الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٨

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 429

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 429 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119925 / تحميل: 6149
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

و الخطاب في الآية اجتماعيّ موجّه إلى المجتمع غير منحلّ إلى خطابات جزئيّة و لازمه كون المراد بالمصيبة الّتي تصيبهم المصائب العامّة الشاملة كالقحط و الغلاء و الوباء و الزلازل و غير ذلك.

فيكون المراد أنّ المصائب و النوائب الّتي تصيب مجتمعكم و يصابون بها إنّما تصيبكم بسبب معاصيكم و الله يصفح عن كثير منها فلا يأخذ بها.

فالآية في معنى قوله تعالى:( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الروم: ٤١، و قوله:( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا ) الأعراف: ٩٦، و قوله:( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد: ١١، و غير ذلك من الآيات الدالّة على أنّ بين أعمال الإنسان و بين النظام الكونيّ ارتباطاً خاصّاً فلو جرى المجتمع الإنسانيّ على ما يقتضيه الفطرة من الاعتقاد و العمل لنزلت عليه الخيرات و فتحت عليه البركات و لو أفسدوا اُفسد عليهم.

هذا ما تقتضيه هذه السنّة الإلهيّة إلّا أن ترد عليه سنّة الابتلاء أو سنّة الاستدراج و الإملاء فينقلب الأمر، قال تعالى:( ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَ السَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ ) الأعراف: ٩٥.

و يمكن أن يكون الخطاب في الآية عامّاً منحلّاً إلى خطابات الأفراد فيكون ما يصاب كلّ إنسان بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده أو عرضه و ما يتعلّق به مستنداً إلى معصية أتى بها و سيّئة عملها و يعفو الله عن كثير منها.

و كيف كان فالخطاب في الآية لعامّة الناس من المؤمن و الكافر و هو الّذي يفيده السياق و تؤيّده الآية التالية هذا أوّلاً، و المراد بما كسبته الأيدي المعاصي و السيّئات دون مطلق الأعمال، و هذا ثانياً، و المصائب الّتي تصيب إنّما هي آثار الأعمال في الدنيا لما بين الأعمال و بينها من الارتباط و التداعي دون جزاء الأعمال و هذا ثالثاً.

و بما ذكر يندفع أوّلاً ما استشكل على عموم الآية بالمصائب النازلة على الأنبياءعليهم‌السلام و هم معصومون لا معصية لهم، المصائب النازلة على الأطفال و المجانين

٦١

و هم غير مكلّفين بتكليف فلا معصية لهم فيجب تخصيص الآية بمصائب الأنبياء و مصائب الأطفال و المجانين.

وجه الاندفاع أنّ إثبات المعصية لهم في قوله:( فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) دليل على أنّ الخطاب في الآية لمن يجوز عليه صدور المعصية فلا يشمل المعصومين و غير المكلّفين من رأس فعدم شمول الآية لهم من باب التخصّص دون التخصيص.

و ثانياً ما قيل: إنّ مقتضى الآية مغفرة ذنوب المؤمنين جميعاً فإنّها بين ما يجزون عليها بإصابة المصائب و ما يعفى عنها.

وجه الاندفاع أنّ الآية مسوقة لبيان ارتباط المصائب بالمعاصي و كون المعاصي ذوات آثار دنيويّة سيّئة منها ما يصيب الإنسان و لا يخطئ و منها ما يعفى عنه فلا يصيب لأسباب صارفة و حكم مانعة كصلة الرحم و الصدقة و دعاء المؤمن و التوبة و غير ذلك ممّا وردت به الأخبار، و أمّا جزاء الأعمال فالآية غير ناظرة إليه كما تقدّم.

على أنّ الخطاب في الآية يعمّ المؤمن و الكافر كما تقدّمت الإشارة إليه، و لا معنى لتبعضّها في الدلالة فتدلّ على المغفرة في المؤمن و عدمها في الكافر.

و بعد هذا كلّه فالوجه الأوّل هو الأوجه.

قوله تعالى: ( وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ ) ، معنى الآية ظاهر و هي باتّصالها بما قبلها تفيد أنّكم لا تعجزون الله حتّى لا تصيبكم المصائب لذنوبكم و ليس لكم من دونه من وليّ يتولّى أمركم فيدفع عنكم المصائب و لا نصير ينصركم و يعينكم على دفعها.

قوله تعالى: ( وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ) ، الجواري جمع جارية و هي السفينة، و الأعلام جمع علم و هو العلامة و يسمّى به الجبل و شبّهت السفائن بالجبال لعظمها و ارتفاعها و الباقي ظاهر.

قوله تعالى: ( إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى‏ ظَهْرِهِ ) إلخ، ضمير( يَشَأْ ) لله تعالى، و ظلّ بمعنى صار، و( رواكد) جمع راكدة و هي الثابتة في محلّها و المعنى: إن يشأ الله يسكن الريح الّتي تجري بها الجواري فيصرن أي الجواري ثوابت

٦٢

على ظهر البحر.

و قوله:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) أصل الصبر الحبس و أصل الشكر إظهار نعمة المنعم بقول أو فعل، و المعنى: إنّ فيما ذكر من أمر الجواري من كونها جارية على ظهر البحر بسبب جريان الرياح ناقلة للناس و أمتعتهم من ساحل إلى ساحل لآيات لكلّ من حبس نفسه عن الاشتغال بما لا يعنيه و اشتغل بالتفكّر في نعمه و التفكّر في النعمة من الشكر.

و قيل: المراد بكلّ صبّار شكور المؤمن لأنّ المؤمن لا يخلو من أن يكون في الضرّاء أو في السرّاء فإن كان في الضرّاء كان من الصابرين و إن كان في السّرّاء كان من الشاكرين.

قوله تعالى: ( أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَ يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ) الإيباق الإهلاك، و ضمير التأنيث للجواري و ضمير التذكير للناس، و يوبقهنّ و يعف معطوفان على( يُسْكِنِ ) ، و المعنى: إن يشأ يهلك الجواري بإغراقها بسبب ما كسبوا من السيّئات و يعف عن كثير منها أي إنّ بعضها كاف في اقتضاء الإهلاك و إن عفا عن كثير منها.

و قيل: المراد بإهلاكها إهلاك أهلها إمّا مجازاً أو بتقدير مضاف، و( يُوبِقْهُنَّ ) بالعطف على( يُسْكِنِ ) في معنى يرسل الرياح العاصفة فيوبقهم، و المعنى: إن يشأ يسكن الريح إلخ، و إن يشأ يرسلها فيهلكهم بالإغراق و ينج كثيراً منهم بالعفو، و المحصّل: إن يشأ يسكن الريح أو يرسلها فيهلك ناساً بذنوبهم و ينج ناساً بالعفو عنهم و لا يخفى وجه التكلّف فيه.

و قيل: إنّ( يَعْفُ ) عطف على قوله:( يُسْكِنِ الرِّيحَ ) إلى قوله:( بِما كَسَبُوا ) و لذا عطف بالواو لا بأو، و المعنى: إن يشأ يعاقبهم بالإسكان أو الإعصاف و إن يشأ يعف عن كثير. و هو في التكلّف كسابقه.

قوله تعالى: ( وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ) قيل: هو غاية معطوفة على اُخرى محذوفة، و التقدير نحو من قولنا: ليظهر به قدرته و يعلم الّذين يجادلون في آياتنا ما لهم من مفرّ و لا مخلص، و هذا كثير الورود في القرآن الكريم

٦٣

غير أنّ المعطوف فيما ورد فيه مقارن للأم الغاية كقوله:( وَ لِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) آل عمران: ١٤٠.

و قوله:( وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) الأنعام: ٧٥.

و جوّز بعضهم أن يكون معطوفاً على جزاء الشرط بتقدير إن نحو إن جئتني اُكرمك و اُعطيك كذا و كذا بنصب اُعطيك، و المسألة نحويّة خلافيّة فليرجع إلى ما ذكروه فيه.

قوله تعالى: ( فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) إلخ، تفصيل لما تقدّم ذكره من الرزق و تقسيم له إلى ما عند الناس من رزق الدنيا الشامل للمؤمن و الكافر و ما عندالله من رزق الآخرة المختصّ بالمؤمنين، و فيه تخلّص إلى ذكر صفات المؤمنين و ذكر بعض ما يلقاه الظالمون يوم القيامة.

فقوله:( فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ) الخطاب للناس على ما يفيده السياق دون المشركين خاصّة، و المراد بما اُوتيتم من شي‏ء جميع ما اُعطيه للناس و رزقوه من النعيم، و إضافة المتاع إلى الحياة للإشارة إلى انقطاعه و عدم ثباته و دوامه، و المعنى: فكلّ شي‏ء اُعطيتموه ممّا عندكم متاع تتمتّعون به في أيّام قلائل.

و قوله:( وَ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) المراد بما عند الله ما ادّخره الله ثواباً ليثيب به المؤمنين، و اللّام في( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) للملك و الظرف لغو، و قيل اللّام متعلّق بقوله:( أَبْقى) و الأوّل أظهر، و كون ما عند الله خيراً لكونه خالصاً من الألم و الكدر و كونه أبقى لكونه أدوم غير منقطع الآخر.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) عطف على قوله:( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) و الآية و آيتان بعدها تعدّ صفات المؤمنين الحسنة و قول بعضهم أنّه كلام مستأنف لا يساعد عليه السياق.

