعطهنّ نبيّ قبلي. بعثت إلى الناس كافّة الأحمر و الأسود و إنّما كان النبيّ يبعث إلى قومه، و نصرت بالرعب يرعب منّي عدوّي على مسيرة شهر، و اُطعمت المغنم، و جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً، و اُعطيت الشفاعة فادّخرتها لاُمّتي إلى يوم القيامة و هي إن شاء الله نائلة من لا يشرك بالله شيئاً.

٤٠٢

أقول: و روي أيضاً هذا المعنى عن ابن المنذر عن أبي هريرة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و الرواية معارضة لما ورد مستفيضاً أنّ نوحاً كان مبعوثاً إلى الناس كافّة و ذكر في بعضها إبراهيمعليه‌السلام و في بعضها أنّ اُولي العزم كلّهم مبعوثون إلى الدنيا كافّة، و تخالف أيضاً عموم الشفاعة للأنبياء المستفاد من عدّة من الروايات و قد قال تعالى:( وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) الزخرف: ٨٦ و قد شهد القرآن بأنّ المسيحعليه‌السلام من الشهداء قال تعالى:( وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) النساء: ١٥٩.

و الروايات من طرق العامّة و الخاصّة كثيرة في عموم رسالته للناس كافّة و ظاهر كثير منها أخذ( كَافَّةً ) في قوله تعالى:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) حالاً من( لِلنَّاسِ ) قدّم عليه و يمنعه البصريّون من النحاة و يجوّزه الكوفيّون.

٤٠٣

( سورة سبإ الآيات ٣١ - ٥٤)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ  وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ( ٣١ ) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم  بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ( ٣٢ ) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا  وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا  هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ٣٣ ) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ( ٣٤ ) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( ٣٥ ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ( ٣٦ ) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ( ٣٨ ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ  وَمَا أَنفَقْتُم

٤٠٤

مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ  وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( ٣٩ ) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ( ٤٠ ) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم  بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ  أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ( ٤١ ) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ( ٤٢ ) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ( ٤٣ ) وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا  وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ ( ٤٤ ) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي  فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( ٤٥ ) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ  أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا  مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ  إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ( ٤٦ ) قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ  إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ  وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ٤٧ ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ( ٤٨ ) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ( ٤٩ ) قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي  وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي  إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ( ٥٠ ) وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَ

٤٠٥

أُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ( ٥١ ) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ( ٥٢ ) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ  وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ( ٥٣ ) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ  إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ( ٥٤ )

( بيان)

فصل آخر من آيات السورة تتكلّم في أمر النبوّة و ما يرجع إليها و ما يقول المشركون فيها و تتخلّص في خلالها بما يجري عليهم يوم الموت أو يوم القيامة، و قد اتّصلت بقوله في الفصل السابق:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ) الآية، و قد عرفت أنّ الآية كالبرزخ بين الفصلين تذكر الرسالة و تجعلها دليلاً على التوحيد.

قوله تعالى: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) المراد بالّذين كفروا المشركون و المراد بالّذي بين يديه الكتب السماويّة من التوراة و الإنجيل و ذلك أنّ المشركين و هم الوثنيّون ليسوا قائلين بالنبوّة و يتبعها الكتاب السماويّ.

و قول بعضهم: إنّ المراد بالّذي بين يديه هو أمر الآخرة ممّا لا دليل يساعده، و قد أكثر القرآن الكريم من التعبير عن التوراة و الإنجيل بالّذي بين يديه، و من الخطإ قول بعضهم: إنّ المراد بالّذين كفروا هم اليهود.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) إلخ، الظاهر أنّ اللّام في( الظَّالِمُونَ ) للعهد، و هذه الآية و الآيتان بعدها تشير إلى أنّ وبال هذا الكفر - و أساسه ضلال أئمّة الكفر و إضلالهم تابعيهم - سيلحق بهم و سيندمون عليه و لن ينفعهم الندم.

