• البداية
  • السابق
  • 169 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19780 / تحميل: 5907
الحجم الحجم الحجم
من هو الصديق؟ ومن هي الصديقة؟

من هو الصديق؟ ومن هي الصديقة؟

مؤلف:
الناشر: دليل ما
ISBN: 964-397-135-X
العربية

إذاً الصدّيقية هي إحدى الصفات ومميّزات الاصطفاء ، فهي تكون أولاً  للأنبياء والمرسلين ، ثم للأوصياء والصالحين ، لما مرَّ عليك في الآيات السابقة ،  ولقوله تعالى :( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) ،(1) وهذا  التخصيص بعد البيان يشير إلى أن الكاذبين من الذين آمنوا لا يمكن أن يكونوا  صدّيقين ، بل المعنيُّ بهذه الآية هم آل البيت لكونهم صادقين وصدّيقين حسبما  يأتي تفصيله.

روى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب عن ابن عباس في قوله تعالى :  ( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ  وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ) .

( مِّنَ النَّبِيِّينَ ) يعني محمدا( وَالصِّدِّيقِينَ ) يعني علياً ، وكان أوّل من صدّقه ،  ( وَالشُّهَدَاءِ ) يعني علياً وجعفراً ، وحمزة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

ثمّ قال :

النبيّون كلهم صدّيقون ، وليس كل صدّيق نبياً ، والصدّيقون كلهم صالحون ،  وليس كل صالح صدّيقاً ، ولا كل صدّيق شهيد.

وقد كان أمير المؤمنين صدّيقاً ، شهيداً ، صالحاً ، فاستحق ما في الاثنين من  وصف سوى النبوة.

وكان أبو ذر يحدث شيئاً فكذبوه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أظلت الخضراء [ على  ذي لهجة أصدق من أبي ذر ] فدخل وقتئذ عليعليه‌السلام فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أن هذا الرجل  المقبل فإنّه الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم.(2)

_______________________________________

1. سورة الحديد : 19.

2. المناقب لابن شهرآشوب 3 : 89 ـ 90.

٢١

وبما أنّ الرسول المصطفى هو الصادق الأمين ، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو  إلا وحي يوحى ، فكل ما يقوله عن الآخرين هو الحق ، فيكون تلقيبه للآخرين  بالألقاب غير متأتٍّ عن أحاسيس وعواطف ، بل لما يحمله الآخرون من صفات  وممّا لا يمكن إنكاره هو إن الإسلام انتشر وفق عاملين أساسين :

أحدهما : أموال خديجة.

وثانيهما : سيف أمير المؤمنين علي.

وبما أنّ هاتين الشخصيتين كانتا أول من آمن بمحمد بن عبداللهوصدّقه في  رسالته وبذلا الغالي والنفيس في نشر دعوته ، نرى الرسول الأمين قد لقب أولهما  بالصدّيقة ، والثاني بالصدّيق ، لكثرة تصديقهما لرسول الله في كل قولٍ وفعل ،  أي أن مصداقية الصدّيقية تؤخذ من فم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بناءً على كمالاتهم الذاتية  وسيرتهم ، ولا يمكن إطلاق الألفاظ جزافاً بعيداً عن الذات والسيرة ، وهذا  أقل ما يقال.

فقد جاء في تاريخ دمشق : عن الضحاك ومجاهد ، عن ابن عمر قال :

نزل جبرئيل على رسول الله بما أرسل به ، وجلس يحدث رسول الله إذ مرت  خديجة بنت خويلد ، فقال جبرئيل : من هذه يا محمد؟

قال: «هذه صدّيقة أُمتي».

قال جبرئيل : معي إليها رسالة من الرب : تبارك وتعالى يقرئها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب لا نصب فيه ولا صخب قالت : الله السلام ومنه السـلام والسـلام عليكما ورحمـة الله وبـركاته على رسول الله ، ما  ذلك البيت الذي من قصب؟ قال : لـؤلـؤة جوفاء بين بيت مريـم بنت عمران وبيت  آسية بنت مزاحم وهما من أزواجي يوم القيامة.(1)

_______________________________________

1. تاريخ دمشق 7 : 118 وعنه في البداية والنهاية 2 : 62 ، وقد روي هذا الخبر في كتب الفريقين

٢٢

وهذا السلام من الربّ الجليل يُعلم أفضلية خديجة على من سواها من نساء  النبيّ وهو مشعر بمرتبتها العالية ، لأنّ إبلاغ السلام لا يأتي إلّا للمعصوم أو من بلغ  مرتبة العصمة كسلمان وأبو ذر وعمار ، نعم انهم حكوا هذا السلام لآخرين لكن  التحقيق والبحث في سيرتهم يثبت عدم صحة تلك النقول.

قال العسقلاني في فتح الباري وعند شرحه لهذا المقطع : «فقالت : هو السلام وعن جبرائيل السلام وعليك يا رسول الله السلام» :

قال العلماء : في هذه القصة دليل على وفور فقهها ، لأنّها لم تقل « وعليه السلام» كما وقع لبعض الصحابة فعرفت خديجة لصحة فهمها أن الله لا يردّ عليه السلام كما يرد على المخلوقين.(1)

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده عن أنس : أنّ النبي قال : « حسبك من  نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسيه امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ،  وفاطمة بنت محمّد ».(2)

وفي سنن الترمذي عن عبداللهبن جعفر قال : سمعت علي بن أبي طالب

_______________________________________

بأسانيد وأشكال متعددة ، فقد رواه البخاري عن أبي هريرة في صحيحه 4 : 231 / كتاب بدء الخلق /  باب تزويج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة (رض) وفيه إشارة مقتضبة ، وفي سيرة ابن هشام 1 : 159 عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، وفيه : الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبرائيل السلام.

