بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113561 / تحميل: 3929
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وعشرون رجلاً، والسبايا منهم مئة وعشرون ناهداً؟!(1) .

أم قتل منهم ستة، أو سبعة، ثم انهزموا؟!(2) .

3 ـ هل المحرض لأبي بكر وعمر على الإعتراض على علي في مسيره في الطريق الوعر هو عمرو بن العاص؟!(3) .

أم هو خالد بن الوليد؟!(4) .

4 ـ هل اعترض أبو بكر وعمر، وابن العاص على المنزل الذي أنزلهم فيه علي (عليه‌السلام )(5) .

أم اعترضوا على الطريق التي سلكها بهم؟!(6) .

____________

1- تفسير فرات ص592 وبحار الأنوار ج21 ص84 عنه.

2- بحار الأنوار ج21 ص81 والإرشاد للمفيد ج1 ص116 وإعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص576 وأعيان الشيعة ج1 ص285 ومنهاج الكرامة ص167.

3- بحار الأنوار ج21 ص77 و 78 وج36 ص179 وج41 ص92 والخرائج والجرائح ج1 ص167 والإرشاد ج1 ص164 وتأويل الآيات ج2 ص842 وكشف اليقين ص151 و 152.

4- بحار الأنوار ج21 ص82 وج41 ص92 وتفسير فرات ص591.

5- بحار الأنوار ج21 ص82 وج36 ص179 وج41 ص92 وتفسير فرات ص591 وشجرة طوبى ج2 ص295.

6- الإرشاد ج1 ص164 وتأويـل الآيـات ج2 ص842 وكشف اليقين ص151 = = و 152 وكشف الغمة ج1 ص231 وبحار الأنوار ج21 ص77 و 78.

١٢١

5ـ من الذي أخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بجمع الأعـداء، وبعددهم، وبما تعاقدوا عليه؟!

هل هو جبرائيل؟!(1) أم رجل أَعرابي؟!(2) .

6 ـ هل أغار علي (عليه‌السلام ) على الأعداء عند الفجر؟!(3) أم عند السحر؟!(4) .

7 ـ هل خرج إلى أبي بكر مئتا رجل، فكلموه، وخوفوه، فرجع؟!(5) أم

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص68 وتفسير القمي ج2 ص434 ونور الثقلين ج5 ص652 وتفسير الصافي ج5 ص362 وتأويل الآيات ج2 ص844.

2- بحار الأنوار ج21 ص77 و 80 والإرشاد ج1 ص114 و 162 وكشف الغمة ج1 ص230 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص844.

3- راجع: بحار الأنوار ج21 ص76 و 77 و 79 و 83 وج41 ص92 والأمالي للشيخ ص259 و 260 وشجرة طوبى ج2 ص295 وتفسير فرات ص602 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص329 والخرائج والجرائح ج1 ص168 والإرشاد ج1 ص165 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص103 وكشف الغمة ج1 ص232.

4- بحار الأنوار ج1 ص83 و 84 وتفسير فرات ص592.

5- بحار الأنوار ج21 ص69 و 70 وتفسير القمي ج2 ص435 وتفسير فرات ص599 وتفسير الصافي ج5 ص362 وإعلام الورى ص116 و 117 وتأويل الآيات ص845 ونور الثقلين ج5 ص653.

١٢٢

أنه لما صار إلى الوادي، وأراد الإنحدار هاجموه، وهزموه، ثم أرسل إليهم عمر فهزموه، ثم عمرو بن العاص فكذلك؟!(1) .

8 ـ هل تمكن علي من كبس المشركين وهم غارون فظفر بهم؟!(2) ، أم أنهم سمعوا صهيل خيله فولوا هاربين؟!(3) .

أم أنه لم يباغتهم، بل خاطبهم، وأخبرهم أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرسله إليهم، فأجترأوا عليه وقاتلوه؟!(4) .

9 ـ هل ذهبت السرية إلى وادي اليابس؟!(5) أو أنها ذهبت إلى وادي

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص78 وج36 ص179 وج41 ص92 والإرشاد ج1 ص163 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 و 102 وتأويل الآيات ج2 ص840 وكشف الغمة ج1 ص231 وكشف اليقين ص151.

2- بحار الأنوار ج21 ص79 و 84 وتفسير فرات ص593 ص602 والخرائج والجرائح ج1 ص168 وراجع: الإرشاد ج1 ص165 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص103.

3- بحار الأنوار ج21 ص83 وج41 ص93 وتفسير فرات ص592 ومناقب آل أبي طالب ج2 3 ص329.

4- بحار الأنوار ج21 ص81 والإرشاد للمفيد ج1 ص116 وإعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص576.

5- بحار الأنـوار ج21 ص68 وشـجرة طوبى ج2 ص295 وتفسـير القمي ج2 = = ص434 وتفسير فرات ص599 والتفسير الصافي ج5 ص362 والتفسير الأصفى ج2 ص1469 وبحوث في تاريخ القرآن للزرندي ص51 وتأويل الآيات ج2 ص844.

١٢٣

الرمل؟!(1) .

10 ـ هل فر المشركون بمجرد سماعهم صهيل خيل علي (عليه‌السلام )؟!(2) أو أنهم فروا بعد أن كلمهم علي، وأخبرهم بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرسله إليهم؟!(3) .

11 ـ بعض النصوص اقتصرت على أن عمرو بن العاص هو المهاجم، لأولئك القوم، الذي دوَّخ البلاد.

وفي بعضها: أنه أرسل عمر ففشل، فأرسل علياً (عليه‌السلام )، فكان

____________

1- مستدرك الوسائل ج4 ص161 وبحار الأنوار ج20 ص308 وج21 ص80 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص574 وإعلام الورى ج1 ص382 وكشف الغمة ج1 ص230 والإرشاد ج1 ص162 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص100 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص174 والنص والإجتهاد ص336 وكشف اليقين ص151 وتأويل الآيات ج2 ص840.

2- بحار الأنوار ج21 ص83 وج41 ص93 وتفسير فرات ص592 ومناقب آل أبي طالب ج2 3 ص329.

3- بحار الأنوار ج21 ص81 والإرشاد للمفيد ج1 ص116 وإعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص576.

١٢٤

الفتح على يديه(1) .

وفي بعضها: أرسل أبا بكر، وعمر، وعلياً(2) .

وفي بعضها: أرسل رجلاً من المهاجرين ثم رجلاً من الأنصار، ثم علياً (عليه‌السلام )(3) .

وفي بعضها: أرسل أبا بكر، ثم عمر، ثم ابن العاص، ثم علياً(4) .

ونص آخر: يذكر أبا بكر، ثم عمر، ثم خالداً، ثم علياً(5) .

13 ـ وهل كان عدد أفراد السرية خمس مئة مقاتل، مئتان منهم جاء

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص75 والأمالي للشيخ ص259 و 260 والصافي (تفسير) ج5 ص361 والتفسير الأصفى ج2 ص1469.

2- بحار الأنوار ج21 ص68 وتفسير القمي ج2 ص434 وتأويل الايات ج2 ص844 ونور الثقلين ج5 ص652 وتفسير الصافي ج5 ص362.

3- بحار الأنوار ج21 ص80 وراجع ص66 والإرشاد للمفيد ج1 ص114 وإعلام الورى ص116 و 117 ومجمع البيان ج10 ص528 و 529 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص574.

4- بحار الأنوار ج21 ص77 وج41 ص92 والخرائج والجرائح ج1 ص167 والإرشاد ج1 ص163 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وكشف الغمة ج1 ص231.

5- بحار الأنوار ج21 ص82 وتفسير فرات ص591.

١٢٥

بهم أبو عبيدة مدداً لعمرو بن العاص؟!(1) .

أو كان العدد أربعة آلاف؟!(2) ، أو سبع مئة مقاتل؟!(3) .

أو أنه أرسل ثمانين رجلاً مع علي أخرجتهم له القرعة؟!(4) .

14 ـ وهل إن أبا بكر وعمر عادا إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولم يباشرا قتالاً، كما في رواية القمي؟!..