٤٠٦

فقوله:( وَ لَوْ تَرى‏ ) خطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ هم بمعزل عن فهم الخطاب( إِذِ الظَّالِمُونَ ) و هم الكافرون بكتب الله و رسله، الّذين ظلموا أنفسهم بالكفر( مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) للحساب و الجزاء يوم القيامة( يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ الْقَوْلَ ) أي يتحاورون و يتراجعون في الكلام متخاصمين( يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) بيان لرجوع بعضهم إلى بعض في القول و المستضعفون الأتباع الّذين استضعفتهم المتبوعون( لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) و هم الأئمّة القادة( لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ) يريدون أنّكم أجبرتمونا على الكفر و حلتم بيننا و بين الإيمان.

( قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) جواباً عن قولهم و ردّاً لما اتّهموهم به من الإجبار و الإكراه( أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ ) الاستفهام للإنكار أي أ نحن صرفناكم( عَنِ الْهُدى‏ بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ ) فبلوغه إليكم بالدعوة النبويّة أقوى الدليل على أنّا لم نحل بينه و بينكم و كنتم مختارين في الإيمان به و الكفر( بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ) متلبّسين بالإجرام مستمرّين عليه فأجرمتم بالكفر به لمّا جاءكم من غير أن نجبركم عليه فكفركم منكم و نحن برآء منه.

( وَ قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ) ردّاً لقولهم و دعواهم البراءة( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ ) أي مكركم بالليل و النهار حملنا على الكفر( إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً ) و أمثالاً من الآلهة أي إنّكم لم تزالوا في الدنيا تمكرون الليل و النهار و تخطّون الخطط لتستضعفونا و تتآمّروا علينا فتحملونا على طاعتكم فيما تريدون، فلم نشعر إلّا و نحن مضطرّون على الائتمار بأمركم إذ تأمروننا بالكفر و الشرك.

( وَ أَسَرُّوا ) و أخفوا( النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) و شاهدوا أن لا مناص، و إخفاؤهم الندامة يوم القيامة - و هو يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شي‏ء - نظير كذبهم على الله و إنكارهم الشرك بالله و حلفهم لله كان بين كلّ ذلك من قبيل ظهور ملكاتهم الرذيلة الّتي رسخت في نفوسهم فقد كانوا يسرّون الندامة في الدنيا خوفاً من شماتة الأعداء و كذلك يفعلون يوم القيامة مع ظهور ما أسرّوا و اليوم يوم تبلى السرائر كما يكذبون

٤٠٧

بمقتضى ملكة الكذب مع ظهور أنّهم كاذبون في قولهم.

ثمّ ذكر سبحانه أخذهم للعذاب فقال:( وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ ) السلاسل( فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) فصارت أعمالهم أغلالاً في أعناقهم تحبسهم في العذاب.

قوله تعالى: ( وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ ) المترفون اسم مفعول من الإتراف و هو الزيادة في التنعيم، و فيه إشعار بأنّ الإتراف يفضي إلى الاستكبار على الحقّ كما تفيده الآية اللّاحقة.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) ضمير الجمع للمترفين، و من شأن الإتراف و الترفّه و التقلّب في نعم الدنيا أن يتعلّق قلب الإنسان بها و يستعظمها فيرى السعادة فيها سواء وافق الحقّ أم خالفه فلا يذكر إلّا ظاهر الحياة و ينسى ما وراءه.

و لذا حكى سبحانه عنهم ذلك إذ قالوا:( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً ) فلا سعادة إلّا فيها و لا شقوة معها( وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) في آخرة، و لم ينفوا العذاب إلّا للغفلة و الانصراف عمّا وراء كثرة الأموال و الأولاد فإذ كانت هي السعادة و الفلاح فحسب فالعذاب في فقدها و لا عذاب معها.

و ههنا وجه آخر و هو أنّهم لغرورهم بما رزقوا به من المال و الولد ظنّوا أنّ لهم كرامة على الله سبحانه و هم على كرامتهم عليهم ما داموا، و المعنى: أنّا ذوو كرامة على الله بما اُوتينا من كثرة الأموال و الأولاد و نحن على كرامتنا فما نحن بمعذّبين لو كان هناك عذاب.

