بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113677 / تحميل: 3946
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

انك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين فلمّا جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الايمان ، و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح ، روح القوّة ، و روح الشهوة و روح البدن ، ثم أضافهم إلى الأنعام فقال ان هم إلاّ كالأنعام ، لأن الدابة انما تحمل بروح القوّة ، و تعتلف بروح الشهوة ، و تسير بروح البدن ، فقال السائل أحييت قلبي باذن اللَّه .

هذا و في ٢٦٦ باب الحكم « سأله رجل أن يعرفه ما الايمان فقال عليه السّلام : إذا كان الغد ، فأتني حتى أخبرك على اسماع الناس ، فان نسيت مقالتي حفظها عليك غيرك فان الكلام كالشاردة يثقفها هذا و يخطئها هذا و قد ذكرنا ما أجابه عليه السّلام به في ما تقدّم من هذا الباب و هو قوله عليه السّلام الايمان على أربع شعب » و قد شرحناه في فصل أجوبته التمثيلية و أدب السؤال .

٥

الحكمة ( ٢٢٧ ) و سئل عن الإيمان فقال عليه السّلام :

اَلْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ أقول رواه ( العيون ) باسانيد عنه عليه السّلام عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله .

روي عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن القرشي الحاكم عن أبي بكر محمّد بن خالد المطوعي البخاري عن أبي بكر بن أبي داود عن علي بن حرب الملائي عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليه السّلام عن آبائه واحدا بعد واحد عليهم السّلام عن علي عليه السّلام قال : قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله الايمان معرفة بالقلب ، و اقرار باللسان ، و عمل بالأركان .

و روي عن أبي أحمد محمد بن جعفر البندار بفرغانه ، عن أبي العباس محمد بن محمد بن جمهور الحمادي عن محمد بن عمر بن منصور البلخي

٣٦١

عن أبي يونس أحمد بن محمد الجمحي ، عن أبي الصلت مثله .

و روي عن سليمان بن أحمد اللخمي ، عن علي بن عبد العزيز و معاذ بن المثنى عن أبي الصلت مثله .

و روي عن حمزة بن محمد العلوي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه عن أبي الصلت مثله و قال : قال أبو حاتم : لو قرى‏ء هذا الاسناد على مجنون لبري‏ء .

و رواه الخطيب ، في ( تاريخ بغداد ) في عنوان محمد بن إسحاق بن محمد الهروي بأسانيده عن علي بن غراب و عن محمد بن سهل بن عامر البجلي عن الرضا عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام مثله .

و رواه الهلال بن المحسن الصابي في ( وزرائه ) عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن طاهر عن أبي الصلت عن الرضا عليه السّلام عن الكاظم عن الصادق عن الباقر عن السجاد عن السبط ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « الايمان عقد بالقلب ، و نطق باللسان ، و عمل بالأركان » و قال : ما هذا الاسناد ؟ فقال له ابن رشيد : هذا سعوط الشيلثا الذي إذا سعط به المجنون برى‏ء١ .

و بالجملة ، كلّ ما وقفت عليه في اسناده نسبه عليه السّلام إلى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله و في أوائل الجزء ١٦ من ( أمالي ) ابن الشيخ ، بعد روايته الحديث بطرق قال أبو المفضل ، و هذا حديث لم يحدث به عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إلاّ أمير المؤمنين عليه السّلام من رواية الرضا عن آبائه عليهم السّلام ، و على هذا القول أئمة أصحاب الحديث في ما أعلم و احتجوا بهذا الحديث ، على المرجئة ، و لم يحدّث به في ما أعلم ، إلاّ موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام ، و كنت لا أعلم ان أحدا رواه عن موسى بن جعفر عليه السّلام إلاّ ابنه الرضا عليه السّلام حتى حدثناه محمد بن علي بن معمر الكوفي ،

____________________

( ١ ) الوزراء لأبو الحسن الصابي ١٩٠ تحقيق عبد الستار أحمد فراج ، عيسى البابي ، ١٩٥٨ م .

٣٦٢

و ما كتبته إلاّ عنه ، عن عبد اللَّه بن سعيد البصري عن محمد بن صدقة و محمد بن تميم عن موسى بن جعفر عليه السّلام عن أبيه باسناده مثله سواء١ ، الخ فتراه صرّح بأنّه لم يروه عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إلاّ أمير المؤمنين عليه السّلام كما لم يروه عن أمير المؤمنين عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إلاّ الكاظم عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام ، و لم يروه عن الكاظم عليه السّلام إلاّ ابنه الرضا عليه السّلام في طرقه المروية و انما روى له ابن معمر طريقا آخر عن الكاظم عليه السّلام و كيف كان فروى أبو المفضل ، عن أبي حاتم ، قال أبو الصلت : لو قرى‏ء هذا الاسناد على مجنون لبرى‏ء باذن اللَّه ، و أن إسحاق بن راهويه قال لأبي الصلت أي اسناد هذا ؟ قال هذا سعوط المجانين هذا عطر الرجال ذوي الألباب و يصح نسبته إليه عليه السّلام لأن ما يقوله ، أوّل المعصومين عليه السّلام يقوله آخرهم ، و لأنّه عليه السّلام و النبي صلَّى اللَّه عليه و آله كنفس واحدة .

و قول المصنف ، و سئل عن الايمان فقال : هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

« و قال عليه السّلام و قد سئل عن الايمان » كما في ( ابن أبي الحديد و الخطيّة ) ،

قوله عليه السّلام .

« الايمان معرفة بالقلب » فما لم يكن معتقدا بالقلب ، لم يكن مؤمنا ، و لو أقرّ و عمل ، قال تعالى : و من الناس من يعبد اللَّه على حرفٍ فأن أصابه خير اطمأن به و أن أصابته فتنة انقلب على وجهه .٢ .

و في معارف ابن قتيبة كان أمية بن أبي الصلت قد قرأ الكتب ، و رغب عن عبادة الأوثان ، و كان يخبر بأن نبيّا يبعث قد أظل زمانه ، فلمّا سمع بخروج النبي صلَّى اللَّه عليه و آله كفر حسدا له ، و لمّا أنشد النبي صلَّى اللَّه عليه و آله شعره ، قال آمن لسانه و كفر قلبه .

____________________

( ١ ) أمالي الشيخ الطوسي ، حسن ابن الشيخ ٢ : ٦٣ ٦٤ مطبعة النعمان النجف .

( ٢ ) الحج : ١١ .

٣٦٣

هذا و في ( تاريخ بغداد ) ، قال عبّاد بن كثير قلت لأبي حنيفة رجل قال أعلم أن الكعبة حق و أنها بيت اللَّه ، و لكن لا أدري هي التي بمكة ، أو هي بخراسان ، أمؤمن هو ؟ قال نعم قلت له فما تقول في رجل قال أنا أعلم أن محمّدا رسول اللَّه ، و لكن لا أدري هو الذي كان بالمدينة ، و من قريش أو محمّد آخر ، أمؤمن هو ؟ قال نعم .

و فيه قال يحيى بن حمزة قال أبو حنيفة لو أن رجلا عبد هذه النعل يتقرّب بها إلى اللَّه لم أر بذلك بأسا .

و فيه ، قال القاسم بن حبيب ، وضعت نعلي في الحصى ، ثم قلت لأبي حنيفة أرأيت رجلا صلّى لهذه النعل حتى مات إلاّ انّه يعرف اللَّه بقلبه فقال مؤمن .

« و اقرار باللسان » فما لم يقرّ باللسان لم يكن مؤمنا و لو تيقن بالقلب قال تعالى و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً .١ .

و لمّا أراد النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قتل كعب بن أسيد في جملة بني قريظة ذكره قول حبر لهم بكونه نبيّا فقال له كعب : لو لا ان اليهود تعيّرني اني خشيت عند القتل لامنت بك ، و صدقتك و لكني على دين اليهود عليه أحيى و عليه أموت .

« و عمل بالأركان » فما لم يكن عمل ، لم يكن ايمان و لو كان مقرّا باللسان و معتقدا بالجنان .

قال تعالى انما المؤمنون الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم أيمانا و على ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقّاً .٢ و قال : . فان تابوا

____________________

( ١ ) النمل : ١٤ .

( ٢ ) الانفال : ٢ ٤ .

٣٦٤

و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فاخوانكم في الدين .١ و قال . و للَّه على الناس حجّ البيت من استطاع سبيلا و من كفر فان اللَّه غني عن العالمين٢ .

و روى الكراجكي في تفضيله مسندا عن جابر الأنصاري قال لمّا فرغ النبي صلَّى اللَّه عليه و آله من هوازن نزل بالطائف فتحصن أهله أياما فسأله القوم أن يفرج عنهم ليقدم و فدهم فيشترط و يشترطون لأنفسهم ، فسار حتى نزل مكة فقدم عليه نفر منهم باسلام قومهم و لم ينجع له القوم ، بالصلاة و لا بالزكاة فقال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لا خير في دين لا ركوع فيه ، و لا سجود ، اما و الذي نفسي بيده ليقيمنّ الصلاة ، و ليؤتنّ الزكاة أو لأبعثن إليهم رجلا هو مني كنفسي فليضربن أعناق مقاتليهم ، و ليسبين ذراريهم ، هو هذا هو هذا ، ثم أخذ بيد علي عليه السّلام فأشالها٣ .

