بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105615
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105615 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

إيّاكم و كفر النّعم لا تحلّ بكم النقم .١ « و الشحيح بك » في ( الصحاح ) الشّحّ البخل مع حرص تقول شححت بالكسر و شححت أيضا تشحّ و تشحّ و رجل شحيح و قوم شحاح و أشحّة و فلان يشحّ على فلان أي يضيّن به٢ ، « و لنعم دار من لم يرض بها دارا و محلُّ من لم يوطنها محلاّ » يا قوم إنّما هذه الحياة الدُّنيا متاعٌ و إنَّ الآخرة هي دار القرار٣ ، و إنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون٤ « و انّ السّعداء بالدّنيا هم الهاربون منها اليوم » إنَّ الّذين هم من خشية ربِّهم مشفقون و الّذين هم بآيات ربِّهم يؤمنون و الّذين بهم بربِّهم لا يشركون و الّذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلةٌ انّهم إلى ربّهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٥ .

« إذا رجفت الرّاجفة » في سورة النازعات يوم ترجف الرّاجفة تتبعها الرّادفة قلوب يومئذٍ واجفةٌ أبصارها خاشعةٌ٦ .

قال القمّي في ( تفسيره ) : ترجف الرّاجفة أي : تنشقّ الأرض بأهلها٧ .

و في ( الصحاح ) : الرّجفة : الزلزلة ، و الرّجّاف البحر سمّى به لاضطرابه٨ ، « و حقّت بجلائلها القيامة » في ( الصّحاح ) حقّ الشّي‏ء يحقّ بالكسر أي وجب٩ . .

____________________

( ١ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ١٤٣ .

( ٢ ) الصحاح : ( شحح ) .

( ٣ ) غافر : ٣٩ .

( ٤ ) العنكبوت : ٦٤ .

( ٥ ) المؤمنون : ٥٧ ٦١ .

( ٦ ) النّازعات : ٦ ٩ .

( ٧ ) تفسير القمي ١ : ٤٠٣ .

( ٨ ) الصحاح : ( رجف ) .

( ٩ ) الصحاح : ( حقق ) .

٢٠١

و الجلائل جمع جليلة و هي كلّ صفة عظيمة شديدة و لا وجه لاقتصار الصحاح فيه على معنى الثّمام فقال الجليل الثّمام و هو نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت ، قال :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بمكّة حولي أذخر و جليل

الواحدة جليلة و الجمع جلائل قال : يلوذ بجنبي مرخة و جلائل١ . .

قال تعالى : يا أيها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شي‏ء عظيمٌ يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت و تضع كلّ ذات حملٍ حملها و ترى النّاس سكارى و ما هم بسكارى و لكنّ عذاب اللَّه شديد٢ .

و روى الخطيب في عرفة بن يزيد انّ نافع بن الأزرق جاء الى ابن عبّاس فقال له اخبرني عن قوله تعالى : يوم يجمع اللَّه الرُّسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا .٣ و قوله تعالى : و نزعنا من كُلِّ اُمّةٍ شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا انّ الحقّ للَّه .٤ فكيف علموا و قد قالوا لا علم لنا ، قال له و اخبرني عن قوله تعالى : ثمَّ إنّكم يوم القيامة عند ربِّكم تختصمون٥ ، و قوله تعالى :

لا تختصموا لديَّ .٦ ، فكيف يختصمون و قد قال لا تختصموا لديّ ، قال له و اخبرني عن قوله تعالى : اليوم نختم على أفواههم و تكلّمنا أيديهم و تشهد أرجلهم .٧ ، فكيف شهدوا و قد ختم على الأفواه ، فقال له : إنّ للقيامة أحوالا

____________________

( ١ ) الصحاح : ( جلل ) .

( ٢ ) الحج : ١ ٢ .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٣ : ٣٠٢ ( ٦٧٤٨ ) ، و الآية ١٠٩ من سورة المائدة .

( ٤ ) القصص : ٧٥ .

( ٥ ) الزمر : ٣١ .

( ٦ ) ق : ٢٨ .

( ٧ ) يس : ٦٥ .

٢٠٢

و أهوالا و فظائع و زلازل و ذهلت الامّهات عن الأولاد و قذفت الحوامل ما في البطون و سجّرت البحار و دكدكت الآكام و لم يلتفت والد الى ولد و لا والدة الى ولد و جي‏ء بالجنّة يلوح فيها قباب الدّرّ و الياقوت حتى تنصب عن يمين العرش ثم جي‏ء بجهنّم يقاد بسبعين ألف زمام من حديد ممسك بكلّ زمام سبعون ألف ملك١ . .

« و لحق بكلّ منسك أهله » في ( الصّحاح ) المنسك العبادة و النّاسك العابد و النّسيكة الذّبيحة و الجمع نسك و نسّاك تقول منه نسك فيه ينسك و المنسك و المنسك الموضع الّذي تذبح فيه النّسائك و قرى‏ء بهما قوله تعالى لكلِّ اُمةٍ جعلنا منسكاً هم ناسكوه .٢ .