و كبائر الإثم المعاصي الكبيرة الّتي لها آثار سوء عظيمة و قد عدّ تعالى منها شرب الخمر و الميسر، قال تعالى:( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ) البقرة: ٢١٩، و الفواحش جمع فاحشة و هي المعصية الشنيعة النكراء و قد عدّ تعالى منها الزنا و اللواط قال:( وَ لا

٦٤

تَقْرَبُوا الزِّنى‏ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً ) إسراء: ٣٢، و قال حاكياً عن لوط:( أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) النمل: ٥٤.

و قوله:( يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ ) و هو في سورة مكّيّة إشارة إلى إجمال ما سيفصّل من تشريع تحريم كبائر المعاصي و الفواحش.

و في قوله:( وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) إشارة إلى العفو عند الغضب و هو من أخصّ صفات المؤمنين و لذا عبّر عنه بما عبّر و لم يقل: و يغفرون إذا غضبوا ففي الكلام جهات من التأكيد و ليس قصراً للمغفرة عند الغضب فيهم.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ ) إلخ، الاستجابة هي الإجابة و استجابتهم لربّهم إجابتهم لما يكلّفهم به من الأعمال الصالحة - على ما يفيده السياق - و ذكر إقامة الصلاة بعدها من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ لشرفه.

على أنّ الظاهر أنّ الآيات مكّيّة و لم يشرّع يومئذ أمثال الزكاة و الخمس و الصوم و الجهاد، و في قوله:( وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ ) من الإشارة إلى الإجمال الأعمال الصالحة المشرّعة نظير ما تقدّم في قوله:( وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ) إلخ، و نظير الكلام جار في الآيات التالية.

و قوله:( وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ ) قال الراغب: و التشاور و المشاورة و المشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم: شرت العسل إذا أخذته من موضعه و استخرجته منه، قال تعالى:( وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) و الشورى الأمر الّذي يتشاور فيه، قال تعالى:( وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ ) انتهى. فالمعنى: الأمر الّذي يعزمون عليه شورى بينهم يتشاورون فيه، و يظهر من بعضهم أنّه مصدر، و المعنى: و شأنهم المشاورة بينهم.

و كيف كان ففيه إشارة إلى أنّهم أهل الرشد و إصابة الواقع يُمعنون في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول فالآية قريبة المعنى من قول الله تعالى:( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) الزمر: ١٨.

و قوله:( وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) إشارة إلى بذل المال لمرضاة الله.

٦٥

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) قال الراغب: الانتصار و الاستنصار طلب النصرة. انتهى. فالمعنى: الّذين إذا أصاب الظلم بعضهم طلب النصرة من الآخرين و إذا كانوا متّفقين على الحقّ كنفس واحدة فكأنّ الظلم أصاب جميعهم فطلبوا المقاومة قباله و أعدّوا عليه النصرة.

و عن بعضهم أنّ الانتصار بمعنى التناصر نظير اختصم و تخاصم و استبق و تسابق و المعنى عليه ظاهر.

و كيف كان فالمراد مقاومتهم لرفع الظلم فلا ينافي المغفرة عند الغضب المذكورة في جملة صفاتهم فإنّ المقاومة دون الظلم و سدّ بابه عن المجتمع لمن استطاعه و الانتصار و التناصر لأجله من الواجبات الفطريّة، قال تعالى:( وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) الأنفال: ٧٢، و قال:( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللهِ ) الحجرات: ٩.

قوله تعالى: ( وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) إلى آخر الآية بيان لما جعل للمنتصر في انتصاره و هو أن يقابل الباغي بما يماثل فعله و ليس بظلم و بغي.

قيل: و سمّي الثانية و هي ما يأتي بها المنتصر سيّئة لأنّها في مقابلة الاُولى كما قال تعالى:( فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ ) البقرة: ١٩٤، و قال الزمخشريّ: كلتا الفعلتين: الاُولى و جزاؤها سيّئة لأنّها تسوء من تنزل به ففيه رعاية لحقيقة معنى اللّفظ و إشارة إلى أنّ مجازاة السيّئة بمثلها إنّما تحمد بشرط المماثلة من غير زيادة.

و قوله:( فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) وعد جميل على العفو و الإصلاح، و الظاهر أنّ المراد بالإصلاح إصلاحه أمره فيما بينه و بين ربّه، و قيل: المراد إصلاحه ما بينه و بين ظالمة بالعفو و الإغضاء.

و قوله:( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) قيل: فيه بيان أنّه تعالى لم يرغّب المظلوم في العفو عن الظالم لميله إلى الظالم أو لحبّه إيّاه و لكن ليعرض المظلوم بذلك لجزيل الثواب، و لحبّه تعالى الإحسان و الفضل.

٦٦

و قيل: المراد أنّه لا يحبّ الظالم في قصاص و غيره بتعدّيه عمّا هو له إلى ما ليس هو له.

و الوجهان و إن كانا حسنين في نفسهما لكن سياق الآية لا يساعد عليهما و خاصّة مع حيلولة قوله:( فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) بين التعليل و المعلّل.

و يمكن أيضاً أن يكون قوله:( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) تعليلاً لأصل كون جزاء السيّئة سيّئة من غير نظر إلى المماثلة و المساواة.

قوله تعالى: ( وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ - إلى قوله -لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) ضمير( ظُلْمِهِ ) راجع إلى المظلوم. و الإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله.

الآيات الثلاث تبيين و رفع لبس من قوله في الآية السابقة:( فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) فمن الجائز أن يتوهّم المظلوم أنّ في ذلك إلغاء لحقّ انتصاره فبيّن سبحانه بقوله أوّلاً:( وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) أن لا سبيل على المظلومين و لا مجوّز لإبطال حقّهم في الشرع الإلهيّ، و إرجاع ضمير الإفراد إلى الموصول أوّلاً باعتبار لفظه، و ضمير الجمع ثانياً باعتبار معناه.

و بين بقوله ثانياً:( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أنّ السبيل كلّه على الظالمين في الانتقام منهم للمظلومين، و أكّد ذلك ذيلاً بقوله:( أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

و بيّن بقوله ثالثاً:( وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) إنّ الدعوة إلى الصبر و العفو ليست إبطالاً لحقّ الانتصار و إنّما هي إرشاد إلى فضيلة هي من أعظم الفضائل فإنّ في المغفرة الصبر الّذي هو من عزم الاُمور، و قد أكّد الكلام بلام القسم أوّلاً و باللام في خبر إنّ ثانياً لإفادة العناية بمضمونه.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ ) إلخ، لمّا ذكر المؤمنين بأوصافهم و أنّ لهم عندالله رزقهم المدّخر لهم و فيه سعادة عقباهم الّتي هداهم الله إليها التفت إلى غيرهم و هم الظالمون الآئسون من تلك الهداية الموصلة إلى السعادة المحرومون

٦٧

من هذا الرزق الكريم فبيّن أنّ الله سبحانه أضلّهم لكفرهم و تكذيبهم فلا ينتهون إلى ما عنده من الرزق و لا يسعدهم به و ليس لهم من دونه من وليّ حتّى يتولّى أمرهم و يرزقهم ما حرّمهم الله من الرزق، فهم صفر الأكفّ يتمنّون عند مشاهدة العذاب الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فيكونوا أمثال المؤمنين.

فقوله:( وَ مَنْ يُضْلِلِ اللهُ ) إلخ، من قبيل وضع السبب و هو إضلال الله لهم و عدم وليّ آخر يتولّى أمرهم فيهديهم و يرزقهم موضع المسبّب و هو الهداية و الرزق.

و قوله:( وَ تَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى‏ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) إشارة إلى تمنّيهم الرجوع إلى الدنيا بعد اليأس عن السعادة و مشاهدة العذاب.

و( تَرَى ) خطاب عامّ وجّه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أنّه راء و معناه و ترى و يرى كلّ من هو راء، و فيه إشارة إلى أنّهم يتمنّون ذلك على رؤس الأشهاد، و المردّ هو الردّ.

قوله تعالى: ( وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) ضمير( عَلَيْها ) للنار للدلالة المقام عليها و خفيّ الطرف ضعيفة و إنّما ينظر من طرف خفيّ. إلى المكاره المهولة من ابتلي بها فهو لا يريد أن ينصرف فيغفل عنها و لا يجترئ أن يمتلئ بها بصره كالمبصور ينظر إلى السيف، و الباقي ظاهر.

و قوله:( وَ قالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) أي إنّ الخاسرين كلّ الخسران و بحقيقته هم الّذين خسروا أنفسهم بحرمانها عن النجاة و أهليهم بعدم الانتفاع بهم يوم القيامة. و قيل أهلوهم أزواجهم من الحور و خدمهم في الجنّة لو آمنوا و لا يخلو من وجه نظراً إلى آيات وراثة الجنّة.