فتكون الآية في معنى قوله:( وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى‏ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) حم السجدة: ٥٠.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ ) الآية و ما يتلوها إلى تمام أربع آيات جواب عن قولهم:( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا )

٤٠٨

إلخ، و قد اُجيب عنه بوجهين أحدهما أنّ أمر الرزق من الأموال و الأولاد سعة و ضيقاً بيد الله على ما تستدعيه الحكمة و المصلحة و هيّأ من الأسباب لا بمشيّة الإنسان و لا لكرامة له على الله فربّما بسط في رزق مؤمن أو كافر أو عاقل ذي حزم أو أحمق خفيف العقل، و ربّما بسط على واحد ثمّ قدر له. فلا دلالة في الإتراف على سعادة أو كرامة.

و هذا معنى قوله:( قُلْ إِنَّ رَبِّي ) نسبه إلى نفسه لأنّهم لم يكونوا يرون الله ربّاً لأنفسهم و الرزق من شؤن الربوبيّة( يَبْسُطُ ) أي يوسّع( الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ) من عباده بحسب الحكمة و المصلحة( وَ يَقْدِرُ ) أي يضيّق( وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فينسبونه ما لم يؤتوه إلى الأسباب الظاهريّة الاتّفاقيّة ثمّ إذا اُوتوه نسبوه إلى حزمهم و حسن تدبيرهم أنفسهم و كفى به دليلاً على الحمق.

قوله تعالى: ( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى‏ ) إلى آخر الآيتين هذا هو الجواب الثاني عن قولهم:( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) و محصّله أنّ انتفاء العذاب المترتّب على القرب من الله لا يترتّب على الأموال و الأولاد إذ لا توجب الأموال و الأولاد قرباً و زلفى من الله حتّى ينتفي معها العذاب الإلهيّ فوضع تقريب المال في الآية موضع انتفاء العذاب من قبيل وضع السبب موضع المسبّب.

و هذا معنى قوله:( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ ) الّتي تعتمدون عليها في السعادة و انتفاء عذاب الله( بِالَّتِي ) أي بالجماعة الّتي( تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) أي تقريباً.

( إِلَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ) في ماله و ولده بأن أنفق من أمواله في سبيل الله و بثّ الإيمان و العمل الصالح في أولاده بتربية دينيّة( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ ) لعلّه من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الجزاء المضاعف من جهة أنّهم اهتدوا و هدوا و أيضاً من جهة تضعيف الحسنات إلى عشر أضعافها و زيادة( وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ ) أي في القباب العالية( آمِنُونَ ) من العذاب فما هم بمعذّبين.

( وَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ ) أي يجدّون في آياتنا و هم يريدون

٤٠٩

أن يعجزونا - أو أن يسبقونا -( أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) و إن كثرت أموالهم و أولادهم.

و في قوله:( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ ) إلخ، انتقال إلى خطاب عامّة الناس من الكفّار و غيرهم و الوجه فيه أنّ ما ذكره من الحكم حكم الأموال و الأولاد سواء في ذلك المؤمن و الكافر فالمال و الولد إنّما يؤثّران أثرهما الجميل إذا كان هناك إيمان و عمل صالح فيهما و إلّا فلا يزيدان إلّا وبالاً.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) قال في مجمع البيان: يقال: أخلف الله له و عليه إذا أبدل له ما ذهب عنه. انتهى.

سياق الآية يدلّ على أنّ المراد بالإنفاق فيها الإنفاق في وجوه البرّ و المراد بيان أنّ هذا النحو من الإنفاق لا يضيع عند الله بل يخلفه و يرزق بدله.

فقوله في صدر الآية:( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ ) للإشارة إلى أنّ أمر الرزق في سعته و ضيقه إلى الله سبحانه لا ينقص بالإنفاق و لا يزيد بالإمساك ثمّ قال:( وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) قليلاً كان أو كثيراً و أيّاً مّا كان من المال( فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) و يرزقكم بدله إمّا في الدنيا و إمّا في الآخرة( وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) فإنّه يرزق جوداً و رزق غيره معاملة في الحقيقة و معاوضة، و لأنّه الرازق في الحقيقة و غيره ممّن يسمّى رازقاً واسطة لوصول الرزق.

