بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113565 / تحميل: 3929
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

و لا تشيموا بارقها ، في الصحاح ( شمت البرق ) : إذا نظرت إلى سحابته أين تمطر١ .

« و لا تستمعوا ناطقها في ( ابن أبي الحديد ) و غيره ( و لا تسمعوا ناطقها ) فهو الصحيح و المعنى أبلغ .

« و لا تجيبوا ناعقها » من نعق الرّاعي بغنمه : صاح بها قال الأخطل :

انعق بضانك يا جرير فانّما « و لا تستضيئوا باشراقها » أي : اضاءتها و تلألؤها .

« و لا تفتنوا بأعلاقها » قال ابن أبي الحديد : الاعلاق جمع علق و هو الشي‏ء النفيس٢ .

قلت : بل مطلق المتاع و لو الخسيس و تخصيصه بالنفيس و هم الأصل فيه الجوهري فقال : العلق بالكسر النفيس من كلّ شي‏ء يقال علق مضنّة أي : ما يضنّ به٣ .

فكلامه كما ترى في معنى العلق النفيس ، لأنّه يقال علق نفيس يضنّ به صاحبه ، ثمّ أيّ نفائس للدنيا حتى يقول عليه السّلام : لا تفتنوا بنفائسها ، و انّما لها أمتعة مموّهة .

« فإن برقها خالب » هو تعليل لقوله عليه السّلام « و لا تشيموا بارقها » و البرق الخلب الّذي لا غيث فيه كأنّه خادع قال الجوهري و منه قيل لمن يعد و لا ينجز انّما أنت كبرق خلّب ، قال : و يقال ( برق خلب ) بالإضافة٤ .

قلت : و الأصل التوصيف كما في قوله ( لم يكن معروفك برقا خلّبا ، إن خير

____________________

( ١ ) الصحاح : ( شيم ) .

( ٢ ) الصحاح : ( علق ) .

( ٣ ) الصحاح : ( علق ) .

( ٤ ) الصحاح : ( خلب ) .

٢١

البرق ما الغيث معه .

« و نطقها كاذب » تعليل لقوله عليه السّلام « و لا تسمعوا ناطقها » و ما الحياة الدُّنيا إلاّ متاع الغرور١ .

« و أموالها محروبة و أعلاقها مسلوبة » هما معا تعليل لقوله عليه السّلام « و لا تفتنوا بأعلاقها » و حرب المال إذا أخذ و ترك صاحبه بلا شي‏ء ، قال تعالى و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٢ هذا و كأنّه سقط تعليل قوله عليه السّلام « و لا تجيبوا ناعقها » و قوله عليه السّلام « و لا تستضيئوا باشراقها » من النّسّاخ و لعلّ الأوّل ( و نعقها من الذّئاب ) و الثاني ( و ضياؤها ظلمة ) .

« ألا و هي المتصدّية العنون » في ( الصحاح ) : تصدّى له : أي تعرّض ، و هو الذي يستشرقه ناظرا إليه٣ .

و عنّ : أي عرض و اعترض ، شبّهها عليه السّلام بمرأة بغيّ تتصدّى للرجال و تعرض نفسها عليهم و لا تبقى عند أحد منهم فقالوا : الدّنيا كعروس مجلوّة تسرّ خطّابها و هي لهم قاتلة ، الدنيا قحبة فيوما عند عطّار و يوما عند بيطار٤ .

« و الجامحة الحرون » الفرس الجامح : الّذي لا يملكه راكبه ، و الفرس الحرون : الذي لا ينقاد ، شبّهها عليه السّلام بفرس شموس لا ينقاد لصاحبه ، و قيل بالفارسية :

بر ابلق زمانه سوار استى الحذر

زين اسب سركش بد چشم بد لگام

و قال شاعر :

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٨٥ .

( ٢ ) الأنعام : ٩٤ .

( ٣ ) الصحاح : ( صدى ) .

( ٤ ) الطرائف للمقدسي : ١٠ .

٢٢

لقد قال فيها الواصفون و أكثروا

و عندي لها وصف لعمري صالح

سلاف قصاراه ذعاف و مركب

شهيّ إذا استلذذته فهو جامح١

« و المائنة الخؤون » المين : الكذب ، شبّهها عليه السّلام بمرأة تكذب مع زوجها في حبّه ، و تخونه في التمكين من غيره ، قال ابن بسّام :

يا عجبا منها و من شأنها

عدوّة للنّاس معشوقة٢

و قيل بالفارسيّة :

مجو درستى عهد از جهان سست نهاد

كه اين عجوزه عروس هزار داماد است٣

« و الجحود الكنود » في ( الصّحاح ) : جحد الرجل بالكسر فهو جحد إذا كان ضيّقا قليل الخير٤ .

و كند ، أي : كفر النّعمة فهو كنود و امرأة كنود أيضا ، شبّهها عليه السّلام بمرأة تجحد احسان زوجها إليها و تكفر نعمته عندها و للنّساء تخصّص في هذا الوصف .

« و العنود الصّدود » في ( الأساس ) : رجل عنيد : يعرف الحقّ فيأباه فيكون منه في شق ، من العند و هو الجانب ، و رجل عنود : يحلّ وحده ، لا يخالط النّاس ،

قال :

و مولى عنود الحقته جريرة

و قد تلحق المولى العنود الجرائر٥

و الصدّ : الاعراض .

____________________

( ١ ) الطرائف للمقدسي : ١٠ .

( ٢ ) المصدر نفسه : ٩ .

( ٣ ) ديوان حافظ : ٢٧ .

( ٤ ) الصحاح : ( جحد ) .

( ٥ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٣١٤ ( ع ن د ) .

٢٣

« و الحيود الميود » حاد عن الشي‏ء مال عنه و ماد الشي‏ء : أي تحرّك و اضطرب ، قال البحتري في محبوبته :

فكم في الدّجى من فرحة بلقائها أي : في النّوم

و من ترحة بالبين منها لدى الفجر

إذا اللّيل أعطانا من الوصل بلغة

ثنتنا تباشير النّهار إلى الهجر١

« حالها انتقال » قال ابن أبي الحديد : يجوز أن يعني به أنّ سجيّتها انتقال ،

و يجوز أن يعني به أنّه و إن كان ، إنّما الموجود من الزّمان هو الحاضر لأنّ الماضي و المستقبل لا وجود لهما الآن إلاّ أنّ الذي يحكم عليه العقلاء بالحضور ، أيضا ليس بحاضر بل هو سيّال متغيّر٢ ، و قال باقي الشرّاح قريبا منه .

قلت : قرأوا قوله عليه السّلام « حالها » بتخفيف اللاّم من الحول فوقعوا في أوهام و انّما هو « حالّها » بتشديد اللاّم من الحلول ، و الحلول ضدّ الانتقال أراد عليه السّلام أن يثبت لكل صفة من الدنيا أثر ضدّها فقال عليه السّلام « حلولها انتقال » ،

و يشهد ذلك قوله عليه السّلام بعد « و وطأتها زلزال ، و عزّها ذلّ ، و جدّها هزل ، و علوّها سفل » فترى حمل عليه السّلام على كلّ صفة منها ضدّها و أين كلامه عليه السّلام ممّا قال هذا الزّمان الحاضر ثابت أو سيّال ، ثم حمل ( الانتقال ) على الحال إمّا مبالغة و امّا كان الأصل ( على الانتقال ) .

« و وطأتها زلزال » قال ابن أبي الحديد : الوطأة كالضّغطة و منه قوله صلّى اللَّه عليه و آله :

( اللّهمّ أشدد و طأتك على مضر ) ، و أصلها موضع القدم و الزّلزال : الشدّة

____________________

( ١ ) ديوان البحتري ٢ : ٢١١ يمدح المعتز .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١٢٣ .

٢٤

العظيمة ، و قال الراوندي : ( يريد أنّ سكونها حركة من قولك ( وطؤ الشي‏ء ) أي :

صار وطيئا ذا حال ليّنة و موضع وطي أي : وثير ) و هذا خطأ لأنّ المصدر من ذلك ( وطآءة ) بالمدّ و هنا ( وطأة ) ساكن الطاء فأين أحدهما من الآخر١ .

قلت : بل الحقّ مع الرّاوندي من كون المراد من كون ( وطأة الدنيا زلزالا ) ( ان سكونها حركة ) فانّه عليه السّلام في مقام أن يثبت لكلّ صفة منها في الظّاهر ضدّها في الباطن كما عرفت و قوله : الوطأة كالضغطة و منه قوله صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم اللّهمّ اشدد و طأتك على مضر ، و هم تبع فيه الجوهري كقوله : ( و أصلها موضع القدم ) فانّ الأصل في الوطأة وضع القدم ، و انّما موضع القدم ( الموطأ ) قال تعالى و لا يطؤون موطأ يغيظ الكفّار .٢ ، و منشأ و هم الجوهري في قوله « الوطأة موضع القدم و هو أيضا كالضغطة ، و في الحديث : ( اللّهمّ اشدد وطأتك على مضرّ )٣ جعله معنى : أشدد وطأتك ، جملة الموطأة منفردا نظير جعله معنى ( علق مضنة ) للعلق منفردا ، و لا ريب أنّ ( وطأتها ) في كلامه عليه السّلام من ( صار الشي‏ء وطيئا ) كما قال الراوندي ، لما عرفت من شهادة السياق و هل رأى ابن أبي الحديد ( الوطأة ) بسكون الطاء في خطّه عليه السّلام أو سمعه من لفظه ،

و إنّما رأى خطّ النسّاخ ، و في الخطّ يكتبان على شكل واحد و لم يضع النّاسخ المدّ .

« و عزّها ذل » أهل الدّنيا لم يصيروا ذوي عزّة قطّ فإنّما العزّة للَّه و لرسوله و للمؤمنين ، و انّما قد يصيرون ذوي اقتدار في صورة أهل العزّة ، و سريعا يسلب عنهم مع أنّهم في حال اقتدارهم أذلاّء لكونهم

____________________

( ١ ) المصدر نفسه .

( ٢ ) التوبة : ١٢٠ .

( ٣ ) الصحاح : ( وطأ ) .

٢٥

منقطعين عن اللَّه تعالى .