و هذا القول المنسوب إلى المؤمنين إنّما يقولونه يوم القيامة - و التعبير بلفظ الماضي لتحقّق الوقوع - لا في الدنيا كما يظهر من بعضهم فليس لاستناده تعالى إلى مقالة المؤمنين في الدنيا وجه في مثل المقام، و ليس القائلون به جميع المؤمنين كائنين من كانوا و إنّما هم الكاملون منهم المأذون لهم في الكلام الناطقون بالصواب محضاً كأصحاب الأعراف و شهداء الأعمال قال تعالى:( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) هود: ١٠٥.

٦٨

و قال:( لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً ) النبأ: ٣٨.

فلا يصغي إلى ما قيل: إنّ القول المذكور إنّما نسب إلى المؤمنين للدلالة على ابتهاجهم بما رزقوا يومئذ من الكرامة و نجوا من الخسران و إلّا فالقول قول كلّ من يتأتّى منه القول من أهل الجمع كما أنّ الرؤية المذكورة قبله رؤية كلّ من تتأتّى منه الرؤية.

و قوله:( أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ ) تسجيل عليهم بالعذاب و أنّه دائم غير منقطع، و جوّز أن يكون من تمام كلام المؤمنين.

قوله تعالى: ( وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ) إلخ، هذا التعبير أعني قوله:( وَ ما كانَ لَهُمْ ) إلخ، دون أن يقال: و ما لهم من ولي كما قيل أوّلاً للدلالة على ظهور بطلان دعواهم ولاية أوليائهم في الدنيا و أنّ ذلك كان باطلاً من أوّل الأمر.

و قوله:( وَ مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ) صالح لتعليل صدر الآية و هو كالنتيجة لجميع ما تقدّم من الكلام في حال الظالمين في عقباهم، و نوع انعطاف إلى ما سبق من حديث تشريع الشريعة و السبيل بالوحي.

فهو كناية عن أنّه لا سبيل إلى السعادة إلّا سبيل الله الّذي شرعه لعباده من طريق الوحي و الرسالة فمن أضلّه عن سبيله لكفره و تكذيبه بسبيله فلا سبيل له يهتدي به إلى سعادة العقبى و التخلّص من العذاب و الهلاك.

قوله تعالى: ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ) دعوة و إنذار بيوم القيامة المذكور في الآيات السابقة على ما يعطيه السياق، و قول بعضهم: إنّ المراد باليوم يوم الموت غير وجيه.

و في قوله:( لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ) ( لا ) لنفي الجنس و( مَرَدَّ ) اسمه و( لَهُ ) خبره و( مِنَ اللهِ ) حال من( مَرَدَّ ) و المعنى، يوم لا ردّ له من قبل الله أي إنّه مقضيّ محتوم لا يردّه الله البتّة فهو في معنى ما تكرّر في كلامه تعالى من وصف يوم القيامة بأنّه لا ريب فيه.

٦٩

و قد ذكروا للجملة أعني قوله:( يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ) وجوهاً اُخر من الإعراب لا جدوى في نقلها.

و قوله:( ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ) الملجأ الملاذ الّذي يلتجأ إليه و النكير - كما قيل - مصدر بمعنى الإنكار، و المعنى: ما لكم من ملاذ تلتجؤن إليه من الله و ما لكم من إنكار لما صدر منكم لظهور الأمر من كلّ جهة.

قوله تعالى: ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ) عدول من خطابهم إلى خطاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإعلام أنّ ما حمّله من الأمر إنّما هو التبليغ لا أزيد من ذلك فقد اُرسل مبلّغاً لدين الله إن عليه إلّا البلاغ و لم يرسل حفيظاً عليهم مسؤلاً عن إيمانهم و طاعتهم حتّى يمنعهم عن الإعراض و يتعب نفسه لإقبالهم عليه.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ ) الفرح بالرحمة كناية عن الاشتغال بالنعمة و نسيان المنعم، و المراد بالسيّئة المصيبة الّتي تسوء الإنسان إذا أصابته، و قوله:( فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ ) من وضع الظاهر موضع الضمير، و النكتة فيه تسجيل الذمّ و اللّوم عليه بذكره باسمه.

و في الآية استشعار بإعراضهم و توبيخهم بعنوان الإنسان المشتغل بالدنيا فإنّه بطبعه حليف الغفلة إن ذكّر بنعمة يؤتاها صرفه الفرح بها عن ذكر الله، و إن ذكّر بسيّئة تصيبه بما قدّمت يداه شغله الكفران عن ذكر ربّه فهو في غفلة عن ذكر ربّه في نعمة كانت أو في نقمة فكاد أن لا تنجح فيه دعوة و لا تنفع فيه موعظة.

قوله تعالى: ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ) إلى آخر الآيتين، للآيتين نوع اتّصال بما تقدّم من حديث الرزق لما أنّ الأولاد المذكورين فيهما من قبيل الرزق.

و قيل: إنّهما متّصلتان بالآية السابقة حيث ذكر فيها إذاقة الرحمة و إصابة السيّئة و إنّ الإنسان يفرح بالرحمة و يكفر في السيّئة فذكر تعالى في هاتين الآيتين أنّ ملك السماوات و الأرض لله سبحانه يخلق ما يشاء فليس لمن يذوق رحمته أن يفرح بها و

٧٠

يشتغل به و لا لمن أصابته السيّئة أن يكفر و يعترض بل له الخلق و الأمر فعلى المرحوم أن يشكر و على المصاب أن يرجع إليه.

و يبعّده أنّه تعالى لم ينسب السيّئة في الآية السابقة إلى نفسه بل إلى تقديم أيديهم فلا يناسبه نسبة القسمين جميعاً في هذه الآية إلى مشيّته و دعوتهم إلى التسليم لها.

و كيف كان فقوله:( لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ) فيه قصر الملك و السلطنة فيه تعالى على جميع العالم و أنّ الخلق منوط بمشيّته من غير أن يكون هناك أمر يوجب عليه المشيّة أو يضطرّه على الخلق.

و قوله:( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) الإناث جمع اُنثى و الذكور و الذكران جمعاً ذكر، و ظاهر التقابل أنّ المراد هبة الإناث فقط لمن يشاء و هبة الذكور فقط لمن يشاء و لذلك كرّرت المشيّة، قيل: وجه تعريف الذكور أنّهم المطلوبون لهم المعهودون في أذهانهم و خاصّة العرب.

و قوله:( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً ) أي يجمع بينهم حال كونهم ذكراناً و إناثاً معاً فالتزويج في اللغة الجمع، و قوله:( وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً ) أي لا يلد و لا يولد له، و لما كان هذا أيضاً قسماً برأسه قيّده بالمشيّة كالقسمين الأوّلين، و أما قسم الجمع بين الذكران و الإناث فإنّه بالحقيقة جمع بين القسمين الأوّلين فاكتفى بما ذكر من المشيّة فيهما.

و قوله:( إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) تعليل لما تقدّم أي إنّه عليم لا يزيد ما يزيد لجهل قدير لا ينقص ما ينقص عن عجز.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه و البيهقيّ عن عليّ قال: إنّما اُنزلت هذه الآية في أصحاب الصفّة:( وَ لَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ) و ذلك أنّهم قالوا: لو أنّ لنا فتمنّوا الدنيا.

أقول: و الآية على هذا مدنيّة لكنّ الرواية أشبه بالتطبيق منها بسبب النزول.

٧١

و في تفسير القمّيّ قوله:( وَ لَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ) : قال الصادقعليه‌السلام : لو فعل لفعلوا و لكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى بعض و استعبدهم بذلك و لو جعلهم أغنياء لبغوا( وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ ) ممّا يعلم أنّه يصلحهم في دينهم و دنياهم( إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) .

و في المجمع، روى أنس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله جلّ ذكره: إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا السقم و لو صحّحته لأفسده، و إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الصحّة و لو أسقمته لأفسده، و إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الغنى و لو أفقرته لأفسده، و إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر و لو أغنيته لأفسده، و ذلك أنّي اُدبّر عبادي لعلمي بقلوبهم.

و في تفسير القمّيّ، حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: إنّي سمعته يقول: إنّي اُحدّثكم بحديث ينبغي لكلّ مسلم أن يعيه. ثمّ أقبل علينا فقال: ما عاقب الله عبداً مؤمناً في هذه الدنيا إلّا كان الله أحكم و أجود و أمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة.

ثمّ قال: و قد يبتلي الله عزّوجلّ المؤمن بالبليّة في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله ثمّ تلا هذه الآية:( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ- وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) و حثا بيده ثلاث مرّات.

و في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: أما إنّه ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا صداع و لا مرض إلّا بذنب و ذلك قول الله عزّوجلّ في كتابه:( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) قال: ثمّ قال: و ما يعفو الله أكثر ممّا يؤاخذ به.

أقول: و روي هذا المعنى بطريق آخر عن مسمع عنهعليه‌السلام ، و روي مثله في الدرّ المنثور، عن الحسن عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لفظه: لمّا نزلت هذه الآية( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و الّذي نفسي بيده ما من خدش عود و لا اختلاج عرق و لا نكبة حجر و لا عثرة قدم إلّا بذنب، و ما يعفو الله عنه أكثر.