ورواه الدولابي في الذرية الطاهرة : 36 عنه ، ووالحاكم في مستدركه 3 : 186 ، عن أنس ، وفيه : إنّ الله  هو السلام ، وعليك السلام ، ورحمة الله وبركاته ، قال : حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ،  وفي المعجم الكبير 23 : 15 ، والسنن الكبرى للنسائي 5 : 94 / 8359 ، عن أنس أيضاً وعنه في  الإصابة 8 : 102 ، وفيه : إن الله هو السلام ، وعلى جبرائيل السلام ، وعليك السلام.

وفي تفسير العياشي 2 : 279 / 12 عن أبي سعيد الخدري ، وعنه في بحار الأنوار 16 : 7.

1. فتح الباري 7 : 105.

2. المستدرك على الصحيحين 3 : 157 ورواه الترمذي 5 : 367 رقم 3981 في أبواب المناقب ، مسند  أحمد3 : 135 ، أخبار اصبهان 2 : 117.

٢٣

يقول : سمعت رسول الله يقول : خير نسائها خديجة بنت خويلد ، وخير  نسائها مريم بنت عمران.(1) وكانت السيدة خديجة وزيرة صدق للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة.(3)

وجاء في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل(4) وتاريخ دمشق(5) وغيرهما(6) بالإسناد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه ، قال : قال رسول الله : « الصدّيقون  ثلاثة : حبيب بن موسى النجارـمؤمن آل ياسينـالذي قال :( يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا  الْمُرْسَلِينَ ) ، وحزقيلـمؤمن آل فرعونـالذي قال :( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا ) ، وعلي  بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم ».

وفي سنن ابن ماجة بسنده عن عبّاد بن عبدالله، قال : قال علي : أنا عبدالله وأخو رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذّاب ، صليت قبل  الناس بسبع سنين. في الزوائد. هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات ، رواه الحاكم في  المستدرك عن المنهال وقال : صحيح على شرط الشيخين.(7)

_______________________________________

1. سنن الترمذي 5 : 367 ح 3980 فضل خديجة ، مسند أحمد 1 : 116 ، صحيح البخاري 4 : 138  بتقديم وتأخير.

2. البداية والنهاية 3 : 157 ، فتح البارى 7 : 148 ، والذرية الطاهرة للدولابي : 40 ، اسدالغابة 5 : 439.

3. مجمع الزوائد 97 : 218 ، فتح البارى 7 : 100 ، المعجم الكبير 22 : 448 ، اسدالغابة 5 : 434 ، تاريخ  دمشق 3 : 131 ، البداية والنهاية : 329 ، السيرة النبوية لابنكثير 4 : 608.

4. فضائل الصحابة 2 : 655 و 267.

5. تاريخ دمشق لابن عساكر 42 : 43 و 313.

6. الفردوس بماثور الخطاب 2 : 421 ، فيض القدير 4 : 238 ، كنز العمال 11 : 601 ، شرح النهج 9 : 172 ،  مناقب ابن شهرآشوب 2 : 286 ، الجامع الصغير 2 : 115 ، الدرالمنثور 5 : 262 وشذّ القرطبي في  تفسيره 15 : 306 عن جميع المحدثين والمفسرين فذكر أن الثالث هو أبو بكر لا علي.

7. سنن ابن ماجة 1 : 44 ، مصباح الزجاجة 1 : 22 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 : 431 ، المستدرك  

٢٤

وعن معاذة العدوية ، قالت : سمعت علياً رضي الله عنه يخطب على المنبر وهو  يقول : أنا الصدّيق الأكبر ، آمنتُ قبلَ أن يُؤمن أبو بكر ، وأسلمتُ قبل أنيُسلم.(1)

وفي الإصابة لابن حجر وأسد الغابة لابن الأثير عن أبي ليلى الغفاري ، قال :  سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالتزموا علي  بن أبي طالب ، فإنه أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو  الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأُمة ، وهو يعسوب المؤمنين ».(2)

وفي تاريخ دمشق بإسناده عن ابن عباس أنه قال : « ستكون فتنة فمن أدركها  منكم فعليه بخصلتين : كتاب الله وعلي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله يقول  وهو آخذ بيد علي : هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحني ، وهو فاروق هذه  الأُمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ،  وهو الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي أوتى منه ، وهو خليفتي من بعدي ».(3)

وعن أبي سخيلة قال : حججت أنا وسلمان ، فنزلنا بأبي ذر ، فكنّا عنده ماشاء الله ، فلما حان منا خفوف ، قلت : يا أبا ذر إني أرى أموراً قد حدثت ، وإني خائف

_______________________________________

للحاكم 3 : 111 ، المصنف لابن أبى شيبة 7 : 498 ، الآحاد والمثانيللضحاك 1 : 148 ، السنة لابن أبي  عاصم 584 ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 106 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 46 ، تاريخ الطبري  2 : 56 ، تهذيب الكمال 22 : 514 ، شرح النهج 13 : 200 ، وفيه : وفي غير رواية الطبري أنا الصدّيق  الأكبر وأنا الفاروق الأول أسلمت قبل إسلام أبي بكر ، وصليت قبل صلاته بسبع سنين ؛ كأنّهعليه‌السلام لم  يرتضِ أن يذكر عمر ولا رآه أهلاً للمقايسة بينه وبينه ، وذلك لأن إسلام عمر كان متأخراً.