« وجدّها هزل » قالت بنت النعمان بن المنذر :

فبيّنا نسوس الناس و الأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف١

« دار حرب و سلب و نهب و عطب » أي : هلاك ، قالوا : يسار الدّهر في الأخذ أسرع من يمينه في البذل ، لا يعطي بهذه إلاّ ارتجع بتلك ، و لا يؤمن يومه و يخاف غده و يرضع ثديه و يخرج يده٢ .

« أهلها على ساق و سياق » قال الشاعر :

و ما النّاس إلاّ مثل سيّقة العدا

ان استقدمت نحر و ان جبأت عقر

و ما النّاس في شي‏ء من الدّهر و المنى

و ما النّاس إلاّ سيّقات المقادر

« و لحاق » بالأموات .

« و فراق » من الأحياء قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لابنته فاطمة عليها السّلام : ( إنّك أوّل أهل بيتي لحوقا بي ) و قال لأزواجه : ( أطو لكنّ يدا أسرعكنّ بي لحوقا )٣ فكانت زينب بنت جحش .

و في دعاء المقابر : أنتم لنا فرط و انّا انشاء اللَّه بكم لاحقون٤ .

و قال تعالى : كلاّ إذا بلغت التّراقي و قيل من راق و ظنّ انّه الفراق و التفّت السّاق بالسّاق إلى ربِّك يومئذ المساق٥ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٥٣ .

( ٢ ) لم نعثر عليه .

( ٣ ) المجلسي في البحار عن النهاية ١٨ : ١١٤ ، و في النهاية لابن الأثير ٥ : ٢٩٤ ( يد ) .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٢٩ ح ٥ .

( ٥ ) القيامة : ٢٦ ٣٠ .

٢٦

« قد تحيّرت مذاهبها » كالّذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا .١ .

« و أعجزت مهاربها » و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشدّ منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص٢ .

« و خابت مطالبها » قد أفلح من زكّاها و قد خاب من دسّيها٣ ،

و استفتحوا و خاب كلّ جبار عنيد٤ ، و قال الشاعر :

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة

و ما هي إن غرّت قرونا بطائل٥

« فاسلمتهم المعاقل » و المعقل : الملجأ ، قال تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ .٦ .

« و لفظتهم المنازل » من قولهم لفظت الشي‏ء من فمي أي : رميته .

« و أعيتهم » من داء عياء : صعب لا دواء له ، كأنّه أعيى الأطباء .

« المحاول » من ( حاولت الشي‏ء ) : طلبته بحيلة .

« فمن ناج معقور » أي : مجروح ، قالوا : انحدر أبو العيناء مع ثمانين نفرا في زورق من بغداد إلى البصرة فغرقوا و نجا ، تعلّق بطلال الزّورق فلّما دخل البصرة٧ مات .

« و لحم مجزور » في ( الصحاح ) : جزر السّباع : اللحّم الذي تأكله السباع٨ .

____________________

( ١ ) الأنعام : ٧١ .

( ٢ ) ق : ٣٦ .

( ٣ ) الشمس : ٩ ١٠ .

( ٤ ) إبراهيم : ١٥ .

( ٥ ) منسوب لأمير المؤمنين عليه السّلام في الديوان : ١٢٤ .

( ٦ ) النساء : ٧٨ .

( ٧ ) مروج الذهب ٤ : ٢٣٥ .

( ٨ ) الصحاح : ( جزر ) .

٢٧

و في ( المروج ) : أصيب كفّ عبد الرحمن بن عتاب من مقتولي الجمل مع عايشة بمنى ألقاها عقاب و فيها خاتم نقشه ( عبد الرحمن بن عتاب ) و كان اليوم الذي وجد فيه الكفّ بعد يوم الجمل بثلاثة أيّام و قطع على خطام جمل عايشة سبعون يدا من بني ضبّة معهم كعب بن سور القاضي متقلّدا مصحفا ،

كلّما قطع يد واحد منهم قام آخر و قال : أنا الغلام الضّبيّ١ .

« و شلو مذبوح » في ( الصحاح ) : الشّلو العضو من أعضاء اللحم٢ .

و الظاهر أنّه هنا بمعنى البقيّة من قولهم « بقيت أشلاء من تميم » : بقايا .

« و دم مسفوح » أي : مسفوك .

في ( خلفاء ابن قتيبة ) : كتب عبد الملك إلى الحجّاج يأمره بالمسير إلى العراق و يحتال لقتلهم فتوجّه و معه ألفا رجل من مقاتلة أهل الشام ، و تحرّى دخول البصرة يوم الجمعة في حين أوان الصّلاة و أمر من معه أن يتفرّقوا على أبواب المسجد على كلّ باب مائة رجل بأسيافهم تحت أرديتهم و عهد إليهم إن إذا سمعتم الجلبة داخل المسجد فلا يخرجنّ أحد من باب المسجد حتّى يسبقه رأسه إلى الأرض و كان المسجد له ثمانية عشر بابا فبدر ألف و ثمانمائة على كلّ باب مائة و جلسوا مرتدين و دخل الحجّاج و بين يديه مائة و خلفه مائة كلّ منهم مرتد بردائه و سيفه ، قد أفضى به إلى داخل إزاره و قال لهم : إنّي إذا دخلت فسأكلّم القوم في خطبتي و سيحصبوني ، فاذا رأيتموني وضعت عمامتي على ركبتي فضعوا أسيافكم ، فلمّا دخل المسجد و قد حانت الصلاة صعد المنبر ، و قال : إنّ الخليفة ولاّني مصركم و قسمة فيئكم ،

و إنصاف مظلومكم ، و إمضاء الحكم على ظالمكم ، و أخبركم أنّه قلّدني حين

____________________

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧١ .

( ٢ ) الصحاح : ( شلا ) .

٢٨

توليتي بسيفين : سيف رحمة ، و سيف نقمة ، فأمّا سيف الرحمة فسقط منّي في الطريق ، و امّا سيف النقمة فهو هذا و سلّ سيفه فحصبه النّاس ، فلمّا أكثروا عليه خلع عمامته فوضعها على ركبته ، فجعل السّيوف تبري الرقاب ، فلما سمع الخارجون الكائنون على الأبواب وقيعة الدّاخلين و تسارع الناس إلى الخروج تلقوهم بالسّيوف فارجعوا الناس إلى جوف المسجد ، و لم يتركوا خارجا يخرج من المسجد فقتل منهم بضعا و سبعين ألفا حتّى سالت الدماء إلى باب المسجد و إلى السّكك١ .

« و عاض على يديه » من النّدامة و يوم يعضُّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلا يا ليتني لم اتّخذ فلاناً خليلاً لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني و كان الشّيطان للإنسان خذولا٢ .

« و صافق بكفيّه » في ( الصحاح ) : الصّفق : الضّرب الذي يسمع له صوت ،

و التّصفيق باليد : التصويت بها٣ .

« و مرتفق بخدّيه » أي : جعل خدّيه على مرفقه .

« و زار على رأيه » قال أبو عمرو : الزّاري على آخر : الّذي لا يعدّه شيئا و ينكر عليه فعله٤ .

في ( المروج ) : جرح عبد الملك بن مروان في الجمل طلحة في جبهته و رماه أبوه مروان في أكحله .

قلت : انتقاما لعثمان و كانوا جميعا في عسكر عايشة ، فوقع طلحة صريعا و سمع و هو يقول :

____________________

( ١ ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ( الامامة و السياسة ) ٢ : ٣٢ .

( ٢ ) الفرقان : ٢٧ ٢٩ .

( ٣ ) الصحاح : ( صفق ) .

( ٤ ) الصحاح : ( زرى ) : ٢٣٦٧ .

٢٩

ندمت ندامة وضلّ حلمي

و لهفي ثمّ لهف أبي و أمّي

ندمت ندامة الكسعي لمّا

طلبت رضا بني حزم بزعمي١

« و راجع عن عزمه » رجع الزّبير لمّا ذكّره أمير المؤمنين عليه السّلام قول النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله له بقتاله معه عليه السّلام ظلما و ترك العسكرين .

« و قد أدبرت الحيلة » حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ ارجعون لعلّي أعمل صالحا في ما تركت كلاّ انّها كلمةٌ هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون٢ « و أقبلت العيلة » في ( الصحاح ) : قتله غيلة : إذا ذهب به إلى موضع خدعة فقتله٣ .

« و لات حين مناص » اقتباس من الآية في سورة ( ص ) كم أهلكنا قبلهم من قرن فنادوا و لات حين مناص٤ قال أبو عبيد ( لات ) هي ( لا ) و ( التّاء ) انّما زيدت في ( حين ) و ان كتبت مفردة ، فقال أبو وحزة : ( العاطفون تحين ما من عاطف ) ، و قال المورج : بل زيدت في لا كما تزاد في ( ربّ )٥ و ( ابن ميثم ) قلت :

و هو أصحّ لكتابتها مفردة و لوجودها مع عدم ( حين ) في قوله : ( هنّت و لات هنّت ) و ( المناص ) التأخّر أي : ليس ذاك الوقت وقت تأخّر و فرار .

« هيهات هيهات » ذكر الجوهري ( هيهات ) في ( هيه ) و قال : انّها كلمة تبعيد ،

و أقول : و كأنّه لا تستعمل إلاّ مكرّرة كما في كلامه عليه السّلام بتصديق ابن أبي الحديد و كما في قول الشاعر :

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٦٥ .

( ٢ ) المؤمنون : ٩٩ ١٠٠ .

( ٣ ) الصحاح : ( غيل ) .

( ٤ ) الصحاح : ( ليت ) : ٢٦٥ سورة ص : ٣ .

( ٥ ) الصحاح : ( ليت ) : ٢٦٦ .

٣٠

فهيهات هيهات العقيق و أهله

و هيهات خلّ بالعقيق تحاوله١

و كما في قول آخر ، في وصف إبل قطعت بلادا و صارت في القفار :

يصبحن في القفر اتاويات

هيهات من مصحبها هيهات

هيهات ( حجر ) من ( صنيعات )

كسر التاء في ( هيهات ) امّا لضرورة الشعر ، و امّا لكونه لغة فيه جعلا له كنون التثنية و كما في قول آخر : ( أيهات منك الحياة ايهاتا )٢ جعل فيه الهاء ألفا و جعل الثاني اسما معربا مصدرا .

« قد فات ما فات و ذهب ما ذهب » و لن يؤخّر اللَّه نفسا إذا جاء أجلها و اللَّه خبير بما تعملون٣ .