أم أن أولئك القوم خرجوا إلى أبي بكر فهزموه، وقتلوا من المسلمين

____________

1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 و 168 والمغازي للواقدي ج2 ص770 وتاريخ الخميس ج2 ص175 وعن عيون الأثر ج2 ص171 وعن فتح الباري ج8 ص59 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص131 وغير ذلك كثير.

2- بحار الأنوار ج21 ص67 ـ 73 وتفسير القمي ج2 ص435 وتفسير فرات ص599 والتفسير الصافي ج5 ص362 ونور الثقلين ج5 ص652 وتأويل الآيات ج2 ص844.

3- بحار الأنوار ج21 ص80 و 82 والإرشاد للمفيد ج1 ص114 و 117 وعن إعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص575.

4- بحار الأنوار ج21 ص77 ـ 79 و 83 و 84 وج36 ص178 وراجع: الإرشاد للمفيد ج1 ص164 ـ 166 وتفسير فرات ص592 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وكشف اليقين ص151 وتأويل الآيات ج2 ص840 وكشف الغمة ج1 ص23.

١٢٦

جمعاً كثيراً؟!(1) .

15 ـ هل يبعد موقع هذا الحدث عن المدينة اثنتي عشرة مرحلة؟!(2) أو أربع عشرة؟!(3) أو خمس مراحل؟!(4) .

أم أنها كانت أقرب من ذلك، حيث كان المشركون قد جعلوا رقباءهم فوق جبالهم ينظرون إلى كل عسكر يخرج من المدينة إليهم؟!(5) ، أم أنهم كانوا من بني سليم، وكانوا قريبين من الحرة؟!(6) .

____________

1- الإرشاد للمفيد ج1 ص163 وبحار الأنوار ج21 ص78 عنه ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص577 وكشف الغمة ج1 ص231.

2- معجم البلدان ج2 ص15 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص479 وكتاب العين للفراهيدي ج5 ص342.

3- راجع: فتح الباري ج8 ص448 وشرح النووي على صحيح مسلم (ط دار الكتاب العربي) ج15 ص45 و (ط دار الفكر) ص58 وتحفة الأحوذي (ط دار الفكر) ج5 ص312 وج8 ص405 و (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص310 وج8 ص402 وشجرة طوبى ج2 ص312 وعون المعبود ج1 ص174 وعمدة القاري ج9 ص64 ومجمع البحرين ج1 ص265.

4- بحار الأنوار ج21 ص77 والخرائج والجرائح ج1 ص168.

5- بحار الأنوار ج21 ص77 والخرائج والجرائح ج1 ص167.

6- الإرشاد للمفيد ج1 ص163 ـ 165 وبحار الأنوار ج21 ص77 ـ 79 و 83 = = و 84 عنه، وعن تفسير فرات ص592 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وكشف الغمة ج1 ص231.

١٢٧

16 ـ وهل حدث ذلك قبل مؤتة؟! أو بعدها؟! أو سنة سبع؟!(1) ، أو ثمان في جمادي الآخرة؟! أو بعد قريظة، وقبل المريسيع؟!(2) .

فإن كانت سنة سبع، أو قبل المريسيع، فلا يتلاءم ذلك مع قولهم: إن إسلام عمرو بن العاص كان سنة ثمان.

كانت تلك طائفة من الإختلافات بين الروايات، وهناك اختلافات أخرى أعرضنا عنها اكتفاءً بما ذكرناه.. وهذه الإختلافات وإن أمكن معالجة قسم منها، ولكن القسم الآخر لا بد أن يبقى على لائحة الإنتظار.

وربما يمكن القول بأن هناك أكثر من واقعة حدثت، وقد تشابهت في بعض الخصوصيات، وظهر التباين في البعض الآخر.

وفي جميع الأحـوال لا بـد من معالجـة بعض ما ورد في هـذا المقام، فنقول:

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص172 وتاريخ الخميس ج2 ص75 والنص والإجتهاد ص336 عن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص272 و 274 وعن الكامل لابن الأثير ج2 ص156 والسيرة الحلبية ج3 ص190 وراجع: معجم قبائل العرب ج3 ص974 وعن فتح الباري ج8 ص58.

2- بحار الأنوار ج21 ص80.

١٢٨

تحرزوا، بدل: انهزموا:

وقد ذكرت بعض الروايات: أن أبا بكر وعمر، انهزما بمن معهما من وجه المشركين، ولكننا نجد الرواية رقم(2) تقول: (حتى إذا صار بقرب المشركين اتصل بهم، خبرهم، فتحرزوا، ولم يصل المسلمون إليهم).

ولكن حين يصل الحديث إلى ابن العاص نجد الرواية تصرح بهزيمته ومن معه، فما هذا العطف والحنان على أبي بكر وعمر، الذي حرم منه عمرو بن العاص، مع أن عمرواً كان من حزبهم أيضاً!

ولكن قد فات هؤلاء أن القارئ والسامع لا بد أن يشك في الأمر هنا ويقول: لماذا تحرز المشركون من أبي بكر وعمر، ولم يتحرزوا من عمرو بن العاص؟! ولماذا هاجموه، وتحاشوا مهاجمتهما؟!

كرار غير فرار، مرة أخرى:

وقد ذكرت الرواية الثانية قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن علي (عليه‌السلام ): إنه كرار غير فرار.. وهي العبارة نفسها التي كان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد قالها في خيبر، بعد هزيمة أبي بكر وعمر وغيرهما، وأعطى الراية لعلي، فعاد بالفتح..

وقد ظهر مصداق هذه الكلمة في علي (عليه‌السلام )، وفي مناوئيه في مناسبات عدة أخرى، فهم فرارون، حتى عن علي (عليه‌السلام ) الذي كان كراراً في نفس تلك المواطن التي فرَّ فيها أولئك، فضلاً عما عداها..

فقد حصل ذلك في:

١٢٩

1 ـ قريظة.

2 ـ خيبر.

3 ـ فدك.

4 ـ وادي الرمل بمشاركة عمرو بن العاص..

5 ـ ذات السلاسل قرب المدينة بمشاركة خالد.

6 ـ وربما في بني سليم.

7 ـ وربما في قضاعة في بلاد الشام..

هذا كله.. عدا ما جرى في أحد، وحنين، والخندق.. وغير ذلك.. فهل هذه محض صدف؟! ولماذا يصر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على تكرار إعطاء الراية لغير علي أولاً، وربما لعدة أشخاص، فينهزمون، ثم يعطيها علياً (عليه‌السلام ) فيعود بالنصر المؤزر؟!

ثم يكرر هذا الفعل في مورد آخر.

ثم في ثالث ورابع و.. و.. الخ..؟! ألا ترى معي أنه كان يريد أن يفهم الناس أمراً بعينه؟!

على خلاف ما يتوقع:

وقد رأينا أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أرسل مع علي (عليه‌السلام ) نفس أولئك المهزومين بالراية قبله.. ولعل سبب ذلك هو:

1 ـ أن يريهم بأم أعينهم أن النصر قد تحقق بوسائله الطبيعية، من خلال شجاعة، وحكمة وتدبير القائد.

١٣٠

2 ـ إنه قد يكون هناك رغبة لدى بعضهم لإفشال علي في مهمته، ولو بالإتصال بالمشركين، وتحذيرهم من هجومه (عليه‌السلام ).

النصر بالقائد، لا بالعسكر:

وقد رأينا: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرسل علياً (عليه‌السلام ) في ثمانين رجلاً فقط، وهم من أهل الصفة كما تقدم، وأهل الصفة هم من الضعفاء الذين ليس لهم أموال، يعتمدون عليها..

أما أبو بكر وعمر، وابن العاص، فقد كان معهم الجيش الكثيف، المؤلف من خمس مئة، أو سبع مئة مقاتل، أو من آلاف المقاتلين.. وإذ بالنصر يأتي على يد علي (عليه‌السلام )، ويأبى أن يأتي على يد أولئك، رغم كثرة جموعهم.

مع العلم بأن هزيمة الجيش أولاً ثلاث أو أربع مرات، من شأنها أن تجعل الهزيمة في المرة التالية أكثر احتمالاً، لأن الهمم تكون قد تضاءلت، والرهبة والرغبة في السلامة تأكدت..

كما أن الأعداء يصبحون أكثر جرأة، وحملاتهم أشد شراسة.

فالنصر في هذه المرة يكون أبعد منالاً، وأقل احتمالاً.