1. الآحاد والمثاني للضحاك 1 : 151 ، التاريخ الكبير للبخاري 4 : 23 ، تاريخ دمشق 1 : 62 الرقم 88. 42 : 33 ، المعارف لابن قتيبة في إسلام أبي بكر : 73 أنساب الأشراف 2 : 146 الرقم : 146 ، مناقب  آل أبي طالب 1 : 289 ، شرح نهج البلاغة 13 : 240 ، كنز العمال 13 : 164 الرقم 36497 ، سمط  النجوم العوالي 2 : 476 الرقم 8 وغيرها.

2. الإصابة 7 : 293 ، أُسد الغابة 5 : 287 ، ونحوه عن ابن عباس انظر اليقين لابن طاووس : 500.

3. تاريخ دمشق 42 : 42 و 43 ونحوه عن أبي ذر انظر ص 41 من المجلد 42.

٢٥

أن يكون في الناس اختلاف ، فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال : الزم كتاب الله  عزوجل وعلي بن أبي طالب ، فأشهد أني سمعت رسول الله يقول : علي أولمن  آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو الفاروق  يفرق بين الحق والباطل.(1)

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال لعليعليه‌السلام : «أُوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا :  أُوتيتَ صهراً مثلك ولم أُوت أنا مثلي ، وأُوتيت زوجةً صدّيقة مثل ابنتي ولم أُوتَ  مثلها زوجةً ، وأُوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أُوت من صلبي  مثلهما ، ولكنكم مني وأنا منكم».(2)

وهذا الحديث واضح الدلالة للغاية في أنّ السيّدة البتول ، فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، صدّيقة ؛ إذ قد مر عليك أنّ خديجة سلام الله عليها صدّيقة بنص النبوة ،  والحديث أعلاه ينص على أنّ فاطمة أفضل منها ، فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ولم أوتَ  مثلهاـأي مثل فاطمةـزوجة ، ومجموع ذلك يكشف لنا أنّ مرتبة الصدّيقية  ليست واحدة بل هي مراتب ، لخديجة مرتبة ، ولفاطمة الزهراء مرتبة أعلى منها.

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل : «يا علي ، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء  وأمرتها أن تلقيها إليك ، فأنفذها فهي الصادقة الصدّيقة ، ثم ضمها إليه وقبَّل  رأسها ، وقال : فداك أبوك يا فاطمة».(3)

وعن مفضَّل بن عمر قال : قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : من غسَّل فاطمةعليها‌السلام ؟ قال :  ذاك أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فكأنّما استضقت ذلك من قوله ، فقال لي : كأنك ضقت مما  أخبرتك به؟! فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك ، فقال : لا تضيقنّ فإنها صدّيقة

_______________________________________

1. تاريخ دمشق 41 : 42 ، المعجم الكبير 6 : 269 ، مجمع الزوائد للهيثمى 9 : 102.

2. الرياض النضرة 2 : 202 كما في الغدير 2 : 305.

3. كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد : 120 ، بحار الأنوار 2 : 491.

٢٦

لم يكن يغسلها إلا صدّيق ، أما علمت أنّ مريم لم يغسلها إلا عيسى؟(1)

وعن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام قال : إن فاطمةعليها‌السلام صدّيقة  شهيدة.(2)

فالصدّيقة الكبرى خديجة سلام الله عليها أنجبت من الصادق الأمينـمحمّد  بن عبد اللهـالصدّيقة فاطمـة الزهـراء ، وقد زُوّجت سلام الله عليها من الصدّيق  علي بن أبي طالب. فكانا هما عليهما السلام ملتقى الانـوار ومجـمع البحـرين.

وقد مرّ عليك أن الإمام عليّاً والصدّيقة خديجة الكبرى هما اللذان صدّقا  بالرسول حينما كذبه الناس ، وقد أكد رسول الله لعائشة ذلك حينما غارت من  خديجة ، بقولها :

ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت ، قد أبدلك الله  خيراً منها ،(3) فتغير وجه رسول الله تغيّراً لم أره تغـيّر عند شـيء قط إلّا عند نزول  الوحي أو عند المخـيلة حتى يعلم رحمة أو عـذاباً ،(4) فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تقولي ذلك ، فقد  صدقتنـي إذ كذبَـني النـاس ،(5) إلى آخـر الخبر.

وجاء عن الصحابة والتابعين في تفسير قوله تعالى( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ  وَصَدَّقَ بِهِ ) بأن( الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ) هو رسول الله ، والذي( صَدَّقَ بِهِ )

_______________________________________

1. الكافي 1 : 459 / ح 24 ، 3 : 159 / ح 13 ، علل الشرائع : 184 / ح 1 ، التهذيب 1 : 440 / ح 1422 ،  الاستبصار 1 : 199 / ح 15703.

2. الكافي 1 : 458 / ح 12 ، ومرآة العقول 5 : 315 وفيه كلام للمجلسي على أن الصدّيقة تعني العصمة فراجع.

3. صحيح البخاري 4 : 231 كتاب بدء الخلق / باب تزويج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة وفضلها ، صحيح مسلم 7 : 134  مستدرك الحاكم 4 : 286 ، مسند ابن راهويه 2 : 587 ، صحيح بن حبان 15 : 468 ، سير أعلامالنبلاء 2 : 117.

4. مسند أحمد 6 : 15 ، 154 ، البداية والنهاية 3 : 158.

