بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113698 / تحميل: 3946
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و كان يصوم النهار و يأكل باللّيل ما يمسك رمقه فكانت بنته تأتيه بعشائه و تحلّه عند قضاء الحاجة فلّما كان بعد ذلك و النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله في بيت امّ سلمة نزلت توبته و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً عسى اللَّه أن يتوب عليهم إنّ اللَّه غفور رحيم١ ، فقال صلَّى اللَّه عليه و آله لها قد تاب اللَّه عليه فقالت افاوذنه فقال لتفعلنّ فأخرجت رأسها من الحجرة فقالت ابشر يا أبا لبابة قد تاب اللَّه عليك فقال الحمد للَّه فوثب المسلمون يحلّونه فقال لا و اللَّه حتّى يحلّني صلَّى اللَّه عليه و آله فجاء صلَّى اللَّه عليه و آله فقال تاب اللَّه عليك لو ولدت من امّك يومك هذا لكفاك فقال ا فاتصدّق به بمالي كلّه ؟ قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فثلثه فقال نعم٢ .

« و وجل فعمل » إنّ الّذين هم من خشية ربِّهم مشفقون و الّذين هم بآيات ربِّهم يؤمنون و الّذين هم بربِّهم لا يشركون و الّذين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجِلةٌ انّهم الى ربِّهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٣ ، فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم اللَّه جميعاً .٤ .

« و أيقن فأحسن » فأما من اعطى و اتّقى و صدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى٥ .

« و عبّر فاعتبر » أي : رأى اسباب العبرة فاعتبر بها .

« و حذّر فازدجر » قال تعالى في سورة القمر كرارا و لقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مُدّكر .

____________________

( ١ ) التوبة : ١٠٢ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٣٠٣ .

( ٣ ) المؤمنون : ٥٧ ٦١ .

( ٤ ) البقرة : ١٤٨ .

( ٥ ) الليل : ٥ ٧ .

٢٨١

« و أجاب فأناب » و الّذين اجتنبوا الطّاغوت أن يعبدوها و أنابوا الى اللَّه لهم البشرى .١ ، « و رجع » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب ( و راجع ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« فتاب » . و توبوا الى اللَّه جميعاً أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون٤ .

« و اقتدى فاحتذى » في ( الصّحاح ) : حذوت النّعل بالنعل حذوا اذا قدّرت كلّ واحدة على صاحبتها٥ . .

قل ان كنتم تحبّون اللَّه فاتّبعوني يحببكم اللَّه و يغفر لكم ذنوبكم و اللَّه غفور رحيم٦ .

« و ارى فرأى » هو الّذي يريكم آياته و ينزّل لكم من السّماء رِزقاً و ما يتذكّر إلاّ من يُنيب٧ .

« فأسرع طالبا » للخير « و نجا هاربا » من الشّرّ « فأفاد ذخيرة » و ما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللَّه هو خيراً و أعظم أجراً و استغفروا اللَّه إنّ اللَّه غفورٌ رحيم٨ .

« و أطاب سريرة » قد أفلح من زكاها٩ .

____________________

( ١ ) الزمر : ١٧ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ١٩٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٢٥٥ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٢٤٦ .

( ٤ ) النور : ٣١ .

( ٥ ) الصحاح : ( حذا ) .

( ٦ ) آل عمران : ٣١ .

( ٧ ) المؤمنون : ١٣ .

( ٨ ) المزمل : ٢٠ .

( ٩ ) الشمس : ٩ .

٢٨٢

« و عمّر معادا » و إنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان .١ .

« و استظهر زادا » في ( الصحاح ) : استظهر به أي استعان به و استظهر الشّي‏ء حفظه و قرأه ظاهرا٢ .

« ليوم رحيله ، و وجه سبيله و حال حاجته و موطن فاقته » في ( الفقيه ) عن أمير المؤمنين عليه السّلام : ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم أنا يوم جديد و أنا عليك شهيد فقل فيّ خيرا شهد لك يوم القيامة فانّك لن تراني بعده أبدا٣ .

« و قدّم أمامه لدار مقامه » و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخّرتني إلى أجلٍ قريب فأصّدّق و أكن من الصّالحين٤ .

« فاتّقوا اللّه عباد اللَّه جهة ما خلقكم له » أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً و انّكم الينا لا ترجعون٥ ، أيحسب الإنسان أن يُترك سدىً٦ ، و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون ما اُريد منهم من رزقٍ و ما اُريد أن يطعِمون٧ .

« و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه » في ( المصباح ) : كنه الشي‏ء نهايته و حقيقته و الكنه الوقت قال ( و انّ كلام المرء في غير كنهه ) أي في غير وقته و لا يشتقّ منه فعل٨ .

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٤ .

( ٢ ) الصحاح : ( ظهر ) .

( ٣ ) الفقيه ٤ : ٣٩٧ ح ٥٨٤٩ .

( ٤ ) المنافقون : ١٠ .

( ٥ ) المؤمنون : ١١٥ .

( ٦ ) القيامة : ٣٦ .

( ٧ ) الذاريات : ٥٦ ٥٧ .

( ٨ ) المصباح المنير للفيتوري ٢ : ٢٣٣ ( كنه ) .

٢٨٣

قلت : كأنّه مشتقّ من كلمتي كونه أو كيانه فخفّفتا و صارتا كلمة واحدة و كيف كان قال تعالى يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه حقّ تقاته و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل اللَّه جميعاً و لا تفرّقوا .١ .

« و استحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتنجّز لصدق ميعاده » في ( الصحاح ) : نجّز حاجته : قضاها و استنجز الرّجل حاجته و تنجّزها أي استنجحها و النّاجز الحاضر يقال بعته ناجزا بناجز كقولك يدا بيد٢ .

و الميعاد المواعدة و الوقت و الموضع .

« و الحذر من هول معاده » في ( تفسير القمّي ) عن الصادق عليه السّلام : ما خلق اللَّه خلقا إلاّ جعل له في الجنّة منزلا و في النّار منزلاً فاذا دخل أهل الجنّة الجنّة و أهل النّار النّار نادى مناديا أهل الجنّة اشرفوا فيشرفون على أهل النّار و ترفع لهم منازلهم لهم فيها ثمّ يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم اللَّه لدخلتموها قال فلو انّ أحدا مات فرحا لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب ثمّ يناد مناديا أهل النّار ارفعوا رؤسكم فيرفعون رؤسهم فينظرون الى منازلهم في الجنّة و ما فيها من النّعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها فلو انّ أحدا مات حزنا لمات أهل النّار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء و يورث هؤلاء منازل هؤلاء٣ و ذلك قوله تعالى اُولئك هم الوارِثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون٤ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٠٢ ١٠٣ .

( ٢ ) الصحاح : ( نجز ) .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٨٩ .

( ٤ ) المؤمنون : ١٠ ١١ .

٢٨٤

٢٢

الخطبة ( ٩٨ ) و من كلام له عليه السّلام يجري مجرى الخطبة :

وَ ذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اَللَّهُ فِيهِ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ لِنِقَاشِ اَلْحِسَابِ وَ جَزَاءِ اَلْأَعْمَالِ خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ اَلْعَرَقُ وَ رَجَفَتْ بِهِمُ اَلْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالاً مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً وَ لِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً أقول : قوله « و من كلام له عليه السّلام يجري مجرى الخطبة » هكذا في ( المصرية )١ و في « ( ابن ابي حديد و ابن ميثم )٢ : ( ( و من خطبة له عليه السّلام تجري هذا المجرى ) ) : و هو الصّحيح و قوله ( ( هذا المجرى ) ) اشارة الى اشتمالها على ذكر الملاحم كسابقتها .

« و ذلك يوم يجمع اللَّه فيه الأوّلين و الآخرين » الأصل في كلامه عليه السّلام قوله تعالى قل إنّ الأولين و الآخرين لمجموعون الى ميقات يومٍ معلوم٣ ،

إن كانت إلاّ صيحةً واحدةً فاذا هم جميعٌ لدينا محضرون٤ ، يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن .٥ .

