بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113763 / تحميل: 3951
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

عند غيركم ان اللَّه تعالى وضع الاسلام على سبعة أسهم على الصبر و الصدق و اليقين و الرضا و الوفاء و العلم و الحلم ثم قسّم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه الأسهم فهو كامل الايمان محتمل و لبعض الناس السهم و لبعض السهمان و لبعض الثلاثة و لبعض الأربعة و لبعض الخمسة و لبعض الستة و لبعض السبعة فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين ، و لا على صاحب السهمين ثلاثة أسهم ، و لا على صاحب الثلاثة أربعة أسهم ، و لا على صاحب الأربعة خمسة أسهم ، و لا على الخمسة ستة أسهم ، و لا على صاحب الستة سبعة أسهم ، فتثقلوهم و تنفروهم و لكن ترفقوا بهم و سهّلوا لهم المدخل .

و سأضرب لك مثلا تعتبر به انّه كان رجل مسلما ، و كان له جار كافر و كان الكافر يرفق بالمؤمن فحبّب المؤمن للكافر الإسلام فلم يزل يزيّن له الاسلام حتى أسلم فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله ، فذهب به إلى المسجد ليصلّي معه الفجر في جماعة فلمّا صلّى قال له : لو قعدنا نذكر اللَّه تعالى حتى تطلع الشمس فقعد معه فقال : لو تعلّمت القرآن إلى أن تزول الشمس و صمت اليوم كان أفضل فقعد معه و صام حتى صلّى الظهر و العصر ، فقال : لو صبرت حتى تصلّي المغرب و العشاء كان أفضل فقعد معه حتى صلّى المغرب و العشاء ثم نهضا و قد بلغ مجهوده و حمل عليه ما لم يطق فلمّا كان من الغد غدا عليه و هو يريد به مثل ما صنع بالأمس فدق عليه بابه ، ثم قال له : أخرج حتى نذهب الى المسجد ، فأجاب : ( اعزب عني فان هذا دين شديد لا أطيقه ) فلا تخرقوا بهم اما علمت أن امارة بني أمية كانت بالسيف و العسف ،

و أمارتنا بالرفق و التآلف و حسن الخلطة و الورع و الاجتهاد فرغّبوا الناس في دينكم و في ما أنتم فيه ) .

« و أعزّ أركانه على من غالبه » أي : جعلها شديدة على من أراد الغلبة عليها

٣٤١

فلا يقدر عليها .

و في المثل « إذا عز أخوك فهن » أي : إذا اشتد هو فكن أنت هينا .

« فجعله أمنا لمن علقه » قال يصف أسدا :

إذا علقت قرنا خطاطيف كفّه

رأى الموت في عينيه أسود أحمرا

و في المثل ( علقت معالقها و صر الجندب ) ، الضمير كما في الأساس للدلو .

قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في حجّة الوداع كما في ( طبقات ) كاتب الواقدي أيّها الناس ان دماءكم و أموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ، في بلدكم هذا الا لا ترجعن بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض .

« و سلما لمن دخله » . و لا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند اللَّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم من قبل فمنَّ اللَّه عليكم فتبيّنوا ان اللَّه كان بما تعملون خبيرا١ .

« و برهانا لمن تكلّم به » قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلاّ اللَّه و لا نشرك به شيئاً و لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه .٢ .

« و شاهدا لمن خاصم عنه » ان الدين عند اللَّه الاسلام و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و من يكفر بآيات اللَّه فان اللَّه سريع الحساب فان حاجّوك فقل اسلمت وجهي للَّه و من اتبعن و قل للذين أُوتوا الكتاب و الأميين ء أسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا و ان تولوا فانما عليك

____________________

( ١ ) النساء : ٩٤ .

( ٢ ) ال عمران : ٦٤ .

٣٤٢

البلاغ و اللَّه بصيرٌ بالعباد١ .

و قالوا لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودا أو نصارى تلك أمانيُّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه للَّه و هو محسن فله أجره عند ربه و لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون٢ .

« و نورا لمن استضاء به » أفمن شرح اللَّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربِّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللَّه أولئك في ضلالٍ مبين٣ .

و لكونه نورا لمن استضاء به ، كان المنافقون في إظهارهم الإسلام و عدم التزامهم بمقتضاه كمن له نور ذهب به ، قال تعالى فيهم مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله ذهب اللَّه بنورهم و تركهم في ظلماتٍ لا يبصرون٤ .

« و فهما لمن عقل » فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت اللَّهِ التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللَّه ذلك الدين القيّم و لكن أكثر الناس لا يعلمون٥ .

« و لبا » و هو ما في القشر .

« لمن تدبر » فيه .

و من أحسن ديناً ممّن أسلم وجهه للَّه و هو محسن و اتبع ملّة إبراهيم حنيفاً .٦ .

« و آية » أي : علامة للَّه .

____________________

( ١ ) ال عمران : ١٩ ٢٠ .

( ٢ ) البقرة : ١١١ ١١٢ .

( ٣ ) الزمر : ٢٢ .

( ٤ ) البقرة : ١٧ .

( ٥ ) الروم : ٣٠ .

( ٦ ) النساء : ١٢٥ .

٣٤٣

« لمن توسّم » أي : تفرّس لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و اللَّه سميعٌ عليم١ .

قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللَّه و أخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين و اللَّه يؤيد بنصره من يشاء .٢ .

« و تبصرة لمن عزم » قد عرفت ان ( الكافي ) رواه ( و بصيرة لمن عزم ) و هو أصحّ فمن عزم على أمر لابد أن يكون على بصيرة منه ، و لا يلزم إذا كان هو على بصيرة تبصرة غير له .

« و عبرة لمن اتعظ » و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم و أيّدكم بنصره و رزقكم من الطيبات لعلّكم تشكرون٣ .

« و نجاة لمن صدق » . و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللَّه لكم آياته لعلّكم تهتدون٤ .

« و ثقة لمن توكل » في ( الكافي ) قال الحسن عليه السّلام لعبد اللَّه بن جعفر كيف يكون المؤمن مؤمنا و هو يسخط قسمته ، و يحقر منزلته ، و الحاكم عليه اللَّه ،

و أنا الضامن لمن لا يهجس في قلبه إلاّ الرضا ان يدعو اللَّه فيستجاب له .

« و راحة لمن فوّض » في ( الكافي ) عن أبي جعفر عليه السّلام ما يضر رجلا إذا كان على ذي الرأي ما قال الناس و لو قالوا مجنون و ما يضرّه ، و لو كان على رأس جبل يعبد اللَّه حتى يجيئه الموت .

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٥٦ .

( ٢ ) ال عمران : ١٣ .

( ٣ ) الانفال : ٢٦ .

( ٤ ) ال عمران : ١٠٣ .

٣٤٤

و عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قال تعالى لو لم يكن في الأرض إلاّ مؤمن واحد ،

لاستغنيت به عن جميع خلقي ، و لجعلت له من ايمانه انسا لا يحتاج إلى أحد .

« و جنة لمن صبر » في ( الكافي ) شكا رجل إلى أبي عبد اللَّه عليه السّلام الحاجة فقال : اصبر فان اللَّه سيجعل لك فرجا ، ثم مكث ساعة ، فأقبل على الرجل ، و قال :

اخبرني عن سجن الكوفة كيف هو ؟ فقال : ضيّق منتن و أهله بأشدّ حال قال فانما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة اما علمت ان الدنيا سجن المؤمن .

« فهو أبلج » أي : مشرق مضي‏ء قال : العجاج ، « حتى بدت أعناق صبح ابلجا » .

« المناهج » جمع المنهج ، أو المنهاج ، الطريق الواضح ، و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .١ .

« و أوضح الولائج » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( واضح الولائج ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و الولائج جمع الوليجة البطانة .

و لائجه مثل محمّد صلَّى اللَّه عليه و آله و علي عليه السّلام الرجل الأول و الثاني في العالم و فيهما قال تعالى : أفمن كان على بيّنة من ربه و يتلوه شاهد منه .٢ فقال عليه السّلام في المستفيض عنه النبي صلَّى اللَّه عليه و آله على بيّنة و أنا شاهد منه » .

« مشرف المنار » و المنارة ما يوضع فوقها السراج .

« مشرق الجوادّ » جمع الجادّة .

« و مضي‏ء المصابيح » جمع المصباح السراج .

« كريم المضمار » قال الجوهري تضمير الفرس أن يعلفه حتى يسمن ثم

____________________

( ١ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٢ ) هود : ١٧ .

٣٤٥

يردّه إلى القوت ، و ذلك في أربعين يوما و هذه المدّة تسمّى المضمار و الموضع الذي تضمر فيه الخيل أيضا مضماره .

« رفيع الغاية » المراد الغاية في المسابقة بقرينة قبله و بعده .

« جامع الحلبة » بسكون اللام في الأساس الحلبة مجال الخيل للسباق و الخيل التي تأتي من كل أوب .

« متنافس » أي : متراغب .

« السبقة » بالتحريك الخطر الذي يوضع بين أهل السباق .

ان اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللَّه فيَقتُلون و يُقْتلون وعداً عليه حقّاً في التوراة و الانجيل و القرآن و من أوفى بعهده من اللَّه فاستبشِروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم١ .

« شريف الفرسان » ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي اللَّه عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشى ربه٢ .

و ما أدريك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة أُولئك أصحاب الميمنة٣ .

« التصديق منهاجه » فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكّموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت و يسلّموا تسليما٤ .

____________________

( ١ ) التوبة : ١١١ .

( ٢ ) البينة : ٧ ٨ .

( ٣ ) البلد : ١١ ١٢ .

( ٤ ) النساء : ٦٥ .

٣٤٦

« و الصالحات مناره » . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحداً١ .

« و الموت غايته » و اعبد ربِّك حتى يأتيك اليقين٢ .

