بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113576 / تحميل: 3931
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و كان يصوم النهار و يأكل باللّيل ما يمسك رمقه فكانت بنته تأتيه بعشائه و تحلّه عند قضاء الحاجة فلّما كان بعد ذلك و النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله في بيت امّ سلمة نزلت توبته و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً عسى اللَّه أن يتوب عليهم إنّ اللَّه غفور رحيم١ ، فقال صلَّى اللَّه عليه و آله لها قد تاب اللَّه عليه فقالت افاوذنه فقال لتفعلنّ فأخرجت رأسها من الحجرة فقالت ابشر يا أبا لبابة قد تاب اللَّه عليك فقال الحمد للَّه فوثب المسلمون يحلّونه فقال لا و اللَّه حتّى يحلّني صلَّى اللَّه عليه و آله فجاء صلَّى اللَّه عليه و آله فقال تاب اللَّه عليك لو ولدت من امّك يومك هذا لكفاك فقال ا فاتصدّق به بمالي كلّه ؟ قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فثلثه فقال نعم٢ .

« و وجل فعمل » إنّ الّذين هم من خشية ربِّهم مشفقون و الّذين هم بآيات ربِّهم يؤمنون و الّذين هم بربِّهم لا يشركون و الّذين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجِلةٌ انّهم الى ربِّهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٣ ، فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم اللَّه جميعاً .٤ .

« و أيقن فأحسن » فأما من اعطى و اتّقى و صدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى٥ .

« و عبّر فاعتبر » أي : رأى اسباب العبرة فاعتبر بها .

« و حذّر فازدجر » قال تعالى في سورة القمر كرارا و لقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر .

____________________

( ١ ) التوبة : ١٠٢ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٣٠٣ .

( ٣ ) المؤمنون : ٥٧ ٦١ .

( ٤ ) البقرة : ١٤٨ .

( ٥ ) الليل : ٥ ٧ .

٢٨١

« و أجاب فأناب » و الّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها و أنابوا الى اللَّه لهم البشرى .١ ، « و رجع » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب ( و راجع ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« فتاب » . و توبوا الى اللَّه جميعاً أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون٤ .

« و اقتدى فاحتذى » في ( الصّحاح ) : حذوت النّعل بالنعل حذوا اذا قدّرت كلّ واحدة على صاحبتها٥ . .

قل ان كنتم تحبّون اللَّه فاتّبعوني يحببكم اللَّه و يغفر لكم ذنوبكم و اللَّه غفور رحيم٦ .

« و ارى فرأى » هو الّذي يريكم آياته و ينزّل لكم من السّماء رِزقاً و ما يتذكّر إلاّ من يُنيب٧ .

« فأسرع طالبا » للخير « و نجا هاربا » من الشّرّ « فأفاد ذخيرة » و ما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللَّه هو خيراً و أعظم أجراً و استغفروا اللَّه إنّ اللَّه غفورٌ رحيم٨ .

« و أطاب سريرة » قد أفلح من زكاها٩ .

____________________

( ١ ) الزمر : ١٧ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ١٩٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٢٥٥ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٢٤٦ .

( ٤ ) النور : ٣١ .

( ٥ ) الصحاح : ( حذا ) .

( ٦ ) آل عمران : ٣١ .

( ٧ ) المؤمنون : ١٣ .

( ٨ ) المزمل : ٢٠ .

( ٩ ) الشمس : ٩ .

٢٨٢

« و عمّر معادا » و إنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان .١ .

« و استظهر زادا » في ( الصحاح ) : استظهر به أي استعان به و استظهر الشّي‏ء حفظه و قرأه ظاهرا٢ .

« ليوم رحيله ، و وجه سبيله و حال حاجته و موطن فاقته » في ( الفقيه ) عن أمير المؤمنين عليه السّلام : ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم أنا يوم جديد و أنا عليك شهيد فقل فيّ خيرا شهد لك يوم القيامة فانّك لن تراني بعده أبدا٣ .

« و قدّم أمامه لدار مقامه » و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخّرتني إلى أجلٍ قريب فأصّدّق و أكن من الصّالحين٤ .

« فاتّقوا اللّه عباد اللَّه جهة ما خلقكم له » أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً و انّكم الينا لا ترجعون٥ ، أيحسب الإنسان أن يُترك سدىً٦ ، و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون ما اُريد منهم من رزقٍ و ما اُريد أن يطعِمون٧ .

« و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه » في ( المصباح ) : كنه الشي‏ء نهايته و حقيقته و الكنه الوقت قال ( و انّ كلام المرء في غير كنهه ) أي في غير وقته و لا يشتقّ منه فعل٨ .

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٤ .

( ٢ ) الصحاح : ( ظهر ) .

( ٣ ) الفقيه ٤ : ٣٩٧ ح ٥٨٤٩ .

( ٤ ) المنافقون : ١٠ .

( ٥ ) المؤمنون : ١١٥ .

( ٦ ) القيامة : ٣٦ .

( ٧ ) الذاريات : ٥٦ ٥٧ .

( ٨ ) المصباح المنير للفيتوري ٢ : ٢٣٣ ( كنه ) .

٢٨٣

قلت : كأنّه مشتقّ من كلمتي كونه أو كيانه فخفّفتا و صارتا كلمة واحدة و كيف كان قال تعالى يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه حقّ تقاته و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل اللَّه جميعاً و لا تفرّقوا .١ .

« و استحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتنجّز لصدق ميعاده » في ( الصحاح ) : نجّز حاجته : قضاها و استنجز الرّجل حاجته و تنجّزها أي استنجحها و النّاجز الحاضر يقال بعته ناجزا بناجز كقولك يدا بيد٢ .

و الميعاد المواعدة و الوقت و الموضع .

« و الحذر من هول معاده » في ( تفسير القمّي ) عن الصادق عليه السّلام : ما خلق اللَّه خلقا إلاّ جعل له في الجنّة منزلا و في النّار منزلاً فاذا دخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النّار النّار نادى مناديا أهل الجنّة اشرفوا فيشرفون على أهل النّار و ترفع لهم منازلهم لهم فيها ثمّ يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم اللَّه لدخلتموها قال فلو انّ أحدا مات فرحا لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب ثمّ يناد مناديا أهل النّار ارفعوا رؤسكم فيرفعون رؤسهم فينظرون الى منازلهم في الجنّة و ما فيها من النّعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها فلو انّ أحدا مات حزنا لمات أهل النّار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء و يورث هؤلاء منازل هؤلاء٣ و ذلك قوله تعالى اُولئك هم الوارِثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون٤ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٠٢ ١٠٣ .

( ٢ ) الصحاح : ( نجز ) .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٨٩ .

( ٤ ) المؤمنون : ١٠ ١١ .

٢٨٤

٢٢

الخطبة ( ٩٨ ) و من كلام له عليه السّلام يجري مجرى الخطبة :

وَ ذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اَللَّهُ فِيهِ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ لِنِقَاشِ اَلْحِسَابِ وَ جَزَاءِ اَلْأَعْمَالِ خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ اَلْعَرَقُ وَ رَجَفَتْ بِهِمُ اَلْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالاً مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً وَ لِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً أقول : قوله « و من كلام له عليه السّلام يجري مجرى الخطبة » هكذا في ( المصرية )١ و في « ( ابن ابي حديد و ابن ميثم )٢ : ( ( و من خطبة له عليه السّلام تجري هذا المجرى ) ) : و هو الصّحيح و قوله ( ( هذا المجرى ) ) اشارة الى اشتمالها على ذكر الملاحم كسابقتها .

« و ذلك يوم يجمع اللَّه فيه الأوّلين و الآخرين » الأصل في كلامه عليه السّلام قوله تعالى قل إنّ الأولين و الآخرين لمجموعون الى ميقات يومٍ معلوم٣ ،

إن كانت إلاّ صيحةً واحدةً فاذا هم جميعٌ لدينا محضرون٤ ، يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن .٥ .

