بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105617
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105617 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

و كان يصوم النهار و يأكل باللّيل ما يمسك رمقه فكانت بنته تأتيه بعشائه و تحلّه عند قضاء الحاجة فلّما كان بعد ذلك و النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله في بيت امّ سلمة نزلت توبته و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً عسى اللَّه أن يتوب عليهم إنّ اللَّه غفور رحيم١ ، فقال صلَّى اللَّه عليه و آله لها قد تاب اللَّه عليه فقالت افاوذنه فقال لتفعلنّ فأخرجت رأسها من الحجرة فقالت ابشر يا أبا لبابة قد تاب اللَّه عليك فقال الحمد للَّه فوثب المسلمون يحلّونه فقال لا و اللَّه حتّى يحلّني صلَّى اللَّه عليه و آله فجاء صلَّى اللَّه عليه و آله فقال تاب اللَّه عليك لو ولدت من امّك يومك هذا لكفاك فقال ا فاتصدّق به بمالي كلّه ؟ قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فثلثه فقال نعم٢ .

« و وجل فعمل » إنّ الّذين هم من خشية ربِّهم مشفقون و الّذين هم بآيات ربِّهم يؤمنون و الّذين هم بربِّهم لا يشركون و الّذين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجِلةٌ انّهم الى ربِّهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٣ ، فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم اللَّه جميعاً .٤ .

« و أيقن فأحسن » فأما من اعطى و اتّقى و صدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى٥ .

« و عبّر فاعتبر » أي : رأى اسباب العبرة فاعتبر بها .

« و حذّر فازدجر » قال تعالى في سورة القمر كرارا و لقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر .

____________________

( ١ ) التوبة : ١٠٢ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٣٠٣ .

( ٣ ) المؤمنون : ٥٧ ٦١ .

( ٤ ) البقرة : ١٤٨ .

( ٥ ) الليل : ٥ ٧ .

٢٨١

« و أجاب فأناب » و الّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها و أنابوا الى اللَّه لهم البشرى .١ ، « و رجع » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب ( و راجع ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« فتاب » . و توبوا الى اللَّه جميعاً أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون٤ .

« و اقتدى فاحتذى » في ( الصّحاح ) : حذوت النّعل بالنعل حذوا اذا قدّرت كلّ واحدة على صاحبتها٥ . .

قل ان كنتم تحبّون اللَّه فاتّبعوني يحببكم اللَّه و يغفر لكم ذنوبكم و اللَّه غفور رحيم٦ .

« و ارى فرأى » هو الّذي يريكم آياته و ينزّل لكم من السّماء رِزقاً و ما يتذكّر إلاّ من يُنيب٧ .

« فأسرع طالبا » للخير « و نجا هاربا » من الشّرّ « فأفاد ذخيرة » و ما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللَّه هو خيراً و أعظم أجراً و استغفروا اللَّه إنّ اللَّه غفورٌ رحيم٨ .

« و أطاب سريرة » قد أفلح من زكاها٩ .

____________________

( ١ ) الزمر : ١٧ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ١٩٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٢٥٥ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٢٤٦ .

( ٤ ) النور : ٣١ .

( ٥ ) الصحاح : ( حذا ) .

( ٦ ) آل عمران : ٣١ .

( ٧ ) المؤمنون : ١٣ .

( ٨ ) المزمل : ٢٠ .

( ٩ ) الشمس : ٩ .

٢٨٢

« و عمّر معادا » و إنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان .١ .

« و استظهر زادا » في ( الصحاح ) : استظهر به أي استعان به و استظهر الشّي‏ء حفظه و قرأه ظاهرا٢ .

« ليوم رحيله ، و وجه سبيله و حال حاجته و موطن فاقته » في ( الفقيه ) عن أمير المؤمنين عليه السّلام : ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم أنا يوم جديد و أنا عليك شهيد فقل فيّ خيرا شهد لك يوم القيامة فانّك لن تراني بعده أبدا٣ .

