بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105602
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105602 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

عند غيركم ان اللَّه تعالى وضع الاسلام على سبعة أسهم على الصبر و الصدق و اليقين و الرضا و الوفاء و العلم و الحلم ثم قسّم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه الأسهم فهو كامل الايمان محتمل و لبعض الناس السهم و لبعض السهمان و لبعض الثلاثة و لبعض الأربعة و لبعض الخمسة و لبعض الستة و لبعض السبعة فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين ، و لا على صاحب السهمين ثلاثة أسهم ، و لا على صاحب الثلاثة أربعة أسهم ، و لا على صاحب الأربعة خمسة أسهم ، و لا على الخمسة ستة أسهم ، و لا على صاحب الستة سبعة أسهم ، فتثقلوهم و تنفروهم و لكن ترفقوا بهم و سهّلوا لهم المدخل .

و سأضرب لك مثلا تعتبر به انّه كان رجل مسلما ، و كان له جار كافر و كان الكافر يرفق بالمؤمن فحبّب المؤمن للكافر الإسلام فلم يزل يزيّن له الاسلام حتى أسلم فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله ، فذهب به إلى المسجد ليصلّي معه الفجر في جماعة فلمّا صلّى قال له : لو قعدنا نذكر اللَّه تعالى حتى تطلع الشمس فقعد معه فقال : لو تعلّمت القرآن إلى أن تزول الشمس و صمت اليوم كان أفضل فقعد معه و صام حتى صلّى الظهر و العصر ، فقال : لو صبرت حتى تصلّي المغرب و العشاء كان أفضل فقعد معه حتى صلّى المغرب و العشاء ثم نهضا و قد بلغ مجهوده و حمل عليه ما لم يطق فلمّا كان من الغد غدا عليه و هو يريد به مثل ما صنع بالأمس فدق عليه بابه ، ثم قال له : أخرج حتى نذهب الى المسجد ، فأجاب : ( اعزب عني فان هذا دين شديد لا أطيقه ) فلا تخرقوا بهم اما علمت أن امارة بني أمية كانت بالسيف و العسف ،

و أمارتنا بالرفق و التآلف و حسن الخلطة و الورع و الاجتهاد فرغّبوا الناس في دينكم و في ما أنتم فيه ) .

« و أعزّ أركانه على من غالبه » أي : جعلها شديدة على من أراد الغلبة عليها

٣٤١

فلا يقدر عليها .

و في المثل « إذا عز أخوك فهن » أي : إذا اشتد هو فكن أنت هينا .

« فجعله أمنا لمن علقه » قال يصف أسدا :

إذا علقت قرنا خطاطيف كفّه

رأى الموت في عينيه أسود أحمرا

و في المثل ( علقت معالقها و صر الجندب ) ، الضمير كما في الأساس للدلو .

قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في حجّة الوداع كما في ( طبقات ) كاتب الواقدي أيّها الناس ان دماءكم و أموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ، في بلدكم هذا الا لا ترجعن بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض .

« و سلما لمن دخله » . و لا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند اللَّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنَّ اللَّه عليكم فتبيّنوا ان اللَّه كان بما تعملون خبيرا١ .

« و برهانا لمن تكلّم به » قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلاّ اللَّه و لا نشرك به شيئاً و لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه .٢ .

« و شاهدا لمن خاصم عنه » ان الدين عند اللَّه الاسلام و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و من يكفر بآيات اللَّه فان اللَّه سريع الحساب فان حاجّوك فقل اسلمت وجهي للَّه و من اتبعن و قل للذين أُوتوا الكتاب و الأميين ء أسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا و ان تولوا فانما عليك

____________________

( ١ ) النساء : ٩٤ .

( ٢ ) ال عمران : ٦٤ .

٣٤٢

البلاغ و اللَّه بصيرٌ بالعباد١ .

و قالوا لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودا أو نصارى تلك أمانيُّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه للَّه و هو محسن فله أجره عند ربه و لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون٢ .