5. المعجم الكبير 12 : 23 ، الإفصاح للمفيد : 217 ، التعجب للكراجكي : 37.

٢٧

علي بن أبي طالب.(1)

وعن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في قوله تعالى( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللهِ  وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ) قال : الصدق ولايتنا أهل البيت.(2)

فاتباع الاتجاه الحاكم لم يرق لهم إطلاق هذا اللقب على فاطمة وخديجة وعلي ،  فجدّوا لتحريف هذه الحقيقة إلى آخرين ، فلقبوا أبا بكر بالصدّيق وعائشة  بالصدّيقة وفسروا قوله تعالى( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) أي كونوا مع أبي بكر  وعمر(3) !!!! وضعفواـأو أعرضوا عمداً عنـالأخبار الناصّة على أنّ الإمام عليّاً هو الصدّيق.

فنحن نريد هنا أن نسلط بعض الضوء على سيرة أبي بكر وعائشة ، لنرى هل  حقاً أنهما كانا يحملان صفات وسمات الصدّيق والصدّيقة؟ أم أنها أعطيت لهما طبقاً لقناعات وظروف لاحقة؟

 

_______________________________________

1. وقد روى هذا المعنى ابن عباس كما في شواهد التنزيل 2 : 180 آية 140 ، ح 813 و 814.

وأبو هريرة كما في الدر المنثور 5 : 328.

وأبو الطفيل كما في شواهد التنزيل 2 : 181 آية 140 ح 815.

وأبو الأسود كما في البحر المحيط 7 : 411.

ومجاهد كما في البحر المحيط 7 : 411 ، تفسير القرطبي 15 : 256 ، وشواهد التنزيل 2 : 180 آيه  140 ح810 و 811 و 812 ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي 269 ح 317 وترجمة الإمام أمير  المؤمنين من تاريخ دمشق 42 : 359 ، 360.

2. الامالي للطوسي : 364 ، المجلس 13 ح 17 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 288 ، البحار 24 : 37 ، الزمر 11.

3. تفسير الطبري 11 : 84 ، زاد المسير لابن الجوزي 3 : 349 ، تفسير القرطبي 8 : 288 ، الدر المنثور 3 :  289 ، فتح القدير 2 : 414 ، تاريخ دمشق 30 : 310 ، 337. 42 : 361.

4. انظر ضعفاء العقيلي 2 : 130 ، 137 ، الكامل لابن عدي 3 : 274 ، الموضوعات لابن الجوزي 1 : 341 ،  فانهم ضعفوا هذا الخبر اتباعاً لعمر الذي هدد الإمام عليّاً إن لم يبايع ، فقالعليه‌السلام : إذا تقتلون عبداللهوأخا  رسوله فقال عمر : أما عبداللهفنعم ، وأما أخو رسوله فلا.

٢٨

عائشة والصدّيقيّة

فالصدّيق إن لم يكن نبياً أو وصياً يجب عليه أن يكون ممن صدّق الرسالة بكل  وجـوده وآمن برسالة السـماء إيمان قلب وعقيدة ، لا أن يكون مشككاً في الرسالة ،  كما في كلام الصدّيقة عائشة!! حيث أنها وبعد تشكيكها بعدالة الرسول قالت :  ألست تزعم أنك رسول الله؟ فلطمها أبوها في وجهها.(1)

وقالت مرّة أُخرى للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : اتق الله ولا تقل إلّا حقّاً ، فرفع أبو بكر يده  فرشم أنفها وقال : أنتِ لا أُم لكِ يا بنة أُم رومان تقولين الحق أنت وأبوكِ ، ولا  يقولها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(2)

والصدّيقة هي التي لا تكذب بتاتاً ـحتى على ضرتهاـوذلك لا يتماشى مع ما  جاء في الاستيعاب لابن عبد البر والإصابة لابن حجر من : أن رسول الله تزوج  أسماء بنت النعمان ، فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة : اخضبيها أنت ، وأنا  أُمشطها ، ففعلن ، ثم قالت إحداهما لأسماء : إن النبي يعجبه من المرأة إذا دخلت  عليه أن تقول : أعوذ باللهمنك.

فلما دخل رسول الله عليها وأرخى الستر مد يده إليها ، فقالت : أعوذ بالله منك ، فتلّ بكمه على وجهه(3) واستتر ، وقال : عُذتِ معاذاً ، ثلاث مرات ، ثم  ألحقها بأهلها.(4)

_______________________________________

1. مسند أبي يعلى 8 : 130 / ح 4670 ، مجمع الزوائد 4 : 322 ، المطالب العالية لابن حجر 8 : 188 /  باب كيد النساء / ح 1599.

2. سبل الهدى والرشاد 11 : 173 عن ابن عساكر بسنده عن عائشة ، وانظر عين العبرة : 45 والطرائف :  492 عن إحياء العلوم للغزالي 2 : 43.

3. أي أرخى بكمه على وجهه.

4. الاستيعاب 4 : 1785 ، ت 3232 ، الإصابة 8 : 20 ت 10815 ، المستدرك للحاكم 4 : 36 ، الطبقات

٢٩

ألا تعدّ مثل هكذا ممارسات من عائشة ضمن الأعمال البعيدة عن حريم  الصادقين ، لان فيها تفريقاً بين المرء وزوجه.

ولا أدري كيف يقبل المسلم أن تكون عائشة هي الصدّيقة وهو يعلم بنزول  سورة التحريم في شأنها ، وأنها هي التي ألزمت رسول الله أن يحرم على نفسه ما  أحل الله له فيما هو مطروح.

