بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105626
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105626 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

انك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين فلمّا جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الايمان ، و أسكن أبدانهم ثلاثة أرواح ، روح القوّة ، و روح الشهوة و روح البدن ، ثم أضافهم إلى الأنعام فقال ان هم إلاّ كالأنعام ، لأن الدابة انما تحمل بروح القوّة ، و تعتلف بروح الشهوة ، و تسير بروح البدن ، فقال السائل أحييت قلبي باذن اللَّه .

هذا و في ٢٦٦ باب الحكم « سأله رجل أن يعرفه ما الايمان فقال عليه السّلام : إذا كان الغد ، فأتني حتى أخبرك على اسماع الناس ، فان نسيت مقالتي حفظها عليك غيرك فان الكلام كالشاردة يثقفها هذا و يخطئها هذا و قد ذكرنا ما أجابه عليه السّلام به في ما تقدّم من هذا الباب و هو قوله عليه السّلام الايمان على أربع شعب » و قد شرحناه في فصل أجوبته التمثيلية و أدب السؤال .

٥

الحكمة ( ٢٢٧ ) و سئل عن الإيمان فقال عليه السّلام :

اَلْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ أقول رواه ( العيون ) باسانيد عنه عليه السّلام عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله .

روي عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن القرشي الحاكم عن أبي بكر محمّد بن خالد المطوعي البخاري عن أبي بكر بن أبي داود عن علي بن حرب الملائي عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليه السّلام عن آبائه واحدا بعد واحد عليهم السّلام عن علي عليه السّلام قال : قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله الايمان معرفة بالقلب ، و اقرار باللسان ، و عمل بالأركان .

و روي عن أبي أحمد محمد بن جعفر البندار بفرغانه ، عن أبي العباس محمد بن محمد بن جمهور الحمادي عن محمد بن عمر بن منصور البلخي

٣٦١

عن أبي يونس أحمد بن محمد الجمحي ، عن أبي الصلت مثله .

و روي عن سليمان بن أحمد اللخمي ، عن علي بن عبد العزيز و معاذ بن المثنى عن أبي الصلت مثله .

و روي عن حمزة بن محمد العلوي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه عن أبي الصلت مثله و قال : قال أبو حاتم : لو قرى‏ء هذا الاسناد على مجنون لبري‏ء .

و رواه الخطيب ، في ( تاريخ بغداد ) في عنوان محمد بن إسحاق بن محمد الهروي بأسانيده عن علي بن غراب و عن محمد بن سهل بن عامر البجلي عن الرضا عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام مثله .

و رواه الهلال بن المحسن الصابي في ( وزرائه ) عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن طاهر عن أبي الصلت عن الرضا عليه السّلام عن الكاظم عن الصادق عن الباقر عن السجاد عن السبط ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله « الايمان عقد بالقلب ، و نطق باللسان ، و عمل بالأركان » و قال : ما هذا الاسناد ؟ فقال له ابن رشيد : هذا سعوط الشيلثا الذي إذا سعط به المجنون برى‏ء١ .

و بالجملة ، كلّ ما وقفت عليه في اسناده نسبه عليه السّلام إلى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله و في أوائل الجزء ١٦ من ( أمالي ) ابن الشيخ ، بعد روايته الحديث بطرق قال أبو المفضل ، و هذا حديث لم يحدث به عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إلاّ أمير المؤمنين عليه السّلام من رواية الرضا عن آبائه عليهم السّلام ، و على هذا القول أئمة أصحاب الحديث في ما أعلم و احتجوا بهذا الحديث ، على المرجئة ، و لم يحدّث به في ما أعلم ، إلاّ موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السّلام ، و كنت لا أعلم ان أحدا رواه عن موسى بن جعفر عليه السّلام إلاّ ابنه الرضا عليه السّلام حتى حدثناه محمد بن علي بن معمر الكوفي ،

____________________

( ١ ) الوزراء لأبو الحسن الصابي ١٩٠ تحقيق عبد الستار أحمد فراج ، عيسى البابي ، ١٩٥٨ م .

٣٦٢

و ما كتبته إلاّ عنه ، عن عبد اللَّه بن سعيد البصري عن محمد بن صدقة و محمد بن تميم عن موسى بن جعفر عليه السّلام عن أبيه باسناده مثله سواء١ ، الخ فتراه صرّح بأنّه لم يروه عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إلاّ أمير المؤمنين عليه السّلام كما لم يروه عن أمير المؤمنين عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إلاّ الكاظم عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام ، و لم يروه عن الكاظم عليه السّلام إلاّ ابنه الرضا عليه السّلام في طرقه المروية و انما روى له ابن معمر طريقا آخر عن الكاظم عليه السّلام و كيف كان فروى أبو المفضل ، عن أبي حاتم ، قال أبو الصلت : لو قرى‏ء هذا الاسناد على مجنون لبرى‏ء باذن اللَّه ، و أن إسحاق بن راهويه قال لأبي الصلت أي اسناد هذا ؟ قال هذا سعوط المجانين هذا عطر الرجال ذوي الألباب و يصح نسبته إليه عليه السّلام لأن ما يقوله ، أوّل المعصومين عليه السّلام يقوله آخرهم ، و لأنّه عليه السّلام و النبي صلَّى اللَّه عليه و آله كنفس واحدة .