« و قدّم أمامه لدار مقامه » و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخّرتني إلى أجلٍ قريب فأصّدّق و أكن من الصّالحين٤ .

« فاتّقوا اللّه عباد اللَّه جهة ما خلقكم له » أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً و انّكم الينا لا ترجعون٥ ، أيحسب الإنسان أن يُترك سدىً٦ ، و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون ما اُريد منهم من رزقٍ و ما اُريد أن يطعِمون٧ .

« و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه » في ( المصباح ) : كنه الشي‏ء نهايته و حقيقته و الكنه الوقت قال ( و انّ كلام المرء في غير كنهه ) أي في غير وقته و لا يشتقّ منه فعل٨ .

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٤ .

( ٢ ) الصحاح : ( ظهر ) .

( ٣ ) الفقيه ٤ : ٣٩٧ ح ٥٨٤٩ .

( ٤ ) المنافقون : ١٠ .

( ٥ ) المؤمنون : ١١٥ .

( ٦ ) القيامة : ٣٦ .

( ٧ ) الذاريات : ٥٦ ٥٧ .

( ٨ ) المصباح المنير للفيتوري ٢ : ٢٣٣ ( كنه ) .

٢٨٣

قلت : كأنّه مشتقّ من كلمتي كونه أو كيانه فخفّفتا و صارتا كلمة واحدة و كيف كان قال تعالى يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه حقّ تقاته و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل اللَّه جميعاً و لا تفرّقوا .١ .

« و استحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتنجّز لصدق ميعاده » في ( الصحاح ) : نجّز حاجته : قضاها و استنجز الرّجل حاجته و تنجّزها أي استنجحها و النّاجز الحاضر يقال بعته ناجزا بناجز كقولك يدا بيد٢ .

و الميعاد المواعدة و الوقت و الموضع .

« و الحذر من هول معاده » في ( تفسير القمّي ) عن الصادق عليه السّلام : ما خلق اللَّه خلقا إلاّ جعل له في الجنّة منزلا و في النّار منزلاً فاذا دخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النّار النّار نادى مناديا أهل الجنّة اشرفوا فيشرفون على أهل النّار و ترفع لهم منازلهم لهم فيها ثمّ يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم اللَّه لدخلتموها قال فلو انّ أحدا مات فرحا لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب ثمّ يناد مناديا أهل النّار ارفعوا رؤسكم فيرفعون رؤسهم فينظرون الى منازلهم في الجنّة و ما فيها من النّعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها فلو انّ أحدا مات حزنا لمات أهل النّار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء و يورث هؤلاء منازل هؤلاء٣ و ذلك قوله تعالى اُولئك هم الوارِثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون٤ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٠٢ ١٠٣ .

( ٢ ) الصحاح : ( نجز ) .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٨٩ .

( ٤ ) المؤمنون : ١٠ ١١ .

٢٨٤

٢٢

الخطبة ( ٩٨ ) و من كلام له عليه السّلام يجري مجرى الخطبة :

وَ ذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اَللَّهُ فِيهِ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ لِنِقَاشِ اَلْحِسَابِ وَ جَزَاءِ اَلْأَعْمَالِ خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ اَلْعَرَقُ وَ رَجَفَتْ بِهِمُ اَلْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالاً مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً وَ لِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً أقول : قوله « و من كلام له عليه السّلام يجري مجرى الخطبة » هكذا في ( المصرية )١ و في « ( ابن ابي حديد و ابن ميثم )٢ : ( ( و من خطبة له عليه السّلام تجري هذا المجرى ) ) : و هو الصّحيح و قوله ( ( هذا المجرى ) ) اشارة الى اشتمالها على ذكر الملاحم كسابقتها .

