بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 608

  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50143 / تحميل: 7688
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

« باب هذه الدار » و مرّ أنّ في رواية سبط ابن الجوزي : ( و فيه يشرع بابها و تجتمع أسبابها ) .

و في الخبر ما معناه : أنّ إبليس جاء إلى عيسى عليه السلام و قد اضطجع و وضع تحت رأسه لبنة ، فقال له ما تريد منّي ؟ و ليس لي شي‏ء من متاع الدّنيا ،

فقال له : ما دام لك علاقة بهذه اللّبنة يكون لي فيك مطمع ، فأخذ عيسى عليه السلام اللّبنة و رمى بها .

« اشترى هذا المغتر بالأمل من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عزّ القناعة و الدخول في ذلّ الطلب و الضّراعة ، أي : الذّلة و المسكنة ، وصف عليه السلام المتبايعين و المبيع بأوصافها المتقدّمة ، و زاد هنا ذكر الثمن بقوله : « بالخروج من عزّ القناعة و الدّخول في ذلّ الطلب و الضّراعة » .

قالوا : باع رجل أرضا من رجل بدراهم و قال له : دفعتها إليك بطيئة الإجابة عظيمة المؤنة ، فقال له المشتري : دفعتها إليك بطيئة الاجتماع سريعة التفرّق .

« فما أدرك هذا المشتري في ما اشترى منه » هكذا في ( المصرية )١ و كلمة « منه » زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٢ .

« من درك » ، بفتحتين و الأصل فيه قطعة حبل تشدّ في طرف الرّشاء إلى عرقوة الدّلو ليكون هو الذي يلي الماء فلا يعفن الرّشاء ، ثم استعير لضمان إنسان للمشتري ما يلحقه في المبيع من العيب أو كونه مستحقا لغير البايع ،

و في المبايعات الرياسيّة كالمبايعات المعامليّة الدّرك أيضا غالب .

بايع هارون للأمين و المأمون و المؤتمن ، فأراد الأمين خلع المأمون

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية المصححة بلا لفظ « منه » : ٥٢٠ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٤ : ٢٨ و الخطية : ٢٣ كما ذكر ، اما ابن ميثم فكالمصرية ٤ : ٣٤٣ .

٣٠١

فتحاربا ، فقتله المأمون ، و خلع المأمون المؤتمن أيضا ، و بايع المتوكّل للمنتصر و المعتز و المؤيّد ثمّ أراد خلع المنتصر فقتله المنتصر غيلة ، و قتل المعتزّ المؤيّد أيضا .

« فعلى مبلبل أجسام الملوك » أي : من يتتبّعها فلا يدع منها شيئا من ( تبلبلت الإبل الكلاء ) ، في ( بيان الجاحظ ) : قال الحسن البصري : قدم علينا بشر بن مروان أخو الخليفة أي عبد الملك و أمير المصرين أي الكوفة و البصرة و أشبّ النّاس فأقام عندنا أربعين يوما ثمّ طعن في قدمه فمات فأخرجناه إلى قبره فلّما صرنا إلى الجبّانة فإذا نحن بأربعة سودان يحملون صاحبهم إلى قبره ، فوضعنا السّرير فصلّينا عليه و وضعوا صاحبهم فصلّوا ،

عليه ثمّ حملنا بشرا إلى قبره ، و حملوا صاحبهم إلى قبره ، و دفنّا بشرا و دفنوا صاحبهم ، ثم انصرفوا و انصرفنا ، ثمّ التفتّ فلم أعرف قبر بشر من قبر الحبشيّ فلم أر شيئا قطّ كان أعجب منه١ و بشر هذا هو الذي يقول فيه الشاعر :

بشر استوى على العراق

بغير سيف و دم مهراق

« و سالب نفوس الجبابرة » في ( الطبري ) : قال الأصمعي : أوّل من نعى المنصور بالبصرة خلف الأحمر ، كنّا في حلقة يونس فمرّ بنا خلف ، فقال : قد طرقت ببكرها أمّ طبق ، قال يونس : و ماذا ؟ قال :

تنتجوها خير أضخم العنق

موت الإمام فلقة من الفلق٢

« و مزيل ملك الفراعنة » في ( الصحاح ) : فرعون ، لقب الوليد بن مصعب ملك

ــــــــــــ

 ( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٣ : ١٤٧ .

 ( ٢ ) تاريخ الامم للطبري ٦ : ٣٥١ .

٣٠٢

مصر ، و كلّ عات فرعون١ .

« مثل كسرى » لقب ملوك فارس في ( الصحاح ) : كسرى جمع بأكاسرة على غير قياس لأنّ قياسه كسرون ( بفتح الرّاء ) مثل عيسون و موسون ( بفتح السين )٢ .

« و قيصر » لقب ملوك الروم ، و في ( تنبيه المسعودي ) معنى قيصر شقّ عنه ، ذكروا أنّ امّه ماتت و هي مقرب به ، فشقّ عنه بطنها و استخرج ، و صار ذلك كالسّمة لكثير من ملوكهم فسمّتهم العرب بالقياصرة٣ .

« و تبّع » اسم لملوك اليمن .

و في ( تنبيه المسعودي ) : قال حسّان أو النّعمان بن بشير :

لنا من بني قحطان سبعون تبّعا

أقرّت لها بالخرج منها الأعاجم

قيل للملك منهم تبّع ، تشبيها بالظّلّ الذي يتفيأ به ، و التّبع في أصل اللّغة :

الظّل ، إذ كانت الملوك السعداء ظلالا لرعيّتهم ، و كهفا لهم ، و استشهادهم بقول ليلى أو سعدى الجهنيّة :

يرد المياه حضيرة و نفيضة

ورد القطاة إذا اسمأل التّبّع٤

يعني ارتفع الظلّ .

« و حمير » ( بالكسر فالسّكون فالفتح ) في ( الصحاح ) : هو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، و منهم كانت الملوك في الدّهر الأول٥ .

« و من جمع المال على المال فأكثر » قال تعالى في قارون : و آتيناه من

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح : ( فرعن ) .

 ( ٢ ) الصحاح : ( كسر ) .

 ( ٣ ) التنبيه و الاشراف للمسعودي : ٣٤٢ .

 ( ٤ ) التنبيه و الاشراف للمسعودي : ١٥٧ .

 ( ٥ ) الصحاح : ( حمر ) .

٣٠٣

الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة إذ قال له قومه لا تفرح انّ اللّه لا يحبّ الفرحين و ابتغ فيما آتاك اللّه الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدّنيا و أحسن كما أحسن اللّه إليك و لا تبغ الفساد في الأرض انّ اللّه لا يحبّ المفسدين قال إنّما اوتيته على علم عندي أو لم يعلم أنّ اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّة و أكثر جمعا و لا يسئل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم و قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خير لمن آمن و عمل صالحا و لا يلقّاها إلاّ الصابرون فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اللّه و ما كان من المنتصرين و أصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون و يكأنّ اللّه يبسط الرّزق لمن يشاء و يقدر لو لا أن منّ اللّه علينا لخسف بنا و يكأنّه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين١ .

« و شيّد » أي : طوّل ، و قال الكسائي : المشيد للواحد ، من قوله تعالى :

و قصر مشيد٢ ، ( و المشيّد ) للجمع من قوله تعالى : في بروج مشيّدة .٣ .

قلت : و هو كما ترى ، فإنّ الجمعيّة في الثاني من قبل التاء لا التضعيف .

« و زخرف » في ( الصحاح ) : الزّخرف : الذهب ، ثمّ يشبّه به كلّ مموّه و مزوّر .

ــــــــــــ

 ( ١ ) القصص : ٧٦ ٨٣ .

 ( ٢ ) الصحاح : ( شيّد ) و الآية ٤٥ من سورة الحج .

 ( ٣ ) النساء : ٧٨ .

٣٠٤

« و نجد » أي : زيّن١ .

« و ادّخر » افتعال من ذخرت الشي‏ء .

« و اعتقد » يمكن أن يكون من ( اعتقد الضّيعة ) أي : اقتناها ، و يمكن أن يكون بمعنى : عقد المال الّذي ادّخره عقدا استحكاما ، قال تعالى : الذي جمع مالا و عدّده يحسب أنّ ماله أخلده٢ .

و في ( بيان الجاحظ ) : قال صالح المرّي : دخلت دار المورياني أبي أيوب بعد نكبة المنصور له ، فاستفتحت ثلاث آيات من كتاب اللّه تعالى في داره فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلاّ قليلا .٣ و لقد تركناها آية فهل من مدّكر٤ فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا .٥ فخرج إليّ أسود من ناحية الدّار فقال : يا فلان ، هذا سخط المخلوق فكيف سخطة الخالق٦ .

« و نظر بزعمه للولد » لئلاّ يحتاج بعده .

في ( تاريخ بغداد ) : قال محمّد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة : لمّا ولدت دخل أبي على امّي فقال لها : إنّ المنجّمين قد أخذوا مولد هذا الصبّيّ و حسبوه ،

فاذا هو يعيش كذا و كذا ، و قد حسبتها أيّاما و قد عزمت أن أعدّ له لكلّ يوم دينارا مدّة عمره ، فإنّ ذلك يكفي الرّجل المتوسّط له و لعياله ، فأعدي له حبّا فأعدّته و تركه في الأرض و ملأه بالدّنانير ، ثمّ قال لها اعدّي له حبّا آخر اجعل فيه مثل هذا يكون له استظهارا ، ففعلت و ملأه ثم استدعى حبّا آخر و ملأه بمثل

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصحاح ( زخرف ) .

 ( ٢ ) الهمزة : ٢ ٣ .

 ( ٣ ) القصص : ٥٨ .

 ( ٤ ) القمر : ١٥ .

 ( ٥ ) النمل : ٥٢ .

 ( ٦ ) البيان للجاحظ ٣ : ١٤٩ .