« و مضت الدنيا لحال بالها » قال ابن أبي الحديد : حال بالها ، أي : إن خيرا و إن شرّا .

قلت : و الأحسن أن يقال المراد لحال قلبها و إرادتها كقولك : ( ما يخطر فلان ببالي ) .

« فما بكت عليهم السّماء و الأرض و ما كانوا منظرين »٤ الآية المقتبسة في سورة الدّخان في فرعون و قومه و قبلها كم تركوا من جنّات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمة كانوا فيها فاكهين كذلك و أورثناها قوما آخرين٥ .

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ١١٦ .

( ٢ ) لسان العرب ١٥ : ١٨٥ .

( ٣ ) المنافقون : ١١ .

( ٤ ) الدخان : ٢٩ .

( ٥ ) الدخان : ٢٥ ٢٨ .

٣١

٣٨

الحكمة ( ٢٢٨ ) و قال عليه السّلام :

مَنْ أَصْبَحَ عَلَى اَلدُّنْيَا حَزِيناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اَللَّهِ سَاخِطاً وَ مَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّهُ وَ مَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ وَ مَنْ قَرَأَ ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ فَمَاتَ فَدَخَلَ اَلنَّارَ فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَّخِذُ آيَاتِ اَللَّهِ هُزُواً وَ مَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ اَلدُّنْيَا اِلْتَاطَ مِنْهَا بِثَلاَثٍ هَمٍّ لاَ يُغِبُّهُ وَ حِرْصٍ لاَ يَتْرُكُهُ وَ أَمَلٍ لاَ يُدْرِكُهُ « من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء اللَّه ساخطا » في ( الكافي ) :

قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : يا معشر المساكين طيبوا نفسا و اعطوا الرّضا من قلوبكم يثبكم اللَّه على فقركم ، فإن لم تفعلوا فلا ثواب لكم١ .

« و من أصبح يشكوا مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربّه » هكذا في ( المصرية )٢ ، و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطيّة )٣ بدل « فقد أصبح يشكو ربّه » : « فانّما يشكو ربّه » .

في ( الكافي ) : إنّ رجلا شكا إلى الصادق عليه السّلام مصيبة أصيب بها فقال عليه السّلام له : ان تصبر تؤجر ، و إلاّ يمض عليك قدر اللَّه الذي قدّر عليك و أنت مأزور٤ .

« و من أتى غنيا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه » في ( الكافي ) : مرّ عيسى عليه السّلام على قرية مات أهلها و طيرها و دوابها ، فقال : أما إنَّهم لم يموتوا إلاّ

____________________

( ١ ) الكافي ٣ : ٣٦٢ ح ١٤ .

( ٢ ) الطبعة المصرية المصححة ( فقد أصبح ) : ٧٠٨ ح ٢٢٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٢ خ ٢٢٤ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ٢٢٥ ح ١٠ .

٣٢

بسخط و إلاّ لتدافنوا إلى أن قال بعد ذكر نداء عيسى عليه السّلام لهم و جواب أحدهم له قال عيسى عليه السّلام : كيف كان حبّكم للدنيا ؟ قال : كحبّ الصبيّ لامّه ، إذا أقبلت علينا سررنا و إذا أدبرت علينا حزنّا و بكينا .١ .

و التواضع للغنيّ إنّما ذمّه لو كان لغناه ، و امّا لو كان لأخلاقه و تقواه فلا .

« و من قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممّن كان يتّخذ آيات اللَّه هزوا » في ( الجمهرة ) : كانت قل يا أيُّها الكافرون و قل هو اللَّه أحد تسمّيان في صدر الإسلام المقشقشتين لأنّهما ابرأتا من النفاق٢ .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال محمّد بن علي المادرائي : كنت اجتاز بتربة أحمد بن طولون فأرى شيخا عند قبره يقرأ ملازما للقبر ثمّ إنّي لم أره مدّة ثمّ رأيته بعد ذلك فقلت له : لست الّذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون و أنت تقرأ عليه ؟ فقال : بلى قد كان وليّنا ، و كان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكلّ فأحببت أن اقرأ عنده و أصله بالقرآن قلت : لم انقطعت عنه ؟ فقال : رأيته في النّوم و قال لي : أحبّ أن لا تقرأ عندي ، فكأنّي أقول له لأيّ سبب ؟ فقال : ما تمرّ بي آية إلاّ قرعت بها ، و قيل لي : أما سمعت هذه ؟٣ « و من لهج » أي : ولع و حرص .

« قلبه بحبّ الدنيا التاط » أي : لصق قلبه .

« منها بثلاث » هكذا في ( المصرية )٤ و قلبه ، زائدة لتقدّمه و لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد ) و غيره .

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٤ : ٦ ح ١١ .

( ٢ ) جمهرة اللغة لابن دريد ١ : ٤٤ .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٣ : ٨١ رقم ١٠٦٢ .

( ٤ ) الطبعة المصرية المصححة : ٧٠٨ .

٣٣

« همّ لا يغبّه »١ أي : لا يكون له فترة و انقطاع ، بل له دوام و اتّصال ، قال الصادق عليه السّلام : مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القزّ كلّما ازدادت على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غمّا٢ .

« و حرص لا يتركه و أمل لا يدركه » قال الصادق عليه السّلام : مثل الدّنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله٣ .

٣٩

الحكمة ( ٢٨٦ ) و قال عليه السّلام :

مَا قَالَ اَلنَّاسُ لِشَيْ‏ءٍ طُوبَى لَهُ إِلاَّ وَ قَدْ خَبَّأَ لَهُ اَلدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءٍ قال تعالى في قارون فخرج على قومه في زينته قال الّذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم و قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللَّه خيرٌ لمن آمن و عمل صالحاً و لا يُلقّاها إلاّ الصّابرون فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اللَّه و ما كان من المنتصرين و أصبح الّذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون و يكانَّ اللَّه يبسط الرِّزق لمن يشاء من عباده و يقدر لو لا ان منَّ اللَّه علينا لخسف بنا و يكانّه لا يفلح الكافرون٤ .

و في ( الأغاني ) : أنّ مطيع بن اياس اضطّر إلى بيع جارية له بالرّيّ لمّا خرج منها ، فلّما وصل إلى حلوان نظر إلى نخلتين هناك فقال :

اسعداني يا نخلتي حلوان

و ابكيا من ريب هذا الزّمان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٥٢ ، مع وجود اللفظ كذلك شرح ابن ميثم في ٥ : ٣٥٦ ح ٢١٣ اللفظ موجود .

( ٢ ) الكافي ٣ : ٢٠٢ ح ٢٠ .

( ٣ ) المصدر نفسه ٣ : ٢٠٥ ح ٢٤ .

( ٤ ) القصص : ٧٩ ٨٢ .

٣٤

و اعلما انّ ريبه لم يزل

يفرّق بين الالاّف و الجيران

و لعمري لو ذقتما ألم الفرقة

أبكا كما الّذي أبكاني

أسعداني و ايقنا انّ نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

ثم روى أنّ المنصور اجتاز بالنخلتين و كانت إحداهما على الطريق فأراد قطعها فأنشد قول مطيع :

و اعلما ما بقيتما انّ نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

فقال : لا و اللَّه ما كنت ذلك النّحس الّذي يفرّق بينهما .

ثمّ روى أنّ المهدي قال : قد أكثر الشعراء في نخلتي حلوان فهممت أن آمر بقطعهما ، فبلغ قوله المنصور فكتب إليه أعيذك أن تكون النحس الّذي تلقاهما .

و روي أنّ الرّشيد لمّا خرج إلى طوس ، هاج به الدّم بحلوان ، فأشار عليه الطبيب بأكل جمّار ، فأحضر دهقان حلوان ، و طلب منه جمّارا فأعلمه أنّ بلده ليس بها نخل و لكن على العقبة نخلتان ، فمر بقطع إحديهما فقطعت ، فأتي بجمارتها ، فأكل منها و راح فلمّا انتهى إلى العقبة ، نظر إلى إحدى النخلتين مقطوعة و الاخرى قائمة و إذا على القائمة مكتوب :

أسعداني يا نخلتي حلوان

و ابكيا لي من ريب هذا الزّمان

أسعداني و ايقنا ان نحسا

سوف يلقاكما فتفترقان

فاغتمّ ، و قال : يعزّ عليّ أن أكون نحسكما ، و لو كنت سمعت بهذا الشعر ما قطعت هذه النخلة و لو قتلني الدّم١ .

و في ( تاريخ بغداد ) : ولّى عمر بن أبي عمر الأزدي من آل حماد بن زيد ،

القضاء بمدينة السّلام في حياة أبيه نيابة عنه ثمّ أقر بعده إلى آخر عمره في

____________________

( ١ ) الأغاني ١٣ : ٣٣١ ٣٣٠ .

٣٥

( ١٧ ) سنة و ( ٢٠ ) يوما ، قال المعافى بن زكريا : كنت أحضر مجلسه يوم النّظر ،

فحضرت أنا و جماعة من أهل العلم يوما في الموضع الذي جرت العادة بجلوسنا فيه ننتظره حتى يخرج ، فدخل أعرابي فجلس بقربنا ، فجاء غراب فقعد على نخلة في الدّار ، و صاح ثمّ طار فقال الأعرابي : هذا الغراب يقول إنّ صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام ، فصحنا عليه و زبرناه ، فقام و انصرف ، و احتسب خروج القاضي و إذا قد خرج إلينا الغلام و قال : القاضي يستدعيكم ، فقمنا إليه و إذا به متغيّر اللون مغتمّ ، فقال : انّي رأيت البارحة في المنام شخصا يقول :

منازل آل حمّاد بن زيد

على أهليك و النّعم السلام

فضاق لذلك صدري ، فدعونا له و انصرفنا فلّما كان اليوم السابع دفن ،

كان ذلك في سنة ( ٣٢٨ )١ .

