تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة

تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة15%

تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 249

تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة
  • البداية
  • السابق
  • 249 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153094 / تحميل: 8018
الحجم الحجم الحجم
تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة

تاريخ مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام في الحلة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

١٦١

الباب الحادي عشر

في ذكر من شاهد الامام

صاحب الزمان أرواحنا فداه من أهل الحلة

١٦٢

١٦٣

ورد في سير كثير من أعلام الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) انهم تشرفوا بلقاء الامام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وقد دون بعض العلماء الاعلام كالعلامة المجلسي; والميرزا النوري; في كتبهم ، تلك اللقاءات وكان لعلماء مدينة الحلة من ذلك نصيب موفور وحظ غير منقوص ويمكن أن يستأنس أن لقاء بعضهم وتشرّفه به عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا المقام فاتصل خبر هذا اللقاء المبارك ، وهذا لا يمنع أن يكون الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف قد شرف هذا الموضع قبل هؤلاء الاجلاء ، وان الله تعالى جعل لهذا الموضع من القدسية ما خصه بكثرة وجوده فيه ، ومعلوم أن الله خصّ بعض الازمنة ، بخصائص تشريف وتعظيم ، فكان من موارد هذا التشريف والتعظيم هو هذا الموضع المبارك الشريف ، وقد خفظ لنا التاريخ اسماء جماعة من أعاظم علماء الحلة ، ولقد أسلفنا ذكر ثلاثة منهم ، في الباب الثالث من كتابنا هذا وهم :

أبو راجح الحمّامي ( صاحب الحمام العمومي في الحلة ).

وأم عثمان ( المرأة التي كشف بصرها برؤية طلعته المباركة ).

والشيخ جمال الدين الزاهدري ( الذي شفي من الفالج ببركة يده٩ ).

والان نأتي على من لم نذكرهم وهم : ( وذكرهم في هذا الباب ، حسب التسلسل التاريخي ).

١ ـ السيد رضي الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني ; تـ ( ٦٥٤ هـ ) : وأما حكاية لقائه على ما نقله العلامه الحلي; في كتاب ( منهاج الصلاح ) قال :

١٦٤

١٦٥

نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر; عن السيد رضي الدين الآوي الحسيني;

عن صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو : أن يقرأ فاتحة الكتاب عشر مرات ، وأقلّه ثلاث مرات ، والأدون منه مرة ، ثم يقرأ ( انا انزلناه ) عشر مرات ، ثم يقرأ هذا الدعاء ثلاث مرات :« اللهم اني استخيرك بعلمك بعواقب الامور ، واستشيرك لحسن ظنّي بك في المأمول والمحذور ، اللهم إن كان الامر الفلاني قد نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفّت بالكرامة أيامه ولياليه ، فخر لي خيرة درك شموسه ذلولاً وتقعص أيامه سروراً ، اللهم إمّا أمر فأأتمر ، وإما نهي فانتهي اللهم اني استخيرك برحمتك خيرة في عافية ».

ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته ، ويخرج إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل ، وإن كان فردا لا تفعل ، أو بالعكس.(١)

وقد نقل العلامة النوري; لقاء ثانياً لهذا السيد الآوي نقل فيه السيد دعاء العبرات المشهور ولم أنقله هنا خوفاً من الاطالة ومن أراده فليراجع ، النجم الثاقب ج ٢ ص ١٢٧ ، جنة المأوى ص ٢٢١ ، كما نقل السيد رضي الدين ابن طاووس هذا الدعاء عن السيد نفسه في كتاب ( مهج الدعوات ).

٢ ـ السيد الاجل صاحب الكرامات الباهرات السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس ( تـ ٦٦٤ هـ ) : وقد صرح في مطاوي كتبه بتلك اللقاءات ومن خلال فقرات من كتابه ( كشف المحجة لثمرة

__________________

١ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري الله رَحَمَهُ ، ج ٢ ص ١٢٦ ، وقد نقل الشهيد الاول في الذكرى هذه الاستخارة عن السيد.

١٦٦

المهجة ) الذي كتبه لولده وكان عمره حينئذ سبع سنين استدل شيخنا الميرزا حسين النوري; صاحب كتاب مستدرك الوسائل ان باب لقائه إياه صلوات الله عليه كان مفتوحاً دائماً وأبداً له.

قال العلامة الحلي في حقه في إجازته الكبيرة : ( وكان رضي الدين علي; صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي رحمة الله عليه البعض الآخر وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه ).

ولقد نقل العلامة النوري لهذا السيد عدة لقاءات وسوف نذكر هنا لقاءين.

اللقاء الاول : قال السيد الجليل القدر علي بن طاووس في كتاب ( مهج الدعوات ) : ( وكنت أنا بسر من رأى فسمعت سحراً دعاءه٧ فحفظت منه٧ من الدعاء لمن ذكره من الاحياء والاموات ( وابقهم ) أو قال :« وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا » وكان ذلك في ليلة الاربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة.(١)

اللقاء الثاني : وذكر في ملحقات كتاب أنيس العابدين انه نقل عن ابن طاووس; انه سمع سحراً في السرداب عن صاحب الامر٧ انه يقول :« اللهم ان شيعتنا خُلقتمن شعاع أنوارنا وبقية طينتنا ، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتكالاً على حّبنا وولايتنا ، فان كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا ، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا ، وأدخلهم الجنّة وزحزحهم عن النار ، ولا تجمع بينهم وبين أعدائهم في سخطك ». (٢)

__________________

١ ـ أنظر : النجم الثاقب ، النوري; ، ج ٢ ، ص ١٢٠.

٢ ـ أنظر : النجم الثاقب ، النوري; ، ج ٢ ، ص ١٢٠.

١٦٧

٣ ـ رجل اسمه عبد المحسن : وهو من الزاهدين العابدين المتمسكين بحبل ولائه٧ وأرسل الامام٧ على يديه رسالة خاصة الى السيد ابن طاووس.

وأما حكاية لقائه بالامام فلقد أوردها العلامة النوري في كتبه ونحن نتبرك بذكرها ( والكلام للسيد ابن طاووس ).

« وتوجهنا من هناك لزيارة أول رجب بالحلة ، فوصلنا ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة ، فعرّفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصاً يقال له : عبد المحسن ، من أهل السواد(١) قد حضر بالحلة وذكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهراً في اليقظة ، وقد أرسله الى عندي برسالة فنفذت قاصداً وهو محفوظ بن فرا فحضر ليلة السبت ثامن عشر من جمادى الآخرة المقدم ذكرها ، فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن ، فعرفته هو رجل صالح ، لا يشك النفس في حديثه ، ومستغنٍ عنا وسألته فذكر أن اصله من حصن بشر وانه انتقل الى الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهديّة ، ويعرف الدولاب بابن أبي الحسن ، وانه مقيم هناك وليس له عمل بالدولاب ولا زرع ، ولكنه باجر في شراء غليلات وغيرها ، وانه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها ، وبات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.

فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية ، فخرج فقصد النهر ، والنهر في جهة المشرق ، فما احسّ بنفسه إلا وهو في تل السلام

__________________

١ ـ قال المؤلف; : يعني قرى العراق.

