الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 425

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 425 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128744 / تحميل: 6814
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

غير أنّه تعالى ذكر في مواضع من كلامه أنّهم حرّفوها و اختلفوا فيها. و قصّة بخت نصّر و فتحه فلسطين ثانياً و هدمه الهيكل و إحراقه التوراة و حشره اليهود إلى بابل سنة خمس مائة و ثمان و ثمانين قبل المسيح ثمّ فتح كورش الملك بابل سنة خمس مائة و ثمان و ثلاثين قبل المسيح و إذنه لليهود أن يرجعوا إلى فلسطين ثانياً و كتابة عزراء الكاهن التوراة لهم معروف في التواريخ و قد تقدّمت الإشارة إليه في الجزء الثالث من الكتاب في قصص المسيحعليه‌السلام .

٢- قصص موسى عليه‌السلام في القرآن: هوعليه‌السلام أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن الكريم فقد ذكر اسمه - على ما عدوّه - في مائة و ستّة و ستّين موضعاً من كلامه تعالى، و اُشير إلى قصّته إجمالاً أو تفصيلاً في أربع و ثلاثين سورة من سور القرآن، و قد اختصّ من بين الأنبياء بكثرة المعجزات، و قد ذكر في القرآن شي‏ء كثير من معجزاته الباهرة كصيرورة عصاه ثعباناً، و اليد البيضاء، و الطوفان، و الجراد، و القمّل، و الضفادع، و الدم، و فلق البحر، و إنزال المنّ و السلوى، و انبجاس العيون من الحجر بضرب العصا، و إحياء الموتى، و رفع الطور فوق القوم و غير ذلك.

و قد ورد في كلامه تعالى طرف من قصصهعليه‌السلام من دون استيفائها في كلّ ما دقّ و جلّ بل بالاقتصار على فصول منها يهمّ ذكرها لغرض الهداية و الإرشاد على ما هو دأب القرآن الكريم في الإشارة إلى قصص الأنبياء و اُممهم.

و هذه الفصول الّتي فيها كلّيّات قصصه هي: أنّه تولّد بمصر في بيت إسرائيليّ حينما كانوا يذبحون المواليد الذكور من بني إسرائيل بأمر فرعون و جعلت اُمّه إيّاه في تابوت و ألقته في البحر و أخذ فرعون إيّاه ثمّ ردّه إلى اُمّه للإرضاع و التربية و نشأ في بيت فرعون.

ثمّ بلغ أشدّه و قتل القبطيّ و هرب من مصر إلى مدين خوفاً من فرعون و ملائه أن يقتلوه قصاصاً.

ثمّ مكث في مدين عند شعيب النبيّعليه‌السلام و تزوّج إحدى بنتيه.

ثمّ لمّا قضى موسى الأجل و سار بأهله آنس من جانب الطور ناراً و قد ضلّوا

٤١

الطريق في ليلة شاتية فأوقفهم مكانهم و ذهب إلى النار ليأتيهم بقبس أو يجد على النار هدى فلمّا أتاها ناداه الله من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة و كلّمه و اجتباه و آتاه معجزة العصا و اليد البيضاء في تسع آيات و اختاره للرسالة إلى فرعون و ملائه و إنجاء بني إسرائيل و أمره بالذهاب إليه.

فأتى فرعون و دعاه إلى كلمة الحقّ و أن يرسل معه بني إسرائيل و لا يعذّبهم و أراه آية العصا و اليد البيضاء فأبى و عارضة بسحر السحرة و قد جاؤا بسحر عظيم من ثعابين و حيّات فألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فاُلقي السحرة ساجدين قالوا آمنّا بربّ العالمين ربّ موسى و هارون و أصرّ فرعون على جحوده و هدّد السحرة و لم يؤمن.

فلم يزل موسىعليه‌السلام يدعوه و ملأه و يريهم الآية بعد الآية كالطوفان و الجراد و القمّل و الضفادع و الدم آيات مفصّلات و هم يصرّون على استكبارهم، و كلّما وقع عليهم الرجز قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرجز لنؤمننّ لك و لنرسلنّ معك بني إسرائيل فلمّا كشف الله عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون.

فأمره الله أن يسري بني إسرائيل ليلاً فساروا حتّى بلغوا ساحل البحر فعقّبهم فرعون بجنوده فلمّا تراءى الفريقان قال أصحاب موسى إنّا لمدركون قال كلّا إنّ معي ربّي سيهدين فاُمر بأن يضرب بعصاه البحر فانفلق الماء فجاوزوا البحر و اتبعهم فرعون و جنوده حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعاً أطبق الله عليهم الماء فأغرقهم عن آخرهم.

و لمّا أنجاهم الله من فرعون و جنوده و أخرجهم إلى البرّ و لا ماء فيه و لا كلاء أكرمهم الله فأنزل عليهم المنّ و السلوى و أمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كلّ اُناس مشربهم فشربوا منها و أكلوا منهما و ظلّلهم الغمام.

ثمّ واعد الله موسى أربعين ليلة لنزول التوراة بجبل الطور فاختار قومه سبعين رجلاً ليسمعوا تكليمه تعالى إيّاه فسمعوا ثمّ قالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة و هم ينظرون ثمّ أحياهم الله بدعوة موسى، و لمّا تمّ الميقات أنزل الله عليه التوراة و أخبره أنّ السامريّ قد أضلّ قومه بعده فعبدوا العجل.

٤٢

فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً فأحرق العجل و نسفه في اليمّ و طرد السامريّ و قال له: اذهب فإنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس و أمّا القوم فاُمروا أن يتوبوا و يقتلوا أنفسهم فتيب عليهم بعد ذلك ثمّ استكبروا عن قبول شريعة التوراة حتّى رفع الله الطور فوقهم.

ثمّ إنّهم ملّوا المنّ و السلوى و قالوا لن نصبر على طعام واحد و سألوه أن يدعو ربّه أن يخرج لهم ممّا تنبت الأرض من بقلها و قثّائها و فومها و عدسها و بصلها فاُمروا أن يدخلوا الأرض المقدّسة الّتي كتب الله لهم فأبوا فحرّمها الله عليهم و ابتلاهم بالتيه يتيهون في الأرض أربعين سنة.

و من قصص موسىعليه‌السلام ما ذكره الله في سورة الكهف من مضيّه مع فتاه إلى مجمع البحرين للقاء العبد الصالح و صحبته حتّى فارقه.

٣- منزلة هارون عليه‌السلام عندالله و موقفه العبودي: أشركه الله تعالى مع موسىعليهما‌السلام في سورة الصافّات في المنّ و إيتاء الكتاب و الهداية إلى الصراط المستقيم و في التسليم و أنّه من المحسنين و من عباده المؤمنين (الصافّات: ١١٤ - ١٢٢) و عدّه مرسلاً (طه: ٤٧) و نبيّاً (مريم: ٥٣) و أنّه ممّن أنعم عليهم (مريم: ٥٨) و أشركه مع من عدّهم من الأنبياء في سورة الأنعام في صفاتهم الجميلة من الإحسان و الصلاح و الفضل و الاجتباء و الهداية (الإنعام: ٨٤ - ٨٨).

و في دعاء موسى ليلة الطور:( وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَ نَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً ) طه: ٣٥.

و كانعليه‌السلام ملازماً لأخيه في جميع مواقفه يشاركه في عامّة أمره و يعينه على جميع مقاصده.

و لم يرد في القرآن الكريم ممّا يختصّ به من القصص إلّا خلافته لأخيه حين غاب عن القوم للميقات و قال لأخيه هارون اخلفني في قومي و أصلح و لا تتّبع سبيل المفسدين و لمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً و قد عبدوا العجل ألقى الألواح و أخذ

٤٣

برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن اُمّ إنّ القول استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء و لا تجعلني مع القوم الظالمين قال ربّ اغفر لي و لأخي و أدخلنا في رحمتك و أنت أرحم الراحمين.

٤- قصّة موسى عليه‌السلام في التوراة الحاضرة: قصصهعليه‌السلام موضوعة فيما عدا السفر الأوّل من أسفار التوراة الخمسة و هي: سفر الخروج و سفر اللاّويّين و سفر العدد و سفر التثنية تذكر فيها تفاصيل قصصهعليه‌السلام من حين ولادته إلى حين وفاته و ما اُوحي إليه من الشرائع و الأحكام.

غير أنّ فيها اختلافات في سرد القصّة مع القرآن في اُمور غير يسيرة.

و من أهمّها أنّها تذكر أنّ نداء موسى و تكليمه من الشجرة كان في أرض مدين قبل أن يسير بأهله و ذلك حين كان يرعى غنم يثرون(١) حمية كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البريّة و جاء إلى جبل الله حوريب و ظهر له ملاك الربّ بلهيب نار من وسط عُلّيقة فناداه الله و كلّمه بما كلّمه و أرسله إلى فرعون لإنجاء بني إسرائيل.(٢)

و منها ما ذكرت أنّ فرعون الّذي اُرسل إليه موسى غير فرعون الّذي أخذ موسى و ربّاه ثمّ هرب منه موسى لمّا قتل القبطيّ خوفاً من القصاص.(٣)

و منها أنّها لم تذكر إيمان السحرة لمّا ألقوا عصيّهم فصارت حيّات فتلقّفتها عصا موسى بل تذكر أنّهم كانوا عند فرعون و عارضوا موسى في آيتي الدم و الضفادع فأتوا بسحرهم مثل ما أتى به موسىعليه‌السلام معجزة.(٤)

و منها أنّها تذكر أنّ الّذي صنع لهم العجل فعبدوه هو هارون النبيّ أخو موسىعليهما‌السلام و ذلك أنّه لمّا رأى الشعب أنّ موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون و قالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأنّ هذا (موسى) الرجل

____________________

(١) تسمّي التوراة أبا زوجة موسى يثرون كاهن مديان.