و في ( وزراء الجهشياري ) : خلا جعفر البرمكي يوما بندمائه في منزله فتمضّخ بالخلوق و لبس الحرير ، و فعل بندمائه مثل ذلك و تقدّم إلى حاجبه بحفظ الناب إلاّ من عبد الملك بن نجران ، كاتبه فوقع في اذن الحاجب ( عبد الملك ) فقط و بلغ عبد الملك بن صالح العبّاسي مقام جعفر في منزله فركب إليه فوجّه الحاجب إلى جعفر « قد حضر عبد الملك » فقال يؤذن له و هو يظنّه ابن نجران فدخل عبد الملك بن صالح في سواده فلّما رآه جعفر اسوّد وجهه و كان عبد الملك لا يشرب النبيذ و كان ذلك سبب موجدة الرّشيد عليه لأنّه كان يلتمس ندامه فيأبى عليه فوقف عبد الملك على ما رأى من جعفر فدعا غلامه فناوله سواده و قلنسوته و أقبل حتى وقف على باب المجلس فقال ( افعلوا بنا ما فعلتم بأنفسكم ) فدنا منه خادم فألبسه حريرة و جاء فجلس و دعا بطعام ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ١١ : ٢٣٢ .

٣٦

فأكله و دعا بنبيذ فأتوه برطل فشربه ، و قال لجعفر و اللَّه ما شربته قبل اليوم فليخفّف عنّي فدعا له برطليّة جعلت بين يديه و جعل كلّما فعل ذلك شيئا سرّى عن جعفر فلّما أراد الإنصراف قال له جعفر : سل حاجتك ، فما تحيط مقدرتي بمكافأة ما كان منك ، فقال : إنّ في قلب الرّشيد عليّ هنة فتسأله الرّضا عنّي ،

فقال : قد رضي عنك ، قال : و عليّ أربعة آلاف درهم تقضي عنّي قال : انّها عندي حاضرة ، و لكن اجعلها من مال الخليفة ، فانّها أنبل لك ، قال : و ابراهيم ابني أحبّ أن أشدّ ظهره بصهر من أولاد الخليفة ، قال : قد زوّجه الخليفة ( العالية ) قال :

و يحبّ أن يخفق لواء على رأسه ، قال : قد ولاّه مصر ، قال إبراهيم بن المهدي أخو الرّشيد و كان من ندمائه تعجّبنا من إقدام جعفر من غير استئذان و قلنا : لعلّه أن يجاب إلى مال من الحوائج فكيف التّزويج ، فلّما كان من الغدّ وقفنا على باب الرّشيد و دخل جعفر فلم يلبث أن دعى بأبي يوسف القاضي و محمّد بن الحسن مع ابراهيم بن عبد الملك و قد خرج ابراهيم و قد خلع عليه ،

و زوّج و حملت البدر إلى منزل عبد الملك ، و خرج علينا جعفر و أشار علينا باتباعه ، و قال : تعلّقت قلوبكم بأوّل الحديث من أمر عبد الملك فأحببتم آخره ،

و إنّي لمّا دخلت على الخليفة ابتدأت القصّة ، كيف كان من أوّلها إلى آخرها ؟

فجعل يقول ( أحسن و اللَّه ) حتّى إذا أتممت خبره ، قال ما صنعت به فأخبرت فجعل يقول ( أحسنت أحسنت ) و فيه أيضا : حكي أنّ الرشيد قام عن مجلسه يريد الدخول إلى بعض حجر قصره ، و إنّ جعفر أسرع فرفع له السّتر و إنّ الرشيد جعل يتأمّل عنقه تأمّلا شديدا فرآه جعفر و هو يتأمّل ، فقال : ما متأمّل الخليفة ؟ قال : حسن عنقك و حسن موقع الجرّبان معرّب كريبان منه فقال :

لا و اللَّه ما تأمّلت إلاّ موضع سيفك ، فقال له : أعيذك باللَّه من هذا القول و اعتنقه و قبّله ، ثمّ قال الرّشيد للفضل بن الرّبيع بعد قتل جعفر و ذكر له هذا الخبر

٣٧

قاتل اللَّه جعفرا ما تأمّلت عنقه إلاّ لموضع السيف منه ، و لم يزل الرّشيد مع جعفر في حاله إلى أن ركب مستهلّ صفر سنة ( ١٨٧ ) إلى الصّيد و جعفر يسايره و انصرف ممسيا إلى القصر الذي كان ينزله بالأنبار ، و هو معه فضمّه إليه و قال : لو لا أنّي أريد الجلوس الليلة مع النساء لم افارقك ، فصار جعفر إلى منزله ، و واصل الرّشيد الرّسل إليه بالألطاف إلى وجه السّحر ، ثم هجم عليه مسرور الخادم فضرب عنقه ، و نصب رأسه و قطّعت جثّته بنصفين و صلبا على الجسرين١ .

٤٠

الحكمة ( ٢٩٧ ) و قال عليه السّلام :

مَا أَكْثَرَ اَلْعِبَرَ وَ أَقَلَّ اَلاِعْتِبَارَ عن الصادق عليه السّلام : كان أكثر عبادة أبي ذر التفكّر و الاعتبار .

و للجنيدي في قتل ( حسنك الأمير ) :

أبدى لك الدّهر في أحواله عبرا

لو كنت يوما بما تلقاه معتبرا

انظر بعين النّهى في حسنك لترى

سحاب كلّ بلاء أرضه مطرا

صلب و رجم و خير الرّأس بعدهما

من يقهر النّاس في سلطانه قهرا

و في ( أخبار حكماء القفطي ) : كان أبو البركات هبة اللَّه بن ملكا وقف على كتب المتقدّمين و المتأخّرين في الطّبّ و صنّف فيها كتابا سمّاه ( المعتبر ) و هو أحسن كتاب صنّفه فيه ، و كان الأطباء في وقته يسألونه عن مسائل من الأمراض فيجيب عنها ، فيسطرون ذلك عنه إلى أن صار مؤلّفا يتناقلونه بينهم ،

و نقل عنه معالجة عجيبة لذي سعال و قال : و لم يزل سعيدا إلى أن قلب له

____________________

( ١ ) الكتّاب و الوزراء للجهشياري : ٢٣٤ بتصرف .

٣٨

الدّهر ظهر المجن ، فلما أسنّ عمى و طرش و برص و تجذّم ، و لمّا أحسَّ بالموت أوصى أن يكتب على قبره : ( هذا قبر أوحد الزّمان أبي البركات ذي العبر صاحب المعتبر )١ .

و في ( الحلية ) عن أبي عبد اللَّه السّجزي : العبرة أن تجعل كلّ حاضر غائبا ، و الفكرة أن تجعل كلّ غائب حاضرا٢ .

٤١

الحكمة ( ٤٣١ ) و قال عليه السّلام :

اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ طَالِبٌ وَ مَطْلُوبٌ فَمَنْ طَلَبَ اَلدُّنْيَا طَلَبَهُ اَلْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا وَ مَنْ طَلَبَ اَلْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ اَلدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا في ( الكافي ) : أوحى تعالى إلى الدّنيا أن أتعبي من خدمك و اخدمي من خدمني٣ .

أيضا عنه عليه السّلام : أما إن زهد الزّاهد في هذه الدّنيا لا ينقصه ممّا قسم اللَّه تعالى له فيها ، و ان حرص الحريص على عاجل زهرة الحياة الدّنيا لا يزيده فيها ، فالمغبون من حرم حظّه من الآخرة٤ .

و عن الباقر عليه السّلام : قال تعالى : و عزّتي و جلالي لا يؤثر عبد هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدّنيا ، إلاّ جعلت غناه في نفسه و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر .

____________________

( ١ ) أخبار الحكماء للقفطي : ٢٢٦ .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١٠ : ٣٥٦ .

( ٣ ) في الفقيه و ليس الكافي ، راجع من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٦٣ ح ٥٧٦٢ باب ٢ .

( ٤ ) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٦ .

٣٩

هذا ، و في ( الكشي ) : أتى عمّار يوم صفّين بلبن فضحك ، و قال : قال لي النبيّ صلى اللَّه عليه و آله : آخر شراب تشربه من الدّنيا مذقة من لبن حتى تموت .

و في خبر آخر : آخر زادك من الدّنيا ضياح من لبن١ .

٤٢

الحكمة ( ٣٠٣ ) و قال عليه السّلام :

اَلنَّاسُ أَبْنَاءُ اَلدُّنْيَا وَ لاَ يُلاَمُ اَلرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أُمِّهِ في ( طرائف المقدسي ) : قيل لعلي عليه السّلام : ألا ترى حرص النّاس على الدّنيا فقال عليه السّلام : هم ابناؤها ، فأخذ هذا المعنى محمّد بن وهب الحميري فقال :

نراع لذكر الموت ساعة ذكره

و نعترض الدّنيا فنلهو و نلعب

و قد ضمّت الدّنيا إليّ صروفها

و خاطبني أعجامها و هو معرب

و لكنّنا منها خلقنا لغيرها

و ما كنت منه فهو شي‏ء محبّب٢

و في ( حياة حيوان الدميري ) : قيل لجعفر الصادق عليه السّلام : ما بال الناس في الغلا يزداد جوعهم بخلاف العادة في الرّخص ؟ فقال : لأنّهم خلقوا من الأرض و هم بنوها ، فاذا اقحطت قحطوا و إذا أخصبت أخصبوا٣ .

« و لا يلام الرّجل على حبّ امّه » في ( القاموس ) : أمّ حباب الدّنيا ، و قال عمر بن أبي ربيعة :

ألام على حبّي كأنّي سننته

و قد سنّ هذا الحبّ من قبل جرهم٤

و عن الشّعبي : ما أعلم لنا و للدّنيا إلاّ قول كثير :

____________________

( ١ ) رجال الكشي للطوسي : ٣٣ ٣٤ رقم ٦٤ .

( ٢ ) الطرائف للمقدسي : ٨ .

( ٣ ) لم نعثر عليه في حيوان الدميري و لكنه مروي في البحار في ٧٨ : ٢٠٥ .

( ٤ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي : ٩١ ( الحب ) .

٤٠

اسيئي بنا أو احسني لا ملومة

لدينا و لا مقليّة ان تقلّت١

هذا ، و في ( الكافي ) في خبر مرور عيسى عليه السّلام على قرية اهلكوا بالعذاب ،

و طلب الحواريّين سؤالهم عن السّبب حتّى يجتنب ، فسألهم فأجابه واحد لطاعة أهل المعاصي ، و حبّ الدّنيا ، فقال عيسى عليه السّلام له : كيف كان حبّكم للدّنيا ؟ قال : كحبّ الصبيّ لأمّه إذا أقبلت علينا فرحنا و إذا أدبرت عنّا بكينا و حزنّا .٢ .