« و ذلك يوم يجمع اللَّه فيه الأوّلين و الآخرين » الأصل في كلامه عليه السّلام قوله تعالى قل إنّ الأولين و الآخرين لمجموعون الى ميقات يومٍ معلوم٣ ،

إن كانت إلاّ صيحةً واحدةً فاذا هم جميعٌ لدينا محضرون٤ ، يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن .٥ .

« لنقاش الحساب » النّقاش و المناقشة الاستقصاء في الحساب و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللَّه .٦ ، و كلّ صغيرٍ و كبيرٍ

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية ليس فيها ما ذكر : ٢٤٦ ح ٩٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٠٢ ح ١٠١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٣ ح ٩٩ .

( ٣ ) الواقعة : ٤٩ ٥٠ .

( ٤ ) يس : ٥٣ .

( ٥ ) التغابن : ٩ .

( ٦ ) البقرة : ٢٨٤ .

٢٨٥

مستطرٌ١ ، و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة و لا كبيرةً إلاّ أحصاها و وجدوا ما عمِلوا حاضراً .٢ .

« و جزاء الأعمال » فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره٣ ، ليجزي الذين أسآؤا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى٤ .

« خضوعا » هنا هو جمع خاضع و خشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلاّ همسا٥ .

« قياما » ( قيام ) يكون مصدر ( قام ) و يكون جمع قائم و هو المراد هنا .

روي عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله اذا كان يوم القيامة ادنيت الشّمس حتّى يكون بقدر ميل أو ميلين فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه الى عقبه و منهم من يلجمه إلجاما و أشار بيده الى فيه٦ .

« و رجفت بهم الأرض » يوم ترجف الأرض و الجبال و كانت الجبال كثيباً مهيلاً٧ .

« فأحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا و لنفسه متّسعا » يوماً يجعل الولدان شيباً٨ ، يوم ترجف الرّاجفة تتبعها الرّادفة قلوبٌ يومئذٍ

____________________

( ١ ) القمر : ٥٣ .

( ٢ ) الكهف : ٤٩ .

( ٣ ) الزلزلة : ٨ ٩ .

( ٤ ) النجم : ٣١ .

( ٥ ) طه : ١٠٨ .

( ٦ ) الترمذي ، سنن الترمذي : ح ٢٣٤٥ كتاب ٣٤ باب ١ عن المقداد .

( ٧ ) المزمل : ١٤ .

( ٨ ) المزمل : ١٧ .

٢٨٦

واجفةٌ أبصارها خاشعةٌ١ .

هذا ، و مرّ في فصل إمامته عليه السّلام قوله عليه السّلام « شغل من الجنّة و النّار أمامه » الى آخره .

____________________

( ١ ) النازعات : ٦ ٩ .

٢٨٧

الفصل التاسع و الثلاثون في ما قاله عليه السّلام في ما يجب على العبد لربّه

٢٨٨

١

الحكمة ( ١٠ ) و قال عليه السّلام :

إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ اَلْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ في ( العيون ) : أمر عبد الملك بقتل رجل فقال له الرّجل : إنّك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون الى اللَّه فاعف له فانّك به تعان و اليه تعود ، فخلّى سبيله١ .

و أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر ان أمكنه اللَّه ليفعلنّ به و ليفعلنّ فقال له رجاء بن حياة : قد فعل اللَّه ما تحبّ من الظّفر فافعل ما يحبّ اللَّه من العفو٢ .

و أتى الحجّاج بأسارى فأمر بضرب أعناقهم فقال له رجل منهم لمّا أرادوا ضرب عنقه : و اللَّه لئن كنّا أسأنا في الذّنب فما أحسنت في المكافأة فقال

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

٢٨٩

الحجّاج : أفّ لهذا الجيف ما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا و كفّ عن القتل١ .