و قول المصنف ، و سئل عن الايمان فقال : هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

« و قال عليه السّلام و قد سئل عن الايمان » كما في ( ابن أبي الحديد و الخطيّة ) ،

قوله عليه السّلام .

« الايمان معرفة بالقلب » فما لم يكن معتقدا بالقلب ، لم يكن مؤمنا ، و لو أقرّ و عمل ، قال تعالى : و من الناس من يعبد اللَّه على حرفٍ فأن أصابه خير اطمأن به و أن أصابته فتنة انقلب على وجهه .٢ .

و في معارف ابن قتيبة كان أمية بن أبي الصلت قد قرأ الكتب ، و رغب عن عبادة الأوثان ، و كان يخبر بأن نبيّا يبعث قد أظل زمانه ، فلمّا سمع بخروج النبي صلَّى اللَّه عليه و آله كفر حسدا له ، و لمّا أنشد النبي صلَّى اللَّه عليه و آله شعره ، قال آمن لسانه و كفر قلبه .

____________________

( ١ ) أمالي الشيخ الطوسي ، حسن ابن الشيخ ٢ : ٦٣ ٦٤ مطبعة النعمان النجف .

( ٢ ) الحج : ١١ .

٣٦٣

هذا و في ( تاريخ بغداد ) ، قال عبّاد بن كثير قلت لأبي حنيفة رجل قال أعلم أن الكعبة حق و أنها بيت اللَّه ، و لكن لا أدري هي التي بمكة ، أو هي بخراسان ، أمؤمن هو ؟ قال نعم قلت له فما تقول في رجل قال أنا أعلم أن محمّدا رسول اللَّه ، و لكن لا أدري هو الذي كان بالمدينة ، و من قريش أو محمّد آخر ، أمؤمن هو ؟ قال نعم .

و فيه قال يحيى بن حمزة قال أبو حنيفة لو أن رجلا عبد هذه النعل يتقرّب بها إلى اللَّه لم أر بذلك بأسا .

و فيه ، قال القاسم بن حبيب ، وضعت نعلي في الحصى ، ثم قلت لأبي حنيفة أرأيت رجلا صلّى لهذه النعل حتى مات إلاّ انّه يعرف اللَّه بقلبه فقال مؤمن .

« و اقرار باللسان » فما لم يقرّ باللسان لم يكن مؤمنا و لو تيقن بالقلب قال تعالى و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلماً و علواً .١ .

و لمّا أراد النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قتل كعب بن أسيد في جملة بني قريظة ذكره قول حبر لهم بكونه نبيّا فقال له كعب : لو لا ان اليهود تعيّرني اني خشيت عند القتل لامنت بك ، و صدقتك و لكني على دين اليهود عليه أحيى و عليه أموت .

« و عمل بالأركان » فما لم يكن عمل ، لم يكن ايمان و لو كان مقرّا باللسان و معتقدا بالجنان .

قال تعالى انما المؤمنون الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم أيمانا و على ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقّاً .٢ و قال : . فان تابوا

____________________

( ١ ) النمل : ١٤ .

( ٢ ) الانفال : ٢ ٤ .

٣٦٤

و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فاخوانكم في الدين .١ و قال . و للَّه على الناس حجّ البيت من استطاع سبيلا و من كفر فان اللَّه غني عن العالمين٢ .

و روى الكراجكي في تفضيله مسندا عن جابر الأنصاري قال لمّا فرغ النبي صلَّى اللَّه عليه و آله من هوازن نزل بالطائف فتحصن أهله أياما فسأله القوم أن يفرج عنهم ليقدم و فدهم فيشترط و يشترطون لأنفسهم ، فسار حتى نزل مكة فقدم عليه نفر منهم باسلام قومهم و لم ينجع له القوم ، بالصلاة و لا بالزكاة فقال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله لا خير في دين لا ركوع فيه ، و لا سجود ، اما و الذي نفسي بيده ليقيمنّ الصلاة ، و ليؤتنّ الزكاة أو لأبعثن إليهم رجلا هو مني كنفسي فليضربن أعناق مقاتليهم ، و ليسبين ذراريهم ، هو هذا هو هذا ، ثم أخذ بيد علي عليه السّلام فأشالها٣ .