« لنقاش الحساب » النّقاش و المناقشة الاستقصاء في الحساب و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللَّه .٦ ، و كلّ صغيرٍ و كبيرٍ

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية ليس فيها ما ذكر : ٢٤٦ ح ٩٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٠٢ ح ١٠١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٣ ح ٩٩ .

( ٣ ) الواقعة : ٤٩ ٥٠ .

( ٤ ) يس : ٥٣ .

( ٥ ) التغابن : ٩ .

( ٦ ) البقرة : ٢٨٤ .

٢٨٥

مستطرٌ١ ، و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة و لا كبيرةً إلاّ أحصاها و وجدوا ما عمِلوا حاضراً .٢ .

« و جزاء الأعمال » فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره٣ ، ليجزي الذين أسآؤا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى٤ .

« خضوعا » هنا هو جمع خاضع و خشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلاّ همسا٥ .

« قياما » ( قيام ) يكون مصدر ( قام ) و يكون جمع قائم و هو المراد هنا .

روي عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله اذا كان يوم القيامة ادنيت الشّمس حتّى يكون بقدر ميل أو ميلين فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه الى عقبه و منهم من يلجمه إلجاما و أشار بيده الى فيه٦ .

« و رجفت بهم الأرض » يوم ترجف الأرض و الجبال و كانت الجبال كثيباً مهيلاً٧ .

« فأحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا و لنفسه متّسعا » يوماً يجعل الولدان شيباً٨ ، يوم ترجف الرّاجفة تتبعها الرّادفة قلوبٌ يومئذٍ

____________________

( ١ ) القمر : ٥٣ .

( ٢ ) الكهف : ٤٩ .

( ٣ ) الزلزلة : ٨ ٩ .

( ٤ ) النجم : ٣١ .

( ٥ ) طه : ١٠٨ .

( ٦ ) الترمذي ، سنن الترمذي : ح ٢٣٤٥ كتاب ٣٤ باب ١ عن المقداد .

( ٧ ) المزمل : ١٤ .

( ٨ ) المزمل : ١٧ .

٢٨٦

واجفةٌ أبصارها خاشعةٌ١ .

هذا ، و مرّ في فصل إمامته عليه السّلام قوله عليه السّلام « شغل من الجنّة و النّار أمامه » الى آخره .

____________________

( ١ ) النازعات : ٦ ٩ .

٢٨٧

الفصل التاسع و الثلاثون في ما قاله عليه السّلام في ما يجب على العبد لربّه

٢٨٨

١

الحكمة ( ١٠ ) و قال عليه السّلام :

إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ اَلْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ في ( العيون ) : أمر عبد الملك بقتل رجل فقال له الرّجل : إنّك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون الى اللَّه فاعف له فانّك به تعان و اليه تعود ، فخلّى سبيله١ .

و أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر ان أمكنه اللَّه ليفعلنّ به و ليفعلنّ فقال له رجاء بن حياة : قد فعل اللَّه ما تحبّ من الظّفر فافعل ما يحبّ اللَّه من العفو٢ .

و أتى الحجّاج بأسارى فأمر بضرب أعناقهم فقال له رجل منهم لمّا أرادوا ضرب عنقه : و اللَّه لئن كنّا أسأنا في الذّنب فما أحسنت في المكافأة فقال

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

٢٨٩

الحجّاج : أفّ لهذا الجيف ما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا و كفّ عن القتل١ .

و أتى الهادي برجل كان في حبسه فجعل يقرعه بذنوبه ، فقال الرّجل اعتذاري ممّا تقرعني به ردّ عليك ، و اقراري بما تعتدّه عليّ يلزمني ذنبا لم أجنه و لكني أقول :

فان كنت ترجو في العقوبة راحة

فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر٢

و في ( العقد ) : قال مبارك بن فضالة كنت عند المنصور إذ أمر برجل ان يقتل فقلت له : قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله : اذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي اللَّه ألا من كانت له عند اللَّه يد فليتقدّم ، فلا يتقدّم إلاّ من عفى عن مذنب ، فأمر بإطلاقه٣ .

و قال : قد ضلّ الأعشى في طريقه فأصبح بأبيات علقمة بن علاثة فقال : قائده و قد نظر الى قباب الادم ، و اسوء صباحاه يا أبا بصير ، هذه و اللَّه أبيات علقمة فخرج فتيان الحيّ فقبضوا على الأعشى فأتوا به علقمة فمثّل بين يديه فقال :

الحمد للَّه الذي أظفرني بك من غير ذمّة و لا عقد ، قال الأعشى : أ فتدري لم ذلك ؟

قال : نعم لأنتقم اليوم منك بتقوالك الباطل عليّ مع إحساني اليك ، قال : لا و اللَّه و لكن أظفرك اللَّه بي ليبلو قدر حلمك فيّ . فأطرق علقمة فاندفع الأعشى فقال :

أعلقم قد صيّرتني الامور

اليك و ما كان بي منكص

كساكم علاثة أثوابه

و ورّثكم مجده الأحوص

فهب لي ذنوبي فدتك النفوس

فلا زلت تنمى و لا تنقص٤

فقال : قد فعلت اما و اللَّه لو قلت فيّ ما قلت في عامر لأغنيتك طول حياتك و لو قلت في عامر بعض ما قلت فيّ ما اذا قلت برد الحياة .

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١ : ١٠٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٥ .

( ٣ ) العقد ٢ : ١٨٩ .

( ٤ ) عيون الاخبار ٢ : ١٨٩ ، و ديوان الأعشى : ٤١٩ .

٢٩٠

٢

الحكمة ( ١٣ ) و قال عليه السّلام :

إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ اَلنِّعَمِ فَلاَ تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ اَلشُّكْرِ أقول : ذكره ( ابن ابي الحديد ) بعد ( ١٧ )١ و لكن في ( ابن ميثم » كما هنا٢ .

و كيف كان فروى المصنّف في ( مجازاته النبويّة ) قريبا منه عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و لا غرو فهو منه كالصّنو من الصّنو و الذّراع من العضد فقال : و من ذلك قوله صلَّى اللَّه عليه و آله لبعض أزواجه احسني جوار نعم اللَّه فانّها قلّما نفرت عن قوم فكادت ترجع اليهم ، ثمّ قال : و هذه استعارة لأنّه صلَّى اللَّه عليه و آله جعل النّعم المتفاضلة على الإنسان بمنزلة الضّيف النّازل و الجار المجار الّذي يجب أن يعدّ قراه و يكرم مثواه و تصفى مشاربه و تؤمن مساربه فان اخيف سربه و رنق شربه و ضيعت قواصيه و اعتميت مقاربه كان خليقا بأن ينتقل و جديرا بأن يستبدل فكذلك النّعم اذا لم يجعل الشّكر قرى نازلها و الحمد مهاد منزلها كانت و شيكه بالانتقال و خليقة بالزّيال٣ .

و في رواية اخرى ( ( احسنوا جوار نعم الدّنيا فانّها و حشيّة ) ) و باقي الخبر على لفظه ، فعلى هذه الرّواية كأنّه صلَّى اللَّه عليه و آله شبّه النّعم بأوابد الوحش الّتي تقيم مع الايناس و تنفر مع الايحاش و يصعب رجوع شاردها اذا شرد و دنوّ نافرها اذا بعد .

قلت : بل الظاهر ارادة المعنى الأخير على الرّواية الاولى أيضا فكما انّ

____________________

( ١ ) ابن أبي الحديد ذكره في ( ١٤ ) ١٧ : ١١٦ .

( ٢ ) ذكرها ابن ميثم في ( ١٨١ ) ٥ : ٢٤٥ .

( ٣ ) المجازات النبوية للرضي : ٢١٩ .

٢٩١

الوحشيّة قرينة لتشبيه النّعم بالأوايد كذلك قوله ( لا تنفروا ) قال تعالى كأنّهم حُمرٌ مستنفرة فرّت من قسورةٍ١ .

و قال الشاعر :

ازجر حمارك انّه مستنفر

في اثر أحمرة عمدن لغرب٢

و في المثل : كلّ ازبّ نفور٣ .

قال الجوهري : ينبت على حاجب البعير شعيرات فاذا ضربته الرّيح نفر .