« لنقاش الحساب » النّقاش و المناقشة الاستقصاء في الحساب و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللَّه .٦ ، و كلّ صغيرٍ و كبيرٍ

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية ليس فيها ما ذكر : ٢٤٦ ح ٩٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٧ : ١٠٢ ح ١٠١ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٣ ح ٩٩ .

( ٣ ) الواقعة : ٤٩ ٥٠ .

( ٤ ) يس : ٥٣ .

( ٥ ) التغابن : ٩ .

( ٦ ) البقرة : ٢٨٤ .

٢٨٥

مستطرٌ١ ، و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة و لا كبيرةً إلاّ أحصاها و وجدوا ما عمِلوا حاضراً .٢ .

« و جزاء الأعمال » فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّةٍ شرّاً يره٣ ، ليجزي الذين أسآؤا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى٤ .

« خضوعا » هنا هو جمع خاضع و خشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلاّ همسا٥ .

« قياما » ( قيام ) يكون مصدر ( قام ) و يكون جمع قائم و هو المراد هنا .

روي عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله اذا كان يوم القيامة ادنيت الشّمس حتّى يكون بقدر ميل أو ميلين فيكونون في العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه الى عقبه و منهم من يلجمه إلجاما و أشار بيده الى فيه٦ .

« و رجفت بهم الأرض » يوم ترجف الأرض و الجبال و كانت الجبال كثيباً مهيلاً٧ .

« فأحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا و لنفسه متّسعا » يوماً يجعل الولدان شيباً٨ ، يوم ترجف الرّاجفة تتبعها الرّادفة قلوبٌ يومئذٍ

____________________

( ١ ) القمر : ٥٣ .

( ٢ ) الكهف : ٤٩ .

( ٣ ) الزلزلة : ٨ ٩ .

( ٤ ) النجم : ٣١ .

( ٥ ) طه : ١٠٨ .

( ٦ ) الترمذي ، سنن الترمذي : ح ٢٣٤٥ كتاب ٣٤ باب ١ عن المقداد .

( ٧ ) المزمل : ١٤ .

( ٨ ) المزمل : ١٧ .

٢٨٦

واجفةٌ أبصارها خاشعةٌ١ .

هذا ، و مرّ في فصل إمامته عليه السّلام قوله عليه السّلام « شغل من الجنّة و النّار أمامه » الى آخره .

____________________

( ١ ) النازعات : ٦ ٩ .

٢٨٧

الفصل التاسع و الثلاثون في ما قاله عليه السّلام في ما يجب على العبد لربّه

٢٨٨

١

الحكمة ( ١٠ ) و قال عليه السّلام :

إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ اَلْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ في ( العيون ) : أمر عبد الملك بقتل رجل فقال له الرّجل : إنّك أعزّ ما تكون أحوج ما تكون الى اللَّه فاعف له فانّك به تعان و اليه تعود ، فخلّى سبيله١ .

و أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر ان أمكنه اللَّه ليفعلنّ به و ليفعلنّ فقال له رجاء بن حياة : قد فعل اللَّه ما تحبّ من الظّفر فافعل ما يحبّ اللَّه من العفو٢ .

و أتى الحجّاج بأسارى فأمر بضرب أعناقهم فقال له رجل منهم لمّا أرادوا ضرب عنقه : و اللَّه لئن كنّا أسأنا في الذّنب فما أحسنت في المكافأة فقال

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٢ .

٢٨٩

الحجّاج : أفّ لهذا الجيف ما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا و كفّ عن القتل١ .

و أتى الهادي برجل كان في حبسه فجعل يقرعه بذنوبه ، فقال الرّجل اعتذاري ممّا تقرعني به ردّ عليك ، و اقراري بما تعتدّه عليّ يلزمني ذنبا لم أجنه و لكني أقول :

فان كنت ترجو في العقوبة راحة

فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر٢

و في ( العقد ) : قال مبارك بن فضالة كنت عند المنصور إذ أمر برجل ان يقتل فقلت له : قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله : اذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي اللَّه ألا من كانت له عند اللَّه يد فليتقدّم ، فلا يتقدّم إلاّ من عفى عن مذنب ، فأمر بإطلاقه٣ .

و قال : قد ضلّ الأعشى في طريقه فأصبح بأبيات علقمة بن علاثة فقال : قائده و قد نظر الى قباب الادم ، و اسوء صباحاه يا أبا بصير ، هذه و اللَّه أبيات علقمة فخرج فتيان الحيّ فقبضوا على الأعشى فأتوا به علقمة فمثّل بين يديه فقال :

الحمد للَّه الذي أظفرني بك من غير ذمّة و لا عقد ، قال الأعشى : أ فتدري لم ذلك ؟

قال : نعم لأنتقم اليوم منك بتقوالك الباطل عليّ مع إحساني اليك ، قال : لا و اللَّه و لكن أظفرك اللَّه بي ليبلو قدر حلمك فيّ . فأطرق علقمة فاندفع الأعشى فقال :

أعلقم قد صيّرتني الامور

اليك و ما كان بي منكص

كساكم علاثة أثوابه

و ورّثكم مجده الأحوص

فهب لي ذنوبي فدتك النفوس

فلا زلت تنمى و لا تنقص٤

فقال : قد فعلت اما و اللَّه لو قلت فيّ ما قلت في عامر لأغنيتك طول حياتك و لو قلت في عامر بعض ما قلت فيّ ما اذا قلت برد الحياة .

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ١ : ١٠٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ١٠٥ .

( ٣ ) العقد ٢ : ١٨٩ .

( ٤ ) عيون الاخبار ٢ : ١٨٩ ، و ديوان الأعشى : ٤١٩ .

٢٩٠

٢

الحكمة ( ١٣ ) و قال عليه السّلام :

إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ اَلنِّعَمِ فَلاَ تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ اَلشُّكْرِ أقول : ذكره ( ابن ابي الحديد ) بعد ( ١٧ )١ و لكن في ( ابن ميثم » كما هنا٢ .

و كيف كان فروى المصنّف في ( مجازاته النبويّة ) قريبا منه عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله و لا غرو فهو منه كالصّنو من الصّنو و الذّراع من العضد فقال : و من ذلك قوله صلَّى اللَّه عليه و آله لبعض أزواجه احسني جوار نعم اللَّه فانّها قلّما نفرت عن قوم فكادت ترجع اليهم ، ثمّ قال : و هذه استعارة لأنّه صلَّى اللَّه عليه و آله جعل النّعم المتفاضلة على الإنسان بمنزلة الضّيف النّازل و الجار المجار الّذي يجب أن يعدّ قراه و يكرم مثواه و تصفى مشاربه و تؤمن مساربه فان اخيف سربه و رنق شربه و ضيعت قواصيه و اعتميت مقاربه كان خليقا بأن ينتقل و جديرا بأن يستبدل فكذلك النّعم اذا لم يجعل الشّكر قرى نازلها و الحمد مهاد منزلها كانت و شيكه بالانتقال و خليقة بالزّيال٣ .

و في رواية اخرى ( ( احسنوا جوار نعم الدّنيا فانّها و حشيّة ) ) و باقي الخبر على لفظه ، فعلى هذه الرّواية كأنّه صلَّى اللَّه عليه و آله شبّه النّعم بأوابد الوحش الّتي تقيم مع الايناس و تنفر مع الايحاش و يصعب رجوع شاردها اذا شرد و دنوّ نافرها اذا بعد .

قلت : بل الظاهر ارادة المعنى الأخير على الرّواية الاولى أيضا فكما انّ

____________________

( ١ ) ابن أبي الحديد ذكره في ( ١٤ ) ١٧ : ١١٦ .

( ٢ ) ذكرها ابن ميثم في ( ١٨١ ) ٥ : ٢٤٥ .

( ٣ ) المجازات النبوية للرضي : ٢١٩ .

٢٩١

الوحشيّة قرينة لتشبيه النّعم بالأوايد كذلك قوله ( لا تنفروا ) قال تعالى كأنّهم حُمرٌ مستنفرة فرّت من قسورةٍ١ .

و قال الشاعر :

ازجر حمارك انّه مستنفر

في اثر أحمرة عمدن لغرب٢

و في المثل : كلّ ازبّ نفور٣ .

قال الجوهري : ينبت على حاجب البعير شعيرات فاذا ضربته الرّيح نفر .