و في أسباب نزول الواحدي عن ابن عباس بلغنا و اللَّه أعلم ان آية يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللَّه و رسوله .٤ نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف ، و في بني المغيرة بن مخزوم كان بنو المغيرة يربون لثقيف ، فلمّا أظهر اللَّه تعالى رسوله على مكة ، وضع يومئذ الربا كلّه ، فأتى بنو عمرو ، و بنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد و هو على مكة فقال بنو المغيرة : جعلنا أشقى الناس بالربا ، وضع عن الناس غيرنا فقال بنو عمرو صولحنا على ان لنا ربانا فكتب عتاب في ذلك إلى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فنزلت الآية ، فعرف بنو عمرو ان لا يدان لهم بحرب من اللَّه و رسوله .

____________________

( ١ ) التوبة : ١١ .

( ٢ ) آل عمران : ٩٧ .

( ٣ ) الكرجكي ، التفضيل : ٦ نشر جلال الدين ، طهران ١٣٢٩ ه .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٨ ٢٧٩ .

٣٦٥

هذا و في ( تاريخ بغداد ) ، قال شريك كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب اللَّه تعالى قال عز و جل . و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيامة١ و زعم أبو حنيفة ان الصلاة ليست من دين اللَّه .

هذا و أما ما رواه ( العيون ) باسناده ، ( عن محمد بن عبد اللَّه بن طاهر ، قال كنت واقفا على رأس أبي ، و عنده أبو الصلت الهروي ، و إسحاق بن راهويه ،

و أحمد بن محمد بن حنبل فقال أبي ليحدّثني كلّ واحد منكم بحديث فقال أبو الصلت الهروي حدّثني علي بن موسى الرضا عليه السّلام و كان و اللَّه رضى كما سمّي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السّلام ، قال : قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله : « الايمان قول و عمل » فلمّا خرجنا ، قال ابن حنبل ما هذا الاسناد فقال له أبي هذا سعوط المجانين ، إذا سعط به المجنون أفاق ) فلا ينافي العنوان لأن الغالب ان القول و العمل ، لا يكونان إلاّ عن معرفة بالقلب .

هذا و في ( الكافي ) عن الصادق ان بني أمية اطلقوا للناس تعليم الايمان و لم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم على الكفر لم يعرفوه .

و فيه عن سليم بن قيس قال سمعت عليّا عليه السّلام يقول و قال له رجل ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا ؟ و أدنى ما يكون به كافرا ؟ و أدنى ما يكون به ضالاّ ؟ قال سألت فافهم الجواب أما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرّفه اللَّه تعالى نفسه فيقرّ له بالطاعة و يعرّفه نبيّه فيقرّ له بالطاعة و يعرّفه امامه و حجّته في أرضه و شاهده على خلقه ، فيقرّ له بالطاعة ، فقال و ان جهل جميع الأشياء إلاّ ما وصفت ، قال نعم ، إذا أمر أطاع ، و إذا نهى انتهى و أدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم ان شيئا نهى اللَّه تعالى عنه انّه تعالى أمر به ، و نصبه

____________________

( ١ ) البينة : ٥ .

٣٦٦

دينا يتولى عليه و يزعم انّه يعبد الذي أمره به و انما يعبد الشيطان و أدنى ما يكون به العبد ضالا ، ألا يعرف حجّة اللَّه و شاهده على عباده الذي أمر اللَّه بطاعته و فرض ولايته ، فقال صفهم لي ، فقال عليه السّلام الذين قرنهم اللَّه بنفسه و نبيّه ، فقال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم .١ فقال : جعلت فداك أوضح لي فقال : الذين قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في آخر خطبته يوم قبضه اللَّه تعالى إليه اني قد تركت فيكم أمرين ، لن تضلوا بعدي ما ان تمسكتم بهما ، كتاب اللَّه تعالى و عترتي أهل بيتي فان اللطيف الخبير أخبر انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض الخبر .

٦

من غريب كلامه ( ٥ ) و من حديثه عليه السّلام :

إِنَّ اَلْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي اَلْقَلْبِ كُلَّمَا اِزْدَادَ اَلْإِيمَانُ اِزْدَادَتِ اَللُّمْظَةُ « ان الايمان يبدو لمظة » أي : يسيرا ، يقال ( عنده لمظة من سمن ) أي يسير تأخذه باصبعك كالجوزة .

« في القلب كلما ازداد الايمان ازدادت اللمظة » في ( الكافي ) عن أبي عمرو الزبيري قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام أي الأعمال أفضل عند اللَّه ، قال ما لا يقبل اللَّه شيئا إلاّ به ، الايمان أعلى الأعمال درجة ، و اشرفها منزلة و أسنادها حظّا .

قلت أقول و عمل أم قول بلا عمل ؟ فقال الايمان عمل كلّه ، و القول بعض ذلك العمل يشهد له به الكتاب ، قلت صفه لي قال الايمان حالات و درجات ،

و طبقات و منازل ، فمنه التام المنتهى تمامه ، و منه الناقص البيّن نقصانه ، و منه الراجح الزائد رجحانه قلت ان الايمان ليتم و ينقص و يزيد ، قال نعم قلت كيف

____________________

( ١ ) النساء : ٥٩ .

٣٦٧

ذاك ؟ قال لأن اللَّه تعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم ، و قسّمه عليها و فرّقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلاّ و قد وكلت من الايمان به ، غير ما وكلت به اختها ، فمنها قلبه الذي به يعقل ، و يفقه و هو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح و لا تصدر إلاّ عن رأيه .

و منها عيناه اللتان يبصر بهما ، و اذناه اللتان يسمع بهما ، و يداه اللتان يبطش بهما ، و رجلاه اللتان يمشي بهما ، و فرجه الذي الباه من قبله ، و لسانه الذي ينطق به ، و رأسه الذي فيه وجهه ، فليس من هذه جارحة إلاّ و قد وكلت من الايمان به غير ما وكلت به اختها ، بفرض من اللَّه ، ففرض على القلب غير ما فرض على السمع و فرض على السمع غير ما فرض على العينين ، و فرض على العينين غير ما فرض على اللسان ، و فرض على اللسان غير ما فرض على اليدين ، و فرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين ، و فرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج ، و فرض على الفرج غير ما فرض على الوجه ، فاما ما فرض على القلب ، فالاقرار و المعرفة و العقل و الرضا و التسليم بأن لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له الها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و ان محمدا عبده و رسوله و الاقرار بما جاء به من عند اللَّه من نبي و كتاب ، فذلك ما فرض اللَّه على القلب و هو عمله و هو قوله تعالى :

إلاّ من أكره و قلبه مطمئن بالايمان و لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللَّه و لهم عذاب عظيم١ و قال . ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب٢ و قال . من الذين قالوا آمنا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم٣

____________________

( ١ ) النحل : ١٠٦ .

( ٢ ) الرعد : ٢٨ .

( ٣ ) المائدة : ٤١ .

٣٦٨

و قال : . ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللَّه فيغفر لمن يشاء و يعذِّب من يشاء .١ و عمله رأس الايمان و فرض اللَّه على اللسان القول و التعبير عن القلب بما عقد عليه و أقرّ به قال تعالى : . و قولوا للناس حسناً٢ و قال : . و قولوا آمنا بالّذي أُنزل إلينا و أُنزل إليكم و الهنا و الهكم واحد و نحن له مسلمون٣ و فرض اللَّه على السمع ، أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم اللَّه ، و ان يعرض عمّا لا يحل له ممّا نهى اللَّه تعالى عنه و الاصغاء إلى ما أسخط اللَّه تعالى فقال : و قد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم آيات اللَّه يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره .٤ ثم استثنى تعالى مواضع النسيان فقال : . و إما ينسينَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين٥ و قال : . فبشر عِبادِ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه أُولئك الذين هداهم اللَّه و أُولئك هم أولوا الألباب٦ و قال : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو معرضون٧ و قال : . و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه .٨ و قال : . و إذا مروا باللغو مرّوا كراماً٩ و فرض على البصر ، أن لا ينظر إلى ما حرّم اللَّه عليه ، و ان يعرض عمّا نهى اللَّه عنه ممّا لا يحل له ، فقال

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٨٤ .

( ٢ ) البقرة : ٨٣ .

( ٣ ) العنكبوت : ٤٦ .

( ٤ ) النساء : ١٤٠ .

( ٥ ) الانعام : ٦٨ .

( ٦ ) الزمر : ١٧ ١٨ .

( ٧ ) المؤمنون : ١ ٣ .

( ٨ ) القصص : ٥٥ .

( ٩ ) الفرقان : ٧٢ .