قوله تعالى: ( وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ ) المراد بهم جميعاً بشهادة السياق العابدون و المعبودون جميعاً.

و قوله:( ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ ) ليس سؤال استخبار عن أصل عبادتهم لهم و لو كان كذلك لم يسعهم إنكارها لأنّهم عبدوهم في الدنيا و قد أنكروها كما في الآية بل المراد السؤال عن رضاهم بعبادتهم على حدّ قوله تعالى لعيسى بن مريم:( أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ ) .

٤١٠

و الغرض من السؤال تبكيت المشركين و إقناطهم من نصرة الملائكة و شفاعتهم لهم و قد عبدوهم في الدنيا لذلك.

قوله تعالى: ( قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) أخذت الملائكة في جوابهم عن سؤاله تعالى بجوامع الأدب فنزّهوه سبحانه أوّلاً تنزيهاً مطلقاً فيه تنزيهه من أن يعبدوا من دونه ثمّ نفوا رضاهم بعبادة المشركين لهم لكن لا بالتصريح بنفي الرضا بالعبادة و لا بالتفوّه بعبادتهم صوناً لساحة المخاطبة عمّا يقرع السمع بذلك، و لو تصوّراً لا تصديقاً بل أجابوا بقصر ولايتهم فيه تعالى و نفيها عنهم ليدلّ على نفي الرضا بعبادتهم لهم على طريق الكناية فإنّ الرضا بعبادتهم لازمه الموالاة بينهم، و الموالاة بينهم تنافي قصر الولاية في الله سبحانه فإذا انحصرت الولاية فيه تعالى لم تكن موالاة و إذا لم تكن موالاة لم يكن رضا.

ثمّ قالوا على ما حكاه الله سبحانه:( بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) و الجنّ هم الطائفة الثانية من الطوائف الثلاث الّتي يعبدهم الوثنيّون و هم الملائكة و الجنّ و القدّيسون من البشر، و الأقدم في استحقاق العبادة عندهم هم الطائفتان الاُوليان و الطائفة الثالثة ملحقة بهما بعد الكمال و إن كانوا أفضل منهما.

و الإضراب في قولهم:( بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ) يدلّ على أنّ الجنّ كانوا على رضى من عبادتهم لهم.

و هؤلاء من الجنّ هم الّذين يعدّهم الوثنيّون مبادئ الشرور في العالم فيعبدونهم اتّقاء من شرورهم كما يعبدون الملائكة طمعاً في خيراتهم لما أنّهم مباد للخيرات لا كما قيل: إنّ المراد بالجنّ إبليس و ذرّيّته و قبيله و معنى عبادتهم لهم طاعتهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة أو مطلق المعاصي، و يردّه ما وقع في الآية من التعبير بلفظ الإيمان دون الطاعة و لا ما قيل: إنّهم كانوا يتمثّلون لهم و يخيّلون لهم أنّهم الملائكة فيعبدونهم و لا ما قيل: إنّهم كانوا يدخلون أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتها.

٤١١

و لعلّ الوجه في نسبة الإيمان بهم إلى أكثرهم دون جميعهم أنّ أكثرهم يعبدون الآلهة اتّقاء من طروق الشرّ من قبلهم، و مبادئ الشرّ عندهم مطلقاً الجنّ لا كما قيل: إنّ المراد بالأكثر الكلّ، و هو مبنيّ على تفسير العبادة بمعنى الطاعة و قد عرفت ما فيه.

قوله تعالى: ( فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا وَ نَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ ) نوع تفريع على تبرّي الملائكة منهم و قد بيّن تبرّي عامّة المتبوعين من تابعيهم و التابعين من متبوعيهم في مواضع كقوله تعالى:( وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) فاطر: ١٤ و قوله:( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) العنكبوت: ٢٥. و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ ) إلخ، خطابهم هذا لعامّتهم بعد استماع الآيات تنبيه لهم على الجدّ في التمسّك بدين آبائهم و تحريض لهم عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و في توصيف الآيات بالبيّنات نوع عتبى كأنّه قيل: إذا تتلى عليهم هذه الآيات و هي بيّنة لا ريب فيها فبدلاً من أن يدعوا عامّتهم إلى اتّباعها حثّوهم على الإصرار على تقليد آبائهم و حرّضوهم عليه - و في إضافة الآباء إلى ضمير( يَصُدَّكُمْ ) مبالغة في التحريض و الإثارة.