قال الكميت ( او يتناسى الازبّ النفورا )٤ .

و ممّا يشهد لما قلنا من التّشبيه ما رواه محمّد بن يعقوب عن الرّضا عليه السّلام انّه قال لمحمّد بن عرفة انّ النّعم كالإبل المعتقلة في عطنها على القوم ما أحسنوا جوارها فاذا أساؤا معاملتها و ابالتها نفرت عنهم٥ .

و كيف كان ، فقال تعالى إنّ اللَّه لا يُغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم٦ ، لئن شكرتم لأزيدنّكم و لئن كفرتم إنَّ عذابي لشديد٧ .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام مكتوب في التوراة : ( اشكر من أنعم عليك و انعم على من شكرك فانّه لا زوال للنّعماء اذا شكرت و لا بقاء لها اذا كفرت الشّكر زيادة للنّعم و أمان من الغير )٨ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى لقد كان لسبأ في مساكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ

____________________

( ١ ) المدّثر : ٥٠ ٥١ .

( ٢ ) مجمع البيان للطبرسي ٩ : ٣٩٠ .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد : ٩٨ .

( ٤ ) الصحاح : ( زبب ) .

( ٥ ) الكافي ٤ : ٣٨ ح ١ .

( ٦ ) الرعد : ١١ .

( ٧ ) إبراهيم : ٧ .

( ٨ ) الكافي ٢ : ٩٤ ح ٣ .

٢٩٢

و شمالٍ كلوا من رزقِ ربّكم و اشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ و ربُّ غفورٌ فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم و بدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمط واثلٍ و شي‏ء من سدرٍ قليل ذلك جزيناهم بما كفروا و هل نجازي إلاّ الكفور و جعلنا بينهم و بين القرى الّتي باركنا فيها قرىً ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و أيّاماً آمنين فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا و ظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث و مزّقناهم كلّ ممزّقٍ إنَّ في ذلك لآياتٍ لكلِّ صبّارٍ شكور١ : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم الى بعض و انهار جارية و أموال ظاهرة فكفروا نعم اللَّه و غيّروا ما بأنفسهم من عافية اللَّه فغيّر اللَّه ما بهم من نعمه فأرسل عليهم سيل العرم ففرّق قراهم و خرّب ديارهم و ذهب بأموالهم و أبدلهم مكان جنّاتهم جنّتين ذواتي أكل خمط واثل و شي‏ء من سدر قليل٢ .

٣

الحكمة ( ٢٤٦ ) و قال عليه السّلام :

اِحْذَرُوا نِفَارَ اَلنِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ مرّ في سابقه كون المراد من نفار النّعم تشبيهها بحيوان نفر و شرد اذا لم يحسن رعايته لأنّ الغالب عدم عوده و ردّه ، و في محاجّة الصّادق عليه السّلام مع سفيان الثّوري و أصحابه الصّوفية قال النّبي صلَّى اللَّه عليه و آله انّ أصنافا من امّتي لا يستجاب لهم دعاؤهم ، رجل يدعو على والديه و رجل يدعو على غريم له ذهب له بمال فلم يكتب عليه و لم يشهد عليه . و رجل رزقه اللَّه تعالى مالا كثيرا

____________________

( ١ ) سبأ : ١٥ ١٩ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢٧٤ ح ٢٣ .

٢٩٣

فأنفقه ثمّ أقبل يدعو يا ربِّ ارزقني فيقول تعالى ألم أرزقك رزقا واسعا فهلاّ اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف١ . .

٤

الحكمة ( ٢٤٤ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ عَنْهُ خَاطَرَ بِزَوَالِ اَلنِّعَمِ أقول : هو في معنى قوله تعالى . لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد٢ فكفرت بانعم اللَّه فأذاقها اللَّه لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون٣ .

و في معناه قول الصادق عليه السّلام لحسين الصّحاف على ما رواه ( الكافي ) ما ظاهر اللَّه تعالى على عبد النّعم حتّى ظاهر عليه مؤونة النّاس فمن صبر لهم و قام بشأنهم زاد تعالى في نعمه عليه عندهم و من لم يصبر لهم و لم يقم بشأنهم أزال اللَّه تعالى تلك النعمة٤ .

٥

الحكمة ( ٢١٠ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا اَللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً وَ جَدَّ تَشْمِيراً وَ كَمَّشَ فِي مَهَلٍ وَ بَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَ نَظَرَ فِي كَرَّةِ اَلْمَوْئِلِ وَ عَاقِبَةِ اَلْمَصْدَرِ وَ مَغَبَّةِ اَلْمَرْجِعِ

____________________

( ١ ) الكافي ٥ : ٦٧ ح ١ .

( ٢ ) ابراهيم : ٧ .

( ٣ ) النحل : ١١٢ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ٣٧ ح ٣ .

٢٩٤

« اتّقوا اللَّه تقيّة من شمّر » أي : رفع ذيله « تجريدا » عن ساقه « و جدَّ » هكذا في ( المصرية )١ و لكن في ( ابن ميثم ) : ( ( و جرّد ) )٢ و نسبه ابن ابي الحديد الى رواية٣ و هو أولى لكونه أقرب الى البديع مع كون نسخة ابن ميثم بخطّ مصنّفه .

« تشميرا » بأن يأتي بكلّ ما افترض عليه و ينتهي عن كلّ ما عنه نهى كما قال تعالى . اتّقوا اللَّه حقّ تقاته .٤ .

« و كمش » هكذا في ( المصرية )٥ و الصّواب ( انكمش ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٦ .

و معنى انكمش : اسرع .

« في مهل » أي : من عمره .

« و بادر عن وجل » أي : خوف قال تعالى و الّذين يؤتون ما اتوا و قلوبهم وجلةٌ انّهم الى ربِّهم راجعون اُولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٧ .

« و نظر في كرّة الموئل » أي : المرجع .

« و عاقبة المصدر » و في ( النهاية ) الصدّر بالتحريك رجوع المسافر من مقصده و مغبّة أي عاقبة المرجع ، يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللَّه و لتنظر نفسٌ ما

____________________

( ١ ) الطبعة المصرية : ٧٤ .

( ٢ ) ابن ميثم كالمصرية راجع ٥ : ٣٤٩ .

( ٣ ) ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٠ ح ٢٠٦ .

( ٤ ) آل عمران : ١٠٢ .

( ٥ ) الطبعة المصرية : ٧٠٤ .

( ٦ ) ابن ميثم بلفظ ( أكمش ) ٥ : ٣٤٩ .

( ٧ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

٢٩٥

قدّمت لغدٍ و اتّقوا اللَّه إنَّ اللَّه خبيرٌ بما تعملون١ .

و عن بعض الحكماء : أنّ اللَّه تعالى جعل ابن آدم بين البلوى و البلى فما دام الروّح في جسده فهو في البلوى و اذا فارقه فهو في البلى ، فأنَّى له السّرور و هو بين البلوى و البلى ؟

٦

الحكمة ( ٢٥ ) و قال عليه السّلام :

يَا اِبْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَ أَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ في ( الكافي ) عن الصّادق عليه السّلام : أنّ اللَّه تعالى اذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا اتبعه بنقمة و يذكّره الاستغفار و اذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا اتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار و يتمادى بها٢ .

و هو قوله تعالى . سنستدرجهم من حيث لا يعلمون٣ أي بالنّعم عند المعاصي و قال عزّ و جلّ فلّما نسوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى اذا فرِحوا بما أُوتوا أخذناهم بغتةً فإذاهم مبلسون٤ .

٧

الحكمة ( ٣٠ ) و قال عليه السّلام :

اَلْحَذَرَ اَلْحَذَرَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ

____________________

( ١ ) الحشر : ١٨ .

( ٢ ) الكافي ٤ : ١٨٨ ح ١ .

( ٣ ) الأعراف : ١٨٢ .

( ٤ ) الأنعام : ٤٤ .

٢٩٦

امّا ستره تعالى ففي الخبر : « لو لا ستره لما دفنوا أكثر النّاس لسوء أعمالهم و قبح أفعالهم »١ .

و أمّا وجوب الحذر من ذلك فعنه عليه السّلام : لا تبديّن عن واضحة و قد علمت الأعمال الفاضحة و لا تأمننّ البيات و قد عملت السيئات٢ .