« و نورا لمن استضاء به » أفمن شرح اللَّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربِّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللَّه أولئك في ضلالٍ مبين٣ .

و لكونه نورا لمن استضاء به ، كان المنافقون في إظهارهم الإسلام و عدم التزامهم بمقتضاه كمن له نور ذهب به ، قال تعالى فيهم مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله ذهب اللَّه بنورهم و تركهم في ظلماتٍ لا يبصرون٤ .

« و فهما لمن عقل » فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت اللَّهِ التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللَّه ذلك الدين القيّم و لكن أكثر الناس لا يعلمون٥ .

« و لبا » و هو ما في القشر .

« لمن تدبر » فيه .

و من أحسن ديناً ممّن أسلم وجهه للَّه و هو محسن و اتبع ملّة إبراهيم حنيفاً .٦ .

« و آية » أي : علامة للَّه .

____________________

( ١ ) ال عمران : ١٩ ٢٠ .

( ٢ ) البقرة : ١١١ ١١٢ .

( ٣ ) الزمر : ٢٢ .

( ٤ ) البقرة : ١٧ .

( ٥ ) الروم : ٣٠ .

( ٦ ) النساء : ١٢٥ .

٣٤٣

« لمن توسّم » أي : تفرّس لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و اللَّه سميعٌ عليم١ .

قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللَّه و أخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين و اللَّه يؤيد بنصره من يشاء .٢ .

« و تبصرة لمن عزم » قد عرفت ان ( الكافي ) رواه ( و بصيرة لمن عزم ) و هو أصحّ فمن عزم على أمر لابد أن يكون على بصيرة منه ، و لا يلزم إذا كان هو على بصيرة تبصرة غير له .

« و عبرة لمن اتعظ » و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم و أيّدكم بنصره و رزقكم من الطيبات لعلّكم تشكرون٣ .

« و نجاة لمن صدق » . و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللَّه لكم آياته لعلّكم تهتدون٤ .

« و ثقة لمن توكل » في ( الكافي ) قال الحسن عليه السّلام لعبد اللَّه بن جعفر كيف يكون المؤمن مؤمنا و هو يسخط قسمته ، و يحقر منزلته ، و الحاكم عليه اللَّه ،

و أنا الضامن لمن لا يهجس في قلبه إلاّ الرضا ان يدعو اللَّه فيستجاب له .

« و راحة لمن فوّض » في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السّلام ما يضر رجلا إذا كان على ذي الرأي ما قال الناس و لو قالوا مجنون و ما يضرّه ، و لو كان على رأس جبل يعبد اللَّه حتى يجيئه الموت .

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٢ ) ال عمران : ١٣ .

( ٣ ) الانفال : ٢٦ .

( ٤ ) ال عمران : ١٠٣ .

٣٤٤

و عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قال تعالى لو لم يكن في الأرض إلاّ مؤمن واحد ،

لاستغنيت به عن جميع خلقي ، و لجعلت له من ايمانه انسا لا يحتاج إلى أحد .

« و جنة لمن صبر » في ( الكافي ) شكا رجل إلى أبي عبد اللَّه عليه السّلام الحاجة فقال : اصبر فان اللَّه سيجعل لك فرجا ، ثم مكث ساعة ، فأقبل على الرجل ، و قال :

اخبرني عن سجن الكوفة كيف هو ؟ فقال : ضيّق منتن و أهله بأشدّ حال قال فانما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة اما علمت ان الدنيا سجن المؤمن .

« فهو أبلج » أي : مشرق مضي‏ء قال : العجاج ، « حتى بدت أعناق صبح ابلجا » .

« المناهج » جمع المنهج ، أو المنهاج ، الطريق الواضح ، و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .١ .

« و أوضح الولائج » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( واضح الولائج ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و الولائج جمع الوليجة البطانة .

و لائجه مثل محمّد صلَّى اللَّه عليه و آله و علي عليه السّلام الرجل الأول و الثاني في العالم و فيهما قال تعالى : أفمن كان على بيّنة من ربه و يتلوه شاهد منه .٢ فقال عليه السّلام في المستفيض عنه النبي صلَّى اللَّه عليه و آله على بيّنة و أنا شاهد منه » .