(٢) الإصحاح الثالثة من سفر الخروج.

(٣) سفر الخروج، الإصحاح الثاني. الآية ٢٣.

(٤) الإصحاح السابع و الثامن من سفر الخروج.

٤٤

الّذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ما ذا أصابه؟ فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الشعب الّتي في آذان نسائكم و بنيكم و بناتكم و أتوني بها.

فنزع كلّ الشعب أقراط الذهب الّتي في آذانهم و أتوا بها إلى هارون فأخذ ذلك من أيديهم و صوّره بالإزميل فصبغه عجلاً مسبوكاً فقالوا أ هذه آلهتك يا إسرائيل الّتي أصعدتك من أرض مصر.(١)

و في الآيات القرآنيّة تعريضات للتوراة في هذه المواضع من قصصهعليه‌السلام غير خفيّة على المتدبّر فيها.

و هناك اختلافات جزئيّة كثيرة كما وقع في التوراة في قصّة قتل القبطيّ أنّ‏ المتضاربين ثانياً كانا جميعاً إسرائيليّين.(٢)

و أيضاً وقع فيها أنّ الّذي اُلقى العصا فتلقّفت حيّات السحرة هو هارون ألقاها بأمر موسى.(٣)

و أيضاً لم تذكر فيها قصّة انتخاب السبعين رجلاً للميقات و نزول الصاعقة عليهم و إحياءهم بعده.

و أيضاً فيها أنّ الألواح الّتي كانت مع موسى لمّا نزل من الجبل و ألقاها كانت لوحين من حجر و هما لوحاً الشهادة(٤) . إلى غير ذلك من الاختلافات.

____________________

(١) الإصحاح الثاني و الثلاثون من سفر الخروج.

(٢) الإصحاح الثاني من سفر الخروج.

(٣) الإصحاح السابع من سفر الخروج.

(٤) الإصحاح الثاني و الثلاثون من سفر الخروج.

٤٥

( سورة القصص الآيات ٤٣ - ٥٦)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( ٤٣ ) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( ٤٤ ) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ  وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( ٤٥ ) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( ٤٦ ) وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( ٤٧ ) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ  أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ  قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ( ٤٨ ) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٤٩ ) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ  وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ  إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ٥٠ ) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( ٥١ ) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ( ٥٢ ) وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن

٤٦

رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ( ٥٣ ) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( ٥٤ ) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ( ٥٥ ) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ  وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( ٥٦ )

( بيان)

سياق الآيات يشهد أنّ المشركين من قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجعوا بعض أهل الكتاب و استفتوهم في أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عرضوا عليهم بعض القرآن النازل عليه و هو مصدّق للتوراة فأجابوا بتصديقه و الإيمان بما يتضمّنه القرآن من المعارف الحقّة و أنّهم كانوا يعرفونه بأوصافه قبل أن يبعث كما قال تعالى:( وَ إِذا يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ) .

فساء المشركين ذلك و شاجروهم و أغلظوا عليهم في القول و قالوا: إنّ القرآن سحر و التوراة سحر مثله( سِحْرانِ تَظاهَرا ) و( إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ ) فأعرض الكتابيّون عنهم و قالوا:( سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ ) .

هذا ما يلوّح إليه الآيات الكريمة بسياقها، و هو سبحانه لمّا ساق قصّة موسىعليه‌السلام و أنبأ أنّه كيف أظهر قوماً مستضعفين معبّدين معذّبين يذبّح أبناؤهم و تستحيي نساؤهم على قوم عالين مستكبرين طغاة مفسدين بوليد منهم ربّاه في حجر عدوّه الّذي يذبّح بأمره الاُلوف من أبنائهم ثمّ أخرجه لمّا نشأ من بينهم ثمّ بعثه و ردّه إليهم و أظهره عليهم حتّى أغرقهم أجمعين و أنجا شعب إسرائيل فكانوا هم الوارثين.

عطف القول على الكتاب السماويّ الّذي هو المتضمّن للدعوة و به تتمّ الحجّة

٤٧

و هو الحامل للتذكرة فذكر أنّه أنزل التوراة على موسىعليه‌السلام فيه بصائر للناس و هدى و رحمة لعلّهم يتذكّرون فينتهون عن معصية الله بعد ما أهلك القرون الاُولى بمعاصيهم.

و كذا أنزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن و قصّ عليه قصص موسىعليه‌السلام و لم يكن هو شاهداً لنزول التوراة عليه و لا حاضراً في الطور لمّا ناداه و كلّمه، و قصّ عليه ما جرى بين موسى و شعيبعليهما‌السلام و لم يكن هو ثاوياً في مدين يتلو عليهم آياته و لكن أنزله و قصّ عليه ما قصّه رحمة منه لينذر به قوماً ما أتاهم من نذير من قبله لأنّهم بسبب كفرهم و فسوقهم في معرض نزول العذاب و أصابه المصيبة فلو لم ينزل الكتاب و لم يبلّغ الدعوة لقالوا:( رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ) و كانت الحجّة لهم على الله سبحانه.

فلمّا جاءهم الحقّ من عنده ببعثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نزول القرآن قالوا:( لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى‏ أَ وَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى‏ مِنْ قَبْلُ ) حين راجعوا أهل الكتاب في أمره فصدّقوه فقال المشركون:( سِحْرانِ تَظاهَرا ) يعنون التوراة و القرآن، و قالوا:( إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ ) .

ثمّ لقّن سبحانه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحجّة عليهم بقوله:( قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى‏ مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) أي إنّ من الواجب في حكمة الله أن يكون هناك كتاب نازل من عندالله يهدي إلى الحقّ و تتمّ به الحجّة على الناس و هم يعرفون فإن لم تكن التوراة و القرآن كتابي هدى و كافيين لهداية الناس فهناك كتاب هو أهدى منهما و ليس كذلك إذ ما في الكتابين من المعارف الحقّة مؤيّدة بالإعجاز و بدلالة البراهين العقليّة. على أنّه ليس هناك كتاب سماويّ هو أهدى منهما فالكتابان كتاباً هدى و القوم في الإعراض عنهما متّبعون للهوى ضالّون عن الصراط المستقيم و هو قوله:( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ ) إلخ.

ثمّ مدح سبحانه قوماً من أهل الكتاب راجعهم المشركون في أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و القرآن فأظهروا لهم الإيمان و التصديق و أعرضوا عن لغو القول الّذي جبّهوهم به.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى‏

٤٨

بَصائِرَ لِلنَّاسِ ) إلخ اللّام للقسم أي اُقسم لقد أعطينا موسى الكتاب و هو التوراة بوحيه إليه.

و قوله:( مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) أي الأجيال السابقة على نزول التوراة كقوم نوح و من بعدهم من الاُمم الهالكة و لعلّ منهم قوم فرعون، و في هذا التقييد إشارة إلى مسيس الحاجة حينئذ إلى نزول الكتاب لاندراس معالم الدين الإلهيّ بمضيّ الماضين و ليشار في الكتاب الإلهيّ إلى قصصهم و حلول العذاب الإلهيّ بهم بسبب تكذيبهم لآيات الله ليعتبر به المعتبرون و يتذكّر به المتذكّرون.

و قوله:( بَصائِرَ لِلنَّاسِ ) جمع بصيرة بمعنى ما يبصره به و كأنّ المراد بها الحجج البيّنة الّتي يبصّر بها الحقّ و يميّز بها بينه و بين الباطل، و هي حال من الكتاب و قيل: مفعول له.

و قوله:( وَ هُدىً ) بمعنى الهادي أو ما يهتدى به و كذا قوله:( وَ رَحْمَةً ) بمعنى ما يرحم به و هما حالان من الكتاب كبصائر، و قيل: كلّ منهما مفعول له.

و المعنى: و اُقسم لقد أعطينا موسى الكتاب و هو التوراة من بعد ما أهلكنا الأجيال الاُولى فاقتضت الحكمة تجديد الدعوة و الإنذار حال كون الكتاب حججاً بيّنة يبصر بها الناس المعارف الحقّة و هدى يهتدون به إليها و رحمة يرحمون بسبب العمل بشرائعه و أحكامه لعلّهم يتذكّرون فيفقهون ما يجب عليهم من الاعتقاد و العمل.

قوله تعالى: ( وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى‏ مُوسَى الْأَمْرَ وَ ما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و الغربيّ صفة محذوفة الموصوف و المراد جانب الوادي الغربيّ أو جانب الجبل الغربيّ.

و قوله:( إِذْ قَضَيْنا إِلى‏ مُوسَى الْأَمْرَ ) كأنّ القضاء مضمّن معنى العهد، و المراد بعهد الأمر إليه - على ما قيل - إحكام أمر نبوّته بإنزال التوراة إليه و أمّا العهد إليه بأصل الرسالة فيدلّ عليه قوله بعد:( وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا ) و قوله:( وَ ما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) تأكيد لسابقه.

و المعنى: و ما كنت حاضراً و شاهداً حين أنزلنا التوراة على موسى في الجانب

٤٩

الغربيّ من الوادي أو الجبل.

قوله تعالى: ( وَ لكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) تطاول العمر تمادي الأمد و الجملة استدراك عن النفي في قوله:( وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ ) ، و المعنى: ما كنت حاضراً هناك شاهداً لما جرى فيه و لكنّا أوجدنا أجيالاً بعده فتمادى بهم الأمد ثمّ أنزلنا عليك قصّته و خبر نزول الكتاب عليه ففي الكلام إيجاز بالحذف لدلالة المقام عليه.

