بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105696
تحميل: 3081


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105696 / تحميل: 3081
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

روى الصدوق في ( صفات شيعته ) عن محمد بن الحنفية قال لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السّلام البصرة بعد قتال أهل الجمل دعاه الأحنف بن قيس و اتخذ له طعاما فبعث إليه عليه السّلام و إلى أصحابه فأقبل عليه السّلام ثم قال يا أحنف ادع لي أصحابي فدخل عليه قوم متخشعون كأنّهم شنآن بوال فقال الأحنف ما هذا الذي نزل بهم ؟ أمن قلّة الطعام ؟ أو من هول الحرب ؟

فقال عليه السّلام « يا أحنف ان للَّه سبحانه أقواما تنسكوا إليه في دار الدنيا تنسك من هجم على ما علم من قربهم من يوم القيامة من قبل ان يشاهدوها فحملوا أنفسهم على مجهودها ، و كانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على اللَّه تعالى توهموا خروج عنق تخرج من النار يحشر الخلائق إلى ربهم تعالى ،

و كتاب يبدو فيه على رؤوس الأشهاد فضائح دونهم ، فكادت أنفسهم تسيل سيلانا أو تطير قلوبهم بأجنحة الخوف طيرانا ، و تفارقهم عقولهم ( إذا خلت بهم من له الرجل المجرد إلى اللَّه سبحانه غليانا » .

فكانوا يحنّون حنين الواله في دجى الظلم ، و كانوا يفجعون ما أوقفوا عليه أنفسهم ، فمضوا ذبل الأجسام حزينة قلوبهم ، كالحة وجوههم ، ذابلة شفاههم خامصة بطونهم ، تراهم سكارى اسمارا ، في وحشة الليل متخشعون ، كأنّهم شنآن بوال ، قد اخلصوا للَّه سبحانه أعمالهم سرّا و علانية ،

فلم يناموا من فزع قلوبهم ، بل كانوا كمن حرسوا قباب خراجهم ، فلو رأيتهم في ليلتهم ، و قد نامت العيون ، و هدأت الأجساد و سكنت الحركات ، من الطير في الوكور ، و قد نبههم خوف يوم القيامة و الوعيد كما قال سبحانه : أَ فأَمِنَ أهلُ القرى ان يأتيهم بأسُنا بَياتاً و هم نائمون١ فاستقبلوا لها فزعين و قاموا إلى صلاتهم ، معولين باكين تارة و أخرى مسبّحين يبكون في

____________________

( ١ ) الاعراف : ٩٧ .

٤٦١

محاريبهم ، و يرنون يصطفون ليلة مظلمة بهماء يبكون ، فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياما على أطرافهم منحنية ظهورهم ، يتلون أجزاء القرآن لصلاتهم ،

قد اشتدت أعوالهم و نحيبهم و زفيرهم ، فإذا زفروا خلت النار قد أخذت منهم حلاقيمهم ، و إذا أعولوا حسبت السلاسل قد صفدت في أعناقهم ، فلو رأيتهم في نهارهم اذن رأيت قوما يمشون على الأرض هونا ، و يقولون للناس حسنا ،

و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، و إذا مروا باللغو مروا كراما ، قد قيّدوا أقدامهم من التهمات ، و أبكموا ألسنتهم أن يتكلموا في أعراض الناس ،

و سجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض ، و كحلوا أبصارهم بغض النظر إلى المعاصي ، و انتجعوا دار السّلام التي من دخلها كان آمنا من الريب و الأحزان ، فلعلّك يا أحنف شغلك نظرك في وجه واحدة تبدي الأسقام بناضرة وجهها ، و دار قد اشغلت بنقش رواقها ، و ستور قد علقتها و الريح و الاحنام موكلة حبرها ، و ليست دارك دار البقاء ، فأحبك له الدار التي خلقها سبحانه من لؤلؤة بيضاء ، فشقّ فيها أنهارها ، و غرس فيها أشجارها ، و أذلّ عليها بالنضج من ثمارها ، و كبسها بالعواتق من حورها ، ثم سكّنها أولياءه و أهل طاعته ، فلو رأيتهم يا أحنف و قد قدموا على زيادات ربهم سبحانه ، فاذا ضربت خباءهم صوتت رواحلهم بأصوات لم يسمع السامعون بأحسن منها ، و أظلتهم غمامة فأمطرت عليهم المسك و الوردان ، و صهلت خيولهم بين أغراس تلك الجنان ، و تخللت بهم نوقهم بين كثب الزعفران ، و تلألأ من تحت أقدامهم اللؤلؤ و المرجان ، و استقبلتهم قهارمتها بمنابر الريحان ، و هاجت لهم ريح من قبل العرش فنثرت عليهم الياسمين و الاقحوان ، و لمّا ذهبوا إلى بابها فيفتح لهم الباب رضوان ، ثم يسجدون للَّه في فناء الجنان ، فقال لهم الجبّار :

ارفعوا رؤوسكم ، فاني قد رفعت عنكم مؤنة العبادة ، و اسكنتم جنّة الرضوان ،

٤٦٢

فان فاتك يا أحنف ما ذكرت لك في صدر كلامي لتتركن في سرابيل القطران ،

و لتطوفن بينها و بين حميم آن ، و لتسقين شرابا حار الغليان في انضاجه فكم يومئذ في النار من صلب محطوم ، و وجه مهشوم ، و مشوه مضروب على الخرطوم .

قد أكلت الجامعة كفّه ، و التحم الطوق بعنقه فلو رأيتهم يا أحنف ينحدرون أوديتها و يصعدون جبالها ، و قد البسوا المقطعات من القطران ،

و اقترنوا مع فجّارها و شياطينها ، و إذا استغاثوا يغاثوا أحدث من حريق شدنت عليهم عقاربها و حيّاتها ، و لو رأيت مناديا ينادي و هو يقول : يا أهل الجنّة و نعيمها و أهل حليها و حليها خلدوا فلا موت .

ينقطع رجاؤهم ، و تغلق الأبواب ، و تنقطع بهم الأسباب فكم من شيخ يومئذ ينادي و اشيبتاه و كم من شاب ينادي و اشباباه و كم من امرأة تنادي وافضيحتاه ، هتكت عنهم الستور ، فكم يومئذ من مغموس ، بين أطباقها محبوس ، يا لك غم البسك بعد لباس الكتان ، و الماء المبّرد على الجدران ، و أكل الطعام ألوانا بعد ألوان ، لباسا لم يدع لك شعرا ناعما كنت مطيّبه إلاّ بيّضه ، و لا عينا كنت تبصر بها إلى حبيب إلاّ فقأها ، هذا و اللَّه ما أعد اللَّه للمجرمين و ذلك ما اعد اللَّه للمتقين١ .

و النسخة كانت سقيمة فمن وقف على سليمة صحّح .

١٤

الحكمة ( ٩٥ ) و قال عليه السّلام :

لاَ يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ اَلتَّقْوَى وَ كَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ

____________________

( ١ ) صفات الشيعة للصدوق : ٣٨ ٤٥ حديث ٦٢ .

٤٦٣

أقول : جعلته ( المصرية ) عنوانا مستقلا و الصواب جعله ذيل سابقه كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و رواه تذكرة سبط ابن الجوزي أيضا جزء سابقه « و سئل عن الخير » و إلى الأصل في روايته استند المصنف و ان كان ( أمالي المفيد ) رواه مستقلا و رواه أواخر حلية أبي نعيم في عنوان ابن خفيف عن عبد خير عنه عليه السّلام جزء سابقه و رواه باسناده عن قيس بن أبي حازم قال قال علي بن أبي طالب عليه السّلام كونوا لقبول العمل أشد اهتماما بالعمل فانّه لن يقبل عمل إلاّ مع التقوى و كيف يقل عمل يتقبل » .