٧٢

و في الكافي، أيضاً بإسناده عن عليّ بن رئاب قال: سألت أباعبدالله عن قول الله عزّوجلّ:( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) أ رأيت ما أصاب عليّاً و أهل بيتهعليهم‌السلام من بعده أ هو بما كسبت أيديهم و هم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوب إلى الله و يستغفر في كلّ يوم و ليلة مائة مرّة من غير ذنب إنّ الله يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها.

و في المجمع، روي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير آية في كتاب الله هذه الآية. يا علىّ ما من خدش عود و لا نكبة قدم إلّا بذنب، و ما عفي إله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه، و ما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثنّي على عبده.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من أرباب الجوامع عن عليّعليه‌السلام عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و فحوى الرواية أنّ قوله تعالى:( وَ ما أَصابَكُمْ ) الآية خاصّ بالمؤمنين و الخطاب لهم و أنّ مفاده غفران ذنوبهم كافّة فلا يعاقبون عليها في برزخ و لا قيامة لأنّ الآية تقصر الذنوب في مأخوذ به بإصابة المصيبة و معفوّ عنه و مفاد الرواية نفي المؤاخذة بعد المؤاخذة و نفي المؤاخذة بعد العفو.

فيشكل الأمر أوّلاً: من جهة ما عرفت أنّ الآية في سياق يفيد عموم الخطاب للمؤمن و الكافر.

و ثانياً: من جهة معارضة الرواية لما ورد في أخبار متكاثرة لعلّها تبلغ حدّ التواتر المعنويّ من أنّ من المؤمنين من يعذّب في قبره أو في الآخرة.

و ثالثاً: من جهة مخالفة الرواية لظواهر ما دلّت من الآيات على أنّ موطن جزاء الأعمال هي الدار الآخرة كقوله تعالى:( وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ ) النحل: ٦١، و غيره من الآيات الدالّة على أنّ كلّ مظلمة و معصية مأخوذ بها و أنّ موطن الأخذ هو ما بعد الموت و في القيامة إلّا ما غفرت بالتوبة أو تذهب بحسنة أو بشفاعة في الآخرة أو نحو ذلك.

٧٣

على أنّ الآية أعني قوله:( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) - كما تقدّمت الإشارة إليه - غير ظاهرة في كون إصابة المصيبة جزاء للعمل و لا في كون العفو بمعنى إبطال الجزاء و إنّما هو الأثر الدنيويّ للسيّئة يصيب مرّة و يمحى اُخرى.

فالحريّ أن تحمل الرواية - لو قبلت - على الأخذ بحسن الظنّ بالله سبحانه.

و في المجمع في قوله تعالى:( وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ ) و قد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: ما من رجل يشاور أحداً إلّا هدي إلى الرشد.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله عزّوجلّ:( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً ) يعني ليس معهنّ ذكور( وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) يعني ليس معهم اُنثى( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً ) أي يهب لمن يشاء ذكراناً و إناثاً جميعاً يجمع له البنين و البنات أي يهبهم جميعاً لواحد.

و في التهذيب، بإسناده عن الحسين بن علوان عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام قال: أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل فقال: يا رسول الله إنّ أبي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضرّة لي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت و مالك من هبة الله لأبيك أنت سهم من كنانته( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً ) جازت عتاقة أبيك يتناول والدك من مالك و بدنك و ليس لك أن تتناول من ماله و لا من بدنه شيئاً إلّا بإذنه.

أقول: و هذا المعنى مرويّ عن الرضاعليه‌السلام في جواب مسائل محمّد بن سنان في العلل و مرويّ من طرق أهل السنّة عن عائشة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٤

( سورة الشورى الآيات ٥١ - ٥٣)

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ  إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( ٥١ ) وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا  مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا  وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ٥٢ ) صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( ٥٣ )

( بيان‏)

تتضمّن الآيات آخر ما يفيده سبحانه في تعريف الوحي في هذه السورة و هو تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء ثمّ يذكر أنّه يوحي إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يوحي، على هذه الوتيرة و أنّ ما اُوحي إليه منه تعالى لم يكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم ذلك من نفسه بل هو نور يهدي به الله من يشاء من عباده و يهدي به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإذنه.

قوله تعالى: ( وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) إلخ، قد تقدّم البحث عن معنى كلامه تعالى في الجزء الثاني من الكتاب، و إطلاق الكلام على كلامه تعالى و التكليم على فعله الخاصّ سواء كان إطلاقاً حقيقيّاً أو مجازيّاً واقع في كلامه تعالى قال:( يا مُوسى‏ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ

٧٥

عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي ) الأعراف: ١٤٤ و قال:( وَ كَلَّمَ اللهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً ) النساء: ١٦٤، و من مصاديق كلامه ما يتلقّاه الأنبياءعليهم‌السلام منه تعالى بالوحي.

و على هذا لا موجب لعدّ الاستثناء في قوله:( إِلَّا وَحْياً ) منقطعاً بل الوحي و القسمان المذكوران بعده من تكليمه تعالى للبشر سواء كان إطلاق التكليم عليها إطلاقاً حقيقيّاً أو مجازيّاً فكلّ واحد من الوحي و ما كان من وراء حجاب و ما كان بإرسال رسول نوع من تكليمه للبشر.

فقوله:( وَحْياً ) - و الوحي الإشارة السريعة على ما ذكره الراغب - مفعول مطلق نوعيّ و كذا المعطوفان عليه في معنى المصدر النوعيّ، و المعنى: ما كان لبشر أن يكلّمه الله نوعاً من أنواع التكليم إلّا هذه الأنواع الثلاثة أن يوحي وحياً أو يكون من وراء حجاب أو أن يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء.

ثمّ إنّ ظاهر الترديد في الآية بأو هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام و قد قيّد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب، و الرسول الّذي يوحي إلى النبيّ و لم يقيّد القسم الأوّل بشي‏ء فظاهر المقابلة يفيد أنّ المراد به التكليم الخفيّ من دون أن يتوسّط واسطة بينة تعالى و بين النبيّ أصلاً، و أمّا القسمان الآخران ففيهما قيد زائد و هو الحجاب أو الرسول الموحي و كلّ منهما واسطة غير أنّ الفارق أنّ الواسطة الّذي هو الرسول يوحي إلى النبيّ بنفسه و الحجاب واسطة ليس بموح و إنّما الوحي من ورائه.

فتحصّل أنّ القسم الثالث( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) وحي بتوسّط الرسول الّذي هو ملك الوحي فيوحي ذلك الملك بإذن الله ما يشاء الله سبحانه قال تعالى:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ ) الشعراء: ١٩٤، و قال:( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى‏ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ ) البقرة: ٩٧، و الموحي مع ذلك هو الله سبحانه كما قال:( بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ) يوسف: ٣.

و أمّا قول بعضهم: إنّ المراد بالرسول في قوله:( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) هو النبيّ يبلغ الناس الوحي فلا يلائمه قوله:( فَيُوحِيَ ) إذ لا يطلق الوحي على تبليغ النبيّ.

٧٦

و إنّ القسم الثاني( أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) وحي مع واسطة هو الحجاب غير أنّ الواسطة لا يوحي كما في القسم الثالث و إنّما يبتدئ الوحي ممّا وراءه لمكان من، و ليس وراء بمعنى خلف و إنّما هو الخارج عن الشي‏ء المحيط به، قال تعالى:( وَ اللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ) البروج: ٢٠، و هذا كتكليم موسىعليه‌السلام في الطور، قال تعالى:( فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ) القصص: ٣٠، و من هذا الباب ما اُوحي إلى الأنبياء في مناماتهم.

و إنّ القسم الأوّل تكليم إلهيّ للنبيّ من غير واسطة بينة و بين ربّه من رسول أو أيّ حجاب مفروض.

و لمّا كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها صحّ إسناد مطلق الوحي إليه بأيّ قسم من الأقسام تحقّق و بهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه كما قال:( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) النساء: ١٦٣، و قال:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ) النحل: ٤٣.

هذا ما يعطيه التدبّر في الآية الكريمة، و للمفسّرين فيها أبحاث طويلة الذيل و مشاجرات أضربنا عن الاشتغال بها من أرادها فليراجع المفصّلات.

و قوله:( إنّه عليّ حكيم) تعليل لمضمون الآية فهو تعالى لعلوّه عن الخلق و النظام الحاكم فيهم يجلّ أن يكلّمهم كما يكلّم بعضهم بعضاً، و لعلوّه و حكمته يكلّمهم بما اختار من الوحي و ذلك أنّ هداية كلّ نوع إلى سعادته من شأنه تعالى كما قال:( الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ ) طه: ٥٠، و قال:( وَ عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) النحل: ٩، و سعادة الإنسان الّذي يسلك سبيل سعادته بالشعور و العلم في إعلام سعادته و الدلالة إلى سنّة الحياة الّتي تنتهي إليها و لا يكفي في ذلك العقل الّذي من شأنه الإخطاء و الإصابة فاختار سبحانه لذلك طريق الوحي الّذي لا يخطئ البتّة، و قد فصّلنا القول في هذه الحجّة في موارد من هذا الكتاب.