وكيف بصدّيقة كعائشة أن تتظاهر مع حفصة على النبي حتى أنزل سبحانه  وتعالى فيهما قوله :( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ  اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا قَالَ  نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ  هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ) .(1)

وقد سأل ابن عباس عمر بن الخطاب بقوله : من المرأتان المتظاهرتان على  رسول الله؟ فما قضى كلامه حتى قال : عائشة وحفصة.(2)

وقد عيّر عثمان عائشة بذلك ، فقد أخر عثمان عن عائشة بعض أرزاقها  فغضبت ، ثم قالت : يا عثمان أكلت أمانتك ، وضيعت الرعية ، وسلطت عليهم  الأشرار من أهل بيتك ، واللهلولا الصلوات الخمس لمشى إليك أقوام ذوو بصائر  يذبحونك كما يذبح الجمل ، فقال عثمان :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ  وَامْرَأَتَ لُوطٍ ) (3) الآية.

_______________________________________

8 : 145 ، المحبر : 95 ، المنتخب من ذيل المذيل : 106.

1. التحريم : 3 ـ 4.

2. تفسير الطبري 28 : 207 ح 26678 ، صحيح البخاري 6 : 69 ، تفسير سورة التحريم الباب 3 و 4 و  ج 7 : 46 كتاب اللباس ، باب ما كان يتجوز رسول الله من اللباس والزنية ، صحيح مسلم 4 : 190ـ192 ،  كتاب الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء ، مسند أحمد 1 : 48.

3. المحصول للرازي 4 : 343 ، الفتوح 2 : 421.

٣٠

بل كيف بصدّيقة تتنابز بالألقاب(1) وتغتاب مؤمنة(2) .قال الطبرسي في  تفسير قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا  خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ) نزل في نساء النبيّ  يسخرن من أم سلمة عن أنس. وابن عباس : ان أم سلمة ربطت حقويها بسبنّية(3) وسدلت طرفها ، وكانت تجرّ ، فقالت عائشة لحفصة : انظري ما تجر خلفها ، كأنه  لسان كلب.(4)

وقيل : إنّها عيرتها بالقصر ، وأشارت بيدها أنها قصيرة.

بل هل يعقل بصدّيقة أن تتطبع بطبائع غير مشروعة وقبيحة كالحسد. جاء في  سنن الترمذي عن عائشة أنها قالت : ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة ، وما  تزوجني رسول الله إلّا بعد ما ماتت ، وذلك إن الله بشرها ببيت في الجنة منقصب  لا صخب فيه ولا نصب.(5) بل لِمَ يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؟! فلو كانت عائشة هي الصدّيقة حقا فهل يمكن أن يعدها رسول الله مع بقية  زوجاته ويقول عنهن (إنكن صويحبات يوسف).(6) بل كيف بعائشة الصدَّيقة!!  تعترض على ما نزل من قبل رب العالمين( تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ

_______________________________________

1. قال سبحانه وتعالى :( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ ) الحجرات : 11.

2. قال سبحانه وتعالى( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ) الحجرات : 12.

3. السبنية : ضرب من الثياب ، تتخذ من مشاقة الكتان. منسوب إلى موضع بناحية المغرب يقال له : سبن.

4. الكشاف 4 : 373 ، تفسير القرطبي 16 : 326 ، زاد المسير 7 : 182 ، تفسير بحر المحيط 8 : 112.

5. سنن الترمذي 5 : 366 ح 3979 فضل خديجة.

6. إحياء علوم الدين 4 : 47 ، المسترشد في الإمامة : 141 وجاء عن صحيح البخاري 1 : 165 ، كتاب  الإذن ، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة ، وصحيح مسلم 2 : 25 ، كتاب الصلاة ، باب تقديم  الجماعة من يصلي بهم ، وسنن الدارمي 1 : 39 ، باب في وفاة النبي ، بلفظ« وصواحب يوسف» .

٣١

مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ ) (1) وتقول متهكـمـة لـرسـول الله : واللهما أرى  ربّـك إلا يسـارع لك في هـواك.(2)

وهل حقا أن رسـول الله كان يتّبع هواه أو أنّ الباري سبحانه كان يسارع للنبي  في هـواه!! ألم يكن في كلامها ازدراء بالرسول والرسالة ، وهل هذه هي المعرفة  الحقّة المرجوّة من الصدّيقة؟! بل هل أن رب محمد يختلف عن رب عائشـة حتى  تخاطبه وتقول : ما أرى ربّك إلّا يسـارع لك في هواك.

وهل الصدّيقة يؤثر فيها الهوى وتغلب عليها غيرة النساء ، فتكتم الحقوتخبر  بغير الصدق؟!

إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل عائشة لتنظر إلى امرأة أراد أن يخطبها ، فذهبت ثم رجعت  فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله ما رأيتِ؟

قالت : ما رأيتُ طائلاً.

قال لها رسول الله : لقد رأيتِ خالاً بخدها اقشعرت منه ذؤابتك.

فقالت : ما دونك سر ، ومن يستطيع أن يكتمك.(3)

كانت هذه صورة إجمالية عن الصدّيقة عائشة ، وأراها كافية في رسم  شخصيتها والوقوف على التمايز بينها وبين فاطمة الزهراء أو خديجة الكبرى. وقد  يكون في الخبر الآتي ما يجسم نفسية عائشة والفرق بينها وبين فاطمة وخديجة :

_______________________________________

1. الأحزاب : 51.