و في أسباب نزول الواحدي عن ابن عباس بلغنا و اللَّه أعلم ان آية يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و ذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللَّه و رسوله .٤ نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف ، و في بني المغيرة بن مخزوم كان بنو المغيرة يربون لثقيف ، فلمّا أظهر اللَّه تعالى رسوله على مكة ، وضع يومئذ الربا كلّه ، فأتى بنو عمرو ، و بنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد و هو على مكة فقال بنو المغيرة : جعلنا أشقى الناس بالربا ، وضع عن الناس غيرنا فقال بنو عمرو صولحنا على ان لنا ربانا فكتب عتاب في ذلك إلى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله فنزلت الآية ، فعرف بنو عمرو ان لا يدان لهم بحرب من اللَّه و رسوله .

____________________

( ١ ) التوبة : ١١ .

( ٢ ) آل عمران : ٩٧ .

( ٣ ) الكرجكي ، التفضيل : ٦ نشر جلال الدين ، طهران ١٣٢٩ ه .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٨ ٢٧٩ .

٣٦٥

هذا و في ( تاريخ بغداد ) ، قال شريك كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب اللَّه تعالى قال عز و جل . و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيامة١ و زعم أبو حنيفة ان الصلاة ليست من دين اللَّه .

هذا و أما ما رواه ( العيون ) باسناده ، ( عن محمد بن عبد اللَّه بن طاهر ، قال كنت واقفا على رأس أبي ، و عنده أبو الصلت الهروي ، و إسحاق بن راهويه ،

و أحمد بن محمد بن حنبل فقال أبي ليحدّثني كلّ واحد منكم بحديث فقال أبو الصلت الهروي حدّثني علي بن موسى الرضا عليه السّلام و كان و اللَّه رضى كما سمّي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السّلام ، قال : قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله : « الايمان قول و عمل » فلمّا خرجنا ، قال ابن حنبل ما هذا الاسناد فقال له أبي هذا سعوط المجانين ، إذا سعط به المجنون أفاق ) فلا ينافي العنوان لأن الغالب ان القول و العمل ، لا يكونان إلاّ عن معرفة بالقلب .

هذا و في ( الكافي ) عن الصادق ان بني أمية اطلقوا للناس تعليم الايمان و لم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم على الكفر لم يعرفوه .

و فيه عن سليم بن قيس قال سمعت عليّا عليه السّلام يقول و قال له رجل ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا ؟ و أدنى ما يكون به كافرا ؟ و أدنى ما يكون به ضالاّ ؟ قال سألت فافهم الجواب أما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرّفه اللَّه تعالى نفسه فيقرّ له بالطاعة و يعرّفه نبيّه فيقرّ له بالطاعة و يعرّفه امامه و حجّته في أرضه و شاهده على خلقه ، فيقرّ له بالطاعة ، فقال و ان جهل جميع الأشياء إلاّ ما وصفت ، قال نعم ، إذا أمر أطاع ، و إذا نهى انتهى و أدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم ان شيئا نهى اللَّه تعالى عنه انّه تعالى أمر به ، و نصبه

____________________

( ١ ) البينة : ٥ .

٣٦٦

دينا يتولى عليه و يزعم انّه يعبد الذي أمره به و انما يعبد الشيطان و أدنى ما يكون به العبد ضالا ، ألا يعرف حجّة اللَّه و شاهده على عباده الذي أمر اللَّه بطاعته و فرض ولايته ، فقال صفهم لي ، فقال عليه السّلام الذين قرنهم اللَّه بنفسه و نبيّه ، فقال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم .١ فقال : جعلت فداك أوضح لي فقال : الذين قال النبي صلَّى اللَّه عليه و آله في آخر خطبته يوم قبضه اللَّه تعالى إليه اني قد تركت فيكم أمرين ، لن تضلوا بعدي ما ان تمسكتم بهما ، كتاب اللَّه تعالى و عترتي أهل بيتي فان اللطيف الخبير أخبر انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض الخبر .

٦

من غريب كلامه ( ٥ ) و من حديثه عليه السّلام :

إِنَّ اَلْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي اَلْقَلْبِ كُلَّمَا اِزْدَادَ اَلْإِيمَانُ اِزْدَادَتِ اَللُّمْظَةُ « ان الايمان يبدو لمظة » أي : يسيرا ، يقال ( عنده لمظة من سمن ) أي يسير تأخذه باصبعك كالجوزة .

« في القلب كلما ازداد الايمان ازدادت اللمظة » في ( الكافي ) عن أبي عمرو الزبيري قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام أي الأعمال أفضل عند اللَّه ، قال ما لا يقبل اللَّه شيئا إلاّ به ، الايمان أعلى الأعمال درجة ، و اشرفها منزلة و أسنادها حظّا .