ولكن حين يكون المنتدب لهذه المهمة هو علي (عليه‌السلام )، فإنه يجعل من الضعف لدى أصحابه قوة له، ومن رهبتهم جرأة وإقداماً، ومن الهزيمة الروحية لهم اندفاعاً وبأساً ومراساً.

١٣١

الحسد القاتل:

وإن تحريض عمرو بن العاص لأبي بكر وعمر على نقض تدبير علي (عليه‌السلام )، حين أدرك أنه سوف يأتي بالنصر، لا نجد له مبرراً إلا الحسد الغبي، والحقد الأرعن لإنسان مهزوم، كان يمكن أن يلمِّع صورته ببعض الأعذار حتى لو كانت باهتة وشوهاء، ولو بأن يقر بما انتابه من رعب وخَوَر، وخوف، ناشيء عن ضعف البصيرة، وضعف الصلة بالله، الأمر الذي هوَّن عليه مخالفة التكليف الإلهي، وليدَّع ـ بعد ذلك ـ أنه قد ندم وتاب، وأسف لما بدر منه.

ولكن لا يمكن تصور إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر يسعى لتضييع النصر على الدين وأهله، استجابة منه لرذيلة الحسد، والحقد غير المبرر ولا المقبول!

استجابة الشيخين لتحريض ابن العاص:

ولا ندري كيف نفسر انقياد أبي بكر وعمر لتحريض عمرو لهما على العمل لكسر إرادة علي (عليه‌السلام )، والإخلال بعزيمته، وإبطال تدبيره.

فإن كانا لم يلتفتا إلى حقيقة ما يرمي إليه ابن العاص.. فالسؤال هو أين ما يدعيه محبوهما لهما من حصافة في الرأي، ومن بعد نظر، وحكمة وتبصر في الأمور..

وإن كانا قد التفتا إلى مقاصد عمرو بن العاص، ورضيا بأن يشاركاه في سعيه هذا، فالمصيبة أعظم، وأشد مرارة، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.

١٣٢

منطق علي (عليه‌السلام ):

ويظهر من جواب أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لهؤلاء المعترضين: أنه يعتبر اتباعهم له (عليه‌السلام ) إطاعة لله ولرسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأن الاعتراض عليه عصيان لله ولرسوله..

وهو يصرح: بأن إصرارهم على اعتراضهم سوف ينتج طردهم من صفوف الجيش الذي يقوده (عليه‌السلام ). وعليهم أن يواجهوا عاقبة فعلهم هذا، وأن يقدموا تفسيراً مقبولاً ومرضياً لدى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

وإذا أضيف إلى ذلك جوابه الآخر، المتضمن لأمرهم بلزوم رحالهم، والكف عما لا يعنيهم، فإنه يكون قد أفهمهم:

1 ـ أنه سوف يكون حازماً في موقفه هذا بنحو لا مجال فيه لأي جدل، أو اعتراض، لأنه في موقف لا مكان لغير الحزم فيه، وسيكون إفساح المجال للجدل، وللتشكيك، والأخذ والرد فيه سبباً في خلق مشكلات، ونشوء عراقيل قد تؤثر على المهمة التي انتدبه الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لإنجازها.

2 ـ إن الانضباط في المهمات القتالية، والكون في المواقع التي تحددها من قبل القيادة للأفراد، يعطي القدرة على التخطيط، والطمأنينة لسلامة التنفيذ، ويمكِّن من تحقيق النتائج، بعيداً عن المفاجآت التي يهيئ لها الخلل في الإعداد والاستعداد..

3 ـ إن تدخل الجنود فيما لا يعنيهم، وخصوصاً فيما يرتبط بالقرارات

١٣٣

الحربية للقيادة.. معناه: أن يفقد القائد قدرته على التأثير في فرض قراراته، وفي سلامة تنفيذها حرفياً.

4 ـ إنه (عليه‌السلام ) قد عرَّف الناس: أن اعتراض هؤلاء يهدف إلى تهيئة الأجواء لعصيان أوامر القائد، والتمرد على قراراته، وليس من مصلحة المعترضين أن يظهر هذا الأمر للناس عنهم، ولذلك لم يعد أمامهم أي خيار سوى التراجع عن موقفهم..

5 ـ إنه قد عرفهم وعرف الناس: أن ما يتذرعون به من أنهم يعرفون أمراً لم يكن علي (عليه‌السلام ) عارفاً به غير صحيح، فهو عالم بما يصنع، فلا مجال لتضليل الناس بذرائع من هذا القبيل.

خطة علي (عليه‌السلام ):

إن حذر القوم الذين يراد مهاجمتهم، واستعدادهم لابد أن يكون له أسبابه الواقعية.. وهي أحد أمرين:

1 ـ أن يكون لهم عين في المسلمين، يرسل إليهم بما يجري، ويعلمهم بتوجه السرية نحوهم، وبطبيعة تحركاتها وبغير ذلك من أمور..

2 ـ أن يكون لهم رقباء في الجبال المشرفة، يخبرونهم بما يرونه، فيحتاطون ويستعدون للأمر قبل وقوعه.

وقد كان سلوك علي (عليه‌السلام ) لطريق آخر يكفي لتعريف أولئك القادة الذين هزموا أو هربوا بأن علياً (عليه‌السلام ) يتصرف بحكمة، وبدقة بالغة..

١٣٤

ولذلك عرف عمرو بن العاص: أنه (عليه‌السلام ) سيظفر بهم.. فكيف لم يعرف ذلك أبو بكر وعمر؟! ولعل وضوح هذا الأمر وبداهته قد دلَّ علياً (عليه‌السلام ) على أن المعترضين يسعون إلى مجرد الخلاف عليه، وأنهم يريدون معصية الله ورسوله بذلك..

هل أغار عليهم وهم غارّون؟!:

تقدم قولهم : إن علياً أغار على هؤلاء المشركين، وهم غارون..

ونقول:

إننا على يقين من أن علياً (عليه‌السلام ) لا يحارب قوماً إلا بعد أن يحتج عليهم، ويعظهم، ويذكرهم، فإن أصروا على الحرب استعان بالله عليهم، وهذه هي وصية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

١٣٥

له: (يا علي، لا تقاتل أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام(1) .

وعن الإمام الصادق (عليه‌السلام ): (ما بيّت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عدواً قط ليلاً)(2) .

وعن الإمام الصادق (عليه‌السلام ): (كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لا يقاتل حتى تزول الشمس، ويقول: تفتح أبواب السماء، وتقبل الرحمة، وينزل النصر).

ويقول: هو أقرب إلى الليل، وأجدر أن يقل القتل، ويرجع الطالب، ويفلت المهزوم(3) .

فإن كان (عليه‌السلام ) قد هاجمهم على حين غرة منهم ليلاً ـ وهذا ما نفته الرواية التي قدمناها عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) ـ فلا بد أن يكون ذلك قد حصل بعد إقامة الحجة عليهم، وظهور عدوانيتهم،

____________

1- بحار الأنوار ج19 ص167 وج97 ص34 وج98 ص364 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص30 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص43 وفي هامشه عن تهذيب الأحكام ج2 ص47 وغيره، والكافي ج5 ص36 ومستدرك الوسائل ج11 ص30 وج17 ص210 وكتاب النوادر ص140 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص502 ومنتهى المطلب (ط ق) ج2 ص904 وتذكرة الفقهاء (ط ج) ج9 ص44 و 45 ورياض المسائل (ط ج) ج1 ص486 و 493 ومشكاة الأنوار ص193.

2- وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص46 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص63 وفي هامشه عن فروع الكافي ج1 ص334 ومنتهى المطلب (ط ق) ج2 ص909 وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج1 ص412 ورياض المسائل (ط ق) ج1 ص489 و (ط ج) ج7 ص511 وجواهر الكلام ج21 ص82 وتهذيب الأحكام ج6 ص174.

3- وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص46 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص63 وفي هامشه عن علل الشرايع ج2 ص603 وعن تهذيب الأحكام ج2 ص56 وبحار الأنوار ج33 ص453 وج97 ص22 والكافي للحلبي ص256 ورياض المسائل (ط ج) ج7 ص511 وجواهر الكلام ج21 ص81 والكافي للكليني ج5 ص28.