2. صحيح مسلم 5 : 174 ، كتاب الرضاع ، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها ، صحيح البخاري 6 : 24 ،  كتاب التفسير ، تفسير سورة الأحزاب ، وفي كتاب النكاح ، باب هل للمرأة أن تهب نفسها 6 : 128 ،  تفسير الطبري 22 : 33 ، تفسير ابن كثير 3 : 508.

3. تاريخ بغداد 1 : 317 ، تاريخ دمشق 51 : 36 ، ذكر أخبار إصفهان 2 : 188 ، كنز العمال 12 : 418  ح 35460 ، وانظر طبقات ابن سعد 8 : 161 ، سبل الهدى والرشاد 11 : 235.

٣٢

فقد جاء في تاريخ دمشق : إنّ عائشة زوج النبي رأت النبي يقطع اللحم  لفاطمة وابنيها ، فقالت : يا رسول الله لابنة الحمراء [ تعني بها خديجة]أوحش من  رأيته تقطع اللحم ، فغضب النبي ، فترك عائشة لا يكلمها ، وإن أُم رومان كلمته  فقالت : يا رسول الله ان عائشة بُنيَّة فلا تؤاخذها ، فقال : وتدرين ما قالت؟ إنها  قالت كذا وكذا في خديجة ، وقد فُضِّلت خديجة على نساء أُمتي كما فُضِّلت مريم  على نساء العالمين.(1)

وفي سنن الترمذي عن عائشة أنها قالت : ما غرت على أحد من أزواج النبي  ما غـرت على خديجـة ، وما بي أن أكون أدركتها ، وما ذاك إلّا لكثرةذكر رسول الله  لها وإن كان ليذبح الشـاة فيتتبع بها صدايق خديجة فيهديها لهن.(2)

أبو بكر والصديقيّة

والآن لنقف هنيئة عند أبي بكر لنرى هل أنه حقاً هو الصدّيق ، أم أن  الصدّيق ، علي بن أبي طالب؟ بعيداً عن كل الخلفيات التي يحملها كل طرف ، أي  لندرس شخصية الاثنين من خلال أقوالهما وأفعالهما لا من خلال أقوال أتباعهما.

إذ من المعلوم بأنّ الصدق مقابل الكذب ، فلو كانت الصدّيقة فاطمة هي المحقة  في قولها ، فيكون الصدّيق أبو بكر كاذباً ، وكذا إن كان عليٌ محقاً فيلزم أن يكون  الطرف الآخر مبطلاً.

_______________________________________

1. تاريخ دمشق 70 : 114.

2. سنن الترمذي 3 : 249 / 2086 ، 5 : 366 / 3977 ، وانظر مسند أحمد 6 : 279 ، وصحيح البخاري  4 : 230 / كتاب بدء الخلق / باب تزويج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة وفضلها (رض) ، الطرائف : 291 ، وفتح  الباري 7 : 102 وقد علق قائلا : وفيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلاً  عمن دونهن!

٣٣

والآن مع بعض تلك الفقرات والنماذج من كلمات ومواقف أئمة النهجين لنعرف  من هو الصادق ومن هو الكاذب في تلك الأمور المختلف فيها ، ثم نعرّج بعد ذلك  على الصدّيق لنعرف أيّهما هو الأحق بالاتصاف بهذه الصفة وفقاً للمعطيات :

النموذج الأوّل :

هناك فقرة من خطبة السيدة فاطمة الزهراء وهي تخاطب القوم ، تقول فيها :

وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ  حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) أفلا تعلمون؟ بلى تجلّى لكم كالشمس الضاحية أني  ابنته. أيّها المسلمون أأغلب على إرثيه؟! يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب  الله أن ترث أباك ، ولا أرث أبي؟!( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) .

أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول :( وَوَرِثَ  سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) ، وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا عليهما السلام إذ  قال :( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّايَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، وقال :  ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ ) ، وقال :( يُوصِيكُمُ  اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ) ، وقال :( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ  لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، وزعمتم أن لا حظوة  لي ، ولا إِرث من أبي ولا رحم بيننا!

أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون : أهل ملتين لا  يتوارثان ، أو لست أنا وأبي من ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص  القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك  يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند  الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَمَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) .

٣٤

وهذا النص صريح ولا يحتاج إلى مزيد تفسير وتحليل ، فالصدّيقة فاطمة  الزهراء كذّبت الصدّيق أبا بكر بقولها : يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث  أباك ولا أرث أبي ،( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) .

وكذا في كلامها بأنّ أبا بكر وأنصاره زعموا أن لا حظوة ولا إِرث لها من أبيها  جريا مع أحكام الجاهلية ، وهو ما يخالف عمومات القران في الوصية والإرث ،  فكيف بأبي بكر يرث أباه ، والزهراء لا ترث أباها؟ أفخصهم الله بآية أخرج منها  النبي محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أم يقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو أنهم يريدون أن يقولوا  بأنّ الزهراء ليست بابنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والعياذ بالله.

لان العقول لا تصدق أن يكون الرسول قد بين هذا الحكم لغير الوارث وتركه  البيان للوارث؟

بل كيف تصدّق العقول تخصيص الكتاب بالخبر الواحد الذي لم يصدّقه علي  وفاطمة سلام الله عليهما ؟

وكيف تصدّق العقول تخصيص الكتاب بالخبر الواحد الذي لم يصح الأخذ  بعموم ظاهره ، لمخالفته لما ثبت من سيرة الأنبياء الماضين صلوات الله على نبينا  وآله عليهم؟

هذا وإن الزهراء بكلامها قررت ترك القوم العمل بكتاب الله ، لأنّ كلمة (ورث) عامة وتدل على المال كما هو المشاهد في عدة آيات ولم تقيد بقيد إضافي ،  لكنهم صرفوا الإرث إلى وراثة الحكمة والنبوة دون الأموال ؛ تقديماً للمجاز على  الحقيقة ، مع العلم بأنّ وراثة النبوة والعلم لا تعني إبطال الميراث المالي ، بل وراثة  النبوة ملازمة للوراثة المالية ، وهذه الوراثة ملازمة لأهلها من الأزل عند بارئها  و( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) .