و في ( غرائس الثعلبي ) : يحكى أنّ عبد اللَّه بن طاهر لما قدم نيسابور صحبه من أولاد المجوس شابّ متطبّب ، يدّعي تحقيق الكلام ، و أظهر مسئلة تحريق الأنفس بالنّار و كان يزعم أنّ الجسد كثيف منتن في حال الحياة فاذا مات فلا حكمة في دفنه ، و التسبّب إلى زيادة نتنه و إنّ الواجب إحراقه و اذراء رماده ، فقيل لبعض الفقهاء : إنّ النّاس قد افتتنوا بمقالة هذا المجوسي ، فكتب إلى عبد اللَّه بن طاهر ان اجمع بيننا و بين هذا المجوسي لنسمع منه فاجتمعوا عند عبد اللَّه فلمّا تكلّم المجوسي بمقالته تلك قال له الفقيه : أخبرنا عن صبّيّ تدّعيه أمّه و حاضنته أيّهما أولى به ؟ فقال : الام ، فقال : إنّ هذه الأرض هي الامّ منها خلق الخلق فهي أولى بأولادها أن يردّوا إليها ، فأفحم المجوسيّ و أنشد لأمّة بن أبي الصلت :

و الأرض معقلنا و كانت أمّنا

فيها مقابرنا و فيها نولد٣

شبّه عليه السّلام هنا الدّنيا بأم ، و في قوله عليه السّلام ( و قد طلّقتك ثلاثا ) بزوجة سوء فكلّ منهما من وجه ، فتشبيهها بالزوجة من حيث عشق النّاس لها عشقهم

____________________

( ١ ) ديوان عمر بن أبي ربيعة : ٣٤٥ قالها في ( هند ) .

( ٢ ) الكافي ٤ : ٦ ح ١١ .

( ٣ ) عرائس المجالس للثعلبي : ٩ .

٤١

للنّساء و بالامّ من حيث نشؤهم و تربيتهم فيها لكنّها امّ غير عاطفة ، و قد قيل بالفارسية :

آبستنى كه اين همه فرزند زاد و كشت

ديگر كه چشم دارد از او مهر مادرى

هذا ، و في ( الطبري ) في أيّام ابن الزبير : كان رجل يقال له أبو هريرة يحمل على الخوارج و يقول :

كيف ترون يا كلاب النّار

شد أبي هريرة الهرار

فلّما طال ذلك على الخوارج من قوله ، كمن له رجل منهم ، فضربه على حبل عاتقه فصرعه ، فاحتمله أصحابه فداووه ، و أخذت الخوارج بعد ذلك يناديهم يقولون : يا أعداء اللَّه ما فعل أبو هريرة الهرار ، فيقولون : يا أعداء اللَّه و اللَّه ما عليه من بأس ، و لم يلبث أبو هريرة أن برى‏ء ، ثمّ خرج عليهم بعد ،

فأخذوا يقولون له : يا عدوّ اللَّه أما و اللَّه لقد رجونا أن نكون قد أزرناك أمّك ،

فيقول لهم : يا فسّاق ما ذكركم أمّي ؟ فأخذوا يقولون : إنّه يغضب لامّه و هو آتيها عاجلا ، فقال له أصحابه : ويحك إنّما يعنون النّار١ .

أشار إلى قوله تعالى : و أمّا من خفّت موازينه فاُمّه هاوية و ما أدراك ماهية نارٌ حامية٢ .

٤٣

الحكمة ( ١٣١ ) وَ قَالَ ع وَ سَمِعَ رَجُلاً يَذُمُّ اَلدُّنْيَا :

أَيُّهَا اَلذَّامُّ لِلدُّنْيَا اَلْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا اَلْمُنْخَدِعُ بِأَبَاطِيلِهَا أَ تَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ

____________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٨٤ .

( ٢ ) القارعة : ٨ ١١ .

٤٢

تَذُمُّهَا أَنْتَ اَلْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا أَمْ هِيَ اَلْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ مَتَى اِسْتَهْوَتْكَ أَمْ مَتَى غَرَّتْكَ أَ بِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ اَلْبِلَى أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ اَلثَّرَى كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ وَ كَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ تَبْغِي لَهُمُ اَلشِّفَاءَ وَ تَسْتَوْصِفُ لَهُمُ اَلْأَطِبَّاءَ غَدَاةَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ وَ لاَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ وَ لَمْ تُسْعَفْ بِطَلِبَتِكَ وَ لَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ وَ قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ اَلدُّنْيَا نَفْسَكَ وَ بِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَ دَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اِتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اَللَّهِ وَ مُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اَللَّهِ وَ مَهْبِطُ وَحْيِ اَللَّهِ وَ مَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اَللَّهِ اِكْتَسَبُوا فِيهَا اَلرَّحْمَةَ وَ رَبِحُوا فِيهَا اَلْجَنَّةَ فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَ قَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا وَ نَادَتْ بِفِرَاقِهَا وَ نَعَتْ نَفْسَهَا وَ أَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاَئِهَا اَلْبَلاَءَ وَ شَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى اَلسُّرُورِ رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ وَ اِبْتَكَرَتْ بِفَجِيعَةٍ تَرْغِيباً وَ تَرْهِيباً وَ تَخْوِيفاً وَ تَحْذِيراً فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ اَلنَّدَامَةِ وَ حَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ذَكَّرَتْهُمُ اَلدُّنْيَا فَتَذَكَّرُوا وَ حَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا وَ وَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا

٤٣

أقول : رواه الشيخ في ( أماليه ) عن جابر الأنصاري ، قال : بينا أمير المؤمنين عليه السّلام في جماعة من أصحابه أنا فيهم ، إذ ذكروا الدنيا و تصرّفها بأهلها ، فذمها رجل فذهب في ذمّها كلّ مذهب ، فقال عليه السّلام له : أيّها الذام للدّنيا أنت المتجرّم عليها أم هي المتجرّمة عليك ؟ فقال : بل أنا المتجرّم عليها ،

فقال عليه السّلام : فبم تذمّها ؟ أليست منزل صدق لمن صدّقها ؟ و دار غنى لمن تزوّد منها ؟ و دار عافية لمن فهم عنها ؟ و مساجد أنبياء اللَّه ، و مهبط وحيه ، و مصلّى ملائكته ، و متجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرّحمة ، و ربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا

٤٤

يذمّها و قد أذنت ببينها ، و نادت بانقطاعها ، و نعت نفسها و أهلها ، فمثّلت ببلائها البلاء ، و شوّقت بسرورها إلى سرور ، تخويفا و ترغيبا إذا ابتكرت بعافية راحت بفجيعة ، فذمّها رجال فرّطوا غداة النّدامة ، و حمدها آخرون اكتسبوا فيها الخير فيا أيّها الذّام للدنيا المغترّ بغرورها ، متى استذمّت إليك ، أم متى غرتك ؟ أبمضاجع آبائك من البلى ؟ أم بمصارع أمّهاتك تحت الثّرى ؟ كم مرّضت بيديك ؟ و عالجت بكفّيك ؟ تلتمس لهم الشّفاء و تستوصف لهم الأطباء لم تنفعهم بشفاعتك و لم تسعفهم في طلبتك مثّلت لك ويحك الدّنيا بمصرعهم مصرعك و بمضجعهم مضجعك حين لا يغنى بكاؤك و لا ينفعك احبّاؤك١ .

و رواه ابن أبي شعبة في ( تحفه ) مرفوعا عن جابر الأنصاري أبسط ،

فقال : قال جابر كنّا مع أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة ، فلمّا فرغ من قتال من قاتله أشرف علينا من آخر الليل ، فقال : فيهم أنتم ؟ قلنا : في ذمّ الدّنيا فقال : على م تذّم الدّنيا يا جابر ؟ ثمّ حمد اللَّه و أثنى عليه و قال : أما بعد فما بال أقوام يذمّون الدّنيا انتحلوا الزهد فيها ، الدّنيا منزل صدق لمن صدّقها ، و مسكن عافية لمن فهم عنها ، و دار غنى لمن تزوّد فيها ، مسجد أنبياء اللَّه ، و مهبط وحيه ، و مصلّى ملائكته ، و مسكن أحبّائه ، و متجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرّحمة و ربحوا منها الجنّة فمن ذا يذمّ الدّنيا يا جابر و قد آذنت ببينها و نادت بانقطاعها و نعت نفسها بالزّوال و مثلت ببلائها البلاء و شوّقت بسرورها إلى سرور راحت بفجيعة و ابتكرت بنعمة و عافية ترهيبا و ترغيبا يذمّها قوم عند النّدامة حدّثتهم جميعا فصدقتهم و ذكّرتهم فذكروا و وعظتهم فاتّعظوا و خوّفتهم فخافوا و شوّقتهم فاشتاقوا فأيّها الذّامّ للدّنيا المغترّ بغرورها متى استذمّت

____________________

( ١ ) الأمالي للطوسي : ٢٠٧ ح ٢ .

٤٥

إليك بل متى غرّتك بنفسها بمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمّهاتك من الثّرى كم مرّضت بيديك و علّلت بكفّيك تستوصف لهم الدّواء و تطلب لهم الأطباء لم تدرك فيه طلبتك و لم تسعف فيه بحاجتك بل مثّلت الدّنيا به نفسك و بحاله حالك غداة لا ينفعك أحبّاؤك و لا يغني عنك نداءك حين يشتدّ من الموت أعالين المرض و أليم لو عات المضض حين لا ينفع الأليل و لا يدفع العويل يحفز بها الحيزوم و يغصّ بها الحلقوم لا يسمعه النّداء و لا يروّحه الدّعاء فياطول الحزن عند انقطاع الأجل ثمّ يراح به على شرجع نقله أكفّ أربع فيضجع في قبره في طول لبث و ضيق جدث فذهبت الجدّة ، و انقطعت المدّة و رفضته العطفة اللّطفة لا تقاربه الأخلاّء و لا يلّم به الزّوّار و لا اتّسقت به الدّار انقطع دونه الأثر و استعجم دونه الخبر و بكّرت ورثته و اقتسمت تركته و لحقه الحوب و احاطت به الذّنوب فإن يكن قدّم خيرا طاب مكسبه و ان يكن قدّم شرّا تب منقلبه و كيف ينفع نفسا فرارها و الموت قصارها و القبر مزارها فكفى بهذا و اعطا كفى » ثم قال : يا جابر امض معي ، فمضيت معه حتّى أتينا القبور فقال : يا أهل التربة و يا أهل الغربة امّا المنازل فقد سكنت و امّا المواريث فقد قسمت و امّا الأزواج فقد نكحت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ، ثمّ أمسك عنّي مليّا ثمّ رفع رأسه فقال : و الّذي أقلّ السّماء ، فعلت ، و سطح الأرض فدحت ، لو أذن للقوم في الكلام لقالوا : إنّا وجدنا خير الزّاد التقوى ، ثم قال : يا جابر إذا شئت فارجع١ .