١٦٨

في طريق مشهد الحسين٧ في جهة المغرب وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادى الاخرة من سنة احدى وأربعين وستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله عليّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أميرالمؤمنين٧ .

فجلست أريق ماء وإذا فارس عندي ما سمعت له حساً ولا وجدت لفرسه حركة ولا صوتاً ، وكان القمر طالعاً ، ولكن كان الضباب كثيراً.

فسألته عن الفارس وفرسه ، فقال : كان لون فرسه صداءً(١) وعليه ثياب بيض وهو متحنّك بعمامة ومتقلد بسيف.

فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن :كيف وقت الناس؟ قال عبد المحسن : فظننت انه يسأل عن ذلك الوقت ، قال : فقلت الدينا عليه(٢) ضباب وغبرة ، فقال :ما سألتك عن هذا ، أنا سألتك عن حال الناس ، قال : فقلت الناس طيبين مرخّصين آمنين(٢) في أوطانهم وعلى أموالهم.

فقال :تمضي الى ابن طاووس ، وتقول له كذا وكذا ، وذكر لي ما قال صلوات الله عليه ثم قال عنه٧ :فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا.

قال عبد المحسن : فوقع في قلبي وعرفت نفسي انه مولانا صاحب الزمان٧ ، فوقعت على وجهي وبقيت كذلك مغشياً عليّ الى أن طلع الصبح ، قلت له : فمن أين عرفت انه قصد ابن طاووس عني؟ قال : ما أعرف من

__________________

١ ـ أي احمر غامق مائل للسواد.

٢ ـ كذا ورد في المطبوع والاصح عليها.

٣ ـ هكذا ورد في النص والاصح بالرفع أي ( طيبون ، مرخصون ، امنون ).

١٦٩

بني طاووس إلا أنت ، وما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة اليك ، قلت : أي شيء فهمت بقوله٧ فالوقت قد دنا ، فالوقت قد دنا هل قصد وفاتي ( قد دنا ) ام ( قد دنا وقت ظهوره ) صلوات الله وسلامه عليه؟ فقال : بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.

قال : فتوجهت ذلك الوقت الى مشهد الحسين٧ وعزمت انني الزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالى ، وندمت كيف ما سألته صلوات لله عليه عن أشياء كنت اشتهي اسأله فيها.

قلت له : هل عرّفت بذلك أحداً؟ قال : نعم ، عرّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية ، وتوهموا اني قد ظللت وهلكت بتأخيري عنهم ، واشتغالي بالغشية التي وجدتها ، ولأنهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه٧ فوصيّته أن لا يقول ذلك لأحد أبداً وعرضت عليه شيئاً ، فقال : انا مستغن عن الناس وبخير كثير.

فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غكاء وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الان بالحلة ، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن(١) في خلوة ، فنزلت لأنام فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة اراه أنا.

فرأيت كأن مولانا الصادق٧ قد جاءني بهدية عظيمة ، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها ، فاستيقظت وحمدت الله وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادى الآخرة

__________________

١ ـ الروشن : الكوة.

١٧٠

فأصعد فتح(١) الابريق الى عندي فممدت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة ، فقلت : لعل الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فان لله عَزَوَجَل عليّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها.

فناديت الى فتح ، وقلت : من أين ملأت الابريق؟ فقال : من المصبّة ، فقلت : هذا لعله نجس فاقلبه وطهره(٢) واملأه من الشط فمضى وقلّبه وأنا اسمع صوت الابريق وشطفه وملأه من الشط ، وجاء به فلزمت عروته وشرعت اُقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني منه ، فعدت وصبرت ، ودعوت بدعوات ، وعاودت الابريق وجرى مثل ذلك ، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة ، وقلت في خاطري لعل الله يريد أن يجري عليّ حكماً وابتلاءولا يريد أن ادعو الليلة في السلامة من ذلك ، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.

فنمت وأنا جالس ، وإذا برجل يقول لي ( يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة ) كان ينبغي ان تمشي بين يديه ، فاستيقظت ووقع في خاطري انني قد قصرت في احترامه واكرامه ، فتبت الى الله جَلَ جَلالَه واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك ، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبداً فم الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل ، وفهمت انني ما قمت بحق هذه

__________________

١ ـ فتح : اسم غلامه.

٢ ـ قال المؤلف; : « في نسخة الفاضل الهندي : فاشطفه ، وهي الأصح لغة ، وبقرينة ما يأتي ».

١٧١

الرسالة ، فنزلت الى الشيخ عبد المحسن وتلقيته وأكرمته ، وأخذت له من خاصّتي ستة دنانير ومن غير خاصّتي خمسة عشر ديناراً مما كنت أحكم فيه كمالي وخلوت به في الروشن ، وعرضت ذلك عليه ، واعتذرت اليه ، فامتنع من قبول شيء أصلاً ، وقال : إن معي مائة دينار وما آخذ شيئاً ، اعطه لمن هو فقير ، وامتنع غاية الامتناع.

فقلت : إن رسول مثله ( عليه الصلاة والسلام ) ، يعطى لأجل الاكرام لمن أرسله لالأجل فقره وغناه ، فامتنع ، فقلت له ( مبارك ) اما الخمسة عشر ، فهي من غير خاصّتي ، فهي من غير خاصّتي ، فلا أكرهك على قبولها وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصّتي فلابد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من من قبولها ، فألزمته فأخذها ، وعاد تركها ، فألزمته فأخذها ، وتغديت أنا وهو ، ومشيت بين يديه كما اُمرت في المنام الى ظاهر الدار وأوصيته بالكتمان ، والحمد لله وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين ».(١)

٣ ـ اسماعيل بن الحسن الهرقلي : (٢) وأما حكاية لقائه بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف نقلاً عن كتاب ( كشف الغمة ) قال العالم الفاضل علي بن عيسى الاربلي :

« وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل ، مات في زماني وما رأيته ، حكى لي ولده شمس الدين قال : حكى لي والدي انه خرج فيه ( وهو شباب ) على فخذه الايسر توثة(٣) مقدار قبضة الانسان ، وكانت في

__________________

١ ـ انظر : النجم الثاقب ، النوري; ج ٢ ص ١٠٥.

٢ ـ هرقل : قرية من قرى الحلة.

٣ ـ التوثة : بثرة متقرحة.

١٧٢

كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله ، وكان مقيماً بهرقل ، فحضر الحلة يوماً ودخل الى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس; وشكا اليه ما يجده منها وقال : أريد أن اداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا : هذه التوثة فوق العرق الاكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت ، فقال له السعيد رضي الدين ( قدس الله روحه ) : أنا متوجه الى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد معه وأحضر الاطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره ، فقال له السعيد : إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ، ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله ، فقال له والدي : إذا كان الامر على ذلك وقد وصلت الى بغداد فأتوجه الى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرفه السلام ، ثم انحدر الى أهلي فحسّن له ذلك ، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجّه ، قال : فلما دخلت المشهد وزرت الائمة: ونزلت في السرداب واستغثت بالله تعالى وبالامام٧ وقضيت بعض الليل في السرداب وبتّ في المشهد الى الخميس ، ثم مضيت الى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً وملأت ابريقاً كان معي ، وصعدت أريد المشهد ، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور ، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف ، وشيخاً منقباً بيده رمح والآخر متقلد بسيف ، وعليه فرجية(١) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته ، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعبه

__________________

١ ـ الفرجية : نوع من انواع الملابس.

