بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105618
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105618 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

من تزكّى و ذكر اسم ربِّه فصلّى١ ، إن الّذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البريّة جزاؤهم عند ربِّهم جنّات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً .٢ .

« و أعينهم باكية » و إذا سمعوا ما اُنزِل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ٣ .

« و كان ليلهم في دنياهم نهارا تخشّعا و استغفارا ، و كان نهارهم ليلا توحّشا و انقطاعا » قال الخوئي : قال ابن ميثم في نسخة الرّضي بخطّه « كان ليلهم نهار » برواية كانّ للتشبيه و نصب ليل و رفع نهار٤ و كذا في الفقرة الثانية برواية « كأنّ نهارهم ليل » .

قلت : و ابن أبي الحديد نسبه إلى رواية فقال : و يروي « و كأنّ ليلهم نهار » و كذلك اختها على التشبيه .٥ .

و تخشّعا و استغفارا تميّزان كتوحّشا و انقطاعا ، يُسبّح له فيها بالغدوّ و الاصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ و لا بيعٌ عن ذكر اللَّه و إقام الصلاة و ايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الأبصار ليجزيهم اللَّه أحسن ما عملوا و يزيدهم من فضله و اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب٦ ، و هو الّذي جعل اللّيل و النّهار خلفةً لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً و عبادُ الرّحمن الذين يمشون على الأرض هوناً و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً و الّذين

____________________

( ١ ) الأعلى : ١٤ ١٥ .

( ٢ ) البيّنة : ٧ ٨ .

( ٣ ) المائدة : ٨٣ .

( ٤ ) ابن ميثم ٤ : ٢٠٩ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١١٣ .

( ٦ ) النور : ٣٦ ٣٨ .

١٦١

يبيتون لربِّهم سجّداً و قياماً و الّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنَّ عذابها كان غراماً إنّها ساءت مستقرّاً و مقاماً و الّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواماً و الّذين لا يدعون مع اللَّه إلهاً آخر و لا يقتلون النّفس التي حرّم اللَّه إلاّ بالحقّ و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاماً يُضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهاناً إلاّ من تاب و آمن و عمل عملاً صالحاً فأولئك يبدّل اللَّه سيّئاتهم حسناتٍ و كان اللَّه غفوراً رحيماً و من تاب و عمل صالحاً فانّه يتوب إلى اللَّه متاباً و الّذين لا يشهدون الزُوّر و إذا مرّوا باللّغو مرّوا كِراماً و الّذين إذا ذُكّروا بآيات ربّهم لم يخرّوا عليها صمّاً و عمياناً و الذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا و ذرّياتنا قُرّة أعين و اجعلنا للمتّقين إماماً أولئك يجزون الغرفة بما صبروا و يلقّون فيها تحيّةً و سلاماً خالدين فيها حَسُنت مستقرّاً و مقاماً١ .

« فجعل اللَّه لهم الجنّة مآبا » في ( الصحاح ) : آب أي : رجع يؤب أوبا و أوبة و إيابا و المآب المرجع و التّأويب ان يسير النّهار أجمع و ينزل اللّيل و ابت إلى فلان و أوّبت إلى بني فلان و تأوّبتهم إذا لقيتهم ليلا .٢ .

في ( ص ) و إنَّ للمتّقين لحسن مآب جنّات عدنٍ مُفتّحةً لهم الأبواب متّكئين فيها يدعون فيها بفاكهةٍ كثيرةٍ و شرابٍ و عندهم قاصرات الطّرف أترابٌ هذا ما توعدون ليوم الحساب إنّ هذا لرزقنا ماله من نفادٍ٣ .

« و الجزاء ثوابا » في ( الصحاح ) : الجزاء الطّاعة و كذلك المثوبة .٤ .

و ما أموالكم و لا أولادكم بالّتي تقرّبكم عندنا زُلفى إلاّ من آمن و عمل

____________________

( ١ ) الفرقان : ٦١ ٧٦ .

( ٢ ) الصحاح : ( أوب ) .

( ٣ ) ص : ٤٩ ٥٤ .

( ٤ ) الصحاح : ( جزا ) .

١٦٢

صالحاً فأولئك لهم جزاء الضّعف بما عملوا و هم في الغرفاتِ آمنون١ .

« و كانوا أحقّ بها و أهلها ، في نعيم دائم و ملك قائم » إنّ الأبرار لفي نعيم٢ ، إنّ المتّقين في جنّاتٍ و نعيمٍ فاكهين بما آتاهم ربّهم و وقاهم ربّهم عذاب الجحيم كلوا و اشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون متّكئين على سررٍ مصفوفةٍ و زوّجناهم بحورٍ عين و الّذين آمنوا و اتّبعتهم ذريّتهم بايمانٍ ألحقنا بهم ذرّيهم و ما التناهم من عملهم من شي‏ءٍ كلُّ امري‏ء بما كسب رهينٌ و أمددناهم بفاكهة و لحمٍ ممّا يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغوٌ فيها و لا تأثيمٌ و يطوف عليهم غلمانٌ لهم كأنّهم لؤلؤٌ مكنونٌ و أقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون قالوا إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين فمنَّ اللَّه علينا و وقانا عذاب السّموم إنّا كنّا من قبل ندعوه إنّه هو البرّ الرّحيم٣ ، الّذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل اللَّه بأموالهم و أنفسهم أعظم درجةً عند اللَّه و أولئك هم الفائزون يبشّرهم ربُّهم برحمة منه و رضوان و جنّاتٍ لهم فيها نعيمٌ مقيم خالدين فيها أبداً إنَّ اللَّه عنده أجرٌ عظيم٤ ، و إذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً و مُلكاً كبيراً عليهم ثيابُ سندسٍ خضرٌ و استبرقٍ و حُلّوا أساور من فضّةٍ و سقاهم ربّهم شراباً طهوراً إنّ هذا كان لكم جزاءً و كان سعيكم مشكوراً٥ .

