• البداية
  • السابق
  • 169 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19144 / تحميل: 5130
الحجم الحجم الحجم
من هو الصديق؟ ومن هي الصديقة؟

من هو الصديق؟ ومن هي الصديقة؟

مؤلف:
الناشر: دليل ما
ISBN: 964-397-135-X
العربية

بالإمامة من غيره ؛ لأنّه لم يفر من زحف قط كما فر غيره في غير موضع.(1)

روى الشيخ المفيد في كتاب الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة عن  عمر بن ابان قال : لمّا ظَهَرَ أميرُ المؤمنينعليه‌السلام على اهل البصرة ، جاءه رجال منهم  فقالوا : يا اميرالمؤمنين ما السببُ الذي دعا عائشة بالمظاهرة عليك حتّى بَلَغَتْ مِنْ  خلافِك وشِقاقِك ما بَلَغَتْ؟ وهي امرأةٌ مِنَ النساءِ لم يُكْتَبْ عليها القتالُ ولا فُرِضَ  عليها الجهادُ ، ولا أُرْخِصَ لها في الخروجِ مِنْ بيتها ولا التَبَرُّجِ بينَ الرجالِ ، ولَيْسَتْ  مِمَّنْ تَوَلَّتْهُ في شيءٍ على حالٍ.

فقالعليه‌السلام : «سأذْكُرُ لكم أشياءَ ممّا حَقدَتْها عليَّ ليس لي في واحدٍ منها ذَنْبٌ إليها ولكنّها تَجَرَّمَتْ بها عليَّ.

أحدها : تفضيلُ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي على أبيها وتقديمِهِ إيّايَ في مواطنِ الخير  عليه ، فكانتْ تَضْطَغِنُ ذلك عليَّ ، فتعرفه منه فَتَتْبَعُ رأيَهُ فيه.

وثانيها : لمّا أخى بينَ أصحابِهِ أخى بينَ أبيها وبين عُمَرَ بْنِ الخطّاب ، واختصَّنِي  بأُخُوَّتِهِ فَغَلُظُ ذلك عليها وحَسَدَتْني منه.

ثالثها : وأوْحَى الله تعالىصلى‌الله‌عليه‌وآله إليه بِسَدِّ أبوابٍ كانتْ في المسجدِ لجميع أصحابِهِ  إلّا بابي ؛ فلمّا سَدَّ بابَ أبيها وصاحِبِهِ وتَرَكَ بأبي مفتوحاً في المسجدِ تَكَلَّمَ في ذلك  بعضُ أهلِهِ ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما أنا سَدَدتُ أبوابَكم وفَتَحْتُ بابَ عليٍّ ، بل الله عزّوجلّ  سَدَّ أبوابَكم وفَتَحَ بابَه » فَغَضِبَ لذلك أبو بكرٍ عليه ، وتَكَلَّمَ في أهلِهِ بشيءٍ سَمِعَتْهُ  منه ابْنَتُهُ فَاضْطَغَنَتْهُ عليَّ.

[ رابعها ] وكان رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعْطى أباها الرايةَ يومَ خَيْبَرٍ ، وأمَرَهُ أنْ لا يَرْجعَ  حتّى يَفْتَحَ أو يُقْتَلَ ، فلم يَلْبَثْ لذلك وانْهَزَمَ. فأعطاها في الغَدِ عُمَرَ بْنَ الخطّاب ،

_______________________________________

1. مناقب ابن شهرآشوب 3 : 93.

١٢١

وأمَرَهُ بمثلِ ما أمَرَ صاحِبَهُ ، فَانْهَزَمَ ولم يَثْبُتْ. فساء ذلك رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم  ظاهراً مُعْلِنا : «لاَعطِيَنَّ الرايةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ الله ورسولَهُ ويُحِبُّهُ الله ورسولُهُ ؛  كَرَّارا غَيْرَ فَرَارٍ ، لا يَرْجِعُ حتّى يَفْتَحَ الله على يَدَيْهِ». فأعطاني الرايةَ ، فصبرتُ  حتّى فَتَحَ الله تعالى على يَديّ. فَغَمَّ ذلك أباها وأحْزَنَهُ فَاضْطَغَنَتْهُ عليَّ ، ومالي إليها  مِنْ ذنْبٍ في ذلك ، فحَقِدتْ لِحقْد أبيها.

[ خامسها ] وبعث رسـولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسورةِ براءَةٍ وأمَرَهُ أنْ يَنْبَذَ العهدَ للمشركين  ويُنادي فيهم ، فمضى حتّى انحرف ، فأوْحى الله تعالى إلى نبيِّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنْ يَرُدَّهُ ويأخُذَ  الآياتِ فيُسَلِّمَها إليَّ فَسَلَّمَها إليَّ ، فَصَرَفَ أباها بإذنِ الله عزّ وجلّ. وكان فيما أوّحى  إليه الله أنْ لا يؤدِّيَ عنك إلّا رجلٌ منك ، فكُنْتُ مِنْ رسولِ الله وكان منّي ، فَاضْطَغَنَ  لذلك عليَّ أيضاً ، واتَّبَعَتْهُ ابْنَتُهُ عائشةُ في رأيه.

[ سادسها ] وكانت عائشةُ تَمْقُتُ خديجةَ بنتَ خُوَيْلِدٍ ، وتَشْنَؤُها شَنَآنَ  الضَرائرِ ، وكانتْ تَعْرِفُ مكانَها مِنْ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فَيَثْقُلُ ذلك عليها ، وتَعَدّىمَقْتَها  إلى ابنتِها فاطمةَ ، فَتَمْقُتُني وتَنْقُتُ فاطمةُ وخديجةَ ؛ وهذا معروفٌ في الضَرائر.

