بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 608

  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50118 / تحميل: 7678
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

و منها : عقبة الرّحم و منها : عقبة الأمانة و منها : عقبة الصلاة و باسم كلّ فرض أو أمر أو نهي عقبة يحبس عندها العبد فيسأل عن كلّ واحدة )١ و في الخبر :

جاء عيسى إلى قبر يحيى و كان سأل ربّه أن يجيبه فدعاه فقال له : ما تريد منّي ؟ قال : تؤنسني كما كنت فقال : ما سكنت عنّي حرارة الموت و أنت تريد تن تعيدني إلى الدّنيا و تعود عليّ حرارة الموت فتركه فعاد إلى قبره٢ .

« و منازل مخوفة مهولة لابدّ من الورود عليها و الوقوف عندها » و من تلك المنازل الموت ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إنّ الميّت إذا حضر الموت أوثقه ملك الموت و لو لا ذلك ما استقر٣ ، و مرّ خبر عيسى عليه السلام مع يحيى عليه السلام ،

و منها : دخول القبر ، و في ( الكافي ) عن يونس ، قال : حديث سمعته عن الكاظم عليه السلام ما ذكرته و أنا في بيت إلاّ ضاق عليّ ، يقول : إذا أتيت بالميّت إلى شفير قبره فأمهله ساعة فإنّه يأخذ أهبته للسّؤال٤ ، و منها : ضغطة القبر ، و في ( الكافي ) : سئل أبو عبد اللّه عن المصلوب يصيبه عذاب القبر ؟ فقال : إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء ، فيوحي إلى الهواء فيضغطه ضغطة هي أشدّ من ضغطة القبر٥ ، و عنه عليه السلام : خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في جنازة سعد بن معاذ و قد شيّعه سبعون ألف ملك فرفع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رأسه إلى السّماء ثمّ قال : مثل سعد يضمّ ، قال أبو بصير للصادق عليه السلام : أكان يستخفّ بالبول ؟ فقال : معاذ اللّه انّما كان زعارة في خلقه على أهله٦ و عنه عليه السلام : إنّ رقيّة لمّا قتلها عثمان قال

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٩ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٦٠ ح ٣٧ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٠ ح ٢ .

 ( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ١٩١ ح ٢ .

 ( ٥ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٤١ ح ١٧ .

 ( ٦ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٣٦ ح ٦ .

٢٠١

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رافعا رأسه إلى السماء ذكرت هذه و ما لقيت فرققت لها و استوهبتها من ضمّة القبر ، و منها : الخروج إلى المحشر ، و من شدّة هوله يقولون : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون١ .

و روى ( الكافي ) : أن فتية من أولاد ملوك بني اسرائيل كانوا متعبّدين و كانت العبادة في أولاد ملوكهم ، فخرجوا يسيرون ليعتبروا فمرّوا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السّافي فقالوا : لو دعونا اللّه الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فسألناه إلى أن قال فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس و اللحية ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره إلى السماء فقالوا له : متّ يوم متّ و أنت على ما نرى ؟ قال : لا ، و لكن لمّا سمعت الصيّحة ( اخرج ) اجتمعت تربة عظامي فخرجت فزعا شاخصا بصري مهطعا إلى صوت الدّاعي فابيضّ لذلك رأسي و لحيتي٢ .

و منها : طول يوم القيامة و شدّته ، ففي سورة المعارج تعرج الملائكة و الروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنّهم يرونه بعيدا و نراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل و تكون الجبال كالعهن و لا يسأل حميم حميما يبصّرونهم يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته التي تؤويه و من في الأرض جميعا ينجيه٣ قال القمي في تفسير الآية الأولى : في القيامة خمسين موقفا كلّ موقف ألف سنة٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ٣ : ٢٣٦ ح ٦ ، و الآية ٥٢ من يس .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٦١ ح ٣٨ .

 ( ٣ ) المعارج : ٤ ١٤ .

 ( ٤ ) تفسير القمي ٢ : ٣٨٦ .

٢٠٢

« و اعلموا أنّ ملاحظ المنيّة منكم دانية » هكذا في ( المصرية )١ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) : ( دائبة )٢ ، فهو الصحيح ، و في ( الكافي ) : عن جابر سألت أبا جعفر عليه السلام عن لحظة ملك الموت فقال : أما رأيت الناس يكونون جلوسا فتعتريهم السكتة فما يتكلّم منهم أحد فتلك لحظة ملك الموت حيث يلحظهم٣ .

« و كأنّكم بمخالبها و قد نشبت فيكم » و المخلب للسباع بمنزلة الظفر للإنسان و نشب الشي‏ء فيه : علق فيه ، قال طرفة :

لعمرك انّ الموت ما أخطأ الفتى

لكا الطّول المرخى و ثنياه باليد٤ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : ما من أهل بيت شعر و لا وبر إلاّ و يتصفّحهم كلّ يوم خمس مرّات٥ ، و عنه عليه السلام الأرض بين يدي ملك الموت كالقصعة يمدّ يده منها حيث يشاء٦ .

« و قد دهمتكم مفظعات الامور » مرّت الفقرة في سابقه .

« و معضلات المحذور » هكذا في ( المصرية )٧ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٨ « و مضلعات المحذور » و في ( الصحاح ) : ( الضلع بالتحريك :

الإعوجاج خلقة تقول : منه ضلع بالكسر ، و ضلع بالفتح ، أي : مال ، و جمل مضلع

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ٤٦٢ .

 ( ٢ ) ابن أبي الحديد ١١ : ٥ ( دائبة ) و ابن ميثم ٤ : ٧ ( دائبة ) .

 ( ٣ ) الكافي ٣ : ٢٥٩ ح ٣١ .

 ( ٤ ) ابن منظور ، لسان العرب ٢ : ١٤٨ .

 ( ٥ ) الكافي ٣ : ١٣٧ ح ٣ .

 ( ٦ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٦ ح ٢٤ .

 ( ٧ ) المصرية : ٤٦٢ .

 ( ٨ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٥ و شرح ابن ميثم ٤ : ٧ ( معضلات ) .

٢٠٣

أي : مثقل١ ، و المضلعات من ضلع بالفتح لا بالكسر كما توهّمه ابن أبي الحديد فإنّه لا يتعدّى ، و ظلع أي : صار أعرج و أعضل أي : أشكل و في ( الكافي ) في قوله تعالى : كلاّ إذا بلغت التّراقي و قيل من راق٢ ، ذلك ابن آدم إذا حلّ به الموت ، قال : هل من طبيب ؟ و في قوله تعالى : و ظنّ أنّه الفراق٣ أيقن بمفارقة الأحبّة ، و في قوله تعالى : و التفّت السّاق بالسّاق٤ التفّت الدنيا بالآخرة و في قوله تعالى : إلى ربّك يومئذ المساق٥ المصير إلى ربّ العالمين٦ .

« فقطعوا علائق الدّنيا » يا أيّها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر اللّه و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون٧ قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحبّ اليكم من اللّه و رسوله و جهاد في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي اللّه بأمره و اللّه لا يهدي القوم الفاسقين٨ و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضّوا اليها و تركوك قائما قل ما عند اللّه خير من اللّهو و من التجارة و اللّه خير الرازقين٩ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( ضلع ) .

 ( ٢ ) القيامة : ٢٦ ٢٧ .

 ( ٣ ) القيامة : ٢٨ .

 ( ٤ ) القيامة : ٢٩ .

 ( ٥ ) القيامة : ٣٠ .

 ( ٦ ) الكافي ٣ : ٢٥٩ ح ٣٢ .

 ( ٧ ) المنافقون : ٩ .

 ( ٨ ) التوبة : ٢٤ .

 ( ٩ ) الجمعة : ١١ .

٢٠٤

« بزاد التقوى » تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيّا١ .

قول المصنّف : و قد مضى شي‏ء من هذا الكلام في ما تقدّم بخلاف هذه الرواية أشار إلى قوله في ( ٨١ ) « فكأن قد علقتكم مخاليب المنيّة و انقطعت منكم علائق الأمنية و دهمتكم مفظعات الامور » . كما مرّ في سابقه٢

٧

في الخطبة ( ١٣٠ ) منها :

فَإِنَّهُ وَ اَللَّهِ اَلْجِدُّ لاَ اَللَّعِبُ وَ اَلْحَقُّ لاَ اَلْكَذِبُ وَ مَا هُوَ إِلاَّ اَلْمَوْتُ قَدْ أَسْمَعَ دَاعِيهِ وَ أَعْجَلَ حَادِيهِ فَلاَ يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ اَلنَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ فَقَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ اَلْمَالَ وَ حَذِرَ اَلْإِقْلاَلَ وَ أَمِنَ اَلْعَوَاقِبَ طُولَ أَمَلٍ وَ اِسْتِبْعَادَ أَجَلٍ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ اَلْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ وَ أَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ مَحْمُولاً عَلَى أَعْوَادِ اَلْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ اَلرِّجَالُ اَلرِّجَالَ حَمْلاً عَلَى اَلْمَنَاكِبِ وَ إِمْسَاكاً بِالْأَنَامِلِ أَ مَا رَأَيْتُمُ اَلَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً وَ يَبْنُونَ مَشِيداً وَ يَجْمَعُونَ كَثِيراً كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً وَ مَا جَمَعُوا بُوراً وَ صَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ وَ أَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لاَ فِي حَسَنَةٍ يَزِيدُونَ وَ لاَ مِنْ سَيِّئَةٍ يَسْتَعْتِبُونَ فَمَنْ أَشْعَرَ اَلتَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ وَ فَازَ عَمَلُهُ فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا وَ اِعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا فَإِنَّ اَلدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامٍ بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا اَلْأَعْمَالَ إِلَى دَارِ اَلْقَرَارِ فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَازٍ وَ قَرِّبُوا اَلظُّهُورَ لِلزِّيَالِ

ــــــــــــ

 ( ١ ) مريم : ٦٣ .

 ( ٢ ) راجع صفحة ٦٨ .