و عن الصادق عليه السّلام تعوّذوا باللَّه من سطوات اللَّه باللّيل و النّهار ، قيل : له و ما سطوات اللَّه ؟ قال : الأخذ على المعاصي٣ .

و عن أبي الحسن عليه السّلام : إنَّ اللَّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصي اللَّه فلو لا بهائم رتّع ، و صبيّة رضّع ، و شيوخ ركّع ،

لصبّ عليكم العذاب صبّا ترضّون به رضّا٤ .

٨

الحكمة ( ٢٤٢ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقِ اَللَّهَ بَعْضَ اَلتُّقَى وَ إِنْ قَلَّ وَ اِجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ سِتْراً وَ إِنْ رَقَّ لأنّه الرّبّ و النّاس عبيده فيجب عليهم اتّقآؤه كما ينبغي و اَتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ .٥ فان عسر عليه ما ينبغي فما تيسّر فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .٦ .

« و اجعل بينك و بين اللَّه سترا و ان رق » لانّه ليس كملوك الدّنيا فيفرّ منه فلابدّ له من ستر في البين و عنه عليه السّلام كما في ( الكافي ) ما من عبد إلاّ و عليه

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٥ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٦ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣١ .

( ٥ ) آل عمران : ١٠٢ .

( ٦ ) التغابن : ١٦ .

٢٩٧

أربعون جنّة حتّى يعمل أربعين كبيرة فاذا عمل أربعين انكشف عنه الجنن فيوحى تعالى الى الملائكة ان استروا عبدي بأجنحتكم فيسترونه فما يدع شيئا من القبيح إلاّ قارفه حتّى يتمدّح الى النّاس بفعله القبيح فتقول الملائكة يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئا إلاّ ركبه و انّا لنستحيي ممّا يصنع فيوحي تعالى اليهم إن ارفعوا أجنحتكم عنه فاذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينتهك ستره في السّماء و ستره في الأرض فتقول الملائكة يا ربّ هذا عبدك قد بقي مهتوك السّتر فيوحي اليهم لو كان للَّه فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه١ .

و عن أبي جعفر عليه السّلام اتّقوا المحقّرات من الذّنوب فانّ لها طالبا يقول أحدكم أذنب و استغفر ، انّ اللَّه تعالى يقول . و نكتبُ ما قدّموا و آثارهم و كلّ شي‏ءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين٢ ، و قال . انّها إن تكُ مثقال حبّة من خردلٍ فتكن في صخرة أو في السّماوات أو في الأرض يأت بها اللَّه إنَّ اللَّه لطيفٌ خبيرٌ٣ .

و عنه عليه السّلام الذّنوب كلّها شديدة و أشدّها ما نبت عليه اللّحم و الدّم لأنّه امّا مرحوم و امّا معذّب و الجنّة لا يدخلها إلاّ طيّب٤ .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام من همّ بسيّئة فلا يعملها فانّه ربّما عمل العبد السيّئة فيراه الرّبّ تعالى فيقول : « و عزّتي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا »٥ .

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٣٨١ ح ٩ .

( ٢ ) يس : ١٢ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ١٠ و الآية : ١٦ من سورة لقمان .

( ٤ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٧١ ح ٧ .

( ٥ ) الكافي ٣ : ٣٧٤ ح ٣ .

٢٩٨

و عنه عليه السّلام : ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا مرض إلاّ بذنب١ .

قال تعالى و ما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثيرٍ٢ .

و عنه عليه السّلام ما من شي‏ء أفسد للقلب من خطيئته فما تزال به حتّى يغلب عليه فيصير أعلاه أسفله٣ .

و عن الكاظم عليه السّلام ان للَّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصيه فلو لا بهائم رتّع و صبية رضّع و شيوخ ركّع لصبّ عليكم صبّا ترضّون به رضّا٤ .

٩

الحكمة ( ١٦٥ ) و قال عليه السّلام :

لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ حتى لو كان ذاك المخلوق أحد الوالدين الّذين أوجب طاعتهما ، فقال تعالى إن اشكر لي و لوالديك إليّ المصير و إن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما .٥ ، و اعتذر عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن شهوده صفّين مع معاوية بأنّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال له : أطع أباك ، فقال له الحسن عليه السّلام : انّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قال : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، و كذلك

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٣ : ٣٧٠ ح ٣ .

( ٢ ) الشورى : ٣٠ .

( ٣ ) الكافي ٣ : ٣٧٠ ح ١ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣١ .

( ٥ ) لقمان : ١٤ ١٥ .

٢٩٩

الحسين عليه السّلام كما رواه الأسد في عبد اللَّه بن عمرو بن العاص١ .

و في ( الكافي ) عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من طلب مرضاة النّاس بما يسخط اللَّه كان حامده من النّاس ذامّا له و من آثر طاعة اللَّه تعالى بما يغضب النّاس كفاه اللَّه عدوّ كلّ عدوّ و حسد كلّ حاسد و بغي كلّ باغ و كان له ناصرا و ظهيرا٢ .

و عنه عليه السّلام من أرضى سلطانا بسخط اللَّه تعالى خرج من دين اللَّه٣ .

و في ( بيان الجاحظ ) قال معاوية لشدّاد بن أوس ( قم فاذكر عليّا فانتقصه ) فقام شدّاد فقال الحمد للّه الذي افترض طاعته على عباده و جعل رضاه عند أهل التقوى اثر من رضا غيره و على ذلك مضى أولهم و على ذلك مضى آخرهم ايها النّاس انّ الآخره وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر و انّ الدّنيا أكل حاضر يأكل منها البرّ و الفاجر و انّ السامع المطيع للّه لا حجّة عليه و انّ السامع العاصي لا حجّه له و انّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و اذا أراد اللَّه بالناس خيرا استعمل عليهم صلحاءهم و قضى بينهم فقهاءهم و جعل المال في سمحائهم و اذا اراد بالعباد شرّا عمل عليهم سفهاءهم و قضى بينهم جهلاؤهم و جعل المال عند بخلائهم و انّ من اصلاح الولاة ان يصلح قرباها ثم التفت الى معاوية فقال نصحك يا معاوية من أسخطك بالحقّ و غشّك من أرضاك بالباطل فقطع معاوية عليه كلامه و أمر بإنزاله ثمّ لاطفه و أمر له بالمال فلّما قبضه قال ألست من السمحاء الذين ذكرت فقال ان كان لك مال غير مال المسلمين أصبته اقترافا و أنفقته اسرافا فانّ اللَّه تعالى يقول انّ المُبذّرين كانوا اخوان الشّياطين و كان الشيطان لربِّه كفوراً٤ .

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، اسد الغابة ٣ : ٢٣٤ .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٧٩ ح ٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٨٠ ح ٥ .

( ٤ ) الجاحظ ، البيان و التبيان ٤ : ٦٩ ٧٠ و الآية ٢٧ من سورة الاسراء .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

الوقيعة ، ولو علم أنه يترك التزويج بمجرد قوله : لا يصلح لك ، فهو الواجب ، فإن علم أنه لا ينزجر إلا بالتصريح بعيبه فله أن يصرح به ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أترعوون عن ذكر الفاجر حتى يعرفه الناس اذكروه بما فيه يحذره الناس ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها : أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه.

الخامس : الجرح والتعديل للشاهد والراوي ، ومن ثم وضع العلماء كتب الرجال وقسموهم إلى الثقات والمجروحين ، وذكروا أسباب الجرح غالبا ، ويشترط إخلاص النصيحة في ذلك كما مر بأن يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين وضبط السنة وحمايتها عن الكذب ، ولا يكون حاملة العداوة والتعصب ، وليس له إلا ذكر ما يخل بالشهادة والرواية منه ، ولا يتعرض لغير ذلك مثل كونه ابن ملاعنة وشبهة إلا أن يكون متظاهرا بالمعصية كما سيأتي.