[ سابعها ] ولقد دخلتُ على رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ قبل أنْ يُضْرَبَ الحجابُ  على أزواجِهِ وكانت عائشةُ بِقُرْبِ رسولِ الله فلمّا رآني رَحَّبَ بي وقال : اُدنُ منّي يا  عليُّ ، ولم يَزَلْ يُدْنِيني حتّى أجْلَسَنِي بينه وبينها ؛ فَغَلُظَ ذلك عليها ، فأقْبَلَتْ إليَّ  وقالت بِسُوءِ رأيِ النساءِ وتَسَرُّعِهِنَّ إلى الخطابِ : ما وَجَدتَ لأسْتِك يا عليُّ  موضعاً غير موضع فَخذي؟! فَزَجَرَها النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لها : « ألِعليٍّ تقولين هذا؟!  إنّه واللهِأوَّلُ مَنْ آمَنْ بي وصَدَّقَني وأوَّلُ الخَلْقِ وروداً عليَّ الحوضَ ؛ وهو أحَقُّ  الناسِ عَهْداً إليَّ ؛ لا يُبْغِضُهُ أحدٌ إلّا أكَبَّهُ الله على مَنْخِرِهِ في النارِ » فَازْدادَت بذلك  غَيْظا عليَّ.

١٢٢

[ ثامنها ] ولمّا رُمِيَتْ بما رُمِيَتْ اشتدَّ ذلك على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واستشارني في  أمْرِها ، فقلتُ : يا رسولَ الله سَلْ جاريتَها بَريرَةَ واسْتَبْرِى حالَها منها ؛ فإنْ وَجَدْتَ  عليها شيئاً فَخَلِّ سبيلَها ، فإنّ النساءَ كثيرةٌ فأمَرني رسولُ الله أنْ أتَوَلَى مسألةَ  بَريرَةَ وأسْتَبْرىَ الحالَ منها ففعلتُ ذلك فَحَقِدَتْ عليِّ ، وواللهما أرَدْتُ بها سُوءً  لكنّي نَصَحْتُ للهولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمثال ذلك ، فإنّ شئتم فَاسْألوها ما الذي نَقَمَتْ عليَّ! حتّى خَرَجَتْ مع  الناكثين لِبَيْعَتي ، وسَفْكِ دِماءِ شيعتي ، والتظاهرِ بينَ المسلمين بعداوتي لِلْبَغْي  والشِقاقِ والمَقْتِ لي بغيرِ سببِ يُوجِبُ ذلك في الدينِ ؛ واللهالمستعانُ».

فقال القومُ : القولُ واللهما قلتَ يا أميرَ المؤمنين ، ولقد كشفتَ الغُمَّةَ ؛ ولقد  نَشْهَدُ أنّك أوْلى باللهورسولِهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ممَّنْ عاداك. فقام الحَجّاجُ بْنُ عَمْروٍ الأنصاريُّ  فَمَدَحَهُ في أبياتٍ نكتفي بما ذكرناه مِنْ هذه الجملة عن إيرادِها.

هذا ولو تأمل القارئ في خطبة الزهراءعليها‌السلام لرآها تذكّرهم بأن الله قد اختار  أباها محمداً إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وانتجبه قبل أن يُرسله إلى الخلائق ،  ومعنى كلامهاعليها‌السلام بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان المصطفى عند الله في الأزل وقبل أن يخلقالخلق ،  وقد أكد هوصلى‌الله‌عليه‌وآله على هذه الحقيقة بقوله : كنت نبياً وآدم بين الماء والطين.(1)

والإمام علي أكّد للحارث الهمداني بأنه صدّق بمحمد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآدم بين  الروح والجسد ، وذلك بقوله : إلا إني عبداللهوأخو رسوله وصدّيقه الأوّل ؛ صدقته

_______________________________________

1. مناقب ابن شهرآشوب 1 : 183 ، عوالي اللئالي 2 : 121 ، ينابيع المودة 1 : 46 ، وفي طبقات ابن سعد  1 : 148 قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (بين الروح والطين من آدم) وفي سيرة ابن كثير 1 : 317 (وآدم منجدل في الطين) ،  وانظر مسند أحمد 4 : 66 ، المستدرك للحاكم 2 : 609 ، مصنف ابن أبي شيبة 8 : 438 ، المعجم الكبير  12 : 73 ، الاحتجاج للطبرسي 2 : 248 ، الفضائل لابن شاذان : 24 ، أُسد الغابة 3 : 132 وغيرها وفيها  قوله (وآدم بين الروح والجسد).

١٢٣

وآدم بين الروح والجسد ، ثمّ إني صدّيقه الأول في أمتكم حقاً.(1)

وقد مر عليك كلامهعليه‌السلام من أن الله قرن بهصلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم  مَلك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم وأنهعليه‌السلام كان يتبعه اتباع الفصيل  إثر أُمه.

وبهذا فقد عرفت بأن الصدّيقية هي سمةٌ ربانية تمنح لمن له صفات كمالية عالية  ومن صدّق بفعله قوله وآمن بكل ما عرفه روحاً وجسداً ، وقال : (ما شككت في  الحقّ منذ أريتهْ).(2)

ولا يخفى على مسلم بأنّ الهدف من الخلق هو معرفة الله وعبادته ، وهذه  المعرفة لا تحصل إلّا من طريق الوحي ، وبذلك يكون النبي والوصي والكُمّل من  المعصومين هم هدف الخلقة ، وهذه المعرفة وصلت ذروتها ببعثة خاتم النبيين محمد  المصطفى واكتملت في يوم الغدير( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي  وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .

بعض منازل الصدّيقة الطاهرة :

وقد كانت الصدّيقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام هي حلقة الوصل بين النبوة  والوصاية ؛ إذ هي ابنة الرسول وزوجة الوصي ، وأبناؤها كانوا هم الأوصياء الذين  انتهت إليهم مواريث الأنبياء(3) وقد أشار الإمام علي والصدّيقة الزهراء إلى هذه

_______________________________________

1. الأمالي للمفيد : 6 ، المجلس الأول الرقم 3 ، الأمالي للطوسي : 626 الرقم 1292 ، كشف الغمة 1 : 412 ،  بحار الأنوار 39 : 39.

2. خصائص الأئمة للشريف الرضي : 107 ، إرشاد المفيد 1 : 254 ، من كلامه عليهالسلام حين قتل  طلحة وأنفض أهل البصرة ، شرح النهج 18 : 374.

3. بصائر الدرجات : 83 / 10 ، أمالي الصدوق : 383 / 489.

١٢٤

الحقائق في كلماتهم وخطبهم ، فمما قالته السيدة فاطمةعليها‌السلام في خطبتها :

وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله ،  وسماه قبل أن اجتباه ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ،  وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علماً من الله بمآيل  الأُمور ، وإحاطةً بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور ، ابتعثه الله  إتماماً لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذا لمقادير حتمه(1)

إذاً السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام لم تذكّرهم بأصل النبوة لأن الأمة كانت قد  قبلت النبي محمداً نبياً في الظاهر ، لكنها جاءت لتصف لهم ما لنبي الله من مكانة  ومنزلة عند الله ، لأن أكثر الناس كانوا لا يدركون مكانة الرسول وعمق الرسالة ،  بل كانوا ينظرون إلى الأمور نظرة سطحية ، فهي سلام الله عليها أرادت أن تفهمهم  بأن المعرفة لا تتأتى إلّا عن طريق هؤلاء ، وبما أن الإنسان خليفة الله في الأرض ،  فيجب أن يكون قائد الأُمّة هو الإنسان الكامل منهم ، وهم الأنبياء المرسلون ،  والأوصياء المنتجبون ، وهؤلاء هم الذين اصطفاهم الله من بين عباده ، وهم أفضل  الناس قدراً وأرفعهم درجة من جميع المخلوقات الأرضيةوالسماوية.

وإنا على رغم معرفتنا بعض الشيء عن الرسول الصادق الأمين ، والوصي  الصدّيق الأمين علي بن أبي طالب ، والصدّيقة فاطمة الزهراء ، لكن مجهولاتنا عن  ذواتهم هي الأكثر ، فهم الذوات السامية الذين خلقوا من نور عظمة الباري جل  وعلا ،(2) ولذلك صرّح الإمام الصادق بأنّ فاطمة سميت بفاطمة لأنّ الخلق فُطموا  عن معرفتها.(3)

_______________________________________

1. الاحتجاج 1 : 133 ، السقيفة وفدك : 140 ، بلاغة النساء لابن طيفور : 15.

2. الإمامة والتبصرة : 133 / 144 ، معاني الأخبار : 351 ، الفضائل لابن شاذان : 158.

3. تفسير فرات : 581 ، البحار 43 : 65.

١٢٥

ولعلّ الإمام الصادقعليه‌السلام استخدم كلمة (الخلق) لأنّها أوسع مفهوماً من كلمة  الناس لشمولها جميع مخلوقات ربِّ العالمين من الجن والإنس وحتى الملائكة ،  فنتساءل : لماذا فُطم الخلق عن معرفتها؟ لقصور إدراكهم؟ أم لعلوّ مقام الزهراء؟ أم للأعمال التي اقترفوها ضدها جرياً مع الهوى وحب الذات؟ أم لكل من ذلك  نصيب في الأمر؟

بلى إنّ منزلة الزهراء عالية لا يمكننا أن ندركها كما هي ، لكنّ الإمام علياً كان  يدرك مكانتها ، لأنه من نفس النور وذلك الاصطفاء ،(1) فقد جاء في كتاب مقتل  الحسين للخوارزمي أن الإمام قال ـ بعد صلاته على الزهراء ـ مخاطبا ربّالعالمين :

هذه بنت نبيك أخرجتَها من الظلمات إلى النور ، فأضاءت الأرض ميلاً  في ميل.(2)

فالإمام أراد بكلامه هذا أن يقول : أخذتها يا رب العالمين من هذه الدنيا  المظلمة إلى نورك المطلق( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها  مصباح المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دريّ يوقد من شجرة مباركة  زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء) أي أنها رجعت إلى ما خلقت منه ،

_______________________________________

1. جاء في كتاب الإمام عليعليه‌السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاريـعامله على البصرة : وأنا من رسول الله  كالضوء من الضوء والذراع من العضد. انظر شرح النهج 16 : 289 ، والمراد من هذا التشبيه شدة  الامتزاج والاتحاد والقرب بينهما.

وفي آخر : أنا من أحمد كالضوء من الضوء ، نهج البلاغة 3 : 73 / كتاب 44 ومعناه أن أصلهعليهالسلام وأصل الرسول واحد كالنخلتين تخرجان من أصل واحد. ويؤيده ماجاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال  لعلي عليه‌السلام : يا علي من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبك فقد سبني ، لأنك مني  كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي. عيون أخبار الرضا 2 : 266 ، إقبال الأعمال 1 : 37 ،  بحار الأنوار 42 : 190.

2. بحار الأنوار 43 : 215.

١٢٦

فرجوعها لم يكن كرجوع أي إنسان إلى الله( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) ، بل إن  رجوعها كان رجوعاً نورانياً إلى النور الأكمل وهو نور رب العالمين.