« مشرف المنار » و المنارة ما يوضع فوقها السراج .

« مشرق الجوادّ » جمع الجادّة .

« و مضي‏ء المصابيح » جمع المصباح السراج .

« كريم المضمار » قال الجوهري تضمير الفرس أن يعلفه حتى يسمن ثم

____________________

( ١ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٢ ) هود : ١٧ .

٣٤٥

يردّه إلى القوت ، و ذلك في أربعين يوما و هذه المدّة تسمّى المضمار و الموضع الذي تضمر فيه الخيل أيضا مضماره .

« رفيع الغاية » المراد الغاية في المسابقة بقرينة قبله و بعده .

« جامع الحلبة » بسكون اللام في الأساس الحلبة مجال الخيل للسباق و الخيل التي تأتي من كل أوب .

« متنافس » أي : متراغب .

« السبقة » بالتحريك الخطر الذي يوضع بين أهل السباق .

ان اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللَّه فيَقتُلون و يُقْتلون وعداً عليه حقّاً في التوراة و الانجيل و القرآن و من أوفى بعهده من اللَّه فاستبشِروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم١ .

« شريف الفرسان » ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي اللَّه عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشى ربه٢ .

و ما أدريك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة أُولئك أصحاب الميمنة٣ .

« التصديق منهاجه » فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكّموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت و يسلّموا تسليما٤ .

____________________

( ١ ) التوبة : ١١١ .

( ٢ ) البينة : ٧ ٨ .

( ٣ ) البلد : ١١ ١٢ .

( ٤ ) النساء : ٦٥ .

٣٤٦

« و الصالحات مناره » . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحداً١ .

« و الموت غايته » و اعبد ربِّك حتى يأتيك اليقين٢ .

« و الدنيا مضماره » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و لتنظر نفس ما قدّمت لغدٍ .٣ . و تزوَّدوا فان خير الزاد التقوى و اتقون يا أولي الألباب٤ .

و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين و لن يؤخر اللَّه نفساً إذا جاء أجلها و اللَّه خبير بما تعملون٥ .

« و القيامة حلبته » يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن .٦ و إن كُلُّ لَمّا جميعٌ لدينا مُحضَرون٧ .

« و الجنّة سبقته » و أما من خاف مقام ربه و نهىَ النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٨ .

إلاّ من تاب و آمن و عمل صالحاً فاولئك يدخلون الجنّة و لا يُظلَمون شيئاً جناتِ عدنٍ التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنّه كان وعده مأتيّا لا يسمعون فيها لغوا إلاّ سلاماً و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيّا تلك الجنّة التي

____________________

( ١ ) الكهف : ١١٠ .

( ٢ ) الحجر : ٩٩ .

( ٣ ) الحشر : ١٨ .

( ٤ ) البقرة : ١٩٧ .

( ٥ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

( ٦ ) التغابن : ٩ .

( ٧ ) يس : ٣٢ .

( ٨ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

٣٤٧

نورث من عبادنا من كان تقيا١ .

قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو معرضون و الذين هم للزكاة فاعلون و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأُولئِك هم العادون و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم على صَلَواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون٢ .

أدخلوا الجنّة بما كنتم تعملون٣ ، ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٤ .

هذا و زاد في الكتب الأربعة بعدما مرّ « و النار نقمته » و فقرات أخرى كما مرّ و كان على المصنف نقلها لكمال مناسبتها .

٤

من الحكمة ( ٣٠ ) و سئل عليه السّلام عن الايمان فقال :

اَلْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى اَلصَّبْرِ وَ اَلْيَقِينِ وَ اَلْعَدْلِ وَ اَلْجِهَادِ وَ اَلصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلشَّوْقِ وَ اَلشَّفَقِ وَ اَلزُّهْدِ وَ اَلتَّرَقُّبِ فَمَنِ اِشْتَاقَ إِلَى اَلْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ اَلشَّهَوَاتِ وَ مَنْ أَشْفَقَ مِنَ اَلنَّارِ اِجْتَنَبَ اَلْمُحَرَّمَاتِ وَ مَنْ زَهِدَ فِي اَلدُّنْيَا اِسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ

____________________

( ١ ) مريم : ٦٠ ٦٣ .