٢٠٥

أقول : قوله : « فإنّه و اللّه الجدّ لا اللّعب » فيه من التأكيد ما لا مزيد عليه لكون المخاطبين عملهم عمل المنكر أشدّ الإنكار و ( الجدّ ) هنا بالكسر لأنّه نقيض الهزل و اللّعب ، و امّا الجدّ بالفتح فهو الحطّ ، و الجدّ بالضّمّ : البئر .

« و الحقّ لا الكذب » في الخبر : لم يخلق اللّه يقينا أقرب إلى الشّك من الموت١ .

أؤمّل أن أعيش و انّ يومي

بأوّل أو بأهون أو جبار

أو التالي دبار أو فيومي

بمونس أو عروبة أو شبار٢

و هي أسماء الأسبوع من أحد إلى السبت في الجاهلية .

« و ما هو إلاّ الموت قد اسمع داعيه » هكذا في ( المصرية )٣ و الظاهر زيادة ( قد ) لخلوّ ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ) عنه٤ ، و في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السلام : ينادي مناد في كلّ يوم ( ابن آدم لد للموت و اجمع للفناء و ابن للخراب )٥ هذا و واضح ان ( أسمع ) و ( أعجل ) ماضيان و ( داعيه ) و ( حاديه ) بسكون الياء فيهما فاعلان لهما ، و المفعول مقدّر أي : أسمع داعي الموت النّاس و أعجلهم حاديه و قال ( الخوئي ) : « أسمع » و « أعجل » منصوبان على الحال امّا لفظا لو كان ( أفعل ) بصيغة التفضيل فيكون « داعيه » و « حاديه » مجرورين بإضافة ( أفعل ) إليهما من باب اضافة الصفة إلى مفعوله و لو كان

ــــــــــــ

 ( ١ ) وردت الرواية في الخصال : لم يخلق اللّه ( عزّ و جلّ ) يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ، الخصال ١ : ١٤ و نقله المجلسي في البحار ١ : ١٢٧ .

 ( ٢ ) بحار الأنوار للمجلسي ٥٩ : ٥٢ كذلك لسان العرب ٤ : ٢٨٥ .

 ( ٣ ) الطبعة المصرية المصححة بلا ( قد ) : ٣٠١ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٨ : ٢٦٩ و شرح ابن ميثم ٣ : ١٥ ( قد ) ، و شرح الخوئي ٨ : ٢٩٣ ح ١٣٢ .

 ( ٥ ) الكافي ٣ : ٢٥٥ ح ١٩ .

٢٠٦

« أسمع » فعلا ماضيا ف « داعيه » منصوب بالمفعولية١ . و في كلامه كما ترى أوهام فاحشة ، فأيّ معنى للتفضيل هنا فهل يصحّ أن يقال : الموت أسمع من داعيه و أعجل من حاديه ؟ كما أنّه على الماضي لا معنى لأن يقال : أسمع الموت داعيه و اعجل حاديه ، و في ( الأغاني ) : اصطبح نبيه المغني عند عبيد اللّه بن غسان فقال له : أيّ شي‏ء تشتهي ؟ قال كبد غزال فأطعمه فلما استوفى أكله استلقى لينام فحرّكوه ، فإذا هو ميّت فجزعوا ، و بعث عبيد اللّه إلى أمّه فجاءت فأخبرها بخبره فقالت : لا بأس عليكم هو رابع أربعة ولدتهم كانت هذه ميتتهم جميعا و ميتة أبيهم من قبلهم٢ . و قيل بالفارسيّة ( ناگهان بانگى برامد خواجه مرد ) و في ( الحلية ) ، عن زيد بن السلمي : أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أنس غفلة أو غرة نادى فيهم بصوت رفيع : أتتكم المنيّة راتبة لازمة امّا بشقاوة و امّا بسعادة٣ .

« و أعجل حاديه » في ( الصحاح ) : ( الحدو ) سوق الإبل و الغناء لها و يقال للشّمال حدواء لأنّها تحدوا السّحاب أي : تسوقه٤ ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : إنّما نعدّلهم عدّا٥ المراد تعداد عدد الأنفاس لا الأيّام فالآباء و الامّهات يحصون أيّام ولدهما .

« فلا يغرّنّك سواد الناس من نفسك » في ( اسد الغابة ) : عاش حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام هو و أباؤه كلّ منهم مائة و عشرين سنة ، و لا يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صلب واحد و عاش كلّ منهم مائة و عشرين سنة ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح الخوئي ٨ : ٢٩٣ .

 ( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٦ : ١٦٢ .

 ( ٣ ) حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني ٧ : ٣٠٤ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( حدد ) .

 ( ٥ ) مريم : ١٨ .

٢٠٧

و ذكر عند عبد الرحمن بن حسّان عمر أبيه و أجداده فاستلقى على فراشه و ضحك فمات و هو ابن ثمان و أربعين سنة١ و في ( الكافي ) : أنّ السجّاد و الباقر عليهما السّلام كانا إذا رأيا جنازة قالا : ( الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم ) و قال تعالى حاكيا عن المؤمنين قولهم في القيامة للمنافقين :

و غرَّتكم الأماني حتّى جاء أمر اللّه و غرّكم باللّه الغرور .٢ و في ( الطبري ) :

لما احتضر المعتصم جعل يقول : انّي أخذت من بين هذا الخلق لو علمت أنّ عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت و جعل يقول : ذهبت الحيل ليست حيلة ،

حتّى أصمت ، و سمع الحسن البصري جارية تبكي على قبر أبيها و هي تقول :

يا أبه لم أر مثل يومك فقال : الذي لم يرو اللّه مثل يومه أبوك و سمع عمر بن عبد العزيز خصيّا للوليد على قبره و هو يقول : يا مولاي ماذا لقينا من بعدك فقال له عمر : أما و اللّه لو اذن له في الكلام لأخبر أنّه لقي بعدكم أكثر ممّا لقيتم بعده٣ ، هذا و قال ابن ميثم : يعني لا يغرّنك من نفسك الأمّارة بالسوء وسوستها و استغفالها لك عن ملاحظة الموت سواد الناس٤ ، و قال ابن أبي الحديد : « من » في « من نفسك » بمعنى الباء ، أي : لا يغرّنّك النّاس بنفسك و صحتك و شبابك ، و اما متعلّقة بمحذوف تقديره متمكنا من نفسك و راكنا إليها٥ ، و كلّ منهما كما ترى بلا محصّل ، و واضح أنّ المراد دفع الوهم ، بأنّ الإنسان في كلّ وقت يرى عددا لا يحصون فيقول ، كما لم يمت هؤلاء الجمع الكثير لا أموت أنا بأنّ ذلك لا يصير سببا لاغتراره لأنّ السواد يحصل

ــــــــــــ

 ( ١ ) اسد الغابة لابن الأثير ٢ : ٧ .

 ( ٢ ) الحديد : ١٤ .

 ( ٣ ) تاريخ الامم و الملوك للطبري ٧ : ٣١٤ .

 ( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ١٥١ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٨ : ٢٦٩ .

٢٠٨

من كثير من الناشئين الّذين نشأوا بعده و قليل من الّذين كانوا في سنّه أو أكثر منهم بقليل ، و لو بدّل توجّه بصره إلى السّواد الكلّي بتوجّه بصيرته إلى أشخاص أهل بيته ، و عشيرته ، و أصدقائه ، و أهل حرفته ، و ساير طبقات بلده لتوحّش و تبدّل اغتراره بالاعتبار .

« فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال » مأخوذ من قوله تعالى : الذي جمع مالاً و عدّده يحسبُ أن ماله أخلده١ قال ابن ميثم و تبعه الخوئي٢ :

أنّه بيان لقوله : ( فلا يغرّنّك ) و الصّواب : كونه بياناً لقوله : ( ما هو إلاّ الموت ) كما أنّ قوله : ( لا يغرّنّك ) دفع توهّم يرد على قوله : ( ما هو إلاّ الموت ) .

« و حذر الأقلال » أي : الافتقار .

« و أمن العواقب طول أمل و استبعاد أجل » ( طول و استبعاد ) ، منصوبان تعليلا فإنّه المتبادر ، لا بدل ( من ) كما احتمله ابن أبي الحديد٣ .

قال أبو العتاهية :

كلّنا نأمل مدّا في الأجل

و المنايا هنّ آفات الأمل

لا يغرنّك أباطيل المنى

و الزم القصد وضع عنك العلل

انّما الدّنيا كظلّ زائل

حلّ فيها راكب ثمّ رحل٤

« كيف نزل به الموت فازعجه عن وطنه » في ( الصحاح ) : أزعجه : أقلقه و قلعه عن مكانه٥ .

« و أخذه من مأمنه » قال تعالى حاكيا عن قول صالح لقومه : أتتركون في

ــــــــــــ

 ( ١ ) الهمزة : ٢ ٣ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم في ٣ : ١٥١ و شرح الخوئي في ٨ : ٣٠٠ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٨ : ٢٦٩ .

 ( ٤ ) البيت الأخير منسوب للإمام علي عليه السلام الديوان : ١٢٥ .

 ( ٥ ) الصحاح : ( زعج ) .

٢٠٩

ما هاهنا آمنين في جناتٍ و عيونٍ و زروعٍ و نخلٍ طلعها هضيم١ قال المخبل السعدي :

و لئن بنيت لي المشقر في

عنقاء تقصر دونها العصم

لتنقّبن عنّي المنيّة

انّ اللّه ليس كحكمه حكم٢

« محمولا على أعواد المنايا » :

كلّ ابن انثى و ان طالت سلامته

يوما على آلة الحدباء محمول٣

« يتعاطى به الرّجال الرّجال حملا على المناكب و إمساكا بالأنامل » في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السلام : السنّة في حمل الجنازة أن تستقبل السرير بشقّك الأيمن فتلزم الأيسر بكفّك الأيمن ثم تمرّ عليه إلى الجانب الآخر ، و تدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ، ثمّ تمرّ عليه إلى الجانب الرابع ممّا يلي يسارك٤ و عن الصادق عليه السلام : تبدأ في حمل السرير من الجانب الأيمن ثمّ تمرّ عليه من خلفه إلى الجانب الآخر ثمّ تمرّ حتى ترجع إلى المتقدّم كذلك دوران الرّحى عليه٥ هذا و الظّاهر أنّ « حملا » و « إمساكا » حالان من الفاعل و المفعول ليتعاطى و أفرادهما لكونهما مصدرين ، و المصدر لا يثنّى و لا يجمع و ان كان بمعنى الوصف ، كما هنا فإنّ الأصل حاملين له على المناكب و ممسكين له بالأنامل و لا مجال لكونهما مفعولا له كما احتمله٦ الخوئي لأنّ التعاطي لا يكون للحمل و الإمساك بل للإشتراك في فضل الحمل أو لرفع

ــــــــــــ

 ( ١ ) الشعراء : ١٤٦ ١٤٨ .