عن جابر بن يزيد الجعفي أنه سأل الإمام الصادقعليه‌السلام : لم سُمِّيت فاطمةُ  الزهراء؟ فقال : لأن الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته ، فلما أشرقت أضاءت  السماوات والأرض بنورها ، وغشيت أبصار الملائكة ، وخرّت الملائكة لله ساجدين ، وقالوا : إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من  نوري ، أسكنته في سمائي ، خلقته من عظمتي ، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي ،  أُفضِله على جميع الأنبياء ، وأُخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى  حقّي ، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي.(1)

وروى الشيخ الكليني بإسناده عن محمد بن مروان ، عن أبي عبدالله، قال :  سمعته يقول : إن الله خلقنا من نور عظمته ، ثمّ صوّر خلقنا من طينةٍ مخزونةٍ مكنونة  من تحت العرش ، فأسكن ذلك النور فيه ، فكنّا نحن خلقاً وبشراًنورانيين لم يجعل  لأحد في مثل الذي خُلقنا منه نصيباً.(2)

وفي معاني الأخبار : قال رسول الله : خُلق نور فاطمة قبل أن تُخلق الأرض  والسماء. فقال بعض الناس : يا نبي الله فليست هي إنسية؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة حوراء إنسية.

قال : يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خلقها الله عزوجل من نوره قبل أن يخلق آدم ، إذ كانت الأرواح ،  فلما خلق الله عزوجل آدم عرضت على آدم!

_______________________________________

1. الإمامة والتبصرة 133 ، علل الشرايع 1 : 180.

2. الكافي 1 : 389 / 2.

١٢٧

قيل : يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟

قال : كانت في حُقَّة تحت ساق العرش ، قالوا : يا نبي الله فما كان طعامها؟

قال : التسبيح والتهليل والتحميد.(1)

وعن أبي حمزة الثمالي أنه سأل الباقرعليه‌السلام فقال : أخبرني يابن رسول الله أي  شيء كنتم في الأظلة؟ فقالعليه‌السلام : كنّا نورا بين يدي الله قبل خلق خلقه ، فلمّا خلق  الخلق سبّحنا فسبّحوا ، وهللنا فهللوا ، وكبّرنا فكبّروا.(2)

وفي عيون أخبار الرضا : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي بأن الأنبياء هم أفضل من  الملائكة ، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من جميع النبيين والمرسلين ، والفضل من بعده لعلي  والأئمة من ولده ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى  معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ؛ لأن أول من خلق الله خلق أرواحنا ،  فأنطقنا بتوحيده وتمجيده ، ثمّ خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً ،  استغظمت فسبحنا لتعلم الملائكة ، إنا خلق مخلوقون ، انا خلق مخلوقون وأنهمنزه  عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا.(3)

إنها مفردات (التسبيح ، التهليل ، التحميد) تذكرنا بتسبيحات الصلاة التي  علّمها النبي الأكرم لابنته فاطمة الزهراء ، وكانت تلك المفردات طعامها تحت  العرش ، وهي الأُخرى تذكرنا بارتباط أمر النبوة بأمر الخلافة والوصاية.

نعم إنها مواصفات الحوراء الإنسية التي يشمها رسول الله كلّما اشتاق إلى  الجنة ، فعن عائشة قالت : قال رسول الله : لما أُسري بي إلى السماء أدخلت الجنة ،

_______________________________________

1. معاني الأخبار : 369.

2. بحار الأنوار 25 : 24 / 40 وانظر الهداية الكبرى : 240.

3. عيون أخبار الرضا 2 : 237 ، ينابيع المودة 3 : 378 ، تفسير القمي 1 : 18.

١٢٨

فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها حُسناً ولا أبيض  منها ورقة ولا أطيب منها ثمرة ، فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها ، فصارت نطفة في  صلبي ، فلمّا هبطت الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فإذا أنا اشتقت إلى  رائحة الجنة شممت ريح فاطمة.(1)

بلى ، إن فاطمة الزهراءعليها‌السلام مخلوقة من أحسن ثمار الجنّة ، ومن شجرة طوبى ،  ثمّ حلت في رحم امرأة من خيرة نساء العالمين هي خديجة ، التي أعطت كل ما تملك  لرّبها ، ولما حضرتها الوفاة لم يكن لها كفن تكفن به ، فأنزل الله لها كفناً مع جبرائيل.

فحريٌّ بهذه السيدة أن تكون الصدّيقة والمحدّثة والعليمة ؛ لأنّ لها أُمّاً كخديجة ، وأبا كرسول الله ، وبعلاً كعلي ، وأولاداً كالحسن والحسين ، وقد أدرك  هذه المنزلة لفاطمة حتى النصارى ، فقال أسقف النصارى لما رأى رسول الله وعلياً وفاطمة والحسن والحسين يوم المباهلة : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو  شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكواولا يبقى على وجه  الأرض نصراني إلى يوم القيامة.(2)

هل فكّرت في مفردات القرآن :( أَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) و( نِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) و( أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) فمن هو علي؟ ومن هي الزهراء؟ ومن هو الحسن ومن هو  الحسين؟ إنّها مفردات معنوية وأسماء سماوية يجب الوقوف عندها والتأمل فيها.

إن فاطمة وأباها جوهر واحد ، وعلي والرسول نفس واحدة ، وقد زوّج  رسول الله علياً بفاطمة ، لأنه كفؤها وليس لها كفؤ غيره ، وذلك بأمر من الرب  الجليل ، فرزقهم الله أولاداً طاهرين مطهرين معصومين هم أئمة المسلمين.

_______________________________________

1. المعجم الكبير 22 : 401 ، الدر المنثور 4 : 153.

