الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ0%

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 199

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83781 / تحميل: 4903
الحجم الحجم الحجم
الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

الإمام الرضا عليه السلام سيرة و تاريخ

مؤلف:
العربية

عاماً كان ينقله فيها من حبس لحبس)(١) حتى لفظ آخر أنفاسه مسموما وهو في الحبس.

هذه الأحداث المؤسفة حركت سحابة قاتمة من الحزن داخل نفس الإمام الرضاعليه‌السلام . ومما يعظم الخطب أنه كان مغلوبا على أمره ليس له القدرة على الثأر أو الانتقام ممن عكروا صفو حياته، لقد (كتب له أن يعيش مأساة أبيه من بدايتها وحتى نهايتها، دون أن يملك القدرة على التخفيف من حدتها، حيث لاسبيل له إلى ذلك، وربما كان ينتظر المصير نفسه من عصابة الحكم)(٢) . كان يستشعر الخطر المحدق به، فقد كانت السلطة الحاكمة تضرب طوقا حديديا حوله، ترصد ردود فعله على اعتقال أبيه، فوجد أن الطريق الأسلم هو الاحتكام إلى السلم، منصرفا إلى نشر العلم والمعرفة.

المبحث الثالث: نسله الشريف

هناك اختلاف في كتب الأنساب والتراجم في عدد أولاده، وتحديد أسمائهم، ففي (عمدة الطالب) و (تهذيب الأنساب) نجد أن العقب من علي الرضا بن موسى الكاظمعليهما‌السلام في رجل واحد هو أبو جعفر محمد بن علي(٣) ، بينما نجد صاحب (المجدي في أنساب الطالبيين) يحصر عقبه في

__________________

(١) سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني، القسم الثاني: ٣٤٢ - ٣٤٣.

(٢) الإمام الرضاعليه‌السلام / محمد جواد فضل اللّه، تاريخ ودراسة: ١٠.

(٣) اُنظر: عمدة الطالب / ابن عَنَبَة، وتهذيب الأنساب / العبيدي: ١٤٨.

٤١

ثلاثة، هم: موسى ومحمد وفاطمة - ويضيف: أما محمد هو أبو جعفر الثاني إمام الشيعة الاثني عشرية، لقبه التقيعليه‌السلام مات أبوه وله أربع سنين(١) . وفي كتاب (لباب الأنساب) أن للرضا ولدا اسمه علي بن علي الرضا(٢) .

ويذهب صاحب (الصواعق المحرقة) إلى أن الرضاعليه‌السلام : توفي عن خمسة ذكور وبنت، أجلُّهم محمد الجواد لكنه لم تطل حياته(٣) . ويذهب الصفدي والذهبي إلى هذا الرأي، ويسرد الصفدي وابن الصباغ أسماءهم، وهم: محمد، الحسن، جعفر، ابراهيم، الحسين، عائشة(٤) .

وعن (العُدد القوية): كان له ولدان محمد وموسى لم يترك غيرهما(٥) .

وقال الشيخ المفيد: مضى الرضاعليه‌السلام ولم يترك ولدا نعلمه إلاّ ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام (٦) .

والذي يترجح في النظر ما ذكره المفيد، وبه جزم ابن شهرآشوب(٧) ، والطبرسي(٨) ، وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري(٩) فالمعلوم لدينا من ابنائه هو الإمام محمد الجواد، واما غيره فلم يثبت، ويؤيد هذا الرأي

__________________

(١) المجدي في أنساب الطالبيين / علي بن محمد العلوي: ١٢٨.

(٢) لباب الأنساب والألقاب والأعقاب / ابن فندق ٢: ٤٤١.

(٣) الصواعق المحرقة / الهيتمي: ٣١١.

(٤) الوافي بالوفيات / الصفدي ٢٢: ٢٤٨، ترجمة رقم (١٨). سير أعلام النبلاء ٩: ٣٩٣، الترجمة ١٢٥، وأيضا: الفصول المهمة: ٢٦٠.

(٥) في رحاب أئمة أهل البيتعليهم‌السلام / السيد محسن الأمين ٤: ٢٦٤.

(٦) الإرشاد ٢: ٢٧١.

(٧) المناقب ٤: ٣٩٧.

(٨) اعلام الورى ٢: ٨٦.

(٩) دلائل الإمامة: ٣٥٩.