 ( ٢ ) لسان العرب ٧ : ١٦٣ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٧٣ .

 ( ٤ ) الكافي ٣ : ١٦٨ ح ١ .

 ( ٥ ) المصدر نفسه ٣ : ١٦٩ ح ٤ .

 ( ٦ ) شرح الخوئي ٨ : ٢٩٧ .

٢١٠

التعب عمّن حمله قبل١ .

« أما رأيتم الذين يأملون بعيدا و يبنون مشيدا » في ( الصحاح ) : المشيد :

المعمول بالشيد ، و الشّيد بالكسر كلّ شي‏ء طليت به الحائط من جصّ أو بلاط و المشيّد بالتشديد : المطوّل ، و قال الكسائي المشيد للواحد من قوله تعالى :

و قصرٍ مشيدٍ٢ و المشيّد للجمع من قوله تعالى : في بروجٍ مشيّدةٍ٣ .

« و يجمعون كثيرا » كلاّ إنّها لظى نزّاعة للشّوى تدعو من أدبر و تولّى و جمع فأوعى٤ و قال تعالى في قارون : فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون اللّه و ما كان من المنتصرين٥ .

« كيف » هكذا في ( المصرية )٦ و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٧ .

« أصبحت بيوتهم قبورا و ما جمعوا بورا » أي : هالكا قال الأسود بن يعفر :

ماذا أؤمّل بعد آل محرّق

تركوا منازلهم و بعد اياد

أهل الخورنق و السدير و بارق

و القصر ذي الشّرفات من سنداد

نزلوا بأنقرة يسيل عليهم

ماء الفرات يجيي‏ء من أطواد

أرض تخيّرها لطيب مقيلها

كعب بن مامة و ابن امّ دواد

جرت الرياح على محلّ ديارهم

فكأنّهم كانوا على ميعاد

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح الخوئي ٨ : ٢٩٧ .

 ( ٢ ) الحج : ٤٤ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( شيد ) و الآية ٨٢ من سورة النساء .

 ( ٤ ) المعارج : ١٥ ١٨ .

 ( ٥ ) القصص : ٨١ .

 ( ٦ ) المصرية المصححة لا وجود لهذا اللفظ : ٣٠٢ .

 ( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٨ : ٢٦٩ و شرح ابن ميثم ٣ : ١٥٠ ( كيف ) و الخطية : ١١١ .

٢١١

فأرى النعيم و كلّ ما يلهى به

يوما يصير إلى بلى و نفاد١

« و صارت أموالهم للوارثين » قال تعالى في فرعون و قومه : كم تركوا من جنّاتٍ و عيونٍ و زروع و مقامٍ كريم و نعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماء و الأرض و ما كانوا منظرين٢ هذا و في ( المعمّرين لأبي حاتم ) : سئل عبيد الجرهمي ، و كان عاش ثلاثمائة سنة ، عن أعجب شي‏ء رآه فقال : انّي نزلت بحيّ من قضاعة فخرجوا بجنازة رجل من عذرة يقال له حريث بن جبلة فخرجت معهم حتّى إذا واروه انتدبت جانبا و عيناي تذر فان ، ثمّ تمثّلت شعرا كنت رويته قبل :

و بينما المرء في الأحياء مغتبطا

إذ صار في الأمس تعفوه الأعاصير

حتّى إذا لم يكن الاّ تذكّره

و الدهر أيّة ما حال دهارير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه

و ذو قرابته في الحيّ مسرور

و ذاك آخر عهدي من أخيك إذا

ما المرء ضمّنه اللحد الخناسير

الخناسير : المشيّعون ، فقال رجل : من قائلها ؟ قلت : لا أدري ، قال : قائلها هذا الّذي دفنّاه و إنّ هذا ذو قرابته أسرّ الناس بموته ، و انّك الغريب لا تعرفه تبكي عليه٣ .

« و أزواجهم لقوم آخرين » في ( المعجم ) : كان المتوكّل وهب جارية من جواريه حسنة كاملة يقال لها : ( صاحب ) أحمد بن حمدون ، فلمّا مات تزوجّت ،

قال أبو علي بن يحيى المنجّم : فرأيته في النّوم و هو يقول :

أبا عليّ ما ترى العجائبا

أصبح جسمي في التّراب غائبا

ــــــــــــ

 ( ١ ) ذكرها الأصفهاني في الأغاني ١٣ : ١٦ ١٧ ، و ابن عبد ربه في العقد الفريد ٣ : ٢٩ ، و بعضه ابن منظور في لسان العرب ١ : ٣٨٤ .

 ( ٢ ) الدخان : ٢٥ ٢٨ .

 ( ٣ ) المعمّرون و الوصايا لأبي حاتم : ٥٢ .

٢١٢

و استبدلت ( صاحب ) بعدي صاحبا١

و في ( الأغاني ) تزوّج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو امّ هشام بنت عبد اللّه بن عمر ، و كانت من أجمل نساء قريش و كان يجد بها و جدا شديدا فمرض مرضته التي هلك فيها فجعل يديم النّظر إليها و هي عند رأسه فقالت له :

انّك لتنظر نظر رجل له حاجة قال : أي و اللّه ، إنّي لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان عليّ ما أنا فيه قالت : و ما هي ؟ قال : أخاف أن تزوّجي بعدي قالت : فما يرضيك ؟ قال : أن توثقي لي بالأيمان المغلّظة فحلفت له بكلّ يمين سكنت إليها نفسه ثمّ هلك فلّما قضت عدّتها خطبها عمر بن العزيز و هو أمير المدينة فأرسلت إليه ما أراك إلاّ و قد بلغتك يميني ، فأرسل إليها : لك مكان كلّ عبد و أمة عبدان و أمتان ، و مكان كلّ علق علقان ، و مكان كلّ شي‏ء ضعفه فتزوجته٢ .

« لا في حسنة يزيدون » حتّى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربِّ ارجعونِ لعلّي أعمل صالحا فيما تركت كلاّ إنّها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون٣ ، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم و ضلّ عنهم ما كانوا يفترون٤ ، و هم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنّا نعمل أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكّر و جاءكم النّذير فذوقوا فما للظالمين من نصير٥ .

« و لا من سيئة يستعتبون » أي : يسترجعون قال تعالى : و قيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا و مأواكم النّار و مالكم من ناصرين ذلكم

ــــــــــــ

 ( ١ ) معجم الادباء للحموي ٢ : ٢٠٨ ترجمة ( أحمد بن حمدون ) .

 ( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ١٣ : ٣٩ ٣٨ .

 ( ٣ ) المؤمنون : ٩٩ ١٠٠ .

 ( ٤ ) الأعراف : ٥٣ .

 ( ٥ ) فاطر : ٣٧ .

٢١٣

بأنّكم اتّخذتم آيات اللّه هزوا و غرّتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها و لا هم يستعتبون١ ، فيومئذ لا ينفع الّذين ظلموا معذرتهم و لا هم يستعتبون٢ .

« فمن اشعر التقوى قلبه » أي : جعل التقوى شعار قلبه ، و الشعار ما ولي الجسد من الثّياب .

« برّز مهله » قال ابن أبي الحديد : المهل : شوط الفرس٣ و إنّما قال الجوهري : ( برّز الرجل : فاق على أصحابه و كذلك الفرس إذا سبق )٤ و هو كما ترى لا يفهم منه أكثر من أنّ ( برّز الفرس ) بمعنى سبق الفرس و الصّواب : أنّ المهل : التقدّم في الخير ، ففي ( المغرب ) : المهل بالتحريك : التقدّم ، و به كنّى أبو مهل عروة بن عبد اللّه ابن قشير الجعفي٥ ، و في ( النهاية ) : فلان ذو مهل ، أي :

تقدّم في الخير ، و لا يقال في الشّرّ ، ثمّ لا وجه لنصب « مهله » بعد كون قوله بعد ذلك : « و فاز عمله » بالرّفع٦ .

« و فاز عمله » و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة أنّهم إلى ربّهم راجعون اولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٧ .

« فاهتبلوا هبلها » أي : اغتنموا غنيمتها فيكون « هبلها » مفعولا به و يكون « اهتبلوا هبلها » مساوقا لقوله تعالى : و أعدّوا له عدّة و ممّا ذكرنا يظهر لك

ــــــــــــ

 ( ١ ) الجاثية : ٣٤ ٣٥ .

 ( ٢ ) الروم : ٥٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٨ : ٢٦٩ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( برز ) .

 ( ٥ ) المغرب لأبي الفتح ٢ : ١٩٤ .

 ( ٦ ) النهاية لابن الأثير ٤ : ٣٣٥ ( مهل ) .

 ( ٧ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

٢١٤

ما في قول ابن أبي الحديد : هبلها منصوب على المصدر كأنّه من هبل مثل غضب غضبا١ و ما في قول ابن ميثم : هبلها مصدر مضاف إلى ضمير التقوى مؤكّد للفعل أي : أحكموها إحكامها٢ فلو كان « هبلها » مفعولا مطلقا لقال : فاهتبلوا لها اهتبالا ، و بالجملة لا ريب أن هبلها مثل عملها في قوله بعد :

« و اعملوا للجنّة عملها » و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى النفس عن الهوى فانّ الجنّة هي المأوى٣ الّذين هم في صلاتهم خاشعون و الّذين هم عن اللّغو معرضون و الّذين هم للزّكاة فاعلون و الّذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فإنّهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون و الّذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون٤ ، في جنّة عالية قطوفها دانية ،

كلوا و اشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيّام الخالية٥ و في الخبر : من أحبّ أن تكون الجنّة مسكنه و مأواه فلا يدع زيارة المظلوم٦ .

