الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٨

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 429

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 429 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 120136 / تحميل: 6174
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

ورد في كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان )(١) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام عجل الله تعالى فرجه الشريففي القرن الثامن الهجري ، لم تقتري الحكاية الأولى بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح ، فلنورد الحكاية الأولى ثم الثانية والثالثة تباعاً

وقبل أن ننقل الحكايات الثلاث ، تذكر ترجمة صاحب الكتاب ، وثناء العلماء عليه حتى يتبين لنا صدقه في النقل.

أقول : إن مؤلف كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) ، هو السيد بهاء الدين علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي غياث الدين(٢) ابن السيد جلال الدين عبد الحميد(٣) بن عبد الله بن أسامة(٤) بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر(٥) بن يحيى ( القائم

__________________

١ ـ نقلاً عن بحار الأنوار / للعلامة المجلسي ( أعلى الله مقامه ).

٢ ـ الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق وحملوا عليه وسلبوه فمانعهم عن سلب سراويله فضربه أحدهم فقتله وكان عالماً تقياً.

٣ ـ الذي يروي عنه محمد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير وقال فيه : أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أسامة العلوي الحسيني رَضيَ اللهُ عَنه في ذي القعدة نم سنة ثمانين وخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.

٤ ـ متولّي النقابة بالعراق.

٥ ـ الوئيس الجليل الذي رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة في سنة

٦٢

٦٣

بالكوفة ) ابن الحسين ( النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدث ) ابن أبي علي عمر بن أبي الحسين يحيى(١) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين(٢) بن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب: النيلي(٣) النجفي النسابة.

وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد المجاز منه في ٧٩١ هـ أدرك أواخر عهد فخر المحققين تـ ٧٧١ هـ والسيدين العلمين عميد الدين وضياء الدين والشهيد محمد بن مكي العاملي ويروي عنهم جميعاً ، كما يروي عن الشيخ المقريء والحافظ شمس الدين محمد بن قارون وغيرهم.

وأما كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن ين سليمان الحلي ( من علماء القرن التاسع ) في كتابه ( مختصر بصائر الدرجات ) ص ١٧٦ ، والعلامة المجلسي; في ( بحار الأنوار ) ، والميرزا الافندي; في ( رياض العلماء ) والبهبهاني; في ( الدمعة الساكبة ).

__________________

ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأخذوا الحجر وأتو به إلى الكوفة وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين7 فإنه قال ذات يوم بالكوفة : لا بد أن يسلب في هذه السارية وأومى إلى السارية السابعة والقصة طويلة وبنى قبة جده أمير المؤمنين7 من خالص ماله.

١ ـ من أصحاب الكاظم7 المقتول سنة خمسين ومثتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلى المستعين.

٢ ـ الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق7 وأورثه علماً جمّا.

٣ ـ النيل : بلدة تقع على نهر النيل ، وهو يتفرع من نهر الفرات العظمى احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٢ هـ وهي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.

٦٤

ويظهر من بعض حكايات الكتاب أن تاريخ كتابته سنة ٧٨٩ هـ(١) وللسيد هذا كتب أخرى لا أرى بايراد أسمائها هنا بأساً :

أ ـ كتاب الأنوار المضيّة في الحكم الشرعية.

ب ـ كتاب الغيبة.

جـ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد.

د ـ سرور أهل الإيمان.

هـ ـ كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشاف.

و ـ كتاب الأنصاف في الرد على صاحب الكشاف.

ز ـ كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.

ي ـ كتاب الرجال ( ينسب اليه ).

في الثناء عليه :

قال تلميذه ابن فهد الحلي; تـ ٨٤١ هـ : حدثني المولى السيد السعيد الإمام بهاء الدين

وقال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي; : ومما رواه لي ورويته عنه السيد الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين

وقال العلامة المجلسي; : السيد النقيب الحسيب بهاء الدين

وقال الميرزا الافندي; : السيد المرتضى النقيب الحسيب

__________________

١ ـ وللاسف الشديد ان هذا الكتاب لم يطبع إلى الآن برغم وجود نسخه الخطية في المكتبات العامة فمن قلمنا هذا ندعو مؤسسات النشر والتأليف إلى اخراجه للطبع وطبع كتب هذا السيد الجليل وتحقيقها خدمة للمذهب الإمامي واحياءً لآثار هذا السيد الجليل.

٦٥

النسابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات والكرامات العظيمة قدس الله روحه الشريفة كان من أفاضل عصره وقال الميرزا النوري; : السيد الأجل الأكمل الارشد المؤيد العلامة النحرير ،(١) كان حياً سنة ٨٠٠ هـ

الحكاية الأولى :

حكاية أبي راجح الحمامي الشيخ الذي أصبح شاباً

نقل العلامة المجلسي ( ١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ ) في بحار الانوار عن كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الايمان ) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي ، انه قال : فمن ذلك ما اشتهر وذاع ، وملأ البقاع ، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلة ، وقد حكى ذلك جماعة من الاعيان الاماثل ، وأهل الصدق الافاضل ، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلّمه الله تعالى قال :

كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير ، فرفع إليه أنّ أباراجح هذا يسبّ الصحابة ، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه ، حتى انه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه ، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد ، وخرق النفه ، ووضع فيه شركة من الشعر وشدّ فيها حبلاً وسلمه الى جماعة من اصحابه ،

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٤ / ص ٨٨ و ١٢٤ ـ ١٣٠ ، خاتمة المستدرك ط ح ص ٤٣٥ ، سفينة البحار ج ٢ / ط. ح / ص ٢٤٨ الذريعة في أجزائها وطبقات أعلام الشيعة.

٦٦

وأمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلة ، والضرب يأخذه من جميع جوانبه ، حتى سقط الى الارض وعاين الهلاك ، فأخبر الحاكم بذلك ، فأمر بقتله ، فقال الحاضرون انه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه ، وهو ميّت لما به فاتر كه وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلّد بدمه ، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه ، فنقله أهله في البيت ولم يشكّ أحدّ أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغدغدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلّي على أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت ، واندملت جراحاته ، ولم يبق لها أثر ، والشجّة قد زالت من وجهه!

فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره فقال : اني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان اسأل الله تعالى به فكنت اسأله بقلبي واستغثت الى سيدي ومولاي صاحب الزمان7 .

فلما جنّ عليّ الليل فاذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان7 قد أمرّ يده الشريفة على وجهي وقال لي : ( اخرج وكدّ على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى ) فأصبحت كما ترون.

وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

وأقسم بالله تعالى إن هذا ابو راجح كان ضعيفاً جداً ، ضعيف التركيب ، اصفر اللون ، شين الوجه ، مقرض اللحية ، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه ، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل.

فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدّت قوته وانتصبت قامته ، وطالت لحيته ، واحمر وجهه ، وعاد كأنّه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدر كته الوفاة.

٦٧

ولما شاع هذا الحبر وذاع ، طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة ، وهو الان على ضدّها كما وصفناه ، ولم يرَ لجراحاته أثراً ، وثناياه قد عادت ، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم ، وكان يجلس في مقام الأمام7 في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ، وعاد يتلطّف بأهل الحلة ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويحسن الى محسنهم ، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك الا قليلاً حتى مات.(١)

أقول : روحي وأرواح العالمين لك الفداء.

إيه أيتها الجوهرة المحفوفة بالاسرار كم جهلناك وكم بخسناك حقك؟!

كم أغفلنا ذكرك وانشغلنا بغيرك كم سرحنا أفكارنا بعيداً عنك؟

أترك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها على ذاك الرجل صاحب الحمام ( العمومي ) ، فتمسح قلوبنا بذاك الاكسير؟! فنحن في هذا الحمى.