١٣٦

وإصرارهم على القتال، ووقوع مواجهات عسكرية معهم من خلال أبي بكر، وعمر، وعمرو بن العاص، وإن كانت هذه المواجهات قد انتهت لغير صالح المسلمين، ولا تجب دعوتهم مرة أخرى في مثل هذا الحال، كما دلت عليه الرواية عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )(1) .

بل تقدم: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر علياً (عليه‌السلام ) أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، وقد فعل (عليه‌السلام ) ذلك.

وقد يجوز أن يكون هؤلاء القوم قد تمردوا وتآمروا مرتين، فأرسل إليهم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فلاناً وفلاناً في المرأة الأولى فهزموهم، ثم أرسل إليهم علياً (عليه‌السلام )، فأقام عليهم الحجة.

ثم نكثوا، فتكرر ما يشبه المرة الأولى، ولكن علياً (عليه‌السلام ) لم يعد بحاجة إلى إقامة الحجة فأغار عليهم ليلاً.

تبييت العدو ليس غدراً:

وقد ذكرت الروايات المتقدمة، وسواها: أنه (عليه‌السلام )، قد بيت المشركين وكبسهم، وهم غارون فظفر بهم..

ونعتقد: أن ذلك قد كان بعد الاحتجاج عليهم كما دلت عليه رواية

____________

1- وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص30 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص43 وراجع: جواهر الكلام ج21 ص18 والكافي (ط دار الكتب الإسلامية) ج5 ص20 وتهذيب الأحكام (ط دار الكتب الإسلامية) ج6 ص135.

١٣٧

القمي الآتية، التي ذكرت: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أبا بكر (أن إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام، فإن تابعوا وإلا واقعهم).

كما أنه سيأتي: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ما كان يقاتل قوماً حتى يدعوهم، ويحتج عليهم. وعلى كل حال، فإنه إن أمكن إثبات أن هؤلاء القوم قد حاولوا مهاجمة المسلمين مرتين: فأرسل إليهم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من احتج عليهم وهاجموه وهزموه مرة بعد أخرى، ثم أرسل إليهم علياً (عليه‌السلام )، فاحتج عليهم وقتل منهم.. ثم نكثوا مرة أخرى، فجرى لهم كما جرى في المرة الأولى.. فبيَّتهم علي (عليه‌السلام ) وهاجمهم. فإن أمكن إثبات ذلك أو اعتماده فلا إشكال. وإن لم يكن إثبات ذلك، أو اعتماده، فإننا نقول:

إن علياً (عليه‌السلام )، بعد أن فرض المعركة على أعدائه، في الموقع والمكان، والوقت والزمان الذي أحب، لم يعد يمكنهم التخلي عن مواقعهم إلى أي موقع آخر، لأن ذلك معناه: الإستيلاء على كل ما لديهم، وعلى منازلهم وأموالهم، بل وسبي نسائهم وأطفالهم أيضاً..

فإذا أبوا الاستجابة لأي منطق، ورفضوا الانصياع لأي خيار مقبول أو معقول، واختاروا طريق البغي والعدوان، فلا مانع من أن يكبسهم وهم غارون في أي وقت شاء..

وليس في هذا العمل أية مخالفة للشرايع، أو الأخلاق. بل هو العمل الحكيم الذي يؤيده الخلق الإنساني، ويرضاه الشرع، وتقره الضمائر.. لأنه ليس من حق العدو المحارب، والمعتدي والظالم أن يعتبر نفسه في مأمن، في

١٣٨

الوقت الذي يعطي لنفسه الحق بالغدر بالآخرين، ويسمح لنفسه في تبييتهم، والفتك فيهم، ظلماً وعتواً، وبغياً وعلواً..

بل إن أخذ ذلك الظالم على حين غرة يعد إحساناً لكلا الفريقين المتحاربين، لأن من شأنه أن يقلل من عدد القتلى في صفوف هؤلاء، وأولئك لأنه يسقط قدرتهم على المقاومة. وينتهي الأمر بالاستسلام.

وإذا استسلموا لأهل الدين.. فإن معاملتهم لابد أن تخضع لأحكام الشرع، ووفق ما تفرضه الأخلاق الفاضلة، وتقضي به العقول، ولن يكون متأثراً بالأهواء، والنزوات والميول..

علي (عليه‌السلام ) يقبل قدمي الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وفي الرواية الرابعة: أن علياً (عليه‌السلام ) أهوى إلى قدمي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقبلهما.. وفي هذا دلالة على جواز التبرك بالأنبياء وآثارهم، لا سيما مع عدم اعتراض النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فعله هذا.

ومن الواضح: أنه (عليه‌السلام ) إنما فعل ذلك طلباً لمرضاة الله، ورغبة في ثوابه، والتماساً للبركة التي تعني المزيد من العطاء الهنيء، والخير النامي، والمقام السامي، ولا يمكن لأحد أن يتوهم في حقه الإخلال بأي درجة من درجات التوحيد الصحيح والخالص..

وفي هذه البادرة إشارة إلى شدة خضوع علي (عليه‌السلام ) لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ومدى تقديسه له. رغم أنه أقرب الناس إليه، وأكثرهم إطلاعاً على تفاصيل حياته..

١٣٩

ثم هو يشير إلى شدة صفاء روح علي (عليه‌السلام )، وطهارة ذاته، وخلوص نواياه..

واللافت هنا: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه كان يتبرك بعرق علي (عليه‌السلام ) أيضاً(1) .

رضى الله ورسوله عن علي (عليه‌السلام ):

وقد كانت الجائزة العظمى التي نالها علي (عليه‌السلام ) هنا هي أن الله تعالى ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) راضيان عنه.. فتكون هذه الكلمات هي البشارة الكبرى التي يبكي علي (عليه‌السلام ) فرحاً بها، وشوقاً إليها..

____________

1- راجع: مستدرك الوسائل ج17 ص335 ومناقب أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) للكوفي ج1 ص394 والمسترشد للطبري ص602 ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي (ابن شاذان) ص58 والتحصين للسيد ابن طاووس ص555 واليقين للسيد ابن طاووس ص179 و 196 و 197 و 243 و 367 وبحار الأنوار ج37 ص300 و 324 وج38 ص2 وج40 ص15 و 82 و 315 وج89 ص91 وكتاب الأربعين للشيرازي ص55 وحلية الأبرار ج2 ص446 وكتاب الأربعين للماحوزي ص249 ومناقب أهل البيت (عليهم‌السلام ) للشيرواني ص116 والغدير ج8 ص87 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص194 و 381 والإمام علي (عليه‌السلام ) للهمداني ص92 و 148 وتفسير فرات ص406 والمناقب للخوارزمي ص85 وكشف الغمة ج1 ص112 وكشف اليقين ص266 وتأويل الآيات ج1 ص185 وتنبيه الغافلين ص28.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

و في ( كامل الجزري ) : كان نصير أبو موسى بن نصير على حرس معاية فلّما صار معاية إلى صفّين لم يسر معه فقال له ما يمنعك من المسير معي و يدي عندك معروفة فقال لا أشكرك بكفر من هو أولى بالشّكر منك و هو اللَّه عزّ و جلّ فسكت عنه معاوية١ .

و في ( المروج ) انّ معاوية سأل صعصعة عن أهل الكوفة و أهل البصرة و أهل الحجاز و عن مضر و ربيعة ، فأجابه ثمّ أمسك معاوية فقال له سل و إلاّ أخبرتك بمما تحيد عنه قال و ما ذاك يا ابن صوحان ، قال أهل الشام ، قال فاخبرني عنهم قال أطوع النّاس لمخلوق و أعصاهم للخالق عصاة الجبّار و خلفة الأشرار فعليهم الدّمار و لهم سوء الدّار ، الخ و فيه انّه أجابه عن أهل الحجاز بأنّهم أسرع النّاس الى فتنة و أضعفهم عنها غير انّ لهم ثباتا في الدّين و تمسّكا بعروة اليقين يتّبعون الأئمة الأبرار و يخلعون الفسقة الفجّار فقال معاوية من البررة و الفسقة ؟ فقال يا ابن أبي سفيان ترك الخداع من كشف القناع عليّ و أصحابه من الأبرار و أنت و أصحابك من أولئك فقال له معاوية و اللَّه يا ابن صوحان انّك لحامل مديتك منذ أزمان إلاّ انّ حلم ابن أبي سفيان يردّ عنك٢ .