قلت أقول و عمل أم قول بلا عمل ؟ فقال الايمان عمل كلّه ، و القول بعض ذلك العمل يشهد له به الكتاب ، قلت صفه لي قال الايمان حالات و درجات ،

و طبقات و منازل ، فمنه التام المنتهى تمامه ، و منه الناقص البيّن نقصانه ، و منه الراجح الزائد رجحانه قلت ان الايمان ليتم و ينقص و يزيد ، قال نعم قلت كيف

____________________

( ١ ) النساء : ٥٩ .

٣٦٧

ذاك ؟ قال لأن اللَّه تعالى فرض الايمان على جوارح ابن آدم ، و قسّمه عليها و فرّقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلاّ و قد وكلت من الايمان به ، غير ما وكلت به اختها ، فمنها قلبه الذي به يعقل ، و يفقه و هو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح و لا تصدر إلاّ عن رأيه .

و منها عيناه اللتان يبصر بهما ، و اذناه اللتان يسمع بهما ، و يداه اللتان يبطش بهما ، و رجلاه اللتان يمشي بهما ، و فرجه الذي الباه من قبله ، و لسانه الذي ينطق به ، و رأسه الذي فيه وجهه ، فليس من هذه جارحة إلاّ و قد وكلت من الايمان به غير ما وكلت به اختها ، بفرض من اللَّه ، ففرض على القلب غير ما فرض على السمع و فرض على السمع غير ما فرض على العينين ، و فرض على العينين غير ما فرض على اللسان ، و فرض على اللسان غير ما فرض على اليدين ، و فرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين ، و فرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج ، و فرض على الفرج غير ما فرض على الوجه ، فاما ما فرض على القلب ، فالاقرار و المعرفة و العقل و الرضا و التسليم بأن لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له الها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و ان محمدا عبده و رسوله و الاقرار بما جاء به من عند اللَّه من نبي و كتاب ، فذلك ما فرض اللَّه على القلب و هو عمله و هو قوله تعالى :

إلاّ من أكره و قلبه مطمئن بالايمان و لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللَّه و لهم عذاب عظيم١ و قال . ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب٢ و قال . من الذين قالوا آمنا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم٣

____________________

( ١ ) النحل : ١٠٦ .

( ٢ ) الرعد : ٢٨ .

( ٣ ) المائدة : ٤١ .

٣٦٨

و قال : . ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللَّه فيغفر لمن يشاء و يعذِّب من يشاء .١ و عمله رأس الايمان و فرض اللَّه على اللسان القول و التعبير عن القلب بما عقد عليه و أقرّ به قال تعالى : . و قولوا للناس حسناً٢ و قال : . و قولوا آمنا بالّذي أُنزل إلينا و أُنزل إليكم و الهنا و الهكم واحد و نحن له مسلمون٣ و فرض اللَّه على السمع ، أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم اللَّه ، و ان يعرض عمّا لا يحل له ممّا نهى اللَّه تعالى عنه و الاصغاء إلى ما أسخط اللَّه تعالى فقال : و قد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم آيات اللَّه يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره .٤ ثم استثنى تعالى مواضع النسيان فقال : . و إما ينسينَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين٥ و قال : . فبشر عِبادِ الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه أُولئك الذين هداهم اللَّه و أُولئك هم أولوا الألباب٦ و قال : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو معرضون٧ و قال : . و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه .٨ و قال : . و إذا مروا باللغو مرّوا كراماً٩ و فرض على البصر ، أن لا ينظر إلى ما حرّم اللَّه عليه ، و ان يعرض عمّا نهى اللَّه عنه ممّا لا يحل له ، فقال

____________________

( ١ ) البقرة : ٢٨٤ .

( ٢ ) البقرة : ٨٣ .

( ٣ ) العنكبوت : ٤٦ .

( ٤ ) النساء : ١٤٠ .

( ٥ ) الانعام : ٦٨ .

( ٦ ) الزمر : ١٧ ١٨ .

( ٧ ) المؤمنون : ١ ٣ .

( ٨ ) القصص : ٥٥ .

( ٩ ) الفرقان : ٧٢ .