قال الكميت ( او يتناسى الازبّ النفورا )٤ .

و ممّا يشهد لما قلنا من التّشبيه ما رواه محمّد بن يعقوب عن الرّضا عليه السّلام انّه قال لمحمّد بن عرفة انّ النّعم كالإبل المعتقلة في عطنها على القوم ما أحسنوا جوارها فاذا أساؤا معاملتها و ابالتها نفرت عنهم٥ .

و كيف كان ، فقال تعالى إنّ اللَّه لا يُغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم٦ ، لئن شكرتم لأزيدنّكم و لئن كفرتم إنَّ عذابي لشديد٧ .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام مكتوب في التوراة : ( اشكر من أنعم عليك و انعم على من شكرك فانّه لا زوال للنّعماء اذا شكرت و لا بقاء لها اذا كفرت الشّكر زيادة للنّعم و أمان من الغير )٨ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى لقد كان لسبأ في مساكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ

____________________

( ١ ) المدّثر : ٥٠ ٥١ .

( ٢ ) مجمع البيان للطبرسي ٩ : ٣٩٠ .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٩٨ .

( ٤ ) الصحاح : ( زبب ) .

( ٥ ) الكافي ٤ : ٣٨ ح ١ .

( ٦ ) الرعد : ١١ .

( ٧ ) إبراهيم : ٧ .

( ٨ ) الكافي ٢ : ٩٤ ح ٣ .

٢٩٢

و شمالٍ كلوا من رزقِ ربّكم و اشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ و ربُّ غفورٌ فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم و بدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمط واثلٍ و شي‏ء من سدرٍ قليل ذلك جزيناهم بما كفروا و هل نجازي إلاّ الكفور و جعلنا بينهم و بين القرى الّتي باركنا فيها قرىً ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و أيّاماً آمنين فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا و ظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث و مزّقناهم كلّ ممزّقٍ إنَّ في ذلك لآياتٍ لكلِّ صبّارٍ شكور١ : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم الى بعض و انهار جارية و أموال ظاهرة فكفروا نعم اللَّه و غيّروا ما بأنفسهم من عافية اللَّه فغيّر اللَّه ما بهم من نعمه فأرسل عليهم سيل العرم ففرّق قراهم و خرّب ديارهم و ذهب بأموالهم و أبدلهم مكان جنّاتهم جنّتين ذواتي أكل خمط واثل و شي‏ء من سدر قليل٢ .

٣

الحكمة ( ٢٤٦ ) و قال عليه السّلام :

اِحْذَرُوا نِفَارَ اَلنِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ مرّ في سابقه كون المراد من نفار النّعم تشبيهها بحيوان نفر و شرد اذا لم يحسن رعايته لأنّ الغالب عدم عوده و ردّه ، و في محاجّة الصّادق عليه السّلام مع سفيان الثّوري و أصحابه الصّوفية قال النّبي صلَّى اللَّه عليه و آله انّ أصنافا من امّتي لا يستجاب لهم دعاؤهم ، رجل يدعو على والديه و رجل يدعو على غريم له ذهب له بمال فلم يكتب عليه و لم يشهد عليه . و رجل رزقه اللَّه تعالى مالا كثيرا

____________________

( ١ ) سبأ : ١٥ ١٩ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢٧٤ ح ٢٣ .

٢٩٣

فأنفقه ثمّ أقبل يدعو يا ربِّ ارزقني فيقول تعالى ألم أرزقك رزقا واسعا فهلاّ اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف١ . .

٤

الحكمة ( ٢٤٤ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ عَنْهُ خَاطَرَ بِزَوَالِ اَلنِّعَمِ أقول : هو في معنى قوله تعالى . لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد٢ فكفرت بانعم اللَّه فأذاقها اللَّه لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون٣ .

و في معناه قول الصادق عليه السّلام لحسين الصّحاف على ما رواه ( الكافي ) ما ظاهر اللَّه تعالى على عبد النّعم حتّى ظاهر عليه مؤونة النّاس فمن صبر لهم و قام بشأنهم زاد تعالى في نعمه عليه عندهم و من لم يصبر لهم و لم يقم بشأنهم أزال اللَّه تعالى تلك النعمة٤ .

٥

الحكمة ( ٢١٠ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا اَللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً وَ جَدَّ تَشْمِيراً وَ كَمَّشَ فِي مَهَلٍ وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ نَظَرَ فِي كَرَّةِ اَلْمَوْئِلِ وَ عَاقِبَةِ اَلْمَصْدَرِ وَ مَغَبَّةِ اَلْمَرْجِعِ

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٦٧ ح ١ .

( ٢ ) ابراهيم : ٧ .

( ٣ ) النحل : ١١٢ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٣٧ ح ٣ .

٢٩٤

« اتّقوا اللَّه تقيّة من شمّر » أي : رفع ذيله « تجريدا » عن ساقه « و جدَّ » هكذا في ( المصرية )١ و لكن في ( ابن ميثم ) : ( ( و جرّد ) )٢ و نسبه ابن ابي الحديد الى رواية٣ و هو أولى لكونه أقرب الى البديع مع كون نسخة ابن ميثم بخطّ مصنّفه .

« تشميرا » بأن يأتي بكلّ ما افترض عليه و ينتهي عن كلّ ما عنه نهى كما قال تعالى . اتّقوا اللَّه حقّ تقاته .٤ .

« و كمش » هكذا في ( المصرية )٥ و الصّواب ( انكمش ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٦ .

و معنى انكمش : اسرع .

« في مهل » أي : من عمره .

« و بادر عن وجل » أي : خوف قال تعالى و الّذين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجلةٌ انّهم الى ربِّهم راجعون اُولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٧ .

« و نظر في كرّة الموئل » أي : المرجع .

« و عاقبة المصدر » و في ( النهاية ) الصدّر بالتحريك رجوع المسافر من مقصده و مغبّة أي عاقبة المرجع ، يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه و لتنظر نفسٌ ما

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٧٤ .

( ٢ ) ابن ميثم كالمصرية راجع ٥ : ٣٤٩ .

( ٣ ) ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٠ ح ٢٠٦ .

( ٤ ) آل عمران : ١٠٢ .

( ٥ ) الطبعة المصرية : ٧٠٤ .

( ٦ ) ابن ميثم بلفظ ( أكمش ) ٥ : ٣٤٩ .

( ٧ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

٢٩٥

قدّمت لغدٍ و اتّقوا اللَّه إنَّ اللَّه خبيرٌ بما تعملون١ .

و عن بعض الحكماء : أنّ اللَّه تعالى جعل ابن آدم بين البلوى و البلى فما دام الروّح في جسده فهو في البلوى و اذا فارقه فهو في البلى ، فأنَّى له السّرور و هو بين البلوى و البلى ؟

٦

الحكمة ( ٢٥ ) و قال عليه السّلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَ أَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ في ( الكافي ) عن الصّادق عليه السّلام : أنّ اللَّه تعالى اذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا اتبعه بنقمة و يذكّره الاستغفار و اذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا اتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار و يتمادى بها٢ .

و هو قوله تعالى . سنستدرجهم من حيث لا يعلمون٣ أي بالنّعم عند المعاصي و قال عزّ و جلّ فلّما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى اذا فرِحوا بما أُوتوا أخذناهم بغتةً فإذاهم مبلسون٤ .

٧

الحكمة ( ٣٠ ) و قال عليه السّلام :

اَلْحَذَرَ اَلْحَذَرَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ

____________________

( ١ ) الحشر : ١٨ .

( ٢ ) الكافي ٤ : ١٨٨ ح ١ .

( ٣ ) الأعراف : ١٨٢ .

( ٤ ) الأنعام : ٤٤ .

٢٩٦

امّا ستره تعالى ففي الخبر : « لو لا ستره لما دفنوا أكثر النّاس لسوء أعمالهم و قبح أفعالهم »١ .

و أمّا وجوب الحذر من ذلك فعنه عليه السّلام : لا تبديّن عن واضحة و قد علمت الأعمال الفاضحة و لا تأمننّ البيات و قد عملت السيئات٢ .