و أتى الهادي برجل كان في حبسه فجعل يقرعه بذنوبه ، فقال الرّجل اعتذاري ممّا تقرعني به ردّ عليك ، و اقراري بما تعتدّه عليّ يلزمني ذنبا لم أجنه و لكني أقول :

فان كنت ترجو في العقوبة راحة

فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر٢

و في ( العقد ) : قال مبارك بن فضالة كنت عند المنصور إذ أمر برجل ان يقتل فقلت له : قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله : اذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي اللَّه ألا من كانت له عند اللَّه يد فليتقدّم ، فلا يتقدّم إلاّ من عفى عن مذنب ، فأمر بإطلاقه٣ .

و قال : قد ضلّ الأعشى في طريقه فأصبح بأبيات علقمة بن علاثة فقال : قائده و قد نظر الى قباب الادم ، و اسوء صباحاه يا أبا بصير ، هذه و اللَّه أبيات علقمة فخرج فتيان الحيّ فقبضوا على الأعشى فأتوا به علقمة فمثّل بين يديه فقال :

الحمد للَّه الذي أظفرني بك من غير ذمّة و لا عقد ، قال الأعشى : أ فتدري لم ذلك ؟

قال : نعم لأنتقم اليوم منك بتقوالك الباطل عليّ مع إحساني اليك ، قال : لا و اللَّه و لكن أظفرك اللَّه بي ليبلو قدر حلمك فيّ . فأطرق علقمة فاندفع الأعشى فقال :

أعلقم قد صيّرتني الامور

اليك و ما كان بي منكص

كساكم علاثة أثوابه

و ورّثكم مجده الأحوص

فهب لي ذنوبي فدتك النفوس

فلا زلت تنمى و لا تنقص٤

فقال : قد فعلت اما و اللَّه لو قلت فيّ ما قلت في عامر لأغنيتك طول حياتك و لو قلت في عامر بعض ما قلت فيّ ما اذا قلت برد الحياة .

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١ : ١٠٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٥ .

( ٣ ) العقد ٢ : ١٨٩ .

( ٤ ) عيون الاخبار ٢ : ١٨٩ ، و ديوان الأعشى : ٤١٩ .

٢٩٠

٢

الحكمة ( ١٣ ) و قال عليه السّلام :

إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ اَلنِّعَمِ فَلاَ تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ اَلشُّكْرِ أقول : ذكره ( ابن ابي الحديد ) بعد ( ١٧ )١ و لكن في ( ابن ميثم » كما هنا٢ .

و كيف كان فروى المصنّف في ( مجازاته النبويّة ) قريبا منه عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و لا غرو فهو منه كالصّنو من الصّنو و الذّراع من العضد فقال : و من ذلك قوله صلَّى اللَّه عليه و آله لبعض أزواجه احسني جوار نعم اللَّه فانّها قلّما نفرت عن قوم فكادت ترجع اليهم ، ثمّ قال : و هذه استعارة لأنّه صلَّى اللَّه عليه و آله جعل النّعم المتفاضلة على الإنسان بمنزلة الضّيف النّازل و الجار المجار الّذي يجب أن يعدّ قراه و يكرم مثواه و تصفى مشاربه و تؤمن مساربه فان اخيف سربه و رنق شربه و ضيعت قواصيه و اعتميت مقاربه كان خليقا بأن ينتقل و جديرا بأن يستبدل فكذلك النّعم اذا لم يجعل الشّكر قرى نازلها و الحمد مهاد منزلها كانت و شيكه بالانتقال و خليقة بالزّيال٣ .

و في رواية اخرى ( ( احسنوا جوار نعم الدّنيا فانّها و حشيّة ) ) و باقي الخبر على لفظه ، فعلى هذه الرّواية كأنّه صلَّى اللَّه عليه و آله شبّه النّعم بأوابد الوحش الّتي تقيم مع الايناس و تنفر مع الايحاش و يصعب رجوع شاردها اذا شرد و دنوّ نافرها اذا بعد .

قلت : بل الظاهر ارادة المعنى الأخير على الرّواية الاولى أيضا فكما انّ

____________________

( ١ ) ابن أبي الحديد ذكره في ( ١٤ ) ١٧ : ١١٦ .