٣٦٩

تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم .١ فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم ، و ان ينظر المرء إلى فرج أخيه و يحفظ فرجه ، ان ينظر إليه ، و قال : و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ، و يحفظن فروجهن .٢ من أن تنظر احداهن إلى فرج اختها و تحفظ فرجها ، من أن ينظر إليه و كل شي‏ء جاء في القرآن في حفظ الفرج فهو التحفظ من الزنا إلاّ هذه الآية فانّها من النظر ثم نظم تعالى ما فرض في آية أخرى فقال و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم .٣ يعني بالجلود ، الفروج و الأفخاذ ، و قال : و لا تقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا .٤ هذا ما فرض اللَّه على العينين من عملهما من الايمان و فرض على اليدين ألا يبطش بهما إلاّ إلى ما أمر اللَّه تعالى به ، و فرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم ، و الجهاد في سبيل اللَّه ، و الطهور للصلاة كما في آية الوضوء و قال : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدّوا الوثاق فاما منا بعد و اما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .٥ و قال في الرجلين : و لا تمش في الأرض مرحاً انك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا٦ و قال : و اقصد في مشيك و اغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير٧ و قال في ما

____________________

( ١ ) النور : ٣٠ .

( ٢ ) النور : ٣١ .

( ٣ ) فصلت : ٢٢ .

( ٤ ) الإسراء : ٣٦ .

( ٥ ) محمد : ٤ .

( ٦ ) الاسراء : ٣٧ .

( ٧ ) لقمان : ١٩ .

٣٧٠

شهدت الأيدي و الأرجل على تضييعهما ، اليوم نختم على أفواههم و تكلّمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون١ و فرض على الوجه السجود له سبحانه ، فقال : يا أيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربّكم و افعلوا الخير لعلّكم تفلحون٢ .

و قال : و ان المساجد للَّه فلا تدعوا مع اللَّه أحداً٣ .

و لمّا صرف تعالى نبيه عن بيت المقدس إلى الكعبة أنزل الآية . و ما كان اللَّه ليضيع ايمانكم .٤ فسمّى الصلاة ايمانا فمن لقى اللَّه تعالى حافظا لجوارحه ، موفيا كلما فرض اللَّه تعالى عليها لقي اللَّه تعالى مستكملا لايمانه ،

و هو من أهل الجنة ، و من خان في شي‏ء منها أو تعدّى ما أمر اللَّه تعالى به لقى اللَّه ناقص الايمان .

قلت قد فهمت نقصان الايمان و تمامه فمن أين جاءت زيادته ؟ قال قوله تعالى و إذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه ايماناً فاما الذين آمنوا فزادتهم ايماناً و هم يستبشرون و اما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم .٥ .

و قال : نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدىً٦ و لو كان الايمان كلّه واحدا لا زيادة فيه و لا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ، و لكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنّة ، و بالزيادة

____________________

( ١ ) يس : ٦٥ .

( ٢ ) الحج : ٧٧ .

( ٣ ) الجن : ١٨ .

( ٤ ) البقرة : ١٤٣ .

( ٥ ) التوبة : ١٢٤ ١٢٥ .

( ٦ ) الكهف : ١٣ .

٣٧١

في الايمان يتفاضل المؤمنون بالدرجات عند اللَّه ، و بالنقصان دخل المفرطون النار .

هذا و في تاريخ بغداد ، قال : شريك كفر أبو حنيفة بآيتين من كتاب اللَّه احداهما . ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم .١ و زعم أبو حنيفة ان الايمان لا يزيد و لا ينقص ، و قال الفزاري قال أبو حنيفة ايمان آدم ، و ايمان ابليس واحد ،

قال ابليس : . ربِّ بما أغويتني .٢ رب فأنظرني إلى يوم يبعثون٣ ،

و قال آدم : . ربنا ظلمنا أنفسنا .٤ .

و فيه ، قال القاسم بن عثمان مر أبو حنيفة بسكران يبول قائما ، فقال له أبو حنيفة : لو بلت جالسا فنظر في وجه أبي حنيفة و قال ألا تمر يا مرجى‏ء فقال له أبو حنيفة هذا جزائي منك ، صيّرت ايمانك كايمان جبرئيل .

قول المصنف « و اللّمظة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( اللّمظة ) كما في ( ابن ميثم و الخطّية ) و كذا ( ابن أبي الحديد ) .

و اللّمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض ، و اما اللماظة فما يبقى في الفم من الطعام .

و منه قيل ( فرس المظ ) إذا كان بجحفلته ( أي : شفته قالوا الجحفلة للخيل و البغال كالشفة للإنسان ) .

شي‏ء من البياض و قال في ( الجمهرة ) ، و أكثر ما يستعمل إذا كان البياض في جحفلته السفلى ، فإذا كان في العليا فالفرس أرثم .

هذا و في ( العقد ) ، كان خالد بن صفوان يقول ما في قلب بلال بن أبي

____________________

( ١ ) الفتح : ٤ .

( ٢ ) الحجر : ٣٩ .

( ٣ ) الحجر : ٣٦ .

( ٤ ) الاعراف : ٢٣ .