السادس : أن يكون المقول فيه مستحقا لذلك لتظاهره بسببه كالفاسق المتظاهر بفسقه بحيث لا يستنكف من أن يذكر بذلك الفعل الذي يرتكبه فيذكر بما هو فيه لا بغيره ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له ، وظاهر الخبر جواز غيبته وإن استنكف عن ذكر ذلك الذنب ، وفي جواز اغتياب مطلق الفاسق احتمال ناش من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا غيبة لفاسق ، ورد بمنع أصل الحديث أو بحمله على فاسق خاص ، أو بحمله على النهي وإن كان بصورة الخبر ، وهذا هو الأجود إلا أن يتعلق بذلك غرض ديني ومقصد صحيح يعود على المغتاب ، بأن يرجو ارتداعه عن معصيته بذلك فيلحق بباب النهي عن المنكر.

السابع : أن يكون الإنسان معروفا باسم يعرب عن غيبته كالأعرج والأعمش فلا إثم على من يقول ذلك كان يقول : روى أبو الزناد الأعرج ، وسليمان الأعمش

٤٢١

وما يجري مجراه ، فقد نقل العلماء ذلك لضرورة التعريف ولأنه صار بحيث لا يكره صاحبه لو علمه بعد أن صار مشهورا به ، والحق أن ما ذكره العلماء المعتمدون من ذلك يجوز التعويل فيه على حكايتهم ، وأما ما ذكره عن الإحياء فمشروط بعلم رضا المنسوب إليه لعموم النهي ، وحينئذ يخرج عن كونه غيبة ، وكيف كان فلو وجد عنه معدلا وأمكنه التعريف بعبارة أخرى فهو أولى ، ولذلك يقال : للأعمى البصير عدولا عن اسم النقص.

الثامن : لو اطلع العدد الذين يثبت لهم الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها عند الحكام بصورة الشهادة في حضرة الفاعل أو غيبته ، ولا يجوز التعرض لها في غير ذلك إلا أن يتجه فيه أحد الوجوه الأخرى.

التاسع : قيل إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي ، جاز لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض المذكورة خصوصا مع احتمال نسيان المقول له لذلك المعصية ، أو خوف اشتهارها عنهما.

العاشر : إذا سمع أحد مغتابا لآخر وهو لا يعلم استحقاق المقول عنه للغيبة ولا عدمه ، قيل لا يجب نهي القائل لإمكان استحقاق المقول عنه فيحمل فعل القائل على الصحة ما لم يعلم فساده ، لأن ردعه يستلزم انتهاك حرمته ، وهو أحد المحرمين والأولى التنبيه على ذلك إلى أن يتحقق المخرج منه لعموم الأدلة وترك الاستفصال فيها وهو دليل إرادة العموم حذرا من الإغراء بالجهل ، ولأن ذلك لو تم لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع ، لاحتمال اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقاله ، وهو هدم قاعدة النهي عن الغيبة ، وهذا الفرد يستثنى من جهة سماع الغيبة ، وقد تقدم أنه إحدى الغيبتين.

٤٢٢

وبالجملة فالتحرز عنها من دون وجه راجح في فعلها فضلا عن الإباحة أولى لتتسم النفس بالأخلاق الفاضلة ، ويؤيد إطلاق النهي فيما تقدم لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتدرون ما الغيبة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، وأما مع رجحانها كرد المبتدعة وزجر الفسقة والتنفير عنهم والتحذير من اتباعهم ، فذلك يوصف بالوجوب مع إمكانه ، فضلا عن غيره ، والمعتمد في ذلك كله على المقاصد ، فلا يغفل المتيقظ عن ملاحظة مقصده وإصلاحه ، والله الموفق ، انتهى ملخص كلامه نور الله ضريحه.

وقال ولده السعيد السديد الفاضل المحقق المدقق الشيخ حسن نور الله ضريحه في أجوبة المسائل التي سأله عنها بعض السادة الكرام حيث قال : قد نظرت في مسائلك أيها المولى الجليل الفاضل ، والسيد السعيد الماجد ، وأجبت التماسك لتحرير أجوبتها على حسب ما اتسع له المجال وأرجو إنشاء الله أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ، وذكرت أيدك الله بعنايته ووفقنا الله وإياك لطاعته أن تحريم الغيبة ونحوها من النميمة وسوء الظن هل يختص بالمؤمن أو يعم كل مسلم؟ وأشرت إلى الاختلاف الذي يوهمه ظاهر كلام الوالدقدس‌سره حيث قال في ديباجة رسالته : ونظرائهم من المسلمين ، فإنه يعطى العموم ، وصرح في الروضة بتخصيص الحكم بالمسلم؟

الجواب : لا ريب في اختصاص تحريم الغيبة بمن يعتقد الحق ، فإن أدلة الحكم غير متناولة لأهل الضلال ، أما الآية فلأنها خطاب مشافهة للمؤمنين بالنهي عن غيبة بعضهم بعضا مع التصريح في التعليل الواقع فيها بتحقق الأخوة في الدين بين المغتاب ومن يغتابه ، وأما الأخبار المروية في هذا الباب من طريق أهل البيت فالحكم فيها منوط بالمؤمن أو بالأخ ، والمراد أخوة الإيمان ، فظاهر عدم تناول اللفظين

٤٢٣

لمن لا يعتقد الحق ، وفي بعض الأخبار أيضا تصريح بالإذن في سب أهل الضلال والوقيعة فيهم.

فروى الشيخ أبو جعفر الكلينيرضي‌الله‌عنه في الصحيح عن داود بن سرحان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة ، وباهتوهم كيلا يطغوا في الفساد في الإسلام ، ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.

وما تضمنته عبارة الوالد في ديباجة الرسالة غير مناف لما في الروضة ، فإن كلمة من في قوله : من المسلمين ، للتبعيض لا للتبيين ، وغير المؤمن ليس من نظرائه.

وينبغي أن يعلم أن ظاهر جملة من أخبارنا أن المراد بالإيمان في كلام أئمتناعليهم‌السلام معنى زائد على مجرد اعتقاد الحق وذلك يقتضي عدم عموم تحريم معتقد الحق أيضا ، فروى الكليني في الصحيح عن أبي عبيدة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخل رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق ، والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق.

وفي الحسن عن ابن رئاب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا مريدا ، ألا وإن من اتباع أمرنا الورع فتزينوا به يرحمكم الله ، وكيدوا أعداءنا ينعشكم الله.

وفي الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قال : يا سليمان أتدري من المسلم؟ قلت : جعلت فداك أنت أعلم ، قال : من سلم المسلمون من لسانه

٤٢٤

ويده ، ثم قال : أو تدري من المؤمن؟ قلت : أنت أعلم ، قال : المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم.

وعن ابن خالد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من أقر بدين الله فهو مسلم ، ومن عمل بما أمر الله فهو مؤمن.

ثم ذكر بعض الأخبار التي مضت في معنى الإيمان وصفات المؤمن ، ثم قالقدس‌سره : وورد أيضا في عدة أخبار تعليق تحريم الغيبة على أمور زائدة على مجرد اعتقاد الحق ، منها : حديث ابن أبي يعفور المتضمن لبيان معنى العدالة التي تقبل معها شهادة الشاهد ، وهو طويل مذكور في مواضع كثيرة من كتب أصحابنا.

ومنها : ما رواه الكليني بإسناده السابق عن ابن خالد عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم ، كان ممن حرمت غيبته وكملت مروته ، وظهر عدله ، ووجبت إخوته.

وبملاحظة هذه الأخبار يظهر أن المنع من غيبة الناس كما يميل إليه كلام الشهيد الأول في قواعده ، والثاني في رسالته ليس بمتجه فإن دلالتها على اختصاص الحكم بغيره أظهر من أن يبين.

وأما ما أورده الوالدقدس‌سره في رسالته من الأخبار التي يظهر منها عموم المنع كلها من أخبار العامة فلا تصلح لإثبات حكم شرعي ، وعذره في إيرادها أنه إنما ذكرها في سياق الترهيب وشأنهم التسامح في مثله ، وقد سبقه إلى ذكره على النهج الذي سلكه بعض العامة يعني الغزالي ، فسهل عليه إيرادها وإلا فهي غير مستحقة لتعب تحصيلها وجمعها ، وخصوصا مع وجود الداعي لهم إلى اختلاف مثلها

٤٢٥

فإن كثرة عيوب أئمتهم ونقائص رؤسائهم يحوج إلى سد باب إظهارها بكل وجه ليروج حالهم ويأمنوا نفرة الرعية منهم ، وأعراض الناس عنهم.