٣٦٩

تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم .١ فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم ، و ان ينظر المرء إلى فرج أخيه و يحفظ فرجه ، ان ينظر إليه ، و قال : و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ، و يحفظن فروجهن .٢ من أن تنظر احداهن إلى فرج اختها و تحفظ فرجها ، من أن ينظر إليه و كل شي‏ء جاء في القرآن في حفظ الفرج فهو التحفظ من الزنا إلاّ هذه الآية فانّها من النظر ثم نظم تعالى ما فرض في آية أخرى فقال و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم .٣ يعني بالجلود ، الفروج و الأفخاذ ، و قال : و لا تقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا .٤ هذا ما فرض اللَّه على العينين من عملهما من الايمان و فرض على اليدين ألا يبطش بهما إلاّ إلى ما أمر اللَّه تعالى به ، و فرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم ، و الجهاد في سبيل اللَّه ، و الطهور للصلاة كما في آية الوضوء و قال : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدّوا الوثاق فاما منا بعد و اما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .٥ و قال في الرجلين : و لا تمش في الأرض مرحاً انك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا٦ و قال : و اقصد في مشيك و اغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير٧ و قال في ما

____________________

( ١ ) النور : ٣٠ .

( ٢ ) النور : ٣١ .

( ٣ ) فصلت : ٢٢ .

( ٤ ) الإسراء : ٣٦ .

( ٥ ) محمد : ٤ .

( ٦ ) الاسراء : ٣٧ .

( ٧ ) لقمان : ١٩ .

٣٧٠

شهدت الأيدي و الأرجل على تضييعهما ، اليوم نختم على أفواههم و تكلّمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون١ و فرض على الوجه السجود له سبحانه ، فقال : يا أيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربّكم و افعلوا الخير لعلّكم تفلحون٢ .

و قال : و ان المساجد للَّه فلا تدعوا مع اللَّه أحداً٣ .

و لمّا صرف تعالى نبيه عن بيت المقدس إلى الكعبة أنزل الآية . و ما كان اللَّه ليضيع ايمانكم .٤ فسمّى الصلاة ايمانا فمن لقى اللَّه تعالى حافظا لجوارحه ، موفيا كلما فرض اللَّه تعالى عليها لقي اللَّه تعالى مستكملا لايمانه ،

و هو من أهل الجنة ، و من خان في شي‏ء منها أو تعدّى ما أمر اللَّه تعالى به لقى اللَّه ناقص الايمان .

قلت قد فهمت نقصان الايمان و تمامه فمن أين جاءت زيادته ؟ قال قوله تعالى و إذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه ايماناً فاما الذين آمنوا فزادتهم ايماناً و هم يستبشرون و اما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم .٥ .

و قال : نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدىً٦ و لو كان الايمان كلّه واحدا لا زيادة فيه و لا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ، و لكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنّة ، و بالزيادة

____________________

( ١ ) يس : ٦٥ .

( ٢ ) الحج : ٧٧ .

( ٣ ) الجن : ١٨ .

( ٤ ) البقرة : ١٤٣ .

( ٥ ) التوبة : ١٢٤ ١٢٥ .

( ٦ ) الكهف : ١٣ .

٣٧١

في الايمان يتفاضل المؤمنون بالدرجات عند اللَّه ، و بالنقصان دخل المفرطون النار .

هذا و في تاريخ بغداد ، قال : شريك كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب اللَّه احداهما . ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم .١ و زعم أبو حنيفة ان الايمان لا يزيد و لا ينقص ، و قال الفزاري قال أبو حنيفة ايمان آدم ، و ايمان ابليس واحد ،

قال ابليس : . ربِّ بما أغويتني .٢ رب فأنظرني إلى يوم يبعثون٣ ،

و قال آدم : . ربنا ظلمنا أنفسنا .٤ .

و فيه ، قال القاسم بن عثمان مر أبو حنيفة بسكران يبول قائما ، فقال له أبو حنيفة : لو بلت جالسا فنظر في وجه أبي حنيفة و قال ألا تمر يا مرجى‏ء فقال له أبو حنيفة هذا جزائي منك ، صيّرت ايمانك كايمان جبرئيل .

قول المصنف « و اللّمظة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( اللّمظة ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) و كذا ( ابن أبي الحديد ) .

و اللّمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض ، و اما اللماظة فما يبقى في الفم من الطعام .

و منه قيل ( فرس المظ ) إذا كان بجحفلته ( أي : شفته قالوا الجحفلة للخيل و البغال كالشفة للإنسان ) .

شي‏ء من البياض و قال في ( الجمهرة ) ، و أكثر ما يستعمل إذا كان البياض في جحفلته السفلى ، فإذا كان في العليا فالفرس أرثم .

هذا و في ( العقد ) ، كان خالد بن صفوان يقول ما في قلب بلال بن أبي

____________________

( ١ ) الفتح : ٤ .

( ٢ ) الحجر : ٣٩ .

( ٣ ) الحجر : ٣٦ .

( ٤ ) الاعراف : ٢٣ .

٣٧٢

بردة بن أبي موسى من الايمان إلاّ ما في بيت أبي الزرد الحنفي من الجوهر أبو الزرد : رجل مفلس .

٧

من الخطبة ( ١٩٣ ) من خطبة له عليه السّلام (( في فضل الاسلام )) :

ثُمَّ إِنَّ هَذَا اَلْإِسْلاَمَ دِينُ اَللَّهِ اَلَّذِي اِصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَ اِصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ وَ أَصْفَاهُ خِيَرَةَ خَلْقِهِ وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ أَذَلَّ اَلْأَدْيَانَ بِعِزَّتِهِ وَ وَضَعَ اَلْمِلَلَ بِرَفْعِهِ وَ أَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ وَ خَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ وَ هَدَمَ أَرْكَانَ اَلضَّلاَلَةِ بِرُكْنِهِ وَ سَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِهِ وَ أَتْأَقَ اَلْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ لاَ اِنْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ وَ لاَ فَكَّ لِحَلْقَتِهِ وَ لاَ اِنْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ وَ لاَ زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ وَ لاَ اِنْقِلاَعَ لِشَجَرَتِهِ وَ لاَ اِنْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ وَ لاَ عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ وَ لاَ جَذَّ لِفُرُوعِهِ وَ لاَ ضَنْكَ لِطُرُقِهِ وَ لاَ وُعُوثَةَ لِسُهُولَتِهِ وَ لاَ سَوَادَ لِوَضَحِهِ وَ لاَ عِوَجَ لاِنْتِصَابِهِ وَ لاَ عَصَلَ فِي عُودِهِ وَ لاَ وَعَثَ لِفَجِّهِ وَ لاَ اِنْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِهِ وَ لاَ مَرَارَةَ لِحَلاَوَتِهِ فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي اَلْحَقِّ أَسْنَاخَهَا وَ ثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا وَ يَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا وَ مَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا وَ مَنَارٌ اِقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا وَ أَعْلاَمٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا وَ مَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا جَعَلَ اَللَّهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ وَ ذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ وَ سَنَامَ طَاعَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ وَثِيقُ اَلْأَرْكَانِ رَفِيعُ اَلْبُنْيَانِ مُنِيرُ اَلْبُرْهَانِ مُضِي‏ءُ اَلنِّيرَانِ عَزِيزُ اَلسُّلْطَانِ مُشْرِفُ اَلْمَنَارِ مُعْوِذُ اَلْمَثَارِ فَشَرِّفُوهُ وَ اِتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ مَوَاضِيعَهُ « ثم ان هذا الاسلام دين اللّه الذي اصطفاه لنفسه » استدل له بقوله تعالى

٣٧٣

ان الدين عند اللَّه الاسلام .١ و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين٢ و معنى اصطفاء اللَّه له لنفسه ، اختياره له ليدين عباده به فهو في الحقيقة ، اصطفاه لعباده قال يعقوب لبنيه . يا بني ان اللَّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون٣ .

« و اصطنعه على عينه » الأصل فيه قوله تعالى : . و لتصنع على عيني٤ قال في التبيان : و تقديره انا أراك ، يجري أمرك على ما أريد بك ، من الرفاهية في غذائك .

« و اصفاه » أي : آثر به ، و اخلص .

« خيرة خلقه » من الأولين و الآخرين ، نبينا خاتم النبيين .

روى ( الاكمال ) عن أبان الاحمر عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال لمّا دعا النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بكعب بن أسد ليضرب عنقه في بني قريظة نظر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إليه و قال له يا كعب اما نفعك وصيّة ابن حواش الحبر الذي أقبل من الشام فقال تركت الخمر و الخمير ، و حبئت إلى البؤس و التمور ، لنبي يبعث هذا أو ان خروجه ، يكون مخرجه بمكة ، و هذه دار هجرته ، و هو الضحوك القتال يجتزي بالكسرة و التمرات و يركب الحمار العاري في عينيه حمرة ،

و بين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي بمن لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر قال كعب قد كان ذلك يا محمد ، و لو لا ان اليهود تعيّرني اني خشيت عند القتل لآمنت بك . .

« و أقام دعائمه على محبّته » جمع الدعامة عماد البيت .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٩ .

( ٢ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٣ ) البقرة : ١٣٢ .

( ٤ ) طه : ٣٩ .

٣٧٤

و اعلموا ان فيكم رسول اللَّه لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم و لكن اللَّه حبّب إليكم الايمان و زيّنه في قلوبكم و كره إليكم الكفر و الفسوق و العصيان .١ .