« فإنّ الدنيا لم تخلق لكم دار مقام » بالضمّ أي : إقامة .

« بل خلقت لكم مجازا » في ( الصحاح ) : ( جعل الأمر مجازا إلى حاجته ، أي :

طريقا و مسلكا٧ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٨ : ٢٦٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن ميثم .

 ( ٣ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

 ( ٤ ) المؤمنون : ٢ ١١ .

 ( ٥ ) الحاقة : ٢٢ ٢٤ .

 ( ٦ ) كامل الزيارات للصدوق : ٢ و نقله المجلسي في البحار ٩٨ : ٦٦ ح ٥٧ .

 ( ٧ ) الصحاح : ( جوز ) .

٢١٥

« لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار » يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه و لتنظر نفس ما قدّمت لغد و اتّقوا اللّه إنّ اللّه خبير بما تعملون١ .

« فكونوا منها على أوفاز » في ( الصحاح ) : الوفز : العجلة ، يقال : نحن على أو فاز ، أي : على سفر٢ .

« و قرّبوا الظهور للزّيال » في ( المغرب ) : يستعار الظهر للدّابّة و الرّاحلة ،

و منه ( و لا ظهرا بقى ) ، و الزّيال : مصدر زايل كالمزايلة و هو المفارقة٣ ، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : مالي و للدّنيا إنّما مثلي و مثلها كمثل راكب رفعت له شجرة في يوم صائف ، فقال من القيلولة تحتها ، ثمّ راح و تركها .

٨

الخطبة ( ٢١٦ ) و من كلام له عليه السلام بعد تلاوته ألهاكم التّكاثر حتّى زرتم المقابر :

يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اِسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وَ تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ اَلْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَ حَرَكَاتٍ سَكَنَتْ وَ لَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً وَ لَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ اَلْعَشْوَةِ وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ وَ لَوِ اِسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ اَلدِّيَارِ اَلْخَاوِيَةِ وَ اَلرُّبُوعِ اَلْخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا

ــــــــــــ

 ( ١ ) الحشر : ١٨ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( وفز ) .

 ( ٣ ) المغرب لأبي الفتح ٢ : ٢٥ .

٢١٦

فِي اَلْأَرْضِ ضُلاَّلاً وَ ذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ وَ تَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ وَ تَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا وَ تَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وَ إِنَّمَا اَلْأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ بَوَاكٍ وَ نَوَائِحُ عَلَيْكُمْ أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وَ فُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ اَلَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ اَلْعِزِّ وَ حَلَبَاتُ اَلْفَخْرِ مُلُوكاً وَ سُوَقاً سَلَكُوا فِي بُطُونِ اَلْبَرْزَخِ سَبِيلاً سُلِّطَتِ اَلْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ يَنْمُونَ وَ ضِمَاراً لاَ يُوجَدُونَ لاَ يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ اَلْأَهْوَالِ وَ لاَ يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ اَلْأَحْوَالِ وَ لاَ يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَ لاَ يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُيَّباً لاَ يُنْتَظَرُونَ وَ شُهُوداً لاَ يَحْضُرُونَ وَ إِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وَ أُلاَّفاً فَافْتَرَقُوا وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ لاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ دِيَارُهُمْ وَ لَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً وَ بِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً فَكَأَنَّهُمْ فِي اِرْتِجَالِ اَلصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ جِيرَانٌ لاَ يَتَأَنَّسُونَ وَ أَحِبَّاءُ لاَ يَتَزَاوَرُونَ بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَا اَلتَّعَارُفِ وَ اِنْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ اَلْإِخَاءِ فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وَ هُمْ جَمِيعٌ وَ بِجَانِبِ اَلْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلاَّءُ لاَ يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً وَ لاَ لِنَهَارٍ مَسَاءً أَيُّ اَلْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا وَ رَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا فَكِلْتَا اَلْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ اَلْخَوْفِ وَ اَلرَّجَاءِ فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَايَنُوا وَ لَئِنْ عَمِيَتْ آثَارُهُمْ وَ اِنْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ اَلْعِبَرِ وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ اَلْعُقُولِ وَ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ اَلنُّطْقِ فَقَالُوا كَلَحَتِ اَلْوُجُوهُ اَلنَّوَاضِرُ وَ خَوَتِ اَلْأَجْسَامُ اَلنَّوَاعِمُ وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ اَلْبِلَى وَ تَكَاءَدَنَا

٢١٧

ضِيقُ اَلْمَضْجَعِ وَ تَوَارَثْنَا اَلْوَحْشَةَ وَ تَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا اَلرُّبُوعُ اَلصُّمُوتُ فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَ تَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَ طَالَتْ فِي مَسَاكِنِ اَلْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً وَ لاَ مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ اَلْغِطَاءِ لَكَ وَ قَدِ اِرْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ وَ اِكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ وَ تَقَطَّعَتِ اَلْأَلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا وَ هَمَدَتِ اَلْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا وَ عَاثَ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى سَمَّجَهَا وَ سَهَّلَ طُرُقَ اَلْآفَةِ إِلَيْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلاَ أَيْدٍ تَدْفَعُ وَ لاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَ أَقْذَاءَ عُيُونٍ لَهُمْ فِي كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لاَ تَنْتَقِلُ وَ غَمْرَةٌ لاَ تَنْجَلِي فَكَمْ أَكَلَتِ اَلْأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وَ أَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِي اَلدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ وَ رَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ وَ يَفْزَعُ إِلَى اَلسَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى اَلدُّنْيَا وَ تَضْحَكُ اَلدُّنْيَا إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ اَلدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ وَ نَقَضَتِ اَلْأَيَّامُ قُوَاهُ وَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ اَلْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لاَ يَعْرِفُهُ وَ نَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ اَلْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ اَلْحَارِّ بِالْقَارِّ وَ تَحْرِيكِ اَلْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً وَ لاَ حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَيَّجَ بُرُودَةً وَ لاَ اِعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ اَلطَّبَائِعِ إِلاَّ أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَ تَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ اَلسَّاِئِلينَ عَنْهُ وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ هُوَ لِمَا بِهِ وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِهِ وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى

٢١٨

فَقْدِهِ يُذَكِّرُهُمْ أُسَى اَلْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ اَلدُّنْيَا وَ تَرْكِ اَلْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَ يَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا أقول : قول المصنّف : ( و من كلام له عليه السلام بعد تلاوته ألهاكم التكاثر حتّى زرتم المقابر في ( أسباب نزول الواحدي ) : قال مقاتل و الكلبي : نزلت في حيّين من قريش بني عبد مناف و بني سهم ، كان بينهم لحافتعاند السادة و الأشراف أيّهم أكثر فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيّدا و عزّا و أعظم نفرا ،

و قال بنوسهم مثل ذلك فكثّرهم بنو عبد مناف ثمّ قالوا : نعدّ موتانا حتّى زاروا القبور ، فعدّوا موتاهم فكثّرهم بنو سهم لأنّهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية .

و قال قتادة : نزلت في اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان و بنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتّى ماتوا ضلالا١ ، هذا و قال ابن أبي الحديد بعد عنوان هذه الخطبة : هذا موضع المثل ( ضلعا يا ظليم و إلاّ فالتّخوية ) من أراد أن يعظ و يخوّف و يقرع صفاة القلب ، و يعرّف النّاس قدر الدّنيا و تصرّفها بأهلها ،

فليأت بمثل هذه الموعظة في مثل هذا الكلام الفصيح و إلاّ فليمسك ، فإنّ السّكوت أستر ، و العيّ خير من منطق يفضح صاحبه و من تأمّل هذا الفصل علم صدق معاوية في قوله فيه عليه السلام : ( و اللّه ما سنّ الفصاحة لقريش غيره ) و ينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس ، و تلي عليهم أن يسجدوا له كما سجد الشعراء لقول عديّ بن الرّقاع في قوله : ( قلم أصاب من الدّواة

ــــــــــــ

 ( ١ ) أسباب النزول للواحدي : ٣٤١ .

٢١٩

مدادها ) فقيل لهم في ذلك ، فقالوا : ( إنّا نعرف موضع السجود في الشعر كما تعرفون مواضع السجود في القرآن ) و إنّي لأطيل التعجّب من رجل يخطب في الحرب بكلام يدلّ على أنّ طبعه مناسب لطباع الأسود و النمور ، ثمّ يخطب في ذلك الموضع بعينه ، إذا أراد الموعظة بكلام يدلّ على أنّ طبعه مشاكل لطباع الرّهبان اللابسي المسوح الّذين لم يأكلوا لحما ، و لم يريقوا دما ، فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس الشيباني و عتيبة بن الحارث اليربوعي ،

و عامر بن الطفيل العامري ، و تارة يكون في صورة سقراط الحبر اليوناني ،

و يوحنّا المعمدان الإسرائيلي ، و المسيح بن مريم الإلهي و أقسم بما يقسم به الامم كلّها به ، لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة و إلى الآن أكثر من ألف مرّة ، ما قرأتها قطّ إلاّ و أحدثت عندي روعة و خوفا و عظة ، و أثّرت في قلبي وجيبا و في أعضائي رعدة ، و لا تأمّلتها إلاّ و ذكرت الموتى من أهلي و أقاربي و أرباب ودّي ، و خيّلت في نفسي انّي أنا ذلك الشخص الذي وصف حاله و كم قد قال الواعظون و الخطباء و الفصحاء في هذا المعنى ، و كم وقفت على ما قالوه و تكرّر وقوفي عليه ، فلم أجد لشي‏ء منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي ،

فإمّا أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله ، أو نيّة القائل كانت صالحة ، و يقينه كان ثابتا ، و إخلاصه كان محضا خالصا١ .