٣٠٥

ما ملأ كلّ واحد من الحبيّن و دفن الجميع ، قال ابن شيبة و ما نفعني ذلك مع حوادث الزّمان فقد احتجت إلى ما ترون قال ابن السقطي : رأيناه يجيئنا بلا إزار نقرأ عليه الحديث و نبرّه بالشي‏ء بعد الشي‏ء : توفي سنة ( ٣٣١ )١ .

و في السّير : قال المنصور لعمرو بن عبيد عظني ، قال : رأيت عمر بن عبد العزيز و قد مات ، فخلّف أحد عشر ابنا و بلغت تركته سبعة عشر دينارا كفّن منها بخمسة دنانير ، و اشترى موضع قبره بدينارين ، و أصاب كلّ واحد من ولده أقلّ من دينار ، و مات هشام و أصاب كلّ واحد من ولده ألف ألف دينار و رأيت رجلا من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل اللّه و رأيت رجلا من ولد هشام يسأل الناس ليتصدّقوا عليه٢ .

« إشخاصهم » أي : إذهابهم .

« إلى موقف العرض و الحساب » قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله : إنّك ميّت و إنّهم ميّتون ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون٣ .

« و موضع الثّواب و العقاب » قال الجوهري : الثواب : جزاء الطاعة٤ و العقاب : العقوبة .

« إذا وقع الأمر بفصل القضاء » و مرّ في رواية ( التذكرة )٥ : « و سيقع الأمر بفصل القضاء و تقتص للجماء من القرناء و قضي بينهم بالقسط

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١ : ٣٧٤ ٣٧٥ .

 ( ٢ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ : ١٦٤ ١٦٥ .

 ( ٣ ) الزمر : ٣٠ ٣١ .

 ( ٤ ) الصحاح : ( ثوب ) .

 ( ٥ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٨٨ .

٣٠٦

و هم لا يظلمون١ .

« و خسر هنالك المبطلون » الأصل فيه و في ما قبله قوله تعالى : فإذا جاء أمر اللّه قضى بالحقّ و خسر هنالك المبطلون٢ .

« شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى و سلم من علائق الدّنيا » فما دام العقل أسير سلطان الهوى لا أثر لحكمه ، و لنعم ما قيل بالفارسيّة :

حديث عقل در ايّام پادشاهى عشق

چنان شده است كه فرمان حاكم معزول

و عن السري السّقطي : رأيت على حجر مكتوبا داؤك هواك فإن غلبت هواك فداؤك دواك و عن بعض الحكماء : المؤمن يخاف على عقله الآفات من الغضب ، و الهوى ، و الشهوة ، و الحرص ، و الكبر ، و الغفلة ، و ذلك أنّ العقل إذا كان هو الغالب ، القاهر ، ملك هذه الأخلاق الرديّة و إذا غلب على العقل واحدة من هذه الأخلاق أورثته المهالك و عدم من اللّه حسن المعرفة .

و من كلامه عليه السلام في هذا العنوان : أخذ جمع منهم سعدون الذي ذكره في ( عقلاء مجانين النيسابوري ) ففيه : قال سعدون للمتوكّل : كأنّي بك و قد أتاك فظّ غليظ فجذبك عن سرير بهائك ، و أخرجك عن مقاصير علائك ، فلم يستأذن عليك حاجبا و لا قهرمانا ، حتّى أخرجك إلى ضيق اللّحد و فراق الأهل و الولد٣ .

و فيه أيضا : أنّه قال للمتوكّل : في الجنّة مرج من ورق الآس ، في وسط المرج قصر من درر إلى أن قال : لها حدود أربعة ، الحدّ الأوّل : ينتهي إلى ناحية الوجلين ، و الحدّ الثاني : ينتهي إلى نعيم المشتاقين ، و الحدّ الثالث : ينتهي إلى

ــــــــــــ

 ( ١ ) يونس : ٥٤ .

 ( ٢ ) المؤمنون : ٧٨ .

 ( ٣ ) عقلاء المجانين للنيسابوري : ١٦ .

٣٠٧

طريق المريدين ، و الحدّ الرابع : ينتهي إلى غرف مملوّة بتحف و صنايع و وصائف و رفارف و إلى خيام و خدّام و إلى ميدان يطوف في ساحتها الولدان١ .

و منهم بهلول الذي ذكره فيه أيضا ، ففيه : قال عبّاس البهلول : نظر بهلول إليّ و أنا أبني دارا لبعض أبناء الدنيا فقال : لمن بنيت له : إسمع إلى صفة دار كوّنها العزيز ، أساسها المسك ، و بلاطها العنبر ، اشتراها عميد قد أزعج للرّحيل ، كتب على نفسه كتابا ، و أشهد على ضمائره شهودا : هذا ما اشترى العبد الجافي من الرّبّ الوافي ، اشترى منه هذه الدار بالخروج من ذلّ الطمع إلى عزّ الورع ، فما أدرك المستحقّ في ما اشتراه من درك ، فعلى المولى خلاص ذلك و تضمينه ، شهد على ذلك العقل ، و هو الأمين على الخواطر ، و ذلك في إدبار الدّنيا و إقبال الآخرة أحد حدودها ينتهي إلى ميادين الصفا ، و الحدّ الثاني : ينتهي إلى ترك الجفا ، و الحدّ الثالث : ينتهي إلى لزوم الوفا ، و الحدّ الرابع :

ينتهي إلى سكون الرّضا في جوار من على العرش استوى ، لها شارع ينتهي إلى دارا السلام ، و خيام قد ملئت بالخدّام٢ .

و كتابه عليه السلام كتاب بيع للمعاملة الدنيوية ، و في القرآن كتاب شراء للمعاملة الآخروية ، و هو قوله جلّ و علا : إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقّا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم٣ و لقد عامل هو و أهل بيته عليهم السلام مع

ــــــــــــ

 ( ١ ) المصدر نفسه : ٦٧ .

 ( ٢ ) نفس المصدر : ٧٢ .

 ( ٣ ) التوبة : ١١١ .

٣٠٨

اللّه تعالى هذه المعاملة بنحو الأتمّ و الأكمل ، ففازوا فوزا عظيما و لا سيّما ابنه الحسين عليه السلام .

١٢

الحكمة ( ١٩ ) و قال عليه السلام :

مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ العثرة : الزلّة يقال : ( عثر به فسقط ) شبّه عليه السلام من يستغرق في لذّاته بمن ركب فرسا و أغرق في جريه بتخلية عنانه ، فيعثر به ، فيسقطه و يهلكه .

و المصداق الكامل لكلامه عليه السلام ظاهرا و باطنا ، يزيد بن معاوية و في ( أنساب البلاذري ) : يزيد كان أوّل من أظهر شرب الشّراب ، و الاستهتار بالغناء و الصيد ، و اتّخاذ القيان و الغلمان ، و التفكّه بما يضحك منه المترفون ، من القرود و المعاقرة بالكلاب و الدّيكة ثمّ جرى على يده قتل الحسين عليه السلام و قتل أهل الحرّة و رمي البيت و إحراقه١ و فيه : كان ينادم على الشراب سرجون مولى معاوية٢ .

قلت : و هو الّذي أشار عليه بتولية عبيد اللّه بن زياد على الكوفة لقتل الحسين عليه السلام ، و ينادم على الشرب مسلم بن عمرو الباهلي أبا قتيبة أيضا و يغنيّه مسلم أيضا .

قلت : و هو الذي أرسله يزيد إلى عبيد اللّه بعهده على الكوفة و جاء معه من البصرة إلى الكوفة ، و قال لمسلم بن عقيل لمّا استسقى لا تسقى إلاّ من الحميم .

و فيه : كان ليزيد قرد يجعله بين يديه و يكنّيه ، و يقول : هذا شيخ من بني

ــــــــــــ

 ( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ١ مطبعة المثنى ، بغداد .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٤ : ٢ .

٣٠٩

إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ .

قلت : استهزاء بالقرآن في حكمه بمسخ قوم من بني إسرائيل باعتدائهم .

قال : و كان يسقيه النبيذ و يضحك ممّا يصنع و كان يحمله على اتان وحشيّة و يرسلها مع الخيل فيسبقها ، فحمله عليه يوما و جعل يقول :

تمسّك أبا قيس بفضل عنانها

فليس عليها إن هلكت ضمان

فقد سبقت خيل الجماعة كلّها

و خيل أمير المؤمنين أتان

قال : و ذكر لي شيخ من أهل الشام أنّ سبب وفاة يزيد أنّه حمل قردة على الاتان و هو سكران ثم ركض خلفها فسقط ، فاندقّت عنقه أو انقطع في جوفه شي‏ء١ .

و روى عن ابن عياش قال : خرج يزيد يتصيّد بحوارين ، و هو سكران ،

فركب و بين يديه أتان وحشيّة قد حمل عليها قردا و جعل يركض الأتان و يقول :

أبا خلف احتل لنفسك حيلة

فليس عليها ان هلكت ضمان

فسقط فاندقّت عنقه٢ .

و فيه : قال ابن عرادة السعدي في موت يزيد :

طرقت منيّته و عند وساده

كوب و زقّ راعف مرثوم

و مرنّة تبكي على نشوانه

بالصّنج تقعد ساعة و تقوم٣

و فيه : كان يزيد همّ بإتيان اليمن فقال رجل من تنوخ :

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا

فحنّ إلى أرض القرود يزيد

ــــــــــــ

 ( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ٢ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه .

 ( ٣ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ٦١ .

٣١٠

فتبّا لمن أمسى علينا خليفة

صحابته الأدنون منه قرود١

١٣

الحكمة ( ٧٤ ) و قال عليه السلام :

نَفَسُ اَلْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِ أقول : الخطى : جمع خطوة ( بالضّمّ ) أي : مسافة ما بين القدمين في المشي .

قال ابن أبي الحديد بعد نقل العنوان : لا أدري الكلمة له عليه السلام أو لابن المعتزّ أخذها منه ، فإنّه قال : « النّاس وفد البلاء ، و سكان الثرى ، و أنفاس الحيّ خطاه إلى أجله ، و أمله خادع له عن عمله ، و الدّنيا أكذب واعديه ، و النفس أقرب أعاديه ، و الموت ناظر إليه ، و منتظر فيه أمرا يمضيه٢ .