2. الكشاف 1 : 369 ، تفسير الرازي 8 : 71 ، السيرة الحلبية 3 : 236 ، الطرائف : 42 ، مجمع البيان 2 : 310.

١٢٩

بين فاطمة الصدّيقة وأعدائها

والآن ، انظر ماذا فعل القوم بعلي والزهراء ، وكيف بهم قد جدّوا لتكذيبهما  وإبعادهما عن حقوقهما بطرق ملتوية.

فأبو بكر لا يمكنه أن يكذّبها صريحاً ، بل صرح بأنها الصادقة في قولها  المصدّقة في كلام بارئها ، لكنه جاء بأعذار قد تبدو للسُّذّج بالنظر البدوي السطحي  أنها صحيحة ، فقال فيما قاله :يا خيرة النساء وابنة خير النساء ، أنت صادقة في  قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقك ، ولا مصدودة عن صدقك ،  وواللهما عدوت رأي رسول الله وإني سمعته يقول : نحن معاشر الأنبياء لا نورث  ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً وإنّما نورث الكتاب والحكمة والعلم النبوة ، وما  كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه ...إلى آخر كلام أبي بكر  وقد مر عليك جواب الزهراء له.

فأبو بكر لا يمكنه أن يرمي الزهراء صريحاً بالكذب ، فتعلل بتعاليل قد تبدو  شرعية ، لكن الزهراء صرَّحت بملء فمها حجة ودليلاً بأنه كاذب : «يابن أبي  قحافة لقد جئت شيئاً فريَّاً».

هذه هي كلمة الصدّيقة فاطمة التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، وهذه  الجملة تشير وبكل وضوح إلى أن فاطمة لا تقول شيئاً عن حس عاطفي أو هوى  شخصي كما عرفناه من الآخرين ، إذ لا يعقل أن يوقف الله رضاه المطلق لرضا  شخص تابع لأهوائه ومصالحه والعياذ بالله، وكذا الأمر بالنسبة إلى غضبها ،  وهو يعني بأن الصدّيقة فاطمة الزهراء وصلت إلى مرتبة العصمة ، ولامعنى لأن  يكون رضاها هو رضى الله وغضبها غضبه إلّا هذا ، هذا من جهة ، وهذا المقام

١٣٠

يحكي عن انبثاق فاطمةعن مَثَل نور الله وانعكاس غضب الله ورسوله في غضب  الصدّيقة الكبرى.

فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها وبغضني ما يبغضها) وكذا  قوله لفاطمة : (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) يؤكدان بأن إغضاب  فاطمة وإيذاءها هو إغضاب لرسول الله وإيذاء له ، وسبحانه قال :( إِنَّ الَّذِينَ  يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (1) وقال :  ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ) .(2)

والآن استمع لما رواه البخاري عن عائشة ، وابن قتيبة عن عمر :

قالت عائشة : إن فاطمة بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من  رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر :  إن رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني  واللهلا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ،  ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ،  فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت  بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبو بكر ،  وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه في حياة فاطمة ، فلما توفيت استُنكِرَ عليٌّ  وجوه الناس. الحديث.(3)

قال ابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ.) في الإمامة والسياسة : فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً ، فاستأذنا على فاطمة ،

_______________________________________

1. الأحزاب : 57.

2. طه : 81.

3. صحيح البخاري 5 : 83 و 4 : 209 ، صحيح مسلم 5 : 154.

١٣١

فلم تأذن لهما ، فأتيا عليا فكلماه ، فأدخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها  إلى الحائط ، فسلما عليها فلم ترد عليهما السلام.

فتكلم أبو بكر ، فقال : يا حبيبة رسول الله ، واللهإن قرابة رسول الله أحب إليّ  من قرابتي ، وإنك لأحب إليّ من عائشة ابنتي ، وَلَوَدِدْتُ يوم مات أبوك أني مُت  ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك ، وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك  من رسول الله ، إلّا أني سمعت أباك رسول الله يقول : «لا نورث ما تركنا فهو صدقة».

فقالت : أرأيتما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به؟

قالا : نعم.

فقالت : نشدتكما الله ، ألم تسمعا رسول الله ، يقول : «رضى فاطمة من رضاي  وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة  فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني».

قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله ، قالت : فإني أُشهد الله وملائكته أنكما  أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونّكما إليه.

فقال أبو بكر : أنا عائذ باللهتعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة.

ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعون عليك في كلّ صلاة أصليها فلم يبايع علي كرم الله وجهه حتى ماتت  فاطمة ولم تمكث بعد أبيها إلّا خمساً وسبعين ليلة.(1)

فالنصوص كلّها ناطقةٌ بأن الزهراءعليها‌السلام كانت مستاءة من أبي بكر ، وماتت  وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، ناهيك عمّا في خطبتها في المسجد من مقاطع كثيرة  يجب الوقوف عندها ، فإنّها وحين قالت : « أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي

_______________________________________

1. الإمامة والسياسة 1 : 19 ـ 20.

١٣٢

محمد أقول عوداً وبدءاً ولا أقول ما أقول غلطاً ولا أفعل ما أفعل شططاً»(1) أرادت أن توضح حقيقة مهمة وهي أنّي فاطمة التي قال عنها رسول الله (سيدة  نساء العالمين)(2) و (الصدّيقة)(3) و (أم أبيها)(4) و (فداها أبوها).(5)

كما أنها أرادت أن تقول : أنا تلك التي قال عنّي رسول الله : فاطمة بضعة مني  يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.(6)

إذا إني (لا أقول ما أقول غلطاً ولا أفعل ما أفعل شططاً ) وأبي محمد لا يوصي  بأحدٍ عن هوى ؛ لأنّه هو الذي( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ،  وقد أكد الإمام عليٌّ هذه الحقيقة بقوله : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقرّبني بما تعلمونه من

_______________________________________

1. شرح الأخبار 3 : 34 ، الاحتجاج 1 : 134 ، شرح النهج 16 : 212.