بحث حول الحكاية :

أقول : إن هذه الحكاية مشهورة ومتواترة النقل في عصر المؤلف السيد بهاء الدين وتناقلها علماء الحلة ، انظر إلى قول السيد في بداية الحكاية ( فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧١ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢١٩.

٦٨

في أحوال راوي الحكاية وعصرها :

أقول : إن راوي الحكاية هو شمس الدين محمد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فللفائدة والاستدراك على الكتب الرجالية نذكر ترجمته :

قال السيد بهاء الدين : انه من الأعيان وأهل الصدق الأفاضل ، وقال عنه أيضاً الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون ،(١) المحترم العامل الفاضل(٢) الشيخ العالم الكامل القدوة المقري الحافظ المحمود المعتمرشمس الحق والدين محمد بن قارون.(٣)

وكما قال عنه الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي ،(٤) وكما وصفه أيضاً الشيخ عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي بـ ( الشيخ الصالح محمد بن قارون ) ،(٥) كان حياً سنة ٧٥٩ هـ

فهو يعد من مشايخ السيد بهاء الدين ، يعني أن شمس الدين كان بالقطع مععاصراً للشهيد الأول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) فاذن وجود شمس الدين محمد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حياً وروايته لهذه الحكاية ، يدل على أن الحكاية وقعت في النصف الأول من هذا

__________________

١ ـ انظر : بحار الأنوار / المجلسي; ، ج ٥٢ / ص ٧١.

٢ ـ انظر : المصدر السابق ص ٧٢.

٣ ـ انظر : جنة المأوى / النوري; ص ٢٠٢.

٤ ـ نسبة إلى ( السيب ) بكسر أوله وسكون ثانيه ، وهو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة ، وعليه بلد يسمى باسمه.

٥ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد نقلا عن رياض العلماء ج ٢ / ص ١١.

٦٩

القرن السالف الذكر والدليل على ذلك الحكاية الثانية التالية والتي يرويها أيضا شمس الدين محمد بن قارون والحاصلة في سنة ٧٤٤ هـ

وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني ، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة ٦٣٠ هـ ( وهي سنة وفاة السيد فخار ) وهو صغير لم يبلغ الحلم وأجازه الشيخ والده أحمد سنة ٦٣٥ هـ وأجازه الشيخ محمد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة ٦٣٦ هـ والمجيز لنجم الدين طومان بن أحمد العاملي سنة ٧٢٨ هـ فإن هذا الشيخ متقدم على الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي.(١)

تنبيه لكل نبيه :

قال ابن بطوطة في رحلته ( سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي ابن ابي طالب رَضي اللهُ عَنه وزرنا ، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الأمير فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعاً فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا انما أصابه ذلك لأجل منعه الابة فلم تمنع بعد ).(٢)

أقول : ان كلام ابن بطوطة المتقدم آنفاً هو في زيارته الثانية للحلة ، فابن بطوطة مرَّ في الحلة مرتين الأولى كانت سنة ٧٢٥ هـ في عهد الوالي ( حسن

__________________

١ ـ انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة / الطهراني; ج ١ / ص ٢٢٩ و ٢٢٠.

٢ ـ انظر : رحلة ابن بطوطة ج ٢ / ص ١٧٤.

٧٠

الجلايري ) والثانية بعد عودته من بلاد الهند والصين والتتر وبينهما عدة سنين ، وأظن ان الوالي المذكور في حكاية أبي راجح الحمامي والمذكور في زيارة ابن بطوطة الثانية واحد باعتبار أن عصر الحكايتين واحد وان الوالي المذكور في الحكايتين كان يؤذي أهل الحلة ( فالأمر ليس أمر انتظار صاحب الزمان ولا أمر الدابة ) ، وقد مات بفعله هذا ، وهذا عن أهل الحلة ليس ببعيد ففيهم بقول أمير المؤمنين7 : ( يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرقسمه ).(١)

الحكاية الثانية :

حكاية ابن الخطيب وعثمان والمرأة العمياء التي أبصرت

ونقل من ذلك الكتاب عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذوّر ، يضمن القرية المعروفة ببرس ، ووقف العلويين ، وكان له نائب يقال له : ابن الخطيب وغلام يتولّى نفقاته يدعى عثمان ، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والايمان بالضدّ من عثمان وكانا دائماً يتجادلان ، فاتفق انهما حضرا في مقام ابراهيم الخليل7 بمحضر جماعة من الرّعيّة والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان : يا عثمان الان اتضح الحق واستبان ، أنا أكتب على يديّ من أتولاه ، وهم علي والحسي والحسين ، واكتب أنت من تتولاه ابوبكر وعمر وعثمان ، ثم تشدّ يديّ ويدك ، فأيّهما احترقت يده بالنار كان على الباطل ، ومن سلمت يده كان على الحق ، فنكل عثمان ، وأبى أن يفعل ، فأخذ الحاضرون من الرّعيّة

____________

١ ـ انظر : بحار الأنوار المجلسي; ج ٦ / ص ١٢٢.

٧١

والعوان بالعياط عليه ، هذا وكانت ام عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلمّا رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيّطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهدّدت وبالغت في ذلك فعميت في الحال! فلما أحست بذلك نادت الى رفقائها فصعدن اليها فاذا هي صحيحة العينين! لكن لاترى شيئاً ، فقادوها وأنزلوها ، ومضوا بها الى الحلة وشاع خبرها بين الصحابها وقرائبها وترائبها ، فاحضروا لها الاطباء من بغداد والحلة ، فلم يقدروا لها على شيء ، فقال لها نسوة مؤمنات كنّ أخدانها : ان الذي أعماكِ هو القائم7 فأن تشيعتي وتولّيتي وتبرأتي ( كذا )(١) ضمنّا لك العافية على الله تعالى ، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص ، فأذعنت لذلك ورضنبت به ، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان7 وبتن بأجمعهنّ في باب القبة ، فلما كان ربع الليل فاذا هي قد خرجت عليهنّ وقد ذهب العمى عنها! وهي تقعدهنّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنّ وحليَهنَ ، فسررن بذلك ، وحمدنَ الله تعالى على حسن العافية ، وقلن لها : كيف كان ذلك؟! فقالت : لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ عني أحسست بيد قد وضعت على يديّ ، وقائل يقول : اخرجي قد عافاك الله تعالى. فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلات ونوراً ورأيت الرجل ، فقلت له : من أنت يا سيدي؟ فقال : محمد بن الحسن ، ثم غاب عني ، فقمنَ وخرجنَ الى بيوتهنّ وتشيّع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أمه المذكورة ، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الأمام7 وكان ذلك في سنة أربع واربعين وسبعمائة.(٢)

__________________

١ ـ كذا ورد في المطبوع والاصح ( تشيعتِ وتوليتِ وتبرأتِ ).

٢ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٢ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢٢٠.

٧٢

أقول : حدثت هذه الكرامة سنة ( ٧٤٤ هـ / ١٣٢٣ م ) وراويها محمد بن قارون المتقدم ذكره وترجمته في الحكاية الأولى من هذا الباب.

وبرس : بضم الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من ارض بابل وهي بحضرة الصرح ( صرح نمرود بن كنعان ) وهي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة وينسب إليها الحافظ رجب البرسي; .

ومقام ابراهيم الخليل7 : موجود الى زماننا هذا ويقع بالحلة في تلك القرية ( تشرفت بزيارته انا عدة مرات ).

لحكاية الثالثة :

حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري

وذكر هناك أيضاً : أي ( في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان ).

ومن ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولى الاجل الامجد العالم الفاضل ، القدوة الكامل ، المحقّق المدقّق ، مجمع الفضائل ومرجع الافاضل ، افتخار العلماء في العالمين ، كمال الملة والدين ، عبد الرحمن ابن العمّاني ( كذا ) ، وكتب بخطه الكريم ، عندي ما صورته :

قال العبد الفقير الى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن ابراهيم القبائقي :(١) اني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى ان المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القاريء نجم الدين جعفر ابن الزاهدري كان به فالج ، فعالجته جدّته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ ، فأشار عليها بعض

__________________

١ ـ هكذا ورد في الاصل والصحيح العتالقي.