و فيه : أنّ عليّا عليه السّلام لمّا شايع أبا ذرّ و زجر مروان لمّا كفّه و قد كان عثمان أمره أن لا يدع أحدا يشيّع أباذر قال عثمان من يعذرني من عليّ ، ردّ رسولي عمّا و جهته له و فعل كذا و اللَّه لنعطينه حقّه فلما رجع عليّ عليه السّلام استقبله الناس و قالوا له : إنّ عثمان عليك غضبان لتشييعك أبا ذرّ فقال عليه السّلام :

غضب الخيل على اللّجام ثمّ جاء الى عثمان فقال له : ما حملك على ما صنعت

____________________

( ١ ) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ٤ : ٥٣٩ .

( ٢ ) المسعودي ، مروج الذهب ٣ : ٤٠ .

٣٠١

بمروان و رددت أمري ؟ فقال عليه السّلام أما مروان فانّه استقبلني بردّتي فرددته عن ردّي و امّا أمرك فلم أردّه قال أو لم يبلغك انّي قد نهيت النّاس عن أبي ذرّ و تشييعه فقال عليه السّلام أو كلّما أمرتنا به من شي‏ء يرى طاعة اللَّه ، و الحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك ، تاللَّه لا نفعل١ . .

و هذا المعنى أمر عقليّ كما أنّه لنقل قطعي و هو دليل وجوب العصمة في الامام و إلاّ لزم أن يكون تشييع مثل أبي ذرّ لنهي عثمان عنه حراما ، لهذا في ( الطّبري ) : لمّا خرج ابراهيم بن المهدي على المأمون في سنة ( ٢٠٢ ) قام سهل بن سلامة المطوّعي و دعا النّاس الى العمل بالكتاب و السّنّة و ألاّ طاعة لمخلوق في معصية الخالق فاجتمع اليه عامّة أهل بغداد و كان كلّ من أجابه الى ذلك عمل على باب داره برجا بجصّ و آجر و نصب عليه السلاح و المصاحف٢ .

و فيه : أنّ يزيد بن الوليد خطب بعد قتل الوليد بن يزيد فقال : إنّي و اللَّه ما خرجت اشرا و لا بطرا و لا حرصا على الدّنيا و لا رغبة في الملك و ما بي إطراء لنفسي إنّي لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربّي ، و لكنّي خرجت غضبا للَّه و لرسوله و دينه داعيا إلى اللَّه و كتابه و سنّة نبيّه لمّا هدمت معالم الهدى و اطفى‏ء نور أهل التّقوى و ظهر الجبّار العنيد المستحلّ لكلّ حرمة و الرّاكب لكلّ بدعة . أيُّها النّاس انّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و لا وفاء لمخلوق بنقض عهد الخالق انّما الطّاعة طاعة اللَّه و أطيعوا المخلوق بطاعة اللَّه٣ .

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٥٠ ٣٥١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٧ : ١٤٦ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٥ : ٥٧٠ .

٣٠٢

١٠

الحكمة ( ٣٢٤ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا مَعَاصِيَ اَللَّهِ فِي اَلْخَلَوَاتِ فَإِنَّ اَلشَّاهِدَ هُوَ اَلْحَاكِمُ و كلّ شي‏ء فعلوه في الزّبر و كلّ صغيرٍ و كبيرٍ مستطر »١ ، . .

و يقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً و لا كبيرةً إلاّ أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضراً . »٢ ، يستخفون من النّاس و لا يستخفون من اللَّه و هو معهم إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول و كان اللَّه بما يعملون محيطا٣ ،

يعلم السّر و أخفى٤ ، يعلم خائنة الأعين و ما تُخفي الصدور٥ .

و مرّ في ( ٢٢ ) من التوحيد قوله عليه السّلام يعلم عجيج الوحوش في الفلوات و معاصي العباد في الخلوات و اختلاف النّينان في البحار الغامرات و تلاطم الماء بالرّياح العاصفات٦ .

هذا ، و في ( المروج ) : ورد على الرّشيد يوما كتاب صاحب البريد بخراسان و يحيى بن يديه يذكر أنّ الفضل بن يحيى تشاغل بالصّيد و اللّذّات عن النّظر في أمور الرّعيّة ، فلّما قرأه رمى به الى يحيى و قال له : اقرأ هذا و اكتب اليه كتابا يردعه عن مثل هذا فمدّ يده الى دواة الرّشيد و كتب الى الفضل على ظهر كتاب الرّشيد : قد انتهى الى الخليفة ما أنت عليه من التّشاغل

____________________

( ١ ) القمر : ٥٢ ٥٣ .

( ٢ ) الكهف : ٤٩ .

( ٣ ) النساء : ١٠٨ .

( ٤ ) طه : ٧ .

( ٥ ) غافر : ١٩ .

( ٦ ) مر في الجزء ١ من هذا الكتاب .

٣٠٣

بالصّيد و مداومة اللّذّات عن النّظر في أمور الرعيّة ما أنكره فعاود بما هو أزين بك و كتب أسفله هذه الأبيات :

انصب نهارا في طلب العلى

و اصبر على فقد لقاء الحبيب

حتّى اذا اللّيل بدا مقبلا

و استترت فيه وجوب العيوب

فبادر اللّيل بما تشتهي

فانّما الليل نهار الأريب

كم من فتى تحسبه ناسكا

يستقبل اللّيل بأمر عجيب

ألقى عليه اللّيل استاره

فبات في لهو و عيش خصيب

و لذّة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كلّ عدو و رقيب

فلّما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق المسجد نهارا الى أن انصرف عن عمله١ .

« فانّ الشاهد هو الحاكم » في ( تاريخ بغداد ) : قيل لأبي العتاهية : ما الّذي صرفك عن قول الغزل الى قول الزّهد ؟ قال لمّا قلت :

اللَّه بيني و بين مولاتي

أهدت لي الصّدّ و الملالات

منحتها مهجتي و خالصتي

و كان هجرانها مكافاتي

هيّمني حبّها و صيّرني

أحدوثة في جميع جاراتي

رأيت في المنام في تلك الليلة كأنّ آتيا أتاني فقال : ما أصبت أحدا تدخله بينك و بين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلاّ اللَّه تعالى فانتبهت مذعورا و تبت الى اللَّه تعالى من قول الغزل٢ .

و في ( مصباح الشيخ ) : تدعوا بعد الوتر بدعاء الحزين : أناجيك يا موجود في كلّ مكان لعلّك تسمع نداي فقد عظم جرمي و قلّ حيائي مولاي

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٦٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٦ : ٢٥٠ .

٣٠٤

يا مولاي أيّ الأهوال أتذكّر و أيّها أنسى و لو لم يكن إلاّ الموت لكفى كيف و ما بعد الموت أعظم و أدهى مولاي يا مولاي حتّى متى إلى متى أقول لك العتبى مرّة بعد اخرى ثمّ لا تجد عندي صدقا و لا وفاء فياغوثاه ثم و اغوثاه بك يا اللّه من هوى قد غلبني و من دنيا قد تزيّنت لي و من نفس أمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي ، مولاي إن كنت رحمت مثلي فارحمني و ان كنت قبلت مثلي فاقبلني يا قابل السّحرة اقبلني يا من لم أزل أتعرّف منه الحسنى يا من يغذيني بالنّعم صباحا و مساء إرحمني يوم آتيك فردا شاخصا اليك بصري مقلّدا عملي قد تبرّأ جميع الخلق منّي نعم و أبي و امّي و من كان له كدّي و سعيي فإن لم ترحمني فمن يرحمني و من يؤنس في القبر وحشتي و من ينطق لساني اذا خلوت بعملي و سألتني عمّا أنت أعلم به منّي فان قلت نعم فأين المهرب من عدلك و إن قلت لم أفعل قلت ألم أكن الشّاهد عليك فعفوك عفوك يا مولاي قبل سرابيل القطران عفوك عفوك يا مولاي قبل أن تغلّ الأيدي الى الأعناق يا أرحم الراحمين١ .