قلت : قول ابن أبي الحديد له عليه السلام أو لابن المعتزّ أخذها منه عليه السلام ، بلا محصّل ، لأنّ الثاني في معنى الأوّل ، و إنّما كان له محصّل لو كان قال : هل أخذ الكلمة منه عليه السلام ابن المعتزّ أو قالها بتوارد الخواطر ؟

و كيف كان ، فأغلب كلمات من تأخّر عنه عليه السلام تلفيق من كلامه عليه السلام و قد اعترف بذلك عبد الحميد ، كاتب مروان بن محمّد آخر خلفاء بني اميّة ، ففي ( وزراء الجهشياري ) : قيل لعبد الحميد : ما الذي مكّنك من البلاغة و خرّجك فيها ؟ فقال : حفظ كلام الأصلع ، يعني أمير المؤمنين عليه السلام٣ .

و مرّ في أوّل الكتاب نسبة غير واحدة من خطبه عليه السلام إلى غيره من

ــــــــــــ

 ( ١ ) أنساب الأشراف للبلاذري ٤ : ٢ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢١ .

 ( ٣ ) الكتّاب و الوزراء للجهشياري : ٨٢ .

٣١١

الخلفاء و الخوارج ، لأنّهم خطبوا بها من غير نسبة إليه عليه السلام .

و مرّ في أوّل العنوان ( ١١ ) من هذا الفصل : أن فضيل بن عياض أتى بما أوهم انّ ذاك العنوان كلامه ، حتّى إنّ ( الحلية ) نسبه إليه١ .

و مرّ أيضا : انّ سعدون و بهلولا أخذا من جملة ذاك العنوان قدرا٢ .

و نعود إلى ذكر ما يناسب العنوان فنقول :

و في ( الكافي ) عنه عليه السلام : ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال : أنا يوم جديد ، و عليك شهيد ، فقل فيّ خيرا ، و اعمل فيّ خيرا أشهد لك به يوم القيامة ،

فإنّك لن تراني بعده أبدا٣ .

و قال بعضهم : ساكن الدّنيا راحل و أنفاسه رواحل و أيّامه مراحل٤ .

و قال أبو هلال :

في كلّ مجرى نفس تكرّره

تهدم من عمرك ما لا تعمّره

١٤

الحكمة ( ٢٩ ) و قال عليه السلام :

إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ وَ اَلْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ اَلْمُلْتَقَى في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب و الشّهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون٥ تعدّ السّنون ثمّ تعدّ الشهور ثم تعدّ الأيام ثم تعدّ الساعات ثمّ تعدّ

ــــــــــــ

 ( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٨ : ١٠١ .

 ( ٢ ) عقلاء المجانين للنيسابوري : ٦٧ ، ٧٢ .

 ( ٣ ) الكافي ٢ : ٥٢٣ ح ٨ .

 ( ٤ ) الطرائف للثعالبي : ١٠ .

 ( ٥ ) الجمعة : ٨ .

٣١٢

النّفس فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون١ .

و مثال لما قاله عليه السلام السيّارات العصريّة إذا كانتا متواجهتين فقد يكون بعدهما بحيث لا ترى احداهما من الاخرى إلاّ شبحا فلا تمضي إلاّ انات يسيرة تلتقيان .

١٥

الحكمة ( ٢٠٣ ) و قال عليه السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي إِنْ قُلْتُمْ سَمِعَ وَ إِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ وَ بَادِرُوا اَلْمَوْتَ اَلَّذِي إِنْ هَرَبْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ وَ إِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ وَ إِنْ نَسِيتُمُوهُ ذَكَرَكُمْ أقول : رواه المبرد في ( كامله ) عنه عليه السلام٢ .

« أيّها الناس اتّقوا اللّه الذي إن قلتم سمع و إن أضمرتم علم » يستخفون من النّاس و لا يستخفون من اللّه و هو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول و كان اللّه بما يعملون محيطا٣ إلاّ إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه الا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون و ما يعلنون إنّه عليم بذات الصدور٤ .

و بادروا الموت الذي إن هربتم منه أدرككم ، قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون٥ و يكفي التدبّر في هذه الآية صدرها و ذيلها ، لمن أراد التذكّر .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأعراف : ٣٤ ، و الرواية نقلها الكليني في الكافي ٣ : ٢٦٢ ح ٤٤ .

 ( ٢ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ٢٢٣ .

 ( ٣ ) النساء : ١٠٨ .

 ( ٤ ) هود : ٥ .

 ( ٥ ) الجمعة : ٨ .

٣١٣

« و إن أقمتم أخذكم » أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة .١ .

« و إن نسيتموه ذكركم » قل يتوفّاكم ملك الموت الذي و كلّ بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون٢ .

و روى ( نوادر جنائز الكافي ) عن أسباط بن سالم ، قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يعلم ملك الموت نفس من يقبض ؟ قال إنّما هي صكاك تنزل من السماء ، اقبض نفس فلان بن فلان٣ .

و روى عنه عليه السلام قال : ما أهل بيت شعر و لا وبر إلاّ و ملك الموت يتصفّحهم كلّ يوم خمس مرّات٤ .

هذا و في ( حمقاء ابن الجوزي ) : مات لرجل قريبه و لم يخرج في جنازته ،

فقيل له في ذلك ، فقال : ويحكم أأكون منسيّا فأذكّر نفسي ؟ يعني إنّ ملك الموت نسيني فإذا خرجت في الجنازة يراني ، فيتذكّرني ، فيقبض روحي ، و لا أفعل هذا أبدا٥ .

١٦

الحكمة ( ٧٥ ) و قال عليه السلام :

كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَ كُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ أقول : « كلّ معدود منقض » ، « منقض » منفعل من ( انقضى ) لا مفعل من

ــــــــــــ

 ( ١ ) النساء : ٧٨ .

 ( ٢ ) السجدة : ١١ .

 ( ٣ ) الكافي ٣ : ٢٥٥ ح ٢١ .

 ( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٥٦ ح ٢٢ .

 ( ٥ ) أخبار الحمقى لابن الجوزي ، ذكر ما يشابهه : ١٩١ .

٣١٤

( أنقض ) فإنّه لا مناسبة له ، فيقال : انقض الحمل ظهره أي : أثقله حتّى صوّته .

قال ابن أبي الحديد : « كلامه عليه السلام يؤكّد مذهب جمهور المتكلّمين في أنّ العالم كلّه لابدّ أن ينقضي ، لكن قالوا : إنّما علمنا انّ العالم يفنى من طريق السّمع لا العقل فيجب أن يحمل كلامه عليه السلام على أنّ العدد ليس علّة في وجوب الإنقضاء ،

كما يشعر به ظاهر لفظه ، و هو الذي تسمّيه أصحاب أصول الفقه ايماء ، و إنّما مراده كلّ معدود فاعلموا ، أنّه فان و منقض فقد حكم على كلّ معدود بالإنقضاء حكما مجرّدا عن العلّية ، نحو لو قيل : زيد قائم ، ليس يعني أنّه قائم لأنّه يسمّى زيدا »١ .

قلت : ما طوّله نفخ في غير ضرام ، فإنّ مراده عليه السلام أنّ سني عيش الإنسان و شهوره ، و أيّامه ، و ساعاته ، و آناته و أنفاسه في الدنيا معدودة محصورة ،

فلا بدّ أن تنقضي ، فهو نظير قوله تعالى : إنّما نعدّ لهم عدّا٢ ، ورد في تفسيره أنّ الآباء و الامّهات يعدّون سنيّه و هو تعالى يعدّ أنفاسه ، و مرّ في العنوان السابق خبر تفسير قوله تعالى : قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم .٣ .

« و كلّ متوقّع آت » قال ابن أبي الحديد : « يماثل قوله عليه السلام قول العامّة في أمثالها ( لو انتظرت القيامة لقامت ) و القول في نفسه حقّ ، لأنّ العقلاء لا يتوقّعون ما يستحيل وقوعه ، و انّما ينتظرون ما يمكن وقوعه و ما لابدّ من وقوعه ، فقد صحّ أنّ كلّ منتظر فسيأتي »٤ .

قلت : تطويله هنا أيضا بلا طائل فإن المراد بالمتوقّع الموت ، و الموت

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٢ .

 ( ٢ ) مريم : ٨٤ .

 ( ٣ ) الجمعة : ٨ .

 ( ٤ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٢ .

٣١٥

حتم آت و انما أتى عليه السلام بلفظة ( كلّ ) لأنّ المتوقع كلّ حتميّ لا يعلم ساعة وقوعه ، لا ما يمكن وقوعه ، فإنّه لا يجب وقوعه كالمطر في الشتاء و بالجملة :

كلامه عليه السلام استدلال بالعلّة و المعلول ، حتّى يلتزم بالقبول ، و هو جعله ككلام عامّي مرذول .

١٧

الحكمة ( ١٥ ) وَ قِيلَ لَهُ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ ع :

كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِهِ وَ يَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ وَ يُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ أقول : قوله عليه السلام : « كيف يكون حال من يفنى ببقائه » في ( صناعتي أبي هلال ) : قيل لبعض الأوائل : ما كان سبب موت أخيك ، قال : كونه فأحسن ما شاء١ و قال الشاعر :

ما حال من آفته بقاؤه

نغّص عيشي كلّه فناؤه٢

و قال ابن الرومي :

لعمرك ما الدّنيا بدار إقامة

إذا زال عن نفس البصير غطاؤها

و كيف بقاء العيش فيها و انّما

ينال بأسباب الفناء بقاؤها٣

و قال محمّد بن عليّ يعني الباقر عليه السلام « مالك من عيشك إلاّ لذّة تزدلف بك إلى حمامك ، و تقرّبك من يومك ، فأيّة أكلة ليس معها غصص ، و شربة ليس معها شرق ، فتأمّل أمرك فكأنّك قد صرت الحبيب المفقود أو الخيال المخترم٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الصناعتين لابن هلال العسكري : ٤٨ .