و عن الصادق عليه السّلام تعوّذوا باللَّه من سطوات اللَّه باللّيل و النّهار ، قيل : له و ما سطوات اللَّه ؟ قال : الأخذ على المعاصي٣ .

و عن أبي الحسن عليه السّلام : إنَّ اللَّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصي اللَّه فلو لا بهائم رتّع ، و صبيّة رضّع ، و شيوخ ركّع ،

لصبّ عليكم العذاب صبّا ترضّون به رضّا٤ .

٨

الحكمة ( ٢٤٢ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقِ اَللَّهَ بَعْضَ اَلتُّقَى وَ إِنْ قَلَّ وَ اِجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ سِتْراً وَ إِنْ رَقَّ لأنّه الرّبّ و النّاس عبيده فيجب عليهم اتّقآؤه كما ينبغي و اَتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ .٥ فان عسر عليه ما ينبغي فما تيسّر فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .٦ .

« و اجعل بينك و بين اللَّه سترا و ان رق » لانّه ليس كملوك الدّنيا فيفرّ منه فلابدّ له من ستر في البين و عنه عليه السّلام كما في ( الكافي ) ما من عبد إلاّ و عليه

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٥ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٦ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣١ .

( ٥ ) آل عمران : ١٠٢ .

( ٦ ) التغابن : ١٦ .

٢٩٧

أربعون جنّة حتّى يعمل أربعين كبيرة فاذا عمل أربعين انكشف عنه الجنن فيوحى تعالى الى الملائكة ان استروا عبدي بأجنحتكم فيسترونه فما يدع شيئا من القبيح إلاّ قارفه حتّى يتمدّح الى النّاس بفعله القبيح فتقول الملائكة يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئا إلاّ ركبه و انّا لنستحيي ممّا يصنع فيوحي تعالى اليهم إن ارفعوا أجنحتكم عنه فاذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينتهك ستره في السّماء و ستره في الأرض فتقول الملائكة يا ربّ هذا عبدك قد بقي مهتوك السّتر فيوحي اليهم لو كان للَّه فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه١ .

و عن أبي جعفر عليه السّلام اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فانّ لها طالبا يقول أحدكم أذنب و استغفر ، انّ اللَّه تعالى يقول . و نكتبُ ما قدّموا و آثارهم و كلّ شي‏ءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين٢ ، و قال . انّها إن تكُ مثقال حبّة من خردلٍ فتكن في صخرة أو في السّماوات أو في الأرض يأت بها اللَّه إنَّ اللَّه لطيفٌ خبيرٌ٣ .

و عنه عليه السّلام الذّنوب كلّها شديدة و أشدّها ما نبت عليه اللّحم و الدّم لأنّه امّا مرحوم و امّا معذّب و الجنّة لا يدخلها إلاّ طيّب٤ .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام من همّ بسيّئة فلا يعملها فانّه ربّما عمل العبد السيّئة فيراه الرّبّ تعالى فيقول : « و عزّتي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا »٥ .

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٣٨١ ح ٩ .

( ٢ ) يس : ١٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ١٠ و الآية : ١٦ من سورة لقمان .

( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٧١ ح ٧ .

( ٥ ) الكافي ٣ : ٣٧٤ ح ٣ .

٢٩٨

و عنه عليه السّلام : ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا مرض إلاّ بذنب١ .

قال تعالى و ما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثيرٍ٢ .

و عنه عليه السّلام ما من شي‏ء أفسد للقلب من خطيئته فما تزال به حتّى يغلب عليه فيصير أعلاه أسفله٣ .

و عن الكاظم عليه السّلام ان للَّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصيه فلو لا بهائم رتّع و صبية رضّع و شيوخ ركّع لصبّ عليكم صبّا ترضّون به رضّا٤ .

٩

الحكمة ( ١٦٥ ) و قال عليه السّلام :

لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ حتى لو كان ذاك المخلوق أحد الوالدين الّذين أوجب طاعتهما ، فقال تعالى إن اشكر لي و لوالديك إليّ المصير و إن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما .٥ ، و اعتذر عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن شهوده صفّين مع معاوية بأنّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال له : أطع أباك ، فقال له الحسن عليه السّلام : انّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، و كذلك

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٧٠ ح ٣ .

( ٢ ) الشورى : ٣٠ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣١ .

( ٥ ) لقمان : ١٤ ١٥ .

٢٩٩

الحسين عليه السّلام كما رواه الأسد في عبد اللَّه بن عمرو بن العاص١ .

و في ( الكافي ) عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من طلب مرضاة النّاس بما يسخط اللَّه كان حامده من النّاس ذامّا له و من آثر طاعة اللَّه تعالى بما يغضب النّاس كفاه اللَّه عدوّ كلّ عدوّ و حسد كلّ حاسد و بغي كلّ باغ و كان له ناصرا و ظهيرا٢ .

و عنه عليه السّلام من أرضى سلطانا بسخط اللَّه تعالى خرج من دين اللَّه٣ .

و في ( بيان الجاحظ ) قال معاوية لشدّاد بن أوس ( قم فاذكر عليّا فانتقصه ) فقام شدّاد فقال الحمد للّه الذي افترض طاعته على عباده و جعل رضاه عند أهل التقوى اثر من رضا غيره و على ذلك مضى أولهم و على ذلك مضى آخرهم ايها النّاس انّ الآخره وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر و انّ الدّنيا أكل حاضر يأكل منها البرّ و الفاجر و انّ السامع المطيع للّه لا حجّة عليه و انّ السامع العاصي لا حجّه له و انّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و اذا أراد اللَّه بالناس خيرا استعمل عليهم صلحاءهم و قضى بينهم فقهاءهم و جعل المال في سمحائهم و اذا اراد بالعباد شرّا عمل عليهم سفهاءهم و قضى بينهم جهلاؤهم و جعل المال عند بخلائهم و انّ من اصلاح الولاة ان يصلح قرباها ثم التفت الى معاوية فقال نصحك يا معاوية من أسخطك بالحقّ و غشّك من أرضاك بالباطل فقطع معاوية عليه كلامه و أمر بإنزاله ثمّ لاطفه و أمر له بالمال فلّما قبضه قال ألست من السمحاء الذين ذكرت فقال ان كان لك مال غير مال المسلمين أصبته اقترافا و أنفقته اسرافا فانّ اللَّه تعالى يقول انّ المُبذّرين كانوا اخوان الشّياطين و كان الشيطان لربِّه كفوراً٤ .

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، اسد الغابة ٣ : ٢٣٤ .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٧٩ ح ٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٨٠ ح ٥ .

( ٤ ) الجاحظ ، البيان و التبيان ٤ : ٦٩ ٧٠ و الآية ٢٧ من سورة الاسراء .

٣٠٠

و في ( كامل الجزري ) : كان نصير أبو موسى بن نصير على حرس معاية فلّما صار معاية إلى صفّين لم يسر معه فقال له ما يمنعك من المسير معي و يدي عندك معروفة فقال لا أشكرك بكفر من هو أولى بالشّكر منك و هو اللَّه عزّ و جلّ فسكت عنه معاوية١ .

و في ( المروج ) انّ معاوية سأل صعصعة عن أهل الكوفة و أهل البصرة و أهل الحجاز و عن مضر و ربيعة ، فأجابه ثمّ أمسك معاوية فقال له سل و إلاّ أخبرتك بمما تحيد عنه قال و ما ذاك يا ابن صوحان ، قال أهل الشام ، قال فاخبرني عنهم قال أطوع النّاس لمخلوق و أعصاهم للخالق عصاة الجبّار و خلفة الأشرار فعليهم الدّمار و لهم سوء الدّار ، الخ و فيه انّه أجابه عن أهل الحجاز بأنّهم أسرع النّاس الى فتنة و أضعفهم عنها غير انّ لهم ثباتا في الدّين و تمسّكا بعروة اليقين يتّبعون الأئمة الأبرار و يخلعون الفسقة الفجّار فقال معاوية من البررة و الفسقة ؟ فقال يا ابن أبي سفيان ترك الخداع من كشف القناع عليّ و أصحابه من الأبرار و أنت و أصحابك من أولئك فقال له معاوية و اللَّه يا ابن صوحان انّك لحامل مديتك منذ أزمان إلاّ انّ حلم ابن أبي سفيان يردّ عنك٢ .