٧٣

الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ ، وقيل لها :ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان 7 لعل الله تعالى يعافيه ويبرأه ، ففعلت وبيّتته تحتها وان صاحب الزمان7 أقامه وأزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كّنا لم نكد نفترق ، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الاماثل منهم ، فاستحكيته عن هذه الحكاية ، فقال لي :

إني كنت مفلوجاً وعجز الاطباء عني ، وحكى لي ما كنت اسمعه مستفاضاً في الحلة من قضيته وان الحجة صاحب الزمان7 قال لي : ( وقد أباتتني جدّتي تحت القبة ) :قم.

فقلت : ياسيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي ، فقال :قم باذن الله تعالى وأعانني على القيام ، فقمت وزال عني الفالج ( أي شلل الاعضاء ).

وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، ورحت الى البيت ، وليس بيّ أثر الفالج ، وبعثت الى الناس ثيابهم ، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتى مات; .(١)

بحث حول الحكاية :

تاريخ الحكاية : أقول ، إنَّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة ( ٧٥٩ هـ ـ ١٢٣٨ م ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٣.

٧٤

راوي الحكاية : الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم ابن العتايقي(١) الحلي الامامي ، كان معاصرا للشهيد الاول; وبعض تلامذة العلامة الحلي; ، وقال البعض انه ادرك العلامة ، وتلمذ على يد نصير الدين علي بن محمد الكاشي تـ ٧٥٥ هـ ، وكان من مشايخ السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي ، وبروي عن جماعة منهم جمال الدين الزهدري ، توفى بعد سنة ٧٨٨ هـ التي الف فيها كتابه ( الارشاد في معرفة الابعاد ) وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغروية ، ولا أرى بأماً بايراد اسمائها هنا فله كتاب ( شرح على نهج البلاغة ) وكتاب ( مختصر الجزء الثاني من كتاب الاوائل لأبي هلال العسكري ) وكتاب ( الاعمار ) وكتاب ( الاضداد في اللغة ) وكتاب ( الايضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين ) وكتاب ( اختيار حقائق الخللفي دقائق الحيل ) وكتاب ( صفوة الصفوة ) وكتاب ( اختصار كتاب بطليموس ) وكتاب ( الشهدة في شرح معرف الزبدة ) وكتاب ( الايماقي ) وكتاب ( في التفسير وهو مختصر تفسير القمي ) وكتاب ( الارشاد ) و( الرسالة المفيدة لكل طالب مقدار ابعاد الافلاك والكواكب ) وله ( شرح على الجغميني ) وله ( شرح التلويح ) ، وغيرها من الكتب في شبى أنواع العلوم ، وللأسف الشديد ان كتبه لم تر النور.

_________________

١ ـ العتائقي نسبة الى العتائق قرية بقرب الحلة المزيدية ، وليس بالقبائقي كما في نسخ البحار المطبوعه فانه تصحيف ، كما اني لم ارَّ من الرجاليين من ذكرن بابن العماني بل المشهور انه ابن العتائقي ولعلها تصحيف ايضا او من خطأ النساخ.

٧٥

الى الآن مع كثرتها سوى كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر والتأليف لأخراج كتبه خدمة للمذهب الامامي واحياء لآثار هذا الشيخ الجليل ، وصرح جمع من العلماء كالسيد محسن الأمين; والشيخ عباس القمي; والشيخ اغا بزرك الطهراني بمشاهدة كتبه في الخزانة الغروبة وكتب أخرى لغيره بخط يده ذكر فيها نسبه وتأريخه من ( ٧٣٨ ـ ٧٨٨ هـ ).(١)

صاحب الحكاية : الشيخ جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، لم أجد له ذكراً في كتب الرجال وانما وقفت على ترجمة والده الاجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب ( ايضاح ترددات الشرائع )(٢) ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما ، عظيم منزلتهما وجلالتهما.

وبهذه الحكاية انتهى ما أردنا نقله من حكايات كتاب ( السلطان المفرج عن اهل الايمان ).

الحكاية الرابعة :

حكاية ابن ابي الجواد النعماني

قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد الله الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب ( رياض العلماء

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٣ / ص ١٠٣ ، سفينة البحار ط ج / ج ٢ / ص ١٥٧ ، كذلك الذريعة في اجزائها.

٢ ـ وقد طبع الكتاب في زماننا هذا بجهود العلامة الحجة السيد محمود المرعشي في قم المقدسة وقد رأيت نسخته المطبوعة.

٧٦

وحياض الفضلاء ) في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النِّعماني(١) انه ممن رأى القائم7 في زمن الغيبة الكبرى ، وروى عنه7 ، ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأى ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي7 فقال له :

يا مولاي لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة ، فأين تكون فيهما؟

فقال له :أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدّبون في مقامي ، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلم عليّ وعلى الأئمة وصلّى عليّ وعليهم اثني عشر (٢) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلاّ اعطاه تعالى ما يسأله احدها المغفرة.

فقلت : يا مولاي علمني ذلك.

فقال : قل« اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، وان كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به ، وأنت حليم ذو اناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك » وكررها عليّ ثلاثاً حتى فهمتها(٣) .(٤)

__________________

١ ـ النعمانية : بليدة بناها النعمان بن المنذر وتقع بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من اعمال الزاب الاعلى.

٢ ـ هكذا ورد في المطبوع والاصح اثنتي عشرة.

٣ ـ قال المؤلف; : يعني حفظتها.

٤ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري; ج ٢ / ص ١٣٨.

٧٧

بحث حول الحكاية :

راوي الحكاية : زين الدين علي بن أبي محمد الحسن بن محمد الخازن الحائري ، تلميذ الشهيد الاول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) وقد أجازه الشهيد الاول سنة ٧٨٤ هـ وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد الحلي ويروي عنه ، وأجازه في سنة ٧٩١ هـ ويعبر عنه بالشيخ علي الخازن الحائري ، وهو من علماء المائة الثامنة ، قال عنه الشهيد الاول; في إجازته له :

المولى الشيخ العالم التقي الورع المحصل العالم بأعباء العلوم الفائق أولي الفضائل والفهوم زين الدين أبو علي(١)

صاحب الحكاية : ابن أبي الجواد النعماني ، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، سوى ما ترجمه ناقل الحكاية الافندي; في كتابه رياض العلماء الذي فقد معظم مجلداته ، ويظهر من راوي الحكاية الشيخ علي الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الاول; أنَّ ابن ابي الجواد من طبقة الشهيد الاول ، أي من تلامذة العلامة الحلي; .

أقول : ولا يبعد اتحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلم عبد الواحد بن الصفي النعماني ، صاحب كتاب ( نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد ) الذي نسبه اليه الكفعمي; في حواشي مصباحه ونؤيد ما قلناه آنفاً قول المتبحر الخيبر الافندي; في كتاب رياض العلماء ج ٣ ص ٢٧٩ قال : » وأظن أنه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته « فلاحظ.

__________________

١ ـ انظر : رسائل الشهيد الاول ص ٣٠٤ وطبقات اعلام الشيعة للطهراني; .

٧٨

أقول : ومن خلال هذه الحكاية نستدل على شهرة المقام في ذلك القرن إذ الرجل من النعمانية ويسأله عن مقامه7 في الحلة ويستدل أيضاً على استحباب زيارة المقام الشريف في الحلة في ليلة الجمعة ويومها لوجود الإمام به ، وربما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام ، فنقول له : إن الأمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس بغائب ولكن هو غائب عمّن هو غائب عن الله.