١٧٣

في الارض ، ووقف الشابان عن يسار الطريق ، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ، ثم سلموا عليه فرد: ، فقال له صاحب الفرجية :أنت غداً تروح الى أهلك؟ فقال : نعم ، فقال له :تقدم حتى ابصر ما يوجعك؟ قال : فكرهت ملامستهم ، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة : وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول ، ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه فلزمني بيده ومدّتي اليه وجعل يلمس جانبي من كتفي الى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده ، فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان ، فقال لي الشيخ : أفلحت يا اسماعيل ، فعجبت من معرفته باسمي ، فقلت : أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله ، فقال لي الشيخ : هذا هو الامام ، قال : فتقدمت اليه فاحتضنته وقبلت فخذه ، ثم انه ساق وانا امشي معه محتضنه ، فقال :ارجع فقلت : لا إفارقك أبداً فقال :المصلحة رجوعك ، فأعدت عليه مثل القول الاول ، فقال الشيخ : يا اسماعيل ما تستحي ، يقول لك الامام مرتين ارجح وتخالفه؟ فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت الي وقال :إذا وصلت بغداد فلابد أن يطلبك ابو جعفر ( يعني الخليفة المستنصر ; ) فاذا حضرت عنه وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك الى علي ابن عوض ، فانني أوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار وأصحابه معه ، فلم إزل فائماً أبصرهم الى أن غابوا عني ، وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت الى الارض ساعة ثم مشيت الى المشهد ، فاجتمع القوّام حولي وقالوا : نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء؟ قلت : لا ، قالوا : أخاصمك أحد؟ قلت : لا ، ليس عندي مما تقولون خبر ، لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ فقالوا : هم من الشرفاء

١٧٤

أرباب الغنم : فقلت : لا ، بل هو الامام٧ فقالوا : الامام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت : هو صاحب الفرجية : فقالوا : أريته المرض الذي فيك؟ فقلت : هو قبضه بيده وأوجعني ، ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً ، فتداخلني الشك من الدهش ، فأخرجت رجلي الاخرى فلم أر شيئاً ، فأنطبق الناس عليّ ومزقوا قميصي فأدخلني القوّام خزانة ومنعوا الناس عني ، وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد ، فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه ، فجاء الى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرفته اني خرجت في أول الاسبوع ، فمشى عني ، وبتّ في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي الى أن بعدت عن المشهد ، ورجعوا عني ووصلت الى أوانا(١) فبتّ بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه واين كان ، فسألوني عن اسمي ومن اين جئت ، فعرفتهم فاجتمعوا عليّ ومزقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم ، وكان ناظر بين النهرين كتب الى بغداد وعرفهم الحال ثم حملوني الى بغداد وازدحم الناس عليّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام ، وكان الوزير القمي; قد طلب السعيد رضي الدين; وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر.

قال : فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبى ،(٢) فرد أصحابه الياس عني ، فلما رآني قال : أعنك يقولون؟ قلت : نعم ،

__________________

١ ـ أوانا : بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.

٢ ـ باب النوبى : من ابواب دار الخلافة العباسية في الجانب الشرقي من بغداد.

١٧٥

فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئاً ، فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول : يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس الى قلبي ، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له ، فأحضر الاطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا : ما دواؤها الاّ القطع بالحديد ومتى قطعها مات ، فقال لهم الوزير : فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا : في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر ، فسألهم الوزير. متى رأيتموه؟ قالوا : منذ عشرة أيام ، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الالم وهي مثل اختها ليس فيها أثر أصلاً ، فصاح أحد الحكماء : هذا عمل المسيح ، فقال الوزير : حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها ، ثم انه أحضر عند الخليفة المستنصر; فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جرى فتقدّم له بألف دينار ، فلما حضرت قال : خذ هذه فأنفقها ، فقال : ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة ، فقال الخليفة : مِمن تخاف؟ فقال : من الذي فعل معي هذا ، قال :لا باخذ من أبي جعفر شيئاً؟ فبكى الخليقة وتكدر ، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.

قال : أفقر عباد الله تعالى الى رحمته علي بن عيسى عفا الله عنه : كنت في بعض الايام أحكي هذه القصة لجماعة عندي ، وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال : أنا ولده لصلبه ، فعجبت من هذا الاتفاق وقلت : هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال : لا لأني أصبو عن ذلك ولكني رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها ، وقد نبت في موضعها شعر ، وسألت السيد صفي

١٧٦

الدين محمد بن محمد ين بشر العلوي الموسوي ، ونجم الدين حيدر بن الايسر رَحمهُمَا الله ، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم ، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي ، فأخبراني بصحة هذه القصة ، وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها وحكى لي ولده هذا انه كان بعد ذالك شديد الحزن لفراقه٧ ، حتى انه جاء الى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء ، وكان كل ايامه يزور سامراء ويعود الى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعاً ان يعود له الوقت الذي مضى أو يقضي له الحظ فيما قضى ومن الذي اعطاه دهره الرضا ، أو ساعده بمطالبه صرف القضاء فمات; بحسرته ، وانتقل الى الآخرة بغصته ، والله يتولاّه وإيانا برحمته بمنه وكرامته ».(١)

أقول : ولقد نظم لقاء اسماعيل الهرقلي بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف الشيخ محمد السماوي; في ارجوزته ( وشائح السراء في شأن سامراء فأحببت إيرادها هنا قال :

وذكر الوزير فخر الامة

فيما أفاده بكشف الغمة

بأنّ اسماعيل بن الحسن

الهرقلي نسبة للوطن

قد آلمته توثة تقيح

في رجله فليس يستريح

واُشغلته عن مجاري العادة

في الصوم والصلاة والعبادة

فجاء للرضي(٢) يشكو العله

إذ لم يفد شيئاً طبيب الحله

فأصعد الشاكي الى بغداد

مستحضراً اطبة البلاد

__________________

١ ـ انظر : كشف الغمة / علي بن عيسى الاربلي; ، ج ٢ ، ص ٤٩٣ ـ ٤٩٧.

٢ ـ هو السيد الرضي علي بن طاووس المتوفى سنة ٦٦٤.