« فارعوا عباد اللَّه ما برعايته يفوز فائزكم » يا أيُّها الّذين آمنوا إن تتّقوا اللَّه

____________________

( ١ ) سبأ : ٣٧ .

( ٢ ) المطففين : ٢٢ .

( ٣ ) الطور : ٢١ ٢٨ .

( ٤ ) التوبة : ٢٠ ٢٢ .

( ٥ ) الدهر : ٢٠ ٢٢ .

١٦٣

يجعل لكم فرقاناً و يكفّر عنكم سيّئاتكم و يغفر لكم و اللَّه ذو الفضل العظيم١ ،

إنّه كان فريقٌ من عبادي يقولون ربّنا آمنّا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الرّاحمين فاتّخذتموهم سخريّاً حتّى أنسوكم ذكري و كنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا انّهم هم الفائزون٢ ، و من يطع اللَّه و رسوله و يخش اللَّه و يتقه فاولئك هم الفائزون٣ ، و الّذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل اللَّه بأموالهم و أنفسهم أعظم درجةً عند اللَّه و أولئك هم الفائزون يُبشّرهم ربّهم برحمةٍ منه و رضوان و جنّاتٍ لهم فيها نعيمٌ مقيمٌ خالدين فيها أبداً إنّ اللَّه عنده أجرٌ عظيم٤ .

« و بإضاعته يخسر مبطلكم » فخلف من بعده خلفٌ أضاعوا الصّلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً٥ ، يا أيُّها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر اللَّه و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون٦ .

« و بادروا آجالكم بأعمالكم » و أنفقوا من مّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخّرتني الى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق و أكن من الصّالحين و لن يؤخّر اللَّه نفساً إذا جاء أجلها و اللَّه خبيرٌ بما تعملون٧ .

« فانّكم مرتهنون بما أسلفتم » كُلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة٨ .

« و مدينون بما قدّمتم » في ( الصّحاح ) : قوله تعالى إئنّا لمدينون

____________________

( ١ ) الأنفال : ٢٩ .

( ٢ ) المؤمنون : ١٠٩ ١١١ .

( ٣ ) النور : ٥٢ .

( ٤ ) التوبة : ٢٠ ٢٢ .

( ٥ ) مريم : ٥٩ .

( ٦ ) المنافقون : ٩ .

( ٧ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

( ٨ ) المدثر : ٣٨ .

١٦٤

أي : مجزيّون محاسبون١ . .

قال تعالى فلو لا إذا بلغت الحلقوم و أنتم حينئذٍ تنظرون و نحن أقرب اليه منكم و لكن لا تبصرون فلو لا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين٢ .

« و كان قد نزل بكم المخوف » في ( المصرية ) كانّ بالتشديد و الفتح٣ و الصحيح التخفيف و السّكون لعدم دخوله على الجملة الاسميّة و في مثله يقدّر الاسم مخفّفة نحو قوله تعالى كأنْ لم تغن بالأمس .٤ قال تعالى إنّما أنت منذر من يخشاها كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلاّ عشيّةً أو ضحاها٥ .

« فلا رجعة تنالون » قال ابن أبي الحديد الرّواية بضمّ التّاء أي تعطون يقال أنلت فلانا مالا أي منحته و قد روي تنالون بفتح التاء٦ . .

قلت : يؤيّد الأوّل قوله عليه السّلام في الفقرة التالية ( و لا عثرة تقالون ) فانّ تقالون بضمّ التّاء رواية واحدة و تنالون بالضّمّ من النّوال و تنالون بالفتح من النّيل كما انّ تقالون من القيل ، و كيف كان قال تعالى حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ ارجعونِ لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت كلاّ انّها كلمةٌ هو قائلها و من ورائهم برزخٌ الى يوم يبعثون٧ .

____________________

( ١ ) الصحاح : ( دين ) ، و الآية ٥٣ من سورة الصافات .

( ٢ ) الواقعة : ٨٣ ٨٦ .

( ٣ ) الطبعة المصرية المصححة ( المخوف ) بلا تشديد : ٤١٤ .

( ٤ ) يونس : ٢٤ .

( ٥ ) النازعات : ٤٥ ٤٦ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١١٣ .

( ٧ ) المؤمنون : ٩٩ ١٠٠ .

١٦٥

« و لا عثرة تقالون » في ( الصّحاح ) : اقلته البيع و هو فسحة١ .

« استعملنا اللَّه و إيّاكم بطاعته و طاعة رسوله » و من يطع اللَّه و الرسول فأولئك مع الّذين أنعم اللَّه عليهم من النّبيّين و الصّدّيقين و الشهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من اللَّه و كفى باللَّه عليماً٢ .