و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما الفت بين قلوبهم و لكن اللَّه الف بينهم انّه عزيز حكيم٢ .

« أذل الأديان بعزّته » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( بعزّه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ، و لا يحزنك قولهم ان العزّة للَّه جميعاً هو السميع العليم٣ .

« و وضع الملل برفعه » استدل بقوله تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون٤ .

و في خبر بحير الراهب ( قال للنبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قبل نبوّته ) أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قمئة .

و في خبر خالد بن أسيد عن كبير الرهبان لمّا أخبره خالد بأن معهم شابا من بني هاشم يسمّونه يتيم أبي طالب فو اللَّه لقد نخر نخرة كاد أن يغشى عليه ، ثم وثب ، و قال أوه أوه هلكت النصرانية و المسيح .

و في خبر يوسف اليهودي لمّا عرضوا النبي صلَّى اللَّه عليه و آله حين ولادته عليه ،

وقع مغشيا عليه فضحكت قريش منه فقال أتضحكون يا معشر قريش ، هذا نبي السيف ليتبرنكم و قد ذهبت النبّوة من بني اسرائيل إلى الأبد رواها ( الاكمال ) .

____________________

( ١ ) الحجرات : ٧ .

( ٢ ) الانفال : ٦٣ .

( ٣ ) يونس : ٦٥ .

( ٤ ) الصف : ٩ .

٣٧٥

« و أهان أعداءه بكرامته » هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم ان يخرجوا و ظنّوا انّهم مانعتهم حصونهم من اللَّه فاتاهم اللَّه من حيث لم يحتسبوا و قذف في قلوبهم الرعب يخرّبون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار١ .

« و خذل محاديه بنصره » و قد اعترف محادوه بخذلان اللَّه لهم .

و في الطبري في أمر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بضرب أعناق بني قريظة و هم ستمائة أو سبعمائة و قيل ثمانمائة أو تسعمائة حتى فرغ منهم و أتى بحي بن أخطب عدوّ اللَّه و عليه حلّة قد شققها عليه من كلّ ناحية كموضع الانملة ، لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلمّا نظر إلى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قال أما و اللَّه ما لمت نفسي في عداوتك ، و لكن من يخذل اللَّه يخذل ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس لا بأس بأمر اللَّه كتاب اللَّه و قدره و ملحمة قد كتبت على بني اسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه فقال جبل الثعلبي :

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

و لكنه من يخذل اللَّه يخذل

لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها

و قلقل يبغي العز كلّ مقلقل

« و هدم أركان الضلالة بركنه » قال الجوهري ركن الشي‏ء جانبه الأقوى .

« و سقى من عطش من حياضه » من الاحبار و الرهبان الذين كانوا منتظرين له و الأنصار الذين كانوا شائقين إليه .

و في ( معارف ) ابن قتيبة ، كان أبو قيس صرمة بن أبي أنس النجاري قد ترهب قبل الاسلام و فارق الأوثان ، و لبس المسوح ، و اتخذ بيته مسجدا ، لا يدخله جنب و لا طامث ، و قال : اعبد ربّ إبراهيم فلمّا قدم النبي صلَّى اللَّه عليه و آله المدينة أسلم و قال في النبي صلَّى اللَّه عليه و آله :

____________________

( ١ ) الحشر : ٢ .

٣٧٦

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة

بمكة لا يلقى صديقا مؤاتيا

و يعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يوفي و لم ير داعيا

فلمّا أتانا أظهر اللَّه دينه

و أصبح مسرورا بطيبة راضيا

و أصبح لا يخشى من الناس واحدا

بعيدا و لا يخشى من الناس دانيا

بذلنا له الأموال في كلّ ملكنا

و أنفسنا عند الوغى و التأسيا

و نعلم ان اللَّه لا ربّ غيره

و ان رسول اللَّه للحق رائيا

نعادي الذي عادى من الناس كلّهم

جميعا و ان كان الحبيب المصافيا

« و اتاق » أي : ملأ .

« الحياض لمواتحه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( بمواتحه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) أي : مستقيه .

« ثم جعله لا انفصام » أي : لا انكسار .

« لعروته » من عروة الكوز .

« و لا فك لحلقته » بالتسكين من حلقة الدروع .

« و لا انهدام لأساسه » و هو القرآن و قد قال تعالى : انّا نحن نزلنا الذكر و انّا له لحافظون١ .

« و لا زوال لدعائمه » أي : أعمدته .

و في ( الكافي ) ، قال عيسى بن السري لأبي عبد اللَّه عليه السّلام حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الاسلام إذا أخذت بها زكا عملي و لم يضرّني جهل ما جهلت بعده ،

فقال شهادة ان لا إله إلاّ اللَّه و ان محمّدا رسوله و الإقرار بما جاء به من عند اللَّه و حق في الأموال و الولاية التي أمر اللَّه بها ولاية آل محمّد عليهم السّلام فان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قال : من مات لم يعرف امامه مات ميتة جاهلية ، و أحوج ما يكون أحدكم إلى

____________________

( ١ ) الحجر : ٩ .

٣٧٧

معرفته إذا بلغت نفسه ههنا و أهوى بيده إلى صدره و قال تعالى : أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول ، و أُولي الأمر منكم .

« و لا انقلاع لشجرته » لاستحكام عروقها قال تعالى : كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أُكلها كلّ حين باذن ربّها .١ .

« و لا انقطاع لمدته » لأن حلال محمّد صلَّى اللَّه عليه و آله حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة لأنّه لا ناسخ له .

« و لا عفاء » أي : اندراس و انمحاء .

« لشرائعه » مشارع شاربيه .

« و لا جذّ » أي : لا كسر و لا قطع .

« لفروعه » كأصوله .

« و لا ضنك » أي : لا ضيق .

« لطرقه » قال تعالى . ما جعل عليكم في الدين من حرج .٢ .

« و لا وعوثة » الوعث مكان تفيث فيه الأقدام ، و يشقّ على من يمشي فيه « لسهولته » الذين يتّبعون الرسول النبي الأُمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال التي كانت عليهم .٣ .

« و لا سواد لوضحه » أي : بياضه .

« و لا عوج لانتصابه » أي : استقامته و استدل له بقوله تعالى : قل انني

____________________

( ١ ) ابراهيم : ٢٤ ٢٥ .

( ٢ ) الحج : ٧٨ .

( ٣ ) الاعراف : ١٥٧ .

٣٧٨

هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيّماً ملّة إبراهيم حنيفاً .١ .

« و لا عصل في عوده » قال الجوهري : العصل التواء في عسيب الذنب حتى يبدو بعض باطنه الذي لا شعر عليه .

« و لا وعث لفجه » قال الجوهري الفج الطريق الواسع بين الجبلين .

« و لا انطفاء لمصابيحه » يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم و يأبى اللَّه إلاّ أن يتمّ نوره و لو كره الكافرون٢ يريدون ليطفئوا نور اللَّه بأفواههم و اللَّه متمّ نوره و لو كره الكافرون٣ .

« و لا مرارة لحلاوته » . و من كان مريضاً أو على سفرٍ فعدّة من أيام أُخر يريد اللَّه بكم اليسر و لا يريد بكم العسر .٤ أحل لكم ليلة الصيام الرفث نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم اللَّه انّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم .٥ .

ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين و ان يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً .٦ ثم نسخ ذلك لصعوبته فقال : الأن خفف اللَّه عنكم و علم ان فيكم ضعفاً فان يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين و ان يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين باذن اللَّه و اللَّه مع الصابرين٧ .

« فهو دعائم » أي : أعمدة .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٦١ .

( ٢ ) التوبة : ٣٢ .

( ٣ ) الصف : ٨ .

( ٤ ) البقرة : ١٨٥ .

( ٥ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٦ ) الانفال : ٦٥ .

( ٧ ) الانفال : ٦٦ .

٣٧٩

« اساخ » أي : ادخل .

« في الحق أسناخها » أي : اصولها .

هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون .

« و ثبت لها اسسها » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « آساسها » على وزن ( اسناخها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و ان كان كلّ منهما جمعاً ( اسس جمع أساس ) و ( آساس ) جمع ( أس ) كما يفهم من الصحاح .

و ما امروا إلاّ ليعبدوا اللَّه مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيامة١ .

« و ينابيع غزرت » بتقديم الزاي ، أي : كثرت .

« عيونها » مواضع النبع التي كالعيون .

« و مصابيح شبت نيرانها » أي : أوقدت .

« و منار » قال الجوهري : المنار علم الطريق ، و ذو المنار ملك من اليمن أول من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع .

« اقتدى بها سفّارها » أي : مسافروها .

« و أعلام » أي : جبال قال : « إذا قطعن علما بدا علم » .

« قصد بها فجاجها » أي : الطريق بينها هينة السير لا تعب فيه .

« و مناهل » قال الجوهري تسمى المنازل التي في المفاوز ، على طرق السفر مناهل لأن فيها ماء .

« روي » من ( روى من الماء ) ، بالكسر و أما ( روى الحديث ) فبالفتح .

« بها ورّادها » و اردوها .