١٧٧

فقال كلٌ هي ذات رجع

وليس تنفك بغير القطع

قال فلا لكنني استشفع

سادة سامراء ثم ارجع

فسار ثم زارهم وراحا

لدجلة يغسل ما قد قاحا

وعاد فاستقبله فوارس

يقدمهم فتى لهم موانس

وخلفه شيخ وراه اثنان

مرتبو السير على عنان

فصد عنهم بغية احتياط

وجار على لا حبة الصراط

فعارضوه والفتى ترجلا

يمسح بالراحة منه الارجلا

وقال لا تمض غدا بل بعد غد

ولا تنل جدوى خليفة البلد

واذهب الى علي بن عوض

يعطيك من دراهمي ما ييقتضي

ثم ارتقى متن الجواد ووثب

ولحظه ترنو الي عن كثب

قال فقال الشيخ وهو متكي

على القنا أفلحت فيما تشتكي

قلت فمن ذا قال لي الإمام

فساق شوق وحدا التزام

فقال لي ارجع قلت لا والمحيي

فقال لي الشيخ الا تستحي

ترد قول صاحب الزمان

وانت ذو هدي وذو ايمان

فعدت حتى أن مضت تلك الغرر

نظرت في رجلي فلم أجد أثر

ثم شككت فنظرت الثانية

فكانت الاولى لها مساوية

فرحت في نهجي فابتداني

بعض يسالون عن الفرسان

قالوا اكان منهم تعدي

فقلت فيهم الامام المهدي

ونظروا رجلي فمزقوا الرادا

تبركا وسار من سار غدا

فسلتبهم في الطريق جمهره

وصار للرضي من قد اخبره

              

١٧٨

وسرت بعدهم فصادفت الرضي

مستقبلا مستخبرا عن عرضي

فقبل الرجل وقال بابي

موضع كف الحاضر المغيب

ثم مضى بي للوزير القمي

فاحضر الاولى اتوفي مقمي

وسالهم عني فقالوا يقطع

قال النظروا فضاع ذاك الموضع

فقال قائل بلا تلويح

هذا وربي عمل المسيح

ثم مضوا بي للقا المستنصر

وكان طالب اللقا من خبري

حتى اذا استخبر قال يتبع

بالف دينار فقلت قد منع

فلامني الرضي في كفافي

فقلت لم اجسرلا على الخلاف

ثم ذهبت لعلي بن عوض

في الحلة الفيحا فاعطى ما فرض

قال الوزير ونقلت ذا الخير

في مجلسي يوما لبعض من حضر

فقال بعض الحاضرين قيلي

انا محمد بن إسماعيل

وقد رأيته على الحالين

وكان ما قلت بغير مين

فزدت اعجابا بنقلي المعجزه

الى اين من ادركه وانتهزه

وبشهادة ابنه المنادي

بصحة المعجز والاسناد(١)

٣ ـ العلامة الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) : الحسن بن سديد الدين ومقامه اُشهر من أن يذكر ، وللعلامة الحلي; على مانقله العلماء٤ لقاءان مع الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الـشريف ، وأما حكاية لقائه الاول بالامام عجل الله تعالى فرجه الشريف على ما نقله لنا السيد حسن الابطحي في كتابه اللقاء مع الامام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ( ص ١٥٧ ) قال : كان في عصر العلامة الحلي ( رضوان الله تعالى عليه ) أحد المخافين لأهل

__________________

١ ـ انظر : وشائح السراء في تأريخ سامراء / السماوي; ، ص ١١ ـ ١٣.

١٧٩

بيت العصمة والطهارة وكان قد كتب كتاباً في الرد على الشيعة وكان ينتفع به في المجالس الخاصة والعامة كما أنه لم يسمح باعطاء الكتاب لأي فرد كان حتى لا يقع في أيدي المعارضين ويستفيدون منه للرد عليه ، لكن العلامة الحلي ( عليه الرحمه ) مع ما كان عليه من العظمة والجلال والعلم الوفير فكّر في طريقة للحصول على هذا الكتاب فتقدم الى ذلك الرجل صاحب الكتاب وقدم نفسه باعتباره طالب علم لديه وبقي مدة يدرس على يديه حتى وثق به وأصبح من أقرب أصدقائه وفي أحد الايام طلب العلامة الحلي منه ذلك الكتاب ولما كانت له تلك المكانة المحمودة لديه ، لم يستطع أن يرده وقال : لكنني لن ولم أسمح لنفسي أن أعطي هذا الكتاب ، وفور وصوله للدار بدأ ينقل محتويات الكتاب بكل سرعة حتى يتمكن من اتمامه في تلك الليلة ، ولما انتصف الليل شعر العلامة بضغط السهر عليه ولم يستطع مغالبة الكرى ، وفي هذه الاثناء دخل عليه ضيف نوراني جليل ملأ الغرفة برائحة زكية وانوار متلألئة وقال له :نم يا حلي ودع كتابة بقية المحتويات عليّ ، فيغط العلامة ( رضوان الله تعالى عليه ) في نوم عميق دون أن يجادل أو يستفسر الامر ، وعندما استيقظ في الصباح هرع الى الكتاب ليرى ما جرى له وإذا به يجده منقولاً نقلاً كاملاً وفي نهاية الكتاب كتبت العبارة التالية( كتبه الحجة ) .(١)

أقول : وانا الفقير حتى انني كنت أظن أن منشأ هذا المقام ربما نشأ من هذا اللقاء أي ان أصل المقام هو دار العلامة الحلي ومن ثم

__________________

١ ـ انظر : اللقاء مع الامام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الابطحي ، ص ١٥٧.

١٨٠

استبعدته بالتأريخ الذي قدمناه في الباب الثاني والذي يحكي عن وجود المقام في سنة ( ٦٣٦ هـ ) وهذا التأريخ قبل ولادة العلامة الحلي باثنتي عشرة سنة.

حكاية اللقاء الثاني للعلامة الحلي ; :

كان العلامة الحلي في إحدى ليالي الجمعه قد تشرف بزيارة سيد الشهداء7 وكان لوحده راكباً على حماره وبيده سوط ، وفي أثناء الطريق صاحبه شخص عربي وكان راجلاً ، ثم تكلما في المسائل العلمية والعلامة يسأله عن مشكلاته في العلوم واحدة تلو الاخرى ، وكان هذا الشخص يجيب عليها ويقوم بحلها حتى انجر الحديث الى إحدى المسائل فأفتى ذلك الشخص بخلاف ما يراه العلامة الحلي وقال :

لن يرد حديث عندنا يؤيد هذه الفتوى ، فقال الرجل :

« إن حديثاً في هذا الباب قد ذكره الشيخ الطوسي في ( التهذيب ) فتصفح كتاب التهذيب ، وفي الصفحة الفلانية والسطر الفلاني تجده مذكورا ».

فأخذت العلامة الحيرة ، من يكون هذا الشخص؟

فسأل الرجل وقال : هل يمكن في زمان الغيبة الكبرى أن نرى صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف أو ، لا؟

وفي هذه الاثناء سقط السوط من يد العلامة ، فأخذ الرجل السوط من الارض ووضعه بيد العلامة.

وقال : « وكيف لا يمكن أن يرى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والحال أن يده في يدك ».

١٨١

فسقط العلامة وبدون اختيار من حماره الى الارض وهو يقبل قدمي الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأغمي عليه ، ولما انتبه لن ير أحدا ، وبعد أن رجع الى البيت تصفح كتاب ( التهذيب ) فوجد الحديث المذكور في تلك الصفحة وذلك السطر ، كما دله عليه.