و فيه : أنّ عليّا عليه السّلام لمّا شايع أبا ذرّ و زجر مروان لمّا كفّه و قد كان عثمان أمره أن لا يدع أحدا يشيّع أباذر قال عثمان من يعذرني من عليّ ، ردّ رسولي عمّا و جهته له و فعل كذا و اللَّه لنعطينه حقّه فلما رجع عليّ عليه السّلام استقبله الناس و قالوا له : إنّ عثمان عليك غضبان لتشييعك أبا ذرّ فقال عليه السّلام :

غضب الخيل على اللّجام ثمّ جاء الى عثمان فقال له : ما حملك على ما صنعت

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ٤ : ٥٣٩ .

( ٢ ) المسعودي ، مروج الذهب ٣ : ٤٠ .

٣٠١

بمروان و رددت أمري ؟ فقال عليه السّلام أما مروان فانّه استقبلني بردّتي فرددته عن ردّي و امّا أمرك فلم أردّه قال أو لم يبلغك انّي قد نهيت النّاس عن أبي ذرّ و تشييعه فقال عليه السّلام أو كلّما أمرتنا به من شي‏ء يرى طاعة اللَّه ، و الحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك ، تاللَّه لا نفعل١ . .

و هذا المعنى أمر عقليّ كما أنّه لنقل قطعي و هو دليل وجوب العصمة في الامام و إلاّ لزم أن يكون تشييع مثل أبي ذرّ لنهي عثمان عنه حراما ، لهذا في ( الطّبري ) : لمّا خرج ابراهيم بن المهدي على المأمون في سنة ( ٢٠٢ ) قام سهل بن سلامة المطوّعي و دعا النّاس الى العمل بالكتاب و السّنّة و ألاّ طاعة لمخلوق في معصية الخالق فاجتمع اليه عامّة أهل بغداد و كان كلّ من أجابه الى ذلك عمل على باب داره برجا بجصّ و آجر و نصب عليه السلاح و المصاحف٢ .

و فيه : أنّ يزيد بن الوليد خطب بعد قتل الوليد بن يزيد فقال : إنّي و اللَّه ما خرجت اشرا و لا بطرا و لا حرصا على الدّنيا و لا رغبة في الملك و ما بي إطراء لنفسي إنّي لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربّي ، و لكنّي خرجت غضبا للَّه و لرسوله و دينه داعيا إلى اللَّه و كتابه و سنّة نبيّه لمّا هدمت معالم الهدى و اطفى‏ء نور أهل التّقوى و ظهر الجبّار العنيد المستحلّ لكلّ حرمة و الرّاكب لكلّ بدعة . أيُّها النّاس انّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و لا وفاء لمخلوق بنقض عهد الخالق انّما الطّاعة طاعة اللَّه و أطيعوا المخلوق بطاعة اللَّه٣ .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٥٠ ٣٥١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٧ : ١٤٦ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٧٠ .

٣٠٢

١٠

الحكمة ( ٣٢٤ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا مَعَاصِيَ اَللَّهِ فِي اَلْخَلَوَاتِ فَإِنَّ اَلشَّاهِدَ هُوَ اَلْحَاكِمُ و كلّ شي‏ء فعلوه في الزّبر و كلّ صغيرٍ و كبيرٍ مستطر »١ ، . .

و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً و لا كبيرةً إلاّ أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضراً . »٢ ، يستخفون من النّاس و لا يستخفون من اللَّه و هو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول و كان اللَّه بما يعملون محيطا٣ ،

يعلم السّر و أخفى٤ ، يعلم خائنة الأعين و ما تُخفي الصدور٥ .

و مرّ في ( ٢٢ ) من التوحيد قوله عليه السّلام يعلم عجيج الوحوش في الفلوات و معاصي العباد في الخلوات و اختلاف النّينان في البحار الغامرات و تلاطم الماء بالرّياح العاصفات٦ .

هذا ، و في ( المروج ) : ورد على الرّشيد يوما كتاب صاحب البريد بخراسان و يحيى بن يديه يذكر أنّ الفضل بن يحيى تشاغل بالصّيد و اللّذّات عن النّظر في أمور الرّعيّة ، فلّما قرأه رمى به الى يحيى و قال له : اقرأ هذا و اكتب اليه كتابا يردعه عن مثل هذا فمدّ يده الى دواة الرّشيد و كتب الى الفضل على ظهر كتاب الرّشيد : قد انتهى الى الخليفة ما أنت عليه من التّشاغل

____________________

( ١ ) القمر : ٥٢ ٥٣ .

( ٢ ) الكهف : ٤٩ .

( ٣ ) النساء : ١٠٨ .

( ٤ ) طه : ٧ .

( ٥ ) غافر : ١٩ .

( ٦ ) مر في الجزء ١ من هذا الكتاب .

٣٠٣

بالصّيد و مداومة اللّذّات عن النّظر في أمور الرعيّة ما أنكره فعاود بما هو أزين بك و كتب أسفله هذه الأبيات :

انصب نهارا في طلب العلى

و اصبر على فقد لقاء الحبيب

حتّى اذا اللّيل بدا مقبلا

و استترت فيه وجوب العيوب

فبادر اللّيل بما تشتهي

فانّما الليل نهار الأريب

كم من فتى تحسبه ناسكا

يستقبل اللّيل بأمر عجيب

ألقى عليه اللّيل استاره

فبات في لهو و عيش خصيب

و لذّة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كلّ عدو و رقيب

فلّما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق المسجد نهارا الى أن انصرف عن عمله١ .

« فانّ الشاهد هو الحاكم » في ( تاريخ بغداد ) : قيل لأبي العتاهية : ما الّذي صرفك عن قول الغزل الى قول الزّهد ؟ قال لمّا قلت :

اللَّه بيني و بين مولاتي

أهدت لي الصّدّ و الملالات

منحتها مهجتي و خالصتي

و كان هجرانها مكافاتي

هيّمني حبّها و صيّرني

أحدوثة في جميع جاراتي

رأيت في المنام في تلك الليلة كأنّ آتيا أتاني فقال : ما أصبت أحدا تدخله بينك و بين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلاّ اللَّه تعالى فانتبهت مذعورا و تبت الى اللَّه تعالى من قول الغزل٢ .

و في ( مصباح الشيخ ) : تدعوا بعد الوتر بدعاء الحزين : أناجيك يا موجود في كلّ مكان لعلّك تسمع نداي فقد عظم جرمي و قلّ حيائي مولاي

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٦٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٦ : ٢٥٠ .

٣٠٤

يا مولاي أيّ الأهوال أتذكّر و أيّها أنسى و لو لم يكن إلاّ الموت لكفى كيف و ما بعد الموت أعظم و أدهى مولاي يا مولاي حتّى متى إلى متى أقول لك العتبى مرّة بعد اخرى ثمّ لا تجد عندي صدقا و لا وفاء فياغوثاه ثم و اغوثاه بك يا اللّه من هوى قد غلبني و من دنيا قد تزيّنت لي و من نفس أمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي ، مولاي إن كنت رحمت مثلي فارحمني و ان كنت قبلت مثلي فاقبلني يا قابل السّحرة اقبلني يا من لم أزل أتعرّف منه الحسنى يا من يغذيني بالنّعم صباحا و مساء إرحمني يوم آتيك فردا شاخصا اليك بصري مقلّدا عملي قد تبرّأ جميع الخلق منّي نعم و أبي و امّي و من كان له كدّي و سعيي فإن لم ترحمني فمن يرحمني و من يؤنس في القبر وحشتي و من ينطق لساني اذا خلوت بعملي و سألتني عمّا أنت أعلم به منّي فان قلت نعم فأين المهرب من عدلك و إن قلت لم أفعل قلت ألم أكن الشّاهد عليك فعفوك عفوك يا مولاي قبل سرابيل القطران عفوك عفوك يا مولاي قبل أن تغلّ الأيدي الى الأعناق يا أرحم الراحمين١ .