قلت : ظاهره اختصاص المنسك و المناسك بموضع الذّبائح مع انّ المناسك تجي‏ء لمطلق عبادات الحجّ و مطلق ما في العبادات قال تعالى : فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللَّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكراً .٣ ، و قال تعالى حكاية عن ابراهيم : ربّنا و اجعلنا مسلمين لك و من ذرّيتنا اُمّةً مسلمة لك و أرنا مناسكنا و تب علينا انّك أنت التّواب الرحيم٤ ، و كذلك المنسك يجي‏ء لمطلق العبادة كما في قوله تعالى لكلّ اُمّةٍ جعلنا منسكاً هم ناسكوه .٥ و مثله كلامه عليه السّلام الذي أصله الآية فالمراد به انّه لحق بكلّ شريعة و ملّة أهله فمن كان شرعه شرع اللَّه لحق به و من كان شرعه عن غير اللَّه لحق به أيضا ،

قال تعالى احشروا الّذين ظلموا و أزواجهم و ما كانوا يعبدون من دون اللَّه

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١٣ : ٣٠٢ .

( ٢ ) الصحاح : ( نسك ) ، و الآية ٦٧ من سورة الحج .

( ٣ ) البقرة : ٢٠٠ .

( ٤ ) البقرة : ١٢٨ .

( ٥ ) الحج : ٦٧ .

٢٠٣

فاهدوهم الى صراط الجحيم١ .

و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد في شرح كلامه عليه السّلام و المنسك الموضع الذي تذبح فيه الذبائح و هي ذبائح القربان٢ . فأيّ ربط لذلك بكلامه لكن سبب خبطه اقتصار الصحاح على ذاك المعنى ، « و بكلّ معبود عبدته » قال ابن أبي الحديد فان قلت فاذا كان يلحق بكلّ معبود عبدته فالنّصارى إذن يلحق بعيسى عليه السّلام و الغلاة بعليّ عليه السّلام و أجاب بأنّ المراد ان يؤمر الاتباع في الموقف بالتحيّز الى الجهة التي فيها الرؤساء ثمّ يقال للرّؤساء أهؤلاء عبدتكم فحينئذ يتبرّؤن منهم فينجو الرّؤساء و يهلك الاتباع كما قال سبحانه أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون .٣ .

و هو كما ترى .

« و بكلّ مطاع أهل طاعته » و قالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلّونا السّبيلا ربّنا آتهم ضعفين من العذاب و العنهم لعناً كبيراً٤ .

« فلم يجر في عدله و قسطه يومئذ خرق بصر في الهواء و لا همس قدم في الأرض إلاّ بحقّه » قال ابن أبي الحديد : اختلفت الرّواة في ( يجر ) فرواه قوم يجر مضارع جرى فيكون المعنى فلم يكن و لم يتجدّد في ديوان حسابه ذلك اليوم صغير و لا حقير إلاّ بالحقّ و الإنصاف و هذا مثل قوله تعالى : . لا ظلم اليوم إنّ اللَّه سريع الحساب٥ و رواه قوم ( يجز ) مضارع جاز أي لم يسغ و لا

____________________

( ١ ) الصافات : ٢٢ ٢٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٢ ، و الآيتان ٤٠ ٤١ من سورة سبأ .

( ٤ ) الأحزاب : ٦٧ ٦٨ .

( ٥ ) غافر : ١٧ .

٢٠٤

يرخص ذلك اليوم لأحد من المكلّفين في حركة من الحركات المحقّرات المستصغرات إلاّ إذا كانت قد فعلها بالحقّ و رواها قوم فلم يجر من جار أي عدل عن الطّريق أي لم ذهب عنه سبحانه شي‏ء من محقّرات الأمور إلاّ بحقّه إلاّ ما لا فائدة في اثباته نحو الحركات المباحة و العبثيّة التي لا تدخل تحت التكليف١ . .

قلت : الأخير بلا وجه لأنّه لا معنى لأن يقال لم يكن يومئذ جور إلاّ بحقّه ،

قال ابن أبي الحديد : أيضا قال الرّاوندي : « خرق بصر » مرفوع لأنّه اسم ما لم يسمّ فاعله و لا أعرف لهذا الكلام معنى٢ .

قلت : الظّاهر أنّ الراوندي قرأ لم يجز مجهولا من الجزاء نظير قوله تعالى . هل يجزون إلاّ ما كانوا يعملون٣ و هو الأقرب من سائر ما ذكر و معنى « خرق بصر في الهواء » ممّره فيه و همس قدم في الأرض أخفى ما يكون من صوت القدم قال تعالى . فلا تسمع إلاّ همساً٤ .

« فكم حجّة يوم ذاك داحضة » في ( الصحاح ) : دحضت حجّة دحوضا بطلت٥ . .

قال تعالى : و الذين يحاجّون في اللَّه من بعد ما استجيب له حجّتهم داحضةٌ عند ربِّهم و عليهم غضبٌ و لهم عذاب شديدٌ٦ .

« و علائق عذر منقطعة » قال تعالى : يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم و لهم

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢٤٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٢١٨ .

( ٣ ) الأعراف : ١٤٧ .

( ٤ ) طه : ١٠٨ .

( ٥ ) الصحاح : ( دحض ) .