وبعد ذلك كتب العلامة بخطه على حاشية ( التهذيب ) : وهذا الحديث هو الذي أرشدني اليه صاحب الامر.(١)

٣ ـ السيد مهدي ابن السيد حسن القزويني الحلي ( تـ ١٣٠٠ هـ ) : نقل العلامة النوري; في كتبه ( خاتمة المستدرك ، النجم الثاقب ، جنة المأوى ) لهذا السيد ثلاث حكايات للقائه بحجة الله في أرضه أعني صاحب الامر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ونحن نتبرك هنا بذكرها.

حكاية اللقاء الأوّل في إظهار قبر ابي يعلى ( الحمزة العلوي العباسي ) : (٢)

قال العلامة النوري; ، نقلا عن السيد محمد ابن السيد مهدي القزويني المذكور : وحدثني الوالد أعلى الله مقامه قال : لازمت الخروج الى الجزيرة مدة مديدة لأجل إرشاد عشائر بني زبيد الى مذهب الحق ، وكانوا كلهم على رأي أهل التسنن ، وببركة هداية الوالد1 وإرشاده ، رجعوا الى مذهب الامامية كما هم عليه الآن ، وهم عدد كثير يزيدون على عشرة آلاف نفس ، وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم ، يزوره الناس ويذكرون له كرامات كثيرة ، وحوله قرية تحتوي على مائه دار تقريباً.

_ _________________

١ ـ انظر : اسوة العارفين / محمود البدري ، ص ٢٨٥.

٢ ـ وقبره في الحلة في قضاء المدحتية مشهور ويعرف بالحمزة الغربي.

١٨٢

قال1 : فكنت استطرق الجزيرة وأمر عليه ولا أزوره لما صحّ عندي أن الحمزة بن الكاظم

مقبور في الرّي مع عبد العظيم الحسني ، فخرجت مرة على عادتي ونزلت ضيفاً عند أهل تلك القرية ، فتوقّعوا مني أن أزور المرقد المذكور فابيت وقلّت رغبة الناس فيه لاعراضي عنه ، ثم ركبت من عندهم وبتُّ تلك الليلة في قرية المزيدية ، عند بعض ساداتها ، فلما كان وقت السحر جلست لنافلة الليل وتهيأت للصلاة ، فلما صليت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر ، وأنا على هيئة التعقيب إذ دخل عليّ سيد أعرفه بالصلاح والتقوى ، من سادة تلك القرية ، فسلم وجلس.

ثم قال :يا مولانا بالامس تضيفت أهل قرية الحمزة وما زرته؟ قلت : نعم ، قال :ولمّ ذلك؟ قلت : لأني لا أزور من لا أعرف والحمزة بن الكاظم مدفون بالرّي ، فقال :ربّ مشهور لا أصل له ، ليس هذا قبر الحمزة بن موسى الكاظم وان اشتهر انّه كذلك ، بل هو قبر ابي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العباسي أحد علماء الاجازة وأهل الحديث ، وقد ذكره أهل الرجل في كتبهم ، وأثنوا عليه بالعلم والورع.

فقلت في نفسي : هذا السيد من عوام السادة ، وليس من أهل الاطلاع على الرجال والحديث ، فلعله أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء ، ثم قمت لأرتقب طلوع الفجر ، فقام ذلك السيد وخرج وأغفلت أن اسأله عمّن أخذ هذا لأن الفجر قد طلع ، وتشاغلت بالصلاة فلما صليت جلست للتعقيب حتى طلعت الشمس ، وكان معي جملة من كتب الرجال فنظرت فيها وإذا الحال كما ذكر ، فجاءني أهل

١٨٣

القرية مسلّمين عليّ وفي جملتهم ذلك السيد ، فقلت : جئتني قبل الفجر وأخبرتني عن قبر الحمزة أنه أبو يعلى حمزة بن القاسم العلوي ، فمن أين لك هذا وعمّن أخذته؟ فقال : والله ما جئتك قبل الفجر ولا رأيتك قبل هذه الساعة ، ولقد كنت ليلة أمس بائتاً خارج القرية ـ في مكان سماه ـ وسمعنا بقدومك فجئنا في هذا اليوم زائرين لك.

فقلت لأهل القرية : الآن ألزمني الرجوع الى زيارة الحمزة فأني لا أشك في أن الشخص الذي رأيته هو صاحب الامر7 قال : فركبت أنا وجميع أهل تلك القرية لزيارته ، ومن ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهوراً تاماً على وجه صار بحيث تشدّ الرحال اليه من الاماكن البعيدة.

قلت : في رجال النجاشي : حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب7 أبو علي ثقة جليل القدر من أصحابنا كثير الحديث له كتاب ( من روى عن جعفر بن محمد8 من الرجال ) ، ويظهر من كلمات العماء والاساتذة أنه من العلماء الغيبة الصغرى وكان معاصراً للصدوق علي بن بابويه.(١)

حكاية اللقاء الثاني : أحببت ايرادها هنا ، لما فيها من رعاية الامام ارواحنا فداه لزائري الامام الحسين7 .

قال السيد محمد القزويني; ، وسمعت أيضا مشافهة وبالسند المذكور المؤيد المتقدم ذكره ، وسمعت ايضا مشافهة عن نفس المرحوم1 انه قال : خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلة أريد زيارة الحسين7 ليلة النصف منه ، فلما وصلت الى شط

__________________

١ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري; ج ٢ ، ص ٣١٩ ـ ٣٢١.

١٨٤

الهندية ، وعبرت الى الجانب الغربي منه ، وجدت الزوار الذاهبين من الحلة وأطرافها ، والواردين من النجف ونواحيه ، جميعاً محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهندية ، ولا طريق لهم الى كربلاء لأن عشيرة عنزة قد نزلوا على ، الطريق وقطعوه عن المارة ، ولا يدعون أحداً يخرج من كربلاء ولا أحد يلج الاّ انتهبوه.

قال : فنزلت على رجل من العرب وصليت صلاة الظهر والعصر ، وجلست أنتظر ما يكون من أمر الزوار ، وقد تغيمت السماء ومطرت مطراً يسيراً ، فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوار بأسرها من البيوت متوجهين نحو طريق كربلاء ، فقلت لبعض من معي : اخرج واسأل ما الخبر؟

فخرج ورجع إلي وقال لي : إن عشيرة بني طرف قد خرجوا بالاسلحة النارية ، وتجمعوا لا يصال الزوار الى كربلاء ولو آل الامر الى المحاربة مع عنزة فلما سمعت قلت لمن معي :

هذا الكلام لا أصل له ، لأن بني طرف لا قابلية لهم على مقابلة عنزة في البر ، وأظن هذه مكيدة منه لاخراج الزوار عن بيوتهم لانهم استثقلوا بقائهم عندهم ، وفي ضيافتهم.

فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوار الى البيوت ، فتبين الحال كما قلت فلم تدخل الزوار الى البيوت وجلسوا في ضلالها والسماء متغيمة ، فأخذتني لهم رقة شديدة ، وأصابني انكسار عظيم ، وتوجهت الى الله بالدعاء والتوسل بالنبي وآله ، وطلبت إغاثة الزوار مما هم فيه.