« و عفا عنّا و عنكم بفضل رحمته » و هو الّذي يقبل التّوبة عن عباده و يعفو عن السّيئات و يعلم ما تفعلون٣ .

١٣

الخطبة ( ١٥٢ ) و من خطبة له عليه السّلام :

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي جَعَلَ اَلْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ وَ سَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ وَ دَلِيلاً عَلَى آلاَئِهِ وَ عَظَمَتِهِ عِبَادَ اَللَّهِ إِنَّ اَلدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ لاَ يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ وَ لاَ يَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ آخِرُ أَفْعَالِهِ كَأَوَّلِهِ مُتَسَابِقَةٌ أُمُورُهُ مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلاَمُهُ فَكَأَنَّكُمْ بِالسَّاعَةِ تَحْدُوكُمْ حَدْوَ اَلزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي اَلظُّلُمَاتِ وَ اِرْتَبَكَ فِي اَلْهَلَكَاتِ وَ مَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ وَ زَيَّنَتْ لَهُ سَيِّئَ أَعْمَالِهِ فَالْجَنَّةُ غَايَةُ اَلسَّابِقِينَ وَ اَلنَّارُ غَايَةُ اَلْمُفَرِّطِينَ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّ اَلتَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِيزٍ وَ اَلْفُجُورَ دَارُ حِصْنٍ ذَلِيلٍ لاَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ وَ لاَ يُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ أَلاَ وَ بِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ اَلْخَطَايَا وَ بِالْيَقِينِ تُدْرَكُ اَلْغَايَةُ اَلْقُصْوَى عِبَادَ اَللَّهِ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي أَعَزِّ اَلْأَنْفُسِ عَلَيْكُمْ

____________________

( ١ ) الصحاح : ( قول ) .

( ٢ ) النساء : ٦٩ ٧٠ .

( ٣ ) الشورى : ٢٥ .

١٦٦

وَ أَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ فَإِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ اَلْحَقِّ وَ أَنَارَ طُرُقَهُ فَشِقْوَةٌ لاَزِمَةٌ أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ اَلْفَنَاءِ لِأَيَّامِ اَلْبَقَاءِ قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى اَلزَّادِ وَ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَ حُثِثْتُمْ عَلَى اَلْمَسِيرِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْبٍ وُقُوفٍ لاَ تَدْرُونَ مَتَى تُؤْمَرُونَ بِالسَّيْرِ أَلاَ فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ لِلْآخِرَةِ وَ مَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيلٍ يُسْلَبُهُ وَ تَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ وَ حِسَابُهُ عِبَادَ اَللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِمَا وَعَدَ اَللَّهُ مِنَ اَلْخَيْرِ مَتْرَكٌ وَ لاَ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ اَلشَّرِّ مَرْغَبٌ عِبَادَ اَللَّهِ اِحْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ فِيهِ اَلْأَعْمَالُ وَ يَكْثُرُ فِيهِ اَلزِّلْزَالُ وَ تَشِيبُ فِيهِ اَلْأَطْفَالُ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ عُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ وَ حُفَّاظَ صِدْقٍ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ وَ عَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْلٍ دَاجٍ وَ لاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ وَ إِنَّ غَداً مِنَ اَلْيَوْمِ قَرِيبٌ يَذْهَبُ اَلْيَوْمُ بِمَا فِيهِ وَ يَجِي‏ءُ اَلْغَدُ لاَحِقاً بِهِ فَكَأَنَّ كُلَّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ اَلْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ وَ مَخَطَّ حُفْرَتِهِ فَيَا لَهُ مِنْ بَيْتِ وَحْدَةٍ وَ مَنْزِلِ وَحْشَةٍ وَ مُفْرَدِ غُرْبَةٍ وَ كَأَنَّ اَلصَّيْحَةَ قَدْ أَتَتْكُمْ وَ اَلسَّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْكُمْ وَ بَرَزْتُمْ لِفَصْلِ اَلْقَضَاءِ قَدْ زَاحَتْ عَنْكُمُ اَلْأَبَاطِيلُ وَ اِضْمَحَلَّتْ عَنْكُمُ اَلْعِلَلُ وَ اِسْتَحَقَّتْ بِكُمُ اَلْحَقَائِقُ وَ صَدَرَتْ بِكُمُ اَلْأُمُورُ مَصَادِرَهَا فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ وَ اِعْتَبِرُوا بِالْغِيَرِ وَ اِنْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ أقول : قوله عليه السّلام « الحمد للَّه الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره » قال ابن أبي الحديد : لأنّ أوّل القرآن ، الحمد للَّه ربّ العالمين و القرآن الذّكر ، قال تعالى : إنّا نحن نزّلنا الذّكر .١ .

و قال ابن ميثم : أي جعل الحمد مفتاحا لذكره في عدّة سور و تبعه

____________________

( ١ ) شرح شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١١ ، و الآية ٩ من سورة الحجر .

١٦٧

الخوئي و قال : لعدم معلوميّة كون الفاتحة أوّل القرآن و ان روى انّها أوّل ما أنزلت ثمّ ( اقرء ) فروى أيضا انّ أول ما نزل ( اقرء )١ .