وبالجملة فكما أن في التعرض لإظهار عيوب الناس خطرا ومحذورا فكذا في حسم مادته وسد بابه ، فإنه مغر لأهل النقائص ومرتكبي المعاصي بما هم عليه ، فلا بد من تخصيص الغيبة بمواضع معينة يساعدها الاعتبار وتوافق مدلول الأخبار وفي استثنائهم للأمور المشهورة التي نصوا على جوازها وهي بصورة الغيبة ، شهادة واضحة بما قلناه ، فإن مأخذه الاعتبار ، فهو قابل للزيادة والنقصان بحسب اختلاف الأفكار.

وللسيد الإمام السعيد ضياء الدين بن أبي الرضا فضل الله بن علي الحسني في شرحه لكتاب الشهاب المتضمن للأخبار المروية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحكم والآداب كلام جيد في تفسير قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس لفاسق غيبة ، كلام يساعد على ما ذكرناه ، حيث قال : إن الغيبة ذكر الغائب بما فيه من غير حاجة إلى ذكره ، ثم قال : فأما إذا كان من يغتاب فاسقا فإنه ليس ما يذكر به غيبة ، وإنما يسمى ما يذكر به في غيبته غيبة إذا كان تائبا نادما ، فأما إذا كان مصرا عليه فإنها ليست بغيبة كيف وهو يرتكب ما يغتاب فيه جهارا.

وفي أخبارنا وكلام بعض أهل اللغة ما يشهد له كقول الجوهري : خلف إنسان مستور ، وكما في رواية الأزرق مما لا يعرفه الناس ، ورواية ابن سيابة : ما ستر الله عليه.

والحاصل أن الاعتبار يقتضي اختصاص الحكم بالمستور الذي لا يترتب على معصيته أثر في غيره ، ويحتمل حالهم عدم الإصرار عليها إن كانت صغيرة ، والتوبة منها إن كانت كبيرة ، أو يرتجى له ذلك قبل ظهورها عنه واشتهاره بها ، ولا يكون في

٤٢٦

ذكرها صلاح له كما إذا قصد تقريعه وظن انزجاره ، وكان القصد خالصا من الشوائب والأدلة لا تنافي هذا فلا وجه للتوقف فيه ، وإذا علم حكم غير المؤمن في الغيبة فالحال في نحوها من النميمة وسوء الظن أظهر ، فإن محذور النميمة هو كونها مظنة للتباعد والتباغض ، وذلك في غير المؤمن تحصيل للحاصل ، وقريب منه الكلام في سوء الظن.

ثم ذكرت أنه هل يفرق في ذلك بين ما يتضمن القذف وما لا يتضمنه؟ والجواب أن القذف مستثنى من البين ، وله أحكام خاصة مقررة في محلها من كتب الفقه.

وذكرت أن الرواية التي حكاها الوالد في الرسالة من كلام عيسىعليه‌السلام مع الحواريين في شأن جيفة الكلب ، حيث قالوا : ما أنتن جيفة هذا الكلب؟ فقالعليه‌السلام : ما أشد بياض أسنانه ، تدل على تحريم غيبة الحيوانات أيضا ، وسألت عن وجه الفرق بينها وبين الجمادات؟ مع أن تعليل الحكم بأنه لا ينبغي أن يذكر من خلق الله إلا الحسن يقتضي عدم الفرق؟ والجواب أنه ليس المقتضي لكلام عيسىعليه‌السلام كون كلام الحواريين غيبة ، بل الوجه أن نتن الجيفة ونحوها مما لا يلائم الطباع غير مستند إلى فعل من يحسن إنكار فعله ، وكلام الحواريين ظاهر في الإنكار كما لا يخفى ، فكان عيسىعليه‌السلام نظر إلى أن الأمور الملائمة وغيرها مما هو من هذا القبيل كلها من فعل الله تعالى على مقتضى حكمته وقد أمر بالشكر على الأولى والصبر على الثانية.

وفي إظهار الحواريين لإنكار نتن الرائحة دلالة على عدم الصبر أو الغفلة عن حقيقة الأمر ، فصرفهم عنه إلى أمر يلائم طباعهم وهو شدة بياض أسنان الكلب وجعله مقابلا للأمر الذي لا يلائم ، وشاغلا لهم ، وهذا معنى لطيف تبين لي من الكلام ،

٤٢٧

فإن صحت الرواية فهي منزلة عليه ، ولكنها من جملة الروايات المحكية من كتب العامة ، انتهى.

وقال الشهيد رفع الله درجته في قواعده : الغيبة محرمة بنص الكتاب العزيز والأخبار ، وهي قسمان : ظاهر وهو معلوم ، وخفي وهو كثير كما في التعريض مثل أنا لا أحضر مجلس الحكام ، أنا لا آكل أموال الأيتام أو فلان ، ويشير بذلك إلى من يفعل ذلك ، أو الحمد لله الذي نزهنا من كذا ، يأتي به في معرض الشكر ، ومن الخفي الإيماء والإشارة إلى نقص في الغير وإن كان حاضرا ، ومنه ولو فعل كذا كان خيرا ، ولو لم يفعل كذا لكان حسنا ، ومنه التنقص بمستحق الغيبة لينبه به على عيوب آخر غير مستحق للغيبة.

أما ما يخطر في النفس من نقائص الغير فلا يعد غيبة ، لأن الله تعالى عفا عن حديث النفس. ومن الأخفى أن يذم نفسه بطرائق غير محمودة فيه ، أو ليس متصفا بها لينبه على عورات غيره ، وقد جوزت صورة الغيبة في مواضع سبعة :

الأول : أن يكون المقول فيه مستحقا لذلك لتظاهره بسببه كالكافر والفاسق وأوجب التعزير بقذفه بذلك الفسق ، وقد روى الأصحاب تجويز ذلك ، قال العامة : حديث لا غيبة لفاسق أو في فاسق لا أصل له ، قلت : ولو صح أمكن حمله على النهي أي خبر يراد به النهي ، أما من يتفكه بالفسق ويتبجج به في شعره أو كلامه فيجوز حكاية كلامه.

الثاني : شكاية المتظلم بصورة ظلمه.

الثالث : النصيحة للمستشير.

الرابع : الجرح والتعديل للشاهد والراوي.

الخامس : ذكر المبتدعة وتصانيفهم الفاسدة وآرائهم المضلة وليقتصر على ذلك

٤٢٨

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين

القدر قال العامة : من مات منهم ولا شيعة له تعظمه ولا خلف كتبا تقرأ ولا ما يخشى إفساده لغيره فالأولى أن يستر بستر الله عز وجل ، ولا يذكر له عيب البتة ، وحسابه على الله عز وجل ، وقال عليعليه‌السلام : اذكروا محاسن موتاكم ، وفي خبر آخر : لا تقولوا في موتاكم إلا خيرا.

السادس : لو اطلع العدد الذين يثبت بهم الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها عند الحكام بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته.

السابع : قيل : إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا ، والأولى التنزه عن هذا لأنه ذكر له بما يكره لو كان حاضرا ولأنه ربما ذكر أحدهما صاحبه بعد نسيانه أو كان سببا لاشتهارها.

وقال الشيخ البهائي روح الله روحه : وقد جوزت الغيبة في عشرة مواضع : الشهادة ، والنهي عن المنكر ، وشكاية المتظلم ، ونصح المستشير ، وجرح الشاهد والراوي وتفضيل بعض العلماء والصناع على بعض ، وغيبة المتظاهر بالفسق الغير المستنكف على قول وذكر المشتهر بوصف مميز له كالأعور والأعرج مع عدم قصد الاحتقار والذم وذكره عند من يعرفه بذلك بشرط عدم سماع غيره على قول ، والتنبيه على الخطإ في المسائل العلمية ونحوها بقصد أن لا يتبعه أحد فيها.

وأقول : إنما أطنبت الكلام فيها لكثرة الحاجة إلى تحقيقها ووقوع الإفراط والتفريط من العلماء فيه ، والله الموفق للخير والصواب.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

٤٢٩

قال الله عز وجل : «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ »(١) .