( ٢ ) ذكرها ابن ميثم في ( ١٨١ ) ٥ : ٢٤٥ .

( ٣ ) المجازات النبوية للرضي : ٢١٩ .

٢٩١

الوحشيّة قرينة لتشبيه النّعم بالأوايد كذلك قوله ( لا تنفروا ) قال تعالى كأنّهم حُمرٌ مستنفرة فرّت من قسورةٍ١ .

و قال الشاعر :

ازجر حمارك انّه مستنفر

في اثر أحمرة عمدن لغرب٢

و في المثل : كلّ ازبّ نفور٣ .

قال الجوهري : ينبت على حاجب البعير شعيرات فاذا ضربته الرّيح نفر .

قال الكميت ( او يتناسى الازبّ النفورا )٤ .

و ممّا يشهد لما قلنا من التّشبيه ما رواه محمّد بن يعقوب عن الرّضا عليه السّلام انّه قال لمحمّد بن عرفة انّ النّعم كالإبل المعتقلة في عطنها على القوم ما أحسنوا جوارها فاذا أساؤا معاملتها و ابالتها نفرت عنهم٥ .

و كيف كان ، فقال تعالى إنّ اللَّه لا يُغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم٦ ، لئن شكرتم لأزيدنّكم و لئن كفرتم إنَّ عذابي لشديد٧ .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام مكتوب في التوراة : ( اشكر من أنعم عليك و انعم على من شكرك فانّه لا زوال للنّعماء اذا شكرت و لا بقاء لها اذا كفرت الشّكر زيادة للنّعم و أمان من الغير )٨ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى لقد كان لسبأ في مساكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ

____________________

( ١ ) المدّثر : ٥٠ ٥١ .

( ٢ ) مجمع البيان للطبرسي ٩ : ٣٩٠ .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٩٨ .

( ٤ ) الصحاح : ( زبب ) .

( ٥ ) الكافي ٤ : ٣٨ ح ١ .

( ٦ ) الرعد : ١١ .

( ٧ ) إبراهيم : ٧ .

( ٨ ) الكافي ٢ : ٩٤ ح ٣ .

٢٩٢

و شمالٍ كلوا من رزقِ ربّكم و اشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ و ربُّ غفورٌ فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم و بدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمط واثلٍ و شي‏ء من سدرٍ قليل ذلك جزيناهم بما كفروا و هل نجازي إلاّ الكفور و جعلنا بينهم و بين القرى الّتي باركنا فيها قرىً ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و أيّاماً آمنين فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا و ظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث و مزّقناهم كلّ ممزّقٍ إنَّ في ذلك لآياتٍ لكلِّ صبّارٍ شكور١ : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم الى بعض و انهار جارية و أموال ظاهرة فكفروا نعم اللَّه و غيّروا ما بأنفسهم من عافية اللَّه فغيّر اللَّه ما بهم من نعمه فأرسل عليهم سيل العرم ففرّق قراهم و خرّب ديارهم و ذهب بأموالهم و أبدلهم مكان جنّاتهم جنّتين ذواتي أكل خمط واثل و شي‏ء من سدر قليل٢ .

٣

الحكمة ( ٢٤٦ ) و قال عليه السّلام :

اِحْذَرُوا نِفَارَ اَلنِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ مرّ في سابقه كون المراد من نفار النّعم تشبيهها بحيوان نفر و شرد اذا لم يحسن رعايته لأنّ الغالب عدم عوده و ردّه ، و في محاجّة الصّادق عليه السّلام مع سفيان الثّوري و أصحابه الصّوفية قال النّبي صلَّى اللَّه عليه و آله انّ أصنافا من امّتي لا يستجاب لهم دعاؤهم ، رجل يدعو على والديه و رجل يدعو على غريم له ذهب له بمال فلم يكتب عليه و لم يشهد عليه . و رجل رزقه اللَّه تعالى مالا كثيرا

____________________

( ١ ) سبأ : ١٥ ١٩ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢٧٤ ح ٢٣ .