« لا يقل » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و لا يقل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) و أيضا عرفت انّه ذيل سابقه فلابد أن يعطف على ما قبله .

« عمل مع التقوى » قال الشاعر :

« قليلك لا يقال له قليل »

كما لا يكثر عمل مع الفجور ، قال تعالى : و قد منا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا١ .

« و كيف يقل ما يتقبل » قال تعالى حاكيا عن لسان هابيل لقابيل : . انما يتقبل اللَّه من المتقين٢ .

١٥

الحكمة ( ٢٨٩ ) و قال عليه السّلام :

كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اَللَّهِ وَ كَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ اَلدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلاَ يَشْتَهِي مَا لاَ يَجِدُ وَ لاَ يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ وَ كَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فَإِنْ قَالَ بَذَّ اَلْقَائِلِينَ وَ نَقَعَ غَلِيلَ اَلسَّائِلِينَ وَ كَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً فَإِنْ جَاءَ اَلْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وَ صِلُّ

____________________

( ١ ) الفرقان : ٢٣ .

( ٢ ) المائدة : ٢٧ .

٤٦٤

وَادٍ لاَ يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً وَ كَانَ لاَ يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ اَلْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اِعْتِذَارَهُ وَ كَانَ لاَ يَشْكُو وَجَعاً إِلاَّ عِنْدَ بُرْئِهِ وَ كَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ وَ لاَ يَقُولُ مَا لاَ يَفْعَلُ وَ كَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى اَلْكَلاَمِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى اَلسُّكُوتِ وَ كَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ وَ كَانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى اَلْهَوَى فَيُخَالِفُهُ فَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ اَلْخَلاَئِقِ فَالْزَمُوهَا وَ تَنَافَسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ اَلْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ اَلْكَثِيرِ أقول : لم أدر من أين نسب المصنف هذا الكلام إليه عليه السّلام و قد اتفقت الخاصة و العامة على انّه كلام ابنه الحسن عليه السّلام رواه عنه الكليني و ابن أبي شعبة من الخاصة ، و ابن قتيبة و الخطيب من العامة ففي ( الكافي ) ( عدة عن أحمد البرقي عن بعض أصحابه من العراقيين رفعه قال خطب الناس الحسن بن علي عليه السّلام فقال :

أيها الناس أنا أخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني ، و كان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان بطنه ،

فلا يشتهي ما لا يجد ، و لا يكثر إذا وجد ، و كان خارجا من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله و لا رأيه .

كان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يمد يده إلاّ على ثقة لمنفعته ، كان لا يتشهى و لا يتسخط و لا يتبرم ، كان أكثر دهره صمّاتا ، فإذا قال بذا القائلين كان لا يدخل في مراء ، و لا يشارك في دعوى و لا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا و كان لا يغفل عن اخوانه .

و لا يخص نفسه بشي‏ء دونهم ، كان ضعيفا مستضعفا ، فاذا جاء الجد

٤٦٥

كان ليثا عاديا ، كان لا يلوم أحدا في ما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا ،

و كان يفعل ما يقول ، و يفعل ما لا يقول ، كان اذا ابتزه أمران لا يدري أيّهما افضل ، نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه ، كان لا يشكو وجعا إلاّ عند من يرجو عنده البرء و لا يستشير إلاّ من يرجو عنده النصيحة ، كان لا يتبرم و لا يتسخط و لا يتشكى و لا يتشهى و لا ينتقم ، و لا يغفل عن العدو فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة ان اطقتموها ، فان لم تطيقوها كلّها فأخذ القليل خير من ترك الكثير .

و في ( التحف ) قال الحسن عليه السّلام في ما روي عنه :

كان من أعظم الناس في عيني و كان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يمد يدا إلاّ على ثقة لمنفعة ،

كان لا يتشكى و لا يتسخط و لا يتبرم كان أكثر دهره صامتا فاذا قال بذ القائلين كان ضعيفا مستضعفا ، فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا ، كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول .

كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت ، كان لا يقول ما لا يفعل ،

و يفعل ما لا يقول ، كان إذا عرض له أمران لا يدري أيّهما اقرب إلى ربه ، نظر أقربهما من هواه فخالفه ، كان لا يلوم أحدا على ما يقع العذر في مثله .

و في ( العيون ) حدّثني محمد بن داود عن أبي شريح الخوارزمي ، قال :

سمعت أبا الربيع الأعرج عمرو بن سليمان يقول : قال الحسن بن علي : ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم الناس في عيني ، و كان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه .

كان خارجا من سلطان بطنه ، فلا يتشهى ما لا يحل ، و لا يكثر إذا وجد ،

و كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمديدا إلاّ على ثقة لمنفعة ، كان لا يتشكى

٤٦٦

و لا يتبرم ، كان أكثر دهره صامتا ، فاذا قال بذ القائلين كان ضعيفا مستضعفا ،

فاذا جاء الجد فهو الليث عاديا ، كان إذا جامع العلماء على ان يسمع أحرص منه على أن يقول ، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت .

كان لا يقول ما يفعل ، و يفعل ما لا يقول ، كان إذا عرض له أمران لا يدري أيّهما أقرب إلى الحق نظر أقربهما من هواه فخالفه ، كان لا يلوم أحدا على ما يقع العذر في مثله زاد في غيره كان لا يقول حتى يرى قاضيا و شهودا عدولا .

و في ( تاريخ بغداد ) في عيثم الزاهد أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، عن محمد بن الحسين بن حميد اللخمي عن خضر بن أبان بن عبيدة الواعظ عن عيثم البغدادي الزاهد عن محمد بن كيسان أبو بكر الأصم .

قال : قال الحسن بن علي عليهما السّلام : ذات يوم لأصحابه اني أخبركم عن أخ لي ، و كان من أعظم الناس في عيني ، و كان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجا من سلطان بطنه ، فلا يشتهي ما لا يجد ، و لا يكثر إذا وجد .

و كان خارجا من سلطان فرجه ، فلا يستخف له عقله و لا رأيه ، و كان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يمد يدا إلاّ على ثقة المنفعة ، كان لا يتسخط و لا يتبرم ، كان إذا جامع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلّم ،

كان اذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت ، كان أكثر دهره صامتا .

فاذا قال بذ القائلين كان لا يشارك في دعوى و لا يدخل في مراء ، و لا يدلي بحجّة حتى يرى قاضيا ، كان يقول ما يفعل ، و يفعل ما لا يقول ، تفضّلا و تكرّما ، كان لا يغفل عن اخوانه ، و لا يختص بشي‏ء دونهم ، كان لا يلوم أحدا

٤٦٧

في ما يقع العذر في مثله ، كان إذا بدهه أمران لا يدري أيّهما أقرب ، نظر في ما هو أقرب إلى هواه فخالفه .

ثم العجب ان ابن المقفع أخذ الكلام سرقة في أدبه الكبير ، جاعلا له من نفسه فقال في آخر كتاب ( و اني مخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني و كان رأس ما اعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه .

كان خارجا من سلطان بطنه ، فلا يتشهى ما لا يجد ، و لا يكثر إذا وجد ،

و كان خارجا من سلطان فرجه ، فلا يدعو إليه ريبة ، و لا يستخف له رأيا و لا بدنا ، و كان خارجا من سلطان لسانه ، لا يقول ما لا يعلم ، و لا ينازع في ما يعلم ،

و كان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يقدم أبدا إلاّ على ثقة بمنفعة ، كان أكثر دهره صامتا ، فاذا نطق بذّ الناطقين .

كان يرى متضاعفا مستضعفا ، فاذا جاء الجد فهو الليث عاديا ، كان لا يدخل في دعوى و لا يشترك في مراء ، و لا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا عدلا ،

و شهودا عدولا ، و كان لا يلوم أحدا على ما قد يكون العذر في مثله ، حتى يعلم ما اعتذاره ، و كان لا يشكو وجعا إلاّ إلى من يرجو عنده البرء .