قوله تعالى: ( وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَ لكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) الثاوي المقيم يقال: ثوى في المكان إذا أقام فيه، و الضمير في( عَلَيْهِمُ ) لمشركي مكة الّذين كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلو عليهم آيات الله الّتي تقصّ ما جرى على موسىعليه‌السلام في مدين زمن كونه فيه.

و قوله:( وَ لكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) استدراك من النفي في صدر الآية.

و المعنى: و ما كنت مقيماً في أهل مدين و هم شعيب و قومه مشاهداً لما جرى على موسى هناك تتلو على المشركين آياتنا القاصّة لخبره هناك و لكنّا كنّا مرسلين لك إلى قومك موحين بهذه الآيات إليك لتتلوها عليهم.

قوله تعالى: ( وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَ لكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) إلى آخر الآية، الظاهر من مقابلة الآية لقوله السابق:( وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا ) إلخ، إنّ المراد بهذا النداء ما كان من الشجرة في الليلة الّتي آنس فيها من جانب الطور ناراً.

و قوله:( وَ لكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) إلخ، استدراك عن النفي السابق، و الظاهر أنّ( رَحْمَةً ) مفعول له، و الالتفات عن التكلّم بالغير إلى الغيبة في قوله:( مِنْ رَبِّكَ ) للدلالة على كمال عنايته تعالى بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و قوله:( لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ) الظاهر أنّ المراد بهذا القوم أهل عصر الدعوة النبويّة أو هم و من يقارنهم من آبائهم فإنّ العرب خلت فيهم رسل منهم كهود و صالح و شعيب و إسماعيلعليهم‌السلام .

و المعنى: و ما كنت حاضراً في جانب الطور إذ نادينا موسى و كلّمناه و اخترناه

٥٠

للرسالة حتّى تخبر عن هذه القصّة إخبار الحاضر المشاهد و لكن لرحمة منّا أخبرناك بها لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلّهم يتذكّرون.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا ) إلخ، المراد بما قدّمت أيديهم ما اكتسبوه من السيّئات من طريق الاعتقاد و العمل بدليل ذيل الآية، و المراد بالمصيبة الّتي تصيبهم أعمّ من مصيبة الدنيا و الآخرة فإنّ الإعراض عن الحقّ بالكفر و الفسوق يستتبع المؤاخذة الإلهيّة في الدنيا كما يستتبعها في الآخرة، و قد تقدّم بعض الكلام فيه في ذيل قوله:( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ) الأعراف: ٩٦ و غيره.

و قوله:( فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ ) متفرّع على ما تقدّمه على تقديم عدم إرسال الرسول و جواب لو لا محذوف لظهوره و التقدير: لما أرسلنا رسولاً.

و محصّل المعنى: أنّه لو لا أنّه تكون لهم الحجّة علينا على تقدير عدم إرسال الرسول و أخذهم بالعذاب بما قدّمت أيديهم من الكفر و الفسوق لما أرسلنا إليهم رسولاً لكنّهم يقولون ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولاً فنتّبع آياتك الّتي يتلوها علينا و نكون من المؤمنين.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) إلخ، أي فأرسلنا إليهم الرسول بالحقّ و أنزلنا الكتاب فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا و الظاهر أنّه الكتاب النازل على الرسول و هو القرآن النازل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و المراد بقولهم:( لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) أي لو لا اُوتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل التوراة الّتي اُوتيها موسىعليه‌السلام ، و كأنّهم يريدون به أن ينزّل القرآن جملة واحدة كما حكى الله تعالى عنهم بقوله:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) الفرقان: ٣٢.

و قد أجاب الله عن قولهم بقوله:( أَ وَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى‏ مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا ) يعنون القرآن و التوراة( وَ قالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ ) . و الفرق بين القولين أنّ الأوّل كفر بالكتابين و الثاني كفر بأصل النبوّة و لعلّه الوجه لتكرار( قالُوا ) في الكلام.

٥١

قوله تعالى: ( قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى‏ مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) تفريع على كون القرآن و التوراة سحرين تظاهراً، و لا يصحّ هذا التفريع إلّا إذا كان من الواجب أن يكون بين الناس كتاب من عندالله سبحانه يهديهم و يجب عليهم اتّباعه فإذا كانا سحرين باطلين كان الحقّ غيرهما، و هو كذلك على ما تبيّن بقوله:( وَ لَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ ) إلخ، أنّ للناس على الله أن ينزّل عليهم الكتاب و يرسل إليهم الرسول، و لذلك أمر تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطالبهم بكتاب غيرهما هو أهدى منهما ليتّبعه.

ثمّ الكتابان لو كانا سحرين تظاهراً كانا باطلين مضلّين لا هدى فيهما حتّى يكون غيرهما من الكتاب الّذي يأتون به أهدى منهما - لاستلزام صيغة التفضيل اشتراك المفضّل و المفضّل عليه في أصل الوصف - لكنّ المقام لمّا كان مقام المحاجّة ادّعى أنّ الكتابين هاديان لا مزيد عليهما في الهداية فإن لم يقبل الخصم ذلك فليأت بكتاب يزيد عليهما في معنى ما يشتملان عليه من بيان الواقع فيكون أهدى منهما.

و القرآن الكريم و إن كان يصرّح بتسرّب التحريف و الخلل في التوراة الحاضرة و ذلك لا يلائم عدّها كتاب هدى بقول مطلق لكنّ الكلام في التوراة الواقعيّة النازلة على موسىعليه‌السلام و هي الّتي يصدّقها القرآن.

على أنّ موضوع الكلام هما معاً و القرآن يقوم التوراة الحاضرة ببيان ما فيها من الخلل فهما معاً هدى لا كتاب أهدى منهما.

و قوله:( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) أي في دعوى أنّهما سحران تظاهراً.

قوله تعالى: ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ ) إلى آخر الآية، الاستجابة و الإجابة بمعنى واحد، قال في الكشّاف: هذا الفعل يتعدّى إلى الدعاء بنفسه و إلى الداعي باللّام، و يحذف الدعاء إذا عدّي إلى الداعي في الغالب فيقال: استجاب الله دعاءه أو استجاب له، و لا يكاد يقال: استجاب له دعاءه. انتهى.

فقوله:( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ) تفريع على قوله:( قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى‏ مِنْهُما أَتَّبِعْهُ ) أي فإن قلت لهم كذا و كلّفتهم بذلك فلم يأتوا بكتاب هو أهدى من القرآن

٥٢

و التوراة و تعيّن أن لا هدى أتمّ و أكمل من هداهما و هم مع ذلك يرمونها بالسحر و يعرضون عنهما فاعلم أنّهم ليسوا في طلب الحقّ و لا بصدد اتّباع ما هو صريح حجّة العقل و إنّما يتّبعون أهواءهم و يدافعون عن مشتهيات طباعهم بمثل هذه الأباطيل:( سِحْرانِ تَظاهَرا ) ( إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ ) .

و يمكن أن يكون المراد بقوله:( أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ ) أنّهم إن لم يأتوا بكتاب هو أهدى منهما و هم غير مؤمنين بهما فاعلم أنّهم إنّما يبنون سنّة الحياة على اتّباع الأهواء و لا يعتقدون بأصل النبوّة و أنّ لله ديناً سماويّاً نازلاً عليهم من طريق الوحي و عليهم أن يتّبعوه و يسلكوا مسلك الحياة بهدى ربّهم، و ربّما أيّد هذا المعنى قوله بعد:( وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) إلخ.

و قوله:( وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) استفهام إنكاريّ و المراد به استنتاج أنّهم ضالّون، و قوله:( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) تعليل لكونهم ضالّين باتّباع الهوى فإنّ اتّباع الهوى إعراض عن الحقّ و انحراف عن صراط الرشد و ذلك ظلم و الله لا يهدي القوم الظالمين و غير المهتدي هو الضالّ.

و محصّل الحجّة أنّهم إن لم يأتوا بكتاب هو أهدى منهما و ليسوا مؤمنين بهما فهم متّبعون للهوى، و متّبع الهوى ظالم و الظالم غير مهتد و غير المهتدي ضالّ فهم ضالّون.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) التوصيل تفعيل من الوصل يفيد التكثير كالقطع و التقطيع و القتل و التقتيل، و الضمير لمشركي مكّة و المعنى أنزلنا عليهم القرآن موصولاً بعضه ببعض: الآية بعد الآية، و السورة إثر السورة من وعد و وعيد و معارف و أحكام و قصص و عبر و حكم و مواعظ لعلّهم يتذكّرون.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) الضميران للقرآن و قيل: للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . و الأوّل أوفق للسياق، و في الآية و ما بعدها مدح طائفة من مؤمني أهل الكتاب بعد ما تقدّم في الآيات السابقة من ذمّ المشركين من أهل مكّة.

و سياق ذيل الآيات يشهد على أنّ هؤلاء الممدوحين طائفة خاصّة من أهل الكتاب

٥٣

آمنوا به فلا يعبؤ بما قيل إنّ المراد بهم مطلق المؤمنين منهم.

قوله تعالى: ( وَ إِذا يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا ) إلخ، ضمائر الإفراد للقرآن، و اللّام في( الْحَقُّ ) للعهد و المعنى و إذا يقرأ القرآن عليهم قالوا: آمنّا به إنّه الحقّ الّذي نعهده من ربّنا فإنّه عرّفناه من قبل.