( بيان ) شرجع : الجنازة .

و رواه ( كمال الدّين الشافعي في مطالب سؤوله ) فقال : و قال عليه السّلام : أيّها الذّامّ للدنيا أنت المجترم عليها أم هي المجترمة عليك ؟ فقال قائل من

____________________

( ١ ) تحف العقول لابن شعبة الحراني : ١٨٦ .

٤٦

الحاضرين أنا المجترم عليها يا أمير المؤمنين فقال له : فلم ذممتها أليست دار صدق لمن صدقها و دار غنى لمن تزوّد منها و دار عافية لمن فهم عنها مسجد أحبّائه و مصلّى أنبيائه و مهبط الملائكة و متجر أوليائه اكتسبوا فيها الطاعة و ربحوا فيها الجنّة فمن ذا يذمّها و قد أذنت بانتهائها و نادت بانقضائها و أنذرت ببلائها فان راحت بفجيعة فقد غدت بمبتغى و ان أعصرت بمكروه فقد أسفرت بمشتهى إلى أن قال و إذا قتك شهدا و صبرا فإن ذممتها لصبرها فامدحها لشهدها و إلاّ فاطرحها لا مدح و لا ذمّ .١ .

و رواه ( أمالي المفيد ) كما يأتي في شرح بعض الفقرات .

و رواه الخطيب في الحسن بن ابان مسندا عنه عن بشير بن زإذان عن جعفر بن محمّد الصّادق عن آبائه عليهم السّلام قالوا كان علي عليه السّلام في مسجد الكوفة فسمع رجلا يشتم الدّنيا و يفحش في شتمها فقال له اجلس فجلس فقال : مالي أسمعك تشتم الدّنيا ، و تفحش في شتمها أو ليس هو اللّيل و النّهار و الشّمس و القمر سامعين مطيعين ، فأنشا يقول : إنَّ الدّنيا لمنزل صدق لمن صدقها و دار بلاء لمن فهم عنها ، و عافية لمن تزوّد منها ، منزل أحبّاء اللَّه ، و مهبط وحيه ، و مصلّى ملائكته ، و متجر أوليائه ، اكتسبوا الجنة و ربحوا فيها المغفرة ،

فذمّها أقوام غداة النّدامة و حمدها آخرون ذكّرتهم الدّنيا فذكّروا و حدّثتهم فصدّقوا فمن ذا يذمّها و قد أذنت ببينها ، و نادت بانقطاعها ، راحت بفجيعة ،

و ابتكرت بعافية ، تخويف و ترهيب ، يا أيّها الذّامّ للدّنيا المقبل بتغريرها متى استدنت إليك أم متى غرّتك ؟ أبمضاجع آبائك من الثّرى أو بمنازل أمّهاتك من البلى أم ببواكر الصّريخ من اخوانك أم بطوارق النّعي من أحبابك ؟ هل رأيت إلاّ ناعيا منعيا ، أو رأيت إلاّ وارثا موروثا ؟ كم علّلت بيديك أم كم مرّضت

____________________

( ١ ) مطالب السؤول لابن طلحة : ٥١ .

٤٧

بكفّيك ؟ تبتغي له الشّفاء و تستوصف الأطباء لم تنفعه بشفاعتك و لم تنجح له بطلبتك بل مثّلت لك به الدّنيا نفسك و بمضجعه مضجعك غداة لا يغني عنك بكاؤك و لا ينفعك أحبّاؤك فهيهات أيّ مواعظ للدّنيا لو نصتّ لها ؟ و أيّ دار لو فهمت عنها ؟ و أيّ عافية لو تزوّدت منها ؟ انصرف إذا شئت١ .

و رواه ابن قتيبة في ( زهد عيونه ) فقال : ذمّ رجل الدّنيا عند عليّ عليه السّلام فقال له : الدّنيا دار صدق لمن صدّقها و دار نجاة لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزوّد منها مهبط وحي اللَّه و مصلّى ملائكته و مسجد أنبيائه و متجر أوليائه ربحوا منها الرّحمة و احتسبوا فيها الجنّة فمن ذا يذمّها و قد آذنت ببينها و نادت بفراقها و شبّهت بسرورها السّرور و ببلاءها البلاء ترغيبا و ترهيبا فيا أيّها الذّام للدّنيا المعلّل نفسه متى خدعتك الدّنيا أم متى استذمت إليك أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمّهاتك في الثّرى كم مرّضت بيديك و علّلت بكفّيك تطلب له الشّفاء و تستوصف له الأطباء غداة لا يغني عنه دواؤك و لا ينفعه بكاؤك٢ .

و رواه المسعودي في ( مروجه ) فقال : كان علي عليه السّلام يقول : الدّنيا دار صدق لمن صدّقها و دار عافية لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزوّد منها ، الدّنيا مسجد أحبّاء اللَّه و مصلّى ملائكة اللَّه و مهبط وحيه و متجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة و ربحوا فيها الجنّة فمن ذا يذمّها و قد أذنت ببينها و نادت بفراقها و نعت نفسها و أهلها و مثّلت لهم ببلاءها البلاء و شوّقت بسرورها إلى السّرور راحت بفجيعة و ابتكرت بعافية تحذيرا و ترغيبا و تخويفا فذمّها رجال غداة النّدامة و حمدها آخرون غبّ المكافأة ذكّرتهم فذكّروا تصاريفها و صدقتهم

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٧ : ٢٨٧ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٢١ .

٤٨

فصدّقوا حديثها فيا أيّها الذامّ للدّنيا المغترّ بغرورها متى استذامّت لك الدّنيا ؟

بل متى غرّتك من نفسها ؟ أبمضاجع آبائك من البلى ؟ أم بمصارع أمّهاتك من الثّرى ؟ كم قد علّلت بكفّيك و مرّضت بيديك ؟ من تبغي له الشّفاء و تستوصف له الأطباء لم تنفعه بشفائك .١ .

« قول المصنّف و قال عليه السّلام و قد سمع رجلا يذم الدنيا » قد عرفت من رواية ( تحف العقول ) : أنّ الرّجل كان من البصرة بعد الجمل ، و من رواية ( تاريخ بغداد ) انّه كان بالكوفة ، و لعلّه كان كلّ منهما فتكرار مثله غير بعيد .

و في ( اليتيمة ) فصل لأبي النّضر العتبي في الإنكار على من يذمّ الدّهر ( عتبك على الدهر داع إلى العتب عليك و استبطاؤك إيّاه صارف عنان اللّوم إليك فالدّهر سهم من سهام اللَّه منزعه عن مقابض أحكامه و مطلعه من جانب ما صرّرته مجاري أقلامه و الوقيعة فيه تمرس بحكم خالقه و باريه و مجاري الأشياء على قدر طباعها و بحسب ما في قواها و أوضاعها و من ذا الّذي يلوم الأراقم على النّهش بالأنياب و العقارب على اللّسع بالأذناب و انّى لها أن تذمّ و قد أشربت خلقتها السّم و حكم اللَّه في كلّ حال مطاع و بأمره رضا و اقتناع فاعف الزّمان عن قوارض لسانك و اضرب عليها حجاب القرص بأسنانك و اذكر قول النبيّ صلى اللَّه عليه و آله : لا تسبّوا الدّهر فانّ اللَّه هو الدّهر ، و عليك بالتسليم بحكم العليّ العظيم و ذاك أحمد عاقبة و أرشد دنيا و دين٢ .

و قال ابن أبي الحديد : هذا الفصل كلّه لمدح الدّنيا و هو ينبى‏ء عن اقتداره عليه السّلام على ما يريد من المعاني لأنّ كلامه كلّه في ذمّ الدّنيا و هو الآن

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤١٩ .

( ٢ ) يتيمة الدهر للثعلبي ٤ : ٤٦٢ .

٤٩

يمدحها و هو صادق في ذاك و في هذا١ .

قلت : و في ( الاستيعاب ) : قدم عمرو بن الأهتم في وجوه قومه من بني تميم على النبي صلى اللَّه عليه و آله في سنة تسع ، و كان في من معه الزّبرقان بن بدر ،

فقال الزّبرقان : يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله أنا سيّد تميم ، و المطاع فيهم ، و المجاب فيهم آخذ لهم بحقوقهم و أمنعهم من الظلم ، و هذا ، يعني عمرو بن الأهتمّ ، يعلم ذلك فقال عمرو : إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في دينه ، فقال الزّبرقان :

و اللَّه لقد كذب يا رسول اللَّه و ما منعه ان يتكلّم إلاّ الحسد ، فقال عمرو : أنا أحسدك ، فو اللَّه إنّك لئيم الخال ، حديث المال ، أحمق الولد ، مبغض في العشيرة ،

و اللَّه ما كذبت في الأولى و لقد صدقت في الثانية فقال النبيّ صلى اللَّه عليه و آله : إنّ من البيان لسحرا٢ .

و في ( المعجم ) : روى أنّ خالد بن صفوان و كان عمرو بن الاهتمّ جدّ أبيه أكل يوما خبزا وجبنا فرآه أعرابي فسلّم عليه فقال له خالد : هلّم إلى الخبز و الجبن فإنّه حمض العرب ، و هو يسيغ اللّقمة و يفيق الشهوة ، و تطيب عليه الشربة ، فانحطّ الأعرابيّ فلم يبق شيئا فقال خالد : يا جارية زيدينا خبزا وجبنا ، فقالت : ما بقي عندنا من الجبن شي‏ء فقال خالد : الحمد للَّه الّذي صرف عنّا معرّته و كفانا مؤنته ، و اللَّه إنّه ما علمته ليقدح في السّن ، و يخشن الحلق ،

و يربو في المعدة ، و يعسر في المخرج فقال الأعرابي : و اللَّه ما رأيت قطّ قرب مدح من ذمّ أقرب من هذا٣ .