قوله تعالى: ( وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ

٧٧

وَ لَا الْإِيمانُ ) إلخ، ظاهر السياق كون( كَذلِكَ ) إشارة إلى ما ذكر في الآية السابقة من الوحي بأقسامه الثلاث، و يؤيّده الروايات الكثيرة الدالّة على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما كان يوحى إليه بتوسّط جبريل و هو القسم الثالث كان يوحى إليه في المنام و هو من القسم الثاني و يوحى إليه من دون توسّط واسطة و هو القسم الأوّل.

و قيل: الإشارة إلى مطلق الوحي النازل على الأنبياء و هذا متعيّن على تقدير كون المراد بالروح هو جبريل أو الروح الأمريّ كما سيأتي.

و المراد بإيحاء الروح - على ما قيل - إيحاء القرآن و اُيّد بقوله:( و لكن جعلناه نورا) إلخ، و من هنا قيل: إنّ المراد بالروح القرآن.

لكن يبقى عليه أوّلاً: أنّه لا ريب أنّ الكلام مسوق لبيان أنّ ما عندك من المعارف و الشرائع الّتي تتلبّس بها و تدعو الناس إليها ليس ممّا أدركته بنفسك و أبديته بعلمك بل أمر من عندنا منزّل إليك بوحينا، و على هذا فلو كان المراد بالروح الموحي القرآن كان من الواجب الاقتصار على الكتاب في قوله:( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ ) لأنّ المراد بالكتاب القرآن فيكون الإيمان زائداً مستغنى عنه.

و ثانياً: أنّ القرآن و إن أمكن أن يسمّى روحاً باعتبار إحيائه القلوب بهداه كما قال تعالى:( إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ) الأنفال: ٢٤، و قال:( أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) الأنعام: ١٢٢، لكن لا وجه لتقيده حينئذ بقوله:( مِنْ أَمْرِنا ) و الظاهر من كلامه تعالى أنّ الروح من أمره خلق من العالم العلوي يصاحب الملائكة في نزولهم، قال تعالى:( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) القدر: ٤، و قال:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) النبأ: ٣٨، و قال:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: ٨٥، و قال:( وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) البقرة: ٨٧، و قد سمّي جبريل الروح الأمين و روح القدس حيث قال:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) الشعراء: ١٩٣، و قال:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) النحل: ١٠٢.

و يمكن أن يجاب عن الأوّل بأنّ مقتضى المقام و إن كان هو الاقتصار على ذكر الكتاب فقط لكن لمّا كان إيمانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتفاصيل ما في الكتاب من المعارف و الشرائع

٧٨

من لوازم نزول الكتاب غير المنفكة عنه و آثاره الحسنة صحّ أن يذكر مع الكتاب فالمعنى: و كذلك أوحينا إليك كتاباً ما كنت تدري ما الكتاب و لا ما تجده في نفسك من أثره الحسن الجميل و هو إيمانك به.

و عن الثاني أنّ المعهود من كلامه في معنى الروح و إن كان ذلك لكن حمل الروح في الآية على ذلك المعنى و إرادة الروح الأمريّ أو جبريل منه يوجب أخذ( أَوْحَيْنا ) بمعنى أرسلنا إذ لا يقال: أوحينا الروح الأمريّ أو الملك فلا مفرّ من كون الإيحاء بمعنى الإرسال و هو كما ترى فأخذ الروح بمعنى القرآن أهون من أخذ الإيحاء بمعنى الإرسال و الجوابان لا يخلوان عن شي‏ء.

و قيل: المراد بالروح جبريل فإنّ الله سمّاه في كتابه روحاً قال:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ ) الشعراء: ١٩٤ و قال:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) .

و قيل: المراد بالروح الروح الأمريّ الّذي ينزّل مع ملائكة الوحي على الأنبياء كما قال تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا ) النحل: ٢، فالمراد بإيحائه إليه إنزاله عليه.

و يمكن أن يوجّه التعبير عن الإنزال بالإيحاء بأنّ أمره تعالى على ما يعرّفه في قوله:( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ ) يس: ٨٢، هو كلمته، و الروح من أمره كما قال:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: ٨٥، فهو كلمته، و هو يصدّق ذلك قوله في عيسى بن مريمعليه‌السلام :( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ ) النساء: ١٧١، و إنزال الكلمة تكليم فلا ضير في التعبير عن إنزال الروح بإيحائه، و الأنبياء مؤيّدون بالروح في أعمالهم كما أنّهم يوحى إليهم الشرائع به قال تعالى:( وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) و قد تقدّمت الإشارة إليه في تفسير قوله تعالى:( وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ ) الأنبياء: ٧٣.

و يمكن رفع إشكال كون الإيحاء بمعنى الإنزال و الإرسال بالقول بكون قوله:( رُوحاً ) منصوباً بنزع الخافض و رجوع ضمير( جعلناه) إلى القرآن المعلوم من السياق أو الكتاب و المعنى و كذلك أوحينا إليك القرآن بروح منّا ما كنت تدري ما الكتاب

٧٩

و ما الإيمان و لكن جعلنا القرآن أو الكتاب نوراً إلخ، هذا و ما أذكر أحداً من المفسّرين قال به.

و قوله:( ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ ) قد تقدّم أنّ الآية مسوقة لبيان أنّ ما عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي يدعو إليه إنّما هو من عند الله سبحانه لا من قبل نفسه و إنّما اُوتي ما اُوتي من ذلك بالوحي بعد النبوّة فالمراد بعدم درايته بالكتاب عدم علمه بما فيه من تفاصيل المعارف الاعتقاديّة و الشرائع العمليّة فإنّ ذلك هو الّذي اُوتي العلم به بعد النبوّة و الوحي، و بعدم درايته بالإيمان عدم تلبّسه بالالتزام التفصيليّ بالعقائد الحقّة و الأعمال الصالحة و قد سمّي العمل إيماناً في قوله:( وَ ما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) البقرة: ١٤٣.

فالمعنى: ما كان عندك قبل وحي الروح الكتاب بما فيه من المعارف و الشرائع و لا كنت متلبّساً بما أنت متلبّس به بعد الوحي من الالتزام الاعتقاديّ و العمليّ بمضامينه و هذا لا ينافي كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤمناً بالله موحّداً قبل البعثة صالحاً في عمله فإنّ الّذي تنفيه الآية هو العلم بتفاصيل ما في الكتاب و الالتزام بها اعتقاداً و عملاً و نفي العلم و الالتزام التفصيليّين لا يلازم نفي العلم و الالتزام الإجماليين بالإيمان بالله و الخضوع للحقّ.

و بذلك يندفع ما استدلّ بعضهم بالآية على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان غير متلبّس بالإيمان قبل بعثته.

و يندفع أيضاً ما عن بعضهم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يزل كاملاً في نفسه علماً و عملاً و هو ينافي ظاهر الآية أنّه ما كان يدري ما الكتاب و لا الإيمان.

و وجه الاندفاع أنّ من الضروريّ وجود فرق في حالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل النبوّة و بعدها و الآية تشير إلى هذا الفرق، و أنّ ما حصل له بعد النبوّة لا صنع له فيه و إنّما هو من الله من طريق الوحي.

و قوله:( وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ) ضمير( جَعَلْناهُ ) للروح و المراد بقوله:( مَنْ نَشاءُ ) على تقدير أن يراد بالروح القرآن هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و من آمن به فإنّهم جميعاً مهتدون بالقرآن.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الطّرفة السادسة عشر

في وصف ما كان بعد إفاقتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأكيد تعريفه بما يحدث من الإنكار لوصيّته(١)

وروى(٢) صاحب كتاب الخصائص أيضا الرضي الموسويّ، قال: حدّثني هارون بن موسى، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عمّار(٣) ، قال: حدّثنا أبو موسى عيسى(٤) الضّرير البجلي، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألت أبي، فقلت: فما(٥) كان بعد إفاقته؟

قال: دخل عليه النساء يبكين، وارتفعت الأصوات، وضجّ الناس بالباب، من المهاجرين والأنصار، فبيناهم كذلك إذ نودي(٦) : أين عليّ؟ فأقبل حتّى دخل عليه.

قال عليّ: فانكببت عليه(٧) ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي، افهم فهّمك الله، وسدّدك وأرشدك،

__________________

(١) في « هـ » « و »: لوصيّه

(٢) في « أ » « ب »: روى

(٣) في « أ » « ب » « ج »: أحمد بن محمّد بن عليّ

في « د » « هـ » « و »: حدثني محمّد بن عليّ. والمثبت عن الخصائص (٧٢). ولعل ما هنا تصحيف ( احمد بن محمّد ابو عليّ ) انظر معجم رجال الحديث ( ج ٣؛ ٨٢ )

(٤) ساقطة من « أ »

(٥) في « ب »: ما

(٦) لفظة ( إذ ) ساقطة من « هـ » « و »

في « هامش أ » « د »: فبيناهم كذلك نادى

(٧) في « هامش أ » « د »: فأقبل حتّى دخل عليه عليّ فانكبّ عليه

لفظة ( عليه ) ساقطة من « أ » « ب »

١٦١

ووفّقك وأعانك، وغفر ذنبك ورفع ذكرك، اعلم يا أخي أنّ القوم سيشغلهم عنّي ( ما يريدون من عرض الدّنيا وهم عليه قادرون، فلا يشغلك عنّي(١) )(٢) ما يشغلهم، فإنّما مثلك في الأمّة مثل الكعبة؛ نصبها الله للناس علما، وإنّما تؤتى - من(٣) كلّ فجّ عميق ( ونأي سحيق - ولا تأتي )(٤) ، وإنّما أنت علم الهدى، ونور الدّين، وهو نور الله.