فبينما أنا على هذا الحال إذ أقبل فارس على فرس رابع(١) كريم

____________

١ ـ لعله رائع وكان القدماء يحففّون الهمزة فيكتبونه رايع.

١٨٥

لم أر مثله وبيده رمح طويل وهو مشمر عن ذراعيه ، فأقبل يخب به جواده حتى وقف على البيت الذي أنا فيه ، وكان بيتاً من شعر ، مرفوع الجوانب ، فسلم فرددنا7 ثم قال : يا مولانا ـ يسميني بأسمي ـ بعثني من يسلم عليك ، وهم كنج محمد آغا وصفر آغا ، وكانا من قوات العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوار فانا قد طردنا عنزة عن الطريق ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانية على الجادة.

فقلت له : وأنت معنا الى عرقوب السليمانية؟ قال : نعم ، فأخرجت الساعة وأذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريبا ، فقلت : بخيلنا ، فقدمت الينا فتعلق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال :

يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوار وأقم الليلة حتى يتضح الامر ، فقلت له : لابد من الركوب لا دراك الزيارة المخصوصة ، فلما رأتنا الزوار قد ركبنا ، تبعوا أثرنا بين حاشر وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنه الاسد الخادر ونحن خلفه ، حتى وصلنا الى عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود ، ثم نزل وارتقينا على أعلى العرقوب فنظرنا ولم نر له عينا ولا أثرا ، فكأنما صعد في السماء أو نزل في الارض ولم نر قائداً ولا عسكراً.

فقلت لمن معي : ابقي شك في أنه صاحب الامر؟ فقالوا : لا والله ، وكنتـ وهو بين أيدينا ـ أطيل النظر اليه كأني رأيته قبل ذلك ، لكنني لا أذكر أين رأيته فلما فارقنا تذكرت أنه هو الشخص الذي زارني بالحلة وأخبرني بواقعة السليمانية ، وأما عشيرة عنزة ، فلم نر لهم أثراً في منازلهم ولم نر أحدا نسأله عنهم سوى انا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البر ، فوردنا كربلاء تخب بنا

١٨٦

خيولنا فوصلنا الى باب البلاد وإذا بعسكر على سور البلد فنادوا من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟ ثم نظروا الى سواد الزوار ثم قالوا : سبحان الله هذه البرية قد امتلأت من الزوار ، أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم : اجلسوا في البلد وخذوا أرزاقكم ولمكة رب يرعاها ، ثم دخلنا البلد فاذا انا بكنج محمد آغا على تخت قريب من الباب ، فسلمت عليه فقام في وجهي ، فقلت له : يكفيك فخرا أنك ذكرت باللسان ، فقال : ما الخبر؟ فأخبرته بالقصة.

فقال لي : لا مولاي من أين لي علم بأنك زائر حتى أرسل لك رسولا ، وان عسكري منذ خمسة عشر يوما محاصرون في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفا من عنـزة ، ثم قال : فأين صارت عنزة؟

فقلت : لا علم لي سوى اني رأيت غبرة شديدة في كبد البر كأنها غبرة الظعائن ثم أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف ، فكان مسيرنا كله في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث ساعات ثم بتنا تلك الليلة في كربلاء ، فلما أصبحنا سألنا عن خبر عنزة ، فأخبر بعض الفلاحين الذين في بساتين كربلاء قال : بينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهم ، وبيده رمح طويل ، فصرخ فيهم بأعلى صوته ، يا معاشر عنزة قد جاء الموت الزؤام عساكر الدولة العثمانية تجبهت عليكم بخيلها ورجلها ، وها هم على أثري مقبلون فارحلوا وما أظنكم تنجون منهم.

فألقى الله عليهم الخوف والذل حتى أن الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالا بالرحيل ، فلم تمض ساعة حتى ارتحلوا بأجمعهم وتوجهوا نحو البر ، فقلت له : صف لي الفارس؟ فوصف لي وإذا هو

١٨٧

صاحبنا بعينه ، وهو الفارس الذي جاءنا والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.(١)

٧ ـ حكاية اللقاء الثالث للسيد القزويني; وتشرف معه ; رجل اسمه علي وجماعة من أهل الحلة ، والحكاية على ما نقلها العلامة النوري ; عن السيد محمد ابن السيد مهدي القزويني ; قال : بسم الله الرحمن الرحيم حدثني بعض الصلحاء الابرار من أهل الحلة قال : خرجت غدوة من داري قاصداً داركم لأجل زيارة السيد أعلى الله مقامه فصار ممري في الطريق على المقام المعروف بقبر السيد محمد ذي الدمعة فرأيت على شباكه الخارج الى الطريق شخصاً بهي المنظر يقرأفاتحة الكتاب ، فتأملته فاذا هو غريب الشكل ، وليس من أهل الحلة.

فقلت في نفسي : هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد ، ووقف وقرأ له فاتحة الكتاب ، ونحن أهل البلد نمر ولا نفعل ذلك ، فوقفت وقرأت الفاتحة والتوحيد ، فلما فرغت سلمت عليه ، فرد السلام ، وقال لي :يا علي أنت ذاهب لزيارة السيد مهدي؟ قلت : نعم ، قال :اني معك.

فلما صرنا ببعض الطريق قال لي :يا علي لا تحزن على ما أصابك من الخسران وذهاب المال في هذه السنة ، فانك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤدياً للحق وقد قضيت ما فرض الله عليك ، وأما المال فانه عرض زائل يجئ ويذهب ، وكان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطلع عليه أحد مخافة الكسر ، فاغتممت في نفسي وقلت : سبحان الله كسري قد شاع وبلغ حتى الى الإجانب ، الا اني قلت له في

__________________

١ ـ انظر : جنة المأوى /; ، ص ٢٨٨.

١٨٨

الجواب : الحمد لله على كل حال فقال :إن ما ذهب من مالك سيعود اليك بعد مدة ، وترجع كحالك الاول ، وتقضي ما عليك من الديون.

قال : فسكتُّ وأنا مفكر في كلامه حتى انتهينا الى باب داركم ، فوقفت ووقف ، فقلت : ادخل يا مولاي فانا من أهل الدار فقال لي :ادخل أنت أنا صاحب الدار ، فامتنعت فأخذ بيدي وأدخلني أمامه فلما صرنا الى المسجد وجدنا جماعة من الطلبة جلوساً ينتظرون خروج السيد1 من داخل الدار لأجل البحث ، ومكانه من المجلس خال لم يجلس فيه أحد احتراماً له ، وفيه كتاب مطروح.

فذهب الرجل ، وجلس في الموضع الذي كان السيد1 يعتاد الجلوس فيه ثم أخذ الكتاب وفتحه ، وكان الكتاب شرائع المحقق1 ثم استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخط السيد1 ، وكان خطه في غاية الضعف لا يقدر كل أحد على قراءته ، فأخذ يقرأ في تلك الكراريس ويقول للطلبة :ألا تعجبون من هذه الفروع وهذه الكراريس؟ هي بعض من جملة كتاب مواهب الافهام في شرح شرائع الاسلام وهو كتاب عجيب في فنه لم يبرز منه الا ست مجلدات من أول الطهارة الى أحكام الاموات.