____________________

( ١ ) البينة : ٥ .

٣٨٠

« جعل اللَّه فيه منتهى رضوانه » و من أحسن ديناً ممّن أسلم وجهه للَّه .١ ، . فله أجره عند ربه و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون٢ و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه٣ و من أحسن قولاً ممّن دعا إلى اللَّه و عمل صالحاً و قال انني من المسلمين .٤ بلى من أسلم وجهه للَّه و هو محسن فله أجره عند ربه و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون٥ . هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين .٦ و لكن إذا أكمل بالولاية فقال تعالى بعد إنزال الولاية :

اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً .٧ .

« و ذروة دعائمه » أي : أعلى أعمدته و الضمير في ( دعائمه ) راجع إليه تعالى كما في ( رضوانه ) و الاضافة فيه بمعنى اللام و مثله قوله .

« و سنام طاعته » و الأصل في السنام سنام الابل .

« فهو » أي : الاسلام .

« عند اللَّه وثيق الأركان » أي : محكمها . فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها و اللَّه سميع عليم٨ .

« رفيع البنيان » الاسلام يعلو و لا يعلى عليه .

____________________

( ١ ) النساء : ١٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ١١٢ .

( ٣ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٤ ) فصّلت : ٣٣ .

( ٥ ) البقرة : ١١٢ .

( ٦ ) الحج : ٧٨ .

( ٧ ) المائدة : ٣ .

( ٨ ) البقرة : ٢٥٦ .

٣٨١

و في ( الاسد ) قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في ابن بنته زينب علي بن أبي العاص و كان مسترضعا في بني غاضرة و كان أبوه يومئذ مشركا فضمّه إليه من شاركني في بنيي فانا أحق به منه و ايما كافر شارك مسلما في شي‏ء فالمسلم أحقّ به منه .

« مضي‏ء النيران » أفمن شرح اللَّه صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللَّه أولئك في ضلال مبين١ .

« عزيز السلطان » لقد نصركم اللَّه في مواطن كثيرة .٢ .

و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآويكم و أيّدكم بنصره .٣ إنّا فتحنا لكن فتحا مبينا٤ إذا جاء نصر اللَّه و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجاً٥ .

« مشرف المنار » أي : عاليه .

« معوز » من ( أعوزه الشي‏ء ) إذا احتاج إليه فلم يقدر عليه .

« المثار » من ( اثار الصيد ) هيجه قال :

أثار الليث في عريس غيل

له الويلات ممّا يستثير

« فشرّفوه و اتّبعوه و أدّوا إليه حقّه وضعوه مواضيعه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( مواضعه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان انّه لكم عدو

____________________

( ١ ) الزمر : ٢٢ .

( ٢ ) التوبة : ٢٥ .

( ٣ ) الانفال : ٢٦ .

( ٤ ) الفتح : ١ .

( ٥ ) النصر : ١ ٢ .

٣٨٢

مبين١ يمنون عليك ان أسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل اللَّه يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين٢ .

٨

الحكمة ( ٣١٠ ) قال عليه السّلام :

لاَ يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اَللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ أقول : الأصل فيه ما رواه المسعودي في ( مروجه ) مرفوعا ، و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) مسندا قال الأول أنّ سائلا وقف على باب عليّ عليه السلام فقال للحسن عليه السّلام قل لامك تدفع إليه درهما ، فقال انما عندنا ستة دراهم للدقيق فقال عليه السّلام « لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يده » ثم أمر للسائل بالستة الدراهم كلّها فما برح عليه السّلام حتى مر به رجل يقود بعيرا ، فاشتراه منه بمائة و أربعين درهما و انسأ أجله ثمانية أيام ، فلم يحل أجله حتى مر به رجل و البعير معقول فقال بكم هذا ؟ فقال بمأتي درهم ، فقال قد أخذته ، فوزن له الثمن فدفع منه مائة و أربعين درهما للذي ابتاعه منه ،

و دخل بالستين الباقية على فاطمة عليها السّلام فسألته من أين هي فقال عليه السلام هذه تصديق لمّا جاء به أبوك صلَّى اللَّه عليه و آله من جاء بالحسنة فله عَشْرُ أمثالها٣ .

و روى الثاني مسندا عن أبي أراكة ، جاء سائل إلى علي عليه السّلام فقال لبعض ولده إذهب إلى أمك ، و قل لها هات ذاك الدرهم الذي عندك فمضى ثم عاد ، و قال قالت خبأناه للدقيق ، فقال إذهب و ائتني به ، فأتاه به فدفعه إلى السائل و قال :

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٠٨ .

( ٢ ) الحجرات : ١٧ .

( ٣ ) الانعام : ١٦٠ .

٣٨٣

« لا يصدق ايمان عبد حتى يكون بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يده » فبينا هو يتحدّث إذ مر به رجل يبيع جملا ، فاشتراه منه بمائة درهم ، ثم باعه بمأتين فدفع المائة إلى ولده ، و قال له إذهب بها إلى امك و قل لها ، هذا ما وعدنا اللَّه على لسان نبيه .

« لا يصدق ايمان عبد حتى يكون بما في يد اللَّه » هكذا في ( المصرية ) و فيها سقط فزاد ( ابن أبي الحديد و الخطّية ) ( سبحانه ) و كذا ( ابن ميثم ) ، لكن في ( الخطّية ) ( تعالى ) .

« أوثق منه بما في يده » لكونه لازم الايمان بكونه رازقا ، و انّه لو لا حفظ اللَّه لسلب ما في يده و قيل لأبي حازم ما مالك ؟ قال ما لان الثقة بما عند اللَّه و اليأس ممّا في أيدي الناس .

و ورد عن عترته عليهم السّلام ما يقرب من كلامه عليه السّلام و علائم أخر فعن الصادق عليه السّلام « لا يجد الرجل حلاوة الايمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا . ، ثم قال حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا ، و ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ، و لا بتحريم الحلال ، بل الزهد في الدنيا الا يكون بما في يدك أوثق منه بما في يد اللَّه عز و جل .

و عن الرضا عليه السّلام لا يكون المؤمن مؤمنا ، حتى يكون فيه ثلاث خصال سنّة من ربّه ، و سنّة من نبيّه ، و سنّة من وليه ، فاما السنّة من ربه ، فكتمان سرّه ،

قال جل جلاله : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسولٍ١ و أما السنّة من نبيّه صلَّى اللَّه عليه و آله فمداراة الناس قال تعالى : خذ العفو و أمر بالعُرف و اعرض عن الجاهلين٢ و أما السنة من وليّه ، فالصبر في

____________________

( ١ ) الجن : ٢٦ ٢٧ .

( ٢ ) الاعراف : ١٩٩ .

٣٨٤

البأساء و الضراء ، يقول تعالى : . و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس اولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتّقون١ .

و عنهم عليهم السّلام من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غضّ بصره لم يرتد إليه طرفه حتى يعقبه اللَّه ايمانا يجد طعمه .

٩

الحكمة ( ٤٥٨ ) و قال عليه السّلام :

عَلاَمَةُ اَلْإِيمَانِ أَنْ تُؤْثِرَ اَلصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى اَلْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وَ أَلاَّ يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ وَ أَنْ تَتَّقِيَ اَللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ « الايمان » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ، « علامة الايمان » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« ان تؤثر » أي : تختار .

« الصدق حيث يضرّك في دنياك » .

« على الكذب ، حيث ينفعك » فيها كما ان علامة المريض الذي له شعور ان يؤثر الدواء المرّ على الطعام الحلو .

و كيف لا و قد قال تعالى : انما يفتري الكذِبَ الذينَ لا يؤمنون .٢ .

و عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يكون المؤمن جبانا و بخيلا و لا يكون كاذبا .

و في ( الكافي ) عن الأصبغ ، قال أمير المؤمنين عليه السّلام لا يجد عبد طعم الايمان ، حتى يترك الكذب هزله و جدّه .

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٧ .

( ٢ ) النحل : ١٠٥ .

٣٨٥

و عن أبي جعفر عليه السّلام كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول لولده اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير ، في كلّ جد و هزل ، فان الرجل ، إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير ، و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ما زال العبد يصدق حتى يكتبه اللَّه صدّيقا ، و لا يزال العبد يكذب حتى يكتبه اللَّه كذّابا .

و عنه عليه السّلام ان الكذب هو خراب الايمان ، و ان اللَّه تعالى جعل للشرّ أقفالا ،

و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، و الكذب شرّ من الشراب .

و عنه عليه السّلام ان أوّل من يكذب الكذّاب اللَّه ثم الملكان اللذان معه ، ثم هو يعلم أنّه كاذب .

و عن الصادق عليه السّلام أن ممّا أعان اللّه به على الكذابين النسيان و قال عيسى عليه السّلام من كثر كذبه ذهب بهاؤه .

و قال عليه السّلام لأبي بصير ، ان العبد ليصدق حتى يكتب عند اللَّه من الصادقين ، و يكذب حتى يكتب عند اللَّه من الكاذبين ، فإذا صدق قال تعالى صدق و برّ ، و إذا كذب قال تعالى كذب و فجر .