و قوله:( إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ) تعليل لكونه حقّاً معهوداً عندهم أي إنّا كنّا من قبل نزوله مسلمين له أو مؤمنين للدين الّذي يدعو إليه و يسمّيه إسلاماً.

و قيل: الضميران للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ما تقدّم أوفق للسياق، و كيف كان فهم يعنون بذلك ما قرؤه في كتبهم من أوصاف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الكتاب النازل عليه كما يشير إليه قوله تعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ ) الأعراف: ١٥٧ و قوله:( أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ ) الشعراء: ١٩٧.

قوله تعالى: ( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) إلخ في الآية وعد جميل لهم على ما فعلوا و مدح لهم على حسن سلوكهم و مداراتهم مع جهلة المشركين و لذا كان الأقرب إلى الفهم أن يكون المراد بإيتائهم أجرهم مرّتين إيتاؤهم أجر الإيمان بكتابهم و أجر الإيمان بالقرآن و صبرهم على الإيمان بعد الإيمان بما فيهما من كلفة مخالفة الهوى.

و قيل: المراد إيتاؤهم الأجر بما صبروا على دينهم و على أذى الكفّار و تحمّل المشاقّ و قد عرفت ما يؤيّده السياق.

و قوله:( وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) إلخ الدرء الدفع، و المراد بالحسنة و السيّئة قيل: الكلام الحسن و الكلام القبيح، و قيل: العمل الحسن و السيّئ و هما المعروف و المنكر، و قيل: الخلق الحسن و السيّئ و هما الحلم و الجهل، و سياق الآيات أوفق للمعنى الأخير فيرجع المعنى إلى أنّهم يدفعون أذى الناس عن أنفسهم بالمدارأة، و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ )

٥٤

إلخ، المراد باللغو لغو الكلام بدليل تعلّقه بالسمع، و المراد سقط القول الّذي لا ينبغي الاشتغال به من هذر أو سبّ و كلّ ما فيه خشونة، و لذا لمّا سمعوه أعرضوا عنه و لم يقابلوه بمثله و قالوا:( لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ ) و هو متاركة، و قوله:( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) أي أمان منّا لكم، و هو أيضاً متاركة و توديع تكرّماً كما قال تعالى:( وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) .

و قوله:( لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ ) أي لا نطلبهم بمعاشرة و مجالسة، و فيه تأكيد لما تقدّمه، و هو حكاية عن لسان حالهم إذ لو تلفّظوا به لكان من مقابلة السيّئ بالسيّئ.

قوله تعالى: ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) المراد بالهداية الإيصال إلى المطلوب و مرجعه إلى إفاضة الإيمان على القلب و معلوم أنّه من شأنه تعالى لا يشاركه فيه أحد، و ليس المراد بها إراءة الطريق فإنّه من وظيفة الرسول لا معنى لنفيه عنه، و المراد بالاهتداء قبول الهداية.

لمّا بيّن في الآيات السابقة حرمان المشركين و هم قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نعمة الهداية و ضلالهم باتّباع الهوى و استكبارهم عن الحقّ النازل عليهم و إيمان أهل الكتاب به و اعترافهم بالحقّ ختم القول في هذا الفصل من الكلام بأنّ أمر الهداية إلى الله لا إليك يهدي هؤلاء و هم من غير قومك الّذين تدعوهم و لا يهدي هؤلاء و هم قومك الّذين تحبّ اهتداءهم و هو أعلم بالمهتدين.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج البزّار و ابن المنذر و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أهلك الله قوماً و لا قرناً و لا اُمّة و لا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية الّتي مسخت قردة. أ لم تر إلى قوله تعالى:( وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) ؟

أقول: و في دلالة الآية على الإهلاك بخصوص العذاب السماويّ ثمّ انقطاعه

٥٥

بنزول التوراة خفاء.

و فيه في قوله تعالى:( وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا ) الآية أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لمّا قرّب الله موسى إلى طور سيناء نجيّا قال: أي ربّ هل أحد أكرم عليك منّي؟ قرّبتني نجيّا و كلّمتني تكليماً. قال: نعم، محمّد أكرم عليّ منك. قال: فإن كان محمّد أكرم عليك منّي فهل اُمّة محمّد أكرم من بني إسرائيل؟ فلقت لهم البحر و أنجيتهم من فرعون و عمله و أطعمتهم المنّ و السلوى. قال: نعم، اُمّة محمّد أكرم عليّ من بني إسرائيل. قال: إلهي أرنيهم. قال: إنّك لن تراهم و إن شئت أسمعتك صوتهم. قال: نعم إلهي.

فنادى ربّنا اُمّة محمّد أجيبوا ربّكم، فأجابوا و هم في أصلاب آبائهم و أرحام اُمّهاتهم إلى يوم القيامة فقالوا: لبّيك أنت ربّنا حقّاً و نحن عبيدك حقّاً. قال: صدقتم و أنا ربّك و أنتم عبيدي حقّاً قد غفرت لكم قبل أن تدعوني و أعطيتكم قبل أن تسألوني فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلّا الله دخل الجنّة.

قال ابن عبّاس: فلمّا بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يمنّ عليه بما أعطاه و بما أعطى اُمّته فقال: يا محمّد( وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا ) .

أقول: و رواه فيه أيضاً بطرق اُخرى عن غيره، و روى هذا المعنى أيضاً الصدوق في العيون، عن الرضاعليه‌السلام ‏ لكنّ حمل الآية على هذا المعنى يوجب اختلال السياق و فساد ارتباط الجمل المتقدّمة و المتأخّرة بعضها ببعض.

و في البصائر، بإسناده عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) يعني من اتّخذ دينه هواه بغير هدى من أئمّة الهدى.

أقول: و روي مثله بإسناده عن المعلّى عن أبي عبداللهعليه‌السلام و هو من الجري أو من البطن.

و في المجمع في قوله تعالى:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) الآيات، نزل قوله:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) و ما بعده في عبدالله بن سلام و تميم الداريّ و الجارود و العبديّ

٥٦

و سلمان الفارسيّ فإنّهم لمّا أسلموا نزلت فيهم الآيات. عن قتادة.

و قيل: نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل مبعثه اثنان و ثلاثون من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه و ثمانية قدموا من الشام منهم بحيرا و أبرهة و الأشرف و أيمن و إدريس و نافع و تميم.

أقول: و روي غير ذلك.

و فيه في معنى قوله تعالى:( وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) و قيل: يدفعون بالحلم جهل الجاهل. عن يحيى بن سلام، و معناه يدفعون بالمدارأة مع الناس أذاهم عن أنفسهم: و روي مثل ذلك عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج عبد بن حميد و مسلم و الترمذيّ و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقيّ في الدلائل عن أبي هريرة قال: لمّا حضرت وفاة أبي طالب أتاه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا عمّاه قل: لا إله إلّا الله أشهد لك بها عندالله يوم القيامة، فقال: لو لا أن يعيرني قريش يقولون ما حمله عليها إلّا جزعه من الموت لأقررت بها عليك فأنزل الله عليه:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )

أقول: و روي ما في معناه عن ابن عمر و ابن المسيّب و غيرهما، و روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام مستفيضة على إيمانه و المنقول من أشعار مشحون بالإقرار على صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و حقيّة دينه، و هو الّذي آوى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صغيراً و حماه بعد البعثة و قبل الهجرة فقد كان أثر مجاهدته وحده في حفظ نفسه الشريفة في العشر سنين قبل الهجرة يعدل أثر مجاهدة المهاجرين و الأنصار بأجمعهم في العشر سنين بعد الهجرة.

٥٧

( سورة القصص الآيات ٥٧ - ٧٥)

وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا  أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( ٥٧ ) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا  فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا  وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ( ٥٨ ) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا  وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ( ٥٩ ) وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا  وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( ٦٠ ) أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ( ٦١ ) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ( ٦٢ ) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا  تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ  مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ( ٦٣ ) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ  لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ( ٦٤ ) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ( ٦٥ ) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ( ٦٦ ) فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ( ٦٧ ) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ  مَا كَانَ لَهُمُ

٥٨

الْخِيَرَةُ  سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( ٦٨ ) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ( ٦٩ ) وَهُوَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ  وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( ٧٠ ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ  أَفَلَا تَسْمَعُونَ ( ٧١ ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ  أَفَلَا تُبْصِرُونَ ( ٧٢ ) وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ٧٣ ) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ( ٧٤ ) وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( ٧٥ )

( بيان)

تذكر الآيات عذراً آخر ممّا اعتذر به مشركوا مكّة عن الإيمان بكتاب الله بعد ما ذكرت عذرهم السابق:( لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) و ردّته و هو قولهم: إن آمنّا بما جاء به كتابك من الهدى و هو دين التوحيد تخطّفنا مشركو العرب من أرضنا بالقتل و السبي و النهب و سلب الأمن و السلام.

فردّه تعالى بأنّا جعلنا لهم حرماً آمنّا يحترمه العرب و يجبى إليه ثمرات كلّ شي‏ء فلا موجب لخوفهم من تخطّفهم.

على أنّ تنعّمهم بالأموال و الأولاد و بطر معيشتهم لا يضمن لهم الأمن من الهلاك حتّى يرجّحوه على اتّباع الهدى فكم من قرية بطرت معيشتها أهلكها الله و استأصلها

٥٩

و ورثها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلّا قليلاً.

على أنّ الّذي يؤثرونه على اتّباع الهدى إنّما هو متاع الحياة الدنيا العاجلة و لا يختاره عاقل على الحياة الآخرة الخالدة الّتي عندالله سبحانه.