قلت : الأولى أن يقال مراده عليه السّلام انّه تعالى جعل حمده مفتاح ذكره في كلّ موضع لوجوب حمده أوّل كلّ امر او في خصوص الصلاة فانّ الأصل في ذكره تعالى الصّلاة قال عزّ و جلّ و أقم الصّلاة لذكري٢ ، « و سببا للمزيد من فضله » قالوا اشارة الى قوله تعالى : . لئن شكرتم لأزيدنّكم .٣ ، « و دليلا على آلائه و عظمته » في ( الصحاح ) : الآلاء النّعم واحدها الى بالفتح و قد يكسر و يكتب بالياء مثاله معي و أمعاء٤ . .

كأنّه عليه السلام أشار الى انّ حمده تعالى في قولك الحمد للَّه دليل على شيئين الأوّل آلائه تعالى لأنّه لو لم تكن آلاء لم يكن حمد و شكر و الثاني عظمته عزّ اسمه لاختصاص الحمد به .

« عباد اللَّه » ناداهم بوصف كونهم عبيده تعالى ليستشعروا كونهم غير مختارين في حياتهم « إنَّ الدّهر يجري بالباقين كجريه بالماضين » قال ابن أبي الحديد : قال الشاعر :

فما الدّهر إلاّ كالزمان الذي مضى

و لا نحن إلاّ كالقرون الأوائل٥

« لا يعود ما قد ولّى منه » قال ابن أبي الحديد مثل قول الشاعر :

ما أحسن الأيام إلاّ انّها

يا صاحبي إذا مضت لم ترجع٦

____________________

( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٦٧ .

( ٢ ) طه : ١٤ .

( ٣ ) ابراهيم : ٧ .

( ٤ ) الصحاح : ( ألا ) .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١١ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١١ .

١٦٨

« و لا يبقى سرمدا ما فيه » في ( الصحاح ) : السرمد١ الدائم . .

قال ابن أبي الحديد قال عدي :

ليس شي‏ء على المنون بباق

غير وجه المهيمن الخلاّق٢

« آخر أفعاله كأوّله » قال ابن أبي الحديد : و يروى كأوّلها و من رواه ( كأوّله ) أي أوّل الدّهر حذف المضاف٣ « متسابقة أموره » نقله ( ابن ميثم ) « متشابهة اموره »٤ و كذلك ابن أبي الحديد إلاّ انّه قال و روى « متسابقة أموره » أي شي‏ء منها قبل كلّ شي‏ء كأنّها خيل متسابق مضمار٥ « متظاهرة أعلامه » قال ابن أبي الحديد أي دلالاته على سجيّته التي عامل النّاس بها قديما و حديثا متظاهرة يقوي بعضها بعضا٦ .

« فكأنّكم بالسّاعة تحدوكم حد و الزّاجر بشوله » هكذا « بشوله » بالباء في نسخنا و نسخ ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٧ و الصّواب : ( لشوله ) باللاّم فانّ زجر متعدّ بنفسه و يحسن في وصفه لام المقوّية و لا وجه للباء .

و في ( الصّحاح ) : السّاعة القيامة٨ و الحدو سوق الابل و الغناء لها٩ .

و زجر البعير أي سوقه١٠ و الشّول : النّوق التي جفّ لبنها و ارتفع ضرعها

____________________

( ١ ) الصحاح : ( سرمد ) .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١١ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم بخلاف ما ذكره العلاّمة قدّس سرُّه ( متسابقة ) ٣ : ٢٦٦ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٧ ٢١٢ .

( ٦ ) المصدر نفسه ٩ : ٢١٢ .

( ٧ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٥٨ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٦٦ .

( ٨ ) الصحاح : ( سوع ) .

( ٩ ) الصحاح : ( حدا ) .

( ١٠ ) الصحاح : ( زجر ) .

١٦٩

و أتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية الواحدة شائلة١ .

و هو جمع على غير القياس و يقال منه شوّلت النّاقة بالتّشديد أي صارت شائلة . قالوا : خصّ صلَّى اللَّه عليه و آله الشّول لأنّه يعنف بها في السّوق و لا يرفق بها كذات الحمل أو اللّبن ، قال تعالى لموسى : إنَّ السّاعة آتيةٌ أكاد أُخفيها لتجزي كلُّ نفسٍ بما تسعى فلا يصدّنك عنها من لا يؤمن بها و اتّبع هواه فتردى٢ ، و ما أمر السّاعة إلاّ كلمح البصر أو هو أقرب إنَّ اللَّه على كلّ شي‏ءٍ قديرٌ٣ ، هل ينظرون إلاّ السّاعة ان تأتيهم بغتةً و هم لا يشعرون٤ ، فهل ينظرون إلاّ السّاعة أن تأتيهم بغتةً فقد جاء اشراطها فانّى لهم إذا جاءتهم ذكراهم٥ ، يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السّماوات و الأرض لا تأتيكم إلاّ بغتةً يسألونك كأنّك حفيٌّ عنها قل إنّما علمها عند اللَّه و لكن أكثر النّاس لا يعلمون٦ .

« فمن شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في الظلمات و ارتبك في الهلكات » في ( الصّحاح ) : ارتبك الرّجل في الأمر أي : نشب فيه و لم يكد يتخلّص منه٧ . .