« و الدنيا مضماره » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و لتنظر نفس ما قدّمت لغدٍ .٣ . و تزوَّدوا فان خير الزاد التقوى و اتقون يا أولي الألباب٤ .

و انفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربِّ لو لا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين و لن يؤخر اللَّه نفساً إذا جاء أجلها و اللَّه خبير بما تعملون٥ .

« و القيامة حلبته » يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن .٦ و إن كُلُّ لَمّا جميعٌ لدينا مُحضَرون٧ .

« و الجنّة سبقته » و أما من خاف مقام ربه و نهىَ النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٨ .

إلاّ من تاب و آمن و عمل صالحاً فاولئك يدخلون الجنّة و لا يُظلَمون شيئاً جناتِ عدنٍ التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنّه كان وعده مأتيّا لا يسمعون فيها لغوا إلاّ سلاماً و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيّا تلك الجنّة التي

____________________

( ١ ) الكهف : ١١٠ .

( ٢ ) الحجر : ٩٩ .

( ٣ ) الحشر : ١٨ .

( ٤ ) البقرة : ١٩٧ .

( ٥ ) المنافقون : ١٠ ١١ .

( ٦ ) التغابن : ٩ .

( ٧ ) يس : ٣٢ .

( ٨ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

٣٤٧

نورث من عبادنا من كان تقيا١ .

قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو معرضون و الذين هم للزكاة فاعلون و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأُولئِك هم العادون و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم على صَلَواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون٢ .

أدخلوا الجنّة بما كنتم تعملون٣ ، ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٤ .

هذا و زاد في الكتب الأربعة بعدما مرّ « و النار نقمته » و فقرات أخرى كما مرّ و كان على المصنف نقلها لكمال مناسبتها .

٤

من الحكمة ( ٣٠ ) و سئل عليه السّلام عن الايمان فقال :

اَلْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى اَلصَّبْرِ وَ اَلْيَقِينِ وَ اَلْعَدْلِ وَ اَلْجِهَادِ وَ اَلصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلشَّوْقِ وَ اَلشَّفَقِ وَ اَلزُّهْدِ وَ اَلتَّرَقُّبِ فَمَنِ اِشْتَاقَ إِلَى اَلْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ اَلشَّهَوَاتِ وَ مَنْ أَشْفَقَ مِنَ اَلنَّارِ اِجْتَنَبَ اَلْمُحَرَّمَاتِ وَ مَنْ زَهِدَ فِي اَلدُّنْيَا اِسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ

____________________

( ١ ) مريم : ٦٠ ٦٣ .

( ٢ ) المؤمنون : ١ ١١ .

( ٣ ) النحل : ٣٢ .

( ٤ ) فصلت : ٣٠ .

٣٤٨

وَ مَنِ اِرْتَقَبَ اَلْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى اَلْخَيْرَاتِ وَ اَلْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ اَلْفِطْنَةِ وَ تَأَوُّلِ اَلْحِكْمَةِ وَ مَوْعِظَةِ اَلْعِبْرَةِ وَ سُنَّةِ اَلْأَوَّلِينَ فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي اَلْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ اَلْحِكْمَةُ وَ مَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ اَلْحِكْمَةُ عَرَفَ اَلْعِبْرَةَ وَ مَنْ عَرَفَ اَلْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى غَائِصِ اَلْفَهْمِ وَ غَوْرِ اَلْعِلْمِ وَ زُهْرَةِ اَلْحُكْمِ وَ رَسَاخَةِ اَلْحِلْمِ فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ اَلْعِلْمِ وَ مَنْ عَلِمَ غَوْرَ اَلْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ اَلْحُكْمِ وَ مَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَ عَاشَ فِي اَلنَّاسِ حَمِيداً وَ اَلْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلصِّدْقِ فِي اَلْمَوَاطِنِ وَ شَنَآنِ اَلْفَاسِقِينَ فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ نَهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ اَلْكَافِرِينَ وَ مَنْ صَدَقَ فِي اَلْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ وَ مَنْ شَنِئَ اَلْفَاسِقِينَ وَ غَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اَللَّهُ لَهُ وَ أَرْضَاهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أقول رواه ( الكافي ) و ( الاماليان ) ، و ( التحف ) أيضا بالسند المذكور في سابقه ، ففي ( الكافي ) بعد ما مر ( باب صفة الايمان ) بالاسناد الأول عن ابن محبوب ، عن يعقوب السراج عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الايمان مثله مع تغيير يسير و فيه ، ( و الاشفاق ) بدل ( و الشفق ) و فيه ( و معرفة العبرة ) بدل قوله ( و موعظة العبرة ) و فيه ( و من عرف العبرة عرف السنّة ، و من عرف السنّة فكأنما كان مع الأولين و اهتدى للتي هي أقوم ، و نظر إلى من نجا بما نجا ، و إلى من هلك بما هلك و انما أهلك اللَّه من أهلك بمعصيته ، و أنجا من أنجا بطاعته ) بدل قوله ، ( و من عرف العبرة فكأنما كان في الأولين ) و في ( الأمالي ) ( و من عرف العبرة عرف السنّة و من عرف السنّة فكأنما كان في الأولين ) و مثله ( التحف ) لكنّ فيه ( فكأنما عاش في الأولين ) .

٣٤٩

و كيف كان فزاد هذا على سابقه برواية ( الخصال ) له ، ( عن أبيه عن سعد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و أحمد بن فضال عن ابن اسباط ، عن الحسن ابن زيد عن محمد بن سالم عن سعد بن طريف عن الأصبغ عنه عليه السّلام و رواه ( تنبيه ) البكري عن ابن دريد عن محمد بن عثمان عن منجاب بن الحارث عن بشر بن عثمان عن محمد بن سوقة قال : سأل رجل عليّا عليه السّلام عن الايمان مع اختلاف يسير في آخره فقام الرجل فقبّل رأسه .

« الايمان على أربع دعائم » جمع دعامة عماد البيت .

« على الصبر » جعل الصبر الدعامة الأولى من الايمان لأنّه بمنزلة الرأس من الجسد .

« و اليقين » فعيل .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان العمل الدائم القليل على اليقين ، أفضل عند اللَّه من العمل الكثير على غير يقين .

و عنه عليه السّلام كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول لا يجد عبدٌ طعم الايمان ، حتى يعلم ان ما أصابه لم يكن ليخطيه ، و أن ما أخطاه لم يكن ليصيبه ، و ان الضار النافع هو اللَّه تعالى .

« و العدل » قال تعالى : . و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها و إذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى و بعهد اللَّه أوفوا ذلكم وصَّاكم به لعلَّكم تذكّرون و ان هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتقون١ .

« أعدلوا هو أقرب للتقوى » . فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى

____________________

( ١ ) الانعام : ١٥٢ ١٥٣ .

٣٥٠

و ثُلاث و رباعَ فان خفتم ألا تعدلوا فواحدةً .١ ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزَّل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و أَبشروا بالجنة التي كنتم توعدون٢ .

« و الجهاد » و جاهدوا في اللَّه حق جهاده .٣ .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان اللَّه تعالى بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين فأبوا ان يقبلوا حتى أمره بالقتال فالخير في السيف ، و تحت السيف ، و الأمر يعود كما بدأ .

و في ( الاسد ) عن عمرو بن واثلة ، ضحك النبي صلَّى اللَّه عليه و آله حتى استغرب فقال : أ لا تسألوني مم ضحكت ؟ فقالوا اللَّه و رسوله أعلم قال عجبت من قوم يقادون الجنّة بالسلاسل و هم يتقاعسون عنها ، قالوا و كيف ؟ قال أقوام من العجم سباهم المهاجرون يدخلونهم في الإسلام و هم كارهون .

« و الصبر منها على أربع شعب » جمع شعبة قال الجوهري الشعب الأغصان .

« على الشوق » قال الجوهري الشوق و الاشتياق نزاع النفس إلى الشي‏ء .

« و الشفق » قال الجوهري الشفقة و الشفق الاسم من الاشفاق قال « تهوى حياتي و أهوى موتها شفقا » .

« و الزهد » في ( الكافي ) عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لا يجد الرجل حلاوة الايمان في قلبه ، حتى لا يبالي من أكل الدنيا ثم قال عليه السّلام حرام على قلوبكم ان تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا .

____________________

( ١ ) النساء : ٣ .

( ٢ ) فصلت : ٣٠ .

( ٣ ) الحج : ٧٨ .

٣٥١

« و الترقب » قال الجوهري الترقب الانتظار .

« فمن اشتاق إلى الجنة ، سلا عن الشهوات » و يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق و بما كنتم تفسُقون١ .

« و من أشفق من النار أجتنب المحرّمات » و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٢ و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « حفّت الجنّة بالمكاره و حفّت النار بالشهوات » .

« و من زهد في الدنيا استهان بالمصيبات » في ( الكافي ) عن أبي بصير شكوت أبي عبد اللَّه عليه السّلام الوسواس ، فقال يا أبا محمد اذكر تقطّع أوصا لك في قبرك ، و رجوع أحبائك عنك ، إذا دفنوك في حفرتك و خروج بنات الماء من منخريك ، و أكل الدود لحمك فان ذلك يسلّي عنك ، قال فو اللَّه ما ذكرته إلاّ سلا عني .

« و من ارتقب الموت » « سارع إلى » كذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« الخيرات » ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون و الذين هم بأيات ربهم يؤمنون و الذين هم بربهم لا يشركون و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انّهم إلى ربّهم راجعون أولئك يسارعون في

____________________

( ١ ) الاحقاف : ٢٠ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

٣٥٢

الخيران و هم لها سابقون١ .

« و اليقين منها » أي : من دعائم الايمان الأربع .

« على أربع شعب » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال لأبي بصير ليس شي‏ء إلاّ و له حد ، فقال أبو بصير : فما حد التوكل ؟ قال عليه السّلام اليقين ، قال فما حد اليقين ؟ قال ألا تخاف مع اللَّه شيئا .