على أنّ الخلق و الأمر لله فإذا اختار شيئاً و أمر به فليس لأحد أن يخالفه إلى ما يشتهيه لنفسه فيختار ما يميل إليه طبعه ثمّ استشهد تعالى بقصّة قارون و خسفه به و بداره الأرض.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى‏ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) إلى آخر الآية. التخطّف الاختلاس بسرعة، و قيل الخطف و التخطّف الاستلاب من كلّ وجه، و كأنّ تخطّفهم من أرضهم استعارة اُريد به القتل و السبي و نهب الأموال كأنّهم و ما يتعلّق بهم من أهل و مال يؤخذون فتخلو منهم أرضهم، و المراد بالأرض أرض مكّة و الحرم بدليل قوله بعد:( أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً ) و القائل بعض مشركي مكّة.

و الجملة مسوقة للاعتذار عن الإيمان بأنّهم إن آمنوا تخطّفتهم العرب من أرضهم أرض مكّة لأنّهم مشركون لا يرضون بإيمانهم و رفض أوثانهم فهو من قبيل إبداء المانع ففيه اعتراف بحقّيّة أصل الدعوة و أنّ الكتاب بما يشتمل عليه حقّ لكنّ خطر التخطّف مانع من قبوله و الإيمان به، و لهذا عبّر بقوله:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى‏ مَعَكَ ) و لم يقل: إن نتّبع كتابك أو دينك أو ما يقرب من ذلك.

و قوله:( أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً ) قيل: التمكين مضمّن معنى الجعل و المعنى أ و لم نجعل لهم حرماً آمنا ممكّنين إيّاهم، و قيل: حرماً منصوباً على الظرفيّة و المعنى: أ و لم نمكّن لهم في حرم، و( آمِناً ) صفة( حَرَماً ) أي حرماً ذا أمن، و عدّ الحرم ذا أمن - و المتلبّس بالأمن أهله - من المجاز في النسبة، و الجملة معطوفة على محذوف و التقدير أ و لم نعصمهم و نجعل لهم حرماً آمنّا ممكّنين إيّاهم.

و هذا جواب أوّل منه تعالى لقولهم:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى‏ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) و محصّله: أنّا مكّنّاهم في أرض جعلناها حرماً ذا أمن تحترمه العرب فلا موجب لخوفهم أن يتخطّفوا منها إن آمنوا.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

( أحكام الصلاة )

الصلوات الواجبة في زمان غيبة امام العصر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ خمسة انواع :

(1) الصلوات اليومية وتندرج فيها صلاة الجمعة كما سيأتي.

(2) صلاة الآيات.

(3) صلاة الطواف الواجب.

(4) الصلاة الواجبة بالاجارة والنذر ، والعهد واليمين ونحو ذلك.

(5) الصلاة على الميت ، وتضاف إلى هذه : الصلاة الفائتة عن الوالد فان ـ الأحوط وجوباً ـ ان يقضيها عنه ولده الأكبر على تفصيل يأتي في محله.

١٠١

( صلاة الجمعة )

وهي ركعتان كصلاة الصبح ، وتجب قبلها خطبتان يلقيهما الإمام ففي الأولى : منهما يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويوصي بتقوى الله ، ويقرأ سورة قصيرة من الكتاب العزيز ثم يجلس قليلاً ، وفي الثانية يقوم ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ـ والأحوط استحباباً ـ أن يضم إلى ذلك الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات.

( مسألة 176 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ إتيان الحمد والصلاة من الخطبة باللغة العربية ، وأما غيرهما من أجزائها كالثناء على الله والوصية بالتقوى فيجوز إتيانها بغير العربية أيضاً ، بل ـ الأحوط لزوماً ـ فيما إذا كان أكثر الحضور غير عارفين باللغة العربية أن تكون الوصية بتقوى الله تعالى باللغة التي يفهمونها.

( مسألة 177 ) : صلاة الجمعة واجبة تخييراً ، ومعنى ذلك ان المكلف يوم الجمعة مخير بين الاتيان بصلاة الجمعة على النحو الذي تتوفر فيه شروطها الآتية ، وبين الاتيان بصلاة الظهر ولكن الإتيان بالجمعة أفضل ، فإذا أتى بها بشروطها أجزأت عن الظهر.

( مسألة 178 ) : تعتبر في صحة صلاة الجمعة الجماعة ، فلا تصح فرادى.

( مسألة 179 ) : يشترط في جماعة الجمعة عدد خاص وهو خمسة نفر

١٠٢

أحدهم الامام ، فلا تصح الجمعة ما لم يكن المجتمعون خمسة نفر من المسلمين أحدهم الإمام.

( مسألة 180 ) : يشترط في صحة صلاة الجمعة استجماعها للأمور الآتية المعتبرة في صلاة الجماعة ، ومنها ان يكون الإمام جامعاً لشروط الإمامة من العدالة وغيرها ، فلا تصح الجمعة إذا لم يكن الامام جامعاً للشروط.

( مسألة 181 ) : تعتبر في صحة الجمعة في بلد أن لا تكون المسافة بينها وبين جمعة اخرى اقل من فرسخ ( ½5 كم تقريباً ) ، فلو اقيمت جمعة اخرى فيما دون فرسخ بطلتا جميعاً إن كانتا مقترنتين زماناً ، وأما إذا كانت أحداهما سابقة على الاُخرى ولو بتكبيرة الاحرام صحت السابقة دون اللاحقة.

( مسألة 182 ) : اقامة الجمعة إنما تكون مانعة عن جمعة اخرى في تلك المسافة إذا كانت صحيحة وواجدة للشرائط ، وأما إذا لم تكن واجدة لها فلا تمنع عن ذلك.

( مسألة 183 ) : إذا اقيمت الجمعة في بلد واجدة للشرائط فإن كان من اقامها الامامعليه‌السلام أو من يمثله وجب الحضور فيها تعييناً ، وان كان غيره لم يجب الحضور ، بل يجوز الاتيان بصلاة الظهر ولو في اول وقتها.

( مسألة 184 ) : لا يجب الحضور على المرأة ولا على المسافر ـ وإن كانت وظيفته الاتمام ـ ولا على المريض ، ولا على الأعمى ، ولا على الشيخ الكبير ، ولا على من كان بينه وبين الجمعة اكثر من فرسخين ( 11 كم تقريباً ) ولا على من كان الحضور عليه حرجياً لمطر ، أو برد شديد ، أو نحوهما ، فهؤلاء جميعاً لا يجب عليهم الحضور في صلاة الجمعة حتى في فرض وجوبها تعييناً الذي تقدم بيانه في المسألة السابقة.

١٠٣

( النوافل اليومية )

يستحب التنفل في اليوم والليلة بأربع وثلاثين ركعة : ثمان ركعات لصلاة الظهر قبلها ، وثمان ركعات لصلاة العصر كذلك ، وأربع ركعات بعد صلاة المغرب ، وركعتان بعد صلاة العشاء من جلوس وتحسبان بركعة ، وثمان ركعات نافلة الليل ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بها بعد منتصف الليل والأفضل اداؤها قريباً من الفجر الصادق ، وركعتا الشفع بعد صلاة الليل ، وركعة الوتر بعد الشفع ، وركعتان نافلة الفجر قبل فريضته ، ولا يبعد ان يكون مبدأ وقتها مبدأ وقت صلاة الليل ـ بعد مضي مقدار يتمكن المكلف من الاتيان بها ـ ويمتد إلى قبيل طلوع الشمس.

( مسألة 185 ) : النوافل ركعتان ركعتان ـ إلاّ صلاة الوتر فإنها ركعة واحدة ويجوز الاتيان بها متصلة بالشفع أيضاً ـ ويستحب فيها القنوت ولكن يؤتى به في صلاة الشفع رجاءً ، ويجوز الاكتفاء فيها بقراءة الحمد من دون سورة ، كما يجوز الاكتفاء ببعض انواعها دون بعض ، بل يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشفع والوتر بل على الوتر خاصة ، وفي نافلة العصر على أربع ركعات بل ركعتين ، وإذا اريد التبعيض في غير هذه الموارد ـ فالأحوط لزوماً ـ الاتيان به بقصد القربة المطلقة حتى في الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين.

والأولى أن يقنت في صلاة الوتر بالدعاء الآتي : « لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ

١٠٤

الكَريم ، لا إله إلاّ اللهُ العَليّ العَظيم ، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ السمواتِ السَبْع ، وَربّ الأرضينَ السبع ، وَما فيهن وما بَيْنَهُنّ ، وَرَبُّ العَرش العَظيم ، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين » ، وان يدعو لأربعين مؤمناً ، وان يقول : « أَسْتَغْفِرُ اللهَ رَبّي وَأَتوبُ إليه » سبعين مرة ، وأن يقول : « هذا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النّار » سبع مرات ، وأن يقول : « العفو » ثلاثمائة مرة.

( مسألة 186 ) : تسقط ـ في السفر ـ نوافل الظهر والعصر بل والعشاء أيضاً ، ولا تسقط بقية النوافل ، ويجوز أن يأتي بنافلة العشاء رجاءً.