قال الوالد أعلى الله درجته : لما خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالساً في موضعي فلما رآني قام وتنحى عن الموضع فألزمته بالجلوس فيه ، ورأيته رجلاً بهي المنظر ، وسيم الشكل في زي غريب ، فلما جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة ، ومؤال عن حاله واستحييت أن اسأله من هو وأين وطنه؟ ثم شرعت في البحث فجعل الرجل يتكلم في المسألة التي نبحث عنها بكلام

١٨٩

كأنه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة : اسكت ما أنت وهذا ، فتبسم وسكت.

قال; : فلما انقضى البحث قلت له : من أين كان مجيئك الى الحلة؟ فقال :من بلد السليمانية ، فقلت : متى خرجت؟ فقال :بالامس خرجت منها ، وما خرجت منها حتى دخلها نجيب باشا فاتحاً لها عنوة بالسيف وقد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلب عليها ، وأقام مقامه أخاه عبد الله باشا ، وقد كان أحمد باشا المتقدم قد خلع طاعة الدولة العثمانية وادعى السلطنة لنفسه في السليمانية.

قال الوالد1 : فبقيت مفكراً في حديثة وان هذا الفتح وخبره لم يبلغ الى حكام الحلة ، ولم يخطر لي أن اسأله كيف وصلت الى الحلة وبالامس خرجت من السليمانية ، وبين الحلة والسليمانية ما نزيد على عشرة أيام للراكب المجد.

ثم ان الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الاناء ليغترف به ماء من الجب فناداهلا تفعل! فان في الاناء حيواناً ميتاً ، فنظر فيه ، فاذا فيه سامُّ أبرص ميت فأخذ غيره وجاء بالماء اليه فلما شرب قام للخروج.

قال الوالد1 : فقمت لقيامه فودعني وخرج فلما صار خارج الدار قلت للجماعة : هلا أنكرتم على الرجل خبره في فتح السليمانية ، فقالوا : هلا أنكرت عليه؟

قال : فحدثني الحاج علي المتقدم بما وقع له في الطريق وحدثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودة ، وإظهار العجب من الفروع التي فيها.

١٩٠

قال الوالد أعلى الله مقامه : فقلت : اطلبوا الرجل وما أظنكم تجدونه هو والله صاحب الامر روحي فداه فتفرق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عيناً ولا اثراً فكأنما صعد في السماء او نزل في الارض.

قال : فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح السليمانية فورد الخبر ببشارة الفتح الى الحلة بعد عشرة أيام من ذلك اليوم ، وأعلن ذلك عند حكامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر ، عند ذوي الدولة العثمانية.(١)

تنبيه لكل نبيه :

( عن أحوال السيد محمد ذي الدمعة ونسبه وموضع قبره ).

قال العلامة النوري; بعد إيراد هذه الحكاية : الموجود فيما عندنا من كتب الانساب أن اسم ذا(٢) الدمعة حسين ويلقب أيضاً بذي العبرة ، وهو ابن زيد الدمعة لبكائه في تهجده في صلاة الليل ، ورباه الصادق7 فأرّثه علماً جمّاً وكان زاهداً عابداً وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة وزوَّج ابنته بالمهدي الخليفة العباسي وله أعقاب كثيرة ، ولكنه سلمه الله أعرف بما كتب ( أي القزويني ) ، قال الشيخ محمد حزر الدين; : أبو دميعة محمد بن علي بن الحسين ذي الدمعة الساكبة ابن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب أمير المؤمنين7 ، مرقده في الحلة بالقرب من مرقد الشيخ الجليل

__________________

١ ـ انظر : كتاب جنة المأوى ، العلامة النوري; ، ص ١٠٤ ـ ١٠٨.

٢ ـ هكذا ورد في الاصل والصحيح ذي الدمعة.

١٩١

نجيب الدين أبي زكريا المشهور بابن سعيد الهذلي الحلي في الجهة الغريبة له. وقد اشتهر في مدينة الحلة اشتهاراً يعتد به عند الحليين بأن صاحب هذا القبر هو السيد محمد أبو دميعة وقيل : أن هذه البقعة هي موضع قبر الحسين بن زيد الملقب بذي الدمعة الساكبة ، وقال حفيده محمد حسين حرز الدين : يقع قبره ( بمحلة الطاق ) على الشارع العام ، في السوق ، مشيد عليه آثار القدم ، يقع في غرفة صغيرة في وسطها شباك خشبي هو رسم القبر ، وكان عليه ستار أخضر ، فوق القبر لوحة مكتوب عليها هذا مرقد ( السيد محمد بن السيد علي بن الحسين الملقب بذي الدمعة ابن زيد الشهيد ).

عليه قبة بيضاء متوسطة الحجم والارتفاع ، أمام القبر صحن دار صغير فيه نخلة وسدرة وكان قبره عندما زرناه مزدحماً بالزائرين ، وكانت زيارتنا له عصر يوم الجمعة ١٠ شوال سنة ١٣٨٧ هـ ( وتوجد صورة لهذا المرقد في كتاب مـراقد المـعارف ).(١)

أقول : أما نسبه الصحيح على ما ضبطه صاحب كتاب ( المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) لمؤلفه السيد حيدر بن السيد موسى وتوت الحسيني ( ومؤلف هذا الكتاب يرجع لصاحب القبر ).

العلامة الجليل والفقيه العابد السيد محمد الملقب بالمنتجب بن السيد علي بن السيد الحسين ( صاحب لقب وطوط ) بن العلامة الفقيه السيد مراد صاحب كتاب ( خير الزاد في الرحلة الى العباد ) بن السيد

١٩٢

حسن بن خميس بن يحيى بن هزال بن علي بن محمد بن ابو عبد الله(١) الحسن الاطروش بن النقيب الفقيه ابو الحسن علي بن الفقيه ابو طالب محمد نقيب العلويين بن نقيب النقباء ابو علي الفقيه عمر بن النقيب الفقيه يحيى بن النقيب الحسين النسابة ( اول نقيب للعلويين ) بن الفقيه العالم احمد المحدث بن الفقيه الشريف عمر بن الفقيه يحيى بن قدوة الفقهاء ذي الدمعة الساكبة بن زيد الشهيد بن الامام علي السجاد بن الحسين بن علي بن ابي طالب: .

موقع قبره السابق :

يقع في الحلة في محلة الطاق مقابل مرقد دبيس بن علي المزيدي ، وكان هناك في السابق سوق صغير بالقرب من مرقده يعرف بسوق المنتجب يعرفه كافة الحليين ولكن بسبب التوسع الذي حصل في الشارع المعروف اليوم بشارع الامام علي7 فقد تم نقل رفاته ، وقد تهدم القبر وضاعت كل معالمه وضاع معه السوق واندثر بعد تهدم القبر ونقله ، واشتهر هذا السيد; بالمنتجب لكثرة طهارته.