 ( ٢ ) ابن أبي الحديد ٣ : ٣٤٠ .

 ( ٣ ) الصناعتين للعسكري : ٤٩ .

 ( ٤ ) الأمالي للمفيد : ١٠ ، و البحار للمجلسي ٧٨ : ٤٥٠ ح ١٤ .

٣١٦

و قلت :

و المرء ينسى و المنايا تذكره

يميته بقاؤه فيقبره

« و يسقم بصحّته » قال المصنّف في ( مجازاته النبويّة ) في شرح قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « كفى بالسّلامة داء » هذا القول مجاز ، لأنّ السلامة على الحقيقة ليست بداء في نفسها ، و إنّما المراد الهرم و عوادي السّقم ، فحسن من هذا الوجه أن تسمّى داء إذ كانت موقعة فيه ، و مؤدّية إليه ، و قد أكثرت الشّعراء نظم هذا المعنى في أشعارهم إلاّ أنّ كلمة النبي صلّى اللّه عليه و آله أبهى من جميع ما قالوه ، و أبعد منزعا ، و أوجز في تمام ، و أكثر مع قلّة كلام ، فممّا جاء في هذا المعنى قول حميد بن ثور :

أرى بصري قد رابني بعد صحّة

و حسبك داء أن تصحّ و تسلما١

و قول لبيد بن ربيعة :

و دعوت ربّي بالسّلامة جاهدا

ليصحّني فإذا السّلامة داء٢

و قول النمر بن تولب :

يودّ الفتى طول السّلامة و الغنى

فكيف يرى طول السّلامة يفعل٣

و أني لأستحسن كثيرا الأبيات التي من جملتها هذا البيت و هي :

تغيّر منّي كلّ شي‏ء و رابني

مع الدّهر ابدالي التي أتبدّل

فضول أراها في أديمي بعدما

يكون كفاف الجسم أو هو أجمل

كأنّ مخيطا في يدي حارثيّة

صناع علت منّي به الجلد منعل

يردّ الفتى بعد اعتدال و صحّة

ينوء إذا رام القيام و يحمل

ــــــــــــ

 ( ١ ) نهاية الأرب للنووي ٣ : ٦٥ .

 ( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ٧ .

 ( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٦٧ .

٣١٧

تدارك ما قبل الشّباب و بعده

حوادث أيّام تمرّ و أغفل١

يود الفتى . .

و قال أبو العتاهية :

اسرع في نقص امرئ تمامه٢

« و يؤتى من مأمنه » أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيّدة .٣ .

١٨

الحكمة ( ١٢٢ ) و تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال عليه السلام :

كَأَنَّ اَلْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ وَ كَأَنَّ اَلْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ وَ كَأَنَّ اَلَّذِي نَرَى مِنَ اَلْأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ وَ نَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ ثُمَّ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَ وَاعِظَةٍ وَ رُمِينَا بِكُلِّ جَائِحَةٍ أقول : رواه ( تفسير القمي ) مرفوعا عنه عليه السلام٤ « قول المصنّف » .

« و تبع عليه السلام جنازة فسمع رجلا يضحك » عن الصادق عليه السلام : ( كم ممّن كثر ضحكه لاغيا ، يكثر يوم القيامة بكاؤه ، و كم ممّن كثر بكاؤه على ذنبه خائفا ، يكثر يوم القيامة في الجنّة ضحكه و سروره )٥ .

« كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، و كأن الحقّ فيها على غيرنا وجب » في

ــــــــــــ

 ( ١ ) المجازات النبوية للرضي : ٤٣١ .

 ( ٢ ) المجازات النبوية للرضي : ٤٣١ .

 ( ٣ ) النساء : ٧٨ .

 ( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٢٤٤ .

 ( ٥ ) وسائل الشيعة للعاملي ٨ : ٤٨ .

٣١٨

( الحموي ) : كان الحسن بن علي ، الملقّب بالقاضي المهذّب ، الذي اختصّ بالصّالح بن رزيك وزير المصريّين قرظه عنده القاضي عبد العزيز بن الحباب فلّما مات عبد العزيز شمت به الحسن ، و لبس في جنازته ثيابا مذهّبة فنقص بهذا السبب و استقبحوا فعله و لم يعش بعد الجليس إلاّ شهرا واحدا١ .

هذا ، و في ( الأغاني ) : انّ حمادة بنت عيسى بن علي توفيّت ، و حضر المنصور جنازتها ، فلمّا وقف على حفرتها ، قال لأبي دلامة : ما أعددت لهذه الحفرة ؟ قال : بنت عمّك حمادة بنت عيسى يجاء بها الساعة فتدفن فيها ،

فضحك المنصور حتّى غلب ، فستر وجهه ، و في ( عيون القتيبي ) : مات رجل من جند أهل الشام فحضر الحجّاج جنازته لكونه عظيم القدر و كان يلقّب سعنة فصلّى الحجاج عليه و قال لينزل قبره بعض اخوانه فنزل نفر منهم ،

فقال أحدهم و هو يسوّي عليه رحمّك اللّه أبا فلان إن كان ما علمتك لتجيد الغناء ، و تسرع ربّ الكأس ، و لقد وقعت موقع سوء لا تخرج منه إلى الدّكة ، فما تمالك الحجّاج أن ضحك فأكثر و كان لا يكثر الضّحك في جدّ و لا هزل ثمّ قال له : لا أمّ لك أهذا موضع هذا ؟ قال : أصلح اللّه الأمير فرسي حبيس لو سمعه يتغنّى : « يا لبينى أوقدي النارا » لا نتشر الأمير على سعنة و كان من أوحش خلق اللّه صورة فقال الحجّاج : إنّا للّه ، أخرجوه من القبر ثمّ قال : ما أبين حجّة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشام و لم يبق أحد حضر القبر إلاّ استفرغ ضحكا .

و حدّثني بعض السّادة : أن امرأة من العرّيفين توفيّت ، فحضر العرّيفون تشييعها فقالوا لذاكر : من زوج هذه المرأة حتى نسلّيه بعد الفراغ من دفنها ، فقال : ما أعرف لها زوجا معيّنا ، فما تمالكوا أنفسهم من الضّحك حتّى

ــــــــــــ

 ( ١ ) معجم الادباء للحموي ٩ : ٤٨ .

٣١٩

اضطروا إلى الرجوع قبل الفراغ١ .

« و كأنّ الذي نرى من الأموات سفر » ( بالفتح فالسكون ) جمع سفر من ( سفر ) : خرج إلى السّفر .

« عمّا قليل إلينا راجعون » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : عجب لقوم حبس أوّلهم عن آخرهم ثمّ نودي فيهم بالرّحيل و هم يلعبون٢ .

« نبوّؤهم أجداثهم » و في رواية القمّي : « ننزّلهم أجداثهم » و الأجداث : جمع الجدث ، و هو القبر٣ .

« و نأكل تراثهم » التراث : الميراث ، و أصله الوراث ، و زاد ( ابن أبي الحديد٤ و ابن ميثم٥ ) بعده « كأنّا مخلّدون بعدهم » و كذلك في المستند من خبر القمي فلا بدّ من سقوطه في ( المصرية٦ الأولى ) ، ثم هكذا في ( المصرية ) و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد )٧ و ( ابن ميثم )٨ و ( الخطية )٩ .

« قد نسينا كلّ واعظ و واعظة » هكذا في ( المصرية )١٠ و في نسخة ( ابن أبي الحديد )١١ و الظاهر الأصل في « واعظ » و « واعظة » أحدهما و الآخر كان نسخة

ــــــــــــ

 ( ١ ) الأغاني ٢ : ٢٦٢ .

 ( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٥٨ ح ٢٩ .

 ( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٧٠ .

 ( ٤ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١١ .

 ( ٥ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ ( ١١٣ ) .

 ( ٦ ) المصرية المصححة : ٦٨٥ .

 ( ٧ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١١ .

 ( ٨ ) ابن ميثم ٥ : ٣٠٦ .

 ( ٩ ) النسخة الخطية : ٣١٩ .

 ( ١٠ ) المصرية المصححة : ٦٨٥ .

 ( ١١ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣١١ .

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

كآبة ، ثمّ قال : و اللّه لقد رأيت إثرا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فما أرى أحدا يشبههم ، و اللّه إن كانوا ليصبحوا شعثا غبرا صفرا ، بين أعينهم مثل ركب المغزى ، قد باتوا يتلون كتاب اللّه ، يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، إذا ذكروا اللّه مادوا كما يميد الشجر في يوم ريح ، و انهملت أعينهم حتّى تبلّ ثيابهم ،

و كأنّهم و اللّه باتوا غافلين . يريد أنّهم يستقلّون ذلك ١ .

و قال الثاني : و من كلامه عليه السّلام في ذكر خيار الصحابة و زهّادهم ما رواه صعصعة بن صوحان العبدي قال : صلّى بنا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم صلاة الصبح ، فلمّا سلّم أقبل على القبلة بوجهه يذكر اللّه لا يلتفت يمينا و لا شمالا ، حتّى صارت الشمس على حائط مسجدكم هذا يعني جامع الكوفة قيد رمح ، ثمّ أقبل علينا بوجهه عليه السّلام فقال : لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنّهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم و ركبهم ، فإذا أصبحوا أصبحوا شعثا غبرا ، بين أعينهم شبه ركب المعزى ، فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجر في الريح ، ثمّ انهملت عيونهم حتّى تبلّ ثيابهم.

ثمّ نهض عليه السّلام و هو يقول : كأنّما القوم باتوا غافلين ٢ .