قوله عليه السّلام : « أيها الذّام للدنيا المغترّ بغرورها المخدوع باباطيلها » هكذا في

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٢٦ .

( ٢ ) الاستيعاب لابن عبد البر ٣ : ١١٦٣ ترجمة عمرو بن الأهتم .

( ٣ ) المعجم ١١ : ٣٤ .

٥٠

( المصرية )١ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم )٢ : « المنخدع » بدل « المخدوع » فهو الصحيح .

« أ تغتر بالدنيا ثمّ تذمّها » و في ( ابن أبي الحديد ) : « اتفتتن بها ثمّ تذمّها »٣ .

أنكر عليه السّلام ذمّه للدّنيا لكون الذامّ من محبّيها و عبدتها ، و الذمّ إنّما يحسن من الزّاهدين فيها و أغلب الناس هكذا يذمّون الدّنيا مع شغفهم بها حبّا ، قال شاعر :

قد أجمع الناس على ذمّها

و ما أرى منهم لها تاركا

لا تأمن الدّنيا على غدرها

كم غدرت قبل بامثالكا٤

و قال آخر :

إذا نصبوا للقول قالوا فاحسنوا

و لكن حسن القول خالفه الفعل

و ذمّوا لنا الدّنيا و هم يرضعونها

افاويق حتّى ما يدرّ لها ثعل٥

و قال أبو إسحاق التّيمي كما في الحلية :

ننافس في الدّنيا و نحن نعيبها

و قد حذرتناها لعمري خطوبها

و ما نحسب الأيّام تنقص مدّة

على انّها فينا سريع دبيبها

كأنّي برهط يحملون جنازتي

إلى حفرة يحثى عليّ كثيبها

و كم ثمّ من مسترجع متوجّع

و نائحة يعلو عليّ نحيبها

و باكية تبكي عليّ و انّني

لفي غفلة من صوتها ما اجيبها٦

____________________

( ١ ) المصرية : ٦٨٧ ح ١٣٢ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٢٥ ح ١٢٧ ، و ابن ميثم كالمصرية ٥ : ٣١٣ .

( ٣ ) ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٢٥ .

( ٤ ) المستطرف من كل فن مستظرف ٢ : ٩٧ و هو للكناني .

( ٥ ) الكامل للمبرّد : ٥٢ ، ٦٥٧ .

( ٦ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١٠ : ١٤١ ترجمة ( ٥٠٥ ) .

٥١

« أنت المتجرّم عليها أم هي المتجرّمة عليك » التجرّم : ادّعاء الذّنب على من لم يذنب ، قال الشاعر :

تعد علي الذنب ان ظفرت به

و ان لم تجد ذنبا عليّ تجرّم

روى ( عيون ابن بابويه ) عنه عليه السّلام قال : قال عبد المطلب :

يعيب النّاس كلّهم زمانا

و ما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا و العيب فينا

و لو نطق الزّمان بنا هجانا

و إنّ الذّئب يأكل لحم ذئب

و يأكل بعضنا بعضا عيانا١

« متى استهوتك أم متى غرّتك » أي : حملتك على الهوى أو خدعتك .

« أ بمصارع آبائك من البلى » من ( بلى الثّوب ) و ( بلى الميّت ) : أفنته الأرض روى محمد بن أبي العتاهية عن ابن عبّاس ، قال : وجدت جمجمة في الجاهلية مكتوب عليها :

اذن الحيّ فاسمعي

اسمعي ثمّ عي و عي

أنا رهن بمصرعي

فاحذري مثل مصرعي٢

و قال الحسن : إنّ امرأ ليس بينه و بين آدم إلاّ أب قد مات لمعرق في الموت .

« أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى » الضجع : وضع الجنب على الأرض ،

و الثّرى : التراب النّدي .

في ( عرائس الثعالبي ) : يروى أنّ ملك الموت ، لمّا ورد على داود قال أفجئت داعيا أم ناعيا ؟ قال بل ناعيا فقال فهلاّ أرسلت إليّ قبل ذلك و آذنتني لأستعدّ للموت فقال : كم أرسلت إليك ؟ فقال : و من أرسلت ؟ قال أين أبوك ،

____________________

( ١ ) عيون أخبار الرضا للصدوق : ٣٠٦ ، كذلك الأمالي : ١٠٧ ، و أيضا المجلسي في البحار ١٥ : ١٢٥ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ٦ : ٢٦ .

٥٢

و أين أمّك ، و أين أخوك ، و أين جارك ، و أين قهارمتك ، و أين فلان و فلان ؟ قال :

كلّهم ماتوا فقال : أما علمت أنّهم رسلي إليك ؟١ « كم علّلت بكفّيك » أي : كم عالجت المعلولين و خدمتهم بشخصك .

« و كم مرضت بيديك » أي ، التمريض : القيام على المريض .

« تبغي لهم الشفاء » أي : تطلب لهم الشّفاء .

« و تستوصف لهم الأطباء » أي : تطلب منهم وصف علاجه ، قال إبراهيم بن محمّد بن عرفة : رأيت عليّ بن العبّاس الرّومي يجود بنفسه ، فقلت له : ما حالك ؟ فأنشد :

غلط الطيبب عليّ غلطة مورد

عجزت موارده عن الاصدار

و الناس يلحون الطبيب و انّما

خطأ الطبيب إصابة المقدار٢

و قال عتاهية محمّد بن أبي العتاهية :

علل المريض من المنيّة

لا يعالجها الطبيب

هذا ، و قال عيسى بن محمّد الطّوماري : دخلنا على إبراهيم الحربي و هو مريض و قد كان يحمل ماءه إلى الطبيب و كان يجي‏ء إليه و يعالجه فجائت الجارية و ردّت الماء و قالت : مات الطبيب ، فبكى إبراهيم و أنشأ يقول :

إذا مات المعالج من سقام

فيوشك للمعالج أن يموت

و لبعضهم في طبيب :

عليله المسكن من شؤمه

في بحر هلك ماله ساحل

ثلاثة تدخل في دفعة

طلعته و النّعش و الغاسل

في ( الأغاني ) ، عن إسحاق الموصلي : لمّا مات أبوه قال : قال لي برصوما

____________________

( ١ ) عرائس المجالس للثعالبي : ٢٩٢ .

( ٢ ) وفيات الأعيان لابن خلكان ٣ : ٣٦١ .

٥٣

الزّامر و كان خرّيج أبيه أما في حقّي و خدمتي و ميلي اليكم و شكري لكم ما استوجب به أن تهب لي يوما من عمرك تفعل فيه ما أريد و لا تخالفني في شي‏ء ؟ فقلت : بلى و وعدته بيوم فأتاني فقال : مرلي بخلعة ففعلت و جعلت فيها جبّة و شي‏ء ، فلبسها ظاهرة ، و قال : إمض بنا إلى المجلس الّذي كنت آتي أباك فيه فمضينا جميعا إليه و قد خلّقته و طيّبته ، فلّما صار على باب المجلس رمى بنفسه إلى الأرض فتمرّغ في التراب ، و بكى و أخرج نايه و جعل ينوح في زمره ،

و يدور في المجلس و يقبّل المواضع التي كان أبي يجلس فيها و يبكي و يزمر ،

حتّى قضى من ذلك و طرا ثمّ ضرب بيده إلى ثيابه يشقّها و جعلت أسكته و أبكي معه ، فما سكن إلاّ بعد حين ، ثم دعا بثيابه فلبسها ، و قال : انّما سألتك أن تخلع عليَّ لئلاّ يقال انّ برصوما أنّما خرّق ثيابه ليخلع عليه إسحاق خيرا منها١ .

« لم ينفع أحدهم إشفاقك » أي : خوفك من حلول مكروه به في ( الأغاني ) :

ركب الرّشيد حمارا و دخل على إبراهيم الموصلي يعوده ، فقال له : كيف أنت ؟

قال : أنا و اللَّه كما قال الشاعر :

سقيم ملَّ منه أقربوه

و أسلمه المداوي و الحميم

و قال ابنه إسحاق الموصلي لمّا اشتدّ أمر القولنج على أبي و لزمه و كان يعتاده أحيانا قعد في الابزن عن خدمة الخليفة و عن نوبته في داره ،

فقال في ذلك :

ملّ و اللَّه طبيبي

عن مقاساة الّذي بي

سوف أنعى عن قريب

لعدوّ و حبيب

____________________

( ١ ) الأغاني ٥ : ٢٥٥ .

٥٤

فقال هارون : ( انّا للَّه ) و خرج فلم يبعد حتّى سمع الناعية عليه١ .

« و لم تسعف بطلبتك » هكذا في ( المصرية )٢ و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٣ « و لم تسعف فيه بطلبتك » فهو الصحيح .

قال ابن نباتة :

نعلّل بالدّواء إذا مرضنا

و هل يشفى من الموت الدّواء

و نختار الطبيب و هل طبيب

يؤخّر ما يقدّمه القضاء

و ما أنفاسنا إلاّ حساب

و لا حركاتنا إلاّ فناء٤

« و لم تدفع عنه بقوّتك » قال أبو هلال العسكري : فتأهّب لسقام ليس يشفيه طبيب .

« قد مثّلت لك به الدنيا نفسك » قال أبو العتاهية :

يا نفس قد مثّلت حا

لي هذه لك بعد حين

و شككت انّي ناصح

لك فاستملت إلى الظنّون

فتأمّلي ضعف الحرا

ك و كلّه بعد السّكون

و تيقَّني انّ الّذي

بك من علامات المنون٥

و قال المرتضى :

كم ذا تطيش سهام الموت مخطئة

عنّي و تصمي اخلاّئي و اخواني

و لو فطنت و قد أردى الزّمان أخي

علمت انّ الّذي أصماه أصماني

« و بمصرعه مصرعك » في ( تاريخ بغداد ) عن ابن عباس قال : وجدت

____________________

( ١ ) الأغاني ٥ : ٢٥٣ .

( ٢ ) المصرية المصححة « لم تسعف فيه » .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٢٥ و الخطية : ٣٢١ ، كما ذكر و ابن ميثم ٥ : ٣١٢ بلفظ « و لم تسعف بطلبتك » .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٩٣ .