٤٢

الرواية الواردة عن حنان بن سدير، قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : أيكون إمام ليس له عقب؟ فقال أبو الحسن: « اما أنه لا يولد لي إلاّ واحد، ولكن اللّه منشى ء منه ذرية كثيرة ». قال أبو خداش: سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة(١) .

واللّه أعلم بواقع الأمر.

* * *

__________________

(١) كشف الغمة ٣: ٩٥.

٤٣

الفصل الثالث

الإمام الرضاعليه‌السلام  بعد تول-يه الإمامة

تعتقد مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام أن الإمامة أمرٌ الهي وجعلٌ رباني لا رأي لأحد فيها من الأمة. وبأن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه من قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إذ الإمامةهي امتداد للنبوة، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه أيضا يوجب نصب الإمام. وهي أيضاً لطف من اللّه كالنبوة فلابد من أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وظائفه في هداية البشر.

ولو تعمقنا في النظر قليلاً لوجدنا أن فكرة النص تقوم على دليلين:

الأول: عقلي: ويستدل به على استحالة أن يترك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمة فوضى من بعده، وهو الحريص عليها، وقد بيّن لها صغائر الأمور، فكيف يترك مسألة الإمامة أو القيادة دون تعيين؟!. علما بأن الخليفة الأول والثاني قد عينا أشخاصا قبيل وفاتهم لأمر الخلافة.

الثاني: شرعي: حيث استُدلّ بالكثير من الآيات والروايات على ثبوت الإمامة في أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وأحد عشر من ولده من بعده.

وعرض جميع الادلة العقلية والنقلية على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام بحث طويل وعريض لامجال هنا لاستقصائه، ومن شاء فليراجع كتاب (الشافي

٤٤

في الإمامة) للسيد المرتضىقدس‌سره ، إذ يعد هذا الكتاب بشهادة أعلام الطائفة فريداً في بابه، بل هو كما يقول الشيخ محمد جواد مغنية في تقريظه: إنه صورة صادقة لمعارف المرتضى ومقدرته، أو لمعارف علماء الإمامية وعلومهم في زمنه - على الأصح - عالج المرتضى مسألة الإمامة من جميع جهاتها كمبدأ ديني واجتماعي وسياسي، وأثبت بدليل العقل والنقل الصحيح أنها ضرورة دينية واجتماعية، وأن علياًعليه‌السلام هو الخليفة الحق المنصوص عليه بعد الرسول، وأنه من عارض وعاند فقد عارض الحق والصالح العام. ذكر الشريف جميع الشبهات التي قيلت أو يمكن أن تُقال حول الإمامة وأبطلها بمنطق العقل والحجج الدامغة(١) .

لقد شغل موضوع الإمامة حيزا كبيرا من فكر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام لكونها حجر الزاوية في الفكر الإسلامي عامة والشيعي على وجه الخصوص، إضافة إلى كثرة اختلاف الناس حولها، وحاجتهم الماسة إلى القول الفصل فيها، بغية الخروج من مرحلة الحيرة والتساؤل.

وقد حظيت هذه المسألة بأهمية استثنائية عند إمامنا الرضاعليه‌السلام فأجاب عن الاشكالات والشبهات المطروحة إجابةً شافيةً ووافية، نجدها في الرواية التالية: عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، كنا في أيام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيدي ومولاي الرضاعليه‌السلام ، فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسمعليه‌السلام ثم قال: « يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن

__________________

(١) مقدمة تحقيق كتاب الشافي ١: ١٩ - ٢٠.

٤٥

أديانهم، ان اللّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه كملاً فقال عزّوجلّ:( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) وأنزل في حجة الوداع وفي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاْءِسْلاَمَ دِيناً ) (٢) وأمر الإمامة في تمام الدين، ولم يمضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بيّن لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم علياعليه‌السلام علما وإماما، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلاّ بينه، فمن زعم أن اللّه عز وجل لم يكمل دينه، فقد ردّ كتاب اللّه عزّوجلّ، ومن ردّ كتاب اللّه تعالى فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم - إلى أن يقول - فقلّدها علياعليه‌السلام بأمر اللّه عزّوجلّ على رسم ما فرضها اللّه عزّوجلّ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم اللّه العلم والإيمان بقوله عز وجل:( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاْءِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّه إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) (٣) فهي في ولد عليعليه‌السلام خاصة إلى يوم القيامة - إلى أن قال - ان الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء، ان الإمامة خلافة اللّه عز وجل وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسينعليهما‌السلام ، ان الإمامة زمام الدين ونظام

__________________

(١) سورة الأنعام: ٦ / ٣٨.