( ٢ ) المؤمنون : ١ ١١ .

( ٣ ) النحل : ٣٢ .

( ٤ ) فصلت : ٣٠ .

٣٤٨

وَ مَنِ اِرْتَقَبَ اَلْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى اَلْخَيْرَاتِ وَ اَلْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ اَلْفِطْنَةِ وَ تَأَوُّلِ اَلْحِكْمَةِ وَ مَوْعِظَةِ اَلْعِبْرَةِ وَ سُنَّةِ اَلْأَوَّلِينَ فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي اَلْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ اَلْحِكْمَةُ وَ مَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ اَلْحِكْمَةُ عَرَفَ اَلْعِبْرَةَ وَ مَنْ عَرَفَ اَلْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى غَائِصِ اَلْفَهْمِ وَ غَوْرِ اَلْعِلْمِ وَ زُهْرَةِ اَلْحُكْمِ وَ رَسَاخَةِ اَلْحِلْمِ فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ اَلْعِلْمِ وَ مَنْ عَلِمَ غَوْرَ اَلْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ اَلْحُكْمِ وَ مَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَ عَاشَ فِي اَلنَّاسِ حَمِيداً وَ اَلْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلصِّدْقِ فِي اَلْمَوَاطِنِ وَ شَنَآنِ اَلْفَاسِقِينَ فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ نَهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ اَلْكَافِرِينَ وَ مَنْ صَدَقَ فِي اَلْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ وَ مَنْ شَنِئَ اَلْفَاسِقِينَ وَ غَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اَللَّهُ لَهُ وَ أَرْضَاهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أقول رواه ( الكافي ) و ( الاماليان ) ، و ( التحف ) أيضا بالسند المذكور في سابقه ، ففي ( الكافي ) بعد ما مر ( باب صفة الايمان ) بالاسناد الأول عن ابن محبوب ، عن يعقوب السراج عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الايمان مثله مع تغيير يسير و فيه ، ( و الاشفاق ) بدل ( و الشفق ) و فيه ( و معرفة العبرة ) بدل قوله ( و موعظة العبرة ) و فيه ( و من عرف العبرة عرف السنّة ، و من عرف السنّة فكأنما كان مع الأولين و اهتدى للتي هي أقوم ، و نظر إلى من نجا بما نجا ، و إلى من هلك بما هلك و انما أهلك اللَّه من أهلك بمعصيته ، و أنجا من أنجا بطاعته ) بدل قوله ، ( و من عرف العبرة فكأنما كان في الأولين ) و في ( الأمالي ) ( و من عرف العبرة عرف السنّة و من عرف السنّة فكأنما كان في الأولين ) و مثله ( التحف ) لكنّ فيه ( فكأنما عاش في الأولين ) .

٣٤٩

و كيف كان فزاد هذا على سابقه برواية ( الخصال ) له ، ( عن أبيه عن سعد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و أحمد بن فضال عن ابن اسباط ، عن الحسن ابن زيد عن محمد بن سالم عن سعد بن طريف عن الأصبغ عنه عليه السّلام و رواه ( تنبيه ) البكري عن ابن دريد عن محمد بن عثمان عن منجاب بن الحارث عن بشر بن عثمان عن محمد بن سوقة قال : سأل رجل عليّا عليه السّلام عن الايمان مع اختلاف يسير في آخره فقام الرجل فقبّل رأسه .

« الايمان على أربع دعائم » جمع دعامة عماد البيت .

« على الصبر » جعل الصبر الدعامة الأولى من الايمان لأنّه بمنزلة الرأس من الجسد .

« و اليقين » فعيل .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان العمل الدائم القليل على اليقين ، أفضل عند اللَّه من العمل الكثير على غير يقين .