« على تبصرة الفطنة » الاضافة في التبصرة بمعنى ( في ) كما يشهد له قوله بعد ( فمن تبصّر في الفطنة ) .

قال تعالى : ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد٢ .

« و تأوّل الحكمة » أي : فهم مآلها ، قال الشاعر :

على انها كانت تؤوِّل حبها

تأوُّل ربعي السقاب فاصحبا

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام من صحّة يقين المرء المسلم ، ألا يرضي الناس بسخط اللَّه ، و لا يلومهم على ما لم يؤته اللَّه ، فان الرزق لا يسوقه حرص حريص ، و لا يرده كراهية كاره ، و لو أن أحدكم فرَّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه رزقه ، كما يدركه الموت .

« و موعظة العبرة » الاضافة في ( الموعظة ) بمعنى ( من ) أو ( في ) .

لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب .٣ . فأتاهم اللَّه من حيث لم يحتسبوا و قذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار٤ .

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٤٧ ٦١ .

( ٢ ) ق : ٣٧ .

( ٣ ) يوسف : ١١١ .

( ٤ ) الحشر : ٢ .

٣٥٣

قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل اللَّه و أُخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين و اللَّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار١ .

يقلّب اللَّه الليل و النهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار٢ فأخذه اللَّه نكال الاخرة و الأولى إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى٣ و أن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونها و لكم فيها منافع كثيرة و منها تأكلون٤ و إن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرثٍ و دمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشّاربين٥ .

« و سنّة الأولين » قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين٦ يريد اللَّه ليبيّن لكم و يهديكم سنن الذين من قبلكم و يتوب عليكم و اللَّه عليكم حكيم٧ .

و لا يحيق المكر السيِّى‏ء إلاّ بأهله فهل ينظرون إلاّ سُنَّتَ الأولين فلن تجد لِسُنَّتِ اللَّه تبديلاً و لن تجد نسلكُهُ اللَّه تحويلاً٨ .

فلم يكُ ينفعهم أيمانُهم لمّا رأوا بأسنا سُنَّتَ اللَّه الّتي قد خلقت في عباده و خسر هنالك الكافرون٩ .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٣ .

( ٢ ) النور : ٤٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٥ ٢٦ .

( ٤ ) المؤمنون : ٢١ .

( ٥ ) النحل : ٦٦ .

( ٦ ) آل عمران : ١٣٧ .

( ٧ ) النساء : ٢٦ .

( ٨ ) فاطر : ٤٣ .

( ٩ ) المؤمن : ٨٥ .

٣٥٤

ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودوا فقد مضت سُنَّتُ الأولين١ كذلك نَسلكُهُ في قلوب المجرمين لا يؤمنون به و قد خلت سنّة الأولين٢ .

و ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءَهم الهدى و يستغفروا ربّهم إلاّ أن تأتيهم سنّة الأولين أو يأتيهم العذاب قُبُلاً٣ .

« فمن تبصر » أي : صار ذا بصيرة .

« في الفطنة تبيّنت له الحكمة » قالوا : الحكمة العلم الذي يدفع الإنسان عن فعل القبيح مستعار من حكمة اللجام .

« و من عرف العبرة فكأنما كان في الأولين » قد عرفت ان ( الكافي ) نقله « و من عرف العبرة عرف السنّة و من عرف السنّة فكأنما كان في الأولين » الخ كما مرَّ .

« و العدل منها » أي : من تلك الدعائم .

« على أربع شعب » الأولى .

« على غائص الفهم » أي : فهم يغوص على الحقائق كمن يغوص على الدرّ ،

و اللؤلؤ و عرفت ان في ( الكافي ) و ( الأمالي ) ( على غامض الفهم ) .

« و غور العلم » أي : قعره .

« و زهرة الحكم » أي : بهجة الفقه و القضاء .

« و رساخة » أي : ثبوت .

« الحلم » .

____________________

( ١ ) الانفال : ٣٨ .

( ٢ ) الحجر : ١٢ ١٣ .

( ٣ ) الكهف : ٥٥ .

٣٥٥

و في ( الخصال ) و ( الأمالي ) و ( التحف ) و ( الكافي ) : ( و روضة الحلم ) و هو الأنسب بسابقه ، ( و زهرة الحكم ) .

« فمن فهم علم غور العلم » لأن شرط العلم الفهم .

« و من علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم » و الصدور عن شرائع الحكم كناية عن الإصابة في الحكم ، لأن الشرائع موارد استقاء الناس ، و الصدور عنها : الرجوع عنها .

« و من حلم لم يفرط » من الافراط تجاوز الحد لا التفريط كما في المرآة لعدم مناسبته مع الحلم .

« في أمره و عاش في الناس حميدا » في الخبر : إذا وقعت منازعة بين رجلين نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما : قلت و قلت و أنت أهل لمّا قلت و ستجزى بما قلت و يقولان للحليم : صبرت و حلمت سيغفر اللَّه لك ان أتممت ذلك .

« و الجهاد منها على أربع شعب ، على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر » في ( الكافي ) : كان أبو عبد اللَّه عليه السّلام إذا مرّ بجماعة يختصمون لا يجوزهم حتى يقول ثلاثا : اتقوا اللَّه ( يرفع بها صوته ) .

« و عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله : ان اللَّه تعالى ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له .

قيل من هو ؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر » .

و عن الصادق عليه السّلام : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خلقان من خلق ،

اللَّه فمن نصرهما أعزّه اللَّه و من خذلهما خذله اللَّه .

« و الصدق » في المواطن قولا و عملا ، خوفا و أمنا ، ليس البِرّ أن تُولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البِرّ من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة

٣٥٦

و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتّقون١ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : لمّا نزلت إنّ اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة٢ قام رجل و قال للنبي صلَّى اللَّه عليه و آله : الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلاّ أنّه يقترف من هذه المحارف أشهيد هو ؟ فأنزل تعالى : التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر و الحافظون لحدود اللَّه و بشّر المؤمنين٣ فبشر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم و حليتهم بالشهادة و الجنّة و قال : التائبون من الذنوب ، العابدون الذين لا يعبدون إلاّ اللَّه و لا يشركون به شيئا ، الحامدون الذين يحمدون اللَّه على كلّ حال في الشدّة و الرخاء ، السائحون و هم الصائمون ، و الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس ، الحافظون لها و المحافظون عليها بركوعها و سجودها و في الخشوع فيها ، و في أوقاتها ، الآمرون بالمعروف بعد ذلك و العاملون به ، الناهون عن المنكر و المنتهون عنه فبشّر من قتل و هو قائم بهذه الشروط بالشهادة و الجنّة .

« و شنآن » أي : بغض .

« الفاسقين » في ( الكافي ) عن الباقر صلَّى اللَّه عليه و آله أوحى تعالى إلى شعيب عليه السّلام أني معذِّب من قومك مائة ألف ، أربعين ألفا من شرارهم ،

و ستين ألفا من خيارهم ، فقال فما بال الأخيار قال : داهنوا أهل المعاصي

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٧ .

( ٢ ) التوبة : ١١١ .

( ٣ ) التوبة : ١١٢ .

٣٥٧

و لم يغضبوا لغضبي .

« فمن أمر بالمعروف شدّ » أي : أحكم .

« ظهور المؤمنين » قال تعالى : و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تَفي‏ء إلى أمر اللَّه .١ .

« و من نهى عن المنكر ارغم » أي : الصق بالرغام ، و هو التراب .

« أنوف الكافرين » هكذا في المصرية و الصواب : ( المنافقين ) كما في ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية .

محمّد رسول اللَّه و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم .٢ و قال عليه السّلام أمرنا النبي صلَّى اللَّه عليه و آله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة .

« و من صدق في المواطن قضى ما عليه » من التكليف و الوظائف الإلهية .

و ما أدريك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة .

فأما من أعطى و اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى٣ .

« و من شنى‏ء الفاسقين و غضب للَّه غضب اللَّه له ، و أرضاه يوم القيامة » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان اللَّه عز و جل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فوجدا رجلا يدعو اللَّه و يتضرّع ، فقال : أحدهما للآخر أما ترى هذا ؟

فقال بلى و لكن أمضي لمّا أمر به ربي و قال الآخر لكني أراجع ربي ، فعاد ، فقال

____________________

( ١ ) الحجرات : ٩ .

( ٢ ) الفتح : ٢٩ .

( ٣ ) البلد : ١٢ ١٨ .

٣٥٨

يا رب اني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ، و يتضرّع إليك ،

فقال له تعالى : أمض لمّا أمرت فإن ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا للَّه قط .

هذا و كما فصل عليه السّلام في هذا الكلام دعائم الايمان و شعب كلّ دعامة فصل عليه السّلام أرواح الايمان في كلام آخر .

ففي ( الكافي ) عن الأصبغ جاء رجل إليه عليه السّلام فقال ان ناسا زعموا أن العبد يزني و هو مؤمن و لا يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر و هو مؤمن ،

و لا يأكل الربا و هو مؤمن ، و لا يسفك الدم الحرام و هو مؤمن ، و قد ثقل هذا عليّ ، و حرج منه صدري حين أزعم ان هذا العبد يصلّي صلاتي ، و يدعو دعائي و يناكحني و أناكحه ، و يوارثني و أوارثه ، و قد خرج من الايمان من أجل ذنب يسير أصابه فقال عليه السّلام صدقت ، سمعت النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يقول : و الدليل عليه كتاب اللَّه خلق اللَّه الناس على ثلاث طبقات ، و أنزلهم ثلاث منازل و ذلك قوله تعالى : في الكتاب « أصحاب الميمنة ، و أصحاب المشأمة ، و السابقون » ، فاما ما ذكره من أمر السابقين ، فانهم أنبياء مرسلون و غير مرسلين ، جعل اللَّه فيهم خمسة أرواح ، روح القدس ، و روح الايمان ، و روح القوة ، و روح الشهوة ، و روح البدن ، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين و غير مرسلين و بها علموا أشياء و بروح الايمان عبدوا اللَّه و لم يشركوا به شيئا ، و بروح القوّة جاهدوا عدوّهم و عالجوا معاشهم ، و بروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ، و نكحوا الحلال من شباب النساء ، و بروح البدن ، دبوا و درجوا ، قال تعالى : تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم اللَّه ، و رفع بعضهم درجات ، و آتينا عيسى بن مريم البيّنات ، و أيدناه بروح القدس .١ ثم قال في جماعتهم . و أيدهم

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٥٣ .