(٢) سورة المائدة: ٥ / ٣.

(٣) سورة الروم: ٣٠ / ٥٦.

٤٦

المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، ان الإمامة أُسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ».

ثمّ يورد تشبيهات بليغة وبديعة، فيقول: « الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالافق بحيث لاتنالها الأيدي والابصار، الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيد القفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى والمنجي من الردى ».

ثمّ يضيف قائلاً: « فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ..فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولايدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(١) .

لقد حاول الإمام الرضاعليه‌السلام أن يعيد الوعي الإسلامي الصحيح بشأن الإمامة سيّما بعد تفريط القسم الأعظم من الأمة بها، بحيث أنهعليه‌السلام لم يترك فرصة إلاّ واستغلها في بيان ضرورتها وأدلتها وكشف أبعادها، والطريق اللاحب في انعقادها، ولعلّ أوضح مثل على ذلك، ما جاء عن الحسن بن جهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما وعنده علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم، فقال له: يا ابن رسول اللّه بأي شيء تصح الإمامة لمدعيها؟ قال: « بالنص والدليل »،

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ١٩٥، ح ١، باب (٢٠).

٤٧

قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: « في العلم واستجابة الدعوة »(١) .

ومن الواضح أن الإمام الرضاعليه‌السلام قد تصدّى للإمامة علناً، وقال بإمامة نفسه وأذعنت له قاعدته، وشهد بذلك خصمه. الأمر الذي يستوجب استجلاء هذه الأمور في ثلاثة مباحث، وهي:

المبحث الأول: النص على الإمام الرضاعليه‌السلام بالإمامة

أولاً: من النصوص الدالة على إمامتهعليه‌السلام :

هناك روايات عديدة من طرق الشيعة الإمامية تؤكد على سلسلة أسماء السلالة الطاهرة للأئمةعليهم‌السلام واحدا بعد الآخر، ويأتي ذكر الإمام الرضاعليه‌السلام في الترتيب الثامن: أخرج الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الثقة عبد اللّه بن جندب عن موسى بن جعفرعليه‌السلام ما ينبغي أن يقال في سجدة الشكر وهذا نصّه: « اللهمّ إني أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت اللّه ربّي والإسلام سلام ديني ومحمداً نبيي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن بن علي أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ »(٢) .

ويمكن الاستشهاد أيضاً بحديث اللوح المتواتر المروي من طرق

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢: ٢١٦، ح ١، باب (٤٦).

(٢) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق ١: ٢١٧ باب (٤٧).

٤٨

جمّة، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، وكذلك عن الإمام السجاد والباقر والصادقعليهم‌السلام ، نكتفي منها برواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: « قال أبيعليه‌السلام لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: إن لي إليك حاجة، فمتى يخف عليك أن أخلو بك، فأسألك عنها؟ قال له جابر: في أي الأوقات شئت، فخلا به أبيعليه‌السلام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أُمي فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أخبرتك به أُمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.

قال جابر: أشهد باللّه، أني دخلت على أُمك فاطمة في حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهنئها بولادة الحسينعليه‌السلام فوجدت في يدها لوحاً أخضر ظننت أنه زُمرّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنتِ وأمي يا بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه اللّه عزّوجلّ إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنَيّ وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيه أبيعليه‌السلام ليسرّني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة، فقرأته، وانتسخته فقال أبيعليه‌السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ، قال نعم، فمشى معه أبيعليه‌السلام حتى انتهى إلى منزل جابر، فأخرج أبيعليه‌السلام صحيفة من رق، قال جابر: فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين، عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي إني لم أبعث نبياً فأكملتُ أيامه وانقضت مدّته، ألا جعلت له وصيّاً، وأني فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وبسبطيك

٤٩

الحسن والحسين فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة عندي، وجعلت كلمتي التامة معه والحجّة البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب: أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الميامين، وابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمي، سيهلك المرتابون في جعفر الراد عليه كالراد عليّ، حق القول مني لأكرمنّ مثوى جعفر ولاسرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبت بعده موسى وانتجبت بعده فتنة عمياء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، إن المذكب بالثامن مكذب كل أوليائي، وعلي وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي، حقّ القول مني لاقرنَّ عينيه بمحمد ابنه وخليفته من بعده، فهو وارث علمي ومعدن حكمي وموضع سرّي وحجتي على خلقي وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن، ثم أكمل ذلك بابنه رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب أُولئك أوليائي حقاً بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس أُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون » قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصنه إلاّ عن أهله»(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٨، ح ٢ باب (٦).