وعلى أهل الحلة وغيرهم أن يتأدّبوا بمقامه جلّ التأدب ( فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلى ، ولا لتبرج النساء ، ولا ) مما يصل الى سوء الادب بمحضر نائب الملك العلام ، فان أهل الحلة أشاد بهم أمير المؤمنين7 وأيّ إشادة ، فليكونوا دئاماً مصداق حديث مولاهم ومولاي علي بن أبي طالب7 .

فقد ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع ايام ص (٣٠٢) :

روى أصبغ بن نباتة قال : صحبت مولاي أمير المؤمنين7 عند وروده صفين ، وقد وقف على تل ثم أومأالى أجمة ما بين بابل والتل قال :مدينة وأي مدينة.

فقلت له : يامولاي أراك تذكر مدينة أكان هناك مدينة وانمحت آثارُها؟ فقال7 : لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة ( السيفية ) يمدتها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرّ قسمه. (١)

* * *

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ، ٦ / ١٢٢ رواية ٥٥.

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

و هي سورة مدنيّة على ما يشهد به سياق آياتها.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) فسّر الصدّ بالإعراض عن سبيل الله و هو الإسلام كما عن بعضهم، و فسّر بالمنع و هو منعهم الناس أن يؤمنوا بما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم إليه من دين التوحيد كما عن بعض آخر.

و ثاني التفسيرين أوفق لسياق الآيات التالية و خاصّة ما يأمر المؤمنين بقتلهم و أسرهم و غيرهم.

فالمراد بالّذين كفروا كفّار مكّة و من تبعهم في كفرهم و قد كانوا يمنعون الناس عن الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يفتّنونهم، و صدّوهم أيضاً عن المسجد الحرام.

و قوله:( أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) أي جعل أعمالهم ضالّة لا تهتدي إلى مقاصدها الّتي قصدت بها و هي بالجملة إبطال الحقّ و إحياء الباطل فالجملة في معنى ما تكرّر منه تعالى من قوله:( وَ اللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) البقرة: ٢٦٤، و قد وعد سبحانه بإحياء الحقّ و إبطال الباطل كما في قوله:( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) الأنفال: ٨.

فالمراد من ضلال أعمالهم بطلانها و فسادها دون الوصول إلى الغاية، و عدّ ذلك ضلالاً من الاستعارة بالكناية.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) إلخ، ظاهر إطلاق صدر الآية أنّ المراد بالّذين آمنوا إلخ، مطلق من آمن و عمل صالحاً فيكون قوله:( وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى‏ مُحَمَّدٍ ) تقييدا احترازيّاً لا تأكيداً و ذكراً لما تعلّقت به العناية في الإيمان.

و قوله:( وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) جملة معترضة و الضمير راجع إلى ما نزّل.

و قوله:( كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ ) قال في المجمع: البال الحال و الشأن و البال القلب أيضاً يقال: خطر ببالي كذا، و البال لا يجمع لأنّه أبهم أخواته من الحال و الشأن انتهى.

و قد قوبل إضلال الأعمال في الآية السابقة بتكفير السيّئات و إصلاح البال في هذه

٢٤١

الآية فمعنى ذلك هداية إيمانهم و عملهم الصالح إلى غاية السعادة، و إنّما يتمّ ذلك بتكفير السيّئات المانعة من الوصول إلى السعادة، و لذلك ضمّ تكفير السيّئات إلى إصلاح البال.

و المعنى: ضرب الله الستر على سيّئاتهم بالعفو و المغفرة، و أصلح حالهم في الدنيا و الآخرة أمّا الدنيا فلأنّ الدين الحقّ هو الدين الّذي يوافق ما تقتضيه الفطرة الإنسانيّة الّتي فطر الله الناس عليها، و الفطرة لا تقتضي إلّا ما فيه سعادتها و كمالها ففي الإيمان بما أنزل الله من دين الفطرة و العمل به صلاح حال المؤمنين في مجتمعهم الدنيويّ، و أمّا في الآخرة فلأنّها عاقبة الحياة الدنيا و إذ كانت فاتحتها سعيدة كانت خاتمتها كذلك قال تعالى:( وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) طه: ١٣٢.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ) إلخ، تعليل لما في الآيتين السابقتين من إضلال أعمال الكفّار و إصلاح حال المؤمنين مع تكفير سيّئاتهم.

و في تقييد الحقّ بقوله:( مِنْ رَبِّهِمْ ) إشارة إلى أنّ المنتسب إليه تعالى هو الحقّ و لا نسبة للباطل إليه و لذلك تولّى سبحانه إصلاح بال المؤمنين لما ينتسب إليه طريق الحقّ الّذي اتّبعوه، و أمّا الكفّار بأعمالهم فلا شأن له تعالى فيهم و أمّا انتساب ضلالهم إليه في قوله:( أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) فمعنى إضلال أعمالهم عدم هدايته لها إلى غايات صالحة سعيدة.

و في الآية إشارة إلى أنّ الملاك كلّ الملاك في سعادة الإنسان و شقائه اتّباع الحقّ و اتّباع الباطل و السبب في ذلك انتساب الحقّ إليه تعالى دون الباطل.

و قوله:( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ ) أي يبيّن لهم أوصافهم على ما هي عليه، و في الإتيان باسم الإشارة الموضوعة للبعيد تفخيم لأمر ما ضربه من المثل.

قوله تعالى: ( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) إلى آخر الآية، تفريع على ما تقدّم في الآيات الثلاث من وصف الفريقين كأنّه قيل: إذا كان المؤمنون أهل الحقّ و الله ينعم عليهم بما ينعم و الكفّار أهل الباطل و الله يضلّ أعمالهم فعلى المؤمنين إذا لقوا

٢٤٢

الكفّار أن يقتلوهم و يأسروهم ليحيي الحقّ الّذي عليه المؤمنون و تطهر الأرض من الباطل الّذي عليه الكفّار.

فقوله:( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) المراد باللقاء اللقاء في القتال و ضرب الرقاب مفعول مطلق قائم مقام فعله العامل فيه، و التقدير: فاضربوا الرقاب - أي رقابهم - ضرباً و ضرب الرقبة كناية عن القتل بالسيف، لأنّ أيسر القتل و أسرعه ضرب الرقبة به.

و قوله:( حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) في المجمع: الإثخان إكثار القتل و غلبة العدوّ و قهرهم و منه أثخنه المرض اشتدّ عليه و أثخنه الجراح. انتهى. و في المفردات: وثقت به أثق ثقة سكنت إليه و اعتمدت عليه، و أوثقته شددته، و الوثاق - بفتح الواو - و الوثاق - بكسر الواو - اسمان لما يوثق به الشي‏ء. انتهى. و( حَتَّى ) غاية لضرب الرقاب، و المعنى: فاقتلوهم حتّى إذا أكثرتم القتل فيهم فأسروهم بشدّ الوثاق و إحكامه فالمراد بشدّ الوثاق الأسر فالآية في ترتّب الأسر فيها على الإثخان في معنى قوله تعالى:( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى‏ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) الأنفال: ٦٧.

و قوله:( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً ) أي فأسروهم و يتفرّع عليه أنّكم إمّا تمنّون عليهم منّاً بعد الأسر فتطلقونهم أو تسترقّونهم و إمّا تفدونهم فداء بالمال أو بمن لكم عندهم من الأسارى.

و قوله:( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) أوزار الحرب أثقالها و هي الأسلحة الّتي يحملها المحاربون و المراد به وضع المقاتلين و أهل الحرب أسلحتهم كناية عن انقضاء القتال.

و قد تبيّن بما تقدّم من المعنى ما في قول بعضهم إنّ هذه الآية ناسخة لقوله تعالى:( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى‏ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) الأنفال: ٦٧، لأنّ هذه السورة متأخّرة نزولاً عن سورة الأنفال فتكون ناسخة لها.