« يا له مراما ما أبعده » جمع عليه السلام بين نداء التعجّب في قوله : « يا له مراما » و فعل التعجّب في قوله « ما أبعده » تنبيها على أنّ هذا المرام و هذا المقصد من التفاخر بالموتى في غاية التعجّب .

« و زورا ما أغفله » قال ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ، يعني عليه السلام

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥٢ .

٢٢٠

بالزّور الزائرين للمقابر١ و استندوا إلى قول الجوهري : ( الزّور : الزائرون ) .

قلت : بل « زورا » مصدر زاره ، كما صرّح به الفيروز آبادي ، و لو كان جمعا لقال : ما أغفلهم و أيضا لم يصحّ جمعا إلاّ مع رواية ( يا مراما )٢ كما قال ( ابن ميثم ) انّ به رواية كما أنّه لا يناسب قوله ( مراما ) قبل بلفظ المفرد و « خطرا » بعد كذلك و في ( المعجم ) : كان سليمان بن عبد الملك عسكر بدابق قرب حلب و عزم ألاّ يرجع حتّى يفتح القسطنطينية أو تؤدّي الجزية ، فشتا بدابق شتاء بعد شتاء ، إذ ركب عشيّة من يوم جمعة ، فمرّ بالتلّ الّذي يقال له اليوم ( تلّ سليمان ) فرأى عليه قبرا ، فقال : قبر من ؟ قالوا : عبد اللّه بن مسافع العبدري فقال : يا ويحه لقد أمسى قبره بدار غربة ، و مرض سليمان في أثر ذلك و مات و دفن إلى جانب ذاك القبر في الجمعة التي تليه٣ .

« و خطرا ما أفظعه » في الصّحاح : الخطر : الإشراف على الهلاك ، و فظع الأمر ( بالضمّ ) شنيع جاوز المقدار٤ .

« لقد استخلوا منهم أيّ مدّكر » قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : ( يعني وجدوا موضع التذكّر خاليا من الفائدة )٥ و الصحيح انّه عليه السلام أراد ذكر من خلا من آبائهم ، أي : مضى ، و استخلى فلان في حديثه ، أي : حدّث عن أمور خالية ، و المعنى أنّه عليه السلام استعظم ما يوجبه حديثهم عمّا خلا و عمّن خلا من أسلافهم و آثار أسلافهم من التذكير ، فقال عليه السلام أيّ مذكر و واعظ في ذلك

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٤٥ و شرح ابن ميثم ٤ : ٥٩ و شرح الخوئي ١٤ : ٢١٣ ح ٢١٩ .

 ( ٢ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي : ٥١٥ ( الزور ) .

 ( ٣ ) معجم البلدان للحموي ٢ : ٤١٦ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( خطر ) .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٤٥ .

٢٢١

و قال ابن ميثم : ( يعني اتخذوا تخلية الذكر دأبهم و شأنهم )١ و قال الخوئي :

المفعول محذوف أي : استخلوا الديار يعني أنّ الزائرين المتفاخرين بالأموات و جدوا الدّيار خالية منهم حال كونهم كاملين في التذكير ، و الكلّ كما ترى .

و الصواب : أن يقال أنّه لمّا كان في الموتى ادّكار عظيم للتوجّه إلى الآخرة و هم جعلوهم سببا للتوجّه إلى الدنيا كأنّهم طلبوا من الموتى أن يجعلوا محلّ ادّكارهم خاليا منه٢ و في ( الصحاح ) : استخلاه محلّه ، أي : سأله أن يخلّيه له٣ ، و يناسب ما قلناه ، قوله بعد : « و تناوشوهم من مكان بعيد » و ممّا ذكرنا يظهر لك انّ ( مدّكر ) اسم مكان لا اسم فاعل أو مصدر ميمي .

« و تناوشوهم من مكان بعيد » في ( الصحاح ) : التناوش التناول٤ ، و قوله تعالى : . و أنّى لهم التناوش من مكان بعيد٥ أي : أنّى لهم تناول الإيمان في الآخرة و قد كفروا به في الدّنيا ، يعني لو كانوا أرادوا كون تناوشهم ممكنا لتناوشوهم من مكان قريب٦ ، و هو الاعتبار بهم و أمّا الافتخار بهم ، فهو التناوش من بعيد ، و هو أمر غير معقول « أ فبمصارع آبائهم يفخرون » الأصل في المصرع ما تهدّل من الأغصان ،

و سقط على الأرض ، و يقال لكلّ طريح ، القتيل و غيره .

« أم بعديد الهلكى يتكاثرون » قال الشاعر في افتخار بني تغلب بعمرو بن كلثوم و قصيدته :

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٥٨ ( ٢١٢ ) .

 ( ٢ ) شرح الخوئي ١٤ : ٢١٤ ( ٢١٩ ) .

 ( ٣ ) الصحاح : ( خلا ) .

 ( ٤ ) الصحاح : ( نوش ) .

 ( ٥ ) سبأ : ٥٢ .

 ( ٦ ) الصحاح : ( نوش ) .

٢٢٢

الهى بني تغلب عن كلّ مكرمة

قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

يفاخرون بها مذ كان أوّلهم

يا للرّجال لشعر غير مسئوم١

« يرتجعون منهم أجسادا خوت » لا يبعد أن يكون ( خوت ) بالتشديد ، من قولهم خوّت النجوم إذا مالت للمغيب ، أي : يرون ارتجاع أجساد مالت للمغيب و الانهدام و أمّا ( خوت ) بالتخفيف فلا مناسبة لها ، فقيل في قوله تعالى : فتلك بيوتهم خاوية .٢ أي : خالية و ساقطة .

« و حركات سكنت » في ( الطبري ) : هتف بالمنصور هاتف من قصره :

اما و ربّ السّكون و الحرك

انّ المنايا كثيرة الشّرك

ما اختلف الليل و النهار و لا

دارت نجوم السماء في الفلك

الاّ لنقل السّلطان من ملك

إذا انقضى ملكه إلى ملك

حتّى يصيرانه إلى ملك

ما عزّ سلطانه بمشترك

ذاك بديع السماء و الأرض

و المرسي الجبال المسخّر الفلك٣

فقال : هذا و اللّه أوان أجلي « و لأن يكونوا عبرا أحقّ من أن يكونوا مفتخرا » في ( صفين نصر ) : مضى عليّ عليه السلام نحو ساباط حتّى انتهى إلى مدينة بهر سير ، و إذا رجل من أصحابه يتمثّل بقول التميمي :

جرت الرّياح على محل ديارهم

فكأنّهم كانوا على ميعاد

فقال عليه السلام أفلا قلت : كم تركوا من جنّات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوما آخرين فما بكت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١١ : ٥٤ .

 ( ٢ ) النمل : ٥٢ .

 ( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ٣٤٦ .

٢٢٣

عليهم السّماء و الأرض و ما كانوا منظرين١ إنّ هؤلاء كانوا وارثين ،

فأصبحوا موروثين ، إنّ هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية .

إيّاكم و كفر النّعم لا يحلّ بكم النّقم٢ .

« و لأن يهبطوا بهم جنات ذلّة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزّة » « يهبطوا » أي : ينزلوا و الجناب : فناء الدار و أحجى ، أي : أجدر و لمّا قالت ام سلمة في موت الوليد بن الوليد المخزومي :

يا عين فابكي للوليد بن الوليد بن المغيرة

مثل الوليد بن الوليد أبي الوليد كفى العشيرة

قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لها : لا تقولي هكذا ، و لكن قولي : و جاءت سكرة الموت بالحقّ ذلك ما كنت منه تحيد٣ .

« و ضربوا منهم في غمرة جهالة » الضرب هنا بمعنى السباحة ، بقرينة الغمرة ، و هو شدّة ماء البحر ، كقول ذي الرمّة : ( كأنّني ضارب في غمرة لعب )٤ .

« لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة » الأعشى : الذي لا يبصر بالليل ،

و العشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيدها كل شي‏ء ، و ركب فلان العشوة إذا خبط أمره على غير بصيرة و ضربوا منهم في غمرة جهالة .

« و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية » في ( الصحاح ) : كلّ بقعة بين الدّور واسعة ليس فيها بناء عرصة ، و الجمع العرصات ،

ــــــــــــ

 ( ١ ) الدخان : ٢٥ ٢٩ .

 ( ٢ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١٤٢ .

 ( ٣ ) ق : ١٩ .

 ( ٤ ) لسان العرب ٨ : ٣٩ .

٢٢٤

و الخاوية : الساقطة١ .

« لقالت ذهبوا في الأرض ضلاّلا » من قوله تعالى : أ إذا ضللنا في الأرض .٢ أي : خفينا لا يعرف موضعنا ، و قال ابن المعتزّ :

كأنّ خواتيما من الطين بينهم

فليس لها حتّى القيامة من فضّ٣

« و ذهبتم في أعقابهم جهّالا » الأعقاب : جمع العقب بكسر القاف ، مؤخّر القدم .

« تطأون في هامهم » من وطأ الشي‏ء برجله ، قال ابن أبي الحديد : أخذ أبو العلاء معنى كلامه عليه السلام فقال :

خفّف الوطء ما أظنّ أديم الأ

رض إلاّ من هذه الأجساد

ربّ لحد قد صار لحدا مرارا

ضاحك من تزاحم الأضداد

و دفين على بقايا دفين

من عهود الآباء و الأجداد

صاح هذي قبورنا تملأ الأرض

فأين القبور من عهد عاد

سر إن اسطعت في الهواء رويدا

لا اختيالا على رقاب العباد٤

« و تستنبتون في أجسادهم » أي : تطلبون الإثبات في الزرع في أجسادهم و قال ابن أبي الحديد : و روى ( و تستثبتون ) أي : تنصبون الأشياء الثابتة كالعمد و الأساطين للأوطان في أجساد الموتى٥ .

« و ترتعون فيما لفظوا » من رتعت الماشية : أكلت ما شاءت ، و من لفظ الشي‏ء من فمه : رماه ، قال ابن أبي الحديد : يجوز أن يريد عليه السلام أنّكم تأكلون ما

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( عرص ) .