٢٩٣

فأنفقه ثمّ أقبل يدعو يا ربِّ ارزقني فيقول تعالى ألم أرزقك رزقا واسعا فهلاّ اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف١ . .

٤

الحكمة ( ٢٤٤ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ عَنْهُ خَاطَرَ بِزَوَالِ اَلنِّعَمِ أقول : هو في معنى قوله تعالى . لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد٢ فكفرت بانعم اللَّه فأذاقها اللَّه لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون٣ .

و في معناه قول الصادق عليه السّلام لحسين الصّحاف على ما رواه ( الكافي ) ما ظاهر اللَّه تعالى على عبد النّعم حتّى ظاهر عليه مؤونة النّاس فمن صبر لهم و قام بشأنهم زاد تعالى في نعمه عليه عندهم و من لم يصبر لهم و لم يقم بشأنهم أزال اللَّه تعالى تلك النعمة٤ .

٥

الحكمة ( ٢١٠ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا اَللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً وَ جَدَّ تَشْمِيراً وَ كَمَّشَ فِي مَهَلٍ وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ نَظَرَ فِي كَرَّةِ اَلْمَوْئِلِ وَ عَاقِبَةِ اَلْمَصْدَرِ وَ مَغَبَّةِ اَلْمَرْجِعِ

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٦٧ ح ١ .

( ٢ ) ابراهيم : ٧ .

( ٣ ) النحل : ١١٢ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٣٧ ح ٣ .

٢٩٤

« اتّقوا اللَّه تقيّة من شمّر » أي : رفع ذيله « تجريدا » عن ساقه « و جدَّ » هكذا في ( المصرية )١ و لكن في ( ابن ميثم ) : ( ( و جرّد ) )٢ و نسبه ابن ابي الحديد الى رواية٣ و هو أولى لكونه أقرب الى البديع مع كون نسخة ابن ميثم بخطّ مصنّفه .

« تشميرا » بأن يأتي بكلّ ما افترض عليه و ينتهي عن كلّ ما عنه نهى كما قال تعالى . اتّقوا اللَّه حقّ تقاته .٤ .

« و كمش » هكذا في ( المصرية )٥ و الصّواب ( انكمش ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٦ .

و معنى انكمش : اسرع .

« في مهل » أي : من عمره .

« و بادر عن وجل » أي : خوف قال تعالى و الّذين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجلةٌ انّهم الى ربِّهم راجعون اُولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٧ .

« و نظر في كرّة الموئل » أي : المرجع .

« و عاقبة المصدر » و في ( النهاية ) الصدّر بالتحريك رجوع المسافر من مقصده و مغبّة أي عاقبة المرجع ، يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه و لتنظر نفسٌ ما

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٧٤ .

( ٢ ) ابن ميثم كالمصرية راجع ٥ : ٣٤٩ .

( ٣ ) ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٠ ح ٢٠٦ .

( ٤ ) آل عمران : ١٠٢ .

( ٥ ) الطبعة المصرية : ٧٠٤ .

( ٦ ) ابن ميثم بلفظ ( أكمش ) ٥ : ٣٤٩ .

( ٧ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

٢٩٥

قدّمت لغدٍ و اتّقوا اللَّه إنَّ اللَّه خبيرٌ بما تعملون١ .

و عن بعض الحكماء : أنّ اللَّه تعالى جعل ابن آدم بين البلوى و البلى فما دام الروّح في جسده فهو في البلوى و اذا فارقه فهو في البلى ، فأنَّى له السّرور و هو بين البلوى و البلى ؟

٦

الحكمة ( ٢٥ ) و قال عليه السّلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَ أَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ في ( الكافي ) عن الصّادق عليه السّلام : أنّ اللَّه تعالى اذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا اتبعه بنقمة و يذكّره الاستغفار و اذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا اتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار و يتمادى بها٢ .