٣٥٩

بروح منه .١ يقول أكرمهم بها ففضّلهم على من سواهم فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم ذكر أصحاب الميمنة و هم المؤمنون حقّا بأعيانهم ، جعل تعالى فيهم أربعة أرواح روح الايمان و روح القوّة ، و روح الشهوة ، و روح البدن ، فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى تأتي عليه حالات ، فقال الرجل ما هذه الحالات ؟ قال أما أولاهن فهو كما قال تعالى : . و منكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علمٍ شيئاً .٢ فهذا ينتقص منه جميع الأرواح ، و ليس بالذي يخرج من دين اللَّه لأن الفاعل به رده ، إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلاة وقتا و لا يستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار ، و لا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الايمان و ليس يضرّه شيئا و فيهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرّت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها و تبقى روح البدن فيه ، فهو يدبّ و يدرج حتى يأتيه ملك الموت ،

فهذا بحال خير لأن اللَّه تعالى هو الفاعل به ، و قد تأتي عليه حالات في قوته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فتشجّعه روح القوة و تزيّن له روح الشهوة ، و تقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فإذا لامسها نقص من الايمان و تقضى عنه ، و ليس يعود فيه حتى يتوب فإذا تاب تاب اللَّه عليه و ان عاد أدخله اللَّه نار جهنم فأما أصحاب المشأمة ، فهم اليهود و النصارى .

يقول اللَّه تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .٣ يعرفون محمدا صلَّى اللَّه عليه و آله و الولاية في التوراة ، و الانجيل ، كما يعرفون ابناءهم في منازلهم « و ان فريقا منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون

____________________

( ١ ) المجادلة : ٢٢ .

( ٢ ) النحل : ٧٠ .

( ٣ ) البقرة : ١٤٦ .

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

في نفس الأمر لأمر حقيقيّ حاصل فيه قبل الشرع حتّى يمكن للعقل إدراكه ، ويكون الشرع كاشفا عنه بل الشرع هو المثبت له والمبيّن ، فلا حسن للأفعال ولا قبح لها قبل ورود الشرع ، فلو عكس الشارع القضيّة فحسّن ما قبّحه ، وقبّح ما حسّنه ، لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر ، فصار القبيح حسنا والحسن قبيحا كما في النسخ من الحرمة إلى الوجوب ، ومن الوجوب إلى الحرمة ، فكلّ ما أمر به الشارع فهو حسن ، وكلّ ما نهى عنه مثلا فهو قبيح ، ولو لا الشرع لم يكن حسن ولا قبيح. وهو مختار الأشاعرة(١) كالشارح القوشجي ، كما صرّح به في شرح الكتاب(٢) ، وشارح « المقاصد » ؛ حيث قال : « فعندنا ذلك بمجرّد الشرع »(٣) وصاحب المواقف وشارحه ؛ حيث قالا : «( القبيح ) عندنا( ما نهي عنه شرعا ) نهي تحريم أو تنزيه( والحسن بخلافه ) ، أي ما لم ينه عنه شرعا كالواجب والمندوب والمباح ؛ لأنّ المباح عند أكثر أصحابنا من قبيل الحسن وكفعل الله تعالى ؛ فإنّه حسن أبدا بالاتّفاق.

وأمّا فعل البهائم ، فقد قيل : إنّه لا يوصف بحسن ولا قبح باتّفاق الخصوم ، وفعل الصبيّ مختلف فيه ( ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها ، وليس ذلك ) أي حسن الأشياء وقبحها ( عائدا إلى أمر حقيقيّ ) حاصل في الفعل قبل الشرع ( يكشف عنه الشرع ) كما يزعمه المعتزلة ( بل الشرع هو المثبت له والمبيّن ) فلا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشرع ( ولو عكس ) الشارع ( القضيّة فحسّن ما قبّحه وقبّح ما حسّنه لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر ) فصار القبيح حسنا ، والحسن قبيحا ، كما في النسخ من الحرمة إلى الوجوب ، ومن الوجوب إلى الحرمة » (٤) إلى غير ذلك من الكلمات.

__________________

(١) « المحصّل » : ٤٧٨ ـ ٤٨١ ؛ « المطالب العالية » ٣ : ٢٨٩ ـ ٣٥٨ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٩.

(٢) « شرح تجريد العقائد » : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٣) « شرح المقاصد » ٤ : ٢٨٢.

(٤) « شرح المواقف » ٨ : ١٨١ ـ ١٨٢.

٣٨١

والثمرة ـ مضافا إلى الثمرة العلميّة ـ تظهر في تصحيح العقيدة والحكم بجواز ارتكاب القبيحين ، بل وجوبه فيما لم يصل بالنسبة إليه الشريعة في جواز التكليف بما لا يطاق وعدم حكم قبل الشريعة وأمثال ذلك كثيرة.

والحقّ مع الإماميّة ؛ لبراهين عقليّة :

الأوّل : أنّ الفعل لو لم يكن له رجحان وجودا أو عدما بحسب الواقع وفي نفسه ، لكان الأمر به أو النهي عنه ترجيحا بلا مرجّح ؛ لاقتضاء الأمر جعل الوجود راجحا على العدم ، بل جعل فعل من الأفعال راجحا على غيره من غير مرجّح ، واقتضاء النهي جعل الترك راجحا كذلك ، وجعل أحد المتساويين راجحا من غير مرجّح قبيح بالبديهة وإن قلنا بجواز الترجيح بلا مرجّح ، بمعنى اختيار أحد المتساويين من غير مرجّح ، كما في قدحي عطشان ، ورغيفي جوعان ؛ حيث يختار أحدهما من غير مرجّح ولو من جهة عدم الالتفات.

وبعبارة أخرى يلزم من شرعيّة الحسن والقبح عدم الأمر والنهي ، ويلزم من عدمهما عدم شرعيّة الحسن والقبح ؛ لما لا يخفى ، وما يلزم من وجوده عدمه فهو باطل.

الثاني : ما أشار إليه المصنّف بقوله :( للعلم بحسن الإحسان وقبح الظلم من غير شرع ) بمعنى أنّ العلم بحسن الإحسان والعدل ، وقبح الإساءة والكذب والظلم كقتل النفس القدسيّة بلا جهة حاصل بالضرورة لكلّ عاقل من غير ملاحظة الشرع ؛ ولذلك يعترف بذلك منكر الشرائع كالدهريّ والزنديق أيضا ، فلو كان بحسب الشرع لما علم كذلك ، ومثل ذلك القطع بأنّه يقبح عند الله من العارف بذاته وصفاته أن يشرك وينسب إليه الزوجة والولد وما لا يليق به من صفات النقص وسمات الحدوث ، بمعنى أنّه يستحقّ الذمّ والعقاب في حكم الله تعالى سواء ورد الشرع ، أم لا.

وتوهّم أنّ كون قبح ذلك مركوزا في العقول من النقول يوهم كونه من مجرّد

٣٨٢

العقول غير معقول.

فإن قلت : نمنع جزم العقل بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه.

نعم ، جزم العقل بالحسن والقبح ـ بمعنى الملاءمة والمنافرة ، أو صفة الكمال والنقص ـ مسلّم وهو غير نافع.

قلت أوّلا : إنّ العقل يحكم بديهة بأنّ قاتل الأنبياء بغير حقّ وبلا جهة مستحقّ للذمّ ؛ لظلمه ، والمحسن يستحقّ المدح ؛ لإحسانه ، والمنع مكابرة صريحة عند الإنصاف.

وثانيا : إنّ المسلّم فيما نحن فيه مستلزم للمتنازع فيه حيث يكون بالاختيار.

فإن قلت : قولنا : « العدل حسن ، والظلم قبيح » عدّ عند الحكماء من مقبولات العامّة للمصلحة العامّة والمفسدة وهي مادّة القياس الجدليّ ، فدعوى الضرورة ـ المعتبرة في اليقينيّات التي هي مادّة البرهان ـ غير مسموعة ؛ لعدم دلالة اتّفاق العقلاء عليها.

قلت : ضروريّة الحكمين المذكورين وعدم توقّفهما على النظر والفكر ضروريّة على وجه يكون إنكاره مكابرة ، ومدخليّة المصالح والمفاسد فيهما غير قادحة لصدورهما من العقل النظريّ بإعانة العقل العمليّ المزاول للأعمال ، والمباشر للأفعال بملاحظة المصالح والمفاسد من غير توقّف على النظر ، وهذا كتوقّف سائر البديهيّات إلى أمور غير النظر كالمشاهدة والملاحظة ، بل هما صادران من العقل مع قطع النظر عن المصلحة والمفسدة ؛ ولهذا يصدران من غير العارف بالمصالح والمفاسد ، ومن الغافل.

وعدّ الحكماء لهما من المقبولات مجرّد تمثيل للمصلحة العامّة والمفسدة العامّة ، فلهما جهة ضروريّة وجهة مقبوليّة ، فهما من اليقينيّات من جهة ضروريّتهما وعدم احتياجهما إلى النظر ، ومن المقبولات من جهة قبول عموم العقلاء لهما من جهة ملاحظة المصلحة والمفسدة العامّتين ، فعلى هذا يصحّ ذكرهما في البرهانيّات والجدليّات باعتبارين.