هذا ، و في ( وزراء الجهشياري ) : تنازع الفضل بن الربيع و جعفر بن يحيى يوما بحضرة الرّشيد فقال جعفر للفضل : يا لقيط فقال الفضل للرّشيد :

إشهد ، فقال جعفر للرّشيد : تراه عند من يقيمك هذا الجاهل شاهدا و أنت حاكم الحكّام٢ .

____________________

( ١ ) مصباح المتهجد للطوسي ١ : ١٦٣ ح ١١٧ .

( ٢ ) الكتّاب و الوزراء للجهشياري : ٢١٦ .

٣٠٥

١١

الحكمة ( ١٢٩ ) و قال عليه السّلام :

عِظَمُ اَلْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ اَلْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ لأنّه لا حول لأحد و لو كان ملك الملوك إلاّ بمشيّته ، و في السّير : انّ ذا القرنين لمّا فرغ من عمل السّدّ انطلق على وجهه فبينا يسير هو و جنوده إذ مرّ على شيخ يصلّي فوقف عليه بجنوده حتّى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين : كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي ، قال : كنت أناجي من هو أكثر منك جنودا و أعزّ سلطانا و أشدّ قوّة و لو صرفت وجهي اليك لا أدرك حاجتي قبله ، فقال له ذو القرنين : هل لك في أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و استعين بك على بعض أمري ؟ قال : نعم ، ان ضمنت لي أربع خصال ، نعيما لا يزول ،

و صحّة لا سقم فيها ، و شبابا لا هرم فيه ، و حياة لا موت فيها ، فقال له ذو القرنين : و أيّ مخلوق يقدر على هذه الخصال ، فقال الشّيخ : فانّي مع من يقدر عليها و يملكها و إيّاك١ .

و في الخبر : أنّ عبد الملك كان يطوف بالبيت و عليّ بن الحسين عليه السّلام يطوف بين يديه و لا يلتفت اليه و لم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه ، فقال : من هذا الّذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت الينا فقيل هذا عليّ بن الحسين عليهما السّلام فجلس مكانه و قال : ردّوه إليّ فردّوه فقال له : انّي لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إليّ ؟ فقال عليه السّلام : انّ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه ، و أفسد أبي عليه بذلك آخرته ، فان أحببت أن تكون مثله فكن ، فقال : كلاّ ، و لكن صر إلينا لتنال من دنيانا ، فجلس و بسط رداءه و قال : اللّهمّ أره حرمة أوليائك عندك فاذا

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ١٢ : ١٧٥ .

٣٠٦

رداؤه مملوّ درّا يكاد شعاعها يخطف الأبصار و قال له : من يكون هذا حرمته عند ربّه يحتاج الى دنياك ؟ ثمّ قال : اللّهمّ خذها فلا حاجة لي فيها١ .

١٢

الحكمة ( ٣٣٠ ) و قال عليه السّلام :

أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لِلَّهِ أَلاَّ تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ عن النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله يقول تعالى : يا ابن آدم إن نازعك بصرك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تنظر و ان نازعك لسانك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تتكلّم و ان نازعك فرجك الى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فاطبق و لا تأت حراما ، و في دعاء عرفه ( عصيتك بعيني و لو شئت لأعميتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بسمعي و لو شئت لأصممتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بيدي و لو شئت و عزّتك لكنعتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك برجلي و لو شئت لجذمتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بفرجي و لو شئت لعقمتني فلم تفعل ذلك بي و عصيتك بجميع جوارحي و لم يكن جزاؤك هذا منّي٢ .

و ورد انّ ملك ابراهيم عليه السّلام لمّا أراد أن يمدّ يده الى امرأته ساره دعا عليه فيبست يده٣ .

و انّ سراقة بن مالك الكناني الّذي بعثته قريش في طلب النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله لمّا هاجر ساخت قوائم فرسه و هو القائل لأبي جهل :

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٤٦ : ١٢٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ٢١٩ ح ٢٧٠ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ١ : ١٤٨ و هو فرعون مصر .

٣٠٧

أباحكم و اللَّه لو كنت شاهدا

لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

علمت و لم تشكك بأنّ محمّدا

رسول ببرهان فمن ذا يقاومه١

و الرّجل ان كان عنيّنا فلامرأته الفسخ ، و المرأة ان كانت رتقاء أو عفلاء أو قرناء كان للرّجل الفسخ .

هذا ، و قال ابن ابي الحديد قال الصّابي في رسالته الى سبكتكين من عزّ الدّولة بختيار : ليت شعري بأيّ قدم تواقفنا و راياتنا خافقة على رأسك و مماليكنا عن يمينك و شمالك و خيلك موسومة باسمائنا تحتك و ثيابنا محوكة في طرازنا على جسدك و سلاحنا المشحوذ لأعدائنا في يدك٢ . .

١٣

الحكمة ( ٢٩٠ ) و قال عليه السّلام :

لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اَللَّهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَكَانَ يَجِبُ أَلاَّ يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِ أقول : و رواه ابن الجوزي في ( مناقبه ) ثمّ قال و من هاهنا أخذ القائل قيل انّها له عليه السّلام و قيل انّها للمهلّبي :

هب البعث لم يأتنا رسله

و جاحمة النّار لم تضرم

أليس من الواجب المستحقّ

حياء العباد من المنعم٣

و مثله سبطه في ( تذكرته )٤ لكن بدون النّسبة الى المهلّبي .

و عنه عليه السّلام قال لرجل ان كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل من رزقه و ان كنت

____________________

( ١ ) تاريخ اليعقوبي لابن واضح ٢ : ٤٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٤٢ .

( ٣ ) البحار للمجلسي ٧٨ : ٦٩ ح ٢١ .

( ٤ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ١٤٤ .

٣٠٨

و اليت عدوّه فاخرج من ملكه و ان كنت غير قانع بقضاه و قدره فاطلب ربّا سواه .

هذا و في ( المعجم ) : قال السيّرافي لخراسانيّ سأله عن المسكر ، لو كان المسكر حلالا في كتاب اللَّه و سنّة رسوله لكان يجب على العاقل تركه بحجّة العقل فانّ شاربه محمول على كلّ معصية مدفوع الى كلّ بليّة مذموم عند كلّ ذي عقل و مروّة يحيله عن مراتب العقلاء و الفضلاء و الادباء و يجعله من جملة السّفهاء و مع ذلك فيضرّ بالدّماغ و الكبد و الذّهن و يولد القروح في الجوف و يسلب شاربه ثوب الصّلاح و المروّة و المهابة حتّى يصير بمنزلة المخبط الخريق و المثبئج يقول بغير فهم و يأمر بغير علم و يضحك من غير عجب و يبكي من غير سبب و يخضع لعدوّه و يصول على وليّه و يعطي من لا يستحقّ العطيّة و يمنع من يستوجب الصّلة و يبذّر في الموضع الّذي يحتاج فيه ان يمسك و يمسك في الموضع الذي يحتاج فيه أن يبذّر يصير حامده ذامّا و أفعاله ملاما عبده لا يوقّره و أهله لا تقربه و ولده يهرب منه و أخوه يفزع منه يتمرّغ في قيئه و يتقلّب في سحله و يبول في ثيابه و ربّما قتل قريبه و شتم نسيبه و طلّق امرأته و كسر آلة البيت و لفظ بالخنى و قال كلّ غليظة و فحش يدعو عليه جاره و يزري به أصحابه عند اللَّه ملوم و عند النّاس مذموم و ربّما يستولي عليه في حال سكره مخايل الهموم فيبكي دما و يشقّ جيبه حزنا و ينسى القريب و يتذكّر البعيد و الصبيان يضحكون منه و النّسوان يفتعلن النّوادر عليه و مع ذلك فبعيد من اللَّه قريب من الشيطان قد خالف الرّحمن في طاعة الشيطان و تمكّن من ناصيته و زيّن في عينه اتيان الكبائر و ركوب الفواحش و استحلال الحرام و إضاعة الصّلاة و الحنث في الايمان سوى ما

٣٠٩

حلّ به عند الإفاقة من النّدامة و يستوجب من عذاب اللَّه يوم القيامة١ .