2. مسند أبي داود : 197 ، مصنف ابن أبي شيبة 7 : 257 / 5 ، مستدرك الحاكم 3 : 156 ، وقال : هذا إسناد  صحيح ولم يخرجاه.

3. الكافي 1 : 458 / 2 ، منتقى الجُمان 1 : 224.

بل قالت في وصفها أمّ المؤمنين عائشةـكما في سنن الترمذي 5 : 361 / 3964 ، وسنن أبي داود 2 :  522 / 5217 ، والمستدرك للحاكم 24 : 272 ، والبخاري في الأدب المفرد : 202ـ: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله ، قالت : وكانت إذا دخلت  على النبي قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل عليها قامت من مجلسها  فقبلته وأجلسته في مجلسها.

وفي نصّ ثانٍـكما في المستدرك للحاكم 3 : 154 ، والسنن الكبرى للبيهقي 7 : 101ـ: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله ، وكانت إذا دخلت عليه ، رحّبَ بها وقام إليها فأخذ بيدها  فقبلها ، وأجلسها في مجلسه.

وفي نص ثالثٍ عن عائشةـذكره الحاكم في مستدركه 3 : 161 والزرندي في نظم درر السمطين : 182ـ انها إذا ذكرت فاطمة بنت النبي قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً منها إلّا أن يكون الذي ولدها.

4. المعجم الكبير 22 : 397 ، تاريخ دمشق 3 : 158 ، أُسد الغابة 5 : 520.

5. أمالي الصدوق : 305 / 348 ، روضة الواعظين : 444 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 121.

6. صحيح البخاري 6 : 158 ، سنن أبي داود 1 : 460 / 2071 ، المعجم الكبير 22 : 404.

١٣٣

القرب ، للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة.(1)

ثم قالت الزهراءعليها‌السلام بعد ذلك : (فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نساءكم  وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزيُّ إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

بهذه الكلمات أرادت السيدة الزهراء أن تنوه إلى مقامها المعنوي ، وأن ذلك لم  يأت للّحمة النسبية بينها وبين رسول الله.

وحتى لو قلنا أنها أرادت أن تبيّن لهم اللحمة النسبية بينها وبين رسول الله ،  فهي أرادت أن تُعرّف نفسها طبق هذه اللحمة حتى تترتّب عليها المطالبة بحقوقها.

كل ذلك وهيعليها‌السلام تؤكد على دور الشيطان في إغوائهم ، وأنه الزمهم السكوت  في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله حفاظاً على مصالحهم ، لكن حَسيكة النفاق ظهرت عندهم بعد  وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصاروا كأمة موسى من بعده ، ورسولُ الله كان قد أخبر أُمته بذلك  بقوله : لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا  جُحر ضب لاتبعتموهم.(2)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الوداع : ويحكُمـأو قال : ويلكمـلا ترجعنّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.(3) وقال في حديث الحوض : ألا وإنّه سيجاء برجال  من أُمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا  بعدك فأقول ....(4)

بهذه الطريقة بيَّن الرسول الأكرم تخوفه على أُمته ، وأرشدهم إلى الحذر وعدم

_______________________________________

1. شرح النهج 20 : 299 / 414.

2. صحيح مسلم 8 : 58 ، الطرائف : 379 / 21 من المتفق عليه ، مسند أحمد 2 : 511.

3. صحيح البخاري 1 : 38 ، 2 : 191 ، 5 : 126 ، 7 : 112 ، سنن ابن ماجة 2 : 130 / 3943 ، مسند أحمد  2 : 85 ، بغية الباحث : 245 ، وغيره.

4. صحيح البخاري 5 : 240 ، 7 : 206 ، صحيح مسلم 1 : 150 ، 7 : 68 ، سنن الترمذي 4 : 38 ، وغيره.

١٣٤

والوقوع في الضلال ، وبنفس الطريقة صرحت السيدة فاطمة الزهراء في خطبتها  المعروفة بوجود مؤامرة على السنّة المحمدية الأصيلة ودعتهم إلى الابتعاد عن  الشيطان الغوي الذي أفرد شباكه وزين مرتعه لهم ، فقالت سلام الله عليها :

فلما اختار الله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهرت فيكم  حسيكةُ النفاق ، وسمل جلبابُ الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خاملُ  الآفلين ، وهدر فنيقُ المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان  رأسهُ من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه  ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، فوسمتُم غير أبلِكم ،  وأوردتُم غير شربكم ، هذا والعهدُ قريب ، والكلم رحيبٌ ، والجرح لما  يندمل ، والرسول لما يُقبر ، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ،( أَلَا فِي الْفِتْنَةِ  سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ، فهيهات منكم ، وكيف بكم؟ وأنَّى  تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم اُموره ظاهرةٌ ، وأحكامُهُ زاهرةٌ ،  وأعلامه باهرةٌ ، وزواجرُهُ لائحةٌ ، وأوامره واضحة ، وقد خلفتُموه  وراء ظهوركم ، أرغبةً عنه تُريدون؟ أم بغيره تحكُمُون؟( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ  بَدَلًا )( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ  الْخَاسِرِينَ ) ، ثمَّ لم تلبثوا إلّا ريثَ أن تسكن نفرتُها ، ويُسلس قيادُها ، ثمَّ  أخذتم تورونَ وقدتَها ، وتهيجُون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان  الغوي ، وإطفاءِ أنوارِ الدين الجليِّ ، وإخمادِ سنن النَّبيَّ الصفيِّ ، تُسِرُّون  حسوا في ارتغاء ، وتمشون لأهله وولده في الخَمَرِ الضَّرَّاء ، ونصبر منكم  على حزِّ المُدى وَوَخْزِ السَّنانِ في الحَشا.