٥٠

ثانياً: أساليب الإمام الكاظمعليه‌السلام في النصّ على إمامة ولده الرضاعليه‌السلام

مرّت الشيعة بعد وفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام بمنعطف خطير. فقد كانعليه‌السلام يمر بظروف خانقة كما أسلفنا، ولذلك تمسك بالتقية وكان تحركه بمنتهى السرية، ومن ثم غيبته الطويلة في السجون، كل ذلك ساعد على انقطاعه عن قاعدته الجماهيرية، وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يدرك المقطع الزمني الحساس والعصيب الذي ستمر به إمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، فهناك الأجواء السياسية الملبدة بالغيوم من قبل الحكام، وهناك ذوو الاطماع من علماء السوء الذين سوف يصنعون سياجا هائلاً من التعتيم والتكتم أو التشكيك بإمامة ولده، لذلك لم يأل جهدا ولم يدّخر وسعا في التبليغ لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، مرة من خلال التلميح بفضائله وكمالاته وأهليته للإمامة، ومرة أخرى من خلال التصريح بها، وتارة يتصل مع أصحابه والثقات من شيعته بصورة فردية، وتارة أخرى يجتمع مع أقربائه وأهل المدينة بصورة جماعية، وأحيانا يشير إلى إمامة ولده بصورة شفوية، وأخرى بصورة كتب أو ألواح يشرح فيها أهلية ولده لمنصب الإمامة ويضمّنها وصاياه به. وبدا لنا من خلال البحث أن الإمام الكاظمعليه‌السلام قد سار حسب خطة مرسومة للتعريف بالرضاعليه‌السلام والإشادة بمنزلته، وقد هدد وأوعد كل من يسقط تحت حوافر الاطماع أو ينساق إلى مهاوي الضياع كالواقفية.

ونحن سوف نغوص في أعماق الروايات الدالة على إمامة الرضاعليه‌السلام ، نحاول أن ندرسها ونسبر أغوارها ونصنفها حسب الغاية التي توخيتْ منها.

٥١

وقد توصلنا من خلال البحث إلى أن الإمام الكاظمعليه‌السلام قد اتبع عدة أساليب للتعريف بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، هي:

أولاً: أسلوب التلميح الشفوي:

يجد الباحث في هذا الصدد عدداً من الروايات لم تصرح بإمامة الرضاعليه‌السلام ، ولكنها تلمح إلى ذلك من خلال عبارات دقيقة موحية، ويبدو أنها قيلت بظرف خاص لا يساعد على التصريح، كما سنرى في العناوين التالية:

١ - السيادة وانتحال الكنية:

نجد روايات يشيد فيها الكاظمعليه‌السلام بولده الرضاعليه‌السلام بأنه سيد ولده، أو أنه نحله كنيته، فهكذا عبارات توحي - بدون شك - ضمنا إلى استحقاقه للإمامة، لاسيما أن الكناية عند ذوي الألباب أبلغ من التصريح، ويبدو أن أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام ، كهشام بن الحكم، ممن يغنيهم التلميح عن التصريح قد أدركوا جيدا ماوراء هذه العبارات من دلالات ..

عن الحسين بن نعيم الصحاف، قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي ابن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح موسى بن جعفرعليه‌السلام جالسا، فدخل عليه ابنه الرضاعليه‌السلام فقال: « يا علي، هذا سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي »، فضرب هشام براحته جبهته! ثم قال: ويحك! كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعت واللّه منه كما قلت لك، فقال هشام: أخبرك واللّه أن الامر فيه من بعده(١) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣١، ح ٣، باب (٤).

٥٢

وقد استخدم الإمام الكاظمعليه‌السلام عبارات ايحائية أخرى، منتقاة بدقة:

عن زياد بن مروان القندي، قال: دخلت على أبي ابراهيمعليه‌السلام وعنده علي ابنه، فقال لي: « يا زياد، هذا كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله »(١) .

قال الشيخ الصدوق بعد رواية الخبر: إن زياد بن مروان القندي روى هذا الحديث ثم انكره بعد مضي موسىعليه‌السلام وقال بالوقف، وحبس ماكان عنده من مال موسى بن جعفر!