و كيف و قد توعّد تعالى حتّى قال لنبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله قل انّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يومٍ عظيم٢ ، و قال إذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيّظا و زفيراً و اذا القوا منها مكاناً ضيّقاً مقرّنين دعوا هنالك ثبوراً لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً و ادعوا ثبوراً كثيراً٣ ، و قال كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب .٤ .

١٤

الحكمة ( ١٠٥ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ اَللَّهَ اِفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا وَ حَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَ نَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا وَ سَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَ لَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلاَ تَتَكَلَّفُوهَا « انّ اللَّه افترض عليكم الفرائض » هكذا في ( المصرية )٥ و الصواب ( فرائض ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٦ .

« فلا تضيّعوها » في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السّلام : أنّ الصّلاة اذا ارتفعت في أوّل وقتها رجعت الى صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك اللَّه و اذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها و هي سوداء

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ٨ : ١٦٧ ١٦٩ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥ .

( ٣ ) الفرقان : ١٢ ١٤ .

( ٤ ) النساء : ٥٦ .

( ٥ ) الطبعة المصرية : ٦٨٠ ح ١٠٦ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٤ بلفظ ( الفرائض ) و الخطية : ٣١٧ .

٣١٠

مظلمة تقول ضيّعتني ضيّعك اللَّه١ .

و قال تعالى بعد ذكر جمع من أنبيائه فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً٢ و فسّر قوله تعالى و الّذين هم عن صلاتهم ساهون٣ بالتضّييع .

و في الخبر : من ضيّع صلاته حشر مع قارون و هامان و عنهم عليهم السّلام :

أعبد النّاس من أقام الفرائض٤ .

« و حدّ لكم حدودا فلا تعتدوها » أي : فلا تتعدّوها قال تعالى بعد ذكر ميراث الزّوجين و كلالة الامّ تلك حدود اللَّه و من يطع اللَّه و رسوله يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك هو الفوز العظيم و من يعص اللَّه و رسوله و يتعدّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها و له عذابٌ مهين٥ .

و قال بعد ذكر طلاق الأزواج للرجعة . لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ و لا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنةٍ و تلك حدود اللَّه و من يتعدّ حدود اللَّه فقد ظلم نفسه لا تدري لعلّ اللَّه يحدث بعد ذلك أمراً٦ .

و قال في خلع الأزواج فإن خفتم ألاّ يقيما حدود اللَّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللَّه فلا تعتدوها و من يتعدّ حدود اللَّه فأولئك هم الظّالمون٧ .

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢٦٨ ح ٤ .

( ٢ ) مريم : ٥٩ .

( ٣ ) الماعون : ٥ .

( ٤ ) الفقيه ٤ : ٣٩٤ ح ٥٨٤٠ .

( ٥ ) النساء : ١٣ ١٤ .

( ٦ ) الطلاق : ١ .

( ٧ ) البقرة : ٢٢٩ .

٣١١

« و نهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها » و في نسخة ( ابن ميثم ) « فلا تنهتكوها »١ و على الأوّل افتعال من النّهك و على الثاني انفعال من الهتك و قال الجوهري الهتك خرق السّتر عمّا وراءه و قد هتكه فانهتك و قال انتهاك الحرمة تناولها بما لا يحلّ ، قال تعالى يا أيُّها الذين آمنوا إنّما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تُفلحون إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدّكم عن ذكر اللَّه و عن الصّلاة فهل أنتم منتهون٢ ، و قال تعالى انتهوا خيراً لكم٣ .

« و سكت لكم عن أشياء و لم يدعها » أي : لم يتركها .

« نسيانا فلا تتكلّفوها » يا أيُّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم و إن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفى اللَّه عنها و اللَّه غفورٌ حليمٌ قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين٤ .

١٥

الحكمة ( ٣٨٣ ) و قال عليه السّلام :

اِحْذَرْ أَنْ يَرَاكَ اَللَّهُ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ وَ يَفْقِدَكَ عِنْدَ طَاعَتِهِ فَتَكُونَ مِنَ اَلْخَاسِرِينَ وَ إِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ وَ إِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : من همّ بخير فليعجّله و لا يؤخّره فإنّ

____________________

( ١ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٤ ح ٩٧ .

( ٢ ) المائدة : ٩٠ ٩١ .

( ٣ ) النساء : ١٧١ .

( ٤ ) المائدة : ١٠١ .

٣١٢

العبد ربّما عمل العمل فيقول تعالى : قد غفرت لك و لا أكتب عليك شيئا أبدا ،

و من همّ بسيّئة فلا يعملها فانّه ربّما عمل العبد السّيئة فيراه الرّب سبحانه فيقول و عزّتي و جلالي لا أغفر لك بعدها أبدا١ .

و عنه عليه السّلام : من أشدّ ما فرض اللَّه على خلقه ذكره كثيرا لا أعني سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر و ان كان منه و لكن ذكر اللَّه عند ما أحلّ و حرّم فان كان طاعة عمل بها و ان كان معصية تركها٢ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى فما أصبرهم على النّار٣ ، أي : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون انّه يصيّرهم الى النّار٤ .

« فتكون من الخاسرين » و العصر إنّ الإنسان لفي خُسرٍ إلاّ الّذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحقِّ و تواصوا بالصبر٥ ، إستحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللَّه أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون٦ ، أفأمنوا مكر اللَّه فلا يأمن مكر اللَّه إلاّ القوم الخاسرون٧ ، يا أيُّها الذين آمنوا لا تُلهِكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر اللَّه و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون٨ .

« و اذا قويت فاقو على طاعة اللَّه و اذا ضعفت فاضعف عن معصية اللَّه » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : اذا كان يوم القيامة يقوم عنق من النّاس فيأتون

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٢١٣ ح ٧ .

( ٢ ) المصدر نفسه ٣ : ١٣٧ ح ٤ .

( ٣ ) البقرة : ١٧٥ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٢ .

( ٥ ) العصر : ١ ٣ .

( ٦ ) المجادلة : ١٩ .

( ٧ ) الأعراف : ٩٩ .

( ٨ ) المنافقون : ٩ .

٣١٣

باب الجنّة فيضربون فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن أهل الصّبر كنّا نصبر على طاعة اللَّه و نصبر عن معاصي اللَّه فيقول تعالى صدقوا ادخلوهم الجنّة١ .

و هو قوله تعالى . إنّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب٢ .

و عنه عليه السّلام في قوله تعالى و لمن خاف مقام ربِّه جنّتان٣ : من علم انّ اللَّه تعالى يراه و يسمع ما يقوله و يفعله من خير و شرّ فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف مقام ربِّه و نهى النّفس عن الهوى٤ .

١٦

الحكمة ( ١٧٠ ) و قال عليه السّلام :

تَرْكُ اَلذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ أقول ما في ( المصرية )٥ : ( ( من طلب المعونة ) ) تحريف .

في ( مطالب سؤول ابن طلحة الشّافعي ) : سئل عليّ عليه السّلام عن واجب و أوجب فقال عليه السّلام « توب ربّ الورى واجب عليهم و تركهم للذّنوب أوجب »٦ .

و وجه ما ذكره عليه السّلام معلوم فانّ ارتكاب الذّنب كاستعمال السّمّ و التوبة كاستعمال التّرياق لدفعه فقد لا يتيسّر استعماله و قد لا يكون مؤثّرا لشدّة السّمّ .

و روى ( روضة الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال : كان عابد في

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ١١٩ ح ٤ .

( ٢ ) الزمر : ١٠ .

( ٣ ) الرحمن : ٤٦ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ١ .

( ٥ ) الطبعة المصرية المصححة كما ذكر المصنف : ٦٩٨ ( ١٧٠ ) .

( ٦ ) مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : ٦٢ .