بهذا المنهج الوعظي العلمي المتَّزن وبّختْ السيدة فاطمة قومَها وأرشدتهم إلى  عدم الوقوع في الفتنة والانقلاب على الأعقاب ؛ لأن الشيطان الرجيم أطلع رأسه  من مغرزه ، هاتفاً بهم فألفاهم لدعوته مستجيبين ؛ ذلك الشيطان الذي قال :

١٣٥

( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ  وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي  وَلُومُوا أَنفُسَكُم ) .(1)

فأما قول عمر في بدء الخلافة : (فلما خفت الاختلاف قلت لأبي بكر : ابسط  يدك أبايعك) ،(2) فهو وجه آخر لكلام ذلك المنافق الذي طلب من النبي إعذاره  من محاربة الروم في غزوة تبوك ؛ لأنه رجل يحب النساء ويخاف أن يُفتَن بجمال نساء  الروم ويخسر أجره ، فنزل القرآن بقوله تعالى :( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا  تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ،(3) وهذا ما أرادت  السيدة فاطمة الزهراء الإشارة إليه في قولها : (زعمت خوف الفتنة ألا في الفتنة  سقطوا) لأن المنافق أراد أن يقول كما قالت بنو إسرائيل( اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ  فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) .

فتركُ الجهاد في ركاب الرسول هو الفتنة حقاً ، لأنها تستعقب الشرك والكفر  بالله، وكذا الحال بالنسبة إلى إبعاد الوصي عن منصبه ، لأنّه قد جرّأ الطلقاءَ  والمنافقين أن يفكّروا في الاستخلاف على الأُمة الإسلامية ، إنها فتنة وما أعظمها  من فتنة.

إن الزهراءعليها‌السلام وبقولها السابق (فهيهات منكم وكيف بكم وأنّى تؤفكون؟  وكتاب الله بين أظهركم ، أُموره ظاهرة ...) أرادت أن تشير إلى كون منصب  الخلافة هو منصب إلهي ، وكيف بالناس لا يعرفون ذلك ، وكتاب الله بين أظهرهم ،  وأُموره ظاهرة دالة على الاستخلاف الإلهي ، في مثل قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَىٰ

_______________________________________

1. إبراهيم : 22.

2. شرح نهج البلاغة 2 : 24 ـ 25.

3. سورة التوبة : 49.

١٣٦

إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا  يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) وقوله( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا  وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (2) وغيرها.

فإنهاعليها‌السلام جاءت لتؤنّبهم على تركهم العمل بالقرآن بقولها : خلفتموه وراء  ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا )( وَمَن  يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .(3)

ثمّ عرّجت الزهراءعليها‌السلام لتبيّن تلاعبهم بالأحكام الإلهية ، وكيف بهم يقولون أن  لا إرث لها ، فعلى عَمدٍ تركوا كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم ، إذ يقول( وَوَرِثَ  سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) إلى غيرها من عشرات المقاطع في هذه الخطبة التي تحمل بين جنباتها  أعلى معاني الاحتجاج والتنظير.

تحريفات محمومة :

إذا القوم كانوا يتصورون إمكان إطلاق لفظ الصدّيقية جزافاً على الأفراد ،  أو إمكان إبدالها بأحاديث أُخرى مشابهة تخدم مصالحهم ، لكنّ البحث والتحقيق  أوضحا لنا حقائق غير ما كانوا يرجونه.

فقد روى المدائني في كتاب الأحداث أن معاوية بن أبي سفيان أمر بوضع  الحديث في فضائل عثمان ، ولما كثر الحديث في عثمان وفشا ، كتب إليهم :

فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة  والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا

_______________________________________

1. البقرة : 124.

2. السجدة : 24.

3. الاحتجاج 1 : 137 ، وانظر شرح النهج 16 : 251 ، وكشف الغمة 2 : 112.

١٣٧

وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحب إليّ وأقرّ لعيني وأدحض  لحجّةِ أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة  مفتعلة لا حقيقة لها ، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى  أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقى إلى معلمي الكتاتيب ، فعلّموا  صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلّموه كما  يتعلمون القرآن ، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ،  فلبثوا بذلك ما شاء الله ).(1)

وكان مما رووه في أبي بكر أنه كان يلقب بالصدّيق في الجاهلية ،(2) وذلك  تنظيراً بما كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه كان يعرف في الجاهلية بالصادق الأمين.

كما وضعوا أنه المعني بقوله تعالى :( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) ، قال  عطاء : الذي جاء بالصدق محمد ، فأفاض من بركات أنوار صدقه على أبي بكر ،  فسمي صدّيقاً ،(3) أو أنّه سبحانه سمّى أبا بكر صدّيقاً في تنزيله فقال : والذي جاء  بالصدق وصدّق به.(4)

ووضعوا على لسان عليعليه‌السلام أنه كان يحلف باللهأن الله تعالى أنزل اسم أبي بكر  من السماء : الصدّيق.(5)

كما اختلقوا على عليٍّعليه‌السلام أنّه سُئل عن أصحاب رسول الله ، فقالوا له : أخبرنا  عن أبي بكر بن أبي قحافة ، قال : ذاك امرؤ سماه الله الصدّيق على لسان جبرائيل

_______________________________________

1. شرح نهج البلاغة 11 : 44.

2. سمط النجوم العوالي 2 : 412.

3. تفسير السّلمي 2 : 199.