يا أخي، والّذي بعثني بالحقّ لقد قدّمت إليهم بالوعيد، وبعد أن أخبرتهم(٥) رجلا رجلا بما(٦) افترض الله عليهم(٧) من حقّك وألزمهم من طاعتك، وكلّ أجاب وسلّم إليك الأمر، وإنّي لأعلم خلاف قولهم(٨) ، فإذا قبضت(٩) ، وفرغت من جميع ما أوصيتك(١٠) به، وغيّبتني في قبري، فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله، ثمّ أمض ذلك على عزائمه(١١) على ما أمرتك به، وعليك بالصبر على ما ينزل بك وبها حتّى تقدموا عليّ(١٢) .

__________________

(١) ساقطة من « ب »

(٢) ساقطة من « و »

(٣) في « هـ » « و »: وإنّما تولى في كلّ

(٤) ساقطة من « د »

في « ج » « و »: ونأي سحق

في « هـ »: ونأي إسحاق

(٥) في « ج » « هـ » « و »: أخبرهم

(٦) في « ب » « ج » « هـ » « و »: ما

(٧) ساقطة من « أ » « ب »

(٨) في « ب » « ج » « هـ » « و »: قوله

(٩) في « هامش أ »: قضيت

(١٠) في « ب »: ما وصّيتك

في « ج » « هـ » « و »: ما أوصيك

(١١) كلمة ( ذلك ) ساقطة من « هـ » « و »

جملة ( ذلك على عزائمه ) ساقطة من « د »

(١٢) ساقطة من « هـ »

١٦٢

الطّرفة السابعة عشر

في تعريف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام (١) ، لمهمّات(٢) يحتاج إليها في الوصيّة، لإمام(٣) بعد إمام

وعنه، عن أبيه، عن جدّه محمّد بن عليّ، قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : كنت مسند(٤) النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صدري ليلة من الليالي في مرضه، وقد فرغ من وصيّته، وعنده فاطمة ابنتهعليها‌السلام ، وقد أمر ازواجه و(٥) النساء(٦) أن يخرجن من عنده، ففعلن(٧) .

فقال: يا أبا الحسن، تحوّل من موضعك، وكان أمامي، قال: ففعلت، وأسنده

__________________

(١) في « ج » « هـ » « و »: عليهما أفضل السلام

(٢) في « د »: لعليّ ما يحتاج إليه

في « هـ » « و »: مهمّات

(٣) في « أ »: الإمام

(٤) في « أ »: سند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

في « هامش أ » « هـ » « و »: مسندا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

في « ب »: أسند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

(٥) الواو عن « أ » فقط

(٦) كلمة ( والنساء ) ساقطة من « د ». وأدخلها في « أ » عن نسخة

(٧) ساقطة من « د »

١٦٣

جبرئيلعليه‌السلام إلى(١) صدره، وجلس ميكائيل عن(٢) يمينه.

فقال: يا عليّ، ضمّ كفّيك بعضها الى بعض، ففعلت.

فقال لي: قد عهدت إليك، أخذت العهد لك(٣) ، بمحضر أميني(٤) ربّ العالمين؛ جبرئيل وميكائيل، يا عليّ بحقّها عليك إلاّ أنفذت وصيّتي على ما فيها، وعلى قبولك إيّاها، وعليك(٥) بالصبر والورع، ومنهاجي(٦) وطريقي، لا(٧) طريق فلان وفلان، وخذ ما آتاك الله بقوّة.

وأدخل كفّيه(٨) فيما بين كفّي، وكفّاي مضمومتان، فكأنه أفرغ بينهما(٩) شيئا، فقال: يا عليّ قد أفرغت(١٠) بين يديك الحكمة، وقضاء ما يرد عليك، وما هو وارد، حتّى(١١) لا يعزب عنك(١٢) من أمرك شيء، وإذا حضرتك الوفاة فأوص وصيّك(١٣) من بعدك على ما أوصيتك(١٤) ، واصنع هكذا، لا كتاب ولا صحيفة.

__________________

(١) في « و »: على

(٢) في « ج » « هـ » « و »: على

(٣) في « أ » « ب »: فقال لي قد اخذت العهد لك بمحضر

في « هامش أ »: فقال لي قد عهدت إليك بمحضر

في « هـ » « و »: فقال لي قد عهد إليك أحدث الحدث لك

(٤) في « ب »: أمين

(٥) قوله ( وعليك ) ساقط من « د ». وقد أدخله في متن « أ » عن نسخة قوله ( عليك ) فقط ساقط من « هـ » « و »:

(٦) في « هامش أ » « د »: وعلى منهاجي

(٧) في « ب »: ولا

(٨) في « أ » « ب » « ج » « هـ » « و »: وادخل يده. والمثبت عن « هامش أ » « د »

(٩) في « هـ » « و »: بهما

(١٠) في « و »: فرّغت

(١١) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٢) ساقطة من « أ » « ب »

(١٣) في « أ » « ب » « هـ »: وصيّتك. والمثبت عن « هامش أ » « ج » « د » « و »

(١٤) في « ج » « هـ »: على ما أوصيك

في « و »: كما أوصيك

١٦٤

الطّرفة الثامنة عشر

في جواب من سأل عن(١) أسرار الوصيّة، وهل كان فيها ذكر من يخالف على عليّعليه‌السلام ويطلب الأمور الدّنيويّة.

قال: وحدّثني عيسى بن المستفاد، قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : بأبي أنت وأمّي ألا تذكر ما في الوصيّة؟

( قال: ذلك سرّ الله وسرّ رسوله.

قال: فقلت(٢) : جعلت فداك، أكان(٣) في الوصيّة )(٤) ذكر القوم وخلافهم على عليّ(٥) أمير المؤمنين؟

قال: نعم، حرفا حرفا، و(٦) شيئا شيئا، أما سمعت قول الله تعالى( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) (٧) ، والله والله لقد قال

__________________

(١) في « ب »: من

(٢) في « ج » « هـ » « و »: قال عمي فقلت

(٣) في « أ » « د » « هـ »: كان

(٤) ساقطة من « ب »

(٥) عن « ب »

(٦) الواو ساقطة من « د »

(٧) يس: ١٢. وفي « أ » « ب » كتب آخر الآية المباركة فقط، أعني قوله( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ )

١٦٥

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ وفاطمةعليهم‌السلام : قد فهمتما ما كتب ربّكما وما شرط(١) ؟ قالا: بلى، وقبلناه بقبوله(٢) ، وصبرنا على ما ساءنا(٣) وأغاظنا حتّى نقدم عليك.

__________________

(١) في « هامش أ » « د »: قد فهمتما ما نبأتكما وما شرطتما؟

(٢) ساقطة من « هامش أ » « د »

في « ج »: بقوله

(٣) في « ب »: ما أساءنا

١٦٦

الطّرفة التاسعة عشر

في تسليم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة(١) إلى عليّعليهم‌السلام عند وفاته، وتعظيم المخالفة لوصيّته بها(٢) في حياته(٣)

قال: حدّثني عيسى، قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام (٤) : فما كان بعد خروج الملائكة من عند(٥) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال(٦) : فقال: لما كان اليوم الّذي ثقل فيه وجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) وخيف عليه فيه(٨) الموت،

__________________

(١) عن « ب ». وفي باقي النسخ: لفاطمة

(٢) ساقطة من « ب »

(٣) في « د »: وتعليمه للمحافظة لوصيته بها قال ...

في « هـ »: وتعظيمه لوصيّه بها قال ...

في « و »: وتعظيم للمخالفة لوصيّته بها قال ...

(٤) في « هامش أ » « د »: قال حدثنا عيسى ...

في « ب » « ج »: قال حدثني عليّ قال قلت لأبي فما كان

في « هـ » « و »: قال حدثنا عيسى قال قلت لأبي فما كان

(٥) ساقطة من « هـ » « و »

(٦) ساقطة من « د »

(٧) في « د »: لما كان الذي ثقل فيه دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وفاطمة ...

في « هـ » « و »: لمّا كان الذي ثقل فيه وجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

(٨) ساقطة من « أ » « ب »

١٦٧

دعا عليّا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وقال لمن في بيته: اخرجوا عنّي، وقال(١) لأمّ سلمة: تكوني ممّن(٢) على الباب فلا يقربه أحد، ففعلت أمّ سلمة، فقال: يا عليّ، ادن منّي(٣) ، فدنا منه، فأخذ بيد فاطمةعليها‌السلام فوضعها(٤) على صدره طويلا، وأخذ بيد(٥) عليّ بيده الأخرى.