و عنه عليه السّلام كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول لا يجد عبدٌ طعم الايمان ، حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطيه ، و أن ما أخطاه لم يكن ليصيبه ، و ان الضار النافع هو اللَّه تعالى .

« و العدل » قال تعالى : . و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها و إذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى و بعهد اللَّه أوفوا ذلكم وصَّاكم به لعلَّكم تذكّرون و ان هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتقون١ .

« أعدلوا هو أقرب للتقوى » . فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى

____________________

( ١ ) الانعام : ١٥٢ ١٥٣ .

٣٥٠

و ثُلاث و رباعَ فان خفتم ألا تعدلوا فواحدةً .١ ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزَّل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و أَبشروا بالجنة التي كنتم توعدون٢ .

« و الجهاد » و جاهدوا في اللَّه حق جهاده .٣ .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان اللَّه تعالى بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين فأبوا ان يقبلوا حتى أمره بالقتال فالخير في السيف ، و تحت السيف ، و الأمر يعود كما بدأ .

و في ( الاسد ) عن عمرو بن واثلة ، ضحك النبي صلَّى اللَّه عليه و آله حتى استغرب فقال : أ لا تسألوني مم ضحكت ؟ فقالوا اللَّه و رسوله أعلم قال عجبت من قوم يقادون الجنّة بالسلاسل و هم يتقاعسون عنها ، قالوا و كيف ؟ قال أقوام من العجم سباهم المهاجرون يدخلونهم في الإسلام و هم كارهون .

« و الصبر منها على أربع شعب » جمع شعبة قال الجوهري الشعب الأغصان .

« على الشوق » قال الجوهري الشوق و الاشتياق نزاع النفس إلى الشي‏ء .

« و الشفق » قال الجوهري الشفقة و الشفق الاسم من الاشفاق قال « تهوى حياتي و أهوى موتها شفقا » .

« و الزهد » في ( الكافي ) عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لا يجد الرجل حلاوة الايمان في قلبه ، حتى لا يبالي من أكل الدنيا ثم قال عليه السّلام حرام على قلوبكم ان تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا .

____________________

( ١ ) النساء : ٣ .

( ٢ ) فصلت : ٣٠ .

( ٣ ) الحج : ٧٨ .

٣٥١

« و الترقب » قال الجوهري الترقب الانتظار .

« فمن اشتاق إلى الجنة ، سلا عن الشهوات » و يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق و بما كنتم تفسُقون١ .

« و من أشفق من النار أجتنب المحرّمات » و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٢ و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « حفّت الجنّة بالمكاره و حفّت النار بالشهوات » .

« و من زهد في الدنيا استهان بالمصيبات » في ( الكافي ) عن أبي بصير شكوت أبي عبد اللَّه عليه السّلام الوسواس ، فقال يا أبا محمد اذكر تقطّع أوصا لك في قبرك ، و رجوع أحبائك عنك ، إذا دفنوك في حفرتك و خروج بنات الماء من منخريك ، و أكل الدود لحمك فان ذلك يسلّي عنك ، قال فو اللَّه ما ذكرته إلاّ سلا عني .

« و من ارتقب الموت » « سارع إلى » كذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« الخيرات » ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون و الذين هم بأيات ربهم يؤمنون و الذين هم بربهم لا يشركون و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انّهم إلى ربّهم راجعون أولئك يسارعون في

____________________

( ١ ) الاحقاف : ٢٠ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

٣٥٢

الخيران و هم لها سابقون١ .

« و اليقين منها » أي : من دعائم الايمان الأربع .

« على أربع شعب » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال لأبي بصير ليس شي‏ء إلاّ و له حد ، فقال أبو بصير : فما حد التوكل ؟ قال عليه السّلام اليقين ، قال فما حد اليقين ؟ قال ألا تخاف مع اللَّه شيئا .

« على تبصرة الفطنة » الاضافة في التبصرة بمعنى ( في ) كما يشهد له قوله بعد ( فمن تبصّر في الفطنة ) .