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود بن سرحان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الغيبة قال هو أن تقول لأخيك في

«إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ » قال الطبرسي (ره) : أي يفشوا ويظهروا الزنا والقبائح «فِي الَّذِينَ آمَنُوا » بأن ينسبوها إليهم ويقذفوهم بها «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا » بإقامة الحد عليهم «وَالْآخِرَةِ » وهو عذاب النار.

أقول : والغرض أن مورد الآية ليس هو البهتان فقط ، بل يشمل ما إذا رآها وسمعها فإنه يلزمه الحد والتعزير ، إلا أن يكون بعنوان الشهادة عند الحاكم لإقامة حدود الله ، وثبت عنده كما مر ، وإنما قال : من الذين ، لأن الآية تشمل البهتان وذكر عيبه في حضوره ، ومن أحب شيوعه وإن لم يذكر ومن سمعه ورضي به والوعيد بالعذاب في الجميع.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور معتبر عندي وسرحان بكسر السين.

« هو أن تقول » الضمير للغيبة وتذكيره بتأويل الاغتياب أو باعتبار الخبر مع أنه مصدر« لأخيك في دينه » الظرف إما صفة لأخيك ، أي الأخ الذي كانت أخوته بسبب دينه فيكون للاحتراز عن غيبة الكافر والمخالف كما مر ، أو متعلق بالقول أي كان ذلك القول طعنا في دينه بنسبة كفر أو معصية إليه ، ويدل على أن الغيبة تشمل البهتان أيضا ، وكان هذا اصطلاح آخر للغيبة ، وعلى الأول يحتمل أن يكون المراد بما لم يفعل العيب الذي لم يكن باختياره ، وفعله الله فيه كالعيوب البدنية فيخص بما إذا كان مستورا فالأول لذكر العيوب والثاني لذكر المعاصي ، فلا يكون اصطلاحا آخر وهذا وجه حسن.

__________________

(١) سورة النور : ١٩.

٤٣٠

دينه ما لم يفعل وتبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن حفص بن عمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كفارة الاغتياب قال تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته.

وربما يحمل الدين على الوجه الثاني على الذل وهو أحد معانيه وفي على التعليل ، أي تقول فيه لا ذلا له ما لم يفعله ولم يكن باختياره كالأمراض والفقر وأشباههما.

« لم يقم » على بناء المفعول من الأفعال أي لم يقم الحاكم الشرعي عليه حدا أو لم يقمه الله عليه ، أي لم يقرر عليه حدا في الكتاب والسنة ، أو على بناء الفاعل من باب نصر وضمير عليه راجع إلى الأخ ، وضميرفيه إلى الأمر ، والجملة صفة بعد صفة أو حال بعد حال للأمر.

ويدل على أن ذكر الأمر المشهور من الذنوب ليس بغيبة ، ولا ريب فيه مع إصراره عليه ، وأما بعد توبته ذكره عند من لا يعلمه مشكل ، والأحوط الترك وكذا بعد إقامة الحد عليه ينبغي ترك ذكره بذلك مع التوبة بل بدونها أيضا ، فإن الحد بمنزلة التوبة ، وقد روي النهي عن ذكره بسوء معللا بذلك ، وحمله على الشهادة لإقامة الحد كما زعم بعيد.

الحديث الرابع : مجهول.

« كلما ذكرته » أي الرجل بالغيبة أو كفارة غيبة واحدة أن تستغفر له كلما ذكرت من اغتبته ، أو كل وقت ذكرت الاغتياب ، وفي بعض النسخ : كما ذكرته وحمل على أن ذلك بعد التوبة وظاهره عدم وجوب الاستحلال ممن اغتابه ، وبه قال جماعة بل منعوا منه ، ولا ريب أن الاستحلال منه أولى وأحوط إذا لم يصر سببا لمزيد إهانته ولإثارة فتنة لا سيما إذا بلغه ذلك.

٤٣١

ويمكن حمل هذا الخبر على ما إذا لم يبلغه وبه يجمع بين الأخبار ، ويؤيده ما روي في مصباح الشريعة عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : فإن اغتيب فبلغ المغتاب فلم يبق إلا أن تستحل منه وإن لم يبلغه ولم يلحقه علم ذلك فاستغفر الله له.

وروى الصدوق (ره) في الخصال والعلل بإسناده عن أسباط بن محمد رفعه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : الغيبة أشد من الزنا ، فقيل : يا رسول الله ولم ذاك؟ قال : صاحب الزنا يتوب فيتوب الله عليه ، وصاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه ، حتى يكون صاحبه الذي يحله.

وقيل : يكفيه الاستغفار دون الاستحلال وربما يحتج في ذلك بما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : كفارة من اغتبته أن تستغفر له ، وقال مجاهد : كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه وتدعو له بخير ، وسئل بعضهم عن التوبة عن الغيبة؟ فقال : تمشي إلى صاحبك وتقول : كذبت فيما قلت وظلمت وأسأت ، فإن شئت أخذت بحقك وإن شئت عفوت.

وما قيل : إن العرض لا عوض له فلا يجب الاستحلال منه بخلاف المال فلا وجه له إذ وجب في العرض حد القذف وأثبتت المطالبة به.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره في التجريد عند ذكر شرائط التوبة : ويجب الاعتذار إلى المغتاب مع بلوغه ، وقال العلامة (ره) في شرحه : المغتاب إما أن يكون بلغه اغتيابه أم لا ، ويلزم على الفاعل للغيبة في الأول الاعتذار إليه لأنه أوصل إليه ضرر الغم فوجب عليه الاعتذار منه والندم عليه ، وفي الثاني لا يلزمه الاعتذار ولا الاستحلال عنه ، لأنه لم يفعل به ألما ، وفي كلا القسمين يجب الندم لله تعالى لمخالفته في النهي ، والعزم على ترك المواعدة ، انتهى.

ونحوه قال الشارح الجديد لكنه قال في الأول : ولا يلزمه تفصيل ما اغتاب إلا إذا بلغه على وجه أفحش « انتهى » ولا بأس به.

٤٣٢

وقال الشهيد الثاني قدس الله لطيفه : اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج من حق الله سبحانه تعالى ، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج عن مظلمته ، وينبغي أن يستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله إذ المرائي قد يستحل ليظهر من نفسه الورع ، وفي الباطن لا يكون نادما ، فيكون قد قارف معصية أخرى.

وقد ورد في كفارتها حديثان أحدهما قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفارة من اغتبته أن تستغفر له ، والثاني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كانت عنده في قبله مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم ، يؤخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته.

ويمكن أن يكون طريق الجمع حمل الاستغفار له على من لم تبلغ غيبته المغتاب فينبغي له الاقتصار على الدعاء له والاستغفار ، لأن في الاستحلال منه إثارة للفتنة وجلبا للضغائن ، وفي حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه بموت أو غيبة وحمل المحالة على من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة ويستحق للمعتذر إليه قبول العذر والمحالة استحبابا مؤكدا ، قال الله تعالى : «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ »(١) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل ما هذا العفو؟ قال : إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك وتعطي من حرمك ، وفي خبر آخر : إذا جثت الأمم بين يدي الله تعالى يوم القيامة نودوا ليقم من كان أجره على الله تعالى فلا يقوم إلا من عفي في الدنيا عن مظلمته ، وروي عن بعضهم أن رجلا قال له : إن فلانا قد اغتابك فبعث إليه طبقا من الرطب ، وقال : بلغني أنك أهديت إلى حسناتك فأردت أن أكافيك عليها فأعذرني لا أقدر أن أكافيك على التمام.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٩٩.

٤٣٣

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله في طينة خبال حتى يخرج مما قال قلت وما طينة

وسبيل المعتذر أن يبالغ في الثناء عليه والتودد ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه ، فإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة له ، وقد يقابل بها سيئة الغيبة في القيامة ، ولا فرق بين غيبة الصغير والكبير والحي والميت والذكر والأنثى وليكن الاستغفار والدعاء له على حسب ما يليق بحاله ، فيدعو للصغير بالهداية وللميت بالرحمة والمغفرة ، ونحو ذلك.