٣٧٢

بردة بن أبي موسى من الايمان إلاّ ما في بيت أبي الزرد الحنفي من الجوهر أبو الزرد : رجل مفلس .

٧

من الخطبة ( ١٩٣ ) من خطبة له عليه السّلام (( في فضل الاسلام )) :

ثُمَّ إِنَّ هَذَا اَلْإِسْلاَمَ دِينُ اَللَّهِ اَلَّذِي اِصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَ اِصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ وَ أَصْفَاهُ خِيَرَةَ خَلْقِهِ وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ أَذَلَّ اَلْأَدْيَانَ بِعِزَّتِهِ وَ وَضَعَ اَلْمِلَلَ بِرَفْعِهِ وَ أَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ وَ خَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ وَ هَدَمَ أَرْكَانَ اَلضَّلاَلَةِ بِرُكْنِهِ وَ سَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِهِ وَ أَتْأَقَ اَلْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ لاَ اِنْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ وَ لاَ فَكَّ لِحَلْقَتِهِ وَ لاَ اِنْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ وَ لاَ زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ وَ لاَ اِنْقِلاَعَ لِشَجَرَتِهِ وَ لاَ اِنْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ وَ لاَ عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ وَ لاَ جَذَّ لِفُرُوعِهِ وَ لاَ ضَنْكَ لِطُرُقِهِ وَ لاَ وُعُوثَةَ لِسُهُولَتِهِ وَ لاَ سَوَادَ لِوَضَحِهِ وَ لاَ عِوَجَ لاِنْتِصَابِهِ وَ لاَ عَصَلَ فِي عُودِهِ وَ لاَ وَعَثَ لِفَجِّهِ وَ لاَ اِنْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِهِ وَ لاَ مَرَارَةَ لِحَلاَوَتِهِ فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي اَلْحَقِّ أَسْنَاخَهَا وَ ثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا وَ يَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا وَ مَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا وَ مَنَارٌ اِقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا وَ أَعْلاَمٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا وَ مَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا جَعَلَ اَللَّهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ وَ ذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ وَ سَنَامَ طَاعَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ وَثِيقُ اَلْأَرْكَانِ رَفِيعُ اَلْبُنْيَانِ مُنِيرُ اَلْبُرْهَانِ مُضِي‏ءُ اَلنِّيرَانِ عَزِيزُ اَلسُّلْطَانِ مُشْرِفُ اَلْمَنَارِ مُعْوِذُ اَلْمَثَارِ فَشَرِّفُوهُ وَ اِتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ مَوَاضِيعَهُ « ثم ان هذا الاسلام دين اللّه الذي اصطفاه لنفسه » استدل له بقوله تعالى

٣٧٣

ان الدين عند اللَّه الاسلام .١ و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين٢ و معنى اصطفاء اللَّه له لنفسه ، اختياره له ليدين عباده به فهو في الحقيقة ، اصطفاه لعباده قال يعقوب لبنيه . يا بني ان اللَّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون٣ .

« و اصطنعه على عينه » الأصل فيه قوله تعالى : . و لتصنع على عيني٤ قال في التبيان : و تقديره انا أراك ، يجري أمرك على ما أريد بك ، من الرفاهية في غذائك .

« و اصفاه » أي : آثر به ، و اخلص .

« خيرة خلقه » من الأولين و الآخرين ، نبينا خاتم النبيين .

روى ( الاكمال ) عن أبان الاحمر عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال لمّا دعا النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بكعب بن أسد ليضرب عنقه في بني قريظة نظر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله إليه و قال له يا كعب اما نفعك وصيّة ابن حواش الحبر الذي أقبل من الشام فقال تركت الخمر و الخمير ، و حبئت إلى البؤس و التمور ، لنبي يبعث هذا أو ان خروجه ، يكون مخرجه بمكة ، و هذه دار هجرته ، و هو الضحوك القتال يجتزي بالكسرة و التمرات و يركب الحمار العاري في عينيه حمرة ،

و بين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي بمن لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر قال كعب قد كان ذلك يا محمد ، و لو لا ان اليهود تعيّرني اني خشيت عند القتل لآمنت بك . .

« و أقام دعائمه على محبّته » جمع الدعامة عماد البيت .

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٩ .

( ٢ ) آل عمران : ٨٥ .

( ٣ ) البقرة : ١٣٢ .

( ٤ ) طه : ٣٩ .

٣٧٤

و اعلموا ان فيكم رسول اللَّه لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم و لكن اللَّه حبّب إليكم الايمان و زيّنه في قلوبكم و كره إليكم الكفر و الفسوق و العصيان .١ .

و ألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما الفت بين قلوبهم و لكن اللَّه الف بينهم انّه عزيز حكيم٢ .

« أذل الأديان بعزّته » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( بعزّه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ، و لا يحزنك قولهم ان العزّة للَّه جميعاً هو السميع العليم٣ .

« و وضع الملل برفعه » استدل بقوله تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون٤ .

و في خبر بحير الراهب ( قال للنبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله قبل نبوّته ) أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قمئة .

و في خبر خالد بن أسيد عن كبير الرهبان لمّا أخبره خالد بأن معهم شابا من بني هاشم يسمّونه يتيم أبي طالب فو اللَّه لقد نخر نخرة كاد أن يغشى عليه ، ثم وثب ، و قال أوه أوه هلكت النصرانية و المسيح .

و في خبر يوسف اليهودي لمّا عرضوا النبي صلَّى اللَّه عليه و آله حين ولادته عليه ،

وقع مغشيا عليه فضحكت قريش منه فقال أتضحكون يا معشر قريش ، هذا نبي السيف ليتبرنكم و قد ذهبت النبّوة من بني اسرائيل إلى الأبد رواها ( الاكمال ) .

____________________

( ١ ) الحجرات : ٧ .

( ٢ ) الانفال : ٦٣ .

( ٣ ) يونس : ٦٥ .

( ٤ ) الصف : ٩ .

٣٧٥

« و أهان أعداءه بكرامته » هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم ان يخرجوا و ظنّوا انّهم مانعتهم حصونهم من اللَّه فاتاهم اللَّه من حيث لم يحتسبوا و قذف في قلوبهم الرعب يخرّبون بيوتهم بأيديهم و أيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار١ .

« و خذل محاديه بنصره » و قد اعترف محادوه بخذلان اللَّه لهم .

و في الطبري في أمر النبي صلَّى اللَّه عليه و آله بضرب أعناق بني قريظة و هم ستمائة أو سبعمائة و قيل ثمانمائة أو تسعمائة حتى فرغ منهم و أتى بحي بن أخطب عدوّ اللَّه و عليه حلّة قد شققها عليه من كلّ ناحية كموضع الانملة ، لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلمّا نظر إلى النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قال أما و اللَّه ما لمت نفسي في عداوتك ، و لكن من يخذل اللَّه يخذل ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس لا بأس بأمر اللَّه كتاب اللَّه و قدره و ملحمة قد كتبت على بني اسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه فقال جبل الثعلبي :

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه

و لكنه من يخذل اللَّه يخذل

لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها

و قلقل يبغي العز كلّ مقلقل

« و هدم أركان الضلالة بركنه » قال الجوهري ركن الشي‏ء جانبه الأقوى .

« و سقى من عطش من حياضه » من الاحبار و الرهبان الذين كانوا منتظرين له و الأنصار الذين كانوا شائقين إليه .

و في ( معارف ) ابن قتيبة ، كان أبو قيس صرمة بن أبي أنس النجاري قد ترهب قبل الاسلام و فارق الأوثان ، و لبس المسوح ، و اتخذ بيته مسجدا ، لا يدخله جنب و لا طامث ، و قال : اعبد ربّ إبراهيم فلمّا قدم النبي صلَّى اللَّه عليه و آله المدينة أسلم و قال في النبي صلَّى اللَّه عليه و آله :

____________________

( ١ ) الحشر : ٢ .

٣٧٦

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة

بمكة لا يلقى صديقا مؤاتيا

و يعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يوفي و لم ير داعيا

فلمّا أتانا أظهر اللَّه دينه

و أصبح مسرورا بطيبة راضيا

و أصبح لا يخشى من الناس واحدا

بعيدا و لا يخشى من الناس دانيا

بذلنا له الأموال في كلّ ملكنا

و أنفسنا عند الوغى و التأسيا

و نعلم ان اللَّه لا ربّ غيره

و ان رسول اللَّه للحق رائيا

نعادي الذي عادى من الناس كلّهم

جميعا و ان كان الحبيب المصافيا

« و اتاق » أي : ملأ .

« الحياض لمواتحه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( بمواتحه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) أي : مستقيه .

« ثم جعله لا انفصام » أي : لا انكسار .

« لعروته » من عروة الكوز .

« و لا فك لحلقته » بالتسكين من حلقة الدروع .

« و لا انهدام لأساسه » و هو القرآن و قد قال تعالى : انّا نحن نزلنا الذكر و انّا له لحافظون١ .

« و لا زوال لدعائمه » أي : أعمدته .