قال ابن أبي الحديد يعني من لا يوفى النّظر حقّه و يميل الى الأهواء و نصرة الاسلاف و الحجاج عمّا ربّى عليه بين الأهل و الاستاذ من الّذين

____________________

( ١ ) الصحاح : ( شول ) .

( ٢ ) طه : ١٥ ١٦ .

( ٣ ) النّحل : ٧٧ .

( ٤ ) الزخرف : ٦٦ .

( ٥ ) محمّد : ١٨ .

( ٦ ) الأعراف : ١٨٧ .

( ٧ ) الصحاح : ( ربك ) .

١٧٠

زرعوا في قلبه العقائد يكون شغل نفسه بغير نفسه لأنّه لم ينظر لها و لا قصد الحقّ من حيث هو حقّ و إنّما قصد نصرة مذهب معيّن يشقّ عليه فراقه و يصعب عنده الانتقال عنه و يسوءه أن يرد عليه حجّة تبطله فيسّهر عينه و يتعب قلبه في تهوّس تلك الحجّة و القدح فيها بالغثّ و السّمين لا لأنّه يقصد الحقّ بل يقصد نصرة المذهب المعيّن و تشييد دليله لا جرم انّه متحيّر في ظلمات لا نهاية لها١ . .

قلت : ما قاله مصداق قوله عليه السّلام في الاصول ، و كلامه عليه السّلام عامّ للفروع أيضا كمن شغل نفسه بغير نفسه في عباداته و أعماله و في إنفاق ماله و في تجنّب شهواته و لذّاته يصير أيضا كما قال عليه السّلام متحيّرا في الظّلمات مرتبكا في الهلكات .

« و مدّت به شياطينه في طغيانه » قال ابن أبي الحديد : و روي « و مدّت له »٢ . .

كلامه عليه السّلام مأخوذ من قوله تعالى و إخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون٣ و قال تعالى قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدّا .٤ .

« و زيّنت له سيّى‏ء أعماله » قال ابن أبي الحديد مأخوذ من قوله تعالى أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسنا .٥ .

قلت : و من قوله تعالى : . و زيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٦٣ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٩ : ٢١٣ .

( ٣ ) الأعراف : ٢٠٢ .

( ٤ ) مريم : ٧٥ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١٣ ، و الآية ٨ من سورة فاطر .

١٧١

السّبيل .١ ، . زُيّن لهم سوء أعمالهم و اللَّه لا يهدي القوم الكافرين٢ ،

و اذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضُرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضُرّ مسّهُ كذلك زُيّن للمسرفين ما كانوا يعملون٣ .

« فالجنّة غاية السّابقين » و امّا من خاف مقام ربِّه و نهى النّفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى٤ « و النّار غاية المفرّطين » فأمّا من طغى و آثر الحيوة الدُّنيا فإنّ الجحيم هي المأوى٥ .

« و اعلموا عباد اللَّه ان التّقوى دار حصن عزيز » كأنّه سقط بعده شي‏ء كقولك يعصم المتمسّك به و لا ينفصم للمتمسّك به بقرينة قوله عليه السّلام في الفجور بعد قوله ( دار حصن ذليل ) ( لا يمنع أهله و لا يحرز من لجأ اليه ) و كيف كان ففي المصباح الحصن المكان الّذي لا يقدر عليه لارتفاعه . قال تعالى : . و من يتّقِ اللَّه يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب .٦ ، فأمّا من أعطى و اتّقى و صدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى٧ « و الفجور دار حصن ذليل لا يمنع أهله و لا يحرز من لجأ اليه » و إنَّ الفجّار لفي جحيم يصلونها يوم الدّين و ما هم عنها بغائبين و ما أدراك ما يوم الدّين ثمّ ما أدريك ما يوم الدين يوم لا تملكُ نفسٌ لنفسٍ شيئاً و الأمر يومئذٍ للَّه٨ ،

ان كتاب الفُجّار لفي سجّين و ما أدراك ما سجّينٌ كتابٌ مرقومٌ ويلٌ

____________________

( ١ ) النمل : ٢٤ .

( ٢ ) التوبة : ٣٧ .

( ٣ ) يونس : ١٢ .

( ٤ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٥ ) النازعات : ٣٧ ٣٩ .

( ٦ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٧ ) الليل : ٥ ٧ .

( ٨ ) الانفطار : ١٤ ١٥ .

١٧٢

يومئذٍ للمكذبين١ ، . أم نجعل المتّقين كالفجّار٢ « ألا و بالتّقوى تقطع حمة الخطايا » قال ابن ميثم : و روى حمّة الخطايا بالتّشديد٣ . .

في ( الصّحاح ) : حمّة العقرب سمّها و ضرّها و أصله حمو و حمى و الهاء عوض و امّا حمّة الحرّ و هو معظمه فبالتّشديد٤ . .