و ذلك لعدم التدافع بين الآيتين فآية الأنفال تنهى عن الأسر قبل الإثخان

٢٤٣

و الآية المبحوث عنها تأمر بالأسر بعد الإثخان.

و كذا ما قيل: إنّ قوله:( فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) إلخ، منسوخ بآية السيف( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) التوبة: ٥، و كأنّه مبنيّ على كون العامّ الوارد بعد الخاصّ ناسخاً له لا مخصّصاً به و الحقّ خلافه و تمام البحث في الاُصول، و في الآية أيضاً مباحث فقهيّة محلّها علم الفقه.

و قوله:( ذلِكَ ) أي الأمر ذلك أي إنّ حكم الله هو ما ذكر في الآية.

و قوله:( وَ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ) الضمير للكفّار أي و لو شاء الله الانتقام منهم لانتقم منهم بإهلاكهم و تعذيبهم من غير أن يأمركم بقتالهم.

و قوله:( وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) استدراك من مشيّة الانتصار أي و لكن لم ينتصر منهم بل أمركم بقتالهم ليمتحن بعضكم ببعض فيمتحن المؤمنين بالكفّار يأمرهم بقتالهم ليظهر المطيعون من العاصين و يمتحن الكفّار بالمؤمنين فيتميّز أهل الشقاء منهم ممّن يوفّق للتوبة من الباطل و الرجوع إلى الحقّ.

و قد ظهر بذلك أنّ قوله:( لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) تعليل للحكم المذكورة في الآية و الخطاب في( بَعْضَكُمْ ) لمجموع المؤمنين و الكفّار و وجه الخطاب إلى المؤمنين.

و قوله:( وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ) الكلام مسوق سوق الشرط و الحكم عامّ أي و من قتل في سبيل الله و هو الجهاد و القتال مع أعداء الدين فلن يبطل أعمالهم الصالحة الّتي أتوا بها في سبيل الله.

و قيل: المراد بقوله:( وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) شهداء يوم اُحد، و فيه أنّه تخصيص من غير مخصّص و السياق سياق العموم.

قوله تعالى: ( سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ ) الضمير للّذين قتلوا في سبيل الله فالآية و ما يتلوها لبيان حالهم بعد الشهادة أي سيهديهم الله إلى منازل السعادة و الكرامة و يصلح حالهم بالمغفرة و العفو عن سيّئاتهم فيصلحون لدخول الجنّة.

و إذا انضمّت هذه الآية إلى قوله تعالى:( وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) آل عمران: ١٦٩، ظهر أنّ المراد بإصلاح بالهم إحياؤهم

٢٤٤

حياة يصلحون بها للحضور عند ربّهم بانكشاف الغطاء.

و قال في المجمع: و الوجه في تكرير قوله:( بالَهُمْ ) أنّ المراد بالأوّل أنّه أصلح بالهم في الدين و الدنيا، و بالثاني أنّه يصلح حالهم في نعيم العقبى فالأوّل سبب النعيم و الثاني نفس النعيم. انتهى. و الفرق بين ما ذكره من المعنى و ما قدّمناه أنّ قوله تعالى:( وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ ) على ما ذكرنا كالعطف التفسيريّ لقوله:( سَيَهْدِيهِمْ ) دون ما ذكره، و قوله الآتي:( وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ) على ما ذكره كالعطف التفسيريّ لقوله:( وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ ) دون ما ذكرناه.

قوله تعالى: ( وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ ) غاية هدايته لهم، و قوله:( عَرَّفَها لَهُمْ ) حال من إدخاله إيّاهم الجنّة أي سيدخلهم الجنّة و الحال أنّه عرّفها لهم إمّا بالبيان الدنيويّ من طريق الوحي و النبوّة و إمّا بالبشرى عند القبض أو في القبر أو في القيامة أو في جميع هذه المواقف هذا ما يفيده السياق من المعنى.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عليّ قال: سورة محمّد آية فينا و آية في بني اُميّة.

أقول: و روى القمّيّ في تفسيره، عن أبيه عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللهعليه‌السلام : مثله.

و في المجمع: في قوله:( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) إلخ المرويّ عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام : أنّ الاُسارى ضربان: ضرب يؤخذون قبل انقضاء القتال و الحرب قائمة فهؤلاء يكون الإمام مخيراً بين أن يقتلهم أو يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و يتركهم حتّى ينزفوا، و لا يجوز المنّ و لا الفداء.

و الضرب الآخر الّذين يؤخذون بعد أن وضعت الحرب أوزارها و انقضى القتال فالإمام مخيّر فيهم بين المنّ و الفداء إمّا بالمال أو بالنفس و بين الاسترقاق و ضرب الرقاب

٢٤٥

فإذا أسلموا في الحالين سقط جميع ذلك و كان حكمهم حكم المسلمين.

أقول: و روي ما في معناه في الكافي عن أبي عبداللهعليه‌السلام .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله تعالى:( وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ) قال: نزل فيمن قتل من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم اُحد.

أقول: قد عرفت أنّ الآية عامّة، و سياق الاستقبال في قوله:( سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ ) إلخ، إنّما يلائم العموم و كون الكلام مسوقاً لضرب القاعدة.

و قد روي أنّ قوله تعالى:( حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) ناسخ لقوله:( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) الآية، و أيضاً أنّ قوله:( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ناسخ لقوله:( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً ) و قد عرفت فيما تقدّم عدم استقامة النسخ.

٢٤٦

( سورة محمّد الآيات ٧ - ١٥)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( ٧ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( ٨ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٩ ) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ  وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( ١٠ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ( ١١ ) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ( ١٢ ) وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ( ١٣ ) أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم ( ١٤ ) مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ  فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى  وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ  كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ( ١٥ )

٢٤٧

( بيان‏)

الآيات جارية على السياق السابق.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ) تحضيض لهم على الجهاد و وعد لهم بالنصر إن نصروا الله تعالى فالمراد بنصرهم لله أن يجاهدوا في سبيل الله على أن يقاتلوا لوجه الله تأييداً لدينه و إعلاءً لكلمة الحقّ لا ليستعلوا في الأرض أو ليصيبوا غنيمة أو ليُظهروا نجده و شجاعة.

و المراد بنصر الله لهم توفيقه الأسباب المقتضية لظهورهم و غلبتهم على عدوّهم كإلقاء الرعب في قلوب الكفّار و إدارة الدوائر للمؤمنين عليهم و ربط جاش المؤمنين و تشجيعهم، و على هذا فعطف تثبيت الأقدام على النصر من عطف الخاصّ على العامّ و تخصيص تثبيت الأقدام، و هو كناية عن التشجيع و تقوية القلوب، لكونه من أظهر أفراد النصر.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ) ذكر ما يفعل بالكفّار عقيب ذكر ما يفعل بالمؤمنين الناصرين لله لقياس حالهم من حالهم.

و التعس هو سقوط الإنسان على وجهه و بقاؤه عليه و يقابله الانتعاش و هو القيام عن السقوط على الوجه فقوله:( فَتَعْساً لَهُمْ ) أي تعسوا تعساً و هو ما يتلوه دعاء عليهم نظير قوله:( قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) التوبة: ٣٠،( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ) عبس: ١٧، و يمكن أن يكون إخباراً عن تعسهم و بطلان أثر مساعيهم على نحو الكناية فإنّ الإنسان أعجز ما يكون إذا كان ساقطاً على وجهه.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ ) المراد بما أنزل الله هو القرآن و الشرائع و الأحكام الّتي أنزلها الله تعالى على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أمر بإطاعتها و الانقياد لها فكرهوها و استكبروا عن اتّباعها.

و الآية تعليل مضمون الآية السابقة و المعنى ظاهر.

٢٤٨

قوله تعالى: ( أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها ) التدمير الإهلاك، يقال: دمّره الله أي أهلكه، و يقال: دمّر الله عليه أي أهلك ما يخصّه من نفس و أهل و دار و عقار فدمّر عليه أبلغ من دمّره كما قيل، و ضمير( أَمْثالُها ) للعاقبة أو للعقوبة المدلول عليها بسابق الكلام.