و يكفي في فضل الصدق قوله تعالى : . و كونوا مع الصادقين١ و قول الصادق عليه السّلام ان اللَّه تعالى ، لم يبعث نبيّاً إلاّ بصدق الحديث و اداء الامانة إلى البر و الفاجر ، و بعث عليه السّلام إلى عبد اللَّه بن أبي يعفور انظر ما بلغ به علي عليه السّلام عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فألزمه ان عليا عليه السّلام انما بلغ ما بلغ بصدق الحديث ،

و اداء الامانة ، و قال عليه السّلام لفضيل بن يسار ان الصادق أوّل من يصدقه هو اللَّه عز و جل .

و في ( تاريخ بغداد ) ، كان لربعي بن خراش العبسي ابنان عاصيان في زمن الحجّاج ، فقيل للحجاج ان أباهما لم يكذب كذبة قط لو أرسلت إليه فسألته

____________________

( ١ ) التوبة : ١١٩ .

٣٨٦

عنهما ، فأرسل إليه ، أين ابناك ؟ فقال : هما في البيت ، فقال الحجاج قد عفونا عنك بصدقك .

و في ( السير ) أن الحجاج أمر بقتل أحد الأسارى من أصحاب ابن الأشعث ، فقال : لا تقتلني ، فلي عندك يد ، قال : ما هي ؟ قال : سبّك ابن الأشعث يوما ، و أنا دافعت عنك ، قال : هل لك شاهد ؟ قال : نعم فلان رجل آخر من أسارى ابن الأشعث فقال له : هل دافع عني ؟ قال : نعم ، قال : فأنت أيضا دافعت ؟

قال لا : قال لم ؟ قال : لأني كنت أبغضك و أسر بسبك فقال الحجاج عفوت عن الأول بدفاعه عني ، و عفوت عنك بصدقك في بغضي ، و ممّا يقرب من قوله عليه السّلام ( ان تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك ) قولهم ( عليك بالصدق و ان جر عليك المغارم ، و إيّاك و الكذب و ان ساق عليك المغانم ) .

هذا : و من الأكاذيب الهزلية ، ما في ( كامل المبرد ) ( قال تكاذب اعرابيان ،

فقال أحدهما خرجت مرة على فرس لي فإذا بظلمة شديدة فيممتها حتى وصلت إليها ، فإذا قطعة من الليل لم تنتبه فما زلت أحمل بفرسي عليها حتى انبهتها فانجابت فقال الآخر لقد رميت ظبيا مرّة بسهم فعدل الظبي يمنة فعدل السهم يمنة خلفه ، فتياسر الظبي فتياسر السهم خلفه ، ثم علا الظبي فعلا السهم خلفه ، فانحدر الظبي ، فانحدر السهم خلفه حتى أخذه .

« و ان لا يكون في حديثك فضل عن عملك » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( عن علمك ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) قال تعالى : و لا تقفُ ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئُولا١ .

و عن الباقر عليه السّلام ( من أفتى الناس بغير علم و لا هدى لعنته ملائكة

____________________

( ١ ) الاسراء : ٣٦ .

٣٨٧

الرحمة و ملائكة العذاب و عليه وزر من عمل بفتياه فان قيل ان ( عن عملك ) أيضا صحيح لأنّه في معنى قوله تعالى كبُرَ مقتاً عند اللَّه أن تقولوا ما لا تفعلون١ .

قلت : بل لا معنى له لأن ( عملك ) يدل على وقوع عمل منه .

« و ان تتقي اللَّه في حديث غيرك حتى لا يكون فيه غيبته و ما يسوؤه لو سمعه » .

قال تعالى : . لا يغتب بعضكم بعضاً أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه٢ .

و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يا معشر من أسلم بلسانه ، و لم يسلم بقلبه ، لا تتبعوا عثرات المسلمين ، فانّه من يتّبع عثرات المسلمين يتّبع اللَّه عثراته ، و من تتبع اللَّه عثراته يفضحه .

و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه ، و قال الصادق عليه السّلام من قال في مؤمن ما رأته عيناه ، و سمعته أذناه فهو من الذين قال تعالى فيهم : ان الذين يحبّون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم .٣ .

١٠

الحكمة ( ٣٠٩ ) و قال عليه السّلام :

اِتَّقُوا ظُنُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اَلْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ

____________________

( ١ ) الصف : ٣ .

( ٢ ) الحجرات : ١٢ .

( ٣ ) النور : ١٩ .

٣٨٨

أقول : الأصل فيه قول النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه » .

و روى محمد بن بابويه ، في معاني أخباره ، عن محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة ، قلت لجعفر بن محمّد عليه السّلام في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها ،

فقال ان شئت أخبرتك قبل أن تسألني و ان شئت فسل ، قلت و بأي شي‏ء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي ؟ فقال بالتوسم و التفرس أما سمعت قول اللَّه تعالى ان في ذلك لآيات للمتوسّمين١ .

و قول النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه » فقلت له فاخبرني بمسألتي ، قال أردت أن تسألني عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لم لم يطق حمله علي عليه السّلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوّته و شدّته ، و ما ظهر منه ،

من قلع باب خيبر ، و الرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا و كان لا يطيق حمله أربعون رجلا ، فقلت له عن هذا أردت و اللَّه أن أسألك فاخبرني فقال : ان عليّا عليه السّلام بالنبي صلَّى اللَّه عليه و آله تشرّف و به ارتفع و به وصل إلى ان اطفأ نار الشرك ،

و أبطل كلّ معبود من دون اللَّه عز و جل و لو علاه النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لحطّ الأصنام لكان بعلي عليه السّلام مرتفعا و شريفا و لو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ألا ترى ان عليا عليه السّلام قال لمّا علوت ظهر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها أما علمت ان المصباح هو الذي يهتدى به في الظلمة و انبعاث فرعه من أصله .

و قد قال علي عليه السّلام « أنا من أحمد كالضوء من الضوء » أما علمت ان محمّدا و عليّا صلَّى اللَّه عليه و آله كانا نورين بين يدي اللَّه تعالى قبل خلق الخلق بألفي عام ،

و ان الملائكة لمّا رأت ذلك النور ، رأت له أصلا قد تشعّب منه شعاع لامع فقالت

____________________

( ١ ) الحجر : ٧٥ .

٣٨٩

إلهنا ، ما هذا النور ؟ فقال تعالى : هذا نور من نوري ، اصله نبوة و فرعه امامة اما النبوة فلمحمّد عبدي ، و اما الإمامة فلعلي حجّتي و وليي ، و لولاهما ما خلقت خلقي ، أما علمت ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله رفع يد علي عليه السّلام بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض ابطيه ، فجعله مولى المسلمين و امامهم و قد احتمل الحسن و الحسين يوم حظيرة بني النجّار ، فلمّا قال له بعض أصحابه ناولني أحدهما قال نعم الراكبان هما و أبوهما خير منهما .

و ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله كان يصلّي بأصحابه ، فأطال سجدة من سجداته ، فلما سلّم قيل له قد أطلت هذه السجدة ، فقال : « ان ابني ارتحلني ، فكرهت ان اعاجله حتى ينزل » .

و انما أراد بذلك رفعهم و تشريفهم فالنبي صلَّى اللَّه عليه و آله امام نبي ، و علي عليه السّلام امام ليس بنبي ، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبّوة فقلت له زدني يا بن رسول اللَّه فقال انّك لأهل للزيادة ، ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله حمل عليا عليه السّلام على ظهره ، يريد بذلك أنّه أبو ولده ، و امامة الائمة من صلبه ، كما حول رداءه في صلاة الاستسقاء ،

و اراد أن يعلم بذلك أصحابه أنّه تحوّل الجدب خصبا .

قلت له : زدني فقال : احتمله ليعلم قومه انّه هو الذي يخفف عن ظهر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ما عليه من الدين و العدات و الاداء عنه من بعده .

قلت له : زدني فقال : احتمله ليعلم بذلك انّه قد احتمله ، و ما حمل إلاّ لأنّه معصوم لا يحمل وزرا فتكون أفعاله عند الناس حكمة و صوابا ، و قد قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لعلي عليه السّلام : ان اللَّه تعالى حمّلني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي و ذلك قوله تعالى ليغفر لك اللَّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر .١ و لمّا أنزل تعالى :

____________________

( ١ ) الفتح : ٢ .

٣٩٠

عليكم أنفسكم .١ قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله أيّها الناس عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم ، و علي نفسي و أخي ، أطيعوا عليّا ، فانّه مطهّر معصوم لا يضلّ و لا يشقى ، ثم تلا هذه الآية قل اطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل و عليكم ما حملتم ، و ان تطيعوه تهتدوا و ما على الرسول إلاّ البلاغ المبين٢ .

ثم قال جعفر بن محمد عليه السّلام لو أخبرتك أيّها الأمير ، بما في حمل النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله عليّا عليه السّلام عند حطّ الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها لقلت ان جعفر بن محمد مجنون ، فحسبك من ذلك ما قد سمعت فقمت إليه و قبّلت رأسه و قلت . اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته٣ .