قال تعالى : ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد٢ .

« و تأوّل الحكمة » أي : فهم مآلها ، قال الشاعر :

على انها كانت تؤوِّل حبها

تأوُّل ربعي السقاب فاصحبا

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام من صحّة يقين المرء المسلم ، ألا يرضي الناس بسخط اللَّه ، و لا يلومهم على ما لم يؤته اللَّه ، فان الرزق لا يسوقه حرص حريص ، و لا يرده كراهية كاره ، و لو أن أحدكم فرَّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه رزقه ، كما يدركه الموت .

« و موعظة العبرة » الاضافة في ( الموعظة ) بمعنى ( من ) أو ( في ) .

لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب .٣ . فأتاهم اللَّه من حيث لم يحتسبوا و قذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار٤ .

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٤٧ ٦١ .

( ٢ ) ق : ٣٧ .

( ٣ ) يوسف : ١١١ .

( ٤ ) الحشر : ٢ .

٣٥٣

قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللَّه و أُخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين و اللَّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار١ .

يقلّب اللَّه الليل و النهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار٢ فأخذه اللَّه نكال الاخرة و الأولى إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى٣ و أن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونها و لكم فيها منافع كثيرة و منها تأكلون٤ و إن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرثٍ و دمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشّاربين٥ .

« و سنّة الأولين » قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين٦ يريد اللَّه ليبيّن لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم و يتوب عليكم و اللَّه عليكم حكيم٧ .

و لا يحيق المكر السيِّى‏ء إلاّ بأهله فهل ينظرون إلاّ سُنَّتَ الأولين فلن تجد لِسُنَّتِ اللَّه تبديلاً و لن تجد نسلكُهُ اللَّه تحويلاً٨ .

فلم يكُ ينفعهم أيمانُهم لمّا رأوا بأسنا سُنَّتَ اللَّه الّتي قد خلقت في عباده و خسر هنالك الكافرون٩ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٣ .

( ٢ ) النور : ٤٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٥ ٢٦ .

( ٤ ) المؤمنون : ٢١ .

( ٥ ) النحل : ٦٦ .

( ٦ ) آل عمران : ١٣٧ .

( ٧ ) النساء : ٢٦ .

( ٨ ) فاطر : ٤٣ .

( ٩ ) المؤمن : ٨٥ .

٣٥٤

ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودوا فقد مضت سُنَّتُ الأولين١ كذلك نَسلكُهُ في قلوب المجرمين لا يؤمنون به و قد خلت سنّة الأولين٢ .

و ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءَهم الهدى و يستغفروا ربّهم إلاّ أن تأتيهم سنّة الأولين أو يأتيهم العذاب قُبُلاً٣ .

« فمن تبصر » أي : صار ذا بصيرة .

« في الفطنة تبيّنت له الحكمة » قالوا : الحكمة العلم الذي يدفع الإنسان عن فعل القبيح مستعار من حكمة اللجام .

« و من عرف العبرة فكأنما كان في الأولين » قد عرفت ان ( الكافي ) نقله « و من عرف العبرة عرف السنّة و من عرف السنّة فكأنما كان في الأولين » الخ كما مرَّ .

« و العدل منها » أي : من تلك الدعائم .

« على أربع شعب » الأولى .

« على غائص الفهم » أي : فهم يغوص على الحقائق كمن يغوص على الدرّ ،

و اللؤلؤ و عرفت ان في ( الكافي ) و ( الأمالي ) ( على غامض الفهم ) .

« و غور العلم » أي : قعره .

« و زهرة الحكم » أي : بهجة الفقه و القضاء .

« و رساخة » أي : ثبوت .

« الحلم » .

____________________

( ١ ) الانفال : ٣٨ .

( ٢ ) الحجر : ١٢ ١٣ .

( ٣ ) الكهف : ٥٥ .

٣٥٥

و في ( الخصال ) و ( الأمالي ) و ( التحف ) و ( الكافي ) : ( و روضة الحلم ) و هو الأنسب بسابقه ، ( و زهرة الحكم ) .