( ٦ ) الشورى : ١٦ .

٢٠٥

اللّعنة و لهم سوءُ الدّار١ « فتحرّ من أمرك ما يقوم به عذرك » في ( الصحاح ) : يقال هو حرى أن يفعل بالفتح أي : خليق و جديد لا يثنّى و لا يجمع و اذا قلت هو حر بكسر الرّاء أو حريّ على فعيل ثنّيت و جمعت و منه اشتقّ التحريّ في الأشياء و هو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غلبة الظنّ٢ « و تثبت به حجّتك » و إذ قال اللَّه يا عيسى بن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني و اُمّي إلهين من دون اللَّه قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك إنَّك أنت علاّم الغيوب ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به ان اعبدوا اللَّه ربّي و ربّكم و كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلّما توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم و أنت على كلّ شي‏ءٍ شهيدٌ إن تعذّبهم فإنّهم عبادك و ان تغفر لهم فانّك أنت العزيز الحكيم قال اللَّه هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها .٣ .

و في ( الكافي ) عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله يؤتي يوم القيامة برجل فيقال له : احتجّ فيقول يا ربّ خلقتني و هديتني و أوسعت عليّ فلم أزل أوسّع على خلقك و أيسّر عليهم لكي تنشر عليّ هذا اليوم رحمتك و تيسّره فيقول الرّب جلّ ثناؤه صدق عبدي ادخلوه الجنّة٤ .

« و خذ ما يبقى لك ممّا لا تبقى له » ما عندك ينفد و ما عند اللَّه باقٍ .٥ ،

و تركتم ما خّولناكم وراء ظهوركم .٦ « و تيسّر لسفرك » في ( الصحاح ) :

____________________

( ١ ) غافر : ٥٢ .

( ٢ ) الصحاح : ( حرا ) .

( ٣ ) المائدة : ١١٦ ١١٩ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٤٠ ح ٨ .

( ٥ ) النحل : ٩٦ .

( ٦ ) الأنعام : ٩٤ .

٢٠٦

تيسّر لفلان الخروج و استيسر له بمعنى ، أي : تهيّأ١ . .

قال تعالى : و لتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ .٢ « و شم برق النّجاة » في ( الصحاح ) : في وشم أو شم البرق : لمع لمعا خفيفا قال أبو زيد : هو أوّل البرق حين برق و قال في شيم شمت فحائل الشي‏ء إذا تطلعت نحوها ببصرك منتظرا لها و شمت البرق اذا نظرت الى سحابه أين تمطر٣ . .

و مثله القاموس٤ ، و أظنّ ذكره في وشم و هما ، و لم يذكر ( الجمهرة ) و ( المصباح )٥ نظر البرق إلاّ في شيم و لفظه عليه السّلام أيضا من شيم لكن ان صحّ ما قال ( الصحاح ) فأوشم لمعانه في نفسه و شام ، نظر الانسان اليه اين يكون و كيف كان ، قال تعالى : يا أيها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تُنجيكم من عذابٍ أليم تؤمنون باللَّه و رسوله و تجاهدون في سبيل اللَّه بأموالكم و أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنّات تجري من تحتها الأنهار و مساكن طيّبةً في جنّات عدنٍ ذلك الفوز العظيم٦ .

« و أرحل مطايا التّشمير » في ( الصّحاح ) : رحلت البعير أرحله رحلا اذا شددت على ظهره الرّحل ، قال الأعشى :

رحلت سميّة غدوة احمالها

غضبي عليك فما تقول بدالها٧

و قال المثقب العبدي :

____________________

( ١ ) الصحاح : ( يسر ) .

( ٢ ) الحشر : ١٨ .

( ٣ ) الصحاح : ( و شم ) .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ( و شم ) .

( ٥ ) الجمهرة : ( شيم ) : ٨٢٢ ، و المصباح للفيتوري ( شيم ) : ٣٩٩ .

( ٦ ) الصف : ١٠ ١٢ .

( ٧ ) الصحاح : ( رحل ) و البيت في الديوان : ١٤٤ في مدح قيس بن معد .

٢٠٧

اذا ما قمت ارحلها بليل

تأوّه آهة الرجل الحزين١

و في ( المصباح ) : المطا وزان العصا : الظّهر ، و منه قيل للبعير مطيّة ( فعيله ) لأنّه يركب مطاه ذكرا كان أو انثى و يجمع على مطايا٢ و التشّمير في الأمر : السّرعة فيه و الخفّة و منه قيل شمّر في العبادة اذا بلغ و اجتهد و شمّر ثوبه رفعه . .

و روى ابن بابويه عن سفيان بن عيينة قال : رأى الزّهري عليّ بن الحسين عليه السّلام في ليلة باردة مطيرة و على ظهره دقيق و حطب و هو يمشي فقال له يا ابن رسول اللَّه ما هذا ؟ قال اريد سفرا اعتدّ له زادا الى موضع حريز فقال الزّهري فهذا غلامي يحمله عنك فأبى ، قال أفأحمله عنك ؟ فإني أرفعك عن حمله فقال عليه السّلام : لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري و يحسن وردي على ما أرد عليه أسألك بحقّ اللَّه لما مضيت لحاجتك و تركتني فانصرف عنه فلّما كان بعد أيّام قال له يا ابن رسول اللَّه لست أرى لذلك السّفر الذي ذكرته أثرا قال : بلى يا زهري ليس ما ظننته و لكنّه الموت و له استعدّ و انّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام و بذل النّدى٣ .