٣٨٣

الثالث : أنّه لو لم يثبت الحسن والقبح إلاّ بالشرع ، لم يثبتا أصلا ؛ لأنّ العلم بحسن ما أمر به الشارع ، أو أخبر عن حسنه ، وبقبح ما نهى عنه ، أو أخبر عن قبحه يتوقّف على أنّ الكذب قبيح لا يصدر عنه ، وأنّ الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن سفه وعبث لا يليق به تعالى ، وذلك إمّا بالعقل والمفروض أنّه معزول لا حكم له ، وإمّا بالشرع فيدور. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله :( ولانتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا ).

فإن قلت : إنّ الدور إنّما يلزم إذا جعل الأمر والنهي دليلي الحسن والقبح ، ولكنّا لم نجعلهما دليلين لهما ، بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل متعلّق الأمر والمدح ، والقبح عبارة عن كون الفعل متعلّق النهي والذمّ.

قلت أوّلا : إنّه خلاف ما صرّح به شارح المقاصد(١) الذي هو من فحول الأشاعرة ، كما مرّ(٢) إليه الإشارة.

وثانيا : إنّ كون الفعل حسنا أو قبيحا ـ على تقدير كونهما شرعيّين ـ إنّما يعلم إذا كان الفعل متعلّق الأمر والنهي [ وكون الفعل متعلّق الأمر ](٣) .

الرابع : ما أشار إليه المصنّفرحمه‌الله أيضا بقوله :( ولجاز التعاكس ) بمعنى أنّه لو كان الحسن والقبح بالشرع لا بالعقل ، لجاز أن يعكس الشارع ، فيحسّن ما قبّحه ، ويقبّح ما حسّنه ، كما في النسخ ، فيلزم جواز حسن الإساءة وقبح الإحسان بالمعنى المتنازع فيه ، وذلك باطل بالضرورة.

الخامس : ما ذكره في شرح المقاصد من أنّه لو لم يكن وجوب النظر عقليّا لزم إفحام الأنبياء(٤) ، وأنّه لو لم يقبح من الله تعالى شيء لجاز إظهار المعجزة على يد

__________________

(١) « شرح المقاصد » ٤ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

(٢) مرّ في ص ٣٧٨.

(٣) كذا في النسخ.

(٤) هذا هو الدليل الرابع من أدلّة المعتزلة على كون الحسن والقبح عقليّين ، كما في « شرح المقاصد » ٤ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ وردّه التفتازانيّ في نفس الكتاب ٢ : ٢٩٣.

٣٨٤

الكاذب ، وفيه انسداد باب إثبات النبوّة(١) .

قال : والجواب أنّ الإمكان العقليّ لا ينافي الجزم بعدم الوقوع أصلا كسائر العاديّات(٢) .

وفيه الفرق بين الإمكان والقبح ، فهو ممكن لكنّه لم يقع ؛ لقبحه عقلا ولو بالاعتبار مضافا إلى الآيات والأخبار.

وتمسّك الأشاعرة بوجوه ذكرها في « شرح المقاصد »(٣) :

الأوّل : أنّه لو حسّن العقل أو قبّح ، لزم تعذيب تارك الواجب ومرتكب الحرام سواء ورد الشرع أم لا ـ بناء على أصلهم في وجوب تعذيب من استحقّه إذا مات غير تائب ـ واللازم باطل ، لقوله تعالى :( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (٤) .

الثاني : أنّه لو كان الحسن والقبح بالعقل ، لما كان من أفعال العباد حسنا ولا قبيحا عقلا ، واللازم باطل باعترافكم.

وجه اللزوم أنّ فعل العبد إمّا اضطراريّ وإمّا اتّفاقيّ ، ولا شيء منهما بحسن ولا قبيح عقلا.

أمّا الكبرى ، فبالاتّفاق. وأمّا الصغرى ، فلأنّ العبد إن لم يتمكّن من الترك فذاك ، وإن تمكّن فإن لم يتوقّف الفعل على مرجّح ، بل صدر منه تارة ولم يصدر أخرى ، كان اتّفاقيا ، على أنّه يفضي إلى الترجّح بلا مرجّح وفيه انسداد باب إثبات الصانع. وإن توقّف على مرجّح ، فذلك المرجّح إن كان من العبد ، ننقل الكلام إليه ويتسلسل ،

__________________

(١) وهذا أيضا الدليل السادس من أدلّة المعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » ٤ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، وقد نقضه التفتازانيّ في « شرح المقاصد » ١ : ٢٩٢.

(٢) هذا جواب التفتازانيّ عن الدليل الرابع للمعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » ٤ : ٢٩٣.

(٣) « شرح المقاصد » ٤ : ٢٨٤ ـ ٢٨٩.

(٤) الإسراء (١٧) : ١٥.

٣٨٥

وإن لم يكن ، فمعه إن لم يجب الفعل ـ بل صحّ الصدور واللاصدور ـ عاد الترديد ولزم المحذور. وإن وجب فالفعل اضطراريّ(١) ، أو العبد مجبور بناء على عدم كفاية الإرادة ولزوم الانتهاء إلى مرجّح لا يكون من العبد ، ويجب معه الفعل ، ويبطل استقلال العبد.

الثالث : أنّه لو كان قبح الكذب لذاته لما تخلّف عنه في شيء من الصور ضرورة ، واللازم باطل فيما إذا تعيّن الكذب لإنقاذ نبيّ من الهلاك ؛ فإنّه يجب قطعا ، فيحسن. وكذا كلّ فعل يجب تارة ويحرم أخرى كالقتل والضرب حدّا وظلما ، بناء على أنّ الكذب ـ مثلا ـ من جهة تعيّن سبب الإنجاء فيه يصير حسنا ؛ لأنّ الحسن هو الإنجاء.

الرابع : أنّه لو كان الحسن والقبح ذاتيّين لزم اجتماع المتنافيين في إخبار من قال : « لأكذبنّ غدا » لأنّه إمّا صادق ، فيلزم بصدقه حسنه ، ولاستلزامه الكذب في الغد قبحه ، وإمّا كاذب فيلزم لكذبه قبحه ، ولاستلزامه ترك الكذب في الغد حسنه ، فيلزم اجتماع الحسن والقبح بناء على أنّ ملزوم الحسن حسن ، وملزوم القبيح قبيح ، وأنّ كلّ حسن أو قبح ذاتيّ.

الخامس : أنّ الفعل لو كان حسنا أو قبيحا لذاته ، لزم قيام العرض بالعرض وهو باطل باعتراف الخصم.

وجه اللزوم أنّ حسن الفعل مثلا أمر زائد عليه ؛ لأنّه قد يعقل الفعل ولا يعقل حسنه أو قبحه ، ومع ذلك فهو وجوديّ غير قائم بنفسه ، فهو عرض صفة للفعل الذي هو أيضا عرض ، فيلزم قيام العرض بالعرض بناء على منع كونه كإمكان الفعل ، وأنّ الحسن الشرعيّ قديم متعلّق بالفعل لا صفة له حتّى يلزم النقض بلزوم قيام العرض بالعرض.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصحيح « والعبد » كما في « شرح المقاصد ».

٣٨٦

السادس : أنّه لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو لصفاته وجهاته ، لم يكن البارئ تعالى مختارا في الحكم ، واللازم باطل بالإجماع.

وجه اللزوم : أنّه لا بدّ في الفعل من حكم ، والحكم على خلاف ما هو المعقول قبيح لا يصحّ عن البارئ ، بل يتعيّن عليه الحكم بالمعقول الراجح بحيث لا يصحّ تركه ، وفيه نفي الاختيار ، الذي لا يجوز ولو كان لصارف(١) بناء على كون الحكم عندهم قديما متعلّقا بالأفعال غير مناف للاختيار.

السابع : أنّ قبح الفعل أو حسنه إذا كان صارفا عنه أو داعيا إليه كان سابقا عليه ، فيلزم قيام الموجود بالمعدوم بناء على منع كون الصارف والداعي هو العلم باتّصاف الفعل بالحسن والقبح عند الحصول.

والمصنّف ـرحمه‌الله ـ أشار إلى الجواب عن وجوه أخر من وجوه الأشاعرة بقوله :( ويجوز التفاوت في العلوم ؛ لتفاوت التصوّر ، وارتكاب أقلّ القبيحين مع عدم إمكان المخلص (٢) ، والجبر باطل ).

بيان ذلك : أنّ الأشاعرة قالوا : إنّ الحسن والقبح لو كانا عقليّين ، لما وقع التفاوت في العلوم ؛ لاتّحاد السبب والمدرك وهو العقل ، والتالي باطل بالضرورة.

والجواب : أنّه يجوز التفاوت في العلوم بسبب التفاوت في تصوّر أطرافها ، فما كان تصوّره نظريّا يكون نظريّا ، وما كان تصوّره بديهيّا أوّليّا يكون بديهيّا أوّليّا ، وما كان تصوّره حدسيّا يكون كذلك ، وهكذا سائر مراتب العلم من الضروريّات والنظريات المحتاجة إلى النظر.

وقالوا أيضا : إنّ الحسن والقبح لو كانا عقليّين ، لما اختلفا أي لما حسن القبيح ، ولما قبح الحسن ، والتالي باطل ؛ لأنّه يحسن تخليص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مثلا ـ من يد الظالم

__________________

(١) في « أ » : « الصارف ».

(٢) كذا في النسخ و « كشف المراد » وفي « تجريد الاعتقاد » : ١٩٧ و « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٣٩ : « التخلّص ».

٣٨٧

بالكذب المقتضي له ، فالكذب يصير حسنا ، كما أنّ الصدق المهلك قبيح(١) .

والجواب : أنّ الكذب في الصورة المذكورة قبيح في نفسه ، باق على قبحه ، وكذا الصدق حسن ، باق على حسنه إلاّ أنّ ترك إنجاء النبيّ أقبح ، فيصير الكذب الموجب للإنجاء من جهة اقتضائه دفع الأقبح حسنا بالعرض عند عدم إمكان التخلّص بغيره كالتعريض ، وكذا حكم الصدق ؛ فإنّه باق على حسنه إلاّ أنّه يصير قبيحا بالعرض عند عدم إمكان التخلّص عن الضرر إلاّ بتركه.