و روى الثالث صحيحا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السّلام قال :

صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام بالناس الصبح بالعراق ، فلمّا انصرف و عظهم فبكى و أبكاهم من خوف اللّه تعالى ، ثمّ قال : أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنّهم ليصبحون و يمسون شعثاء غبراء خمصاء ، بين أعينهم كركب المعزي ، يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ، يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، يناجون ربّهم و يسألونه فكاك رقابهم من النار ، و اللّه لقد رأيتهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٠١ .

( ٢ ) الارشاد للمفيد : ١٢٦ .

٤٠١

و هم مع ذلك و هم جميع مشفقون منه خائفون ١ .

و رواه ( الكافي ) عنه أيضا ، و رواه عن علي بن الحسين عليه السّلام أيضا عنه عليه السّلام ، و في خبره : و اللّه لقد أدركت أقواما يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ،

يخالفون بين جباههم و ركبهم ، كأنّ زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر ، كأنّما القوم باتوا غافلين . قال : ثمّ قال : فما رئي ضاحكا حتّى قبض ٢ .

« لقد رأيت أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله » الأصل في كلام المصنّف رواية ابن قتيبة المتقدمة ، و قد عرفت أنّها بلفظ « رأيت إثرا من أصحابه » أي : خلّصا ، و هو الصحيح . فلم يكن جميع أصحابه كذلك بل إثر منهم ، و قد عرفت أنّ روايتي الشيخين بدلتاه بلفظ « لقد عهدت أقواما على عهد خليلي » ٣ و لو كانت رواية المصنّف صحيحة ، فالمراد أصحابه الخاصّون الملازمون له ليلا و نهارا المتخلقون بأخلاقه ، لا ما اصطلح عليه أصحاب الكتب الصحابية .

و قوله عليه السّلام « لقد رأيت » أو « عهدت » دالّ على عدم بقائهم في وقت إخباره ، و كان من أراده عليه السّلام مات جمع منهم في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله كحمزة ،

و جعفر ، و زيد بن حارثة ، و عبد اللّه بن رواحة ، و عثمان بن مظعون ، و سعد بن معاذ و غيرهم ، و بقي منهم جمع ماتوا بعده صلى اللّه عليه و آله في أيّام الثلاثة ، و في أوائل أيّامه كسلمان و أبي ذر ، و المقداد ، و عمّار ، و حذيفة ، و ذي الشهادتين ، و ابن التيهان ، و نظرائهم .

و قد وصفوا في القرآن في قوله عزّ و جلّ : محمّد رسول اللّه و الّذين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي أبي علي الطوسي ١ : ١٠٠ المجلس ٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٣٥ ، ٢٣٦ الحديث ٢١ ، ٢٢ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ١٢٦ ، و أمالي أبي علي الطوسي ١ : ١٠٠ المجلس ٤ .

٤٠٢

معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعا سجّدا يبتغون فضلا من اللّه و رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار وعد اللّه الّذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما ١ .

« فما أرى أحدا منكم يشبههم » هكذا في ( المصرية ) و ليست كلمة ( منكم ) في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٣ : « فما أرى أحدا يشبههم منكم » .

« لقد كانوا يصبحون شعثا » أي : متغيري الشعور و منتشريها .

« غبرا » بالضم فالسكون ، جمع أغبر .

« و قد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( قد ) بدون ( واو ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ .

« باتوا سجّدا و قياما » فيكون ليلهم بين السجود و القيام ، و الأصل فيه قوله تعالى : و عباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . و الّذين يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ٥ .

« يراوحون بين جباههم و خدودهم » بمعنى أنّه إذا كلّت جباههم من طول سجودهم ، و ضعوا خدودهم لتحصل راحة للجباه ، و بالعكس ، و كانوا يتأسّون في ذلك بصاحبهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فقد كان يتعب نفسه في عبادة ربّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفتح : ٢٩ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٤ « منكم يشبههم » أيضا .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٦ .

( ٤ ) توجد ( الواو ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٦ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٤ .

( ٥ ) الفرقان : ٦٣ ٦٤ .

٤٠٣

حتّى خاطبه عزّ و جلّ بقوله : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ١ فكان يقوم في صلاته حتّى و رمت قدماه .

هذا ، و قد عرفت أنّ في رواية ( عيون القتيبي ) : « يراوحون بين أقدامهم و جباههم » ٢ و هو الأنسب بقوله عليه السّلام : « سجّدا و قياما » تبعا للآية ٣ .

« و يقفون على مثل الجمر » من النار .

« من ذكر معادهم » قال تعالى في وصفهم : و الّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراما . إنّها ساءت مستقرّا و مقاما ٤ .

و في ( الطبري ) : لمّا ودّع عبد اللّه بن رواحة و هو الثالث من أمراء مؤتة الناس بكى ، فقالوا له : ما يبكيك يابن رواحة ؟ فقال : أما و اللّه ما بي حبّ الدّنيا و لا صبابة بكم ، و لكنّي سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقرأ آية من كتاب اللّه تعالى يذكر فيها النار و إن منكم إلاّ واردها كان على ربك حتما مقضيّا ٥ فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود . فقال المسلمون : صحبكم اللّه و دفع عنكم ، و ردّكم إلينا صالحين . فقال عبد اللّه بن رواحة :

لكنّني أسأل الرحمن مغفرة

و ضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حرّان مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا

٦ « كأنّ بين أعينهم ركب » جمع ركبة .

« المعزى » في ( الصحاح ) : المعز من الغنم خلاف الضأن ، و هو اسم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ١ ٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٠١ .

( ٣ ) الفرقان : ٦٤ .

( ٤ ) الفرقان : ٦٥ ٦٦ .

( ٥ ) مريم : ٧١ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣١٩ سنة ٨ .

٤٠٤

جنس ، و كذلك المعز ، و المعيز و الأمعوز و المعزى ١ .

« من طول سجودهم » . . . سيماهم في وجوههم من أثر السجود . . . ٢ .

« إذا ذكر اللّه هملت » أي : فاضت .

« أعينهم حتّى تبلّ » أي : تصير رطبا .

« جيوبهم » قال الجوهري : الجيب للقميص ٣ .

« و مادوا » أي : تحرّكوا .

« كما يميد الشجر يوم الريح العاصف » إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم . . . ٤ .

« خوفا من العقاب و رجاء للثواب » و عقابه ما لا تقوم له السماوات و الأرض ، و ثوابه ما لا عين رأت و لا أذن سمعت .

و رووا في قصّة غزوة ذي قرد عن سلمة بن الأكوع قال : أخذت عنان فرس الأخرم ، و قلت له : احذر لا يقتطعوك حتّى تلحق بنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال : يا سلم إنّ كنت تؤمن باللّه و اليوم الآخر ، و تعلم أنّ الجنّة حقّ و النّار حقّ فلا تخل بيني و بين الشهادة . فخلّيته فالتقى هو و عبد الرحمن بن عيينة فعقر الأخرم فرسه ، و طعنه عبد الرحمن فقتله ٥ .

هذا ، و روى ( أسد الغابة ) عن أبي مدينة الدارمي ، قال : كان الرجلان من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا التقيا لم يتفرّقا حتّى يقرأ أحدهما على الآخر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٩٣ مادة ( معز ) .

( ٢ ) الفتح : ٢٩ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ١٠٤ مادة ( جيب ) .

( ٤ ) الأنفال : ٢ .

( ٥ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ٦٠ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٢٥٦ سنة ٦ و النقل بتلخيص .

٤٠٥

و العصر . إنّ الإنسان لفي خسر ١ إلى آخرها ، ثمّ يسلّم أحدهما على الآخر ٢ .

و رووا أنّ أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله كانوا يتهيؤون لآداب يوم الجمعة من يوم الخميس ٣ .

و روى ( قرب الإسناد ) : أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صاحب رجلا ذميّا ، فقال له الذّمّي : أين تريد يا عبد اللّه ؟ قال : أريد الكوفة . فلمّا عدل الطريق بالذمي عدل معه عليّ عليه السّلام ، فقال الذمّي له : ألست تريد الكوفة ؟ قال عليه السّلام : بلى . فقال له الذمّي :

فقد تركت الطريق . فقال له : قد علمت . فقال له : فلم عدلت معي ، و قد علمت ذلك ؟

فقال له عليّ عليه السّلام : هذا من تمام حسن الصحبة ، أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه ، هكذا أمرنا نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلم . فقال له : هكذا قال ؟ قال : نعم . فقال له الذمّي :

لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، و أنا أشهدك أنّي على دينك . فرجع الذمي مع عليّ عليه السّلام ، فلمّا عرفه أسلم ٤ .

٣٦

الحكمة ( ٩٦ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْمَلَهُمْ بِمَا جَاءُوا ثُمَّ تَلاَ ع إِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ ؟ بِإِبْراهِيمَ ؟ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا ؟ اَلنَّبِيُّ ؟ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا ٣ : ٦٨ ثُمَّ قَالَ ع إِنَّ وَلِيَّ ؟ مُحَمَّدٍ ؟ مَنْ أَطَاعَ اَللَّهَ وَ إِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ وَ إِنَّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) العصر : ١ ٢ .

( ٢ ) أسد الغابة لابن الأثير ٣ : ١٤٤ .

( ٣ ) احياء علوم الدين للغزالي ١ : ١٦١ .

( ٤ ) قرب الإسناد للحميري : ٧ ، و الكافي للكليني ٢ : ٦٧٠ ح ٥ .

( ٥ ) آل عمران : ٦٨ .

٤٠٦

عَدُوَّ ؟ مُحَمَّدٍ ؟ مَنْ عَصَى اَللَّهَ وَ إِنْ قَرُبَتْ لُحْمَتُهُ « إنّ أولى الناس بالأنبياء أعملهم » قال ابن أبي الحديد الرواية « أعلمهم » ،

و الصحيح ( أعملهم ) لأن استدلاله بالآية يقتضي ، و كذا قوله عليه السّلام فيما بعد ١ .

و قال ابن ميثم : ( أعلمهم ) صحيح لأنّ العمل موقوف على العلم ٢ .