٣٥

قال الرازي في تفسيره : إنّ المراد بالميراث في الموضعين هو وراثة المال ، وهذا  قول ابن عباس والحسن والضحاك.(1)

وقال الزمخشري في الكشاف : ورث سليمان عن أبيه ألف فرس.(2)

وقال البغوي في معالم التنزيل في تفسير الآية من سورة مريم ، قال الحسن :  معناه يرث مالي.(3)

ونحن لو تأمّلنا في استدلال الصدّيق الأكبر علي ، والصدّيقة الكبرى فاطمة  الزهراء ، والعباس عم النبي ، لرأيناهم يستدلون على خطأ أبي بكر وسقم دعواه  إلزاماً له بما ألزم به نفسه حينما نهى الناس عن التحديث عن النبي قائلاً : بيننا وبينكم كتاب الله ،(4) أي أنهم استدلوا بعمومات القرآن في الإرث والوصية على  خطئه ، لكنه رجع هو إلى ما نهاهم عنه من الحديث عن رسول الله ، حيث استدل  بالحديث مقابل آيات القرآن ، وهي مُفارَقَةٌ تحتاج إلى تأمل.

النموذج الثاني :

تكذيب الزهراء أبا بكر فيما نقله عن رسول الله : (نحن معاشر الأنبياء لا نورث  ما تركناه صدقة) بالعمومات القرآنية السابقة وسيرة الخليفة نفسه.

إذ لو صح كلام أبي بكر فكيف صح له أن يدفع آلة رسول الله ودابته وحذاءه  إلى علي بن أبي طالب ،(5) ويمكّن زوجاته من التصرف في حجراتهن كما يتصرف

_______________________________________

1. التفسير الكبير 21 : 156.

2. الكشاف 4 : 93.

3. تفسير البغوي 3 : 189.

4. تذكرة الحفاظ 1 : 3 ، توجيه النظر للجزائري 1 : 60.

5. شرح النهج 16 : 214 وانظر صحيح البخاري 5 : 114ـ115 كتاب المغازيـحديث بني النضيرـ صحيح مسلم 3 : 1377 ـ 1379 كتاب الجهاد والسير باب حكم القيء.

٣٦

المالك في ملكه؟ حتى وصل الأمر به إلى أن يستأذن عائشة في الدفن في حجرتها ،  في حين نراه قد انتزع فدك من الزهراء بدعوى عدم ملكيتها لها؟

بل هل يجوز للنبي أن يموت ولا يُعلِم ابنته وصهره بأنْ ليس لهما حق في إرثه؟ وكيف به يُعلِم الآخرين ويخبرهم ولا يُعلم صهره وابنتهـأصحاب الحقـهذا  الحكم الخاص بهم لو فرض وجوده؟

ثمّ إن كان أبو بكر على ثقة من حديثه ، فلِمَ ناقضه بكتاب كتبه لفاطمة  بفدك؟(1) لكنّ عمر أخذ الكتاب فشقه.

فأبو بكر بادّعائه هذا على رسول الله نسب إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلغاء قانون الإرث  للأنبياء ، وهذا يخالف الثابت عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه مكلّف كغيره من الناس بالفرائض والتكاليف ، وأنّ تعاليم السماء تجري عليه كما تجري على غيره من بني الإنسان ، ولم  يثبت أن ذلك من مختصاته ، ولأجل ذلك رمتِ الزهراء أبا بكر بالكذب.

النموذج الثالث :

تكذيب أبا بكرـوفي نص آخر عمرـلعلي بن أبي طالب بعد أن هدّدوه بالقتل  إن لم يبايع أبا بكر ، فقال علي : إذا تقتلون عبداللهوأخا رسوله ، فقال عمر : أما  عبداللهفنعم ، وأما أخو رسوله فلا.(2)

لا أدري كيف ينكر الخليفة!! مؤاخاة علي مع رسول الله مرتين : الأولى في  مكة قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة ، والثانية في المدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر  حيت آخى بين المهاجرين والأنصار ، وفي كلتا المرّتين كانصلى‌الله‌عليه‌وآله يصطفي لنفسه علياً  

_______________________________________

1. شرح النهج 16 : 274 ، الاحتجاج 1 : 122 ، وانظر تهذيب الأحكام 4 : 148 ، تفسير القمي 2 : 155 ،  السيرة الحلبية 3 : 488.

2. الإمامة والسياسة 1 : 20 ، تحقيق الزيني ، الاحتجاج للطبرسي 1 : 109.