١٥

من الخطبة ( ١٧١ ) فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَ إِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ فَإِنَّ ؟ رَسُولَ اَللَّهِ ص ؟ كَانَ يَقُولُ يَا اِبْنَ آدَمَ اِعْمَلِ اَلْخَيْرَ وَ دَعِ اَلشَّرَّ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ أَلاَ وَ إِنَّ اَلظُّلْمَ ثَلاَثَةٌ فَظُلْمٌ لاَ يُغْفَرُ وَ ظُلْمٌ لاَ يُتْرَكُ وَ ظُلْمٌ

____________________

( ١ ) الصحاح : ( رحل ) .

( ٢ ) المصباح : ( مطل ) ٢٧٤ .

( ٣ ) علل الشرائع للصدوق : ( ٢٣١ ح ٥ .

٢٠٨

مَغْفُورٌ لاَ يُطْلَبُ فَأَمَّا اَلظُّلْمُ اَلَّذِي لاَ يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اَللَّهُ إِنَّ اَللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ١ ٧ ٤ : ٤٨ وَ أَمَّا اَلظُّلْمُ اَلَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ اَلْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ اَلْهَنَاتِ وَ أَمَّا اَلظُّلْمُ اَلَّذِي لاَ يُتْرَكُ فَظُلْمُ اَلْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً اَلْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى وَ لاَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَ لَكِنَّهُ مَا يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَهُ فَإِيَّاكُمْ وَ اَلتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اَللَّهِ فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيمَا تَكْرَهُونَ مِنَ اَلْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ فُرْقَةٍ فِيمَا تُحِبُّونَ مِنَ اَلْبَاطِلِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَيْراً مِمَّنْ مَضَى وَ لاَ مِمَّنْ بَقِيَ يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ اَلنَّاسِ وَ طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ وَ أَكَلَ قُوتَهُ وَ اِشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَ بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُلٍ وَ اَلنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ أقول : أمّا قوله عليه السّلام « فاذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه و إذا رأيتم شرّا فاذهبوا عنه » فقد قال تعالى تعاونوا على البرّ و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتّقوا اللَّه انّ اللَّه شديد العقاب١ .

و قال الشاعر :

الخير يبقى و ان طال الزّمان به

و الشّر أخبث ما أوعيت من زاد

« فان رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و آله كان يقول يا ابن آدم اعمل الخير و دع الشّرّ فاذا انت جواد قاصد » الجواد يأتي لمعان ، قال في ( الصحاح ) : جاد الرّجل بماله و يجود فهو جواد و كذلك امرأة جواد قال :

صناع باشفاها حصان بشكرها

جواد بقوت البطن و العرق زافر

و تقول : سرنا عقبة جوادا أي : بعيدة و جاد الفرس أي : صار رائعا يجود جودة بالضّمّ فهو جواد للذّكر و الأنثى من خيل جياد و أجياد و أجاويد .٢ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٢ .

( ٢ ) الصحاح : ( جود ) .

٢٠٩

و المراد منه هنا الأخير و كذلك قاصد يأتي لمعان ، قال في ( الصحاح ) :

أيضا القاصد القريب يقال : بيننا و بين الماء ليلة قاصدة أي : هيّنة السّير لا تعب فيه ، و لا بطؤ ، و القصد : بين الاسراف و التّقتير ، و القصد : العدل .١ .

و يمكن إرادة كلّ منها ، و يمكن أن يكون كلامه عليه السّلام إشارة الى قوله تعالى انّ الّذين قالوا ربّنا اللَّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٢ .

و روى ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السّلام قال : إنّ الشّمس لتطلع و معها أربعة أملاك ملك ينادي يا صاحب الخير أتمّ و ابشر و ملك ينادي يا صاحب الشّرّ انزع و اقصر و ملك ينادي اعط منفقا طلفا وات ممسكا تلفا و ملك ينضحها بالماء و لو لا ذلك اشتعلت الأرض٣ .

« ألا و انّ الظّلم ثلاثة فظلم لا يغفر و ظلم لا يترك و ظلم مغفور لا يطلب » و رواه ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السّلام أيضا .

« فأمّا الظّلم الّذي لا يغفر فالشّرك باللَّه » جعل عليه السّلام الشّرك من الظّلم لقوله تعالى و إذ قال لقمان لابنه و هو يعظه يا بنيّ لا تشرك باللَّه انّ الشّرك لظلمٌ عظيم٤ و ورد في الخبر : أنّ الشّرك شرك جليّ و شرك خفيّ و الرّياء من الشرك الخفي٥ .

كما انّ المنافق كالمشرك لا يغفر تعالى له فقال لنبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله . ان تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللَّه لهم ذلك بأنّهم كفروا باللَّه و رسوله و اللَّه

____________________

( ١ ) الصحاح : ( قصد ) .