هذا ، و في ( وزراء الجهشياري ) : تنازع الفضل بن الربيع و جعفر بن يحيى يوما بحضرة الرّشيد فقال جعفر للفضل : يا لقيط فقال الفضل للرّشيد :

إشهد ، فقال جعفر للرّشيد : تراه عند من يقيمك هذا الجاهل شاهدا و أنت حاكم الحكّام٢ .

____________________

( ١ ) مصباح المتهجد للطوسي ١ : ١٦٣ ح ١١٧ .

( ٢ ) الكتّاب و الوزراء للجهشياري : ٢١٦ .

٣٠٥

١١

الحكمة ( ١٢٩ ) و قال عليه السّلام :

عِظَمُ اَلْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ اَلْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ لأنّه لا حول لأحد و لو كان ملك الملوك إلاّ بمشيّته ، و في السّير : انّ ذا القرنين لمّا فرغ من عمل السّدّ انطلق على وجهه فبينا يسير هو و جنوده إذ مرّ على شيخ يصلّي فوقف عليه بجنوده حتّى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين : كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي ، قال : كنت أناجي من هو أكثر منك جنودا و أعزّ سلطانا و أشدّ قوّة و لو صرفت وجهي اليك لا أدرك حاجتي قبله ، فقال له ذو القرنين : هل لك في أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و استعين بك على بعض أمري ؟ قال : نعم ، ان ضمنت لي أربع خصال ، نعيما لا يزول ،

و صحّة لا سقم فيها ، و شبابا لا هرم فيه ، و حياة لا موت فيها ، فقال له ذو القرنين : و أيّ مخلوق يقدر على هذه الخصال ، فقال الشّيخ : فانّي مع من يقدر عليها و يملكها و إيّاك١ .

و في الخبر : أنّ عبد الملك كان يطوف بالبيت و عليّ بن الحسين عليه السّلام يطوف بين يديه و لا يلتفت اليه و لم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه ، فقال : من هذا الّذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت الينا فقيل هذا عليّ بن الحسين عليهما السّلام فجلس مكانه و قال : ردّوه إليّ فردّوه فقال له : انّي لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إليّ ؟ فقال عليه السّلام : انّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه ، و أفسد أبي عليه بذلك آخرته ، فان أحببت أن تكون مثله فكن ، فقال : كلاّ ، و لكن صر إلينا لتنال من دنيانا ، فجلس و بسط رداءه و قال : اللّهمّ أره حرمة أوليائك عندك فاذا

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ١٢ : ١٧٥ .

٣٠٦

رداؤه مملوّ درّا يكاد شعاعها يخطف الأبصار و قال له : من يكون هذا حرمته عند ربّه يحتاج الى دنياك ؟ ثمّ قال : اللّهمّ خذها فلا حاجة لي فيها١ .

١٢

الحكمة ( ٣٣٠ ) و قال عليه السّلام :

أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لِلَّهِ أَلاَّ تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله يقول تعالى : يا ابن آدم إن نازعك بصرك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تنظر و ان نازعك لسانك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تتكلّم و ان نازعك فرجك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تأت حراما ، و في دعاء عرفه ( عصيتك بعيني و لو شئت لأعميتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بسمعي و لو شئت لأصممتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بيدي و لو شئت و عزّتك لكنعتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك برجلي و لو شئت لجذمتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بفرجي و لو شئت لعقمتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بجميع جوارحي و لم يكن جزاؤك هذا منّي٢ .

و ورد انّ ملك ابراهيم عليه السّلام لمّا أراد أن يمدّ يده الى امرأته ساره دعا عليه فيبست يده٣ .

و انّ سراقة بن مالك الكناني الّذي بعثته قريش في طلب النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله لمّا هاجر ساخت قوائم فرسه و هو القائل لأبي جهل :

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٤٦ : ١٢٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ٢١٩ ح ٢٧٠ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ١ : ١٤٨ و هو فرعون مصر .

٣٠٧

أباحكم و اللَّه لو كنت شاهدا

لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

علمت و لم تشكك بأنّ محمّدا

رسول ببرهان فمن ذا يقاومه١

و الرّجل ان كان عنيّنا فلامرأته الفسخ ، و المرأة ان كانت رتقاء أو عفلاء أو قرناء كان للرّجل الفسخ .

هذا ، و قال ابن ابي الحديد قال الصّابي في رسالته الى سبكتكين من عزّ الدّولة بختيار : ليت شعري بأيّ قدم تواقفنا و راياتنا خافقة على رأسك و مماليكنا عن يمينك و شمالك و خيلك موسومة باسمائنا تحتك و ثيابنا محوكة في طرازنا على جسدك و سلاحنا المشحوذ لأعدائنا في يدك٢ . .

١٣

الحكمة ( ٢٩٠ ) و قال عليه السّلام :

لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اَللَّهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَكَانَ يَجِبُ أَلاَّ يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِ أقول : و رواه ابن الجوزي في ( مناقبه ) ثمّ قال و من هاهنا أخذ القائل قيل انّها له عليه السّلام و قيل انّها للمهلّبي :

هب البعث لم يأتنا رسله

و جاحمة النّار لم تضرم

أليس من الواجب المستحقّ

حياء العباد من المنعم٣

و مثله سبطه في ( تذكرته )٤ لكن بدون النّسبة الى المهلّبي .

و عنه عليه السّلام قال لرجل ان كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل من رزقه و ان كنت

____________________

( ١ ) تاريخ اليعقوبي لابن واضح ٢ : ٤٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤٢ .

( ٣ ) البحار للمجلسي ٧٨ : ٦٩ ح ٢١ .

( ٤ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٤٤ .

٣٠٨

و اليت عدوّه فاخرج من ملكه و ان كنت غير قانع بقضاه و قدره فاطلب ربّا سواه .

هذا و في ( المعجم ) : قال السيّرافي لخراسانيّ سأله عن المسكر ، لو كان المسكر حلالا في كتاب اللَّه و سنّة رسوله لكان يجب على العاقل تركه بحجّة العقل فانّ شاربه محمول على كلّ معصية مدفوع الى كلّ بليّة مذموم عند كلّ ذي عقل و مروّة يحيله عن مراتب العقلاء و الفضلاء و الادباء و يجعله من جملة السّفهاء و مع ذلك فيضرّ بالدّماغ و الكبد و الذّهن و يولد القروح في الجوف و يسلب شاربه ثوب الصّلاح و المروّة و المهابة حتّى يصير بمنزلة المخبط الخريق و المثبئج يقول بغير فهم و يأمر بغير علم و يضحك من غير عجب و يبكي من غير سبب و يخضع لعدوّه و يصول على وليّه و يعطي من لا يستحقّ العطيّة و يمنع من يستوجب الصّلة و يبذّر في الموضع الّذي يحتاج فيه ان يمسك و يمسك في الموضع الذي يحتاج فيه أن يبذّر يصير حامده ذامّا و أفعاله ملاما عبده لا يوقّره و أهله لا تقربه و ولده يهرب منه و أخوه يفزع منه يتمرّغ في قيئه و يتقلّب في سحله و يبول في ثيابه و ربّما قتل قريبه و شتم نسيبه و طلّق امرأته و كسر آلة البيت و لفظ بالخنى و قال كلّ غليظة و فحش يدعو عليه جاره و يزري به أصحابه عند اللَّه ملوم و عند النّاس مذموم و ربّما يستولي عليه في حال سكره مخايل الهموم فيبكي دما و يشقّ جيبه حزنا و ينسى القريب و يتذكّر البعيد و الصبيان يضحكون منه و النّسوان يفتعلن النّوادر عليه و مع ذلك فبعيد من اللَّه قريب من الشيطان قد خالف الرّحمن في طاعة الشيطان و تمكّن من ناصيته و زيّن في عينه اتيان الكبائر و ركوب الفواحش و استحلال الحرام و إضاعة الصّلاة و الحنث في الايمان سوى ما

٣٠٩

حلّ به عند الإفاقة من النّدامة و يستوجب من عذاب اللَّه يوم القيامة١ .