« فمن فهم علم غور العلم » لأن شرط العلم الفهم .

« و من علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم » و الصدور عن شرائع الحكم كناية عن الإصابة في الحكم ، لأن الشرائع موارد استقاء الناس ، و الصدور عنها : الرجوع عنها .

« و من حلم لم يفرط » من الافراط تجاوز الحد لا التفريط كما في المرآة لعدم مناسبته مع الحلم .

« في أمره و عاش في الناس حميدا » في الخبر : إذا وقعت منازعة بين رجلين نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما : قلت و قلت و أنت أهل لمّا قلت و ستجزى بما قلت و يقولان للحليم : صبرت و حلمت سيغفر اللَّه لك ان أتممت ذلك .

« و الجهاد منها على أربع شعب ، على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر » في ( الكافي ) : كان أبو عبد اللَّه عليه السّلام إذا مرّ بجماعة يختصمون لا يجوزهم حتى يقول ثلاثا : اتقوا اللَّه ( يرفع بها صوته ) .

« و عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله : ان اللَّه تعالى ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له .

قيل من هو ؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر » .

و عن الصادق عليه السّلام : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خلقان من خلق ،

اللَّه فمن نصرهما أعزّه اللَّه و من خذلهما خذله اللَّه .

« و الصدق » في المواطن قولا و عملا ، خوفا و أمنا ، ليس البِرّ أن تُولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البِرّ من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة

٣٥٦

و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتّقون١ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : لمّا نزلت إنّ اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة٢ قام رجل و قال للنبي صلَّى اللَّه عليه و آله : الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلاّ أنّه يقترف من هذه المحارف أشهيد هو ؟ فأنزل تعالى : التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر و الحافظون لحدود اللَّه و بشّر المؤمنين٣ فبشر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم و حليتهم بالشهادة و الجنّة و قال : التائبون من الذنوب ، العابدون الذين لا يعبدون إلاّ اللَّه و لا يشركون به شيئا ، الحامدون الذين يحمدون اللَّه على كلّ حال في الشدّة و الرخاء ، السائحون و هم الصائمون ، و الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس ، الحافظون لها و المحافظون عليها بركوعها و سجودها و في الخشوع فيها ، و في أوقاتها ، الآمرون بالمعروف بعد ذلك و العاملون به ، الناهون عن المنكر و المنتهون عنه فبشّر من قتل و هو قائم بهذه الشروط بالشهادة و الجنّة .

« و شنآن » أي : بغض .

« الفاسقين » في ( الكافي ) عن الباقر صلَّى اللَّه عليه و آله أوحى تعالى إلى شعيب عليه السّلام أني معذِّب من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من شرارهم ،

و ستين ألفا من خيارهم ، فقال فما بال الأخيار قال : داهنوا أهل المعاصي

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٧ .

( ٢ ) التوبة : ١١١ .

( ٣ ) التوبة : ١١٢ .

٣٥٧

و لم يغضبوا لغضبي .

« فمن أمر بالمعروف شدّ » أي : أحكم .

« ظهور المؤمنين » قال تعالى : و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تَفي‏ء إلى أمر اللَّه .١ .

« و من نهى عن المنكر ارغم » أي : الصق بالرغام ، و هو التراب .

« أنوف الكافرين » هكذا في المصرية و الصواب : ( المنافقين ) كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية .

محمّد رسول اللَّه و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم .٢ و قال عليه السّلام أمرنا النبي صلَّى اللَّه عليه و آله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة .

« و من صدق في المواطن قضى ما عليه » من التكليف و الوظائف الإلهية .

و ما أدريك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة .

فأما من أعطى و اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى٣ .

« و من شنى‏ء الفاسقين و غضب للَّه غضب اللَّه له ، و أرضاه يوم القيامة » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان اللَّه عز و جل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فوجدا رجلا يدعو اللَّه و يتضرّع ، فقال : أحدهما للآخر أما ترى هذا ؟

فقال بلى و لكن أمضي لمّا أمر به ربي و قال الآخر لكني أراجع ربي ، فعاد ، فقال

____________________

( ١ ) الحجرات : ٩ .