و المراد بالكافرين الكافرون بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و المعنى: و للكافرين بك يا محمّد أمثال تلك العاقبة أو العقوبة و إنّما اُوعدوا بأمثال العاقبة أو العقوبة و لا يحلّ بهم إلّا مثل واحد لأنّهم في معرض عقوبات كثيرة دنيويّة و اُخرويّة و إن كان لا يحلّ بهم إلّا بعضها، و يمكن أن يراد بالكافرين مطلق الكافرين، و الجملة من باب ضرب القاعدة.

قوله تعالى: ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‏ لَهُمْ ) الإشارة بذلك إلى ما تقدّم من نصر المؤمنين و مقت الكافرين و سوء عاقبتهم، و لا يصغي إلى ما قيل: إنّه إشارة إلى ثبوت عاقبة أو عقوبة الاُمم السالفة لهؤلاء، و كذا ما قيل: إنّه إشارة إلى نصر المؤمنين، و ذلك لأنّ الآية متعرّضة لحال الطائفتين: المؤمنين و الكفّار جميعاً.

و المولى كأنّه مصدر ميميّ اُريد به المعنى الوصفيّ فهو بمعنى الوليّ و لذلك يطلق على سيّد العبد و مالكه لأنّ له ولاية التصرّف في اُمور عبده، و يطلق على الناصر لأنّه يلي التصرّف في أمر منصورة بالتقوية و التأييد و الله سبحانه مولى لأنّه المالك الّذي يلي اُمور خلقه في صراط التكوين و يدبّرها كيف يشاء، قال تعالى:( ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ ) الم السجدة: ٤، و قال:( وَ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) يونس: ٣٠، و هو تعالى مولى لأنّه يلي تدبير اُمور عباده في صراط السعادة فيهديهم إلى سعادتهم و الجنّة و يوفّقهم للصالحات و ينصرهم على أعدائهم، و المولويّة بهذا المعنى الثانية تختصّ بالمؤمنين، لأنّهم هم الداخلون في حظيرة العبوديّة المتّبعون لما يريده منهم ربّهم دون الكفّار.

و للمؤمنين مولى و وليّ هو الله سبحانه كما قال:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) ، و قال:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) البقرة: ٢٥٧، و أمّا الكفّار فقد اتّخذوا

٢٤٩

الأصنام أو أرباب الأصنام أولياء فهم أولياؤهم على ما زعموا كما قال بالبناء على مزعمتهم بنوع من التهكّم:( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) البقرة: ٢٥٧، و نفي ولايتهم بالبناء على حقيقة الأمر فقال:( وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى‏ لَهُمْ ) ثمّ نفى ولايتهم مطلقاً تكويناً و تشريعاً مطلقاً فقال:( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ ) الشورى: ٩، و قال:( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ) النجم: ٢٣.

فمعنى الآية: أنّ نصره تعالى للمؤمنين و تثبيته أقدامهم و خذلانه الكفّار و إضلاله أعمالهم و عقوبته لهم إنّما ذلك بسبب أنّه تعالى مولى المؤمنين و وليّهم، و أنّ الكفّار لا مولى لهم فينصرهم و يهدي أعمالهم و ينجّيهم من عقوبته.

و قد تبيّن بما تقدّم ضعف ما قيل: إنّ المولى في الآية بمعنى الناصر دون المالك و إلّا كان منافياً لقوله تعالى:( وَ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) يونس: ٣٠، و وجه الضعف ظاهر.

قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ) مقايسة بين الفريقين و بيان أثر ولاية الله للمؤمنين و عدم ولايته للكفّار من حيث العاقبة و الآخرة و هي أنّ المؤمنين يدخلون الجنّة و الكفّار يقيمون في النار.

و قد اُشير في الكلام إلى منشأ ما ذكر من الأثر حيث وصف كلّاً من الفريقين بما يناسب مآل حاله فأشار إلى صفة المؤمنين بقوله:( الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) و إلى صفة الكفّار بقوله:( يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ ) فأفاد الوصفان بما بينهما من المقابلة أنّ المؤمنين راشدون في حياتهم الدنيا مصيبون للحقّ حيث آمنوا بالله و عملوا الأعمال الصالحة فسلكوا سبيل الرشد و قاموا بوظيفة الإنسانيّة، و أمّا الكفّار فلا عناية لهم بإصابة الحقّ و لا تعلّق لقلوبهم بوظائف الإنسانيّة، و إنّما همّهم بطنهم و فرجهم يتمتّعون في حياتهم الدنيا القصيرة و يأكلون كما تأكل الأنعام لا منية لهم إلّا ذلك و لا غاية لهم وراءه.

فهؤلاء أي المؤمنون تحت ولاية الله حيث يسلكون مسلكاً يريده منهم ربّهم

٢٥٠

و يهديهم إليه و لذلك يدخلهم في الآخرة جنّات تجري من تحتها الأنهار، و اُولئك أي الكفّار ما لهم من وليّ و إنّما وكلوا إلى أنفسهم و لذلك كان مثواهم و مقامهم النار.

و إنّما نسب دخول المؤمنين الجنّات إلى الله نفسه دون إقامة الكفّار في النار قضاء لحقّ الولاية المذكورة فله تعالى عناية خاصّة بأوليائه، و أمّا المنسلخون من ولايته فلا يبالي في أيّ واد هلكوا.

قوله تعالى: ( وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ ) المراد بالقرية أهل القرية بدليل قوله بعد:( أَهْلَكْناهُمْ ) إلخ، و القرية الّتي أخرجتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي مكّة.

و في الآية تقوية لقلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تهديد لأهل مكّة و تحقير لأمرهم أنّ الله أهلك قرى كثيرة كلّ منها أشدّ قوّة من قريتهم و لا ناصر لهم ينصرهم.

قوله تعالى: ( أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) السياق الجاري على قياس حال المؤمنين بحال الكفّار يدلّ على أنّ المراد بمن كان على بيّنة من ربّه هم المؤمنون فالمراد بكونهم على بيّنة من ربّهم كونهم على دلالة بيّنة من ربّهم توجب اليقين على ما اعتقدوا عليه و هي الحجّة البرهانيّة فهم إنّما يتّبعون الحجّة القاطعة على ما هو الحريّ بالإنسان الّذي من شأنه أن يستعمل العقل و يتّبع الحقّ.

و أمّا الّذين كفروا فقد شغفهم أعمالهم السيّئة الّتي زيّنها لهم الشيطان و تعلّقت بها أهواؤهم و عملوا السيّئات، فكم بين الفريقين من فرق.

قوله تعالى: ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) إلى آخر الآية يفرّق بين الفريقين ببيان مآل أمرهما و هو في الحقيقة توضيح ما مرّ في قوله:( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا ) إلخ من الفرق بينهما فهذه الآية في الحقيقة تفصيل تلك الآية.

فقوله:( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) المثل بمعنى الصفة - كما قيل - أي صفة الجنّة الّتي وعد الله المتّقين أن يدخلهم فيها، و ربّما حمل المثل على معناه

٢٥١

المعروف و استفيد منه أنّ الجنّة أرفع و أعلى من أن يحيط بها الوصف و يحدّها اللفظ و إنّما تقرّب إلى الأذهان نوع تقريب بأمثال مضروبة كما يلوّح إليه قوله تعالى:( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) السجدة: ١٧.

و قد بدّل قوله في الآية السابقة:( الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) في هذه الآية من قوله:( الْمُتَّقُونَ ) تبديل اللازم من الملزوم فإنّ تقوى الله يستلزم الإيمان به و عمل الصالحات من الأعمال.