( ٥ ) تاريخ بغداد ٦ : ٢٦٠ .

٥٥

جمجمة في الجاهلية مكتوب عليها : اذن الحيّ فاسمعي اسمعي ثم عي و عي أنا رهن بمضجعي فاحذري مثل مصرعي١ .

و عن المبرّد قال : دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه و هو عليل فقلت له :

كيف أنت ؟ فقال : كيف يكون من نصفه مفلوج و لو نشر بالمناشير ما حسّ به ،

و نصفه الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه ، و قال محمّد بن أبي العتاهية :

لربّما غوفص ذو شره

أصحّ ما كان و لم يسقم

يا واضع الميّت في قبره

خاطبك اللّحد فلم تفهم

و في ( كامل المبرّد ) عن صاحب له قال : وجدت رجلا في طريق مكّة معتكفا على قبر و هو يردّد شيئا و دموعه تكفّ على لحيته فقيل له : أ كان ابنك ؟

قال : لا كان عدوّا لي خرج إلى الصيد اياس ما كنت من عطبه و أكمل ما كان من صحته فرمى ظبيا فأقصده فذهب ليأخذه فعثر فتلقى بفؤاده ظبّة السهم و قد نجم من صفحة الظّبي فلحقه أولياؤه فاتنزعوا السهم و هو و الظّبي ميّتان فنمى إليّ خبره فأسرعت إلى قبره مغتبطا بفقده و انّي لضاحك السنّ إذ وقعت عيني على صخرة فرأيت عليها كتابا فهلّم فأقرأه و أومى إلى الصّخرة فاذا عليها :

و ما نحن إلاّ مثلهم غير اننّا

أقمنا قليلا بعدهم و تقدّموا٢

فقلت : أشهد انّك تبكي على من بكاؤك عليه أحقّ من النّسيب أي : تبكي على نفسك و هي أحقّ بالبكاء عليها من الأنسباء و الأقرباء الّذين يبكي النّاس عليهم .

« إنّ الدنيا دار صدق لمن صدَّقها » قال لبيد :

____________________

( ١ ) المصدر نفسه ٦ : ٢٦٠ و هي لأبي العتاهية أمر أن تكتب على قبره .

( ٢ ) الكامل في الأدب للمبرّد : ١٢٥٥ .

٥٦

فقولا له ان كان يضمر أمره

المّا يعظك الدّهر امّك هابل

فان أنت لم تصدقك نفسك فانتسب

لعلّك تهديك القرون الأوائل

فان لم تجد من دون عدنان باقيا

و دون معدّ فلترعك العوازل

و كلّ امرى‏ء منّا سيعلم سعيه

إذا جمعت عند الإله المحاصل١

« و دار عافية لمن فهم عنها » قد عرفت انّ في بعض روايات أسانيده بدله ( و أي دار لمن فهم عنها ) .

« و دار غنى لمن تزوّد منها » بالأعمال الصالحة .

« و دار موعظة لمن اتّعظ بها » في ( تاريخ بغداد ) : لمّا حضر أبو نؤاس الموت قال اكتبوا هذه الأبيات على قبري :

وعظتك اجداث صمت

و نعتك ازمنة خفت

و تكلّمت عن أوجه

تبلى و عن صور سبت

و أرتك قبرك في القبور

و أنت حيّ لم تمت٢

و للخاقاني بالفارسية :

پرويز كنون كم شد ، زان گمشده كمتر گوى

زرّين تره كو برخوان ، رو كم تركوا برخوان٣

« مسجد أحبّاء اللَّه » قال عيسى عليه السّلام ساعة قدم الدّنيا و أوصاني بالصّلاة و الزكاة ما دُمتُ حيّاً٤ .

و قال النبيّ صلَّى اللَّه عليه و آله : « حبّب إليّ من دنياكم ثلاث إلى أن قال و قرّة

____________________

( ١ ) ديوان لبيد : ١٣١ ، يرثي النعمان بن المنذر .

( ٢ ) تاريخ بغداد ٧ : ٤٤٨ .

( ٣ ) ديوان الخاقاني : ٢٧٩ « ف » .

( ٤ ) مريم : ٣١ .

٥٧

عيني الصّلاة »١ .

« و مصلّى ملائكة اللَّه » روى ابن قولويه عن الصادق عليه السّلام : ما خلق اللَّه خلقا أكثر من الملائكة و انّه ينزل من السماء كلّ مساء سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام نهارهم فاذا غربت الشمس انصرفوا إلى قبر الرسول صلَّى اللَّه عليه و آله فيسلّمون عليه ثمّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثمّ يأتون قبر الحسين عليه السّلام فيسلّمون عليه ثمّ يعرجون إلى السماء قبل أن تغيب الشمس .

و روى عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام : إنّي كنت بالبحيرة ليلة عرفة و كنت أصلّي و ثمّ نحو خمسين ألفا من النّاس جميلة وجوههم طيّبة أرواحهم و أقبلوا يصلّون الليل أجمع ، فلما طلع الفجر سجدت ثمّ رفعت فلم أر منهم أحدا إلى أن قال قال عليه السّلام له : إنّهم الملائكة الموكَّلون بقبر الحسين عليه السّلام٢ .

« و مهبط وحي اللَّه » من آدم إلى الخاتم عليهم السّلام .

« و متجر أولياء اللَّه ، اكتسبوا فيها الرّحمة و ربحوا فيها الجنّة » إنَّ اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنَّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللَّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقّا في التوراة و الإنجيل و القرآن و من أوفى بعهده من اللَّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم٣ .

« فمن ذا يذمّها و قد أذنت ببينها » أي : أعملت بفراقها و الأصل في الإيذان الإيصال إلى الأذن ، و يترجم بالفارسية بقولهم ( گوشزد )

ننافس في الدنيا و نحن نعيبها

و قد حذّرتنا لعمري خطوبها٤

____________________

( ١ ) الخصال للصدوق ١٧ : ٧٩ ، و نقله المجلسي في البحار ٧٦ : ١٤١ .

( ٢ ) رواه ابن الشيخ في المجالس : ٢ عن المفيد عن ابن قولويه و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٥٩ : ١٧٦ ح ٨ .

( ٣ ) التوبة : ١١١ .

( ٤ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١٠ : ١٤١ .

٥٨

« و نادت بفراقها » قال جحظة :

قد نادت الدّنيا على نفسها

لو كان في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر واريته

و جامع بدّدت ما يجمع١

« و نعت » من النّعي رفع الصّوت بذكر الموت .

« نفسها و أهلها » في ( عيون القتيبي ) قيل : كنّا أجنّة في بطون امّهاتنا فسقط من سقط ، و كنّا في من بقي ثمّ كنّا مراضع فهلك منّا من هلك ، و بقي من بقى و كنّا إيفاعا و ذكر مثل ذلك ثمّ صرنا شبّانا و ذكر مثل ذلك ثمّ صرنا شيوخا لا أبالك فما تنتظر ؟ فهل بقيت حالة تنتقل إليها٢ .

« فمثّلت لهم ببلائها البلاء » إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين فمنّ اللَّه علينا و وقانا عذاب السّموم٣ .

« و شوّقتهم بسرورها الى السرور » و بشِّر الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات انّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل و أتوا به متشابها .٤ .

« راحت بعافية » في ( الصحاح ) : الروّاح نقيض الصّباح ، و هو اسم للوقت من زوال الشمس إلى اللّيل و قد يكون مصدر راح يروح نقيض ( غدا )٥ .

« و ابتكرت بفجيعة » قال الفيومي : ( قال ابن جنّي ) ( بكر و بكرّ و أبكر ) بمعنى الإسراع أي : وقت كان٦ .

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٤ : ٦٦ ترجمة جحظة البرمكي .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٦٣ و القول لمكحول .

( ٣ ) الطور : ٢٦ ٢٧ .

( ٤ ) البقرة : ٢٥ .

( ٥ ) الصحاح : ( روح ) .

( ٦ ) المصباح المنير للفيتوري : ٥٩ « بكر » .

٥٩

قلت : بل الأصل في البكور الشّروع أوّل النّهار في مقابل الرّواح و الشّروع أوّل النهار يستلزم الاسراع ، فانّ من أراد الاسراع في عمل ابتكر به ،

و الفجيعة : المصيبة الموجعة ، قال شاعر :

ان صفا عيش امرى‏ء في صبحها

جرّعته ممسيا كأس القذي١

« ترغيبا و ترهيبا و تخويفا و تحذيرا » مفاعيل لها لقوله ( فمثلّت ) و ( شوّقتهم ) و ( راحت ) و ( ابتكرت ) .

« فذمّها رجال غداة النّدامة » أي : صبح القيامة لأنّه يندم المجرمون فيها .

« و حمدها آخرون يوم القيامة ذكّرتهم فتذكّروا » هكذا في ( المصرية )٢ و الصواب : « فذكّروا » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة )٣ .

« و حدّثتهم فصدّقوا و وعظتهم فاتّعظوا » روى ( أمالي المفيد ) مسندا عن ابن عبّاس قال : سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن قوله تعالى ألا إنّ أولياء اللَّه لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون٤ من هم ؟ فقال هم قوم أخصلوا للَّه تعالى في عبادته و نظروا إلى باطن الدّنيا حين نظر النّاس إلى ظاهرها فعرفوا آجلها حين غرّ سواهم بعاجلها فتركوا منها ما علموا انّه سيتركهم و أماتوا منها ما علموا انّه سيميتهم ثم قال أيّها المعلّل نفسه بالدّنيا الرّاكض على حبائلها المجتهد في عمارة ما سيخرب منها ألم تر إلى مصارع آبائك في البلاء و مضاجع ابناءك تحت الجنادل و الثّرى كم مرّضت بيديك و علّلت بكفّيك تستوصف لهم الأطبّاء و تستعتب لهم الأحبّاء فلم يغن غناؤك و لا ينجع فيهم دواؤك ، و قال بعضهم « بينا هذه الدّنيا تصرح بزبدتها و تلحف فضل جناحها و تعزّ بركود رياحها إذ

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٦٤ .

( ٢ ) الطبعة المصرية : ٦٨٨ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٢٦ ، و ابن ميثم ٥ : ٣١٣ بلفظ « فتذكروا » ، أما الخطية : ٣٢١ فبلفظ « فذكروا » .

( ٤ ) يونس : ٦٢ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607