 ( ٢ ) السجدة : ١٠ .

 ( ٣ ) ديوان ابن المعتز : ٢٩٢ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٤٨ ، كذلك جواهر الأدب : ٤٥٧ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٤٨ .

٢٢٥

تركوه و أن يريد انّكم تأكلون الفواكه التي تنبت في أجزاء ترابيّة خالطها الصديد الجاري من أفواههم١ .

« و تسكنون ما خرّبوا » قيل : يجوز أن يريد عليه السلام في مساكن خرّبوها بترك العبادة و ان يريد في مساكن أخلوها ، و أطلق الخراب عليه مجازا ، و الثاني أقرب ، و انّما يطلق التخريب بترك العبادة على بيت الآخرة لا بيوت الدنيا .

« و إنّما الأيّام بينكم و بينهم » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد )٢ و انما في ( ابن ميثم و الخطية )٣ « بينهم و بينكم » .

« بواك و نوائح عليكم » في خبر الحسن بن الجهم قلت للرضا عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام عرف قاتله و الليلة التي يقتل فيها ، و قوله لمّا سمع صياح الأوزّ في الدّار : ( صوائح تتبعها نوائح )٤ . و في ( الطبري ) : كان المهدي جالسا في عليّة في قصر بما سبدان يشرف من منظرة فيها على سفله و كانت جاريته ( حسنة ) قد عمدت إلى كمثراتين كبيرتين فجعلتهما في صينية و سمّت واحدة منهما و هي أحسنهما و أنضجهما في أسفلها ، و ردّت القمع فيها و وضعتها في أعلى الصينية ، و كان المهدي يعجبه الكمّثرى و أرسلت بذلك مع وصيفة لها جارية المهدي يتخطّاها تريد بذلك قتلها فمرّت الوصيفة بالصينية التي فيها تلك الكمّثرى بحيث يراها المهدي من المنظرة فلمّا رأى معها الكمّثرى دعا بها ،

فمدّ يده إلى الكمثرية التي في أعلى الصينية ، فأكلها فلمّا وصلت إلى جوفه صرخ جوفي و سمعت حسنة الصوت فجاءت تلطم وجهها و تبكي و تقول :

أردت أن أنفرد بك فقتلتك ، فهلك من يومه ، فرجعت ( حسنة ) و انّ على قبّتها

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٤٧ .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية ٤٣٨ و شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٤٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم كالمصرية ٣ : ٥٥ ، و الخطية ( كما ذكر ) : ٢١٤ .

 ( ٤ ) الكافي ١ : ٢٥٩ ح ٤ .

٢٢٦

المسوح فقال أبو العتاهية في ذلك :

رحن في الوشى و أصبحن عليهنّ المسوح

كلّ نطّاح من الدهر له يوم نطوح

لست بالباقي و لو عمرت ما عمّر نوح

فعلى نفسك نح ان كنت لا بدّ تنوح١

و عن علي بن يقطين قال : كنّا مع المهدي بما سبدان فأصبح يوما فقال :

إنّي أصبحت جائعا فأتي بأرغفة و لحم بارد مطبوخ فأكل منه ، ثم قال : إنّي داخل البهو و نائم فيه فلا تنبّهوني حتى أكون أنا الذي أنتبه و دخل البهو فنام ،

و نمنا نحن في الدّار فانتبهنا ببكائه فقمنا إليه مسرعين فقال : أما رأيتم ما رأيت ؟ قلنا ما رأينا شيئا ، قال : وقف على الباب رجل لو كان في مائة ألف ما خفي عليّ و أنشد :

كأني بهذا القصر قد باد أهله

و أوحش منه ربعه و منازله

و صار عميد القوم من بعد بهجة

و ملك إلى قبر عليه جنادله

فلم يبق إلاّ ذكره و حديثه

تنادي عليه معولات حلائله

فما أتت عليه عاشرة حتى مات٢ .

« أولئك سلف غايتكم » في ( عيون القتيبي ) : سأل زياد رجلا بالبصرة : أين منزلك ؟ قال واسط ، قال : مالك من الولد ؟ قال : ( تسعة ) ، فلمّا قام قيل لزياد :

كذبك في كلّ ما سألته ، ماله إلاّ ابن و منزله بالبصرة ، فلمّا عاد إليه قال له زياد :

قلت لي تسعة و منزلك بواسط ؟ قال : نعم قال : خبّرت بغير ذلك قال : صدقت و صدقوك ، دفنت تسعة بنين فهم لي ، ولي اليوم ابن واحد و لست أدري أيكون

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٣٩٣ ، و الشعر ورد في الديوان : ٦٧ .

 ( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٢٣ .

٢٢٧

لي أم لا ؟ فإمّا منزلي فإلى جانب الجبّان بين أهل الدّنيا و أهل الآخرة ، فأيّ منزل أوسط منه قال : صدقت و قال الشاعر :

لا يبعد اللّه أقواما لنا ذهبوا

أفناهم حدثان الدهر و الأمد

نمدّهم كلّ يوم من بقيّتنا

و لا يؤوب إلينا منهم أحد١

هذا و في الخبر : كان النبي صلّى اللّه عليه و آله إذا مرّ على القبور قال : السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين ، و انّا إن شاء اللّه بكم لاحقون٢ .

« و فرّاط مناهلكم » ، الفرّاط : جمع فارط ، و الفارط : السابق إلى الماء ،

و المناهل : موارد الماء ، و تسمّى المنازل التي في المفاوز على طريق السفّار مناهل لأنّ فيها الماء هذا ، و في الخبر الصلاة على الأطفال : ( اللّهمّ اجعله لأبويه و لنا فرطا )٣ .

« الذين كانت لهم مقاوم العزّ » في ( الصحاح ) : المقوم : الخشبة التي يمسكها الحرّاث٤ .

« و حلبات الفخر » في ( الصحاح ) : الحلبة بالتسكين خيل تجمع للسّباق لا تخرج من اصطبل واحد ، كما يقال للقوم إذا جاؤوا للنصر من كلّ أوب ، قد أحلبوا )٥ .

« ملوكا و سوقا » السّوق جمع السّوقة : الرّعية ، قال زهير : ( نالا الملوك و بذّا هذه السّوقا )٦ قالوا : مرّ الاسكندر بمدينة قد ملكها سبعة من بيت واحد

ــــــــــــ

 ( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ : ٦٦ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٧ .

 ( ٣ ) الفقيه ١ : ١٦٧ ح ٤٨٦ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( قوم ) .

 ( ٥ ) الصحاح : ( حلب ) .

 ( ٦ ) لسان العرب ٦ : ٤٣٨ .

٢٢٨

و بادوا ، فسأل : هل بقي من نسلهم أحد ؟ قالوا : واحد يلزم المقابر ، فدعا به فقال له : لم تلزم المقابر ؟ قال أردت أن أميّز عظام الملوك من عظام غيرهم فوجدتها سواء ، قال : هل لك أن تلزمني حتى أنيلك بغيتك ؟ قال : لو علمت أنّك تقدر على ذلك للزمتك ، قال : و ما بغيتك ؟ قال : حياة لا موت معها ، قال : لن أقدر على ذلك ،

قال : فدعني أطلبه ممّن يقدر عليه١ و قالوا : لمّا فتح خالد بن الوليد عين التمر ،

سأل عن بنت النعمان بن المنذر فدلّ عليها فأتاها و كانت عمياء فسألها عن حالها ، فقالت : لقد طلعت علينا الشمس و ما شي‏ء يدبّ تحت الخورنق إلاّ تحت أيدينا ، ثم غربت و قد رحمنا كلّ من يدور به و ما بيت دخلته حبرة إلاّ و دخلته عبرة ثم قالت :

و بينا نسوس النّاس و الأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف

فأفّ لدنيا لا يدوم نعيمها

تقلّب تارات بنا و تصرّف

فقال قائل : قاتل اللّه عدي بن زيد لكأنّ ينظر إليها حين يقول :

إن للدهر صرعة فاحذرنها

لا تبيتنّ قد أمنت الدهورا

قد يبيت الفتى معافى فيردى

و لقد كان آمنا مسرورا٢

و قال عديّ بن زيد :

أين كسرى كسرى الملوك انوشروان

، أم أين قبله سابور ؟

و بنو الأصفر الكرام ملوك الروم

لم يبق منهم مذكور

و اخو الخضر إذ بناه و إذ

دجلة تجبى إليه و الخابور

لم يهبه ريب المنون فباد

الملك عنه فبابه مهجور

شاده مرمرا و جلّله كلسا

فللطير في ذراه و كور

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥٨ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ١١ : ١٧٠ .

٢٢٩

و تبيّن ربّ الخورنق إذ أشرف

يوما و للهدى تفكير

سرّه حاله و كثرة ما يملك

و البحر معرضا و السدير

فأرعوى قلبه و قال فما

غبطة حيّ إلى الممات يصير

ثم بعد الفلاح و الملك و الامرة

وارتهم هناك القبور

ثم أضحوا كأنّهم ورق جفّ

فألوت به الصّبا و الدّبور١

و قالوا : دخل ابن عباس على عبد الملك يوم قرّ ، و هو على فرش يكاد يغيب فيها ، فقال : يا ابن عبّاس إنّي لأحسب اليوم باردا قال : أجل ، و انّ ابن هند عاش في مثل ما ترى ، عشرين أميرا و عشرين ملكا ثمّ هو ذاك على قبره ثمامة تهتزّ ، فيقال : انّ عبد الملك أرسل إلى قبر معاوية فوجد عليه ثمامة نابتة٢ .

« سلكوا في بطون البرزخ سبيلا » في ( الصحاح ) : البرزخ : ما بين الدنيا و الآخرة من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات دخل البرزخ٣ .