٢ - بيان منزلتهعليه‌السلام :

أولى الإمام الكاظمعليه‌السلام عناية خاصة بولده الرضاعليه‌السلام وأحاطه باهتمام ملحوظ منذ نعومة أظفاره مما جعل الانظار تتجه إليه والألسن تتحدث عنه، ومن الروايات الواردة في هذا الشأن، ما أخرجه الشيخ الصدوق: عن المفضل بن عمر، قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام وعلي ابنه في حجره وهو يقبّله ويمصّ لسانه، ويضعه على عاتقه ويضمه اليه، ويقول: « بأبي أنت وأمي، ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! » قلت: جعلت فداك، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك. فقال لي: « يا مفضل هو مني بمنزلتي من أبيعليه‌السلام ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) »(٣) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٩، ح ٢٥، باب (٤)، أعلام الورى ٢: ٤٥.

(٢) سورة آل عمران: ٣ / ٣٤.

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٢٨٦، ح ٢٨، باب (٤).

٥٣

٣ - الوصية بدفع الحقوق لهعليه‌السلام :

وهي قرينة أخرى على إمامته، لأن الحقوق تعطى - كما هو معروف - للإمام الشرعي لكي يصرفها في مواردها. ولانريد أن نسترسل في إيراد الامثلة على ذلك، ونكتفي بعرض الروايتين التاليتين:

الرواية الأولى : عن الحسن بن علي الخزاز، قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال ومتاع، فقلنا: ما هذا؟ قال: هذا للعبد الصالحعليه‌السلام أمرني أن أحمله إلى علي ابنهعليه‌السلام وقد أوصى اليه.

قال الشيخ الصدوق: إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى ابن جعفرعليه‌السلام وحبس المال عن الرضاعليه‌السلام (١) !

الرواية الثانية : عن داود بن زربي، قال: جئت إلى أبي ابراهيمعليه‌السلام بمال فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك اللّه، لأي شيء تركته عندي؟! فقال: « إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك ».

فلمّا جاء نعيهعليه‌السلام بعث إليّ أبو الحسنعليه‌السلام فسألني ذلك المال، فدفعته إليه(٢) .

٤ - الإشارة إلى كون الإمام الرضاعليه‌السلام من الأوصياء:

وهي قرينة إيحائية قوية تضاف إلى سائر القرائن والعلامات الأخرى السابقة، يتضح لنا ذلك من متن الرواية التالية: عن نعيم القابوسي، عن

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ٣٧، باب (٤).

(٢) المناقب / ابن شهرآشوب ٤: ٣٦٨، الكافي ١: ٢٥٠ / ١٣.

٥٤

أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: « ابني عليّ أكبر ولدي، وآثرهم عندي، وأحبهم إليّ، وهو ينظر في الجفر ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ »(١) .

فهنا لم يصرح الإمام الكاظمعليه‌السلام علنا بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ولكن ذكر «الجفر» وكون النظر فيه من اختصاص النبي أو الوصي، فهذه الجملة تعطي إيماءة مهمة على إمامته، وخاصة بعد سبقها بذكر علامات أخرى، ككونه أكبر ولده وأحبهم اليه، وآثرهم عنده، وهي من صفات الإمام الذي يخلف أباه في الإمامة كما جاءت بهذا أحاديث صريحة كثيرة لا حصر لها.

ثانيا: أسلوب التصريح الشفوي

وهنا نجد الإمام الكاظمعليه‌السلام يصرح بصورة لالبس فيها بإمامة ولده، ويحدد القول الفصل حول إمامته بوضوح لا يخفى، وهذا الأسلوب تتوضح خطوطه من خلال روايات عديدة، وبعد دراستنا لها، نلاحظ:

أولا: تصريحهعليه‌السلام بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام :

اذ نلاحظ أن الإمام الكاظمعليه‌السلام يغتنم كل مناسبة لكشف النقاب عن إمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، ويبدو أنه كان يركز على ثقات أصحابه وشيعته، من أجل تمهيد الطريق أمام إمامة ولده، حاملاً على كتفه عب ء إيصال هذه الأمانة الإلهية الخطيرة، ومدركا في الوقت نفسه بأن هناك من تسوّل له نفسه الخروج عن وصيته بإمامة ابنه، ففي اسناد ينتهي إلى غنام بن القاسم

__________________

(١) اعلام الورى ٢: ٤٤.