وقالوا أيضا : الجبر حقّ ، فينتفي الحسن والقبح العقليّان. وقد قرّر الشارح القوشجي هذا الوجه ، بأنّه لو كان الحسن والقبح بالعقل لما كان شيء من أفعال العباد حسنا ولا قبيحا عقلا ، واللازم باطل باعترافكم.

وجه اللزوم أنّ العبد مجبور في أفعاله ، ولا شيء من أفعال المجبور بحسن ولا قبيح عقلا.

أمّا الكبرى ، فبالاتّفاق. وأمّا الصغرى ، فلأنّ العبد إن لم يتمكّن من الترك فذاك ، وإن تمكّن فإن لم يتوقّف فعله على مرجّح ، بل صدر عنه تارة ولم يصدر أخرى بلا تجدّد أمر ، لزم الترجيح بلا مرجّح ، وانسدّ باب إثبات الصانع ، وإن توقّف ، فذلك المرجّح إن لم يجب معه الفعل ، بل يصحّ الصدور واللاصدور ، عاد الترديد ، وإن وجب فالفعل اضطراريّ والعبد مجبور(٢) .

والجواب : أنّ المرجّح هو الإرادة ؛ وصدور الفعل معها على سبيل الوجوب لا ينافي الاختيار ، فالجبر باطل كما سيأتي إن شاء الله ، فالصغرى المذكورة لإثبات الشرطيّة ممنوعة ، بل فاسدة ، فيكون الشرطيّة أيضا كذلك ، فلا يكون النتيجة صحيحة.

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » : ٣٣٩.

(٢) نفس المصدر.

٣٨٨

وأمّا الجواب عن سائر الوجوه ، فيظهر بالتأمّل.

ثمّ اعلم أنّ القائلين بأنّ الحسن والقبح عقليّان اختلفوا في أنّهما ذاتيّان مطلقا ـ بمعنى أنّ كلّ ذات فعل له حسن أو قبح في الواقع ونفس الأمر ، لا أنّ كلّ حسن أو قبح منسوب إلى الذات ؛ لأنّ الظاهر أنّ صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس كالصدق الضارّ والكذب النافع المنجي للنفس المحترمة من الهلاك ممّا لا ينكره أحد ـ أو بالوجوه والاعتبارات ، أو نحو ذلك مطلقا ، أو بالتفصيل على أقوال ، ونحن نكتفي في ذلك بذكر كلمات بعض المتكلّمين.

ففي المواقف وشرحه : « ( ثمّ إنّهم اختلفوا ، فذهب الأوائل منهم) إلى أنّ حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا بصفات(١) فيها تقتضيهما.

وذهب بعض من بعدهم من المتقدّمين ( إلى إثبات صفة ) حقيقيّة ( توجب ذلك مطلقا ) أي في الحسن والقبح جميعا ، فقالوا : ليس حسن الفعل أو قبحه لذاته كما ذهب إليه من تقدّمنا من أصحابنا ، بل لما فيه من صفة موجبة لأحدهما.

( و ) ذهب ( أبو الحسين من متأخّريهم إلى إثبات صفة في القبيح ) مقتضية لقبحه ( دون الحسن ) ؛ إذ لا حاجة به إلى صفة محسّنة له ، بل يكفيه لحسنه انتفاء الصفة المقبّحة.

( و ) ذهب ( الجبائيّ إلى نفيه ) أي نفي الوصف الحقيقيّ ( فيهما مطلقا ) فقال : ليس حسن الأفعال وقبحها بصفات حقيقيّة فيها ، بل بوجوه اعتباريّة وأوصاف إضافيّة تختلف بحسب الاعتبار ، كما في لطم اليتيم تأديبا وظلما »(٢) انتهى.

ومثله ذكر الشارح القوشجي في شرح الكتاب(٣) وكذا غيره.

والحاصل : أنّ الأقوال في المسألة خمسة :

__________________

(١) في المصدر : « لا لصفات ».

(٢) « شرح المواقف » ٨ : ١٨٤.

(٣) « شرح تجريد العقائد » : ٣٣٧ ـ ٣٣٩.

٣٨٩

الأوّل : أنّ الحسن والقبح ذاتيان بالمعنى المذكور كما عن القدماء.

الثاني : أنّهما لصفة لازمة لذات الشيء ، موجبة لهما.

الثالث : أنّهما بالوجوه والاعتبارات ؛ لترتّب مصلحة أو مفسدة ظاهرة أو كامنة ، ولكن حكم العقل مخصوص بالصورة الأولى.

الرابع : أنّ الحسن ذاتيّ ، والقبح لصفة مقبّحة كما عن أبي الحسين.

الخامس : أنّهما للقدر المشترك الأعمّ ، كما اختاره أستاذ الأستاذ(١) حاكيا عن غير المعتزلة ، وهو ظاهر المقدّس الأردبيليّ أيضا ؛ حيث قال : « ينبغي أن يختار أنّه قد يكون لذاته كما في الصدق والكذب ، وقد يكون لصفة ذاتيّة ، وقد يكون لوجوه واعتبارات كما في لطم اليتيم »(٢) . والحقّ هو الأوّل كما عن الأوائل(٣) .

ويشهد على كونهما ذاتيّين أنّ من استوى في تحصيل غرضه الصدق والكذب بحيث لا مرجّح أصلا ، ولا علم باستقرار الشرائع على تحسين الصدق وتقبيح الكذب ، فإنّه يؤثر الصدق قطعا ، ويترك الكذب حتما ، وما ذاك إلاّ لأنّ حسنه بالمعنى المتنازع فيه ذاتيّ ضروريّ عقليّ ، وكذا إنقاذ من أشرف على الهلاك حيث لا يتصوّر له نفع وغرض ولو كان مدحا وثناء.

وتوهّم أنّ إيثار الصدق لملاءمة الطبع والمصلحة العامّة ، وإنقاذ الهالك لرقّة الجنسيّة المجبولة في الطبيعة كأنّه يتصوّر لنفسه مثل تلك الحالة فيستحسنه من نفسه كما يستحسنه من غيره في حقّه فاسد ؛ لما لا يخفى.

فإن قلت : الذاتيّ لا يختلف ولا يتخلّف ، والحسن والقبح يختلفان ويتخلّفان

__________________

(١) اختاره الحكيم السبزواريّ حاكيا عن الشيخ البهائيّ في « زبدة الأصول » وحواشيها. راجع « شرح الأسماء » : ٣٢٢.

(٢) « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد » : ١٢٠.

(٣) « كشف المراد » : ٣٠٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٣٨ ؛ « شرح الأسماء » : ٣١٨ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٨٤.

٣٩٠

كما في الصدق الضارّ والكذب النافع الموجب لنجاة النفس المحترمة ، فلا يمكن كونهما ذاتيين.

قلت : عدم تخلّف الذاتيّ إنّما هو بحسب نفس الأمر ، فلا ينافي صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، فالأحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة كالوجوب والحرمة مترتّبة على الحسن والقبح الواقعيّين ـ ذاتيّين كانا أم عارضيّين لمصلحة بارزة أو كامنة ـ وتسمّى تلك الأحكام شرعيّة ؛ لكون الشرع كاشفا ، أو مؤكّدا لا جاعلا كما هو مذهب الأشاعرة ؛ حيث جعلوا العقل معزولا ، وجعلوا الشرع جاعلا في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة كالوضعيّة.

وكيف كان ، فبعد ثبوت كون حسن الأشياء وقبحها عقليّين ذاتيّين نقول : إنّ أفعال الله تعالى كلّها ـ حتّى التكليف ونحوه ـ حسنة بالحسن العقليّ الذاتيّ أو العارضيّ بسبب الوجوه والاعتبار ، وليس فيها قبح وغبار ، كما أشار إليه المصنّف بقوله :( واستغناؤه وعلمه يدلاّن على انتفاء القبح من أفعاله تعالى مع قدرته عليه ؛ لعموم النسبة ، ولا ينافي الامتناع اللاحق ).

بيان ذلك : أنّ الله تعالى عالم بالعلم الذاتيّ بجميع الأشياء التي منها حسن الأشياء وقبحها الواقعيّان كما تقدّم في بيان إثبات الصفات الثبوتيّة ، وهو الغنيّ المطلق كما مرّ في بيان التنزّه عن الصفات السلبيّة ، والعالم بقبح القبيح المستغني عنه لا يفعله ببديهة العقل ؛ لعدم الداعي إليه ووجود الصارف عنه ، مضافا إلى أنّه لو صدر عنه تعالى القبيح لزم ترجيح المرجوح ، فتجويز صدور القبيح عنه تعالى تجويز لكونه تعالى موردا للذمّ عقلا ، وهو ممتنع ضرورة ، فلا يكون خالقا للكفر والعصيان ، وإلاّ كان التعذيب عليهما قبيحا ، والقبيح لا يصدر عنه تعالى ، فيلزم أن لا يكون واقعا ، فيكون الإخبار بإيقاعه كذبا ، وهو محال عنه تعالى.

وبالجملة ، فهو تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، بل جميع أفعاله حسنة

٣٩١

بالحسن العامّ ؛ لأنّه عالم بالحسن ، وقادر على إيجاد الحسن من غير صارف ، فالداعي موجود ، والمانع مفقود ، فالأثر لازم ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة.

وقال الشارح القوشجي : « قد أجمعت الأمّة إجماعا مركّبا على أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب ، فالأشاعرة من جهة أنّه لا قبيح منه ، ولا واجب عليه ، ولا يتصوّر منه فعل قبيح ولا ترك واجب. وأمّا المعتزلة فمن جهة أنّ ما هو قبيح يتركه ، وما يجب عليه يفعل ، لأنّ الله تعالى مستغن عن غيره ـ قبيحا كان أو حسنا ـ وعالم بحسن الأعمال وقبحها ، وقد علم بالضرورة أنّ العالم بالقبيح ، المستغني عنه لا يصدر عنه »(١) .