ولا يسقط الحق بإباحة الإنسان عرضه للناس لأنه عفو عما لم يجب ، وقد صرح الفقهاء بأن من أباح قذف نفسه لم يسقط حقه من حده ، وما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم ، كان إذا خرج من بيته قال : اللهم إني تصدقت بعرضي على الناس ، معناه أني لا أطلب مظلمته في القيامة ، ولا أخاصم عليها لا أن غيبته صارت بذلك حلالا ، وتجب النية لها كباقي الكفارات ، والله الموفق انتهى كلامه.

الحديث الخامس : صحيح.

« في طينة خبال » قال في النهاية : فيه من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال يوم القيامة ، جاء تفسيره في الحديث : أن الخبال عصارة أهل النار والخبال في الأصل الفساد ، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول ، وقال الجوهري : والخبال أيضا الفساد ، وأما الذي في الحديث من قفا مؤمنا بما ليس فيه وقفه الله في روغة الخبال حتى يجيء بالمخرج عنه ، فيقال : هو صديد أهل النار ، قوله : قفا أي قذف ، والروغة الطينة ، انتهى.

« حتى يخرج مما قال » لعل المراد به الدوام والخلود فيها إذ لا يمكنه إثبات

٤٣٤

الخبال قال صديد يخرج من فروج المومسات.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس بن عامر ، عن أبان ، عن رجل لا نعلمه إلا يحيى الأزرق قال قال لي أبو الحسن صلوات الله عليه من ذكر

ذلك ، والخروج منه لكونه بهتانا ، أو المراد به خروجه من دنس الإثم بتطهير النار له ، وقال الطيبي في شرح المشكاة : حتى يخرج مما قال ، أي يتوب منه أو يتطهر.

أقول : لعل مراده التوبة قبل ذلك في الدنيا ، ولا يخفى بعده ، وفي النهاية فيه : حتى تنظر في وجوه المومسات ، المومسة : الفاجرة وتجمع على ميامس أيضا وموامس ، وقد اختلف في أصل هذه اللفظة فبعضهم يجعله من الهمزة وبعضهم يجعله من الواو وكل منهما تكلف له اشتقاقا فيه بعد ، انتهى.

وفي الصحاح :صديد الجرح ماؤه الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة وإنما عبر عن الصديد بالطينة لأنه يخرج من البدن وكان جزؤه ونسب إلى الفساد لأنه إنما خرج عنها لفساد عملها أو لفساد أصل طينتها.

الحديث السادس : مجهول.

« مما عرفه الناس » أي اشتهر به ، فلو عرفه السامع أيضا فلا ريب أنه ليس بغيبة ، ولو لم يعرفه السامع وكان مشهورا به ولا يبالي بذكره فهو أيضا كذلك ، ولو كان مما يحزنه ففيه إشكال ، وقد مر القول فيه ، والجواز أقوى والترك أحوط وهذا إذا لم يرتدع منه ولم يتب ، وأما مع التوبة وظهور آثار الندامة فيه فالظاهر عدم الجواز وإن اشتهر بذلك وأقيم عليه الحد ، ويدل أيضا على جواز ذكر الألقاب المشهورة كالأعمى والأعور كما عرفت ، ويحتمل الخبر وجهان آخر ، وهو أن يكون المراد بالناس من يذكر عندهم الغيبة وإن لم يعرفها غيرهم ، ولم يكن مشهورا بذلك لكنه بعيد.

٤٣٥

رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن سيابة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه وأما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة والعجلة فلا والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه.

* * *

وقوله عليه‌السلام : من خلفه يدل على أنه لو ذكره في حضوره بما يسوؤه لم تكن غيبة وإن كان حراما لأنه لا يجوز إيذاء المؤمن بل هو أشد من الغيبة ، وفي القاموسبهته كمنعه بهتا وبهتانا : قال عليه ما لم يفعل ، والبهيتة الباطل الذي يتحير من بطلانه ، والكذب كالبهت بالضم.

الحديث السابع : كالسابق.

وفي القاموس :الحدة بالكسر ما يعتري الإنسان من الغضب والنزق ، والعجلة بالتحريك السرعة والمبادرة في الأمور من غير تأمل ، ويفهم منه ومما سبق أن البهتان يشمل الحضور والغيبة.

ثم ما ذكر في هذه الأخبار أنها ليست بغيبة ، يحتمل أن يكون المراد أنها ليست بغيبة محرمة أو ليست بغيبة أصلا ، فإنها حقيقة شرعية في المحرمة غير البهتان وما كان بحضور الإنسان ، وقد يقال في البهتان أنها غيبة وبهتان ، وتجتمع عليه العقوبتان وهو بعيد.

٤٣٦

إلى هنا ينتهي الجزء العاشر ـ حسب تجزئتنا ـ من هذه الطبعة ، ويليه الجزء الحادي عشر ـ إن شاء الله تعالى ـ وأوله « باب الرواية على المؤمن » وقد فرغت من تصحيحه والتعليق عليه في اليوم العشرين من شهر جمادى الثانية ـ يوم ولادة فاطمة سلام الله عليها ـ من شهور سنة ١٣٩٨ من الهجرة النبوية ، والحمد لله أولا وآخرا.

وأنا العبد

السيد هاشم الرسولي المحلاتي

عفي عنه

٤٣٧

الفهرست

رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

١

باب الكبائر

٢٤

٦٨

باب استصغار الذنب

٣

٧٠

باب الإصرار على الذنب

٣

٧٣

باب في أصول الكفر وأركانه

١٤

٨٧

باب الرياء

١٨

١١٨

باب طلب الرئاسة

٨

١٢٦

باب اختتال الدنيا بالدين

١

١٢٧

باب من وصف عدلا وعمل بغيره

٥

١٣٠

باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال

١٢

١٤١

باب الغضب

١٥

١٥٧

باب الحسد

٧

١٧٣

باب العصبية

٧

١٨٢

باب الكبر

١٧

٢١٨

باب العجب

٨

٢٢٨

باب حب الدنيا والحرص عليها

١٧

٢٥٨

باب الطمع

٤

٢٥٩

باب الخرق

٢

٢٦٠

باب سوء الخلق

٥

٢٦٢

باب السفه

٤

٤٣٨

رقم الصفحة

العنوان

عدد الأحاديث

٢٦٩

باب البذاء

١٤

٢٨٠

باب من يتقى شره

٤

٢٨٢

باب البغي

٤

٢٨٦

باب الفخر والكبر

٦

٢٩٣

باب القسوة

٣

٢٩٥

باب الظلم

٢٣

٣١٠

باب اتباع الهوى

٤

٣١٨

باب المكر والغدر والخديعة

٦

٣٢٥

باب الكذب

٢٢

٣٥٣

باب ذي اللسانين

٣

٣٥٩

باب الهجرة

٧

٣٦٤

باب قطيعة الرحم

٨

٣٧٠

باب العقوق

٩

٣٧٦

باب الانتفاء

٣

٣٧٧

باب من آذى المسلمين واحتقرهم

١١

٣٩٩

باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم

٧

٤٠٣

باب التعيير

٤

٤٠٦

باب الغيبة والبهت

٧

٤٣٩

الفهرس

(باب الكبائر) ١

باب الكبائر ١

باب استصغار الذنب ٦٨

باب الإصرار على الذنب ٧٠

(في أصول الكفر وأركانه) ٧٣

(باب الرياء) ٨٧

باب طلب الرئاسة ١١٨

باب اختتال الدنيا بالدين ١٢٦

باب المراء والخصومة ومعاداة الرجال ١٣٠

باب الغضب ١٤١

باب الحسد ١٥٧

باب العصبية ١٧٣

باب الكبر ١٨٢

باب العجب ٢١٨

باب حب الدنيا والحرص عليها ٢٢٨

(باب الطمع) ٢٥٨

باب الخرق ٢٥٩

باب سوء الخلق ٢٦٠

باب السفه ٢٦٢

باب البذاء ٢٦٩

باب من يتقى شره ٢٨٠

باب البغي ٢٨٢

باب الفخر والكبر ٢٨٦

باب القسوة ٢٩٣

باب الظلم ٢٩٥

باب اتباع الهوى ٣١٠

باب المكر والغدر والخديعة ٣١٨

باب الكذب ٣٢٥

باب ذي اللسانين ٣٥٣

باب الهجرة ٣٥٩

باب قطيعة الرحم ٣٦٤

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607