و قوله:( فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ) أي غير متغيّر بطول المقام، و قوله:( وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ) كما في ألبان الدنيا، و قوله:( وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ) أي لذيذة للشاربين، و اللّذّة إمّا صفة مشبهة مؤنّثة وصف للخمر، و إمّا مصدر وصفت به الخمر مبالغة، و إمّا بتقدير مضاف أي ذات لذّة، و قوله:( وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ) أي خالص من الشمع و الرغوة و القذى و سائر ما في عسل الدنيا من الأذى و العيوب، و قوله:( وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) جمع للتعميم.

و قوله:( وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) ينمحي بها عنهم كلّ ذنب و سيّئة فلا تتكدّر عيشتهم بمكدّر و لا ينتغص بمنغّص، و في التعبير عنه تعالى بربّهم إشارة إلى غشيان الرحمة و شمول الحنان و الرأفة الإلهيّة.

و قوله:( كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ ) قياس محذوف أحد طرفيه أي أ من يدخل الجنّة الّتي هذا مثلها كمن هو خالد في النار و شرابهم الماء الشديد الحرارة الّذي يقطّع أمعاءهم و ما في جوفهم من الأحشاء إذا سقوه، و إنّما يسقونه و هم مكرهون كما في قوله:( وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ) و قيل: قوله:( كَمَنْ هُوَ خالِدٌ ) إلخ، بيان لقوله في الآية السابقة:( كَمَنْ زُيِّنَ ) إلخ، و هو كما ترى.

٢٥٢

( بحث روائي‏)

في المجمع في قوله تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ) : قال أبوجعفرعليه‌السلام : كرهوا ما أنزل الله في حقّ عليّعليه‌السلام .

و فيه في قوله تعالى:( كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ) قيل: هم المنافقون: و هو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام .

أقول: و يحتمل أن تكون الروايتان من الجري.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ) قال: ليس من هو في هذه الجنّة الموصوفة كمن هو في هذه النار كما أن ليس عدوّ الله كوليّه.

٢٥٣

( سورة محمّد الآيات ١٦ - ٣٢)

وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا  أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( ١٦ ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ( ١٧ ) فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً  فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا  فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ( ١٨ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ  وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( ١٩ ) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ  فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ  رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ  فَأَوْلَىٰ لَهُمْ ( ٢٠ ) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ  فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ( ٢١ ) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ( ٢٢ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ( ٢٣ ) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( ٢٤ ) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى  الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ ( ٢٥ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي

٢٥٤

بَعْضِ الْأَمْرِ  وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( ٢٦ ) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( ٢٧ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( ٢٨ ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ ( ٢٩ ) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ  وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ  وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( ٣٠ ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( ٣١ ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ( ٣٢ )

( بيان‏)

الآيات جارية على السياق السابق، و فيها تعرّض لحال الّذين في قلوبهم مرض و المنافقين و من ارتدّ بعد إيمانه.

قوله تعالى: ( وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً ) إلخ، آنفاً اسم فاعل منصوب على الظرفيّة أو لكونه مفعولاً فيه، و معناه الساعة الّتي قبيل ساعتك، و قيل: معناه هذه الساعة و هو على أيّ حال مأخوذ من الأنف بمعنى الجارحة.

و قوله:( وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ) الضمير للّذين كفروا، و المراد باستماعهم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إصغاؤهم إلى ما يتلوه من القرآن و ما يبيّن لهم من اُصول المعارف و شرائع الدين.

٢٥٥

و قوله:( حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ ) الضمير للموصول و جمع الضمير باعتبار المعنى كما أنّ إفراده في( يَسْتَمِعُ ) باعتبار اللفظ.

و قوله:( قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً ) المراد بالّذين اُوتوا العلم العلماء بالله من الصحابة، و الضمير في( ما ذا قالَ ) للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و الاستفهام في قولهم:( ما ذا قالَ آنِفاً ) قيل: للاستعلام حقيقة لأنّ استغراقهم في الكبر و الغرور و اتّباع الأهواء ما كان يدعهم أن يفقهوا القول الحقّ كما قال تعالى:( فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ) النساء: ٧٨، و قيل: للاستهزاء، و قيل: للتحقير كأنّ القول لكونه مشحوناً بالأباطيل لا يرجع إلى معنى محصّل، و لكلّ من المعاني الثلاثة وجه.

و قوله:( أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ) تعريف لهم، و قوله:( وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) تعريف بعد تعريف فهو كعطف التفسير، و يتحصّل منه أنّ اتّباع الأهواء أمارة الطبع على القلب فالقلب غير المطبوع عليه الباقي على طهارة الفطرة الأصليّة لا يتوقّف في فهم المعارف الدينيّة و الحقائق الإلهيّة.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ ) المقابلة الظاهرة بين الآية و بين الآية السابقة يعطي أنّ المراد بالاهتداء ما يقابل الضلال الملازم للطبع على القلب و هو التسليم لما تهدي إليه الفطرة السليمة و اتّباع الحقّ، و زيادة هداهم من الله سبحانه رفعه تعالى درجة إيمانهم، و قد تقدّم أنّ الهدى و الإيمان ذو مراتب مختلفة، و المراد بالتقوى ما يقابل اتّباع الأهواء و هو الورع عن محارم الله و التجنّب عن ارتكاب المعاصي.

و بذلك يظهر أنّ زيادة الهدى راجع إلى تكميلهم في ناحية العلم و إيتاء التقوى إلى تكميلهم في ناحية العمل، و يظهر أيضاً بالمقابلة أنّ الطبع على القلوب راجع إلى فقدانهم كمال العلم و اتّباع الأهواء راجع إلى فقدانهم العمل الصالح و حرمانهم منه و هذا لا ينافي ما قدّمنا أنّ اتّباع الأهواء كعطف التفسير بالنسبة إلى الطبع على القلوب.

٢٥٦

قوله تعالى: ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها ) إلخ، النظر هو الانتظار، و الأشراط جمع شرط بمعنى العلامة، و الأصل في معناه الشرط بمعنى ما يتوقّف عليه وجود الشي‏ء لأنّ تحقّقه علامة تحقّق الشي‏ء فأشراط الساعة علاماتها الدالّة عليها.

و سياق الآية سياق التهكّم كأنّهم واقفون موقفاً عليهم إمّا أن يتّبعوا الحقّ فتسعد بذلك عاقبتهم، و إمّا أن ينتظروا الساعة حتّى إذا أيقنوا بوقوعها و أشرفوا عليها تذكّروا و آمنوا و اتّبعوا الحقّ أمّا اتّباع الحقّ اليوم فلم يخضعوا له بحجّة أو بموعظة أو عبرة، و أمّا انتظارهم مجي‏ء الساعة ليتذكّروا عنده فلا ينفعهم شيئاً فإنّها تجيي‏ء بغتة و لا تمهلهم شيئاً حتّى يستعدّوا لها بالذكرى و إذا وقعت لم ينفعهم الذكرى لأنّ اليوم يوم جزاء لا يوم عمل قال تعالى:( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى‏ يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ) الفجر: ٢٤.

مضافاً إلى أنّ أشراطها و علاماتها قد جاءت و تحقّقت، و لعلّ المراد بأشراطها خلق الإنسان و انقسام نوعه إلى صلحاء و مفسدين و متّقين و فجّار المستدعي للحكم الفصل بينهم و نزول الموت عليهم فإنّ ذلك كلّه من شرائط وقوع الواقعة و إتيان الساعة، و قيل: المراد بأشراط الساعة ظهور النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو خاتم الأنبياء و انشقاق القمر و نزول القرآن و هو آخر الكتب السماويّة.

هذا ما يعطيه التدبّر في الآية من المعنى و هي - كما ترى - حجّة برهانيّة في عين أنّها مسوقة سوق التهكّم.

و عليه فقوله:( بَغْتَةً ) حال من الإتيان جي‏ء به لبيان الواقع و ليتفرّع عليه قوله الآتي:( فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ ) و ليس قيداً للانتظار حتّى يفيد أنّهم إنّما ينتظرون إتيانها بغتة، و لدفع هذا التوهّم قيل:( إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ) و لم يقل: إلّا أن تأتيهم الساعة بغتة.