« سلّطت الأرض عليهم فيه فأكلت من لحومهم و شربت من دمائهم » لبعضهم :

و المنايا آكلات شاربات للأنام

شبت يا هذا و ما تترك أخلاق غلام

و قالوا : قال الرضيّ :

و لقد مررت ببرزخ فسألته

أين الأولى ضمّتهم أرجاؤه

مثل المطيّ بواركا أجداثه

يسفي على جنباتها بوغاؤه

ناديته فخفى عليّ جوابه

بالقول إلاّ ما زقت أصداؤه

من ناظر مطروقة الحاظه

أو خاطر مطلولة سوداؤه

أو واجد مكظومة زفرائه

أو حاقد منسيّة شحناؤه

ــــــــــــ

 ( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ٢٩١ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٧٠ .

 ( ٣ ) الصحاح : ( برزخ ) .

٢٣٠

و مسنّدين على الجنوب كأنّهم

شرب تخازل بالطّلى أعضاؤه

تحت الصعيد لغير اشفاق إلى

يوم القيامة يضمّهم أحشاؤه

أكلتهم الأرض التي ولدتهم

أكل الضّروس حلت له اوآؤه١ .

و قال الشاعر :

ربّ ركب قد أناخوا عندنا

أكل الدّهر عليهم و شرب

« فأصبحوا في فجوات قبورهم » الفجوة : الفرجة و المتّسع بين الشيئين ،

و فجوة الدار : ساحتها .

« جمادا لا ينمون » و الجماد كما لا ينمو ، لا ينقص و لكنّهم ينقصون ، و في ( الكافي ) عن عمّار الساباطي : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الميّت يبلى جسده قال :

نعم ، حتّى لا يبقى لحم و لا عظم إلاّ طينته التي خلق منها فإنّها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة٢ ، قال ابن أبي الحديد :

و روي « لا ينمّون » من النميمة ، و هي الهمس و الحركة٣ .

« و ضمارا لا يوجدون » في ( الجمهرة ) : الضمار : خلاف العيان ، و المراد أنّهم مستورون في القبور و لا يوجدون ظاهر أبدا كالأحياء الذين قد يكونون مستورين ثم يوجدون ظاهرين٤ ، هذا و قال ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ) : كلّ ما لا يرجى من الدين ، و كلّ ما لا تكون منه على ثقة يقال له الضمار ، و هو كما ترى فلا مناسبة له هنا٥ .

« لا يفزعهم ورود الأهوال » من تسلّط عدوّ أو حدوث قحط أو بروز مرض

ــــــــــــ

 ( ١ ) ديوان الشريف الرضي ١ : ٣٢ ٣٣ ، و ذكره الخوئي في شرحه في ١٤ : ٢٠٩ ح ٢١٩ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٥١ ح ٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥ .

 ( ٤ ) الجمهرة لابن دريد ٢ : ٧٥ ( ر ض م ) .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥٠ و شرح ابن ميثم ٤ : ٥٩ ( ٢١٢ ) و الخوئي ١٤ : ٢٠٩ ( اللغة ) .

٢٣١

أو غيرها من أهوال الدّنيا .

« و لا يحزنّهم تنكّر الأحوال » كما يحزن أهل الدنيا به قال الأعشى :

و أنكرتني و ما كان الّذي نكرت

من الحوادث إلاّ الشّيب و الصلعا١

« و لا يحفلون بالرواجف » أي : لا يبالون بالزّلازل .

« و لا يأذنون » أي : لا يستمعون ، و الأصل فيه عمل الاذان عملها .

« للقواصف » أي : الشدائد من ريح قاصف : شديدة الهبوب ، و رعد قاصف : شديد الصوت .

« غيّبا لا ينتظرون »

و كلّ غائب يؤب

و غائب الموت لا يؤب

و في المثل : ( حتّى يؤب القارظان )٢ قال أبو ذؤيب :

و حتّى يؤوب القارظان كلاهما

و ينشر في القتلى كليب لوائل٣

القرظ : ورق السّلم يدبغ فيه ، و القارظ : الذي يجتنيه ، قالوا : فخرج رجلان من عنزة في طلبه فلم يرجعا فضرب بهما المثل ، و قال بعضهم لابنته عند الموت :

فرجّي الخير و النتظري إيابي

إذا ما القارظ العنزيّ آبا٤

و قال سراقة في لبيد :

و ثمّ إياب القارظين و ذي البرد

و كان المثلّم قتل رجلا من الخوارج ، و كان يتّجر في اللّقاح ، فدسّوا له من قال له : فهل لك في لقحة كذا و كذا ، فأخذوه إلى دورهم فقتلوه فقال أبو الأسود :

ــــــــــــ

 ( ١ ) ديوان الأعشى : ١٠٤ .

 ( ٢ ) للعنزي كما ذكر ابن منظور في لسان العرب ١٤ : ٨٦ .

 ( ٣ ) لسان العرب ١١ : ١١٧ .

 ( ٤ ) لسان العرب ١١ : ١١٨ و هو لبشر .

٢٣٢

و آليت لا أسعى إلى ربّ لقحة

أساومها حتى يؤوب المثلّم

« و شهودا لا يحضرون » عن النابغة :

حسب الخليلين انّ الأرض بينهما

هذا عليها و هذا تحتها بالي١

و للبحتري :

هجود لم يسلّ بهم حفيّ

و لم تقلب لضجعتهم جنوب٢

و لمطيع بن اياس في صاحبه يحيى بن زياد :

و ارى عينيّ مذ غاب يحيى

بدّلت من نومها بالسّهاد

و سّدته الكفّ منّي ترابا

و لقد أرثى له من وساد

بين جيران أقاموا صموتا

لا يحيرون جواب المنادي٣

« و إنّما كانوا جميعا فتشتتوا و الاّفا فاقترقوا » في ( معارف القتيبي ) : قال أبو صالح صاحب التفسير : ما رأينا بني آدم قطّ أبعد قبورا من بني العباس لأمّ الفضل مات الفضل بالشّام و عبد اللّه بالطائف و عبيد اللّه بالمدينة و قثم بسمرقند و معبد بأفريقيّة٤ ، و قال الخوئي : قال الشاعر :

و كنّا باجتماع كالثّريّا

ففرّقنا الزمان بنات نعش٥

« و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلّهم عميت أخبارهم » كما يتفّق للأحياء تعمى أخبارهم ، إمّا عن طول عهدهم و امّا عن بعد محلّهم ، قا متمّم بن نويرة في أخيه مالك :

و كنّا كندماني جذيمة حقبة

من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا

ــــــــــــ

 ( ١ ) ديوان النابغة الذبياني : ٢٠٦ .

 ( ٢ ) ديوان البحتري و هو يرثي غلامه قيصر ٢ : ٨٠ .

 ( ٣ ) الأغاني ١٣ : ٢٩٨ .

 ( ٤ ) المعارف لابن قتيبة : ١٢٢ .

 ( ٥ ) الخوئي ١٤ : ٢١٩ .

٢٣٣

فلمّا تفرّقنا كأنّي و مالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا١

« و صمّت ديارهم » صمم الديار مجاز ، كعمي الأخبار ، في ( إرشاد المفيد ) :

لمّا مات الحسن بن الحسن ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين عليه السلام على قبره فسطاطا و كانت تقوم الليل و تصوم النهار ، فلمّا كان رأس السنّة قالت لمواليها : إذا أظلم الليل قوّضوا هذا الفسطاط ، فلمّا أظلم الليل سمعت قائلا يقول : هل وجدوا ما فقدوا ؟ فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا٢ .

« و لكنّهم سقوا كأسا » قيل لا تسمّى الكأس كأسا إلاّ و فيها الشراب ، و قال الشاعر :

من لم يمت عبطة يمت هرما

للموت كأس و المرء ذائقها٣

و قالوا بالفارسية :

رهائى نيست كس را

از اين جام و از اين مى

« بدّلتهم بالنّطق خرسا » و لنعم ما قيل بالفارسيّة :

در اين قفس كه بصحراش داده ره صيّاد

خموشى است چرا طوطى شكر خارا

و قال البحتري :

ضجيع مسنّدين بكفر توثي

خفوت مثل ما خفت الشروب٤

« و بالسّمع صمما و بالحركات سكونا » في المروج : تكلّم ثلاثون فيلسوفا في موت الإسكندر . إلى أن قال : و قال أحدهم : ربّ حريص على سكوتك إذ لا تسكت ، و هو اليوم حريص على كلامك إذ لا تتكلّم ، و قال آخر : انّ الذي كانت

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ١٥ : ٣٠٨ .

 ( ٢ ) الإرشاد للمفيد ٢ : ٢٢ .

 ( ٣ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ٤٩٠ و الشاعر هو امية بن أبي الصلت .

 ( ٤ ) ديوان البحتري ٢ : ٨٠ يمدح غلامه قيصر .

٢٣٤

الآذان تنصت له قد سكت ، فليتكلّم الآن كلّ ساكت ، و قال آخر : هذا الذي دار كثيرا و الآن يقرّ طويلا١ ، و في ( عيون القتيبي ) : كان مالك بن دينار يخرج كلّ خميس إلى القبور و يقول :

ألا حيّ القبور و من بهنّه

وجوه في القبور أحبّهنّه

فلو انّ القبور سمعن صوتي

اذا لأجبنني من وجدهنّه

و لكن القبور صمتن عنّي

فأبت بحسرة من عندهنّه٢

« فكأنّهم في ارتجال الصفة » ارتجال الشي‏ء : إبتداؤه من غير تهيئة .

« صرعى سبات » صرعى جمع صريع : المطروح على الأرض ، و السبات ( بالضمّ ) : النوم أو خفيّه ، أو ابتداؤه في الرأس حتى يبلغ القلب ، قال ابن أبي الحديد : قال الرضي في هذا المعنى :

مغف و ليس للذّة اغفاؤه

مغض و ليس لفكرة إغضاؤه٣

« جيران لا يتآنسون و أحبّاء لا يتزاورون » في ( فصول ابن الصبّاغ المالكي ) عن جابر الأنصاري قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فلمّا هممت ان أقوم قال : أنا معك فلبس نعليه و ألقى ازاره على منكبيه ، و خرجنا فذهب بنا إلى الجبّانة ، فسلّم على أهل القبور ، فسمعت ضجّة و هجّة و هدّة فقلت : ما هذا يا أمير المؤمنين فقال : هؤلاء بالأمس كانوا معنا و اليوم فارقونا ، إن تسأل عن أحوالهم فهم اخوان لا يتزاورون و أودّاء لا يتعاودون ثم خلع نعليه و حسر عن ذراعيه ، و قال : يا جابر اعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية ، و من حياتكم لموتكم ، و من صحتكم لسقمكم ، و من غناكم لفقركم ، اليوم أنتم في

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٣٢٠ .