( مسألة 187 ) : صلاة الغفيلة ركعتان ما بين فرضي المغرب والعشاء ، يقرأ في الركعة الأولى بعد سورة الحمد( وَذَا النّونِ إذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَليه ، فَنَادى في الظُّـلُماتِ اَنْ لا إلهَ إلاّ أنت سُبْحانَك إنّي كُنْتُ من الظّالِمين ،فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجّيْناهُ مِنَ الغَمّ وَكَذَلِكَ نُنْجي المُؤمِنين ) ويقرأ في الركعة الثانية بعد سورة الحمد( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعْلَمُها إلاّ هو ،وَيَعْلَمُ مَا في البَرِّ والبَحرِ ،وما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاّ يَعْلَمُها ،ولا حَبّةٍ في ظُلُماتِ الأرضِ ،ولا رَطْبٍ ولا يابِسٍ إلاّ في كِتَابٍ مُبِين ) ثم يقنت فيقول : « اللّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ بِمَفاتِحِ الغَيبِ التي لا يَعْلَمُها إلاّ أَنْتَ أنْ تُصلي عَلى مُحمد وَآل مُحمد » ويطلب حاجته ويقول : « اللّهم أنت وَليّ نِعْمَتي والقادِرُ على طَلِبَتي تَعْلَمُ حاجَتي فَاسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي » ويجوز أن يأتي بهاتين الركعتين بقصد نافلة المغرب أيضاً فتجزى عنهما جميعاً.

١٠٥

( مقدمات الصلاة )

مقدمات الصلاة خمس :

1 ـ الوقت

( مسألة 188 ) : وقت صلاة الظهرين من زوال الشمس إلى الغروب ، وتختص صلاة الظهر من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص صلاة العصر من آخره بمقدار ادائها ، ولا تزاحم كل منهما الاُخرى وقت اختصاصها ، ولو صلى الظهر قبل الزوال معتقداً دخول الوقت ثم علم بدخوله وهو في الصلاة صحت صلاته ، وجاز له الاتيان بصلاة العصر بعدها وإن كان ـ الأحوط استحباباً ـ إتمامها وإعادتها.

( مسألة 189 ) : يعتبر الترتيب بين الصلاتين ، فلا يجوز تقديم العصر على الظهر عمداً ، نعم إذا صلى العصر قبل ان يأتي بالظهر لنسيان ونحوه صحت صلاته ، فإن التفت في اثناء الصلاة عدل بها إلى الظهر وأتم صلاته وإن التفت بعد الفراغ صحت عصراً وأتى بالظهر بعدها.

( مسألة 190 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تأخير صلاة الظهرين إلى سقوط قرص الشمس ، نعم مع الشك في سقوط القرص واحتمال اختفائه بالأبنية ونحوها يجوز التأخير والاتيان بهما قبل زوال الحمرة المشرقية.

( مسألة 191 ) : وقت صلاة العشاءين للمختار من أول المغرب إلى نصف الليل ( منتصف ما بين غروب الشمس والفجر ) وتختص صلاة

١٠٦

المغرب من أوله بمقدار أدائها ، كما تختص العشاء من آخره بمقدار أدائها نظير ما تقدم في الظهرين ، وأما المضطر لنوم أو نسيان ، أو حيض أو غيرها فيمتد وقتهما له إلى الفجر ، وتختص العشاء من آخره بمقدار أدائها ، ويعتبر الترتيب بينهما ، ولكنه لو صلى العشاء قبل أن يصلي المغرب لنسيان ونحوه ولم يتذكر حتى فرغ منها صحت صلاته ، وأتى بصلاة المغرب بعدها ولو كان في الوقت المختص بالعشاء.

( مسألة 192 ) : لا يجوز تقديم صلاة المغرب على زوال الحمرة المشرقية عند الشك في سقوط قرص الشمس واحتمال استتاره بحاجب كالجبال ، والأبنية والأشجار بل ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقديمها عليه حتى مع العلم بسقوط القرص ، والأولى عدم تأخيرها عن ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية.

( مسألة 193 ) : إذا دخل في صلاة العشاء ، ثم تذكر انه لم يصلّ المغرب عدل بها إلى صلاة المغرب إذا كان تذكره قبل ان يدخل في ركوع الركعة الرابعة ، وإذا كان تذكره بعده صحت صلاته عشاءً ويأتي بعدها بصلاة المغرب ، وقد مرّ آنفاً حكم التذكر بعد الصلاة.

( مسألة 194 ) : إذا لم يصل صلاة المغرب أو العشاء إختياراً حتى انتصف الليل ـ فالأحوط وجوباً ـ ان يصليها قبل أن يطلع الفجر بقصد ما في الذمة ، من دون نية الأداء أو القضاء ، ومع ضيق الوقت يأتي بالعشاء ثم يقضيها بعد قضاء المغرب ـ احتياطاً وجوبياً ـ.

( مسألة 195 ) : وقت صلاة الفجر من الفجر إلى طلوع الشمس ، ويعرف الفجر باعتراض البياض في الاُفق المتزايد وضوحاً وجلاءً ويسمى بالفجر الصادق.

١٠٧

( مسألة 196 ) : وقت صلاة الجمعة أول الزوال عرفاً من يوم الجمعة ، ولو لم يصلها في هذا الوقت لزمه الاتيان بصلاة الظهر.

( مسألة 197 ) : يعتبر في جواز الدخول في الصلاة ان يستيقن بدخول الوقت ، أو تقوم به البينة ، ويجتزأ بالاطمينان الحاصل من اذان الثقة العارف بالوقت ، أو من اخباره أو من سائر المناشىء العقلائية ، ولا يكتفى بالظن وان كان للمكلف مانع شخصي عن معرفة الوقت ، كالعمى والحبس ، بل وان كان المانع نوعياً ـ كالغيم ـ على ـ الأحوط لزوماً ـ فلا بد في الحالتين من تأخير الصلاة إلى حين الاطمينان لدخول الوقت.

( مسألة 198 ) : إذا صلى معتقداً دخول الوقت بأحد الأمور المذكورة ثم انكشف له أنّ الصلاة وقعت بتمامها خارج الوقت بطلت صلاته ، نعم إذا علم أنّ الوقت قد دخل وهو في الصلاة صحت صلاته ، وإذا صلى غافلاً وتبين دخول الوقت في الأثناء لم تصح ولزمه اعادتها.

( مسألة 199 ) : لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها اختياراً ، ولا بد من الاتيان بجميعها في الوقت ، ولكنه لو أخرها عصياناً أو نسياناً حتى ضاق الوقت وتمكن من الاتيان بها فيه ولو بركعة وجبت المبادرة إليها وكانت الصلاة اداءً.

( مسألة 200 ) : يجوز التنفّل في وقت الفريضة ـ والأحوط الأولى ـ الاتيان بالفريضة أوّلاً في غير النوافل اليومية السابقة على الفريضة.

2 ـ القبلة وأحكامها

( مسألة 201 ) : يجب استقبال القبلة مع الإمكان في جميع الفرائض

١٠٨

وتوابعها من الأجزاء المنسية ، وصلاة الاحتياط ، دون سجدتي السهو ، وأما النوافل فلا يعتبر فيها الاستقبال حال المشي أو الركوب ـ والأحوط وجوباً ـ اعتباره فيها حال الاستقرار ، والقبلة هي المكان الواقع فيه البيت الشريف ويتحقق استقباله بمحاذاة عينه مع التمكن من تمييزها ، والمحاذاة العرفية عند عدم التمكن من ذلك.

( مسألة 202 ) : ما كان من الصلوات واجبة زمان حضور الامامعليه‌السلام كصلاة العيدين يعتبر فيها استقبال القبلة وان كانت مستحبة فعلاً ، وأما ما عرض عليه الوجوب بنذر وشبهه فلا يعتبر فيه الاستقبال حال المشي والركوب.

( مسألة 203 ) : يجب العلم باستقبال القبلة ، وتقوم البينة مقامه إذا كانت مستندة إلى المبادىء الحسية أو ما بحكمها ، كالاعتماد على الآلات المستحدثة لتعيين القبلة ، والظاهر حجيّة قول الثقة من أهل الخبرة في تعيين القبلة ، وان لم يفد الظن حتى مع التمكن من تحصيل العلم بها ، ومع عدم التمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه يجب ان يبذل المكلف جهده في معرفتها ويعمل على ما يحصل له من الظن ، ومع عدم التمكن منه أيضاً يجزئ التوجه إلى ما يحتمل وجود القبلة فيه ـ والأحوط استحباباً ـ ان يصلي إلى أربع جهات.

( مسألة 204 ) : إذا ثبت له بوجه شرعي ان القبلة في جهة فصلى إليها ، ثم إنكشف له الخلاف فان كان انحرافه عنها لم يبلغ حد اليمين أو اليسار توجه إلى القبلة وأتم صلاته فيما إذا كان الانكشاف اثناء الصلاة ، وإذا كان بعد الفراغ منها لم تجب الاعادة ، وأما إذا بلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار أو كانت صلاته إلى دبر القبلة ، فان كان الانكشاف قبل مضي الوقت أعادها ،

١٠٩

ولا يجب القضاء إذا انكشف الحال بعد مضي الوقت وان كان ـ أحوط استحباباً ـ.

3 ـ الطهارة في الصلاة

( مسألة 205 ) : تعتبر في الصلاة طهارة ظاهر البدن حتى الظفر والشعر وطهارة اللباس ، نعم لا بأس بنجاسة ما لا تتم فيه الصلاة من اللباس كالقلنسوة ، والتكة ، والجورب ، بشرط أن لا يكون متخذاً من الميتة النجسة ، ولا نجس العين ، كالكلب على ـ الأحوط وجوباً ـ ولا بأس بحمل النجس والمتنجس في الصلاة كان يضع منديله المتنجس في جيبه.

( مسألة 206 ) : لا بأس بنجاسة البدن أو اللباس من دم القروح أو الجروح قبل البرء ، ولا سيما إذا كان التطهير أو التبديل حرجياً نوعاً ، نعم يعتبر في الجرح أن يكون مما يعتد به وله ثبات واستقرار ، وأما الجروح الجزئية فيجب تطهيرها إلاّ فيما سيأتي.