فلما أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة - بكاء شديدا - وعليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام لبكاء رسول(٦) اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت فاطمةعليها‌السلام (٧) : يا رسول الله قد قطّعت قلبي، وأحرقت كبدي، لبكائك يا سيّد النّبيّين(٨) من الأوّلين والآخرين(٩) ، ويا أمين ربّه ورسوله، ويا(١٠) حبيبه ونبيّه، من لولدي بعدك؟ ولذلّ ينزل بي بعدك(١١) ؟ من لعلي أخيك وناصر الدّين(١٢) ؟ من لوحي الله وأمره(١٣) ؟ ثمّ بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته، وأكبّ عليه عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام

فرفع رأسه إليهم، ويدها في يده، فوضعها في يد عليّعليه‌السلام ، وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمّد عندك، فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنّك لفاعل يا عليّ(١٤) ،

__________________

(١) عن « د ». وفي باقي النسخ: فقال

(٢) ساقطة من « د » « هـ » « و ». وأدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٣) جملة ( ادن مني ) ساقطة من « ب »

(٤) في « أ » « ب »: فوضع. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٥) ساقطة من « ب »

(٦) في « هـ »: لبكاء على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولعلّها لبكاء عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

(٧) عن « أ » « د »

(٨) في « د »: المرسلين

(٩) قوله ( من الاولين والآخرين ) ساقطة من « د »

(١٠) حرف النداء ( يا ) ساقط من « د ». وأدخل في متن « أ » عن نسخة

(١١) في « أ » « ب »: ولذلّ أهل بيتك بعدك. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(١٢) في « هامش أ » « د »: من لعلي أخيك من ناصر ومعين ثمّ بكت

(١٣) عن « ج » « هـ » « و »

(١٤) قوله ( يا عليّ ) ساقط من « ب »

١٦٨

هذه والله سيدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى، أم والله، ما بلغت نفسي هذا الموضع حتّى سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته.

يا عليّ، انفذ لما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمرني(١) بها جبرئيلعليه‌السلام ، واعلم يا عليّ أنّي راض عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربّي وملائكته(٢) .

يا عليّ، ويل ( لمن ظلمها، وويل )(٣) لمن ابتزّها حقّها، وويل لمن انتهك(٤) حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، ( وويل لمن آذى جنينها، وشجّ جنبيها )(٥) ، وويل لمن شاقّها وبارزها.

اللهمّ إنّي منهم بريء وهم منّي براء(٦) ثمّ سمّاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وضمّ فاطمة إليه وعليّا والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وقال: اللهمّ إنّي لهم ولمن شايعهم سلم(٧) ، وزعيم يدخلون الجنّة، ( وحرب وعدوّ لمن عاداهم وظلمهم وتقدّمهم(٨) أو تأخّر عنهم وعن شيعتهم )(٩) ، زعيم لهم يدخلون النّار، ثمّ والله يا فاطمة لا أرضى حتّى ترضي(١٠) ، ثمّ لا والله لا أرضى حتّى ترضي(١١) ، ثمّ والله لا أرضى حتّى ترضي(١٢) .

__________________

(١) في « د » « هـ » « و »: أمر

(٢) في « أ » « ب »: والملائكة. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ

(٣) ساقطة من « هـ »

(٤) في « د » « هـ » « و »: هتك

(٥) بدلها في « ب » « ج » « هـ » « و »: وويل لمن آذى حليلها

(٦) في « و »: برءاء

(٧) ساقطة من « هـ »

(٨) ساقطة من « هـ »

(٩) بدلها في « هامش أ » « د »: ولعدي وتيم ولحرب ولمن عاداكم وظلمكم وتقدمكم وتأخّر عنكم وعن شيعتكم

(١٠) إلى هنا ينتهي ما في « أ » « هـ »

(١١) في « هامش أ » « د »: ثمّ لا والله لا أرضى على أحد حتّى ترضي عنه

في « ب »: ثمّ لا أرضى حتّى ترضى. وإلى هنا ينتهي ما في « ب »

(١٢) هذه الفقرة الاخيرة والنسق المثبت في المتن عن « ج » « و ». وهي في « هامش أ » « د » باختلاف يسير وهو: ثم والله لا ارضى حتّى ترضي

١٦٩

١٧٠

الطّرفة العشرون

في تحقيق ما يروون(١) من صلاة أبي بكر بالناس عند المرض، وكشف ما في ذلك من الوهم المعترض

وعنهعليه‌السلام ؛ قال عيسى: وسألته(٢) ؛ قلت: ما تقول؛ فإنّ الناس قد أكثروا(٣) في(٤) أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ثمّ عمر؟

فأطرقعليه‌السلام عنّي(٥) طويلا، ثم قال: ليس كما ذكروا، و(٦) لكنّك يا عيسى كثير البحث في الأمور، وليس(٧) ترضى عنها إلاّ بكشفها.

فقلت: بأبي أنت وأمّي، إنّما أسأل منها(٨) عمّا أنتفع به(٩) في ديني وأتفقّه، مخافة أن أضلّ

__________________

(١) في « ب »: ما يرون

في « هامش أ » « د » « هـ » « و »: ما يروونه

(٢) في « ب »: سألته، بسقوط الواو

في « د »: وسألته

(٣) في « ج » « هـ » « و »: قد أكثر

(٤) ساقطة من « د ». وأدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٥) في « ب »: فاطرق عليّ

(٦) الواو ساقطة من « ب »

(٧) في « و »: ولست

(٨) في « هـ »: عنها

(٩) ساقطة من « أ » « ب »

في « هامش أ » « د »: إنّما اسأل عنها لانتفع به

١٧١

وأنا لا أدري، ولكن متى أجد مثلك أحدا(١) يكشفها لي(٢) !!

فقالعليه‌السلام : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا ثقل في مرضه دعا عليّاعليه‌السلام ، فوضع رأسه في حجره وأغمي عليه، وحضرت الصلاة، فأوذن بها(٣) ، فخرجت عائشة، فقالت: يا عمر اخرج فصلّ بالنّاس.

فقال: أبوك أولى بها.

فقالت: صدقت، ولكنّه رجل ليّن وأكره أن يواثبه القوم، فصلّ أنت.

فقال لها عمر: بل يصلّي هو، وأنا أكفيه إن وثب واثب، أو تحرّك متحرّك، مع أنّ محمّدا مغمى عليه لا أراه يفيق منها، والرّجل مشغول به لا يقدر يفارقه - يريد عليّاعليه‌السلام - فبادر(٤) بالصّلاة قبل أن يفيق، فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر عليّا بالصلاة(٥) ، فقد سمعت مناجاته منذ(٦) الليلة، وفي آخر كلامه يقول(٧) : الصلاة الصلاة.

قال: فخرج أبو بكر ليصلّي بالناس، فأنكر القوم ذلك، ثمّ ظنّوا أنّه بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكبّر حتّى أفاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٨) ، فقال(٩) : ادعوا إليّ(١٠) العباس، فدعي، فحملاه؛ هو وعليّعليه‌السلام ، فأخرجاه حتّى صلّى بالناس وإنّه لقاعد، ثمّ حمل فوضع على منبره، فلم يجلس بعد ذلك على المنبر(١١) ، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، حتّى

__________________

(١) عن « هامش أ » « د »

(٢) قوله ( لي ) ساقط من « د »، وأدخلت في متن « أ » عن نسخة

(٣) في « هامش أ » « د »: فأذّن فخرجت

في « و »: فأذّن بها فخرجت

(٤) في « د » « هـ » « و »: فبادره. وقد أدخلت الهاء في متن « أ » عن نسخة

(٥) ساقطة من « أ » « ب »

(٦) ساقطة من « و »

(٧) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(٨) قوله ( رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن « أ » فقط

(٩) في « ج » « د » « هـ » « و »: وقال

(١٠) في « هامش أ » « ب » « د »: ادعوا لي

(١١) في « ج » « هـ » « و »: على المنبر محمله، دون نقط. ولعلّها ( محمله )

١٧٢

برزن العواتق من خدورهنّ، فبين باك وصائح وصارخ(١) ومسترجع، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) يخطب ساعة ويسكت ساعة.

وكان ممّا(٣) ذكر في خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومي هذا و(٤) في ساعتي هذه من الجنّ والإنس، فليبلّغ شاهدكم غائبكم(٥) ، ألا قد(٦) خلّفت فيكم كتاب الله؛ فيه(٧) النّور والهدى والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجّة الله لي عليكم، وخلّفت فيكم العلم الأكبر، علم الدّين ونور الهدى، وصيّي عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ألا و(٨) هو حبل الله فاعتصموا به(٩) جميعا ولا تفرّقوا عنه(١٠) ،( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) (١١) .