و قوله:( وَ قالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً ) معطوف على( قالُوا ) أي و قالوا مشيراً إلى الآيات البيّنات إشارة تحقير ليس هذا إلّا كلاماً مصروفاً عن وجهه مكذوباً به على الله، بدلاً من أن يقولوا: إنّها آيات بيّنات نازلة من عندالله تعالى - و قد أشاروا إلى الآيات البيّنات بهذا دلالة على أنّهم لم يفهموا منها إلّا أنّها شي‏ء مّا لا أزيد من ذلك.

ثمّ غيّر سبحانه السياق و قال:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) و مجي‏ء الحقّ لهم بلوغه و ظهوره لهم، و الأخذ بوصف الكفر للإشعار بالتعليل و المعنى: و الّذين كفروا بعثهم الكفر إلى أن يقولوا للحقّ الصريح الّذي بلغهم و ظهر لهم هذا سحر ظاهر سحريّته و بطلانه.

٤١٢

و أكّد إصرارهم على دحض الحقّ باتّباع الهوى من غير دليل يدلّ عليه بقوله:( وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَ ما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) و الجملة حاليّة أي و عدّ الّذين كفروا - أي كفّار قريش - الحقّ الصريح الظاهر لهم سحراً مبيناً و الحال أنّا لم نعطهم كتباً يدرسونها حتّى يميّزوا بها الحقّ من الباطل و لم نرسل إليهم قبلك من رسول ينذرهم و يبيّن لهم ذلك فيقولوا استناداً إلى الكتاب الإلهيّ أو إلى قول الرسول النذير: إنّه حقّ أو باطل.

قوله تعالى: ( وَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ) ضميراً الجمع الأوّل و الثاني لكفّار قريش و من يتلوهم و الثالث و الرابع للّذين من قبلهم، و المعشار العُشر و النكير الإنكار، و المراد به في الآية لازمه و هو الأخذ بالعذاب.

و المعنى: و كذّب بالحقّ من الآيات الّذين كانوا من قبل كفّار قريش من الاُمم الماضية و لم يبلغ كفّار قريش عشر ما آتيناهم من القوّة و الشدّة فكذّب اُولئك الأقوام رسلي فكيف كان أخذي بالعذاب و ما أهون أمر قريش. و الالتفات في الآية إلى التكلّم لاستعظام الجرم و تهويل المؤاخذة.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى‏ وَ فُرادى‏ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) المراد بالموعظة الوصية كناية أو تضميناً، و قوله:( أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ) أي تنهضوا لأجل الله و لوجهه الكريم، و قوله:( مَثْنى‏ وَ فُرادى) أي اثنين اثنين و واحداً واحداً كناية عن التفرّق و تجنّب التجمّع و الغوغاء فإنّ الغوغاء لا شعور لها و لا فكر و كثيراً ما تميت الحقّ و تحيي الباطل.

و قوله:( ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ) استئناف( إِنَّما ) نافية و يشهد بذلك قوله بعد:( إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) و يمكن أن يكون( إِنَّما ) استفهاميّة أو موصولة و( مِنْ جِنَّةٍ ) بياناً له.

و المراد بصاحبكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه و الوجه في التعبير به تذكرتهم بصحبته

٤١٣

الممتدّة لهم أربعين سنة من حين ولادته إلى حين بعثته ليتذكّروا أنّهم لم يعهدوا منه اختلالاً في فكر أو خفّة في رأي أو أيّ شي‏ء يوهم أنّ به جنوناً.