٣٧

فيتخذه من دونهم أخاً ، ويقول لعلي : أنت أخي في الدنيا والآخرة ،(1) هذا ناهيك  عن أنّ عليّاً هو نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنص آية المباهلة( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي في تبوك : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي  بعدي ، وأنت أخي ووارثي.(2)

كانصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جعله أخاً ووصياً وخليفة من بعده في نأنأة الإسلام حين نزل  قوله تعالى :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) حيث دعاهم إلى دار عمهـأبيطالبـ وهم يومئذٍ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، وقام خطيبا فيهم ، وقال :

يا بني عبد المطلب ، إني واللهما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما  جئتكم به! إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ،  فأيّكم يؤازرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ فنكل القوم  عنها غير عليـوكان أصغرهمـفأخذ رسول الله برقبته وقال : إن هذا أخي  ووصيي وخليفتي فيكم فاستمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي  طالب : قد أمرك أن تَسمع لابنك وتطيع.(3)

ولما زفّتْ سيدة النساء لعليعليه‌السلام قال النبي : يا أم أيمن ادعي لي أخي ، فقالت :  هو أخوك وتنكحه؟ قال : نعم يا أم أيمن ، فدعت عليا فجاء الخبر.(4)

_______________________________________

1. سنن الترمذي 5 : 300 ح 3804 ، حديث حسن غريب ، مستدرك الحاكم 143.

2. صحيح مسلم 7 : 120 كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل علي ، مسند أبي يعلى 1 : 286 ح 344 ،  صحيح ابن حبان 15 : 270ـ271 ، مناقب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ، الآحاد والمثاني 5 : 170 / 2707 ،  تاريخ مدينة دمشق 21 : 415 ، 42 : 53.

3. تاريخ الطبري 2 : 63 ، سيرة ابن كثير 1 : 458ـ459 ، كنز العمال 13 : 133 / 36419 ، عن ابن  إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم.

4. مستدرك الحاكم 3 : 159 ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 142 ح 8509.

٣٨

وقد خاطبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر من مرة بالأخوة ، فمرة قال : أنت أخي  وصاحبي في الجنة.(1)

وأُخرى : أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي.(2)

وثالثة : هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي(3) .

ورابعة : ادعوا لي أخي ، فدعوا علياً ، فقال : ادن مني ، فدنا منه وأسنده إليه  فلم يزل كذلك وهو يكلّمه حتى فاضت نفسه الزكية.(4)

وخامسة : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مكتوب على باب الجنة « لا اله إلا الله ، محمد  رسول الله ، علي أخو رسول الله » ،(5) وسادسة ، وسابعة ، ووو .

وقد أوحى اللهـليلة مبيت الإمام عليّ على فراش رسول اللهـإلى جبرئيل  وميكائيل : إني آخيت بينكما وجعلت عُمر أحدكما أطول من عُمر الآخر ، فأيّكما  يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل علي  بن أبي طالب؟! آخيتُ بينه وبين محمّد فبات على فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره  بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا ، فكان جبرئيل الخبر.(6)

_______________________________________

1. تاريخ بغداد 12 : 263 ، وفيه : يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ، وهو كذلك في تاريخ  دمشق 42 : 61.

2. المعجم الكبير 12 : 321 وفيه : فمن أحبك في حياة مني فقد قضى بحبه ، ومن أحبك بعدي ولم يرك  ختم الله له بالأمن ، وأمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا علي ، مات ميتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام ، وعنه في مجمع الزوائد 9 : 121 ، وكنز العمال 11 : 611 / 32955.

3. كنز العمال 5 : 291 / 12914 ، 11 : 609 / 32947 عن الشيرازي في الألقاب ، وابن النجارـعن ابن  عمر ، وانظر مسند أحمد 5 : 204 ، ومستدرك الحاكم 3 : 217 ، المعجم الكبير 1 : 160 ح 378.

4. طبقات ابن سعد 2 : 263.

5. المعجم الأوسط 5 : 343 ، تاريخ بغداد 7 : 398 ، فيض القدير 4 : 468 ح 5589 ، ترجمة الإمام  الحسين لابن عساكر : 186 ح 167.

6. أسد الغابة 4 : 25 ، جواهر المطالب 1 : 217 ، شواهد التنزيل 1 : 123 ح 133.

٣٩

هذا وإن الإمام عليّاً كان قد استشهد بهذه المواخاة عدّة مرات ، فمّما قالهعليه‌السلام يوم الشورى لعثمان وعبدالرحمن وسعد والزبير وطلحة :

أُنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه إذ آخى رسول بين  المسلمين غيري؟ قالوا : اللهم لا.(1)

وقال عليعليه‌السلام للوليد يوم بدر لما برز لقتاله حيث ، قال له الوليد : من أنت؟ قال علي : أنا عبداللهوأخو رسوله.(1)

وقد أشارت السيدة فاطمة الزهراء في خطبتها المشهورة إلى هذه الاخوّة  بقولهاعليها‌السلام :

قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأَ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ،  مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيد أولياء الله ،  مشمّراً ناصحاً ، مجداً كادحاً ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون فاكهون  آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرون  عند القتال ....(2)

ولما سمع أبو بكر حجة الزهراء تأثّر بكلامها ، فجاء ليطيّب خاطرها ، معترفاً بأنّ عليّاً هو أخ الرسول دون الأخلّاء فقال :

يا ابنة رسول الله ، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤوفاً رحيماً ، وعلى  الكافرين عذاباً أليماً ، وعقاباً عظيماً ، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ،وأخاً لبعلك دون الأخلّاء ، آثره على كل حميم ، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يحبكم إلا  سعيد ، ولا يبغضكم إلا شقي ؛ فأنتم عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطيبون ، والخيرة

_______________________________________

1. الاستيعاب 3 : 1098.

2. طبقات ابن سعد : 2 : 23 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 60.

3. أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 16 : 25 ، وجواهر المطالب 1 : 156.

٤٠