و كيف و قد توعّد تعالى حتّى قال لنبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله قل انّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يومٍ عظيم٢ ، و قال إذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيّظا و زفيراً و اذا القوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً و ادعوا ثبوراً كثيراً٣ ، و قال كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب .٤ .

١٤

الحكمة ( ١٠٥ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ اَللَّهَ اِفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَ حَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَ نَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَ سَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَ لَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا « انّ اللَّه افترض عليكم الفرائض » هكذا في ( المصرية )٥ و الصواب ( فرائض ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٦ .

« فلا تضيّعوها » في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السّلام : أنّ الصّلاة اذا ارتفعت في أوّل وقتها رجعت الى صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك اللَّه و اذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها و هي سوداء

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ٨ : ١٦٧ ١٦٩ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥ .

( ٣ ) الفرقان : ١٢ ١٤ .

( ٤ ) النساء : ٥٦ .

( ٥ ) الطبعة المصرية : ٦٨٠ ح ١٠٦ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٤ بلفظ ( الفرائض ) و الخطية : ٣١٧ .

٣١٠

مظلمة تقول ضيّعتني ضيّعك اللَّه١ .

و قال تعالى بعد ذكر جمع من أنبيائه فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً٢ و فسّر قوله تعالى و الّذين هم عن صلاتهم ساهون٣ بالتضّييع .

و في الخبر : من ضيّع صلاته حشر مع قارون و هامان و عنهم عليهم السّلام :

أعبد النّاس من أقام الفرائض٤ .

« و حدّ لكم حدودا فلا تعتدوها » أي : فلا تتعدّوها قال تعالى بعد ذكر ميراث الزّوجين و كلالة الامّ تلك حدود اللَّه و من يطع اللَّه و رسوله يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك هو الفوز العظيم و من يعص اللَّه و رسوله و يتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها و له عذابٌ مهين٥ .

و قال بعد ذكر طلاق الأزواج للرجعة . لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ و لا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنةٍ و تلك حدود اللَّه و من يتعدّ حدود اللَّه فقد ظلم نفسه لا تدري لعلّ اللَّه يحدث بعد ذلك أمراً٦ .

و قال في خلع الأزواج فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللَّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللَّه فلا تعتدوها و من يتعدّ حدود اللَّه فأولئك هم الظّالمون٧ .

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢٦٨ ح ٤ .

( ٢ ) مريم : ٥٩ .

( ٣ ) الماعون : ٥ .

( ٤ ) الفقيه ٤ : ٣٩٤ ح ٥٨٤٠ .

( ٥ ) النساء : ١٣ ١٤ .

( ٦ ) الطلاق : ١ .

( ٧ ) البقرة : ٢٢٩ .

٣١١

« و نهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها » و في نسخة ( ابن ميثم ) « فلا تنهتكوها »١ و على الأوّل افتعال من النّهك و على الثاني انفعال من الهتك و قال الجوهري الهتك خرق السّتر عمّا وراءه و قد هتكه فانهتك و قال انتهاك الحرمة تناولها بما لا يحلّ ، قال تعالى يا أيُّها الذين آمنوا إنّما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تُفلحون إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدّكم عن ذكر اللَّه و عن الصّلاة فهل أنتم منتهون٢ ، و قال تعالى انتهوا خيراً لكم٣ .

« و سكت لكم عن أشياء و لم يدعها » أي : لم يتركها .

« نسيانا فلا تتكلّفوها » يا أيُّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم و إن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفى اللَّه عنها و اللَّه غفورٌ حليمٌ قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين٤ .

١٥

الحكمة ( ٣٨٣ ) و قال عليه السّلام :

اِحْذَرْ أَنْ يَرَاكَ اَللَّهُ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ وَ يَفْقِدَكَ عِنْدَ طَاعَتِهِ فَتَكُونَ مِنَ اَلْخَاسِرِينَ وَ إِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ وَ إِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : من همّ بخير فليعجّله و لا يؤخّره فإنّ

____________________

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٤ ح ٩٧ .

( ٢ ) المائدة : ٩٠ ٩١ .

( ٣ ) النساء : ١٧١ .

( ٤ ) المائدة : ١٠١ .

٣١٢

العبد ربّما عمل العمل فيقول تعالى : قد غفرت لك و لا أكتب عليك شيئا أبدا ،

و من همّ بسيّئة فلا يعملها فانّه ربّما عمل العبد السّيئة فيراه الرّب سبحانه فيقول و عزّتي و جلالي لا أغفر لك بعدها أبدا١ .

و عنه عليه السّلام : من أشدّ ما فرض اللَّه على خلقه ذكره كثيرا لا أعني سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر و ان كان منه و لكن ذكر اللَّه عند ما أحلّ و حرّم فان كان طاعة عمل بها و ان كان معصية تركها٢ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى فما أصبرهم على النّار٣ ، أي : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون انّه يصيّرهم الى النّار٤ .

« فتكون من الخاسرين » و العصر إنّ الإنسان لفي خُسرٍ إلاّ الّذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحقِّ و تواصوا بالصبر٥ ، إستحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللَّه أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون٦ ، أفأمنوا مكر اللَّه فلا يأمن مكر اللَّه إلاّ القوم الخاسرون٧ ، يا أيُّها الذين آمنوا لا تُلهِكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر اللَّه و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون٨ .

« و اذا قويت فاقو على طاعة اللَّه و اذا ضعفت فاضعف عن معصية اللَّه » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : اذا كان يوم القيامة يقوم عنق من النّاس فيأتون

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢١٣ ح ٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ١٣٧ ح ٤ .

( ٣ ) البقرة : ١٧٥ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٢ .

( ٥ ) العصر : ١ ٣ .

( ٦ ) المجادلة : ١٩ .

( ٧ ) الأعراف : ٩٩ .

( ٨ ) المنافقون : ٩ .

٣١٣

باب الجنّة فيضربون فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصّبر كنّا نصبر على طاعة اللَّه و نصبر عن معاصي اللَّه فيقول تعالى صدقوا ادخلوهم الجنّة١ .

و هو قوله تعالى . إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب٢ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى و لمن خاف مقام ربِّه جنّتان٣ : من علم انّ اللَّه تعالى يراه و يسمع ما يقوله و يفعله من خير و شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف مقام ربِّه و نهى النّفس عن الهوى٤ .

١٦

الحكمة ( ١٧٠ ) و قال عليه السّلام :

تَرْكُ اَلذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ أقول ما في ( المصرية )٥ : ( ( من طلب المعونة ) ) تحريف .

في ( مطالب سؤول ابن طلحة الشّافعي ) : سئل عليّ عليه السّلام عن واجب و أوجب فقال عليه السّلام « توب ربّ الورى واجب عليهم و تركهم للذّنوب أوجب »٦ .

و وجه ما ذكره عليه السّلام معلوم فانّ ارتكاب الذّنب كاستعمال السّمّ و التوبة كاستعمال التّرياق لدفعه فقد لا يتيسّر استعماله و قد لا يكون مؤثّرا لشدّة السّمّ .

و روى ( روضة الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال : كان عابد في

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ١١٩ ح ٤ .

( ٢ ) الزمر : ١٠ .

( ٣ ) الرحمن : ٤٦ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ١ .

( ٥ ) الطبعة المصرية المصححة كما ذكر المصنف : ٦٩٨ ( ١٧٠ ) .

( ٦ ) مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : ٦٢ .