و المعنى: قل لهم: إنّما اُوصيكم بالعظة أن تنهضوا و تنتصبوا لوجه الله متفرّقين حتّى يصفو فكركم و يستقيم رأيكم اثنين اثنين و واحداً واحداً و تتفكّروا في أمري فقد صاحبتكم طول عمري على سداد من الرأي و صدق و أمانة ليس فيّ من جنّة. ما أنا إلّا نذير لكم بين يدي عذاب شديد في يوم القيامة فأنا ناصح لكم غير خائن.

قوله تعالى: ( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) إلخ، كناية عن عدم سؤال أجر على الدعوة فإنّه إذا وهبهم كلّ ما سألهم من أجر فليس له عليهم أجر مسؤل و لازمه أن لا يسألهم و هذا تطييب لنفوسهم أن لا يتّهموه بأنّه جعل الدعوة ذريعة إلى نيل مال أو جاه.

ثمّ تمّم القول بقوله:( إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ ) لئلّا يردّ عليه قوله بأنّه دعوى غير مسموعة فإنّ الإنسان لا يروم عملاً بغير غاية فدفعه بأنّ لعملي أجراً لكنّه على الله لا عليكم و هو يشهد عملي و هو على كلّ شي‏ء شهيد.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) القذف الرمي، و قوله:( عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) خبر بعد خبر أو خبر لمبتدء محذوف و هو الضمير الراجع إليه تعالى.

و مقتضى سياق الآيات السابقة أنّ المراد بالحقّ المقذوف القرآن النازل إليه بالوحي من عنده تعالى الّذي هو قول فصل يحقّ الحقّ و يبطل الباطل فهو الحقّ المقذوف إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند علّام الغيوب فيدمغ الباطل و يزهقه، قال تعالى:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) الأنبياء: ١٨ و قال:( قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) إسراء: ٨١.

قوله تعالى: ( قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ ) المراد بمجي‏ء

٤١٤

الحقّ على ما تهدي إليه الآية السابقة نزول القرآن المبطل بحججه القاطعة و براهينه الساطعة لكلّ باطل من أصله.

و قوله:( وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ ) أي ما يظهر أمراً ابتدائيّاً جديداً بعد مجي‏ء الحقّ و ما يعيد أمراً كان قد أظهره من قبل إظهاراً ثانياً بنحو الإعادة فهو كناية عن بطلان الباطل و سقوطه عن الأثر من أصله بالحقّ الّذي هو القرآن.

قوله تعالى: ( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى‏ نَفْسِي وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) بيان لأثر الحقّ الّذي هو الوحي فإنّه عرّفه حقّاً مطلقاً فالحقّ إذا كان حقّاً من كلّ جهة لم يخطئ في إصابة الواقع في جهة من الجهات و إلّا كان باطلاً من تلك الجهة فالوحي يهدي و لا يخطئ البتّة.

و لذا قال تأكيداً لما تقدّم:( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ ) و فرض منّي ضلال( فَإِنَّما أَضِلُّ ) مستقراً ذلك الضلال( عَلى‏ نَفْسِي ) فإنّ للإنسان من نفسه أن يضلّ( وَ إِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ) فوحيه حقّ لا يحتمل ضلالاً و لا يؤثّر إلّا الهدى.

و قد علّل الكلام بقوله:( إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ) للدلالة على أنّه يسمع الدعوة و لا يحجبه عنها حاجب البعد و قد مهّد له قبلاً وصفه تعالى في قذف الحقّ بأنّه علّام الغيوب فلا يغيب عنه أمر يخلّ بأمره و يمنع نفوذ مشيّته هداية الناس بالوحي قال تعالى:( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً ) الجنّ: ٢٨.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) ظاهر السياق السابق و يشعر به قوله الآتي:( وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ ) أنّ الآيات الأربع وصف حال مشركي قريش و من يلحق بهم حال الموت.

فقوله:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا ) أي حين فزع هؤلاء المشركون عند الموت( فَلا فَوْتَ ) أي لا يفوتون الله بهرب أو تحصّن أو أيّ حائل آخر.