و هو قوله تعالى . سنستدرجهم من حيث لا يعلمون٣ أي بالنّعم عند المعاصي و قال عزّ و جلّ فلّما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى اذا فرِحوا بما أُوتوا أخذناهم بغتةً فإذاهم مبلسون٤ .

٧

الحكمة ( ٣٠ ) و قال عليه السّلام :

اَلْحَذَرَ اَلْحَذَرَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ

____________________

( ١ ) الحشر : ١٨ .

( ٢ ) الكافي ٤ : ١٨٨ ح ١ .

( ٣ ) الأعراف : ١٨٢ .

( ٤ ) الأنعام : ٤٤ .

٢٩٦

امّا ستره تعالى ففي الخبر : « لو لا ستره لما دفنوا أكثر النّاس لسوء أعمالهم و قبح أفعالهم »١ .

و أمّا وجوب الحذر من ذلك فعنه عليه السّلام : لا تبديّن عن واضحة و قد علمت الأعمال الفاضحة و لا تأمننّ البيات و قد عملت السيئات٢ .

و عن الصادق عليه السّلام تعوّذوا باللَّه من سطوات اللَّه باللّيل و النّهار ، قيل : له و ما سطوات اللَّه ؟ قال : الأخذ على المعاصي٣ .

و عن أبي الحسن عليه السّلام : إنَّ اللَّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصي اللَّه فلو لا بهائم رتّع ، و صبيّة رضّع ، و شيوخ ركّع ،

لصبّ عليكم العذاب صبّا ترضّون به رضّا٤ .

٨

الحكمة ( ٢٤٢ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقِ اَللَّهَ بَعْضَ اَلتُّقَى وَ إِنْ قَلَّ وَ اِجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ سِتْراً وَ إِنْ رَقَّ لأنّه الرّبّ و النّاس عبيده فيجب عليهم اتّقآؤه كما ينبغي و اَتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ .٥ فان عسر عليه ما ينبغي فما تيسّر فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .٦ .

« و اجعل بينك و بين اللَّه سترا و ان رق » لانّه ليس كملوك الدّنيا فيفرّ منه فلابدّ له من ستر في البين و عنه عليه السّلام كما في ( الكافي ) ما من عبد إلاّ و عليه

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٥ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٦ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣١ .

( ٥ ) آل عمران : ١٠٢ .

( ٦ ) التغابن : ١٦ .

٢٩٧

أربعون جنّة حتّى يعمل أربعين كبيرة فاذا عمل أربعين انكشف عنه الجنن فيوحى تعالى الى الملائكة ان استروا عبدي بأجنحتكم فيسترونه فما يدع شيئا من القبيح إلاّ قارفه حتّى يتمدّح الى النّاس بفعله القبيح فتقول الملائكة يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئا إلاّ ركبه و انّا لنستحيي ممّا يصنع فيوحي تعالى اليهم إن ارفعوا أجنحتكم عنه فاذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينتهك ستره في السّماء و ستره في الأرض فتقول الملائكة يا ربّ هذا عبدك قد بقي مهتوك السّتر فيوحي اليهم لو كان للَّه فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه١ .

و عن أبي جعفر عليه السّلام اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فانّ لها طالبا يقول أحدكم أذنب و استغفر ، انّ اللَّه تعالى يقول . و نكتبُ ما قدّموا و آثارهم و كلّ شي‏ءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين٢ ، و قال . انّها إن تكُ مثقال حبّة من خردلٍ فتكن في صخرة أو في السّماوات أو في الأرض يأت بها اللَّه إنَّ اللَّه لطيفٌ خبيرٌ٣ .

و عنه عليه السّلام الذّنوب كلّها شديدة و أشدّها ما نبت عليه اللّحم و الدّم لأنّه امّا مرحوم و امّا معذّب و الجنّة لا يدخلها إلاّ طيّب٤ .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام من همّ بسيّئة فلا يعملها فانّه ربّما عمل العبد السيّئة فيراه الرّبّ تعالى فيقول : « و عزّتي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا »٥ .