4. الأحاديث المختارة 3 : 12 ، تاريخ دمشق 30 : 438.

5. تاريخ دمشق 30 : 75 ، أُسد الغابة 3 : 216.

١٣٨

وعلى لسان محمد ، كان خليفة رسول الله ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا.(1)

بل راحوا يؤيّدون التربيع الأموي العباسي ، فقالوا : خطب الإمام علي وقال  في آخر خطبته : واعلموا أن خير الناس بعد نبيهم أبو بكر الصدّيق ، ثمّ عمر  الفاروق ، ثمّ عثمان ذو النورين ، ثم أنا ، وقد رميت بها في رقابكم وراء ظهوركم فلا  حجة لكم علي.(2)

وعن علي : جاء جبرائيل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : من يهاجر معي؟ فقال : أبو  بكر وهو الصدّيق(3) وفي آخر : أتاني جبرائيل فقلت : من يهاجر معي؟ قال أبو  بكر ، ويَلي أُمّتك من بعدك ، وهو أفضل أُمتك من بعدك.(4)

وعن علي : ينادي مناد يوم القيامة : أين السابقون الأولون؟ فيقال : من؟ فيقول : أين أبو بكر؟ فيتجلى الله لأبي بكر خاصة وللناس عامة.(5)

وعن عليٍّ مرفوعاً : ما طلعت شمس ولا غربت على أحدٍ بعد النبيين  والمرسلين أفضل من أبي بكر.(6)

_______________________________________

1. تاريخ الخلفاء 1 : 30 ، اعتقاد أهل السنة 7 : 1295 ، تهذيب الأسماء 2 : 479 ، كنز العمال 3 : 101 /  36698.

2. الرياض النضرة 1 : 381 ، 260 ، الغدير 8 : 38.

3. مستدرك الحاكم 3 : 5 ، قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، تاريخ دمشق 30 : 73 ، كنز العمال 16 :  667 / 46292 ، الكامل لابن عدي 6 : 289.

4. الفردوس بمأثور الخطاب 1 : 404 / 1631 ، كنز العمال 11 : 551 / 325 ، عنه ، الغدير 5 : 355 ،  عن كنز العمال.

5. رؤية الله للدارقطني 1 : 70 / 57 ، الرياض النضرة 2 : 75 ، سمط النجوم العوالي 2 : 443 / 74 ، تفسير  الرازي 12 : 21 ، اللآلىء المصنوعة 1 : 264 ، وللحديث صيغ مختلفة بمعنى واحد ، هذا وقد ضعف  الحديث جداً ونسب راويه إلى الوضع ، لاحظ كشف الحثيث 1 : 185 / 227 ، 585 ، المجروحين 2 :  115 ، المغني في الضعفاء 2 : 575 ، 765 ، ميزان الاعتدال 5 : 148 ، 131 ، 7 : 311 ، الموضوعات 1 :  225 ـ 227 وغيرها من كتب الضعفاء والمجروحين.

6. أنساب السمعاني 2 : 51 ، تاريخ بغداد 12 : 433 ، تاريخ دمشق 30 : 208 ، كنز العمال 11 : 557 /

١٣٩

وعن علي مرفوعاً : يا أبا بكر ، إنّ الله أعطاني ثواب من آمن به منذ يوم خلق  آدم إلى أن تقوم الساعة ، وإن الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ يوم بعثني إلى أن  تقوم الساعة.(1)

وعن رجل عن علي : إن رسول الله لم يعهد إلينا عهداً نأخذ به في الإمارة ،  ولكنه شيءٌ رأيناه من قِبَل أنفسنا ، فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأ فمن  قبل أنفسنا ، ثمّ استخلف أبو بكر فأقام واستقام ، ثمّ استخلف عمر فأقام واستقام ،  حتى ضرب الدين بجرانه.(2)

وقال أبو بكر لعلي بن أبي طالب : قد علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك؟ قال : صدقتَ يا خليفة رسول الله! فمد يده فبايعه.(3)

وعن علي : ما مات رسول الله حتى عرّفنا أن أفضلنا بعد رسول الله أبو بكر ،  وما مات رسول الله حتى عرفنا أن أفضلنا بعد أبي بكر عمر رضي الله تعالى  عـنهما.(4)

وعن علي مرفوعاً : يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين  إلّا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي ، قال : فما أخبَرتهما حتى ماتا.(5)

_______________________________________

32622 ، والجميع عن أبي الدرداء وروى في الغدير 7 : 112 عن العلامة الحرفيش في كتابه الروض  الفائق : 388 مرفوعاً عن علي.

1. فضائل أحمد 1 : 434 ، الفردوس بمأثور الخطاب 5 : 306 / 8270 ، الرياض النضرة 2 : 121 ، سمط  النجوم العوالي 2 : 441 / 69 ، تاريخ بغداد 5 : 10 / 2309 ، تاريخ دمشق 30 : 118.

2. السنة لعبداللهبن أحمد 2 : 269 ، علل الدارقطني 4 : 87 ، الرياض النضرة 2 : 198 ، وانظر مسند أحمد  1 : 114 ، السنة لعمرو بن أبي عاصم : 561.

3. الغدير 8 : 40 / 60.

4. السنة لعمرو بن عاصم : 555 / 1200 ، تاريخ دمشق 30 : 375 ، سبل الهدى والرشاد 11 : 247.

5. مسند أحمد 1 : 80 ، مصنف بن أبي شيبة 7 : 473 ، المعجم الأوسط 4 : 359 ، تاريخ بغداد 7 : 121 ،  تاريخ دمشق 30 : 166 ، 168 ، 169 ، 170 ، أُسد الغابة 4 : 63 ، الإمامة والسياسة 1 : 10.

١٤٠