و معنى قوله عليه السّلام « بالتّقوى تقطع حمّة الخطايا » انّ التّقوى بازهر للخطايا ( بازهر معرّب و پازهر مخفّف پاش زهر اى ما يذيب السّمّ ) ، و لو انّهم آمنوا و اتّقوا لكفّرنا عنهم سيّئاتهم و لأدخلناهم جنّات النّعيم٥ ، يا أيُّها الذين آمنوا إن تتّقوا اللَّه يجعل لكم فرقاناً و يكفّر عنكم سيّئاتكم و يغفر لكم و اللَّه ذو الفضل العظيم٦ ، « و باليقين تدرك الغاية القصوى » في ( الصّحاح ) :

قصا المكان يقصو قصوا بعد فهو قصيّ و يقال فلان بالمكان الأقصى و النّاحية القصوى و القصيا بالضّمّ فيهما . الذين يقيمون الصّلاة و يؤتون الزّكاة و بالآخرة هم يوقنون اولئك على هدىً من ربِّهم و اولئك هم المفلحون٧ « عباد اللَّه » ذكره مقدّمة لتحذيره بعد « اللَّه اللَّه » قال ابن أبي الحديد : منصوبان بالاغراء و تقديره راقبوا اللَّه٨ . .

قلت : انّ مثله يسمّى تحذيرا لا اغراء « في أعزّ الأنفس عليكم و أحبّها اليكم » أي : في أنفسكم فانّ نفس الانسان أعزّ نفس عليه حتّى من ابنه الّذي كالجزء

____________________

( ١ ) المطففين : ٧ ١٠ .

( ٢ ) ص : ٢٨ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٠ .

( ٤ ) الصحاح : ( حما ) .

( ٥ ) المائدة : ٦٥ .

( ٦ ) الأنفال : ٢٩ .

( ٧ ) الصحاح : ( قصا ) ، و الآيتان ٤ ٥ من سورة لقمان .

( ٨ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١٤ .

١٧٣

منه . عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ اذا اهتديتم .١ ، . يودُّ المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذٍ ببنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته التي تؤويه و من في الأرض جميعاً ثمّ ينجيه كلاّ .٢ .

هذا ، و قال ابن ميثم : في قوله عليه السّلام : « في أعزّ الأنفس عليكم » اشارة الى انّ للإنسان نفوسا متعدّدة و هي باعتبار مطمئنة و امّارة بالسّوء و لوّامة و باعتبار عاقلة و شهويّة و غضبيّة و الاشارة الى الثّلاثة الأخيرة و أعزّها النّفس العاقلة .٣ .

و هو كما ترى .

« فإنّ اللَّه قد أوضح لكم سبيل الحق » بالعقل و النّقل و نفسٍ و ما سوّاها فألهمها فجورها و تقواها٤ ، إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً و إمّا كفوراً٥ .

« و أنار طرقه » نقله ابن ميثم : « و أبان طرقه » و قال : و روي : « و أنار طرقه » . قد تبيّن الرّشد من الغيّ .٦ ، « فشقوة لازمة أو سعادة دائمة » قوله : « فشقوة » في الأعراب كقوله تعالى : . فصبرٌ جميلٌ .٧ ، إمّا مبتدأ يقدّر له خبرٌ أو خبرٌ يقدّر له مبتدأ ، و قال الخوئي : و يجوز أن يكون فاعلا لفعل محذوف٨ .

قلت : انّما يقدّرون الفعل في مثل و إن أحدٌ من المشركين .٩ و مثل

____________________

( ١ ) المائدة : ١٠٥ .

( ٢ ) المعارج : ١١ ١٥ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٠ .

( ٤ ) الشمس : ٧ ٨ .

( ٥ ) الدهر : ٣ .

( ٦ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٧٠ ، و الآية ٢٥٥ من سورة البقرة .

( ٧ ) يوسف : ١٨ ، ٨٣ .

( ٨ ) الخوئي ٩ : ٣١٥ .

( ٩ ) التوبة : ٦ .

١٧٤

إذا السّماء انشقّت١ لا كلّ موضع و معنى الكلام انّ بعد ايضاح السّبيل و إبانة الطّريق من سلك السّبيل يكون له السّعادة الدّائمة و من تنكب الطّريق يكون له الشّقوة اللازمة قال تعالى يوم يأت لا تكلّم نفسٌ إلاّ بإذنه فمنهم شقيٌّ و سعيد فامّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ و شهيقٌ خالدين فيها ما دامت السّماوات و الأرض إلاّ ما شاء ربُّك إنَّ ربَّك فعّالٌ لما يريد و امّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّماوات و الأرض إلاّ ما شاء ربُّك عطاءً غير مجذوذ٢ .

« فتزوّدوا في أيّام الفناء لأيّام البقاء » يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللَّه و لتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ و اتّقوا اللَّه إنّ اللَّه خبيرٌ بما تعملون٣ .

« قد دللتم على الزّاد » أي : زاد هذا السّفر و كونه منحصرا في التّقوى .

« و أمرتم بالظّعن » في ( الصحاح ) : ظعن أي : سار ظعنا و ظعنا بالتّحريك٤ .

و قرى‏ء بهما قوله تعالى : يوم ظعنكم .٥ يا قوم إنّما هذه الحياوة الدُّنيا متاعٌ و إنّ الآخرة هي دار القرار٦ « و حثثتم على المسير » في ( الصّحاح ) :

حثّه على الشّي‏ء و استحثّه حضّه عليه . و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخّرتني الى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق و أكن من الصّالحين٧ .

____________________

( ١ ) الانشقاق : ١ .

( ٢ ) هود : ١٠٥ ١٠٨ .

( ٣ ) الحشر : ١٨ .

( ٤ ) الصحاح : ( ظعن ) .

( ٥ ) النحل : ٨٠ .