( ٢ ) فصلت : ٣٠ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ٤٢ ح ١ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٢٣ ح ١ ، و الآية ١٣ من سورة لقمان .

( ٥ ) نقل العياشي في تفسيره ما يشابهه ٢ : ٣٥٢ ، و نقله المجلسي في البحار ٨١ : ٣٤٨ .

٢١٠

لا يهدي القوم الفاسقين١ .

« قال اللَّه إنّ اللَّه لا يغفر ان يشرك به » قال تعالى ذلك في موضعين من سورة النساء الأول في الآية ( ٤٨ ) إنَّ اللَّه لا يغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و من يشرك باللَّه فقد افترى إثماً عظيماً و الثاني في الآية ( ١١٦ ) إنّ اللَّه لا يغفر أن يُشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء و من يشرك باللَّه فقد ضلّ ضلالاً بعيداً .

« و أمّا الظلم الّذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات » في ( الصحاح ) :

في فلان هنات أي : خصلات شرّ و لا يقال ذلك في الخير٢ .

و في ( اللّسان ) ما معناه : منهم من يقول أصل هن هنو و تصغيره هنيّ ،

و منهم من يقول أصله هنّ و تصغيره هنين و الجمع هنات ، قال الكميت :

و قالت لي النّفس اشعب الصّدع و اهتبل

لإحدى الهنات المعضلات اهتبالها

و في حديث سطيح ( ثمّ تكون هنات و هنات ) أي شدائد و امور عظام .٣ .

إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم .٤ ، و الذين اذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذّنوب إلاّ اللَّه و لم يصّروا على ما فعلوا و هم يعلمون٥ ، الّذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش إلاّ اللّمم إنّ ربّك واسع المغفرة .٦ .

____________________

( ١ ) التوبة : ٨٠ .

( ٢ ) الصحاح : ( هنا ) .

( ٣ ) لسان العرب ١٥ : ٢١٠ .

( ٤ ) النساء : ٣١ .

( ٥ ) آل عمران : ١٣٥ .

( ٦ ) النجم : ٣٢ .

٢١١

و المراد بقوله عليه السّلام « عند بعض الهنات » وقوع العصيان منه غفلة ثمّ يتذّكر فورا كما هو مفاد تلك الآيات و امّا من يعص قصدا و يصرّ فهو ممّن قال تعالى بلى من كسب سيّئة و أحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون١ و انّما هو ظلم العبد نفسه لا ربّه لأنّه تعالى قال يا أيُّها الناس انّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدُّنيا ثمّ الينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون إنّما مثل الحياة الدُّنيا٢ . .

و في ( الكافي ) عن الصّادق و الكاظم عليهما السّلام عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله : من أصبح لا يهمّ بظلم أحد غفر اللَّه له ما اجترم٣ .

« و أمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا » روى ( الكافي ) عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام مبتدئا ( من ظلم سلّط اللَّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه فقال فانّ اللَّه تعالى يقول و ليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذُرِّيّةً ضعافاً خافوا عليهم فليتّقوا اللَّه و ليقولوا قولاً سديداً٤ .

و عنه عليه السّلام : أوحى اللَّه تعالى الى نبيّ من الأنبياء في مملكة جبّار أن ائته و قل له : انّي لم استعملك على سفك الدّماء و اتّخاذ الأموال و انّما استعملتك لتكفّ عنّي أصوات المظلومين و انّي لم أدع ظلامتهم و ان كانوا كفّارا٥ .

« القصاص هناك شديد » روى ( الكافي ) عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال : من خاف

____________________

( ١ ) البقرة : ٨١ .

( ٢ ) يونس : ٢٣ ٢٤ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ٢٥ ح ٨ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٤ : ٢٦ ح ١٣ ، و الآية ٩ من سورة النساء .

( ٥ ) الكافي ٢٧٤ ح ١٤ .

٢١٢

القصاص كفّ عن ظلم النّاس١ .

« ليس هو جرحا بالمدى » في ( الصحاح ) المدية بالضّمّ : الشفرة و قد تكسر و الجمع مديات و مدى٢ .

« و لا ضربا بالسّياط » في ( الصحاح ) السّوط الّذي يضرب به و الجمع أسواط و سياط٣ .

و في ( وزراء الجهشياري ) قلّد يزيد بن عبد الملك عمر بن هبيرة العراق فلمّا صار اليه عزم على الجباية فخاف مكان صالح بن عبد الرحمن عند يزيد فقال لكاتبه هل الى صالح من سبيل قال : لا ، الاّ أن تظلمه قال : و كيف لي بظلمه ،

قال : كان رفع الى يزيد بن المهلّب ستّمأة ألف درهم و لم يأخذ منه بها براءة فكتب ابن هبيرة الى يزيد انّ بي الى صالح حاجة فان رأى ان يوجّهه اليّ فعل فدعا يزيد بصالح فأخبره فقال و اللّه ما به اليّ حاجة و لقد تركت العراق و لو أتاه أبكم أكمه عرف ما فيه فأنفذه اليه فلمّا وصل الى ابن هبيرة أمر به فعذّب فكان كلّما عذّب بضرب من العذاب قال هذا القصاص قد كنت أعذّب الناس بمثل هذا حتّى عذّب بضرب منه كان يدعى الفزاديّة كان اياس بن معاوية دلّ ابن هبيرة عليه فقال صالح هذا ما لم اعذّب به فلمّا ألحّ ابن هبيرة على صالح بالعذاب جاء جبلة بن عبد الرّحمن وجبهان بن محرز و النّعمان السّكسكي و قالوا نحن نضمن صالحا و ما عليه فقال لهم الكاتب احضروا المال فدخل الكاتب على ابن هبيرة فأعلمه فلم يخرج اليهم حتّى أمسوا و انصرفوا و أصبح صالح ميتا٤ .