وفيه أوّلا : أنّ الأشاعرة يقولون بقبح المعاصي شرعا ، ومع ذلك يقولون بأنّ الله تعالى يفعلها ويخلقها ؛ ولهذا قال العلاّمة في الشرح : « ونازع الأشعريّة في ذلك وأسندوا القبائح إليه تعالى »(٢) .

وقال الشارح القديم : « أمّا الأشاعرة ، فلأنّهم لمّا أسندوا جميع الممكنات الموجودة إلى الله تعالى ، جوّزوا صدور القبيح عنه »(٣) .

وثانيا : أنّ إطلاق الإجماع المركّب على ذلك الاتّفاق المدّعى ـ لو سلّم تحقّقه ـ خلاف مصطلح الأصوليّين ، كما لا يخفى.

وكيف كان ، فالقائلون بعدم صدور القبيح عن الله تعالى اختلفوا في أنّه تعالى قادر عليه ، أم لا؟ فالأكثر على أنّه تعالى قادر عليه. والنظّام ـ على ما حكي(٤) عنه ـ اختار أنّه تعالى لا يقدر على خلق القبيح. واختار المصنّف مذهب

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » : ٣٣٩.

(٢) « كشف المراد » : ٣٠٥.

(٣) الشرح القديم غير متوفّر لدينا.

(٤) حكي عنه في « المحصّل » : ٤١٨ ؛ « كشف المراد » : ٣٠٦ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٨ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٣٩ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٢١٣.

٣٩٢

الأكثر ؛ فإنّه الصحيح.

واحتجّ عليه بأنّ نسبة القدرة إلى جميع الممكنات على السواء ، والقبائح منها ، فيكون قادرا عليها.

واحتجّ النظّام بأنّ فعل القبيح محال ؛ لأنّه يدلّ على الجهل ، أو الحاجة ، وكلاهما محال ، وما يؤدّي إلى المحال محال ، والمحال غير مقدور(١) .

والجواب : أنّ الامتناع الوقوعيّ من جهة القبح لاحق للإمكان الأصليّ بالنظر إلى الحكمة ، فلا ينافي القدرة الذاتيّة ؛ فإنّ المحال الوقوعيّ مقدور ذاتيّ.

وصل

هذا الاعتقاد من أصول المذهب التي عليها بناء مذهب الاثني عشريّة ، فمن أنكره فهو خارج عن المذهب ، لا الدين ، كما لا يخفى.

المقام الثالث :

أنّ أفعال الله تعالى كلّها معلّلة بالأغراض والفائدة العائدة إلى العباد في الدنيا أو الآخرة.

اعلم : أنّ العلماء المتكلّمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين :

الأوّل : أنّه تعالى يفعل لغرض ولا يفعل شيئا لغير فائدة ، وهو مختار الإماميّة والمعتزلة(٢) .

الثاني : أنّه لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائيّة. وهو

__________________

(١) « المحصّل » : ٤١٨ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٨٨ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣٩٩.

(٢) « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ٨٩ ؛ « كشف المراد » : ٣٠٦ ؛ « مناهج اليقين » : ٢٤٦ ؛ « قواعد المرام » : ١١٠ ـ ١١١ ؛ « النافع ليوم الحشر » : ٢٩ ؛ « التعليقات » لابن سينا : ١٦ ـ ١٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ٢٥٩ ـ ٢٨٦.

٣٩٣

مذهب الأشاعرة(١) .

والحقّ هو الأوّل ، كما اختاره المصنّف ؛ حيث قال :( ونفي الغرض يستلزم العبث ) بمعنى أنّ الفعل الاختياريّ الصادر عن الفاعل المختار عند خلوّه عن الغرض عبث ، والعبث قبيح ، وصدور القبيح عن الله تعالى محال ، مع أنّ الفعل بلا غرض يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، وهو محال عليه تعالى ، فيكون فعله تعالى معلّلا بالغرض وهو الداعي المحرّك إلى ذلك الفعل كالمعرفة والطاعة والاستعداد لإفاضة فيض الآخرة ، الموجبة لحصول وصف الفيّاضيّة ؛ ولهذا يقال : إنّه تعالى غاية الغايات ، وغاية كلّ مقصود ، مع أنّه الأصل في الوجود.

وقيل : الغرض هو سوق الأشياء الناقصة إلى كمالاتها التي لا تحصل إلاّ بذلك السوق ، كما أنّ الجسم لا يمكن إيصاله من مكان إلى مكان إلاّ بتحريكه وهو الغرض من تحريكه.

وفيه : نظر ؛ فإنّ الإيصال أيضا لا بدّ له من غرض.

واحتجّ الأشاعرة بأنّ الفاعل لغرض مستكمل بذلك الغرض ، والمستكمل ناقص ، والله تعالى يستحيل عليه النقصان ؛ لوجوب وجوده المقتضي لكونه تماما ، بل فوق التمام.

بيان ذلك : أنّ الغرض لا يصلح أن يكون غرضا للفاعل إلاّ عند كون وجوده أصلح له من عدمه ؛ لأنّ ما استوى وجوده وعدمه بالنظر إلى الفاعل ، أو كان وجوده مرجوحا بالقياس إليه لا يكون باعثا على الفعل وسببا لإقدامه عليه بالضرورة ، فكلّ ما يكون غرضا يجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل ، وأليق به من عدمه ، وهو معنى الكمال ، فإذن يكون الفاعل كاملا بوجوده وناقصا بدونه ، وهو محال في حقّ الواجب بالذات.

__________________

(١) « المحصّل » : ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ؛ « الأربعين في أصول الدين » ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٢٠٢ ـ ٢٠٦ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٦ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٤٠.

٣٩٤

والجواب أوّلا : أنّ الأشاعرة ومن يحذو حذوهم قائلون بالقياس في الأحكام الشرعيّة ، والقياس فرع العلّة الباعثة والغرض الداعي للشارع على حكم الأصل ، المقيس عليه ، وإلاّ فلا يتصوّر التعدّي من المنطوق إلى المسكوت عنه ، فلا يتحقّق قياس ، فيلزم إمّا إنكار القياس ، أو نفي هذا الأصل المقتضي لعدم جواز كون الأفعال معلّلة.

وثانيا : ما أشار إليه المصنّف بقوله :( ولا يلزم عوده إليه تعالى ) بمعنى أنّ النقص والاستكمال إنّما يلزمان لو كان الغرض عائدا إليه تعالى. وأمّا إذا كان الغرض عائدا إلى غيره ـ وهو الخلق كما هو الحقّ ، ولهذا يقال : إنّه تعالى يخلق العالم لنفعهم(١) ـ فلا يكون مستكملا بذلك الفعل ، بل يكون مكمّلا ، ولكنّ المقصود الأصلي هو النفع الأخرويّ لا الدنيويّ ؛ لأنّه المشوب بالآلام ، أو دفع الآلام ، ولهذا لم يجعل لسيّد الأنام ، ولا لغيره من الأنبياء والأوصياء والأولياء العظام.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ المتبادر من الغرض ما كان عائدا إلى الفاعل ، فلا يكون الغرض العائد إلى المخلوق غرضا حقيقيّا ، فيكون عبارة عن المصالح والحكم التي هي عبارة عمّا يرجع إلى الغير فيكون حكيما ؛ لأنّ الحكيم من لا يفعل فعلا بلا حكمة ومصلحة ، ولا يصدر عنه العبث.

فإن قلت : نفع غيره إن كان أولى بالنسبة إليه تعالى من عدمه ، جاء الإلزام ، وإلاّ لم يصلح أن يكون غرضا ؛ لما مرّ من العلم الضروريّ بذلك.

قلت : إيصال النفع في مقام الفعل أولى من عدمه للمخلوق ، وتلك الأولويّة كافية في ترجيح الوجود على العدم ، مع أنّ الكمال يكون للفعل لا للذات ، فلا يلزم الاستكمال المحال ؛ ولهذا يحسّن فعل من فعل شيئا لنفع غيره من غير ملاحظة نفع

__________________

(١) نعم ما قيل بالفارسية :

من نكردم خلق تا سودى كنم

بلكه تا [ بر ] بندگان جودى كنم

( منهرحمه‌الله ).

راجع « مثنوي معنوى » : ٢٨١ ، الدفتر الثاني ، البيت ١٧٧٠.

٣٩٥

لنفسه أو عدمه له ، كمن نجّى من ألقي في النار ، أو خلّص المظلوم مثلا لمجرّد نفعه ، لا نفع نفسه ، بل مع عدم النفع له أصلا.

وأيضا إذا جاز الفعل بلا غرض جاز لغرض عائد إلى الغير بطريق أولى.

وقد يقال : إنّ ذات الواجب مرجّح لا الأولويّة ؛ لأنّه فيّاض مقتضى ذاته إفاضة الفيض.

نعم ، لو كان الفعل الصادر منه تعالى غير نافع للغير ، يلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّ ذاته ليس مقتضيا للفعل مطلقا ، بل ما ينفع الغير ، فلا مرجّح لما لا ينفعه فتكون ذاته محرّكا له في الفعل.

ولهذا يقال : إنّ ذاته علّة فاعليّة وغائيّة ؛ لأنّ العلّة الغائيّة ما كان محرّكا للفاعل على الفعل ، فإطلاق الغرض على الحكم والمصالح يكون من باب التشبيه ، بمعنى أنّها لو كانت في أفعالنا ، لكانت أغراضا ولو كانت نافعة للغير ؛ لأنّ إيصالنا النفع إلى غيرنا كمال لنا ، فيكون غرضا ، ولمّا لم يمكن حصول الكمال للواجب ، لا يكون غرضا ، بل شبيها به ، فظهر من هذا حسم مادّة شبهة الأشاعرة الموجبة لهم للقول بكون أفعاله تعالى غير معلّلة بالأغراض ، لا ممّا يقال : من أنّ مجرّد إيصال النفع إلى الغير ـ من غير أن يكون أولى بالنظر إلى الفاعل ـ يصحّ أن يكون مرجّحا ؛ لأنّ الإيصال واللاإيصال إذا تساويا بالنظر إلى الفاعل ، لا يمكن صدور الإيصال منه بلا رجحان ، والأولويّة إلى الغير لا يصحّ أن تكون مرجّحة لأحد المتساويين بالنظر إلى الفاعل ، ولهذا قال الحكماء ـ على ما حكي عنهم ـ : إنّه تعالى ليس فاعلها بالقصد ؛ لاقتضائه الأولويّة بالنظر إلى الفاعل المقتضية للاستكمال ، بل فاعل بالرضا.