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٣٨١ ح ٩ .

( ٢ ) يس : ١٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ١٠ و الآية : ١٦ من سورة لقمان .

( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٧١ ح ٧ .

( ٥ ) الكافي ٣ : ٣٧٤ ح ٣ .

٢٩٨

و عنه عليه السّلام : ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا مرض إلاّ بذنب١ .

قال تعالى و ما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثيرٍ٢ .

و عنه عليه السّلام ما من شي‏ء أفسد للقلب من خطيئته فما تزال به حتّى يغلب عليه فيصير أعلاه أسفله٣ .

و عن الكاظم عليه السّلام ان للَّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصيه فلو لا بهائم رتّع و صبية رضّع و شيوخ ركّع لصبّ عليكم صبّا ترضّون به رضّا٤ .

٩

الحكمة ( ١٦٥ ) و قال عليه السّلام :

لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ حتى لو كان ذاك المخلوق أحد الوالدين الّذين أوجب طاعتهما ، فقال تعالى إن اشكر لي و لوالديك إليّ المصير و إن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما .٥ ، و اعتذر عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن شهوده صفّين مع معاوية بأنّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال له : أطع أباك ، فقال له الحسن عليه السّلام : انّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، و كذلك

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٧٠ ح ٣ .

( ٢ ) الشورى : ٣٠ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣١ .

( ٥ ) لقمان : ١٤ ١٥ .

٢٩٩

الحسين عليه السّلام كما رواه الأسد في عبد اللَّه بن عمرو بن العاص١ .

و في ( الكافي ) عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من طلب مرضاة النّاس بما يسخط اللَّه كان حامده من النّاس ذامّا له و من آثر طاعة اللَّه تعالى بما يغضب النّاس كفاه اللَّه عدوّ كلّ عدوّ و حسد كلّ حاسد و بغي كلّ باغ و كان له ناصرا و ظهيرا٢ .

و عنه عليه السّلام من أرضى سلطانا بسخط اللَّه تعالى خرج من دين اللَّه٣ .

و في ( بيان الجاحظ ) قال معاوية لشدّاد بن أوس ( قم فاذكر عليّا فانتقصه ) فقام شدّاد فقال الحمد للّه الذي افترض طاعته على عباده و جعل رضاه عند أهل التقوى اثر من رضا غيره و على ذلك مضى أولهم و على ذلك مضى آخرهم ايها النّاس انّ الآخره وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر و انّ الدّنيا أكل حاضر يأكل منها البرّ و الفاجر و انّ السامع المطيع للّه لا حجّة عليه و انّ السامع العاصي لا حجّه له و انّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و اذا أراد اللَّه بالناس خيرا استعمل عليهم صلحاءهم و قضى بينهم فقهاءهم و جعل المال في سمحائهم و اذا اراد بالعباد شرّا عمل عليهم سفهاءهم و قضى بينهم جهلاؤهم و جعل المال عند بخلائهم و انّ من اصلاح الولاة ان يصلح قرباها ثم التفت الى معاوية فقال نصحك يا معاوية من أسخطك بالحقّ و غشّك من أرضاك بالباطل فقطع معاوية عليه كلامه و أمر بإنزاله ثمّ لاطفه و أمر له بالمال فلّما قبضه قال ألست من السمحاء الذين ذكرت فقال ان كان لك مال غير مال المسلمين أصبته اقترافا و أنفقته اسرافا فانّ اللَّه تعالى يقول انّ المُبذّرين كانوا اخوان الشّياطين و كان الشيطان لربِّه كفوراً٤ .

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، اسد الغابة ٣ : ٢٣٤ .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٧٩ ح ٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٨٠ ح ٥ .

( ٤ ) الجاحظ ، البيان و التبيان ٤ : ٦٩ ٧٠ و الآية ٢٧ من سورة الاسراء .

٣٠٠