٣١٤

بني اسرائيل لم يقارف من أمر الدّنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمع اليه جنوده فقال من لي بفلان ؟ فقال : بعضهم أنا له فقال من أين تأتيه ؟ قال من ناحية النّساء ، قال : لست له ، لم يجرّب النساء ، فقال له آخر فأنا له ، فقال من أين تأتيه ؟ قال من الشّرب و اللّذات قال : لست له ، ليس هذا هو قال آخر : فأنا له ، قال من أين تأتيه ؟ قال من ناحية البرّ قال : انطلق فأنت صاحبه فانطلق الى موضع الرّجل فأقام حينا يصلّي و كان الرّجل ينام و الشيطان يصلّي لا ينام و الرّجل يستريح و الشّيطان لا يستريح ،

فتحوّل اليه الرّجل و قد تقاصرت اليه نفسه و استصغر عمله ، فقال يا عبد اللَّه بأي شي‏ء قويت على ذلك ؟ فلم يجبه ثم أعاد فقال : يا عبد اللَّه اني أذنبت ذنبا و أنا تائب منه فاذا ذكرت الذّنب قويت على الصّلاوة قال فاخبرني بذنبك حتّى أعمل و أتوب و أقوى على الصّلاة قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغيّة فأعطها درهمين و نل منها قال و من أين لي درهمان و ما أدري ما الدّرهمان فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين ، فناوله إيّاهما فقام فدخل المدينة بجلابيبه فسأل عن منزل فلانة البغيّة فأرشده النّاس و ظنّوا أنّه جاء يعظها فجاء اليها فرمى اليها بالدّرهمين و قال : قومي فقامت و دخلت منزلها و قالت : ادخل ، و قالت : انّك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فاخبرني بخبرك فاخبرها فقالت يا عبد اللَّه انّ ترك الذّنب أهون من طلب التّوبة ، و ليس كلّ من طلب التّوبة وجدها و انّما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثّل لك فانصرف فانّك لا ترى شيئا فانصرف١ . .

____________________

( ١ ) الكافي ٨ : ٣٨٤ ح ٥٨٤ .

٣١٥

١٧

الحكمة ( ٢٣٧ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلتُّجَّارِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ في الخبر : أنّ عيسى عليه السّلام مرّ بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم و تغيّرت ألوانهم فقال ما الّذي أرى بكم ؟ قالوا الخوف من النّار قال : حقّ على اللَّه أن يؤمن من يخافه ، ثمّ مرّ على ثلاثة آخرين فاذا هم أشدّ نحولا و تغيّرا فقال : ما الّذي بلغ بكم ما أرى ؟ قالوا الشّوق الى الجنّة فقال : حقّ على اللَّه تعالى أن يعطي من رجاه ثمّ مرّ على ثلاثة آخرين فاذا هم أشدّ نحولا و على وجوههم مثل المرائي من النّور فقال ما الّذي بلغ بكم ؟ قالوا : حبّ اللَّه عز و جلّ فقال ثلاثا أنتم المقرّبون١ .

و في الخبر : انّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله نظر الى مصعب بن عمير مقبلا و عليه إهاب كبش قد تمنطق به فقال : انظروا الى الرّجل الّذي قد نوّر اللَّه قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطّعام و الشّراب فدعاه حبّ اللَّه و رسوله الى ما ترون٢ .

و عابدته عليه السّلام كانت عبادة الأحرار فكان عليه السّلام يقول لم أعبده خوفا و لا طمعا و لكنّي وجدته أهلا للعبادة فعبدته٣ .

و عنه عليه السّلام أيضا : الجلوس في المسجد عندي أحبّ من الجلوس في

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٥٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٥٦ .

( ٣ ) المصدر نفسه ١٠ : ١٥٧ .

٣١٦

الجنّة لأنّ في الأوّل رضا ربّي و في الثّاني رضاي١ .

و في مناجاة شعبان : « الهي و الحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفا و عن سواك منحرفا و منك خائفا مراقبا »٢ .

و في دعاء كميل : « و هبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر على فراقك »٣ .

و في الثامنة من المناجاة ( ١٥ ) : « فأنت لا غيرك مرادي و لك لا سواك سهري و سهادي و لقاءك قرّة عيني و وصلك منى نفسي و اليك شوقي و في محبّتك ولهي و الى هواك صبابتي و رضاك بغيتي و رؤيتك حاجتي و جوارك طلبي و قربك غاية سؤلي و في مناجاتك روحي و راحتي و عندك دواء علّتي و شفاء غلّتي و برد لوعتي و كشف كربتي فكن أنيسي في وحشتي و مقيل عثرتي و غافر زلّتي و قابل توبتي و مجيب دعوتي و وليّ عصمتي و مغني فاقتي و لا تقطعني عنك و لا تبعدني منك يا نعيمي و يا دنياي و آخرتي »٤ .

و في الثانية عشرة : الهي ما ألذّ خواطر الالهام بذكرك على القلوب و ما أحلى المسير اليك بالأوهام في مسالك الغيوب و ما أطيب طعم حبّك و ما أعذب شرب قربك فاعذنا من طردك و ابعادك و اجعلنا من أخصّ عارفيك . .

و في ( ١٣ ) : الهي بك هامت القلوب الوالهة و على معرفتك جمعت العقول المتباينة فلا تطمئنّ القلوب إلاّ بذكراك و لا تسكن النّفوس إلاّ عند رؤياك أنت المسبّح في كلّ مكان و المعبود في كلّ زمان و الموجود في كلّ أوان و المدعوّ بكلّ لسان و المعظّم في كلّ جنان استغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك و من كلّ

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٥٦ ح ١ .

( ٢ ) مفاتيح الجنان للقمي : ٢٨٨ .

( ٣ ) مفاتيح الجنان للقمي : ١١٧ .

( ٤ ) مفاتيح الجنان للقمي ، المناجات الشعبانية .

٣١٧

راحة بغير أنسك و من كلّ سرور بغير قربك و من كلّ شغل بغير طاعتك١ .

هذا ، و ( في المناقب ) سأل رسول ملك الرّوم أبابكر عن رجل لا يرجو الجنّة و لا يخاف النّار و لا يخاف اللَّه و لا يركع و لا يسجد و يأكل الميتة و الدّم و يحبّ الفتنة و يبغض الحقّ و يشهد بما لا يرى ، فلم يجبه أبو بكر و قال له عمر :

ازددت كفرا الى كفرك ، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال عليه السّلام : هذا رجل من أولياء اللَّه لا يرجو الجنّة و لا يخاف النّار و لكن يخاف اللَّه و يرجوه و لا يخاف اللَّه من جوره و انّما يخاف من عدله و لا يركع و لا يسجد في صلاة الجنازة و يأكل الجراد و السّمك و هما ميتة و يأكل الكبد ، و هو الدّم و يشهد بالجنّة و النّار ، و هو لم يرهما و يحبّ ولده ، و الولد فتنة ، و يبغض الموت ،

و الموت حقّ٢ .

١٨

الحكمة ( ٣٨٢ ) و قال عليه السّلام :

لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ « لا تقل ما لا تعلم » لأنّه من الكذب ، و في ( أدب ابن المقفّع ) : أكثر النّاس كذبا من يحدّث بما يسمع و لا يبالي ممّن سمع و ذلك مفسدة للصّدق و مزراة بالرّاي فان استطعت ألاّ تخبر بشي‏ء إلاّ و أنت به مصدّق و ألاّ يكون تصديقك إلاّ ببرهان فافعل٣ .

____________________

( ١ ) مفاتيح الجنان للقمي ، المناجاة الشعبانية .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١٨٠ .

( ٣ ) الأدب الكبير و الأدب الصغير لابن مقفع : ٩٠ ( بتصرف ) .

٣١٨

« بل لا تقل كلّ ما تعلم » فالغيبة أيضا من القول بما يعلم و من علم من رجل أو امرأة غير معروفين بالفجور و لم تكمل الشّهود الأربعة فقال ذلك ، يكون قاذفا مستحقّا للحدّ ، قال تعالى و الّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون١ .

« فان اللَّه فرض » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب ( فانّ اللَّه سبحانه قد فرض ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة » و لا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً٤ .

تمّت بخير و الحمد للَّه أوّلا و آخرا

____________________

( ١ ) النور : ٤ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٧٤٨ ح ٣٨٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٢٣ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٤ ، بدون لفظ ( سبحانه ) .

( ٤ ) الاسراء : ٣٦ .

٣١٩

الفصل الاربعون في الاسلام و الكفر و الايمان و النفاق

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607