____________________

( ١ ) الكافي ٤ : ٣٠ ح ٢٣ .

( ٢ ) الصحاح : ( مدا ) .

( ٣ ) الصحاح : ( سوط ) .

( ٤ ) الكتاب و الوزراء للجهشياري : ٥٨ .

٢١٣

« و لكنّه ما يستصغر ذلك معه » قال ابن أبي الحديد قال الأوزاعي للمنصور روي لي عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله لو أنّ ثوبا من ثياب أهل النّار علّق بين السماء و الأرض لأحرق أهل الأرض قاطبة فكيف بمن يتقمّصه و لو انّ ذنوبا من حميم جهنّم صبّ على ماء الأرض كلّه لآجنه حتّى لا يستطيع مخلوق شربه فكيف بمن يتجرّعه و لو انّ حلقة من سلاسل النّار وضعت على جبل لذاب كما يذوب الرّصاص فكيف بمن يسلك فيها و يرد فضلها على عاتقه١ .

أبو سعيد الخدري مرفوعا : لو ضرب جبال الدّنيا بمقمع من تلك المقامع من الحديد لصارت غبارا٢ .

و قال الحسن البصري : الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النّار انّهم أعجزوا الرّبّ و لكن اذا طغا بهم اللّهب أرسبتهم في النّار قال ثمّ خرّ الحسن صعقا و قال و دموعه تتحادر يا بن آدم نفسك فانّما هي نفس واحدة ان نجت نجوت و ان هلكت لم ينفعك من نجا و اللَّه ما يقدر العباد قدر حرّها و لو انّ رجلا كان بالمشرق و جهنّم بالمغرب ثم كشف عن غطاء واحد منها لغلت جمجمته و لو انّ دلوا من صديدها صبّ في الأرض ما بقي على وجهها شي‏ء فيه روح إلاّ مات٣ .

طاووس أيّها النّاس انّ النّار لمّا خلقت طارت أفئدة الملائكة فلّما خلقتم سكنت٤ .

مطرف بن الشّخير : انّكم لتذكرون الجنّة و انّ ذكر النّار قد حال بيني و بين أن أسأل اللَّه الجنّة٥ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٣٥ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١٠ : ٣٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٣٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ٣٦ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١٠ : ٣٧ .

٢١٤

قلت : و في دعاء كميل : ( و هذا ما لا تقوم له السماوات و الأرض فكيف بي و أنا عبدك الضعيف الذّليل الحقير المسكين المستكين )١ .

و روى ( عقاب الأعمال ) عن عيص بن العاصم قال : ذكر عند أبي عبد اللَّه عليه السّلام قاتل الحسين عليه السّلام فقال بعض أصحابه كنت أشتهي أن ينتقم اللَّه منه في الدّنيا فقال كأنّك تستقلّ له عذاب اللَّه و ما عند اللَّه أشدّ عذابا و أشدّ نكالا٢ .

« فأيّاكم و التّلوّن في دين اللَّه » في ( الصحاح ) : فلان متلوّن اذا كان لا يثبت على خلق واحد . .

قال الجاحظ في ( سفيانيّته ) كما نقل عنه ( ابن أبي الحديد ) في موضع آخر : قال عمر للزّبير بعد جعله من احدى ستّة الشورى : امّا أنت فوعقة لقس مؤمن الرّضا كافر الغضب يوما إنسان و يوما شيطان و لعلّها لو أفضت اليك ظلّت يومك تلاطم بالبطحاء على مدمن شعير أفرأيت أن أفضت اليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا اماما و من تكون يوم تغضب اماما الخ و لتلوّنه في دين اللّه يوما حارب عن أمير المؤمنين عليه السّلام و يوما حاربه و يوما قال لا ابايع غيره يوما كان أوّل من نكث بعد بيعته٣ .

« فإنّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل » قل تعالوا اتل ما حرّم ربّكم عليكم ألاّ تشركوا به شيئا و بالوالدين احساناً و لا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم و إيّاهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللَّه إلاّ بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلّكم

____________________

( ١ ) عباس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء كميل بن زياد : ١١٥ .

( ٢ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٥٧ ح ١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٥ .

٢١٥

تعقلون و لا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط لا نكلّف نفسا إلاّ وسعها و اذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى و بعهد اللَّه أوفوا ذلكم وصّاكم به لعلّكم تذكّرون١ ، و انَّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لا تتّبعوا السُّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون٢ .