و كان لا يستشير صاحبا إلاّ من يرجو عنده النصيحة و كان لا يتبرم و لا يتسخط و لا يتشهّى و لا يتشكّى و كان لا ينتقم على الولي و لا يغفل عن العدو و لا يخص نفسه دون اخوانه بشي‏ء من اهتمامه و حيلته و قوّته فعليك بهذه الأخلاق ان اطقت و لن تطيق و لكن أخذ القليل خير من ترك الجميع١ .

فتراه قد سرق كلام الإمام عليه السّلام لفظا و معنى و ما ترى من يسير اختلاف نظير اختلاف تلك الروايات الأربع ، و اما سرقة ابن كناسة مضمون كثير من فقراته في أبياته : خاله ابن أدهم كما سيأتي فسرقات الشعراء أمر متداول .

____________________

( ١ ) الأدب الصغير و الأدب الكبير لابن المقفع : ١٣٣ ١٣٤ دار صادر بيروت .

٤٦٨

« كان لي في ما مضى أخ في اللّه » قال إبن أبي الحديد اختلفوا في مراده عليه السّلام بهذا الأخ فقيل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و استبعد لقوله « و كان ضعيفا مستضعفا » و قيل أبو ذر و استبعد لقوله « فان جاء الجد فهو ليث غاب و صلّ واد » و أبو ذر لم يكن معروفا بالبسالة و الشجاعة ، و قيل المقداد ، و قيل ليس باشارة إلى أخ معين ،

و لكنه خارج مخرج المثل ، و عادة العرب جارية بمثله كقولهم في الشعر ( فقلت لصاحبي و يا صاحبي ) و هذا عندي أقوى .

قلت : قد عرفت ما في أصل نسبته إليه عليه السّلام و على فرض صحتها فما قاله من منافاة قوله ( فان جاء الجد فهو ليث عاد و صلّ واد ) لارادة أبي ذر غلط ،

فانّه في غاية الانطباق ، فابو ذر مع كونه ضعيفا لا سيما بعد ارجاع معاوية له من الشام على جمل بلا قتب يسوقه ليلا و نهارا ، حتى سقط لحم فخذيه و ظن الناس انّه يموت ، فقال لهم :

انّه لا يموت من ذلك حسبما أخبره النبي صلّى اللَّه عليه و آله بموته من شي‏ء آخر و مستضعفا أخرجه عثمان تارة إلى الشام ، و أخرى إلى الربذة ، كان كليث عاد على عثمان ، حتى إجترأ ان يقول له مع كونه سلطانا جبّارا ، ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله قال :

فيه و في بني أمية .

« إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال اللَّه دولا و عباده خولا » .

و كان صلّ واد على معاوية حتى جسر أن يقول له : سمعت النبي صلّى اللَّه عليه و آله يقول فيك إذا ولّى الأمة ، الأعين ، الواسع البلعوم الذي يأكل و لا يشبع ، فلتأخذ الأمة حذرها منه ، و سمعته يقول : و قد مررت به « اللّهم العنه و لا تشبعه إلاّ بالتراب » و سمعته يقول :

« است معاوية في النار » و هل قام أحد مثل قيامه في قبال حكومة عثمان الجائرة ؟

٤٦٩

و لم لم يذكر سلمان ، و لم يذكر عمارا و حذيفة ، و اقتصر على أبي ذر و المقداد فكلّهم كانوا اخوان الصفا له عليه السّلام و متصفين بتلك الصفات ، و عمار قام على عثمان إلى قتله و حتى ان جمعا من أصحابه لمّا كتبوا بدع عثمان في كتاب .