 ( ٢ ) ابن قتيبة ، عيون الأخبار ٢ : ٣٠٤ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥٠ .

٢٣٥

الدّور ، و غدا في القبور ، ثم أنشأ يقول :

سلام على أهل القبور الدوارس

كأنّهم لم يجلسوا في المجالس

و لم يشربوا من بارد الماء شربة

و لم يأكلوا ما بين رطب و يابس

الا فاخبروني أين قبر ذليلكم

و قبر العزيز الباذخ المتنافس١

و لبعضهم :

فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى دير هند كيف خطّت مقابره

تري عجبا ممّا قضى اللّه فيهم

رهائن حتف أوجبته مقادره

بيوت ترى أقفالها فوق أهلها

و مجمع زور لا يكلّم زائره٢

« بليت بينهم عرى التعارف » « بليت » بالكسر : صارت بالية ، و العرى : جمع العروة ، و تعارفوا : عرف بعضهم بعضا .

« و انقطعت منهم أسباب الاخاء » الإخاء مصدر و اخاه ، كالمواخاة ، و في ( الصحاح ) : أكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء و الإخوة في الولادة٣ عن المدائني : لم يكن الحجّاج يظهر بشاشة لندمائه إلاّ يوما دخلت عليه ليلى الأخيلية فقال لها : بلغني انّك مررت بقبر توبة و عدلت عنه ، فو اللّه ما وفيت له ،

و لو كان هو بمكانك ما عدل عنك ، قالت : أصلح اللّه الأمير كان معي نسوة سمعن قوله فيّ :

و لو انّ ليلى الأخيلية سلّمت

عليّ و دوني جندل و صفائح

لسلّمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

فكرهت أن أكذّبه ، فاستحسن قولها و قضى حوائجها ، و لم تر منه

ــــــــــــ

 ( ١ ) ابن الصباغ ، الفصول المهمة : ١٢٠ ١٢١ .

 ( ٢ ) لم نعثر على قائله .

 ( ٣ ) الصحاح : ( و خى ) و يقول انها لغة ضعيفة في آخاه .

٢٣٦

بشاشة مثل ذلك اليوم١ .

« فكلّهم وحيد و هم جميع » قال ابن أبي الحديد : قال الرّضيّ :

ضربوا بمدرجة الفناء قبابهم

من غير اطناب و لا أوتاد

ركب أناخوا لا يرجّى منهم

قصد لاتهام و لا انجاد

كرهوا النزول فأنزلتهم رفعة

للدّهر نازلة بكلّ مفاد

فتهافتوا عن رحل كلّ مذلل

و تطاوحوا عن سرج كلّ جواد

بادون في صور الجميع و انّهم

متفردون تفرّد الاحاد٢

« و بجانب الهجر و هم أخلاّء » قال الشاعر :

هم جيرة الأحياء إمّا جوارهم

فدان و إمّا الملتقى فبعيد٣

هذا و في ( معارف القتيبي ) في عنوان المتهاجرين : سعد كان مهاجرا لعمّار حتى هلكا ، و عايشة كانت مهاجرة لحفصة حتى ماتتا ، و عثمان كان مهاجرا لعبد الرحمن حتّى ماتا ، و طاووس كان مهاجرا لوهب بن منبه حتّى ماتا ، و سعد بن المسيّب كان مهاجرا لأبيه حتى ماتا ، و جرى بين الحسن و ابن سيرين شي‏ء فمات الحسن و لم يشهد ابن سيرين جنازته ، و كان الثوري يتعلّم من ابن أبي ليلى فمات و لم يشهد الثوري جنازته٤ .

« لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء » قال ابن أبي الحديد : قال الشاعر :

لابد من يوم بلا ليلة

أو ليلة تأتي بلا يوم٥

هذا و في ( مقاتل أبي الفرج ) : ( حبس المنصور عبد اللّه بن الحسن المثنّى

ــــــــــــ

 ( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٤٠ .

 ( ٢ ) ابن أبي الحديد ١١ : ١٥٠ كذلك ديوان الرضي ١ : ٣٨٢ ٣٨٣ .

 ( ٣ ) العقد الفريد ٤ : ٢٢٦ .

 ( ٤ ) المعارف لابن قتيبة : ٥٥ .

 ( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥٦ .

٢٣٧

و اخوته بحبس ستين ليلة ، ما يدرون بالليل و لا بالنهار ، و لا يعرفون وقت الصلاة إلاّ بتسبيح علي بن الحسن المثنّى قال موسى بن عبد اللّه : حبسنا في المطبق فما كنّا نعرف أوقات الصلاة إلاّ باجزاء يقرؤها علي بن الحسن١ .

« أيّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا » ظعنوا أي : ساروا و الجديدين :

اللّيل و النّهار و السّرمد : الدّائم ، و ليس ليومهم غد و لا لعامهم قابل ، قال البحتري :

و للمرء يوم لا محالة ما له

غد وسط عام ماله الدّهر قابل٢

« شاهدوا من أخطار دارهم أفظع ممّا خافوا » و بدالهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون٣ .

« و رأوا من آياتها أعظم ممّا قدّروا » قال ابن أبي الحديد و تبعه الخوئي أي :

رأى المتّقون من آثار الفضل و الرحمة ، و علامات الثواب و الكرامة ، أعظم ممّا كانوا يقدّرونها بحسبانهم٤ كما قال تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون٥ و قال عليه السلام في الخطبة له : « و كلّ شي‏ء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه و كلّ شي‏ء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه )٦ قلت لم يعلم إرادة ما قالا ، لأنّ سياق الكلام في شدائد الآخرة و ليس قبله ذكر مجرم و مؤمن حتى يكون قوله : ( شاهدوا ) للمجرمين و قوله : ( و رأوا ) للمؤمنين فالصّواب : أنّ المراد به كالأول النّاس مطلقا ، و المعنى : أنّهم رأوا من

ــــــــــــ

 ( ١ ) مقاتل الطالبيين لأبو الفرج الأصفهاني : ١٣١ .

 ( ٢ ) ديوان البحتري ٢ : ٥٤ يرثي أبا سعيد .

 ( ٣ ) الزمر : ٤٧ .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ١٥١ ، الخوئي ١٤ : ٢٢٨ ح ٢١٩ .

 ( ٥ ) السجدة : ١٧ .

 ( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ٢٥١ .

٢٣٨

آيات جبروته في دار الآخرة أعظم ممّا قدّروا و فكّروا في دار الدنيا .

« فكلتا الغايتين » أي : النار و الجنّة .

« مدّت لهم إلى مباءة » في ( الصحاح ) : و المباءة : منزل القوم في كلّ موضع١ .

« فأتت مبالغ الخوف و الرّجاء » الجملة وصف لقوله : « مباءة » أي : منزلة كلّ من أهل النّار و الجنّة منزلة لا يبلغها درجات الخوف و الرّجاء ، قال تعالى :

و سيق الذين كفروا إلى جهنّم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربّكم و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى و لكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنّم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبّرين و سيق الذّين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا حتّى إذا جاءوها و فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين و قالوا الحمد للّه الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين٢ .

« فلو كانوا ينطقون بها » أي : بتلك « المباءة » .

« لعيوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا » و العيّ خلاف البيان و يجوز في ( عيو ) التخفيف و التشديد و كيف لا يعيون عن صفة ما شاهدوا من عذاب لا تقوم له السماوات و الأرض و ثواب لا رأت عين مثله و لا سمعت اذن و لا خطر على قلب .

« و لئن عميت آثارهم و انقطعت أخبارهم و لقد رجعت فيهم أبصار العبر و سمعت عنهم آذان العقول » في ( الأغاني ) : قال ابن الكلبي : خرج النعمان بن

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : مادة ( باء ) .

 ( ٢ ) الزمر : ٧١ ٧٤ .

٢٣٩

المنذر إلى الصيد و معه عديّ بن زيد فمرّ بشجرة فقال له عديّ : أيّها الملك ،

أتدري ما تقول هذه الشجرة ؟ قال : لا قال : تقول :

ربّ ركب قد أناخوا عندنا

يشربون الخمر بالماء الزلال

عصف الدّهر بهم فانقرضوا

و كذاك الدهر حال بعد حال

ثم جاوزا الشجرة فمرّا بمقبرة فقال له عديّ : أيّها الملك ، أتدري ما تقول هذه المقبرة قال : لا قال : تقول :

أيها الرّكب المخبّون

على الأرض المجدّون

فكما أنتم كنّا

و كما نحن تكونون

فقال : إنّ الشجرة و المقبرة لا تتكلّمان ، و قد علمت انّك انّما أردت عظتي ،

فما السبيل التي تدرك بها النجاة ؟ قال : تدع عبادة الأوثان و تعبد اللّه و تدين بدين المسيح ، فتنصّر يومئذ١ ، و في ( عيون القتيبي ) : قال مالك بن دينار :

أتيت القبور فناديتهنّ

أين المعظّم و المحتقر ؟

و أين المدلّ بسلطانه

و أين المزكّى إذا ما افتخر ؟

فنوديت من بينها و لا أرى أحدا

تفانوا جميعا فما مخبر

و ماتوا جميعا و مات الخبر

تروح و تغدو بنات الثرى

و تمحى محاسن تلك الصور

فيا سائلي عن اناس مضوا

أما لك في ما مضى معتبر٢

« و تكلّموا من غير جهات النطق » في ( العيون ) : قال الحارثي في ميّت :

أتيناه زوّارا فأنجدنا قرى

من البثّ و الدّاء الدّخيل المخامر

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٢ : ٩٦ .

 ( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٠٣ و ٣٠٢ .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608