« و إنَّ اللّه سبحانه لم يعط أحدا بفرقة خيرا ممّن مضى و لا ممّن بقى » شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا و الّذي أوحينا اليك و ما وصّينا به ابراهيم و موسى و عيسى ان أقيموا الدّين و لا تتفرّقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه اللَّه يجتبي اليه من يشاء و يهدي اليه من ينيب٣ .

« يا أيّها النّاس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس » في الخبر قال عزّ و جلّ لموسى عليه السّلام يا موسى احفظ وصيّتي لك بأربعة أوّلهنّ ما دمت لا ترى ذنوبك قد غفرت فلا تشتغل بعيب غيرك و الثّانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتمّ بسبب رزقك و الثّالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري و الرّابعة ما دمت لم تر الشيطان ميتا فلا تأمن مكره٤ .

« و طوبى لمن لزم بيته و أكل قوته » قال ( ابن أبي الحديد ) : قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله ان اللَّه يحبّ التقيّ النّقيّ الخفيّ٥ و كان يقال : الاستيناس بالنّاس من علامات الافلاس٦ .

____________________

( ١ ) الأنعام : ١٥١ ١٥٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥٣ .

( ٣ ) الشورى : ١٣ .

( ٤ ) الخصال ١ : ١٠٣ ، و البحار ١٣ : ٣٤٤ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٠ : ٤٢ .

( ٦ ) المصدر نفسه ١٠ : ٤٤ .

٢١٦

« و اشتغل بطاعة ربِّه و بكى على خطيئته » قال ابن أبي الحديد قيل لبعضهم ما أصبرك على الوحدة ؟ فقال لست وحدي ، أنا جليس ربّي اذا شئت ان يناجيني قرأت كتابه و اذا شئت أن اناجيه صلّيت١ .

و قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله لعبد اللَّه بن عامر الجهني لمّا سأله عن طريق النّجاة ،

يسعك بيتك و امسك عليك دينك و ابك على خطيئتك٢ .

و قيل للحسن هاهنا رجل لم نره قطّ جالسا إلاّ وحده خلف سارية فقال اذا رأيتموه فأخبروني فنظروا اليه ذات يوم فقالوا للحسن فمضى نحوه فقال ما يمنعك من مجالسة النّاس ؟ قال أمر شغلني عنهم ، قال : فما يمنعك أن تأتي هذا الرّجل الّذي يقال له الحسن ، فتجلس اليه قال : أمر شغلني عن النّاس و عن الحسن قال و ما ذاك ؟ قال إنّي أصبح و أمسي بين نعمة و ذنب ، فاشغل نفسي بشكر اللَّه على نعمه و الاستغفار من ذنوبي فقال له الحسن : أنت أفقه عندي من الحسن فالزم ما أنت عليه٣ .

« فكان من نفسه في شغل و النّاس منه في راحة » قال ابن أبي الحديد : قال الفضل اذا رأيت اللّيل مقبلا فرحت به و قلت اخلو بربّي و اذا رأيت الصّبح أدركني استرجعت كراهيّة لقاء النّاس و ان يجيى‏ء إليّ من يشغلني عن ربّي٤ .

قال ابن أبي الحديد كلامه عليه السّلام تختلف مناهجه رجّح هنا العزلة على المخالطة و كلامه عليه السّلام في دخوله على العلاء بن زياد الحارثي عائدا نهى عن العزلة و يجب أن يحمل ذلك على انّ من النّاس من العزلة خير له من المخالطة و منهم من هو بالضّدّ من ذلك .٥ .

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١٠ : ٤٢ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١٠ : ٣٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٠ : ٤٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١٠ : ٤٣ .

( ٥ ) المصدر نفسه ١٠ : ٥٢ .

٢١٧

قلت : بل كلامه عليه السّلام متّفق الأطراف و لم ينه العلاء عن العزلة و انّما كان العلاء ترك أهله و ولده و لهم حقوق و ترك الاكتساب له و لهم و هو واجب و كلامه عليه السّلام وارد في التنكّب عن مخالطة أهل الدّنيا الّذين دأبهم النّفاق و يلزمه الاشتغال بذكر عيوب النّاس و ترك عبادة اللَّه تعالى و المخاصمة مع عباده .

١٦

الخطبة ( ٢٠ ) و من خطبة له عليه السّلام :

فَإِنَّ اَلْغَايَةَ أَمَامَكُمْ وَ إِنَّ وَرَاءَكُمُ اَلسَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ أقول : إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام اللّه سبحانه و بعد كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بكل كلام لمال به راجحا و برز عليه سابقا فأمّا قوله عليه السلام تخففوا تلحقوا فما سمع كلام أقل منه مسموعا و لا أكثر محصولا و ما أبعد غورها من كلمه و أنفع نطفتها من حكمة و قد نبهنا في كتاب ( الخصائص ) على عظم قدرها و شرف جوهرها .