قلت : العلم شرط للعمل لا سبب له ، و إنّما يطلق السبب على المسبّب لتلازمهما ، لا الشرط على المشروط ، لا سيما مع كثرة تخلّف العمل عن العلم ،

و كون العلماء غير العاملين أكثر من العلماء العاملين ، و هو عليه السّلام في مقام بيان الأهمية لنفس العمل ، فالصحيح ( أعملهم ) و حيث إنّ الفرق بينه و بين ( أعملهم ) في الخطّ قليل وقع التصحيف من المصنّف أو غيره قبله أو بعده .

« بما جاؤوا » من الشرائع .

« ثمّ تلا » شاهدا لكلامه قوله تعالى :

إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه و هذا النبيّ . . . » لأنّه صلى اللّه عليه و آله كان أتبع الناس لإبراهيم . قال تعالى : ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفا . . . ٣ .

و في ( طبقات كاتب الواقدي ) : قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب :

احتفظ به ( يعنون محمّدا صلى اللّه عليه و آله ) فإنّا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه .

فقال عبد المطلب لأبي طالب : اسمع ما يقول هؤلاء . فكان أبو طالب يحتفظ به ٤ .

« و الّذين آمنوا » إيمانا حقيقيّا ، و الآية في سورة آل عمران .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٨٣ .

( ٢ ) هذا مفهوم كلام ابن ميثم في شرحه ٥ : ٢٨٩ لا صريح قوله .

( ٣ ) النحل : ١٢٣ .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٧٤ .

٤٠٧

« ثمّ قال إنّ وليّ محمّد صلى اللّه عليه و آله من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته ، و إنّ عدوّ محمّد صلى اللّه عليه و آله من عصى اللّه ، و إن قربت لحمته » لحمة بالضم : القرابة ، قال ابن أبي الحديد في الحديث الصحيح : يا فاطمة بنت محمّد إنّي لا أغني عنك من اللّه شيئا ١ . و قال رجل لجعفر بن محمّد عليه السّلام : أرأيت قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار ، أليس هذا أمانا لكلّ فاطميّ في الدّنيا ؟ فقال : إنّك لأحمق إنّما أراد حسنا و حسينا لأنّهما من الخمسة أهل البيت ، فأمّا من عداهما فمن قعد به عمله لم ينهض به نسبه ٢ .

قلت : و روى ( عيون ابن بابويه ) عن ياسر ، و الوشا ، و ابن الجهم : أنّ الرضا عليه السّلام قال لأخيه زيد بن موسى المعروف بزيد النار : أغرّك قول سفلة أهل الكوفة « إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار » ذلك للحسن و الحسين خاصّة ، إن كنت ترى أنّك تعصي اللّه عزّ و جلّ و تدخل الجنّة ، و موسى بن جعفر أطاع اللّه و دخل الجنّة ، فأنت إذن أكرم على اللّه عزّ و جلّ من موسى بن جعفر ، و اللّه ما ينال أحد ما عند اللّه عزّ و جلّ إلاّ بطاعته ، و زعمت أنّك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت . فقال له زيد : أنا أخوك ، و ابن أبيك . فقال له :

أنت أخي ما أطعت اللّه عزّ و جلّ ، إنّ نوحا قال : . . . ربّ إنّ ابني من أهلي و إنّ وعدك الحقّ و أنت أحكم الحاكمين ٣ فقال عزّ و جلّ له : . . . يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح . . . ٤ فأخرجه اللّه عزّ و جلّ من أن يكون أهله بمعصية و زاد في ( رواية الوشا ) : إنّه عليه السّلام التفت إلى الوشا ، و قال له : و أنت إذا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحيح مسلم ١ : ١٦٢ ح ٣٥١ ، ٣٥٢ و سنن النسائي ٦ : ٢٥٠ و غيرهما .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٨٣ ، و أخرج هذا المعنى الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٣٤ ح ١ عن الرضا عليه السّلام و أخرج معناه بطرق ثلاثة الصدوق في معاني الأخبار : ١٠٦ ، ١٠٧ ح ٢ ٤ عن الصادق عليه السّلام .

( ٣ ) هود : ٤٥ .

( ٤ ) هود : ٤٦ .

٤٠٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

أطعت اللّه تعالى فأنت منّا أهل البيت و زاد في ( رواية ابن الجهم ) : و قال عليه السّلام له :

يابن الجهم من خالف دين اللّه فابرأ منه كائنا من كان ، من أيّ قبيلة كان ، و من عادى اللّه فلا تواله كائنا من كان ، و من أيّ قبيلة كان . فقلت : يابن رسول اللّه ،

و من الّذي يعادي اللّه ؟ قال : من يعصيه ١ .

و عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لبني عبد المطلّب ، و بني هاشم : إنّي رسول اللّه إليكم ، و إنّي شفيق عليكم و إنّ لي عملي ، و لكلّ رجل منكم عمله ، لا تقولوا : إنّ محمّدا منّا ، و سندخل مدخله ، فلا و اللّه ما أوليائي منكم و لا من غيركم يا بني عبد المطلب إلاّ المتّقون ، إلاّ فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدّنيا على ظهوركم ، و يأتون الناس يحملون الآخرة ، ألا إنّي قد أعذرت إليكم فيما بيني و بينكم ، و فيما بيني و بين اللّه عزّ و جلّ فيكم ٢ .

و قال : يا بني عبد المطّلب إيتوني بأعمالكم لا بأحسابكم و أنسابكم ، قال عزّ و جلّ : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون ٣ .

و عن الرضا عليه السّلام : قال عليّ بن الحسين عليه السّلام : لمحسننا كفلان من الأجر ،

و لمسيئنا ضعفان من العذاب ٤ .

و عن الكاظم عليه السّلام : أنّ إسماعيل قال لأبيه الصادق عليه السّلام : ما تقول في المذنب منّا و من غيرنا ؟ فقال عليه السّلام : ليس بأمانيكم و لا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به . . . ٥ .

و عن موسى الرّازي : قال رجل للرضا عليه السّلام : و اللّه ما على وجه الأرض

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج الأحاديث الثلاثة الصدوق في عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٤ ، ٢٣٦ ح ١ ، ٤ ، ٦ و النقل بتصرف .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ١٨٢ ح ٢٠٥ ، و صفات الشيعة للصدوق : ٥ ح ٨ .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٧ ح ٧ ، و الآية ١٠١ من سورة ( المؤمنون ) .

( ٤ ) روى هذا المعنى الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٣٥٤ عن السجاد عليه السّلام و زيد بن علي .

( ٥ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٦ ح ٥ ، و الآية ١٢٣ من سورة النساء .

٤٠٩

أشرف منك أبا ؟ فقال : التقوى شرّفتهم ، و طاعة اللّه أحظّتهم . فقال له آخر : أنت و اللّه خير الناس . فقال له : لا تحلف يا هذا ، خير منّي من كان أتقى للّه و أطوع له ،

و اللّه ما نسخت هذه الآية . . . و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم ١ . . . ٢ .

قلت : صدق عليه السّلام إن كان وجد أحد أتقى منه كان خيرا منه لكن لم يوجد ،

و عن الرضا عليه السّلام : إنّا أهل بيت وجب حقّنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فمن أخذ برسول اللّه حقّا ، و لم يعط الناس من نفسه مثله فلا حقّ له ٣ .

و عنه عليه السّلام و أومأ إلى عبد أسود من غلمانه : إن كان يرى أنّه خير من هذا بقرابتي من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلاّ أن يكون لي عمل صالح ، فأكون أفضل به منه ٤ .

و عن الباقر عليه السّلام : يكتفي من اتخذ التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت ، فو اللّه ما شيعتنا إلاّ من اتّقى اللّه و أطاعه ، و ما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع و التخشع ،

و أداء الأمانة ، و كثرة ذكر اللّه و الصوم و الصلاة ، و البرّ بالوالدين ، و التعهد للجيران من الفقراء ، و أهل المسكنة و الغارمين و الأيتام ، و صدق الحديث ،

و تلاوة القرآن ، و كفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير ، و كانوا أمناء عشائرهم في الأشياء . فقال له جابر الجعفي : يابن رسول اللّه ما نعرف أحدا بهذه الصفة .

فقال : يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب ، حسب الرجل أن يقول : أحبّ عليّا و أتولاّه « ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالا » فلو قال : إنّي أحبّ رسول اللّه ، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خير من عليّ عليه السّلام ثمّ لا يتّبع سيرته ، و لا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئا ، فاتّقوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ١٣ .

( ٢ ) أخرجهما الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٣٨ ح ٩ ، ١٠ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٨ ح ١١ .

٤١٠

اللّه و اعملوا لما عند اللّه ، ليس بين اللّه و بين أحد قرابة ، أحبّ العباد إلى اللّه تعالى ،

و أكرمهم عليه أتقاهم له و أعملهم بطاعته ، يا جابر و اللّه ما يتقرّب العبد إلى اللّه تعالى إلاّ بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ، و لا على اللّه لأحد من حجّة . من كان للّه مطيعا فهو لنا وليّ ، و من كان للّه عاصيا فهو لنا عدوّ ، و لا تنال و لا يتنا إلاّ بالعمل و الورع ١ .

و حيث يقول تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم : قل إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم ٢ ، و لو تقوّل علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثمّ لقطعنا منه الوتين ٣ كيف يتوقع النجاة بانتساب إليه صلى اللّه عليه و آله بلا عمل ، و مع سوء عمل ؟

بل قوله تعالى لنساء النبيّ صلى اللّه عليه و آله : . . . من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللّه يسيرا ٤ يدلّ على أشديّة عذاب المنسوبين إليه عليه السّلام في مخالفتهم ، و به صرّح السجّاد عليه السّلام في الخبر المتقدّم .