و روى خبر حمل النبي صلَّى اللَّه عليه و آله له عليه السّلام لحط الأصنام الخطيب و في خبره ،

ان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لمّا حمله و نهض به صعد عليه السّلام علي الكعبة و تنحى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فألقى علي عليه السّلام صنمهم و نزل٤ .

قلت : و يمكن أن يقال ان اصعاده بدون إنزاله للدلالة على انّه كالكعبة له العلو ، و ليس له حط و نزول أصلا .

١١

الحكمة ( ٣٣٣ ) و قال عليه السّلام في صفة المؤمن :

اَلْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَيْ‏ءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ

____________________

( ١ ) المائدة : ١٠٥ .

( ٢ ) النور : ٥٤ .

( ٣ ) الانعام : ١٢٤ .

( ٤ ) الخطيب الخوارزمي في مناقب أمير المؤمنين : الباب الحادي عشر : ٥٤ ( طبع حجري ) ١٣١١ خط محمد باقر ، كربلاء .

٣٩١

شَيْ‏ءٍ نَفْساً يَكْرَهُ اَلرِّفْعَةَ وَ يَشْنَأُ اَلسُّمْعَةَ طَوِيلٌ غَمُّهُ بَعِيدٌ هَمُّهُ كَثِيرٌ صَمْتُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَكُورٌ صَبُورٌ مَغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ ضَنِينٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ اَلْخَلِيقَةِ لَيِّنُ اَلْعَرِيكَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ اَلصَّلْدِ وَ هُوَ أَذَلُّ مِنَ اَلْعَبْدِ أقول الأصل فيه رواية مجاهد عن ابن عباس على ما في تذكرة سبط ابن الجوزي قال وصف أمير المؤمنين عليه السّلام المؤمن فقال :

« حزنه في قلبه ، و بشره في وجهه ، أوسع الناس صدرا ، و أرفعهم قدرا يكره الرفعة ، و لا يحب السمعة ، طويل غمّه ، بعيد همّه ، كثير صمته مشغول بما ينفعه ، شكور صبور ، قلبه بذكر اللَّه معمور ، سهل الخليقة لين العريكة » .

و في رواية ( الكافي ) جعله جزء خطبة همّام الآتية في ( ١٣ ) .

« المؤمن بشره في وجهه » كما كان عليه السّلام نفسه كذلك حتى عابه فاروقهم الفظ ذو الحوزة الخشناء بذلك و سمّى بشره دعابة فقال لابن عباس في الشورى كما في ( تاريخ اليعقوبي ) أترى صاحبكم لها موضعا ؟ قال له ابن عباس و انى يبعد من ذلك مع فضله و سابقته و قرابته و علمه ، فقال هو و اللَّه كما ذكرت و لو وليهم لحملهم على منهج الطريق و المحجّة الواضحة إلاّ ان فيه الدعابة في المجلس ، و استبداد الرأي ، و التبكيت للناس مع حداثة السن فقال له ابن عباس هلا استحدثتم سنة يوم الخندق قلت و في خبر آخر : انّه قال له :

هلاّ استحدثتم سنه يوم أخذ البراءة من صاحبك .

و في ( المناقب ) كان علي عليه السّلام بشره دائم ، و ثغره باسم ، غيث لمن رغب ،

و غياث لمن رهب ، مآل الآمل و ثمال الأرامل١ .

و قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لبني عبد المطلب انّكم لن تسعوا الناس بأموالكم

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١١٥ مؤسسة انتشارات علاّمة ، قم .

٣٩٢

فالقوهم بطلاقة الوجه و حسن البشر .

« و حزنه في قلبه » كما كان عليه السّلام كذلك ففي ( مروج المسعودي ) ، استسقى علي عليه السّلام يوم الجمل ، فاتى بعسل و ماء فحسا منه حسوة و قال هذا الطائفي و هو غريب البلد فقال عبد اللَّه بن جعفر ما شغلك ما نحن فيه عن علم هذا ؟ قال انّه و اللَّه ما حلا بصدر عمك شي‏ء قط من أمر الدنيا .

و فيه في وروده عليه السّلام البصرة قال المنذر بن الجارود لمّا قدم علي عليه السّلام البصرة ، دخل ممّا يلي الطف ، فأتى الزاوية فخرجت انظر إليه إلى أن قال : ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السّلام في أوّله راية كبيرة يقدمهم رجل كانما كسر و جبر قلت : من هؤلاء ؟ قيل : هذا علي بن أبي طالب عليه السّلام و هذان الحسن و الحسين عن يمينه و شماله ، و هذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى و هذا الذي خلفه عبد اللَّه بن جعفر و هؤلاء ولد عقيل و غيرهم من فتيان بني هاشم و هؤلاء المشايخ أهل بدر من المهاجرين و الأنصار فساروا حتى نزلوا الزاوية فصلّى أربع ركعات و عفر خديه على التراب و قد خالط ذلك دموعه ثم رفع يديه يدعو : اللّهم ربّ السماوات و ما أظلّت ، و الأرضين و ما أقلّت ، و ربّ العرش العظيم ، هذه البصرة أسألك من خيرها ، و أعوذ بك من شرّها ، اللّهم انزلنا فيها خير منزل و أنت خير المنزلين ، اللّهم هؤلاء القوم ، قد خلعوا طاعتي ، و بغوا عليّ و نكثوا بيعتي ، اللّهم احقن دماء المسلمين الخ .

« أوسع شي‏ء صدرا ، و أذلّ شي‏ء نفسا » في ( تاريخ بغداد ) قال ابن ميمون سألت ذا النون عن الصوفي فقال : من إذا نطق ابان نطقه عن الحقائق و إن سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق١ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله جالسا في المسجد ،

____________________

( ١ ) لم نعثر عليه في ترجمة « ذو النون المصري » راجع ( تاريخ بغداد ) ٨ : ٣٩٣ ٣٩٧ رقم الترجمة ( ٤٤٩٧ ) .

٣٩٣

فجاءت جارية لبعض الأنصار ، فأخذت بطرف ثوبه ، فقام لها النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فلم تقل شيئا و لم يقل صلَّى اللَّه عليه و آله لها شيئا ، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات ففي الرابعة أخذت هدبة و رجعت ، فقال لها الناس فعل اللَّه بك حبست النبي صلَّى اللَّه عليه و آله ثلاث مرات ، لا تقولين شيئا فما حاجتك ؟ قالت ان لنا مريضا فأرسلني أهلي لأخذ هدبة من ثوبه يستشفي بها فاستحييت أن أقول له حتى أخذتها في الرابعة .

و في الخبر مرّت امرأة بذيه على النبي صلَّى اللَّه عليه و آله و هو يأكل جالسا على الحضيض فقالت يا محمّد ، انّك تأكل أكل العبد و تجلس جلوسه ، فقال لها النبي صلَّى اللَّه عليه و آله و أي عبد أعبد مني .

و عن الصادق عليه السّلام أوحى اللَّه تعالى إلى موسى ، أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال يا رب لم ؟ قال اني قلبت عبادي ظهر البطن فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك ، انّك إذا صلّيت وضعت خدّك على التراب .

« يكره الرفعة » تلك الدار الآخرة نجعلُها للذين لا يريدون عُلوّاً في الأرضِ و لا فساداً و العاقبة للمتقين١ .

و في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع هذا في أوّلها و ذاك في آخرها ، أسرع فيها من حب الدنيا و الشرف في دين المؤمن .

« و يشنأ » أي : يبغض .

« السمعة » لأن عباداته خالصة لوجه اللَّه تعالى و يحبّ بقاءها على الخلوص ، و من ذكر عبادته خفية لواحد ينقص أجره من الخفاء إلى الجهر ،

فإذا ذكرها لاثنين تكون كالرياء بلا أجر .

« طويل غمّه » للنجاة من النار .

« بعيد همّه » لتحصيل الجنّة .

____________________

( ١ ) القصص : ٨٣ .

٣٩٤

« كثير صمته » في ( الخبر ) ان الصمت باب من أبواب الحكمة و انّه دليل على كلّ خير ، و كان العابد من بني اسرائيل ، لا يتعبّد حتى يصمت عشر سنين .

و عن الباقر عليه السّلام انما شيعتنا الخرس ، و قال المسيح عليه السّلام لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللَّه ، فان الذين يكثرون الكلام في غير ذكر اللَّه قلوبهم قاسية ، و لكن لا يعلمون .

و في ( الخبر ) ، ان رجلا قال للنبي صلَّى اللَّه عليه و آله أوصني ثلاث مرات في كلّ مرة يقول له : احفظ لسانك حتى قال له في الثالثة : ويحك و هل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم .

و عن الصادق عليه السّلام في حكمة آل داود ( على العاقل ان يكون عارفا بزمانه مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ) .

« مشغول وقته » في ( الخبر ) ، للمؤمن ثلاث ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، و ساعة يرمّ معاشه ، و ساعة يخلي بين نفسه و لذّتها في ما يحلّ و يجمل ،

و ليس للعاقل أن يكون شاخصا ، إلاّ في ثلاث : مرمة لمعاش ، أو خطوة في معاد ، أو لذّة في غير محرّم .