و في ( الكافي ) ، قال عيسى بن السري لأبي عبد اللَّه عليه السّلام حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الاسلام إذا أخذت بها زكا عملي و لم يضرّني جهل ما جهلت بعده ،

فقال شهادة ان لا إله إلاّ اللَّه و ان محمّدا رسوله و الإقرار بما جاء به من عند اللَّه و حق في الأموال و الولاية التي أمر اللَّه بها ولاية آل محمّد عليهم السّلام فان النبي صلَّى اللَّه عليه و آله قال : من مات لم يعرف امامه مات ميتة جاهلية ، و أحوج ما يكون أحدكم إلى

____________________

( ١ ) الحجر : ٩ .

٣٧٧

معرفته إذا بلغت نفسه ههنا و أهوى بيده إلى صدره و قال تعالى : أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول ، و أُولي الأمر منكم .

« و لا انقلاع لشجرته » لاستحكام عروقها قال تعالى : كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أُكلها كلّ حين باذن ربّها .١ .

« و لا انقطاع لمدته » لأن حلال محمّد صلَّى اللَّه عليه و آله حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة لأنّه لا ناسخ له .

« و لا عفاء » أي : اندراس و انمحاء .

« لشرائعه » مشارع شاربيه .

« و لا جذّ » أي : لا كسر و لا قطع .

« لفروعه » كأصوله .

« و لا ضنك » أي : لا ضيق .

« لطرقه » قال تعالى . ما جعل عليكم في الدين من حرج .٢ .

« و لا وعوثة » الوعث مكان تفيث فيه الأقدام ، و يشقّ على من يمشي فيه « لسهولته » الذين يتّبعون الرسول النبي الأُمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال التي كانت عليهم .٣ .

« و لا سواد لوضحه » أي : بياضه .

« و لا عوج لانتصابه » أي : استقامته و استدل له بقوله تعالى : قل انني

____________________

( ١ ) ابراهيم : ٢٤ ٢٥ .

( ٢ ) الحج : ٧٨ .

( ٣ ) الاعراف : ١٥٧ .

٣٧٨

هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيّماً ملّة إبراهيم حنيفاً .١ .

« و لا عصل في عوده » قال الجوهري : العصل التواء في عسيب الذنب حتى يبدو بعض باطنه الذي لا شعر عليه .

« و لا وعث لفجه » قال الجوهري الفج الطريق الواسع بين الجبلين .

« و لا انطفاء لمصابيحه » يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم و يأبى اللَّه إلاّ أن يتمّ نوره و لو كره الكافرون٢ يريدون ليطفئوا نور اللَّه بأفواههم و اللَّه متمّ نوره و لو كره الكافرون٣ .

« و لا مرارة لحلاوته » . و من كان مريضاً أو على سفرٍ فعدّة من أيام أُخر يريد اللَّه بكم اليسر و لا يريد بكم العسر .٤ أحل لكم ليلة الصيام الرفث نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم اللَّه انّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم .٥ .

ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين و ان يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً .٦ ثم نسخ ذلك لصعوبته فقال : الأن خفف اللَّه عنكم و علم ان فيكم ضعفاً فان يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين و ان يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين باذن اللَّه و اللَّه مع الصابرين٧ .

« فهو دعائم » أي : أعمدة .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٦١ .

( ٢ ) التوبة : ٣٢ .

( ٣ ) الصف : ٨ .

( ٤ ) البقرة : ١٨٥ .

( ٥ ) البقرة : ١٨٧ .

( ٦ ) الانفال : ٦٥ .

( ٧ ) الانفال : ٦٦ .

٣٧٩

« اساخ » أي : ادخل .

« في الحق أسناخها » أي : اصولها .

هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحقّ ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون .

« و ثبت لها اسسها » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « آساسها » على وزن ( اسناخها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و ان كان كلّ منهما جمعاً ( اسس جمع أساس ) و ( آساس ) جمع ( أس ) كما يفهم من الصحاح .

و ما امروا إلاّ ليعبدوا اللَّه مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيامة١ .

« و ينابيع غزرت » بتقديم الزاي ، أي : كثرت .

« عيونها » مواضع النبع التي كالعيون .

« و مصابيح شبت نيرانها » أي : أوقدت .

« و منار » قال الجوهري : المنار علم الطريق ، و ذو المنار ملك من اليمن أول من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع .

« اقتدى بها سفّارها » أي : مسافروها .

« و أعلام » أي : جبال قال : « إذا قطعن علما بدا علم » .

« قصد بها فجاجها » أي : الطريق بينها هينة السير لا تعب فيه .

« و مناهل » قال الجوهري تسمى المنازل التي في المفاوز ، على طرق السفر مناهل لأن فيها ماء .

« روي » من ( روى من الماء ) ، بالكسر و أما ( روى الحديث ) فبالفتح .

« بها ورّادها » و اردوها .

____________________

( ١ ) البينة : ٥ .

٣٨٠