٥٥

قال: قال لي منصور بن يونس بن بزرج: دخلت على أبي الحسن - يعني موسى بن جعفرعليهما‌السلام - يوما، فقال لي: « يا منصور، أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ » قلت: لا، قال: « قد صيّرت عليا ابني وصيي » وأشار بيده الى الرضاعليه‌السلام « وقد نحلته كنيتي، وهو الخلف من بعدي، فادخل عليه وهنّئه بذلك، واعلم أني أمرتك بهذا » قال: فدخلت عليه فهنّئته بذلك وأعلمته أنه أمرني بذلك ثمّ جحد منصور فأخذ الأموال التي كانت في يده وكسرها!(١) .

ثانيا: جواب الإمام الكاظمعليه‌السلام على سؤال (عمن سيخلفه في الإمامة):

كان بعض الشيعة ونتيجة مباشرة لظروف التقية لم تسمع من إمامها الكاظمعليه‌السلام من يخلفه على الإمامة، ولم تطرق سمعها النصوص السابقة من آبائهعليهم‌السلام ، أو سمعت بها وأحبّت التأكد من شخص الإمام كما تحكيه بعض الروايات في هذا المقام، خصوصاً وإن حديث « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » قد تواتر نقله عند الإمامية وصحّت طرقه عند غيرهم، الأمر الذي يؤدي إلى السؤال من الإمام عمن سيلي الأمر بعده ؛ لأجل قطع الظن الحاصل من السماع السابق أو عدمه، باليقين الحاصل من السماع من الإمام مباشرةً، ومن هنا وجهت بعض الشخصيات أسئلة صريحة للإمام الكاظمعليه‌السلام حول من سيخلفه بعد وفاته، فأجابهم الإمام بصورة صريحة لا لبس فيها أن الإمام من بعده علي الرضاعليه‌السلام ابنه، ومن الشواهد عليه، ما جاء عن داود الرقي، قال: قلت لأبي ابراهيم

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٢، ح ٥، باب (٤).

٥٦

- يعني موسى الكاظمعليه‌السلام : فداك أبي، إني قد كبرت وخفت أن يحدث بي حدثٌ ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال: « ابني عليعليه‌السلام »(١) .

ونظير هذه الرواية ما أسنده الصدوق إلى نصر بن قابوس. قال: قلت لأبي ابراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام : اني سألت أباكعليه‌السلام من الذي يكون بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فأخبرني من الذي يكون بعدك؟ قال: « ابني عليعليه‌السلام »(٢) .

٢ - توسيعهعليه‌السلام دائرة التصريح بإمامة ولده الرضاعليه‌السلام :

لم تقتصر دعوة الإمام الكاظمعليه‌السلام لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام على اللقاءات والاتصالات الفردية التي تتم عادة تحت ستار كثيف من الكتمان والسرية، بل جهد في إعلان إمامته أمام الجموع أو الملأ العام، لاسيما وأنه قد أدرك أن حصرها في نطاق ضيق قد لايحقق النتيجة المرجوة، فمن المحتمل أن تكون عرضة للتشكيك أو الإنكار، وقد تعطي مبررا لتنصل أهل الأهواء وملتمسي الأعذار وأصحاب المطامع بالأموال.

من أجل ذلك أخذ الإمام الكاظمعليه‌السلام يجمع في بداية الأمر من يخصه بالقرابة القريبة من ولد علي وفاطمةعليهم‌السلام : عن حيدر بن أيوب، قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا، فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا له: جعلنا اللّه فداك،

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٣، ح ٨، باب (٤).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٤٠، ح ٢٦، باب (٤).

٥٧

ما حبسك؟ قال: دعانا أبو ابراهيمعليه‌السلام اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وأن أمره جائز عليه وله، ثم قال محمد بن زيد: واللّه يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده، قال: حيدر، قلت: بل يبقيه اللّه، وأي شيء هذا؟ قال: يا حيدر، إذا أوصى إليه فقد عقد له الإمامة(١) .

ومن ثم وسع نطاق الوصية إلى دائرة القرابة الأبعد كولد جعفر بن أبي طالب من الرجال والنساء، فعن عبد اللّه بن الحارث وأمه من ولد جعفر بن أبي طالب، قال: بعث إلينا أبو ابراهيمعليه‌السلام فجمعنا ثم قال: « أتدرون لم جمعتكم؟ » قلنا: لا، قال: « اشهدوا أنّ عليا ابني هذا وصيّي، والقيّم بأمري، وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دَين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدة فليستنجزها منه، ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه »(٢) .