ولعلّ مرادهم أنّ المقصود بالذات في فعله تعالى ذاته لا ما يشتمل عليه فعله كإيصال النفع إلى الغير. وأمّا الرضا بالذات ، فلا يلزم أن يتعلّق بالأولى ، بل يجوز أن يتعلّق بأحد المتساويين ، فلا يلزم كون المرضيّ راجحا بالنظر إلى الراضي ، بل يكفي رجحانه في نفس الأمر في الصدور ، فالفاعل بالرضا من كان ذاته مقتضيا للفعل

٣٩٦

المشتمل على الحكمة والمصلحة ، كما أنّ الفاعل بالطبع ـ الذي هو مقابله ـ ما كان ذاته مقتضيا لفعل لا يشتمل على المصلحة من حيث هو مقتضاه وإن اشتمل ذلك الفعل عليها من جهة كون سببه مقتضي ذات يلزم أن يكون في فعله مصلحة وهو الواجب ، فإحراق النار ليس فيه مصلحة من جهة كون النار مقتضية له وإن كان فيه مصلحة من جهة كون طبيعة النار من مقتضيات ذات الواجب المقتضية للأفعال المحكمة.

وأمّا وجه حسن التكليف وكونه معلّلا بالغرض العائد إلى العباد ، فهو أنّ التكليف ـ لغة ـ عبارة عن الحمل على الكلفة والمشقّة ، وشرعا عبارة عن دعوة إلهيّة للعباد إلى أمور شاقّة دعوة مشتملة على الوعد بالثواب الأخرويّ الذي هو إيصال النفع على وجه التعظيم ، والوعيد بالعقاب الأخرويّ الذي هو إيصال الضرر على وجه الإهانة ، وهو على قسمين :

أحدهما : عقليّ ، كحكم العقل بوجوب الواجبات العقليّة ، وحرمة المحظورات العقليّة ؛ لأنّ حكمه دعوة إلهيّة حاملها العقل ، كما أنّ الشرع دعوة إلهيّة حاملها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا يقال : إنّ العقل شرع من الداخل ، والشرع عقل من الخارج.

وثانيهما : التكليف شرعيّ ، كحكم الشرع بالواجبات الشرعيّة والمحرّمات الشرعيّة ، ولا شبهة في كون التكليف العقليّ حسنا بالحسن العقليّ بالمعنى الأخصّ ، وهو الذي لا يحتاج العقل في إدراك جهاته إلى الكشف من الشرع ويقابله الشرعيّ الذي يحتاج العقل في إدراك جهاته إليه ، وعند التجرّد عن القيدين يحصل العقليّ بالمعنى الأعمّ.

وأمّا التكليف الشرعيّ ، فاختلف فيه القائلون بالحسن والقبح العقليّين ـ المتّفقون في كونه حسنا عقليّا بالمعنى الأعمّ على ما حكي عنهم ـ فقال بعضهم : إنّه حسن عقليّ بالمعنى الأخصّ أيضا ، وأنكره آخرون(١) .

__________________

(١) « كشف المراد » : ٣١٩ ـ ٣٢١ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

٣٩٧

والحقّ أنّ العقل يدرك حسن التكاليف الشرعيّة بالنظر ، لا بالبديهة ، والدليل على حسنها أنّ النفس الناطقة ، لها قوّة عقليّة معدّة لتحصيل المعرفة واستحقاق القرب إلى ربّ العالمين ، وقوّة شهويّة يحفظ بها أمور نظام البدن التي يكون الغرض الأصليّ منها حفظ وجود الشخص والنوع. وأمّا سائر القوى ، فبعضها من أعوان الأولى ، وبعضها من أعوان الثانية ، وقد يصير الثانية أيضا بنوع من التدبير من أعوان الأولى من غير أن يحصل الضرر فيما هو الغرض منها ، وأقلّ مرتبة الإعانة أن لا تعارضها ولا تمنعها عمّا هو الغرض الأصليّ منها ، وقد يعكس الأمر ، فيبطل ما هو الغرض الأصليّ من إعطاء القوّة العقليّة ، بل ما هو الغرض من خلق الإنسان وإعطاء جميع القوى وهو استحقاق القرب إلى جوار ربّ العالمين ، فلا بدّ من التدبير المذكور ، وكيفيّة ضبط القوّة الشهويّة عن الميل إلى طرفي الإفراط والتفريط المؤدّي أوّلهما إلى فوات ما هو الغرض الأصليّ من العقليّة ، وثانيهما إلى فوت ما هو الغرض الأصليّ منها ، بل ما هو الغرض الأوّلي أيضا.

وذلك الضبط لا يمكن على وجه الكمال لأحد إلاّ بتعريف إلهي بالأمر والنهي اللذين يعبّر عنهما بالتكليف الشرعيّ ، فصدور التكليف عن الواجب تعالى حسن عقلا ؛ لاشتماله على فائدة عظيمة لا تحصل بدونه.

ويشترط فيه تقدّمه على زمان الفعل ليتهيّأ المكلّف له ، وإمكان ذلك الفعل ؛ لقبح التكليف بالمحال ، وعلم المكلّف بحسن الأفعال وقبحها ؛ لئلاّ يأمر بقبيح ، ولا ينهى عن حسن ، ويجزي على قدره ، ولا ينقص في الثواب ، ولا يزيد في العقاب ، وقدرة المكلّف على الفعل ، وإمكان تحصيل العلم بكيفيّته ؛ لقبح تكليف العاجز عن الفعل ، أو عن العلم بكيفيّته ، فلا بدّ من كون المكلّف عالما بقدرة المكلّف على الفعل وعلى تحصيل العلم بكيفيّته ؛ لئلاّ يصدر منه التكليف القبيح ، هذا كلّه مضافا إلى أنّ ما ذكر اجتهاد في مقابل النصّ من الكتاب والسّنّة الإسكاتيّة والسكوتيّة ،

٣٩٨

فقد قال الله تعالى :( ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) وقال الله تعالى :( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (٢) وقال تعالى :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (٣) وقال تعالى :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (٤) وقال تعالى :( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (٥) ( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (٦) .

وقال تعالى :( خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٧) .

وعن مولانا الحسين بن عليّعليهما‌السلام أنّه قال : « أيّها الناس! إنّ الله ـ جلّ ذكره ـ ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه » فقيل له : ما معرفة الله عزّ وجلّ؟ فقال : « معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم إطاعته »(٨) .

يعني أنّ معرفة الله لا تتمّ إلاّ بمعرفة إمام الزمان ، أو لا تنفع إلاّ بها ، ولا تحصل إلاّ بها ؛ لأنّه السبيل إلى الله تعالى.

وعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لإظهار قدرته ، وليكلّفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ، ولا ليدفع بهم مضرّة ، بل خلقهم لنفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد »(٩) .

__________________

(١) الذاريات (٥١) : ٥٦.

(٢) البقرة (٢) : ٢٩.

(٣) الأنبياء (٢١) : ١٦.

(٤) المؤمنون (٢٣) : ١١٥.

(٥) الأنبياء (٢١) : ١٦.

(٦) ص (٣٨) : ٢٨.

(٧) الجاثية (٤٥) : ٣٢.

(٨) « علل الشرائع » ١ : ٩ ، الباب ٩ ، ح ١.

(٩) نفس المصدر ، ح ٢.

٣٩٩

وعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « لم يجعل شيئا إلاّ لشيء »(١) .

وفي الحديث القدسيّ : « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف »(٢) .

وفي « البحار » في باب التوحيد عن المفضّل عن مولانا الصادقعليه‌السلام قالعليه‌السلام :

« نبتدئ يا مفضّل بذكر خلق الإنسان ، فاعتبر به فأوّل ذلك ما يدبّر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث : البطن وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ، ولا دفع أذى ، ولا استجلاب منفعة ، ولا دفع مضرّة ؛ فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاءه حتّى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه على مباشرة الهواء ، وبصره على ملاقاة الضياء ، هاج الطلق بأمّه فأزعجه أشدّ إزعاج وأعنفه حتّى يولد ، وإذا ولد صرف ذلك الدم ـ الذي كان يغذوه من دم أمّه ـ إلى ثدييها ، فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشدّ موافقة للمولود من الدم ، فيوافيه في وقت حاجته إليه ، فحين يولد قد تلمّظ وحرّك شفتيه طلبا للرضاع ، فهو يجد ثديي أمّه كالإدواتين المعلّقتين لحاجته ، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن ، رقيق الأمعاء ، ليّن الأعضاء حتّى إذا تحرّك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتدّ ويقوي بدنه ، طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه ويسهل له إساغته ، فلا يزال كذلك حتّى يدرك ، فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه ، فكان ذلك علامة الذكر وعزّ الرجل الذي يخرج به من حدّ الصبا وشبه النساء ، وإن كانت أنثى يبقى وجهها نقيّا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرّك الرجال ؛ لما فيه من دوام النسل وبقائه » إلى أن قال المفضّل : يا مولاي فقد رأيت من يبقى على حالته

__________________

(١) في المصدر : « لم يجعل شيء ».

(٢) « التجلّيات الإلهيّة » : ١٠٠ ؛ « فصوص الحكم » : ٢٠٣ ؛ « جامع الأسرار » : ١٠٢ ؛ « مصباح الأنس » : ١٦٤ ؛ « الأسفار الأربعة » ٢ : ٢٨٥.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607