( ٢ ) الفتح : ٢٩ .

( ٣ ) البلد : ١٢ ١٨ .

٣٥٨

يا رب اني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ، و يتضرّع إليك ،

فقال له تعالى : أمض لمّا أمرت فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا للَّه قط .

هذا و كما فصل عليه السّلام في هذا الكلام دعائم الايمان و شعب كلّ دعامة فصل عليه السّلام أرواح الايمان في كلام آخر .

ففي ( الكافي ) عن الأصبغ جاء رجل إليه عليه السّلام فقال ان ناسا زعموا أن العبد يزني و هو مؤمن و لا يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر و هو مؤمن ،

و لا يأكل الربا و هو مؤمن ، و لا يسفك الدم الحرام و هو مؤمن ، و قد ثقل هذا عليّ ، و حرج منه صدري حين أزعم ان هذا العبد يصلّي صلاتي ، و يدعو دعائي و يناكحني و أناكحه ، و يوارثني و أوارثه ، و قد خرج من الايمان من أجل ذنب يسير أصابه فقال عليه السّلام صدقت ، سمعت النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يقول : و الدليل عليه كتاب اللَّه خلق اللَّه الناس على ثلاث طبقات ، و أنزلهم ثلاث منازل و ذلك قوله تعالى : في الكتاب « أصحاب الميمنة ، و أصحاب المشأمة ، و السابقون » ، فاما ما ذكره من أمر السابقين ، فانهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين ، جعل اللَّه فيهم خمسة أرواح ، روح القدس ، و روح الايمان ، و روح القوة ، و روح الشهوة ، و روح البدن ، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين و بها علموا أشياء و بروح الايمان عبدوا اللَّه و لم يشركوا به شيئا ، و بروح القوّة جاهدوا عدوّهم و عالجوا معاشهم ، و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ، و نكحوا الحلال من شباب النساء ، و بروح البدن ، دبوا و درجوا ، قال تعالى : تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللَّه ، و رفع بعضهم درجات ، و آتينا عيسى بن مريم البيّنات ، و أيدناه بروح القدس .١ ثم قال في جماعتهم . و أيدهم

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٥٣ .

٣٥٩

بروح منه .١ يقول أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم ذكر أصحاب الميمنة و هم المؤمنون حقّا بأعيانهم ، جعل تعالى فيهم أربعة أرواح روح الايمان و روح القوّة ، و روح الشهوة ، و روح البدن ، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى تأتي عليه حالات ، فقال الرجل ما هذه الحالات ؟ قال أما أولاهن فهو كما قال تعالى : . و منكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علمٍ شيئاً .٢ فهذا ينتقص منه جميع الأرواح ، و ليس بالذي يخرج من دين اللَّه لأن الفاعل به رده ، إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلاة وقتا و لا يستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار ، و لا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الايمان و ليس يضرّه شيئا و فيهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرّت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها و تبقى روح البدن فيه ، فهو يدبّ و يدرج حتى يأتيه ملك الموت ،

فهذا بحال خير لأن اللَّه تعالى هو الفاعل به ، و قد تأتي عليه حالات في قوته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فتشجّعه روح القوة و تزيّن له روح الشهوة ، و تقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فإذا لامسها نقص من الايمان و تقضى عنه ، و ليس يعود فيه حتى يتوب فإذا تاب تاب اللَّه عليه و ان عاد أدخله اللَّه نار جهنم فأما أصحاب المشأمة ، فهم اليهود و النصارى .

يقول اللَّه تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .٣ يعرفون محمدا صلَّى اللَّه عليه و آله و الولاية في التوراة ، و الانجيل ، كما يعرفون ابناءهم في منازلهم « و ان فريقا منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون

____________________

( ١ ) المجادلة : ٢٢ .

( ٢ ) النحل : ٧٠ .

( ٣ ) البقرة : ١٤٦ .

٣٦٠