( مسألة 207 ) : لا بأس بالصلاة في الدم إذا كان اقل من الدرهم ـ أي ما يساوي عقد الابهام ـ بلا فرق بين اللباس والبدن ، ولا بين اقسام الدم ، ويستثنى من ذلك دم الحيض ، ويلحق به ـ على الأحوط لزوماً ـ دم نجس العين والميتة والسباع ، بل مطلق غير مأكول اللحم ، ودم النفاس والاستحاضة فلا يعفى عن قليلها أيضاً ، وإذا شك في دم انه أقل من الدرهم أم لا بنى على العفو عنه ، إلاّ إذا كان مسبوقاً بالأكثرية عن المقدار المعفو عنه ، وإذا علم انه اقل من الدرهم وشك في كونه من الدماء المذكورة المستثناة فلا بأس بالصلاة فيه.

١١٠

( مسألة 208 ) : إذا صلى جاهلاً بنجاسة البدن أو اللباس ، ثم علم بها بعد الفراغ منها صحت صلاته إذا لم يكن شاكاً فيها قبل الصلاة ، أو شك وفحص ولم يحصل له العلم بها ، وأما الشاك غير المتفحص ـ فالأحوط لزوماً ـ فيما إذا وجد النجاسة بعد الصلاة ان يعيدها في الوقت ويقضيها في خارجه ، وإذا علم بالنجاسة في الأثناء فان احتمل حدوثها بعد الدخول في الصلاة وتمكن من التجنب عنها بالتبديل أو التطهير ، أو النزع على نحو لا ينافي الصلاة فعل ذلك وأتم صلاته ولا شيء عليه ، وان لم يتمكن منه فان كان الوقت واسعاً استأنف الصلاة على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان ضيقاً اتمها مع النجاسة ولا شيء عليه ، وإن علم ان النجاسة كانت قبل الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ استينافها مع سعة الوقت ، وأما مع ضيقه حتى عن ادراك ركعة فإن أمكن التجنب عن النجاسة بالتبديل أو التطهير أو النزع ، من غير لزوم المنافي فعل ذلك واتم الصلاة ، وإلاّ صلى معها وتصح صلاته.

( مسألة 209 ) : إذا علم بنجاسة البدن أو اللباس فنسيها وصلى ، فان كان نسيانه ناشئاً عن الاهمال وعدم التحفظ ـ فالأحوط لزوماً ـ أن يعيد الصلاة ، سواءً تذكر في اثنائها أم بعد الفراغ منها ، وهكذا لو تذكر بعد مضي الوقت ، وأما إذا لم يكن منشأ نسيانه الاهمال فحكمه حكم الجاهل بالموضوع وقد تقدم في المسألة السابقة.

( مسألة 210 ) : تجب في الصلاة الطهارة من الحدث بالوضوء أو الغسل أو التيمم ، وقد مرّ تفصيل ذلك في مسائل الوضوء والغسل والتيمم.

4 ـ مكان المصلي

( مسألة 211 ) : يعتبر في مكان المصلي اباحته ، فلا تصح الصلاة في

١١١

المكان المغصوب على ـ الأحوط لزوماً ـ وان كان الركوع والسجود بالإيماء ، ويختص هذا الحكم بالعالم العامد ، فلو صلى من المغصوب غافلاً أو جاهلاً بغصبيته ، أو ناسياً لها ولم يكن هو الغاصب صحت صلاته.

( مسألة 212 ) : إذا أوصى الميت بصرف الثلث من تركته في مصرف ما وعيّن الثلث من دار أو بستان أو دكان ونحوها لم يجز التصرف فيه قبل اخراج الثلث ، فلا يجوز الوضوء أو الغسل ، أو الصلاة في ذلك المكان.

( مسألة 213 ) : إذا كان الميت مشغول الذمة بدين أو زكاة أو نحوهما من الحقوق المالية ـ عدا الخمس ـ لم يجز التصرف في تركته بما ينافي أداء الحق منها ، سواء أكان مستوعباً لها أم لا ، وأما التصرف بمثل الصلاة في داره فالظاهر جوازه باذن الورثة. وإذا كان مشغول الذمة بالخمس فان كان ممن يدفع الخمس جرى عليه ما تقدم ، وان كان ممن لا يدفعه ـ عصياناً أو اعتقاداً منه بعدم وجوبه ـ لم يجب على وارثه المؤمن ابراء ذمته وجاز له التصرف في التركة.

( مسألة 214 ) : لا تجوز الصلاة ولا سائر التصرفات في مال الغير إلاّ برضاه وطيب نفسه ، وهو يستكشف بوجوه :

(1) الإذن الصريح من المالك.

(2) الإذن بالفحوى ، فلو أذن له بالتصرف في داره ـ مثلاً ـ بالجلوس والأكل والشرب والنوم فيها ، وقطع بكونه ملازماً للاذن بالصلاة جاز له أن يصلي فيها ، وان لم يأذن للصلاة صريحاً.

(3) شاهد الحال ، وذلك بأن تدل القرائن على رضا المالك بالتصرف في ماله ولو لم يكن ملتفتاً إليه فعلاً لنوم أو غفلة بحيث يعلم او يطمأن بانّه

١١٢

لو التفت لأذن.

( مسألة 215 ) : لا بأس بالصلاة في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً ، كما لا بأس بالوضوء من مائها وان لم يعلم رضا المالك به ، بل وان علم كراهته ـ سواء أكان كاملاً أم قاصراً ، صغيراً أم مجنوناً ـ وبحكمها أيضاً الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب فيجوز الدخول إليها والصلاة فيها وإن لم يعلم رضا المالك ، نعم إذا علم كراهته أو كان قاصراً ـ فالأحوط لزوماً ـ الاجتناب عنها ، ولا بأس أيضاً بالصلاة في البيوت المذكورة في القرآن والأكل منها ما لم يحرز كراهة المالك ، وتلك البيوت بيوت الأب والأم ، والأخ والاخت ، والعم والعمة ، والخال والخالة والصديق ، والبيت الذي يكون مفتاحه بيد الانسان.

( مسألة 216 ) : الأرض المفروشة لا تجوز الصلاة عليها إذا كان الفرش أو الأرض مغصوباً ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 217 ) : الأرض المشتركة لا تجوز فيها الصلاة ولا سائر التصرفات ، إذا لم يأذن جميع الشركاء ، ولو صلى بطلت على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 218 ) : العبرة في الأرض المستأجرة باجازة المستأجر دون المؤجر.

( مسألة 219 ) : إذا كانت الأرض المملوكة متعلقة لحق الغير وكان الحق مما ينافيه مطلق التصرف في متعلقه حتى بمثل الصلاة فيه ـ كحق السكنى ـ فلا بد في جواز التصرف فيها من اجازة المالك وذي الحق معاً.

( مسألة 220 ) : المحبوس في الأرض المغصوبة ـ إذا لم يتمكن من

١١٣

التخلص من دون ضرر أو حرج ـ تصح صلاته فيها ، ويصلي صلاة المختار إذا لم تستلزم تصرفاً زائداً على الكون فيها على الوجه المتعارف ، وإلاّ صلى بما يمكنه من دون تصرف زائد.

( مسألة 221 ) : يعتبر في مكان المصلي ان لا يكون نجساً على نحو تسري النجاسة منه إلى اللباس أو البدن نجاسة غير معفو عنها ، ومع عدم السراية كذلك لا بأس بالصلاة عليها ، نعم تعتبر الطهارة في مسجد الجبهة كما سيأتي.

( مسألة 222 ) : لا يجوز استدبار قبور المعصومين : في حال الصلاة وغيرها إذا عدّ هتكاً لحرمتهم واساءة للأدب معهم.

( مسألة 223 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ عدم تقدم المرأة على الرجل ولا محاذاتهما في الصلاة في مكان واحد فيلزم ، تأخرها عنه ـ ولو بمقدار يكون مسجد جبهتها محاذياً لركبتيه في حال السجود ـ أو يكون بينهما حائل ، أو مسافة أكثر من عشرة اذرع بذراع اليد ( ½4 متراً تقريباً ).

( مسألة 224 ) : تستحب الصلاة في المساجد للرجال والنساء ، وان كان الأفضل للمرأة ان تختار الصلاة في المكان الأستر حتى في بيتها.

5 ـ لباس المصلي

( مسألة 225 ) : يعتبر في الصلاة ستر العورة ، وهي في الرجل القبل ( القضيب والبيضتان ) والدبر ، وفي المرأة جميع بدنها غير الوجه ـ بالمقدار الذي لا يستره الخمار عادة مع ضربه على الجيب ـ واليدين إلى الزند ، والرجلين إلى أول جزء من الساق ، ولا يعتبر ستر الرأس وشعره والرقبة في

١١٤

صلاة غير البالغة.

( مسألة 226 ) : يكفي في الساتر الصلاتي في حال الإختيار مطلق ما يخرج المصلي عن كونه عارياً ، كالورق والحشيش ، والقطن والصوف غير المنسوجين ، بل الطين إذا كان من الكثرة بحيث لا يصدق معه كون المصلي عارياً ، وأما في حال الاضطرار فيجزي التلطخ بالطين ونحوه.

( مسألة 227 ) : إذا انكشف له اثناء الصلاة ان عورته لم تستر فعلاً وجبت المبادرة إلى سترها ـ مع عدم الاشتغال بشيء من الصلاة في حال الانكشاف على ـ الأحوط لزوماً ـ وتصح صلاته ، كما تصح أيضاً إذا كان الانكشاف بعد الفراغ من الصلاة.