و قوله:( فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ ) أنّى خبر مقدّم و( ذِكْراهُمْ ) مبتدأ مؤخّر و( إِذا جاءَتْهُمْ ) معترضة بينهما، و المعنى: فكيف يكون لهم أن يتذكّروا إذا

٢٥٧

جاءتهم؟ أي كيف ينتفعون بالذكرى في يوم لا ينفع العمل الّذي يعمل فيه و إنّما هو يوم الجزاء.

و للقوم في معنى جُمل الآية و معناها بالجملة أقوال مختلفة تركنا إيرادها من أرادها فليراجع كتبهم المفصّلة.

قوله تعالى: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) إلخ، قيل: هو متفرّع على جميع ما تقدّم في السورة من سعادة المؤمنين و شقاوة الكفّار كأنّه قيل: إذا علمت أنّ الأمر كما ذكر من سعادة هؤلاء و شقاوة اُولئك فاثبت على ما أنت عليه من العلم بوحدانيّة الله سبحانه فمعنى الأمر بالعلم على هذا هو الأمر بالثبات على العلم.

و يمكن أن يكون تفريعاً على ما بيّنه في الآيتين السابقتين أعني قوله:( وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ - إلى قوله -وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ ) من أنّه تعالى يطبع على قلوب المشركين و يتركهم و ذنوبهم و يعكس الأمر في الّذين اهتدوا إلى توحيده و الإيمان به فكأنّه قيل: إذا كان الأمر على ذلك فاستمسك بعلمك بوحدانيّة الإله و اطلب مغفرة ذنبك و مغفرة اُمّتك من المؤمنين بك و المؤمنات حتّى لا تكون ممّن يطبع الله على قلبه و يحرمه التقوى بتركه و ذنوبه، و يؤيّد هذا الوجه قوله في ذيل الآية:( وَ اللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ ) .

فقوله:( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ) معناه على ما يؤيّده السياق فاستمسك بعلمك أنّه لا إله إلّا الله، و قوله:( وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) تقدّم الكلام في معنى الذنب المنسوب إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سيأتي أيضاً في تفسير أوّل سورة الفتح إن شاء الله تعالى.

و قوله:( وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ) أمر بطلب المغفرة للاُمّة من المؤمنين و المؤمنات و حاشا أن يأمر تعالى بالاستغفار و لا يواجهه بالمغفرة أو بالدعاء و لا يقابله بالاستجابة.

و قوله:( وَ اللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَ مَثْواكُمْ ) تعليل لما في صدر الآية:( فَاعْلَمْ أَنَّهُ ) إلخ، و الظاهر أنّ المتقلّب مصدر ميميّ بمعنى الانتقال من حال إلى حال، و كذلك المثوى بمعنى الاستقرار و السكون، و المراد أنّه تعالى يعلم كلّ أحوالكم من متغيّر

٢٥٨

و ثابت و حركة و سكون فاثبتوا على توحيده و اطلبوا مغفرته، و احذروا أن يطبع على قلوبكم و يترككم و أهواءكم.

و قيل: المراد بالمتقلّب و المثوى التصرّف في الحياة الدنيا و الاستقرار في الآخرة و قيل: المتقلّب هو التقلّب من الأصلاب إلى الأرحام و المثوى السكون في الأرض.

و قيل: المتقلّب التصرّف في اليقظة و المثوى المنام، و قيل: المتقلّب التصرّف في المعايش و المكاسب و المثوى الاستقرار في المنازل، و ما قدّمناه أظهر و أعمّ.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ) إلى آخر الآية، لو لا تحضيضيّة أي هلّا اُنزلت سورة يظهرون بها الرغبة في نزول سورة جديدة تأتيهم بتكاليف جديدة يمتثلونها، و المراد بالسورة المحكمة المبيّنة الّتي لا تشابه فيها، و المراد بذكر القتال الأمر به.

و المراد بالّذين في قلوبهم مرض، الضعفاء الإيمان من المؤمنين دون المنافقين فإنّ الآية صريحة في أنّ الّذين أظهروا الرغبة في نزولها هم الّذين آمنوا، و لا يعمّ الّذين آمنوا للمنافقين إلّا على طريق المساهلة غير اللائقة بكلام الله تعالى فالآية كقوله تعالى في فريق من المؤمنين:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ) النساء: ٧٧.

و المغشيّ عليه من الموت هو المحتضر، يقال: غشيه غشاوة إذا ستره و غطّاه و غشي على فلان - بالبناء للمفعول - إذا نابه ما غشي فهمه، و نظر المغشيّ عليه من الموت إشخاصه ببصره إليك من غير أن يطرف.

و قوله:( فَأَوْلى‏ لَهُمْ ) لعلّه خبر لمبتدإ محذوف، و التقدير: أولى لهم ذلك أي حريّ بهم أن ينظروا كذلك أي أن يحتضروا فيموتوا، و عن الأصمعيّ أنّ قولهم:( أَوْلى‏ لَكَ ) كلمة تهديد معناه وليك و قارنك ما تكره، و الآية نظيرة قوله تعالى:( أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏ ثُمَّ أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى) القيامة: ٣٥.

و معنى الآية: و يقول الّذين آمنوا هلّا أنزلت سورة فإذا اُنزلت سورة محكمة

٢٥٩

لا تشابه فيها و اُمروا فيها بالقتال و الجهاد رأيت الضعفاء الإيمان منهم ينظرون إليك من شدّة الخشية نظر المحتضر فأولى لهم ذلك.

قوله تعالى: ( طاعَةٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ) عزم الأمر أي جدّ و تنجّز.

و قوله:( طاعَةٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ) كأنّه خبر لمبتدإ محذوف و التقدير أمرنا - أو أمرهم و شأنهم - أي إيمانهم بنا طاعة واثقونا عليها و قول معروف غير منكر قالوا لنا و هو إظهار السمع و الطاعة كما يحكيه تعالى عنهم بقوله:( آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ - إلى أن قال -وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا ) البقرة: ٢٨٥.

و على هذا يتّصل قوله بعده:( فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ) بما قبله اتّصالاً بيّنا، و المعنى: أنّ الأمر هو ما واثقوا الله عليه من قولهم:( سَمِعْنا وَ أَطَعْنا ) فلو أنّهم حين عزم الأمر صدقوا الله فيما قالوا و أطاعوه فيما يأمر به و منه أمر القتال لكان خيراً لهم.

و يحتمل أن يكون قوله:( طاعَةٌ ) إلخ، خبراً لضمير عائد إلى القتال المذكور و التقدير القتال المذكور في السورة طاعة منهم و قول معروف فلو أنّهم حين عزم الأمر صدقوا الله في إيمانهم و أطاعوه به لكان خيراً لهم. أمّا كونه طاعة منهم فظاهر، و أمّا كونه قولاً معروفاً فلأنّ إيجاب القتال و الأمر بالدفاع عن المجتمع الصالح لإبطال كيد أعدائه قول معروف يعرفه العقل و العقلاء.

و قيل: إنّ قوله:( طاعَةٌ ) إلخ، مبتدأ الخبر و التقدير طاعة و قول معروف خير لهم و أمثل، و قيل: مبتدأ خبره( فَأَوْلى‏ لَهُمْ ) في الآية السابقة فالآية من تمام الآية السابقة، و هو قول رديّ، و أردأ منه ما قيل: إن( طاعَةٌ ) إلخ، صفة لسورة في قوله:( فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ) و قيل غير ذلك.

قوله تعالى: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ) الخطاب للّذين في قلوبهم مرض المتثاقلين في أمر الجهاد في سبيل الله، و قد التفت إليهم بالخطاب لزيادة التوبيخ و التقريع، و الاستفهام للتقرير، و التولّي الإعراض و المراد به

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429