أيّها(١٢) الناس، هذا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كنز(١٣) الله اليوم وما بعد اليوم، من(١٤) أحبّه وتولاّه اليوم وما بعد اليوم(١٥) فقد أوفى بما عاهد عليه الله، وأدّى ما وجب عليه، ومن

__________________

(١) في « ج »: ومادح

(٢) ( والنبي ) ساقطة من « ب »

(٣) في « هامش أ » « د »: فيما

(٤) في « ج »: أو. وأدخلت الالف في متن « أ » عن نسخة

(٥) في « هامش أ » « د »: فيبلّغ شاهدكم الغائب

في « هـ » « و »: فيبلغ شاهدكم الغائب

(٦) في « أ » « ب »: ألا وقد

(٧) في « د » « هـ » « و »: منه

(٨) الواو ساقطة من « ج » « د » « هـ » « و »

(٩) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٠) ساقطة من « أ »

(١١) آل عمران: ١٠٣

(١٢) في « د »: يا أيّها الناس

(١٣) في « ج » « هـ »: كثّر الله. ومن هنا إلى نهاية الفقرة اختلافات كثيرة بين النسخ، وما اثبتناه عن « ج » « هـ » « و ».

وسيأتي نصّ « أ » « ب » ونص « هامش أ » « د » في آخر الفقرة

(١٤) في « هـ »: لم أحبه. في « ج »: من أحبّه وتوالاه

(١٥) جملة ( وما بعد اليوم ) ساقطة من « هـ » « و »

١٧٣

عاداه اليوم وما(١) بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى و(٢) أصمّ، لا حجّة له عند الله(٣) .

أيّها الناس، لا تأتوني غدا بالدّنيا(٤) تزفّونها زفّا(٥) ، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم، إيّاكم(٦) وبيعات الضلالة، والشّورى للجهالة(٧) .

ألا وإنّ هذا الأمر له أصحاب وآيات، قد سمّاهم الله في كتابه، وعرّفتكم وأبلغت(٨) ما أرسلت به إليكم( وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) (٩) .

لا ترجعنّ بعدي كفّارا مرتدّين، متأوّلين للكتاب(١٠) على غير معرفة، وتبتدعون(١١) السّنّة بالهوى؛ لأنّ كلّ سنّة وحدث(١٢) وكلام خالف القرآن فهو ردّ(١٣) وباطل، القرآن إمام هدى، وله(١٤)

__________________

(١) ( ما ) ساقطة من « هـ » « و »

(٢) الواو عن « هـ » « و »

(٣) الفقرة في « هامش أ » « د » هكذا: كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من لم أحبّه وتوالاه اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصم [ في « د »: أعمى أصم ] لا حجة له عند الله، أيها الناس ومن أوفى بما عاهد عليه الله، وأدّى ما وجب عليه من حق عليّ، جاء يوم القيامة بصيرا مستوجبا لفضل الله، ومن عادى عليا اليوم وما بعد [ في « د »: وبعد ] اليوم فقد أخزاه الله

الفقرة في « أ » « ب » هكذا: هذا عليّ بن أبي طالب فأحبّه، ومن تولاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى أصم، لا حجّة له عند الله

(٤) ساقطة من « أ » « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

(٥) في « د »: تزقونها زقا

(٦) في « ج » « د » « هـ » « و »: أمامكم. والمثبت عن « ب »، وقد أدخل في متن « أ » استظهارا من الناسخ، وكتب في الهامش: في النسخة أمامكم

(٧) في « د »: والشور الجهالة

(٨) في « د » « هـ » « و »: وبلغتكم

في « ج »: وأبلغتكم

(٩) الأحقاف؛ ٢٣

(١٠) في « د »: الكتاب

(١١) في « أ »: وتبدعون. والمثبت عن « هامش أ » وباقي النسخ.

(١٢) في « و »: وحديث

(١٣) في « هامش أ » « د »: بدعة

(١٤) ساقطة من « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

١٧٤

قائد يهدي(١) إليه، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وليّ الأمر بعدي عليّ، وليّه(٢) ووارث علمي وحكمتي(٣) ، وسرّي وعلانيتي، و(٤) ما ورّثه النّبيّون من قبلي، وأنا وارث ومورّث(٥) ، فلا تكذبنّكم أنفسكم.

أيّها الناس، الله الله في أهل بيتي، فإنّهم أركان الدّين، ومصابيح الظّلم، ومعدن العلم، عليّ أخي ووارثي، ووزيري وأميني، والقائم بأمري، والموفي بعهدي(٦) على سنّتي(٧) ، أوّل الناس بي إيمانا، وآخرهم عهدا عند الموت، وأوّلهم(٨) لي لقاء يوم القيامة، وليبلّغ(٩) شاهدكم غائبكم، ألا ومن أمّ(١٠) قوما إمامة عمياء - وفي الأمّة من هو أعلم منه - فقد كفر.

أيّها الناس، ومن كانت له قبلي تباعة(١١) تبعة فها أنا(١٢) ، ومن كانت له عندي(١٣) عدة(١٤) فليأت فيها(١٥) عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّه ضامن لذلك كلّه، حتّى لا يبقى لأحد عليّ تباعة(١٦) .

__________________

(١) في « ج » « هـ »: ويهدي

(٢) في « ب » « ج » « هـ » « و »: ولي الأمر بعد وليّه

(٣) في « هامش أ » « د »: وحكمي

(٤) في « أ » « د »: ووارثي ووارث ما ورّثه

(٥) في « هامش أ »: وأنا وارث ومورّثه عليّ. في « د »: وأنا وارث النبيون ومورثه عليّ. وهي غلط

(٦) في « ب »: بعدي

(٧) في « هامش أ » « د »: والموفي بعهدي على سنتي عليّ

في « ج » « هـ » « و »: والموفي بعهدي على سنتي ويقبل على سنّتي

(٨) في « هامش أ » « ج » « د » « هـ » « و »: وأوسطهم

(٩) في « هامش أ » « د » « هـ » « و »: ويبلغ

(١٠) في « د »: ألا ومن قال في الأمّة من هو أعلم منه فقد كفر

(١١) كتب في « هامش أ »: تباعة بدل من تبعة في نسخة صحيحة. وكلمة ( تباعة ) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٢) في « ب »: فيها أو من كانت

في « ج » غير واضحة القراءة، ويمكن قراءتها ( فهابنا ) أو ( فهاندا )

(١٣) ساقطة من « د » « هـ » « و »

(١٤) ساقطة من « ب »

(١٥) في « هامش أ » « د »: بها

(١٦) في « هامش أ » « د »: تبعة

١٧٥

١٧٦

الطّرفة الحادية والعشرون

في تعريف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بطرف ما يتجدّد(١) ويكون

وعنه، عن أبيه، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته لعليّعليه‌السلام - والناس حضور(٢) حوله -: أما والله يا عليّ ليرجعنّ أكثر هؤلاء كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض، وما بينك وبين أن ترى ذلك إلاّ أن يغيب عنك شخصي(٣) .

__________________

(١) في « د »: ما يجدّد

في « هـ » « و »: ما يحدّد

(٢) ساقطة من « هـ »

(٣) في « ج »: الشخص

١٧٧

١٧٨

الطّرفة الثانية والعشرون

في زيادة تعريف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بما يتجدّد(١) من اختلاف الآراء وتغيّر(٢) الأهواء

وعنه، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: في(٣) مفتاح الوصيّة « يا عليّ من شاقّك من نسائي وأصحابي فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، وأنا منهم بريء، فابرأ منهم ».

فقال عليّعليه‌السلام فقلت: نعم قد فعلت(٤) .

فقال(٥) : اللهمّ فاشهد، يا عليّ إنّ(٦) القوم يأتمرون بعدي على قتلك، يظلمون(٧) ، ويبيّتون

__________________

(١) في « هـ » « و »: بما تجدّد

(٢) في « أ » « ب »: وتغيير

(٣) ساقطة من « أ » « ب ». وهي في « هامش أ » وباقي النسخ

(٤) جملة ( قد فعلت ) ساقطة من « ب »

(٥) في « هامش أ » « د »: قال

(٦) في « أ »: فاشهد عليّ أنّ

في « ب »: فاشهد عليّ أنّ

في « ج »: فأشهدنا على أنّ. والمثبت عن « هامش أ » « د » « هـ » « و »

(٧) في « أ » « ب »: ان القوم يأتمرون بعدي عليّ، ويبيّتون

في « هامش أ » « د »: ان القوم يأتمرون بعدي ويظلمون

في « هـ » « و »: ان القوم يأتمرون بعدي يظلمون

١٧٩

على ذلك، فمن يبيّت(١) على ذلك فأنا منهم بريء، وفيهم نزلت( بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ ) (٢) ، ثمّ يميتك(٣) شقيّ هذه الأمّة، هم(٤) شركاؤه فيما يفعل.

__________________

(١) في « ج »: ومن يبيّت

في « د »: ويلبثون على ذلك، ومن يلبث

في « هـ »: ويلبثون على ذلك، ومن ثبت

في « و »: ويثبون على ذلك، ومن ثبت

(٢) النساء: ٨١

(٣) في « ج »: ثم ينسك

في « د »: ثم ذاك هذه الأمة

في « هـ »: ثمّ دك

في « و »: ثم دل

(٤) في « هامش أ » « د »: وهم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429