الخطبة ( ١٦٢ ) و من خطبة له عليه السّلام في أوّل خلافته :

إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ اَلْخَيْرَ وَ اَلشَّرَّ فَخُذُوا نَهْجَ اَلْخَيْرِ تَهْتَدُوا وَ اِصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ اَلشَّرِّ تَقْصِدُوا اَلْفَرَائِضَ اَلْفَرَائِضَ أَدُّوهَا إِلَى اَللَّهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى اَلْجَنَّةِ إِنَّ اَللَّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ وَ أَحَلَّ حَلاَلاً غَيْرَ مَدْخُولٍ وَ فَضَّلَ حُرْمَةَ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْحُرَمِ كُلِّهَا وَ شَدَّ بِالْإِخْلاَصِ وَ اَلتَّوْحِيدِ حُقُوقَ اَلْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لاَ يَحِلُّ أَذَى اَلْمُسْلِمِ إِلاَّ بِمَا يَجِبُ بَادِرُوا

٢١٨

أَمْرَ اَلْعَامَّةِ وَ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَ هُوَ اَلْمَوْتُ فَإِنَّ اَلنَّاسَ أَمَامَكُمْ وَ إِنَّ اَلسَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ اِتَّقُوا اَللَّهَ فِي عِبَادِهِ وَ بِلاَدِهِ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ اَلْبِقَاعِ وَ اَلْبَهَائِمِ وَ أَطِيعُوا اَللَّهَ وَ لاَ تَعْصُوهُ وَ إِذَا رَأَيْتُمُ اَلْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ وَ إِذَا رَأَيْتُمُ اَلشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ أقول : قد تبيّن لك من جمعنا بين الخطبتين انّ الأصل في الأولى ذيل الأخيرة مع يسير اختلاف و لم يتفطّن لذاك المصنّف حتّى لا ينقل الاولى أو يعتذر في الثّانية بإعادتها لاختلافها اليسير ، ثمّ انّ الأصل في الثانية رواية ( الطبري ) قال : كتب إليّ السّدّي عن شعيب عن سيف عن سليمان بن أبي المغيرة عن عليّ بن الحسين عليه السّلام قال : أوّل خطبة خطب عليّ عليه السّلام قال حمد اللَّه و أثنى عليه ، فقال : انّ اللَّه عزّ و جلّ . و زاد في آخره و اذا كروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض .١ .

قوله عليه السّلام في الثانية : « إنّ اللَّه أنزل كتابا هاديا بيّن فيه الخير و الشّرّ » هذا بيانٌ للنّاس و هُدى و موعظةٌ للمتّقين٢ ، كتابٌ فُصّلت آياته قُرآناً عربيّاً لقومٍ يعلمون بشيراً و نذيراً فاعرض أكثرهم فهم لا يسمعون٣ ، الحمد للَّه الّذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجاً قيّماً لينذر بأساً شديداً من لدنه و يُبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات انّ لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً و ينذر الّذين قالوا اتّخذ اللَّه ولداً٤ .

« فخذوا نهج الخير تهتدوا » اتّبعوا ما اُنزل اليكم من ربِّكم و لا تتّبعوا من

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٥٧ ، و الآية ٢٦ من سورة الأنفال .

( ٢ ) آل عمران : ١٣٨ .

( ٣ ) فصلت : ٣ ٤ .

( ٤ ) الكهف : ١ ٤ .

٢١٩

دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون١ .

« و اصدفوا عن سمت الشّرّ تقصدوا » في ( الصحاح ) : صدف عنّي أي أعرض٢ و السّمت : الطّريق و القصد العدل ، قال :

على حكم المأتيّ يوما اذا قضى

قضيّته ألاّ يجور و يقصد

قال الفّراء رفعه للمخالفة لأنّ معناه مخالف لما قبله فخولف بينهما في الإعراب٣ .

« الفرائض الفرائض أدوّها إلى اللَّه تؤدّكم الى الجنّة » في الخبر أعبد النّاس من أقام الفرائض٤ .

« إنّ اللَّه حرّم حراما غير مجهول و أحلّ حلالا غير مدخول » و يحلّ لهم الطّيبات و يُحرّم عليهم الخبائث٥ ، لا تحرّموا طيّبات ما أحَلّ اللَّه لكم و لا تعتدوا إنّ اللَّه لا يحبّ المعتدين و كلوا ممّا رزقكم اللَّه حلالاً طيّباً و اتّقوا اللَّه الّذي أنتم به مؤمنون٦ .

و انّما وصف عليه السّلام الحرام بكونه غير مجهول لأنّ كلّ شي‏ء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه و ذلك فيما لم يكن علم إجمالي ، و وصف الحلال بكونه غير مدخول لأنّه انّما أحلّ حلالا لم يدخل فيه الحرام فيحرم الحلال أيضا معه كما لو علم الحرام تفصيلا معيّنا و قال ابن أبي الحديد ذكر عليه السّلام انّ الحرام غير مجهول للمكلّف بل معلوم و الحلال غير مدخول أي لا

____________________

( ١ ) الأعراف : ٣ .

( ٢ ) الصحاح : (( صدف )) .

( ٣ ) الصحاح : ( قصد ) .

( ٤ ) الأمالي للصدوق : ٢٧ ح ٤ .

( ٥ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٦ ) المائدة : ٨٧ ٨٨ .

٢٢٠