( ٦ ) غافر : ٣٩ .

( ٧ ) الصحاح : ( حثث ) ، و الآية ١٠ من سورة المنافقين .

١٧٥

« فانّما أنتم كركب وقوف لا يدرون متى يؤمرون بالمسير » قال تعالى : أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللَّه و إن كنت لمن السّاخرين أو تقول لو انّ اللَّه هداني لكنت من المتّقين أو تقول حين ترى العذاب لو انَّ لي كرّةً فأكون من المحسنين١ « ألا فما يصنع بالدُّنيا من خلق للآخرة » و إنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون٢ « و ما يصنع بالمال من عمّا قليل يسلبه و تبقى عليه تبعته و حسابه » ويلٌ لكلِّ همزةٍ لمزةٍ الّذي جمع مالاً و عَدَّده يحسب أنّ ماله أخلده كلاّ .٣ .

و روي أنّ عيسى عليه السّلام توجّه في بعض حوائجه و معه ثلاثة نفر من أصحابه فمرّ بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطّريق فقال عيسى عليه السّلام لأصحابه انّ هذا يقتل النّاس ثم مضى فقال أحدهم انّ لي حاجة فانصرف ثمّ قال آخر انّ لي حاجة فانصرف ثمّ قال الآخر لي حاجة فانصرف فوافوا عند الذّهب ثلاثتهم فقال اثنان لواحد اشتر لنا طعاما فذهب فشرى لهما و جعل فيه سمّا ليقتلهما كيلا يشاركاه في الذّهب و قال الاثنان اذا جاء قتلناه كيلا يشاركنا فلّما جاء قاما اليه فقتلاه ثمّ تغدّيا فماتا فرجع اليهم عيسى عليه السّلام و هم موتى فأحياهم باذن اللَّه ثم قال لهم ألم أقل لكم انّ هذا يقتل النّاس٤ .

« عباد اللَّه إنه ليس لما وعد اللَّه من الخير مترك » قال تعالى : إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذُكّروا بها خرّوا سُجّداً و سبّحوا بحمد ربِّهم و هم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً و طمعاً و ممّا رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفسٌ ما اُخفي لهم من قرّة أعينٍ جزاءً بما كانوا

____________________

( ١ ) الزمر : ٥٦ ٥٨ .

( ٢ ) العنكبوت : ٦٤ .

( ٣ ) الهمزة : ١ ٤ .

( ٤ ) بحار الأنوار للمجلسي ١٤ : ٢٨٤ .

١٧٦

يعملون١ ، إنّ الأبرار لفي نعيم على الآرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النّعيم يُسقون من رحيقٍ مختومٍ ختامه مسكٌ و في ذلك فليتنافس المتنافسون و مزاجه من تسنيمٍ عيناً يشرب بها المقرّبون٢ .

و في ( تفسير القمّي ) عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام : أنّ من أدنى نعيم الجنّة ان يوجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة الدّنيا و انّ من أدنى أهل الجنّة منزلا له نزل به أهل الثّقلين من الجنّ و الإنس لو سعهم طعاما و شرابا و لا ينقص ممّا عنده شيئا و انّ أيسر أهل الجنّة منزلا من يدخل الجنّة فيرفع له حدائق فاذا دخل ادناهنّ رأى فيها من الأزواج و الخدم و الأنهار و الثّمار ما شاء اللَّه ممّا يملأ عينه قرّة و قلبه مسّرة فاذا دخلها شكر اللَّه تعالى و حمده فيقال افتحو له بابا الى الجنّة و يقال له ارفع رأسك و اذا فتح له باب من الخلد فيرى أضعاف ما كان في ما قبل فيقول عند تضاعف مسرّاته ربّ لك الحمد الّذي لا يحصى إذ مننت عليّ بالجنان و انجيتني من النّيران الى أن قال قلت من أيّ شي‏ء خلقت الحور العين قال من تربة الجنّة النّورانيّة و يرى مخّ ساقيها من وراء سبعين حلّة كبدها مراته و كبده مراتها يكلّمن بكلام لم يسمع الخلائق بمثله يقلن بأصوات رخيمة : « نحن الخالدات فلا نموت و نحن النّاعمات فلا نبؤس و نحن المقيمات فلا نظعن و نحن الرّاضيات فلا نسخط طوبى لمن خلق لنا و طوبى لمن خلقنا له و نحن اللّواتي لو انّ قرن أحدنا علّق في جوّ السّماء لأغشى نوره الأبصار٣ .

« و لا في ما نهى عنه من الشّرّ مرغب » . كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم

____________________

( ١ ) السجدة : ١٥ ١٧ .

( ٢ ) المطففين : ٢٢ ٢٨ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٤١١ .

١٧٧

جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب .١ ، كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ أعيدوا فيها .٢ .

و في ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : . و انّ للطّاغين لشرّ مآبٍ جهنّم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميمٌ و غسّاقٌ٣ قال : الغسّاق واد في جهنّم فيه ( ٣٣٠ ) قلّة من سمّ و لو أنّ عقربا منها نضحت سمّها على أهل جهنّم لو سعتهم سمّها ، و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام انّ أهون الناس عذابا يوم القيامة لرجل في ضحضاح من النار عليه نعلان من نار و شراكان من نار يغلى منهما دماغه كما يغلى المرجل ما يرى ، انّ في النّار أشدّ عذابا منه و ما في النّار أحد أهون عذابا منه٤ .