__________________

١ ـ هكذا ورد بالكنية في كتاب ( المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء ) لكن الصحيح والذي حققه العلامة النسابة السيد مهدي الوردي الكاظمي ، ونقله عن العلامة الدكتور حسين علي ال محفوظ في ( موسوعة العتبات المقدسة ) قسم الكاظمين ج ٣ ص ٦٦ انه عبد الله الملقب بالبهائي بن ابي القاسم بن ابي البركات بن القاسم بن علي بن شكر بن ابي محمد الحسن الاسمر بن النقيب شمس الدين ابي عبد الله احمد بن النقيب ابي الحسن علي بن ابي طالب محمد بن الشريف الجليل ابي علي عمر الى اخر النسب المذكور اعلاه.

والذي نقلناه من الموسوعة هو الثابت والمتواتر في كتب الانساب من مشجر ومبسوط.

١٩٣

موقع قبره الحالي :

يقع في منطقة الحي الجمهوري قرب مقام الامام الصادق7 وبالقرب من مرقد السيد عبد الله الفارس في ساحة دار مسيجة ، يقع الضريح في ركنها الخارجي وهو عبارة عن دكة القبر فقط ، ولا يعلوه شباك أو أي بناء آخر وبالقرب منه قبور تنتسب لبعض العلويين لا أعرف شيئاً عنه.(١)

أقول : إن هذا القبر وللاسف الشديد هدم في عصر حزب البعث الكافر بحجة التوسعة ( وعداء هذا الحزب لدين الاسلام ورسوله ( ص ) مشهور ). وبني في مكان هذا القبر سينما تدعي ( سينما بابل ) وهي قائمة الى الان ، وأهل الحلة يعرفون أن صاحب السينما اثر هذا الفعل يقع بالنكبة بعد النكبة ، وهناك من حدثني من أهل الحلة عن سوء عاقبة كل من أمر بهدم القبر ونقل رفاة هذا السيد بحيث أصبحوا يسألون الناس ( وانا لله وانا اليه راجعون ).

فمن قلمنا هذا ننادي الشرفاء والخيرين من أهل الحلة لبناء هذا القبر من جديد وخصوصاً بعدما عرفنا وقوف الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف على قبره وقراءته الفاتحة لصاحب هذا القبر ، وعجبا لأهل الحلة كيف تركوا هذا السيد مدة ثلاثين عاماً من غير إقامة مشهد عليه.

٨ ـ السيد حيدر ابن السيد سليمان الحلي ; : الحسيب الاديب خربت صناعة الشعر الذي ما اختلف أحد في تقواه ، ولقاؤه مع الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف مشهور ومتداول على ألسن الخطباء وأهل المنابر ومضمون حكايته :(٢)

__________________

١ ـ انظر : كتاب المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء / للسيد حيدر آل وتوت.

٢ ـ الحكاية لم اجدها انا مدونة فهي عن لسان اهل المنابر وكتبتها هنا بتعبيري الخاص.

١٩٤

« إن السيد حيدر الحلي كان من عادته في كل سنة أن نيشئ قصيدة رثاء للامام الحسين7 وينشدها أمام قبره في يوم عاشوراء وعندما نظم قصيدته العينية ( التي يستنهض بها الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ) سراً بينه وبين المولي عَزَّوَجَل ، إذ لم يطلع عليها أحد بعد فذهب الى كربلاء في يوم عاشوراء لينشد قصيدته العينية الجديدة عند الامام الحسين7 وفي الطريق رافقه سيد اعرابي وقال له بعد السلام : يا سيد حيدر انشدني قصيدتك العينية فأنشده قصيدة عينية سابقة اخرى ( للسيد نفسه ) غير التي في خاطره فقال :لا أريد هذه ، أريد قصيدتك التي أنت ذاهب من أجلها ، فقرأها له والتي مطلعها.

مات التصبّر في انتظارك

أيها المچبي الشريعة

فانهض فما أبقى التحمل

غير أحشاء جزوعة

أترى تجىء فجيعةٌ بأمض

من تلك الفجيعة

حيث الحسين على الثرى

خيل العدا طحنت ضلوعه

ورضيعه بدم الوريد

مخضبٌ فاطلب رضيعه(١)

فأخذ السيد الاعرابي بالبكاء وقال :يا سيد حيدر كفى كفى والله ان الامر ليس بيدي ، واختفى عن أنظار السيد فعرف السيد انه الامام عجل الله تعالى فرجه الشريف إذ لم يطلّع أحد على قصيدته وناداه باسمه بدون سابق معرفة وكلامه لهبكفى كفى.

وهناك ندبة شجية أنشأها السيد حيدر الحلي; بأمر سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني; النزيل في الحلة في السنة التي صار

____________

١ ـ انظر : ديوان السيد حيدر الحلي ج ١ ص ٨٨.

١٩٥

عمر باشا والياً على أهل العراق ، وشدد عليهم وأمر بتحرير النفوس لاجراء القرعة ، وأخذ العسكر من أهل القرى والانصار سواء الشريف فيه والوضيع والعالم فيه والجاهل ، والعلويّ فيه وغيره ، والغني فيه والفقير ، فاشتد عليهم الامر وعظم البلاء وضاقت الارض ، ومنعت السماء فأنشأ السيد هذه الندبة المشجية ، فرأى واحد من صلحاء المجاورين في النجف الاشرف الحجة المنتظر7 فقال له ما معناه :قد أقلقني السيد حيدر قل له : لا يؤذيني فان الامر ليس بيدي ، ورفع الله عنهم القرعة في أيامه وبعده بسنين ، وهي هذه :

يا غمرة من لنا بمعبرها يطفح

موارد الموت دون مصدرها

وج البلا الخطير بها

فيغرق العقل في تصوّرها

ضاقت ولم يأتها مفرِّجها

فجاشت النفسي من تحيّرها

لِمَ صاحب الامر عن رعيّته

أغضى فغضت بجور أكفرها

ما عذره نصب عنيه اُخذت

شيعته وهو بين أظهرها

سيفك والضرب إن شيعتكم

قد بلغ السيف حزّ منحرها

مات الهدى سيدي فقم وأمت

شمس ضحاها بليل عيثرها

فالنطف اليوم تشتكي وهي في

الارحام منها الى مصوِّرها

فالله يا ابن النبي في فئة

ما ذخرت غيركم لمحشرها

ماذا لأعدائها تقول إذا

لم تنجها اليوم من مدمرها

ماتت شعار الايمان واندفنت

ما بين خمر العدى وميسرها

١٩٦

فدعوة الناس إن تكن حجبت

لأنها ساء فعل أكثرها

فربّ جرى حشى لواحدها

شكت الى الله في تصورها

توشك أنفاسها وقد صعدت

أن تحرق القوم فى تسعرها(١)

لقد ذكر العلامة النوري; في كتابه جنة المأوى هذه الندبة بخمسة وثلاثين بيتاً واقتصرنا نحن على خمسة عشر بيتاً خوف الاطالة من أرادها فليراجع جنة المأوى صفحة ١٦١ و ١٦٢.

__________________

١ ـ انظر : جنة المأوى / النوري; ص ١٠٥.

١٩٧

١٩٨

١٩٩

ملحق للباب الحادي عشر

في ذكر

جملة من مشاهد الحلة وقبور أعلامها

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249