و أمّا ما نقلوا على لسان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : « و الطالحون لي » ٥ فأخبار موضوعة ، نظير قول اليهود و النصارى في ما وضعوا لأنفسهم : . . . نحن أبناء اللّه و أحبّاؤه . . . ٦ و قول بني إسرائيل : . . . لن تمسّنا النار إلاّ أيّاما معدودة قل أتّخذتم عند اللّه عهدا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صفات الشيعة للصدوق : ١١ ح ٢٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥ .

( ٣ ) الحاقة : ٤٤ ٤٦ .

( ٤ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٥ ) لم أجده بهذا اللفظ ، نعم جاء هذا المعنى في أمر الشفاعة في أحاديث كثيرة .

( ٦ ) المائدة : ١٨ .

٤١١

على اللّه ما لا تعلمون ١ .

و روى ( الكافي ) صحيحا عن الصادق عليه السّلام قال : خطب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله بمنى فقال : أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته ، و ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله ٢ .

و قال عليه السّلام : و كلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف ٣ .

هذا ، و روى الكشي عن عمر بن يزيد قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : يابن يزيد أنت و اللّه منّا أهل البيت . قلت له : جعلت فداك من آل محمّد ؟ قال : إي و اللّه من أنفسهم . قلت : من أنفسهم ؟ قال : إي و اللّه من أنفسهم يا عمر ، أما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ : إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه و هذا النبيّ و الّذين آمنوا و اللّه وليّ المؤمنين ٤ .

٣٧

من الخطبة ( ٢١٢ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ سَيِّدُ عِبَادِهِ كُلَّمَا نَسَخَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ وَ لاَ ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ أقول : و في خطبة له عليه السّلام المروية في ( إثبات المسعودي ) في آباء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم من آدم إلى مولده صلى اللّه عليه و آله : فلمّا أذنت الّلهم في انتقال محمّد عليه السّلام من صلب آدم ألّفت بينه و بين زوج خلقتها له سكنا ، و وصلت لهما به سببا فنقلته من بينهما إلى شيث إختيارا له بعلمك ، فأيّ بشر كان اختصاصه برسالتك ، ثمّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٨٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٦٩ ح ٥ ، و المحاسن للبرقي : ٢٢١ ح ١٣٠ ١٣١ ، و تفسير العياشي ١ : ٨ ح ١ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٦٩ ح ٣ ، ٤ ، و المحاسن للبرقي : ٢٢٠ ح ١٢٨ ، و تفسير العياشي ١ : ٩ ح ٤ .

( ٤ ) أخرجه الكشي في معرفة الرجال اختياره : ٣٣١ ح ٦٠٥ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٤٤ المجلس ٢ ، و مضمون فلان منّا أهل البيت جاء لجمع ، منهم : سلمان و أبو ذر و عمّار و جابر و غيرهم ، و الآية ٦٨ من سورة آل عمران .

٤١٢

نقلته إلى أنوش فكان خلف أبيه في قبول كرامتك ، و احتمال رسالتك ، ثمّ قدّرت نقل النور إلى قينان و ألحقته في الخطوة بالسابقين ، و في المنحة بالباقين ، ثمّ جعلت مهلائيل رابع أجرامه قدرة تودعها من خلقك من تضرب لهم بسهم النبوّة ، و شرف الأبوة حتّى تناهى تدبيرك إلى اخنوع . . . ثمّ أذنت في إيداعه ساما دون حام ، و يافث ، فضربت لهما بسهم في الذلّة ، و جعلت ما أخرجت بينهما لنسل سام خولا . ثمّ تتابع عليه القابلون من حامل إلى حامل ، و مودع إلى مستودع من عترته في فترات الدهور حتّى قبله تارخ أطهر الأجسام و أشرف الأجرام ، و نقلته منه إلى إبراهيم عليه السّلام فأسعدت بذلك جدّه ، و أعظمت به مجده ، و قدّسته في الأصفياء ، و سمّيته دون رسلك خليلا ، ثمّ خصّصت به إسماعيل دون ولد إبراهيم فأنطقت لسانه بالعربيّة الّتي فضّلتها على سائر اللغات ، فلم تزل تنقله من أب إلى أب حتّى قبله كنانة عن مدركه . . . حتّى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل . . . ١ .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و سيّد عباده » حتّى الأنبياء و المرسلين .

« كلّما نسخ اللّه الخلق فرقتين جعله في خيرهما » يشهد له التاريخ في سلسلة آبائه و تدلّ عليه الخطبة المتقدّمة ، و في ( اعتقادات الصدوق ) : اعتقادنا في آباء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّهم مسلمون من آدم عليه السّلام إلى أبيه عبد اللّه ٢ ، و يجب أن يعتقد أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يخلق خلقا أفضل من محمّد و الأئمّة عليهم السّلام ، و أنّهم أحبّ الخلق إلى اللّه تعالى و أكرمهم ، و أوّلهم إقرارا به لمّا أخذ اللّه ميثاق النبيّين . ثم قال : و نعتقد أنّ اللّه تعالى خلق جميع الخلق له صلى اللّه عليه و آله و لأهل بيته عليهم السّلام ، و أنّه لولاهم لما خلق اللّه سبحانه السماء و الأرض ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإثبات للمسعودي : ١٠٧ .

( ٢ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٥ .

( ٣ ) الاعتقادات للصدوق : ٣٥ .

٤١٣

« لم يسهم فيه عاهر » أي : رجل زان ، و الأصل فيه : من أتي المرأة ليلا للفجور ، ثمّ غلب على المطلق .

« و لا ضرب فيه » بأن يكون دخيلا في نسبه .

« فاجر » أي : فاسق ، و الأصل فيه : الميل عن الصواب ، و قال الراعي النميري :

كانت نجائب منذر و محرّق

أمّاتهن و طرقهن فحيلا

١ هذا ، و في ( البلدان ) في ( كوثى ) : عن عبيدة السلماني سمعت عليّا عليه السّلام يقول : من كان سائلا عن نسبنا فإنّنا نبط من كوثى . و عن ابن الاعرابي : قال رجل لعليّ عليه السّلام : أخبرني عن أصلكم معاشر قريش . فقال : نحن من كوثى .

فقال قوم : أراد عليه السّلام كوثى السواد الّتي ولد بها إبراهيم الخليل عليه السّلام . و قال آخرون أراد كوثى مكّة ، و ذلك أنّ محلّة بني عبد الدار يقال لها : كوثى . فأراد أنّا مكّون من أم القرى مكّة . و قال قوم : أراد عليه السّلام أنّ أبانا إبراهيم عليه السّلام كان من نبط كوثى ، و أنّ نسبنا ينتهي إليه ٢ .

و في ( اعتقادات الصدوق ) : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أخرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح ، من لدن آدم‏عليه السّلام ٣ .

و في ( الطبقات ) عن الكلبي : كتب للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم خمسمائة أمّ ، فما وجدت فيهنّ سفاحا ، و لا شيئا ممّا كان من أمر الجاهلية ٤ .

و في ( المروج ) : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا دفع إلى حليمة ، قال عبد المطلب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١١ : ٥١٦ مادة ( فحل ) .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٤٨٨ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) رواه الصدوق في الاعتقادات : ٤٥ ، و ابن سعد بثلاث طرق في الطبقات ١ ق ١ : ٣١ ، ٣٢ ، و البيهقي في الدلائل عنه منتخب كنز العمال ٤ : ٢٣٣ ، و قد مرّ الحديث في العنوان ٣ من الفصل الخامس .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٣١ .

٤١٤

في رواية :

لا همّ ربّ الراكب المسافر

يحمد قلب بخير طائر

تنح عن طريقه الفواجر

وحيه برصد الطواهر

و احبس كل حلف فاجر

في درج الريح و الأعاصر

١ ثمّ مرمى كلامه عليه السّلام : أنّ باقي الناس أسهم فيهم العاهر أبا ، و ضرب فيهم الفاجر أمّا .

و روى القمي في تفسير قوله تعالى : . . . لا تسألوا عن أشياء إنّ تبد لكم تسؤكم . . . ٢ : أنّ صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت ، فقال لها الثاني ( يعني عمر ) : غطّي قرطك ، فإنّ قرابتك من النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا تنفعك شيئا . فقالت له :

هل رأيت لي قرطا يابن اللخناء . ثمّ دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا تنفعك شيئا . فقالت له :

هل رأيت لي قرطا يابن اللخناء . ثمّ دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخبرته بذلك و بكت ،

فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله فنادي الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، فقال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ؟ لو قد قربت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم ،

لا يسألني اليوم أحد : من أبواه ، إلاّ أخبرته . فقام إليه رجل ، فقال : من أبي ؟ فقال :

أبوك غير الّذي تدعى له ، أبوك فلان بن فلان . فقام آخر ، فقال : من أبي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقال : أبوك الّذي تدعى له . ثمّ قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما بال الّذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه ؟ فقام إليه الثاني ( يعنى عمر ) فقال له : أعوذ باللّه من غضب اللّه و غضب رسوله اعف عنّي . . . ٣ .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) كما في ( الطرائف ) : أنّ صهاك الّتي كان عمر ينسب إليها كانت أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف ، فوقع عليها نضلة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٤ .

( ٢ ) المائدة : ١٠١ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١٨٨ .

٤١٥

هاشم ، ثمّ وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءتا بنفيل جدّ عمر ١ .