٤١٥

و قوله:( وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) كناية عن عدم فصل بينهم و بين من يأخذهم و قد عبّر بقوله:( أُخِذُوا ) مبنيّاً للمفعول ليستند الأخذ إليه سبحانه، و قد وصف نفسه بأنّه قريب، و كشف عن معنى قربه بقوله:( وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) الواقعة: ٨٥ و أزيد منه في قوله:( مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق: ١٦ و أزيد منه في قوله:( أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ ) الأنفال: ٢٤ فبيّن أنّه أقرب إلى الإنسان من نفسه و هذا الموقف هو المرصاد الّذي ذكره في قوله:( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) الفجر: ١٤ فكيف يتصوّر فوت الإنسان منه و هو أقرب إليه من نفسه؟ أو من ملائكته المكرمين الّذين يأخذون الأمر منه تعالى من غير حاجب يحجبهم عنه أو واسط يتوسّط بينه و بينهم.

فقوله:( وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) نوع تمثيل لقربه تعالى من الإنسان بحسب ما نتصوّره من معنى القرب لاحتباسنا في سجن الزمان و المكان و اُنسنا بالاُمور المادّيّة و إلّا فالأمر أعظم من ذلك.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) التناوش التناول و ضمير( بِهِ ) للقرآن على ما يعطيه السياق.

و المراد بكونهم في مكان بعيد أنّهم في عالم الآخرة و هي دار تعيّن الجزاء و هي أبعد ما يكون من عالم الدنيا الّتي هي دار العمل و موطن الاكتساب بالاختيار و قد تبدّل الغيب شهادة لهم و الشهادة غيباً كما تشير إليه الآية التالية.

قوله تعالى: ( وَ قَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) حال من الضمير في( وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ ) و المراد بقوله:( وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) رميهم عالم الآخرة و هم في الدنيا بالظنون مع عدم علمهم به و كونه غائباً عن حواسهم إذ كانوا يقولون: لا بعث و لا جنّة و لا نار، و قيل: المراد به رميهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسحر و الكذب و الافتراء و الشعر.

٤١٦

و العناية في إطلاق المكان البعيد على الدنيا بالنسبة إلى الآخرة نظيره إطلاقه على الآخرة بالنسبة إلى الدنيا و قد تقدّمت الإشارة إليه.

و معنى الآيتين: و قال المشركون حينما اُخذوا آمنّا بالحقّ الّذي هو القرآن و أنّى لهم تناول الإيمان به - إيماناً يفيد النجاة - من مكان بعيد و هو الآخرة و الحال أنّهم كفروا به من قبل في الدنيا و هم ينفون اُمور الآخرة بالظنون و الأوهام من مكان بعيد و هو الدنيا.

قوله تعالى: ( وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) ظاهر السياق أنّ المراد بما يشتهون اللذائذ المادّيّة الدنيويّة الّتي يحال بينهم و بينها بالموت، و المراد بأشياعهم من قبل أشباههم من الاُمم الماضية أو موافقوهم في المذهب، و قوله:( إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) تعليل لقوله:( كَما فُعِلَ ) إلخ.

و المعنى: و وقعت الحيلولة بين المشركين المأخوذين و بين ما يشتهون من ملاذّ الدنيا كما فعل ذلك بأشباههم من مشركي الاُمم الدارجة من قبلهم إنّهم كانوا في شكّ مريب من الحقّ أو من الآخرة فيقذفونها بالغيب.

و اعلم أنّ ما قدّمناه من الكلام في هذه الآيات الأربع مبنيّ على ما يعطيه ظاهر السياق و قد استفاضت الروايات من طرق الشيعة و أهل السنّة أنّ الآيات ناظرة إلى خسف جيش السفياني بالبيداء و هو من علائم ظهور المهديّعليه‌السلام المتّصلة به فعلى تقدير نزول الآيات في ذلك يكون ما قدّمناه من المعنى من باب جري الآيات فيه.

٤١٧

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ ) قال: يسرّون الندامة في النار إذا رأوا وليّ الله فقيل: يا بن رسول الله و ما يغنيهم أسرارهم الندامة و هم في العذاب؟ قال: يكرهون شماتة الأعداء.