« شكور » في ( الخبر ) ، كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في سفر يسير على ناقة له إذ نزل فسجد خمس سجدات ، فقالوا له صنعت شيئا لم تصنعه ، فقال استقبلني جبرئيل فبشّرني ببشارات من اللَّه فسجدت شكرا للَّه لكلّ بشرى سجدة و كان صلَّى اللَّه عليه و آله ورد عليه أمر يسرّه قال : الحمد للَّه على هذه النعمة و إذا ورد عليه أمر يغتم به ، قال : الحمد للَّه على كلّ حال .

و عن الباقر عليه السّلام كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله عند عايشة في ليلتها فقالت له : لم تتعب نفسك ، و قد غفر اللَّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخر ، فقال لها ألا أكون عبدا شكورا ؟

٣٩٥

« صبور » لكون الصبر من الايمان ، بمنزلة الرأس من الجسد .

و عن يونس بن يعقوب أمرني أبو عبد اللَّه عليه السّلام ان آتي المفضل و أعزيه باسماعيل و قال اقرى‏ء المفضل السّلام و قال له انا قد أصبنا باسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا ، انّا أردنا أمرا و أراد اللَّه تعالى أمرا فسلمنا لأمر اللَّه تعالى .

« مغمور » استعارة عن الانغماس في الماء .

« بفكرته » لأن الفكرة ، توجب العبرة و العبرة توجب الفوز و السعادة ،

و في ( الخبر ) ، سئل الصادق عليه السّلام عمّا روى « ان تفكّر ساعة خير من قيام ليلة » كيف ؟ قال : يمر بالخربة فيقول اين ساكنوك أين بانوك ، و عنه عليه السّلام أفضل العبادة ادمان التفكّر في اللَّه و في قدرته .

و في ( الكافي ) عن علي عليه السّلام « نبّه بالتفكر قلبك ، و جاف عن الليل جنبك ،

و اتق اللَّه ربك » و كان عليه السّلام يقول التفكّر يدعو إلى البرّ .

« ضنين بخلته » بضم الخاء ، فلا يتخذ خليلا لنفسه إلاّ من وثق بديانته و أمانته و عفته ، فقالوا ( عن المرء لا تسأل و سل عن خليله ) .

« سهل الخليقة لين العريكة » أي : الطبيعة .

عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله المؤمن هيِّن ليِّن ، كالجمل الألف ان قيِّد انقاد و ان أنيخ على صخرة استناخ .

« نفسه أصلب » أي : أشدّ .

« من الصلد » أي : الحجر الصلب الايبس .

عن الباقر عليه السّلام المؤمن أصلب من الجبل ، الجبل يستقل منه ، و المؤمن لا يستقل من دينه شي‏ء و عن الصادق عليه السّلام مر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بقوم يربعون حجرا ،

فقال : ما هذا ؟ قالوا : نعرف بذلك أشدّنا ، و أقوانا ، فقال صلَّى اللَّه عليه و آله : ألا أخبركم بأشدّكم ، و أقواكم قالوا : بلى ، قال : أشدّكم و أقواكم الذي إذا رضى لم يدخله

٣٩٦

رضاه في إثم ، و لا باطل ، و إذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق ، و إذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحق .

« و هو أذل من العبد » عن الصادق عليه السّلام كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يجلس جلسة العبيد ، و يضع يده على الأرض ، و يأكل بثلاثة أصابع ، لا كالجبارين باصبعين .

و في ( العيون ) عن الرضا عليه السّلام قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله خمس لا أدعهن حتى الممات ، الأكل على الحضيض مع العبد ، و ركوبي الحمار موكفا ، و حلبي العنز بيدي ، و لبسي الصوف ، و التسليم على الصبيان ، لتكون سنّة من بعدي و لبعضهم :

تراه مكينا و هو للهو ماقت

به عن حديث القوم ما هو شاغله

و أزعجه علم عن الجهل كلّه

و ما عالم شيئا كمن هو جاهله

عبوس من الجهّال حين يراهم

فليس له منهم خدين يهازله

تذكر ما يلقى من العيش اجلا

فاشغله عن عاجل العيش آجله

١٢

الخطبة ( ١٨٤ ) و من كلام له عليه السّلام :

فَمِنَ اَلْإِيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي اَلْقُلُوبِ وَ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ اَلْقُلُوبِ وَ اَلصُّدُورِ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ اَلْمَوْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ حَدُّ اَلْبَرَاءَةِ قول المصنف :

و من كلام له عليه السّلام هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و من خطبة له عليه السّلام ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) .

« فمن الايمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب » و هم الذين قال تعالى فيهم :

٣٩٧

الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر اللَّه ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب١ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي٢ .

و كان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله يقول لأمير المؤمنين عليه السّلام : « الايمان مخالط لحمك و دمك كما هو مخالط لحمي و دمي » .

« و منه ما يكون عواري » جمع العاريّة بالتشديد ، قال الجوهري كانها منسوبة إلى العار ، لأن طلبها عار و عيب و ينشد ، « انما أنفسنا عاريّة ،

و العواري قصاران ترد » .

« بين القلوب و الصدور » في ( الكافي ) قال عيسى شلقان : كنت قاعدا فمرّ أبو الحسن موسى عليه السّلام و معه بهيمة فقلت يا غلام ، ما ترى ما يصنع أبوك ؟

يأمرنا بالشي‏ء ثم ينهانا عنه ، أمرنا أن نتولّى أبا الخطاب ، ثم أمرنا أن نلعنه ،

و نتبرأ منه ، فقال عليه السّلام و هو غلام ، ان اللَّه خلق خلقا للايمان ، لا زوال له ، و خلق خلقا بين ذلك أعارهم الايمان يسمّون المعارين ، إذا شاء سلبهم ، و كان أبو الخطاب ممّن أعير الايمان ، فدخلت على أبيه عليه السّلام فأخبرته بما قلت له و ما قال لي فقال انّه نبعة نبوة » هذا و قال ابن ميثم ابن ابي الحديد في نسخة الرضي بخطه ، و نسخ كثيرة انما ذكر قسمان مستقرا في القلوب و عواري بين القلوب و الصدور ، و لكن نقل ابن أبي الحديد في النسخة التي شرح عليها الكتاب ثلاثة فزاد بينهما ، « و منه ما يكون عواري في القلوب » و قال في شرح الثلاثة الأول : ايمان عن برهان ، و الثاني ايمان عن جدل ، و الثالث ايمان عن تقليد .

____________________

( ١ ) الرعد : ٢٨ .

( ٢ ) الفجر : ٢٧ ٣٠ .

٣٩٨

قلت : حيث انّه تفرّد به و لم يوافقه عليه حتى الكيدري كما في تقديم خطبة همّام و خطب أخرى يعلم ان الثاني كان حاشية اجتهادية من بعض المحشين خلطت بالمتن في نسخة ابن أبي الحديد مع ان القول بكون ما في القلب عارية ركيك .

و بعد كون الايمان ثابتا و عارية .

« فإذا كانت لكم براءة من أحد ، فقفوه ، حتى يحضره الموت فعند ذلك » أي :

حضور الموت .

« يقع حد البراءة » منه و يعلم كون ايمانه غير مستقر .

في ( الكافي ) عن إسحاق بن عمّار ، قال أبو عبد اللَّه عليه السّلام ان اللَّه تعالى جبل النبيين على نبوّتهم ، فلا يرتدُّون أبدا ، و جبل الأوصياء على وصاياهم ، فلا يرتدُّون أبدا ، و جبل بعض المؤمنين على الايمان فلا يرتدّون أبدا و منهم من أعير الايمان عاريّة فإذا هو دعا و ألح في الدعاء مات على الايمان .

و ممّا يشهد لوجوب الوقف في البراءة إلى موته ان كثيرا من السعداء يمشون في طريق الأشقياء و بالعكس ثم يرجع كلّ منهما إلى أصله .

١٣

الخطبة ( ١٨٨ ) و من خطبة له عليه السّلام يصف فيها المتّقين :

رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يُقَالُ لَهُ ؟ هَمَّامٌ ؟ كَانَ رَجُلاً عَابِداً فَقَالَ لَهُ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ صِفْ لِيَ اَلْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَتَثَاقَلَ ع عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ يَا ؟ هَمَّامُ ؟ اِتَّقِ اَللَّهَ وَ أَحْسِنْ فَ إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا وَ اَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ١ ٩ ١٦ : ١٢٨

٣٩٩

فَلَمْ يَقْنَعْ ؟ هَمَّامٌ ؟ بِهَذَا اَلْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى ؟ اَلنَّبِيِّ ص ؟ ثُمَّ قَالَ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ اَلْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ اَلدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ اَلْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ اَلصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ اَلاِقْتِصَادُ وَ مَشْيُهُمُ اَلتَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى اَلْعِلْمِ اَلنَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي اَلْبَلاَءِ كَالَّذِي نُزِّلَتْ فِي اَلرَّخَاءِ وَ لَوْ لاَ اَلْأَجَلُ اَلَّذِي كَتَبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى اَلثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ اَلْعِقَابِ عَظُمَ اَلْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَ اَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ اَلنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ اَلدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اَللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَ أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607