« عباد اللَّه احذروا يوما تفحص فيه الأعمال » فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره٥ ، و ان تك مثقال حبّةٍ من خردلٍ آتينا بها و كفى بنا حاسبين٦ ، و كلّ صغيرٍ و كبيرٍ مستطرٌ٧ ،

و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً و لا كبيرةً إلاّ أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضراً .٨ « و يكثر فيه الزّلزال » في ( الصّحاح ) : زلزل اللَّه الأرض زلزلة و زلزالا بالكسر فتزلزلت هي و الزّلزال بالفتح الاسم٩ . .

____________________

( ١ ) النساء : ٥٦ .

( ٢ ) الحج : ٢٢ .

( ٣ ) ص : ٥٥ ٥٧ .

( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٢٤٢ .

( ٥ ) الزلزال : ٧ ٨ .

( ٦ ) الأنبياء : ٤٧ .

( ٧ ) القمر : ٥٣ .

( ٨ ) الكهف : ٤٩ .

( ٩ ) الصحاح : ( زلل ) .

١٧٨

اذا زُلزلت الأرض زلزالها و أخرجت الأرض أثقالها و قال الإنسان مالها١ ، و في سورة الحجّ يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنَّ زلزلة السّاعة شي‏ءٌ عظيم يوم ترونها تذهل كُلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت و تضع كُلُّ ذات حملٍ حملها و ترى النّاس سكارى و ما هم بسكارى و لكنّ عذاب اللَّه شديدٌ٢ .

« و تشيب فيه الأطفال » قال ابن أبي الحديد : قال تعالى : فكيف تتّقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً٣ .

و ليس ذلك على حقيقته لأنّ الامّة مجمعة على انّ الأطفال لا يتغيّر حالهم و انّما هو كلام جار مجرى المثل قال أبو الطّيّب :

و الهمّ يخترم الجسيم مخافة

و يشيب ناحية الصّبيّ و يهرم٤

قلت : الاجماع ليس بمعلوم فقد قال السّيوطي في تفسيره يجوز أن يكون المراد في الآية الحقيقة٥ « اعلموا عباد اللَّه إنّ عليكم رصدا من أنفسكم » في ( الصّحاح ) : الرّاصد للشّي‏ء الرّاقب له و الرّصد القوم يرصدون كالحرس يستوي فيه الواحد و الجمع و المؤنث٦ . .

ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيبٌ عتيدٌ٧ .

« و عيونا من جوارحكم » ذكروا للعين معاني و منها الجاسوس و هو المراد هنا و في ( ٦٥ ) من يس اليوم نختم على أفواههم و تكلّمنا أيديهم

____________________

( ١ ) الزلزال : ١ ٣ .

( ٢ ) الحج : ١ ٢ .

( ٣ ) المزمل : ١٧ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢١٥ ، و الشعر في ديوان المتنبي ٣ : ٢٥١ .

( ٥ ) تفسير الجلالين للسيوطي ٦ : ٢٧٩ .

( ٦ ) الصحاح : ( رصد ) .

( ٧ ) ق : ١٨ .

١٧٩

و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون و في ( ٢٠ ) من حم السجدة حتّى اذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون و قالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا اللَّه الذي أنطق كلّ شي‏ءٍ و هو خلقكم أوّل مرّةٍ و اليه ترجعون و ما كنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم و لكن ظننتم انّ اللَّه لا يعلم كثيراً ممّا تعملون و ذلكم ظنّكم الذي ظننتم بربِّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين١ « و حفّاظ صدق يحفظون أعمالكم » و إنّ عليكم لحافظن كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون٢ « و عدد أنفاسكم » . إنّما نعدُّ لهم عَدّاً٣ فسّر بتعداد الأنفاس « لا تستركم منهم ظلمة داج » في ( الصّحاح ) : الدّجى الظّلمة يقال دجا اللّيل يدجو دجواً الى أن قال قال الأصمعي دجا اللّيل انّما هو ألبس كلّ شي‏ء٤ و ليس هو من الظّلمة و منه قولهم « دجا الاسلام أي قوى و ألبس كلّ شي‏ء » .

« و لا يكنّكم » في ( الصحاح ) : قال الكسائي : كننت الشي‏ء سترته٥ « منهم باب ذو رتاج » في ( الصّحاح ) : الرتج بالتّحريك الباب العظيم و كذلك الرّتاج و منه رتاج الكعبة و يقال الرّتاج الباب المغلق و عليه باب صغير٦ . .

قلت : و كلامه عليه السّلام يشهد للأخير قال تعالى : اللَّه يعلم ما تحمل كلّ اُنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد و كلُّ شي‏ءٍ عنده بمقدار عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال سواءٌ منكم من أسرّ القول و من جهر بهِ وَ مَن هو مستخفٍ

____________________

( ١ ) فصلت : ٢٠ ٢٣ .

( ٢ ) الانفطار : ١٠ ١٢ .

( ٣ ) مريم : ٨٤ .

( ٤ ) الصحاح : ( دجا ) .

( ٥ ) الصحاح : ( كنن ) .

( ٦ ) الصحاح : ( رتج ) .

١٨٠