أقول: و رواه أيضاً عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و فيه و ذكر رجل عند أبي عبداللهعليه‌السلام الأغنياء و وقع فيهم فقال أبو عبداللهعليه‌السلام : اسكت فإنّ الغنيّ إذا كان وصولاً لرحمه بارّاً بإخوانه أضعف الله له الأجر ضعفين لأنّ الله يقول:( وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى‏ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام في حديث يقول فيه: حتّى إذا كان يوم القيامة حسب لهم ثمّ أعطاهم بكلّ واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عزّوجلّ:( جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً ) و قال:( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

و في الكافي، بإسناده عن السكونيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صدّق بالخلف جاد بالعطيّة.

و فيه، بإسناده عن سماعة عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ لكلّ يوم نحساً فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة، ثمّ قال: اقرؤا مواضع الخلف فإنّي سمعت الله يقول:( وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) إذا لم ينفقوا كيف يخلف؟

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:

٤١٨

( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) و ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل قومه أن يودّوا أقاربه و لا يؤذوهم. و أمّا قوله:( فَهُوَ لَكُمْ ) يقول: ثوابه لكم.

و في الدرّ المنثور في قوله تعالى:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا ) الآية أخرج الحاكم و صحّحه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يخرج رجل يقال له السفيانيّ في عمق دمشق و عامّة من يتّبعه من كلب فيقتل حتّى يبقر بطون النساء و يقتل الصبيان فيجمع لهم قيس فيقتلها حتّى لا يمنع ذنب تلعة و يخرج رجل من أهل بيتي فيبلغ السفيانيّ فيبعث إليه جنداً من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفيانيّ بمن معه حتّى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلّا المخبر منهم.

أقول: و الرواية مستفيضة من طرق أهل السنّة مختصرة أو مفصّلة و قد رووها من طرق مختلفة عن ابن عبّاس و ابن مسعود و حذيفة و أبي هريرة و جدّ عمرو بن شعيب و اُمّ سلمة و صفيّة و عائشة و حفصة أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نفيرة امرأة القعقاع عن سعيد بن جبير موقوفاً.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي خالد الكابليّ قال: قال أبوجعفرعليه‌السلام : و الله لكأنّي أنظر إلى القائمعليه‌السلام و قد أسند ظهره إلى الحجر ثمّ ينشد الله حقّه ثمّ يقول: يا أيّها الناس من يحاجّني في الله. فأنا أولى بالله أيّها الناس من يحاجّني بآدم فأنا أولى بآدم. أيّها الناس من يحاجّني في نوح فأنا أولى بنوح. أيّها الناس من يحاجّني بإبراهيم فأنا أولى بإبراهيم. أيّها الناس من يحاجّني بموسى فأنا أولى بموسى. أيّها الناس من يحاجّني بعيسى فأنا أولى بعيسى. أيّها الناس من يحاجّني بمحمّد فأنا أولى بمحمّد. أيّها الناس من يحاجّني بكتاب الله فأنا أولى بكتاب الله.

ثمّ ينتهي إلى المقام فيصلّي ركعتين و ينشد الله حقّه. ثمّ قال أبوجعفرعليه‌السلام : هو و الله المضطرّ في كتاب الله في قوله:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) .

فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل ثمّ الثلاثمائة و الثلاثة عشر فمن كان ابتلي

٤١٩

بالمسير وافى و من لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه و هو قول أميرالمؤمنينعليه‌السلام : هم المفقودون عن فرشهم و ذلك قول الله:( سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) قال: الخيرات الولاية، و قال في موضع آخر:( وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى‏ أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) و هم أصحاب القائمعليه‌السلام يجتمعون و الله إليه في ساعة واحدة.

فإذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفيانيّ فيأمر الله عزّوجلّ الأرض فيأخذ بأقدامهم و هو قوله عزّوجلّ:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ ) يعني بالقائم من آل محمّدعليه‌السلام ( وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ ) يعني أن لا يعذّبوا( كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ ) يعني من كان قبلهم من المكذّبين هلكوا( مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ) .

تمّ و الحمد لله.

٤٢٠

421

422

423

424

425