و قال الجاحظ في ( مفاخرات قريش ) و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر : بلغ عمر بن الخطاب أنّ أناسا من رواة الأشعار و حملة الآثار يعيبون الناس ، و يثلبونهم في أسلافهم . فقام على المنبر و قال : إيّاكم و ذكر العيوب و البحث عن الأصول ، فلو قلت : لا يخرج اليوم من هذه الأبواب إلاّ من لا وصمة فيه ، لم يخرج منكم أحد . فقام رجل من قريش نكره أن نذكره ، فقال : إذن كنت أنا و أنت يا أمير المؤمنين نخرج . فقال : كذبت ، بل كان يقال لك : يا قين بن قين ،

اقعد . قال ابن أبي الحديد : و الرجل الّذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، كان عمر يبغضه لبغضه أباه خالدا ، و لأنّ المهاجر كان علوي الرأي جدّا ، و كان أخوه عبد الرحمن بخلافه ، شهد المهاجر صفين مع عليّ عليه السّلام و شهدها عبد الرحمن مع معاوية ، و كان المهاجر مع عليّ عليه السّلام في يوم الجمل و فقئت ذاك اليوم عينه ٢ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : روى هذا الخبر المدائني في كتاب ( أمّهات الخلفاء ) و قال : إنّه روي عند جعفر بن محمّد عليه السّلام بالمدينة فقال : لا تلمه يابن أخي ، أشفق أن يخدج بقضيّة نفيل بن عبد العزى ، و صهاك أمة الزبير بن عبد المطّلب ٣ .

قلت : الأصل في ما نقله عن المدائني ما رواه الكليني عن سماعة ، قال تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيليّ ، فقالت له : إنّ هذا العمري قد آذاني ، فقال لها : عديه و أدخليه الدهليز . فأدخلته فشدّ عليه فقتله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطرائف ٢ : ٤٦٩ .

( ٢ ) نقلهما ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٤ شرح الخطبة ٢١٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤١٦

و ألقاه في الطريق . فاجتمع البكريون و العمريون و العثمانيون ، و قالوا : ما لصاحبنا كفو ، لن نقتل به إلاّ جعفر بن محمّد ، و ما قتل صاحبنا غيره . و كان الصادق عليه السّلام قد مضى نحو قبا . قال سماعة : فلقيته بما اجتمع القوم عليه ،

فقال : دعهم . فلما جاء و رأوه و ثبوا عليه ، و قالوا : ما قتل صاحبنا أحد غيرك ،

و ما نقتل به أحدا غيرك . فقال : ليكلّمني منكم جماعة . فاعتزل قوم منهم ، فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد ، فخرجوا و هم يقولون : شيخنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد ، معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا ، و لا يأمر به ، انصرفوا . قال سماعة :

فمضيت معه ، و قلت : جعلت فداك ، ما كان أقرب رضاهم من سخطهم ؟ قال :

نعم دعوتهم . فقلت : امسكوا و إلاّ أخرجت الصحيفة . فقلت : و ما هذه الصحيفة جعلني اللّه فداك ؟ فقال : إنّ أمّ الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب ، فشطر بها نفيل فأحبلها ، فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف ، فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف ، فقالوا : يا أبا عبد اللّه ما تعمل هاهنا ؟ قال : جاريتي شطر بها نفيلكم ، فهرب منها إلى الشام . و خرج الزبير في تجارة له إلى الشام ، فدخل على ملك الدومة ، فقال له : يا أبا عبد اللّه لي إليك حاجة . قال : و ما حاجتك أيها الملك ؟ فقال : رجل من أهلك قد أخذت ولده فأحبّ أن تردّه عليه . قال : ليظهر لي حتّى أعرفه . فلمّا أن كان من الغد دخل الزبير على الملك فلمّا رآه الملك ضحك ،

فقال : ما يضحكك أيّها الملك ؟ قال : ما أظنّ هذا الرجل ولدته عربية ، إنّه لمّا رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط . فقال : أيّها الملك إذا صرت إلى مكّة قضيت حاجتك . فلمّا قدم الزبير تحمّل عليه ببطون قريش كلّها أن يدفع إليه ابنه فأبى ثمّ تحمّل عليه بعبد المطلّب . فقال : ما بيني و بينه عمل ، أما علمتم ما فعل في ابني فلان ، و لكن امضوا أنتم إليه . فقصدوه فكلّموه ، فقال لهم الزبير :

إنّ الشيطان له دولة ، و إنّ ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا ،

٤١٧

و لكن ادخلوه من باب المسجد عليّ على أن أحمي له حديدة ، و أخطّ في وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه ألاّ يتصدّر في مجلس ، و لا يتأمّر على أولادنا ،

و لا يضرب معنا بسهم . ففعلوا و خطّ وجهه بالحديدة ، و كتب عليه الكتاب ،

و ذلك الكتاب عندنا ، فقلت لهم : إن أمسكتم ، و إلاّ أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا . . . ١ .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) : أنّ صعبة بنت الحضرمي أمّ طلحة كانت لها راية بمكّة ، و استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها ، و تزوّجها عبيد اللّه ابن عثمان فجاءت بطلحة لستّة أشهر ، فاختصم أبو سفيان و عبيد اللّه في طلحة ، فجعل أمرهما إلى صعبة ، فألحقته بعبيد اللّه ، فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان ؟ فقالت : يد عبيد اللّه طلقة و يد أبي سفيان كزّة . و ذكر الكلبي شعر حسّان و غيره في ذلك ٢ .

و روى المسعودي في ( مروجه ) عن كتاب النوفلي عن ابن عايشة و غيره في خبر حجّ معاوية و طواف سعد معه : انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه ( يعني سعدا ) معه على سريره . . . فقال سعد : و اللّه إنّي لأحقّ بموضعك منك . فقال معاوية : يأبي عليك ذلك بنو عذرة . و كان سعد في ما يقال لرجل من بني عذرة . قال النوفلي : و في ذلك يقول السيّد بن محمّد الحميري :

أو رهط سعد و سعد كان قد علموا

عن مستقيم صراط اللّه صدّادا

قوم تداعوا زنيما ثمّ سادهم

لولا خمول بني زهر لما سادا

٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٥٨ ح ٣٧٢ .

( ٢ ) رواه من مثالب الكلبي المجلسيّ في متن البحار : ٤٠٩ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٤ ، أولها عن الطبري و آخرها عن كتاب النوفلي .

٤١٨

و تنازع ابن مسعود و سعد في أيّام عثمان ، فقال سعد لابن مسعود :

اسكت يا عبد هذيل . فقال له ابن مسعود : اسكت يا عبد عذرة .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) : أنّه كانت لحمامة بعض جدّات معاوية راية بذي المجاز ، و أنّ معاوية كان لأربعة : لعمّار بن الوليد المخزومي ، و لمسافر بن عمرو ، و لأبي سفيان ، و لرجل سمّاه .

قلت : و الرجل العبّاس كما رواه غيره .

قال : و كانت هند من المغتلمات ، و كان أحبّ الرجال إليها السودان ،

و كانت إذا ولدت أسود قتلته ١ .

و نقل سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) عن ( مثالب الكلبي ) : أنّ الحسين عليه السّلام قال لمروان : يابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز صاحبة الراية بسوق عكاظ . قال : فذكر ابن إسحاق أنّ أمّ مروان اسمها أميّة ،

و كانت من البغايا في الجاهلية ، و كان لها راية مثل راية البيطار تعرف بها ،

و كانت تسمّى أمّ حتل الزرقاء ، و كان مروان لا يعرف له أب ، و إنّما نسب إلى الحكم كما نسب عمرو إلى العاص ٢ .

و كانت النابغة أمّ عمرو بن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكّة ،

فوقع عليها العاص بن وائل في عدّة من قريش منهم أبو لهب ، و أميّة بن خلف ،

و هشام بن المغيرة ، و أبو سفيان بن حرب في طهر واحد .

و روى القمي في ( تفسيره ) : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا أمر بقتل عقبة بن أبي معيط من أسارى بدر ، قال : يا محمّد ألم نقل لا تصبر قريش ؟ أي : لا يقتلون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه المجلسي عن متن البحار : ٥٢٢ ، و رواه أيضا ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٥٧ شرح الخطبة ٣٠ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ٢٠٤ ، ٢٠٨ و النقل بتقطيع .

٤١٩

صبرا . قال : أفأنت من قريش إنّما أنت علج من أهل صفورية ، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له ، لست منها ، قدّمه يا علي فاضرب عنقه ١ .

و رووا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام مرّ بثقيف فتغامزوا به ، فرجع إليهم و قال لهم : يا عبيد أبي رغال إنّما كان أبوكم عبد اللّه فهرب منه فثقفه ، أي : ظفر به ٢ .

و رووا أيضا أنّه عليه السّلام قال على المنبر : لقد هممت أن أضع على ثقيف الجزية لأنّ ثقيفا كان عبدا لصالح نبي اللّه ، و أنّه سرّحه إلى عامل له على الصدقة ، فهرب ٣ .

و لمّا كتب الحجاج إلى المهلّب و ذمّ قبيلة الأزد ، أجابه المهلّب في ذم قبيلته : إنّ شرّا من الأزد لقبيلة تنازعها ثلاث قبائل لم تستقر في واحدة منهنّ .

و في خبر الكلبي النسّابة مع الصادق عليه السّلام ، قال عليه السّلام له : أفتنسب نفسك ؟

قال : أنا فلان ابن فلان ابن فلان . فقال له : قف ليس حيث تذهب ، أتدري من فلان ؟ قال : نعم ابن فلان . قال : لا ، إنّ فلانا ابن الراعي الكردي كان علي جبل آل فلان ، فنزل إلى فلانة فأطعمها شيئا و غشيها ، فولدت فلانا ، و فلان ابن فلان من فلانة ، أتعرف هذه الأسامي ؟ قال : لا و اللّه ، فإن رأيت أن تكفّ . . . ٤ .

و في ( الطبري ) : إنّ مصعب بن الزبير لمّا أخرج خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد الّذي أرسله عبد الملك إلى البصرة في ولاية أخيه ، و كان أهلها أجاروه ، أرسل إلى رؤسائهم ، فأتي بهم ، فأقبل على عبيد اللّه بن أبي بكره ،

فقال : يا ابن مسروح ، إنّما أنت ابن كلبة تعاورها الكلاب ، فجاءت بأحمر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٩ .

( ٢ ) روى هذه المعاني الحاكم في المستدرك ، و البيهقي في السنن عنهما منتخب كنز العمال ٥ : ٢٩٨ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٥٣ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤٨ ح ٦ و النقل بتلخيص .

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608