( مسألة 228 ) : إذا لم يتمكن المصلي من الساتر بوجه فإن تمكن من الصلاة قائماً مع الركوع والسجود بحيث لا تبدو سوأته للغير المميِّز ـ إما لعدم وجوده أو لظلمة ـ أو نحوها ـ اتى بها كذلك ، ولو اقتضى التحفظ على عدم بدوّ سوءته ترك القيام والركوع والسجود صلى جالساً مومياً ، ولو اقتضى ترك واحد من الثلاثة تركه واتى ببدله فيومي بالرأس بدلاً عن الركوع والسجود ، ويجلس بدلاً عن القيام ، ـ والأحوط لزوماً ـ للعاري ستر السوأتين ببعض اعضائه كاليد في حال القيام ، والفخذين في حال الجلوس.

١١٥

( شروط لباس المصلي )

يشترط في لباس المصلي أمور :

( الأوّل ) : الطهارة وقد مرّ تفصيله في المسألة (205) وما بعدها.

( الثاني ) : اباحته على ـ الأحوط لزوماً ـ فيما كان ساتراً للعورة فعلاً واستحباباً في غيره.

( مسألة 229 ) : إذا صلى في ثوب جاهلاً بغصبيته ثم انكشف له ذلك صحت صلاته ، وكذلك إذا كان ناسياً وتذكر بعد الصلاة إذا لم يكن هو الغاصب وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ إعادتها.

( مسألة 230 ) : إذا اشترى ثوباً بما فيه الخمس كان حكمه حكم المغصوب ، وأما إذا اشترى بما فيه حق الزكاة فلا يلحقه حكمه كما سيأتي في المسألة (551).

( الثالث ) : أن لا يكون من اجزاء الميتة التي تحلها الحياة من دون فرق بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم فيه الصلاة على الأحوط وجوباً ، ويختص هذا الحكم بالميتة النجسة وان كان ـ الأحوط الأولى ـ الاجتناب عن الميتة الطاهرة أيضاً ، وأما ما لا تحله الحياة من ميتة حيوان يحل أكل لحمه ـ كالشعر والصوف ـ فلا بأس بالصلاة فيه.

( مسألة 231 ) : يجوز حمل ما تحله الحياة من اجزاء الميتة النجسة في الصلاة وان كان ملبوساً ، كأن يضع الثوب المتخذ من جلد الميتة في جيبه.

١١٦

( مسألة 232 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد المسلم يحكم عليه بالتذكية ويجوز اكله بشرط اقترانها بما يقتضي تصرفه فيه تصرفاً يناسب التذكية ، وفي حكم المأخوذ من يد المسلم ما صنع في أرض غلب فيها المسلمون ، وما يوجد في سوق المسلمين إذا لم يعلم ان المأخوذ منه غير مسلم ، وأما ما يوجد مطروحاً في أرضهم فيحكم بطهارته ولا يحكم بحليته على ـ الأحوط لزوماً ـ إلاّ مع الاطمينان بسبق احد الأمور الثلاثة.

( مسألة 233 ) : اللحم أو الجلد ونحوهما المأخوذ من يد الكافر أو المجهول إسلامه ، وما وجد في بلاد الكفر ، وما اخذ من يد المسلم مما علم انه قد أخذه من يد الكافر ولم يحرز تذكيته لا يجوز أكله ، ولكن يجوز بيعه ويحكم بطهارته وبجواز الصلاة فيه إذا احتمل ان يكون مأخوذاً من الحيوان المذكى.

( مسألة 234 ) : تجوز الصلاة في ما لم يحرز انه جلد حيوان ، وان اخذ من يد الكافر.

( مسألة 235 ) : إذا صلى في ثوب ثم علم بعد الصلاة أنه كان متخذاً من الميتة النجسة صحت صلاته ، إلاّ اذا كان شاكاً ولم يفحص قبل الدخول في الصلاة حسبما تقدم في المسألة (208) ، واما إذا نسي ذلك وتذكره بعد الصلاة ـ فالأحوط لزوماً ـ إعادتها ـ سواء أكان الثوب مما تتم فيه الصلاة أم لا ـ إذا كان نسيانه ناشئاً من اهماله وعدم تحفظه وإلاّ فلا شيء عليه.

( الرابع ) : ان لا يكون من اجزاء السباع ، بل مطلق ما لا يؤكل لحمه من الحيوان على ـ الأحوط وجوباً ـ ويختص المنع بما تتم الصلاة فيه وان كان الاجتناب عن غيره أيضاً ـ أحوط استحباباً ـ وتجوز الصلاة في جلد

١١٧

الخز والسنجاب ووبرهما وإن كانا من غير مأكول اللحم.

( مسألة 236 ) : لا بأس بالصلاة في شعر الانسان ، سواء أكان من نفس المصلي أو من غيره.

( مسألة 237 ) : لا بأس بالصلاة في الشمع والعسل ، والحرير غير الخالص ودم البق والبرغوث والقمل ونحوها من الحيوانات التي لا لحم لها.

( مسألة 238 ) : لا بأس بالصلاة في ما يحتمل انه من غير مأكول اللحم ، وكذلك ما لا يعلم انه من أجزاء الحيوان. وما لا يعلم كون الحيوان المتخذ منه ذا لحم عرفاً.

( مسألة 239 ) : إذا صلى في ما لا يؤكل لحمه جهلاً أو نسياناً حتى فرغ من الصلاة صحت صلاته إلاّ إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير فانه تجب عليه الاعادة.

( الخامس ) : ان لا يكون لباس الرجل من الذهب الخالص ، أو المغشوش دون الممّوه والمطّلي الذي يعد الذهب فيه لوناً محضاً ، والمراد باللباس هنا كل ما يطلق على استعماله عنوان ( اللبس ) عرفاً وان لم يكن من الثياب كالخاتم والزناجير المعلقة ، والساعة اليدوية ، نعم لا بأس بحمل الذهب في الصلاة ، ومن هذا القبيل حمل الساعة الذهبية الجيبية.

( مسألة 240 ) : يحرم لبس الذهب للرجال في غير حال الصلاة أيضاً ، والأحوط لزوماً ترك التزيُّن به مطلقاً حتى فيما لا يطلق عليه اللبس عرفاً كجعل ازرار اللباس من الذهب ، أو جعل مقدم الاسنان منه ، نعم لا بأس بشدها به أو جعل الأسنان الداخلية منه.

١١٨

( مسألة 241 ) : إذا شك في فلزّ ولم يعلم انه من الذهب جاز لبسه في نفسه ولا يضر بالصلاة.

( مسألة 242 ) : لا فرق في حرمة لبس الذهب وابطاله الصلاة بين أن يكون ظاهراً أو لا.

( مسألة 243 ) : إذا صلى في فلزّ لم يعلم انه من الذهب أو نسيه ثم التفت إليه بعد الصلاة صحت صلاته.

( السادس ) : ان لا يكون لباس الرجل الذي تتم فيه الصلاة من الحرير الخالص ، وأما إذا امتزج بغيره ولم يصدق عليه الحرير الخالص جاز لبسه والصلاة فيه.

( مسألة 244 ) : لا بأس بأن يكون سجاف الثوب ونحوه من الحرير الخالص ـ والأحوط استحباباً ـ ان لا يزيد عرضه على أربعة اصابع مضمومة.

( مسألة 245 ) : لا بأس بحمل الحرير في الصلاة ، وان كان مما تتم الصلاة فيه.

( مسألة 246 ) : لا يجوز للرجال لبس الحرير الخالص في غير حال الصلاة أيضاً ، نعم لا بأس به في الحرب والضرورة والحرج كالبرد والمرض ونحوهما ، وفي هذه الموارد تجوز الصلاة فيه أيضاً.

( مسألة 247 ) : إذا صلى في الحرير جهلاً أو نسياناً ، ثم انكشف له الحال بعد الصلاة صحت صلاته.

( مسألة 248 ) : إذا شك في لباس ولم يعلم انه من الحرير ، جاز لبسه والصلاة فيه.

١١٩

( مسألة 249 ) : تختص حرمة لبس الذهب والحرير بالرجال ـ كما تقدم ـ ولا بأس به للنساء في الصلاة وفي غيرها ، وكذلك الأطفال الذكور فيجوز للولي ان يلبسهم الذهب والحرير وتصح صلاتهم فيهما.

( مسألة 250 ) : يحرم لبس لباس الشهرة ، وهو اللباس الذي يظهر المؤمن في شنعة وقباحة وفظاعة عند الناس ، لحرمة هتك المؤمن نفسه واذلاله اياها.

( مسألة 251 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ ان لا يتزيّ اي من الرجل والمرأة بزيّ الآخر في اللباس ، وأما لبس الرجل بعض ملابس المرأة لغرض آخر ـ وكذا العكس ـ فلا بأس به ، وفيما إذا حرم اللبس لم يضر بصحة الصلاة مطلقاً وإن كان ساتراً له حالها.

( مسألة 252 ) : إذا انحصر لباس المصلي بالمغصوب أو الحرير ، أو الذهب أو السباع صلى عارياً ، وإذا انحصر بما عدا السباع من غير مأكول اللحم من الحيوان ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الصلاة فيه والصلاة عارياً ، وإذا انحصر في النجس جاز الصلاة فيه.

( مسألة 253 ) : ـ الأحوط لزوماً ـ تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل حصوله عليه في آخر الوقت ، أما لو يئس عن حصوله عليه فله ان يصلي عارياً ولا تلزمه اعادتها لو صادف فحصل على الساتر في الوقت.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425