٣١٤

بني اسرائيل لم يقارف من أمر الدّنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمع اليه جنوده فقال من لي بفلان ؟ فقال : بعضهم أنا له فقال من أين تأتيه ؟ قال من ناحية النّساء ، قال : لست له ، لم يجرّب النساء ، فقال له آخر فأنا له ، فقال من أين تأتيه ؟ قال من الشّرب و اللّذات قال : لست له ، ليس هذا هو قال آخر : فأنا له ، قال من أين تأتيه ؟ قال من ناحية البرّ قال : انطلق فأنت صاحبه فانطلق الى موضع الرّجل فأقام حينا يصلّي و كان الرّجل ينام و الشيطان يصلّي لا ينام و الرّجل يستريح و الشّيطان لا يستريح ،

فتحوّل اليه الرّجل و قد تقاصرت اليه نفسه و استصغر عمله ، فقال يا عبد اللَّه بأي شي‏ء قويت على ذلك ؟ فلم يجبه ثم أعاد فقال : يا عبد اللَّه اني أذنبت ذنبا و أنا تائب منه فاذا ذكرت الذّنب قويت على الصّلاوة قال فاخبرني بذنبك حتّى أعمل و أتوب و أقوى على الصّلاة قال : ادخل المدينة فسل عن فلانة البغيّة فأعطها درهمين و نل منها قال و من أين لي درهمان و ما أدري ما الدّرهمان فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين ، فناوله إيّاهما فقام فدخل المدينة بجلابيبه فسأل عن منزل فلانة البغيّة فأرشده النّاس و ظنّوا أنّه جاء يعظها فجاء اليها فرمى اليها بالدّرهمين و قال : قومي فقامت و دخلت منزلها و قالت : ادخل ، و قالت : انّك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فاخبرني بخبرك فاخبرها فقالت يا عبد اللَّه انّ ترك الذّنب أهون من طلب التّوبة ، و ليس كلّ من طلب التّوبة وجدها و انّما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثّل لك فانصرف فانّك لا ترى شيئا فانصرف١ . .

____________________

( ١ ) الكافي ٨ : ٣٨٤ ح ٥٨٤ .

٣١٥

١٧

الحكمة ( ٢٣٧ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلتُّجَّارِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ في الخبر : أنّ عيسى عليه السّلام مرّ بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم و تغيّرت ألوانهم فقال ما الّذي أرى بكم ؟ قالوا الخوف من النّار قال : حقّ على اللَّه أن يؤمن من يخافه ، ثمّ مرّ على ثلاثة آخرين فاذا هم أشدّ نحولا و تغيّرا فقال : ما الّذي بلغ بكم ما أرى ؟ قالوا الشّوق الى الجنّة فقال : حقّ على اللَّه تعالى أن يعطي من رجاه ثمّ مرّ على ثلاثة آخرين فاذا هم أشدّ نحولا و على وجوههم مثل المرائي من النّور فقال ما الّذي بلغ بكم ؟ قالوا : حبّ اللَّه عز و جلّ فقال ثلاثا أنتم المقرّبون١ .

و في الخبر : انّ النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله نظر الى مصعب بن عمير مقبلا و عليه إهاب كبش قد تمنطق به فقال : انظروا الى الرّجل الّذي قد نوّر اللَّه قلبه لقد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطّعام و الشّراب فدعاه حبّ اللَّه و رسوله الى ما ترون٢ .

و عابدته عليه السّلام كانت عبادة الأحرار فكان عليه السّلام يقول لم أعبده خوفا و لا طمعا و لكنّي وجدته أهلا للعبادة فعبدته٣ .

و عنه عليه السّلام أيضا : الجلوس في المسجد عندي أحبّ من الجلوس في

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٥٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٠ : ١٥٦ .

( ٣ ) المصدر نفسه ١٠ : ١٥٧ .

٣١٦

الجنّة لأنّ في الأوّل رضا ربّي و في الثّاني رضاي١ .

و في مناجاة شعبان : « الهي و الحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفا و عن سواك منحرفا و منك خائفا مراقبا »٢ .

و في دعاء كميل : « و هبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر على فراقك »٣ .

و في الثامنة من المناجاة ( ١٥ ) : « فأنت لا غيرك مرادي و لك لا سواك سهري و سهادي و لقاءك قرّة عيني و وصلك منى نفسي و اليك شوقي و في محبّتك ولهي و الى هواك صبابتي و رضاك بغيتي و رؤيتك حاجتي و جوارك طلبي و قربك غاية سؤلي و في مناجاتك روحي و راحتي و عندك دواء علّتي و شفاء غلّتي و برد لوعتي و كشف كربتي فكن أنيسي في وحشتي و مقيل عثرتي و غافر زلّتي و قابل توبتي و مجيب دعوتي و وليّ عصمتي و مغني فاقتي و لا تقطعني عنك و لا تبعدني منك يا نعيمي و يا دنياي و آخرتي »٤ .

و في الثانية عشرة : الهي ما ألذّ خواطر الالهام بذكرك على القلوب و ما أحلى المسير اليك بالأوهام في مسالك الغيوب و ما أطيب طعم حبّك و ما أعذب شرب قربك فاعذنا من طردك و ابعادك و اجعلنا من أخصّ عارفيك . .

و في ( ١٣ ) : الهي بك هامت القلوب الوالهة و على معرفتك جمعت العقول المتباينة فلا تطمئنّ القلوب إلاّ بذكراك و لا تسكن النّفوس إلاّ عند رؤياك أنت المسبّح في كلّ مكان و المعبود في كلّ زمان و الموجود في كلّ أوان و المدعوّ بكلّ لسان و المعظّم في كلّ جنان استغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك و من كلّ

____________________

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٥٦ ح ١ .

( ٢ ) مفاتيح الجنان للقمي : ٢٨٨ .

( ٣ ) مفاتيح الجنان للقمي : ١١٧ .

( ٤ ) مفاتيح الجنان للقمي ، المناجات الشعبانية .

٣١٧

راحة بغير أنسك و من كلّ سرور بغير قربك و من كلّ شغل بغير طاعتك١ .

هذا ، و ( في المناقب ) سأل رسول ملك الرّوم أبابكر عن رجل لا يرجو الجنّة و لا يخاف النّار و لا يخاف اللَّه و لا يركع و لا يسجد و يأكل الميتة و الدّم و يحبّ الفتنة و يبغض الحقّ و يشهد بما لا يرى ، فلم يجبه أبو بكر و قال له عمر :

ازددت كفرا الى كفرك ، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السّلام فقال عليه السّلام : هذا رجل من أولياء اللَّه لا يرجو الجنّة و لا يخاف النّار و لكن يخاف اللَّه و يرجوه و لا يخاف اللَّه من جوره و انّما يخاف من عدله و لا يركع و لا يسجد في صلاة الجنازة و يأكل الجراد و السّمك و هما ميتة و يأكل الكبد ، و هو الدّم و يشهد بالجنّة و النّار ، و هو لم يرهما و يحبّ ولده ، و الولد فتنة ، و يبغض الموت ،

و الموت حقّ٢ .

١٨

الحكمة ( ٣٨٢ ) و قال عليه السّلام :

لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ « لا تقل ما لا تعلم » لأنّه من الكذب ، و في ( أدب ابن المقفّع ) : أكثر النّاس كذبا من يحدّث بما يسمع و لا يبالي ممّن سمع و ذلك مفسدة للصّدق و مزراة بالرّاي فان استطعت ألاّ تخبر بشي‏ء إلاّ و أنت به مصدّق و ألاّ يكون تصديقك إلاّ ببرهان فافعل٣ .

____________________

( ١ ) مفاتيح الجنان للقمي ، المناجاة الشعبانية .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١٨٠ .

( ٣ ) الأدب الكبير و الأدب الصغير لابن مقفع : ٩٠ ( بتصرف ) .

٣١٨

« بل لا تقل كلّ ما تعلم » فالغيبة أيضا من القول بما يعلم و من علم من رجل أو امرأة غير معروفين بالفجور و لم تكمل الشّهود الأربعة فقال ذلك ، يكون قاذفا مستحقّا للحدّ ، قال تعالى و الّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون١ .

« فان اللَّه فرض » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب ( فانّ اللَّه سبحانه قد فرض ) كما في ( ابن ابي الحديد و ابن ميثم و الخطية )٣ .

« على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة » و لا تقف ما ليس لك به علمٌ إنّ السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً٤ .

تمّت بخير و الحمد للَّه أوّلا و آخرا

____________________

( ١ ) النور : ٤ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٧٤٨ ح ٣٨٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٣٢٣ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٣٤ ، بدون لفظ ( سبحانه ) .

( ٤ ) الاسراء : ٣٦ .

٣١٩

الفصل الاربعون في الاسلام و الكفر و الايمان و النفاق

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607