ويبدو من الرواية التالية أنه قد وسع من نطاق الدعوة لإمامة ولده الرضاعليه‌السلام ، بحيث شملت المدينة بصورة عامة، وبذلك انتقل إلى مدار جديد من أجل إشهاد أكبر عدد ممكن من الأفراد على استحقاق ابنه للإمامة، ليقطع الطريق على كل الأعذار، ويزيل جميع الشكوك التي تساور الأذهان المريضة في هذا الشأن: عن حسين بن بشير، قال: أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ابنه علياعليه‌السلام كما أقام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياعليه‌السلام يوم

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٦، باب (١).

(٢) اعلام الورى ٢: ٤٥، الكافي ١: ٢٤٩ / ٧، عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٦، ح ١٤، باب (٤).

٥٨

غدير خم، فقال: « يا أهل المدينة » أو قال: « يا أهل المسجد، هذا وصيي من بعدي »(١) .

ثالثاً: أسلوب الكتابة

حشد الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام كل الحجج والادلة على إمامة ولده الرضاعليه‌السلام من بعده، ولم يقتصر على عرضها في اللقاءات الفردية والجماعية التي تكون عادة بصورة شفوية، من خلال كلامه المباشر مع الناس أفرادا أو جماعات، حيث يختار عبارات منتقاة بعناية حسب مايسمح به الظرف السياسي السائد، اذ يشير تلميحا أو تصريحا إلى إمامة الرضاعليه‌السلام ، ويظهر أنه لم يكتف بالأسلوب الشفوي كوسيلة اعلامية سائدة بل أردفه بأسلوب تحريري، من خلال كتابة الالواح والكتب، حتى تكون الحجة أبلغ. ولايخفى بان الكلام المكتوب يكون أكثر وقعا وتأثيرا في النفوس من الكلام الشفوي الذي يكون - احيانا - عرضة للتأويل والتزوير. يتضح لنا هذا الأسلوب من خلال الروايتين التاليتين:

الرواية الأولى : عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أوصى أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى ابنه عليعليه‌السلام ، وكتب له كتابا أشهد فيه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة(٢) .

الرواية الثانية : عن الحسين بن المختار، قال: لما مرّ بنا أبو الحسنعليه‌السلام بالبصرة خرجت إلينا منه «ألواح» مكتوب فيها: « عهدي إلى أكبر

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٧، باب (٤).

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٧، ح ١٧، باب (٤).

٥٩

ولدي »(١) . ومعلوم أن الإمام الرضاعليه‌السلام أكبر ولد الإمام الكاظمعليه‌السلام .

أسلوب الوصية:

جارى الإمام الكاظمعليه‌السلام الاسلوب المتَّبَع عند الأئمةعليهم‌السلام في الوصية لأولادهم من بعدهم، ويبدو أن الإمام الكاظمعليه‌السلام في وصيته لولده الرضاعليه‌السلام كان يخشى عليه من حسد إخوته ومنافستهم إيّاه، أو كان يخشى عليه من السلطات الحاكمة التي ترصد بدقة من يخلفه في أمره، لذلك كانت وصيته له اتخذت أسلوبين:

الأسلوب العام:

عندما أوصى لولده الرضاعليه‌السلام في الظاهر، ولأجل التمويه أشرك معه بنيه، حتى لا يتحسّسوا منه، ولا تكشف السلطة من يخلفه.

الأسلوب الخاص:

فقد أوصى الإمام الكاظمعليه‌السلام للرضاعليه‌السلام خاصة، وأفرده بالوصية وحده، يظهر كل من الشكلين في الرواية التالية ذات الدلالة:

عن يزيد بن سليط قال: لقيت أبا ابراهيمعليه‌السلام ونحن نريد العمرة في بعض الطريق ...قال: « أخبرك يا أبا عمارة، اني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بنيّ في الظاهر، وأوصيته في الباطن، وأفردته وحده، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكن ذاك إلى اللّه يجعله حيث يشاء ».

عند التمعّن في هذه الرواية نكتشف أن السبب في انتخاب الإمام

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١: ٣٩، ح ٢٤، باب (٤)، وفي اعلام الورى ٢: ٤٦، الفصل الثاني: أن الالواح خرجت وهو في الحبس.

٦٠