و كانوا عشرة منهم المقداد و منهم عمّار ، فلمّا خرجوا بالكتاب كما في الخلفاء ليدفعوه إلى عثمان و الكتاب في يد عمّار ، جعلوا يتسللون عنه ، حتى بقي وحده فمضى حتى دخل على عثمان و عنده مروان و أهله من بني أمية ،

فدفع إليه الكتاب فقرأه ، فقال له : أنت كتبت هذا ؟ قال : نعم ، قال : و من كان معك ؟

قال نفر تفرّقوا عنك فرقا منك ، قال : فلم اجترأت عليّ من بينهم ؟

و قال مروان ان هذا العبد الأسود قد جرأ عليك الناس و انّك ان قتلته نكلت به من ورائه ، فقال اضربوه فضربوه ، و ضربه معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه فجروه حتى طرحوه على باب الدار إلاّ انّه ينفي إرادة أبي ذر و اخوانه قوله عليه السّلام :

( كان لي في ما مضى أخ في اللَّه ) فانّهم كانوا قريب العهد به عليه السّلام و ان ماتوا قبله ، و كأنّه على فرض صحّة النسبة أراد وصف أخ له في عهد الرسول صلّى اللَّه عليه و آله و لا يبعد إرادة عثمان بن مظعون الذي لمّا مات قبل النبي صلّى اللَّه عليه و آله وجهه و لمّا ماتت إحدى بناته صلّى اللَّه عليه و آله قال لها الحقي بسلفك الصالح عثمان بن مظعون و سمّى عليه السّلام أحد بنيه من أم البنين عثمان باسمه .

و أما ما قاله في إرادة النبي صلّى اللَّه عليه و آله فينفيه سوى ما نقله من عدم مناسبة قوله عليه السّلام ( و كان ضعيفا مستضعفا ) ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله و ان كان أخاه حيث انّه صلّى اللَّه عليه و آله عقد الأخوة بين أصحابه و تركه عليه السّلام لنفسه إلاّ انّه عليه السّلام لا يعبّر عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله بلفظ ( اخ لي ) ، و لا يقتصر على اخوّته بل يقول : ( أخي و حبيبي

٤٧٠

و خليلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ) .

كما ان ما قاله من عدم إرادة أخ معيّن ، و قواه في غاية السقوط فالكلام كالصريح في إرادة شخص معين ، نظير كلامه عليه السّلام في ارادة جمع معين ممّا رواه الكافي انّه عليه السّلام صلّى الصبح بالعراق فلمّا انصرف وعظهم ، و قال : ( لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و انهم ليصبحون و يمسون شعثا غبرا خمصا بين أعينهم كركب المعز ) الخبر .

و ما يفعل بتنكير الأخ كما ان ما قاله من انّهم يقولون في الشعر : ( فقلت لصاحبي و يا صاحبي ) أيضا لم يعلم صحته هذا .

و في الكشي كان ليونس بن عبد الرحمن أربعون أخا يدور عليهم في كلّ يوم مسلّما ثم يرجع إلى منزله فيأكل و يتهيأ للصلاة ثم يجلس للتصنيف و تأليف الكتب .

و كيف كان فمما ينسلك في الباب من مدح الأخ الصميمي ما في البيان عن المدائني قيل لرجل أراه خالد بن صفوان مات صديقك فقال : رحمه اللَّه لقد كان يملأ العين جمالا ، و الاذن بيانا و لقد كان يرجى و لا يخشى ، و يغشى و لا يغشى و يعطي و لا يعطى قليلا لدى الشر حضوره سليما للصديق ضميره .

و ما فيه وقف جبار بن سليمان بن مالك بن جعفر بن كلاب على قبر عامر بن الطفيل ، فقال : كان و اللَّه لا يضلّ حتى يضلّ النجم ، و لا يعطش حتى يعطش البعير ، و لا يهاب حتى يهاب السيل ، و كان و اللَّه خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس خيرا .

« و كان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه » في مناجاة اللَّه تعالى لموسى عليه السّلام : ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته ، و جعلتها

٤٧١

ملعونة ، ملعون ما فيها إلاّ ما كان فيها لي .

يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم ، و ساير الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم ، و ما من أحد عظّمها فقرت عيناه فيها ، و لم يحقرها أحد إلاّ انتفع بها و عن الصادق عليه السّلام رأس كلّ خطيئة حبّ الدنيا .

هذا و أخذ بعضهم كلامه عليه السّلام في مدح أخ له و عكسه فجعله للذم فقال :

« صغر فلانا في عيني عظم الدنيا في عينه » .

« و كان خارجا من سلطان بطنه » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله أكثر ما يدخل أمتي به النار الأجوفان الفرج و البطن .

و قال ابن أبي الحديد أكل علي عليه السّلام قليلا من تمر دقل و شرب عليه ماء و أمر يده على بطنه ، و قال من أدخله بطنه النار فأبعده اللَّه ثم تمثّل :

فانك مهما تعط بطنك سؤله

و فرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا

« فلا يشتهي » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فلا يتشهّى ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) .

« ما لا يجد » روى ( ثواب الأعمال ) ان الصادق عليه السّلام قال لبعض أصحابه : اما تدخل السوق اما ترى الفاكهة تباع ، و الشي‏ء ممّا تشتهيه ؟ فقال بلى : فقال عليه السّلام :

اما ان لك بكلّ ما تراه و لا تقدر على شرائه و تصبر عليه حسنة .

« و لا يكثر إذا وجد » في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله بئس العون على الدين قلب نحيب و بطن رغيب و نعظ شديد .

و عنه صلّى اللَّه عليه و آله أطولكم جشأ في الدنيا أطولكم جوعا في الآخرة و عنه صلّى اللَّه عليه و آله يأكل المؤمن في معاء واحد ، و يأكل الكافر في سبعة أمعاء .

و عن أبي جعفر عليه السّلام ما من شي‏ء أبغض إلى اللَّه من بطن مملوء ، و إذا شبع البطن طغى و عن الصادق عليه السّلام الأكل على الشبع يورث البرص ، و قال :

٤٧٢

كلّ داء من التخمة ما خلا الحمّى .

و عنه عليه السّلام ليس لابن آدم بد من أكلة يقيم بها صلبه فاذا أكل أحدكم طعاما فليجعل ثلث بطنه للطعام ، و ثلث بطنه للشراب ، و ثلثه للنفس ، و لا تسمنوا تسمن الخنازير للذبح .

و قال الشاعر :

ترى أهله في نعمة و هو شاحب

طوى البطن مخماص الضحى و الاصائل

و قال ابن أبي الحديد قال أعشى باهله يرثي المنتشر بن وهب :

طاوي المصير على الغرّاء منصلت

بالقوم ليلة لا ماء و لا شجر

تكفيه فلذة لحم إن ألمّ بها

من الشواء و يروي شربه الغمر

و لا ينادي لمّا في القدر يرقبه

و لا تراه أمام يعتفر

لا يغمز الساق من أين و لا وصب

و لا يعضّ على شرسوفه الصفر

و قال الشنفري :

و أطوى على الخمص الحوايا كما انطوت

خطوطة ماري تغار و تفتل

و ان مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذا جشع القوم أعجل

و ما ذاك إلاّ بسطة عن تفضّل

عليهم و كان الافضل المتفضّل

و قال ابن دريد العرب تعيّر بكثرة الأكل و أنشد :

لست بأكّال كأكل العبد

و لا بنوّام كنوم الفهد

أيضا :

٤٧٣

إذا لم أزر الا لآكل أكلة

فلا رفعت كفّي إلى طعامي

فما أكلة نلتها بغنيمة

و لا جوعة ان جعتها بغرام

و قال حاتم :

و اني لأستحيي صحابي ان يروا

مكان يدي من جانب الزاد أقوعا

أقصّر كفّي ان تنال أكفّهم

إذا نحن أهوينا و حاجاتنا معا

أبيت خميص البطن مضطمر الحشا

حياء أخاف الذمّ ان اتضلّعا

فإنك ان أعطيت بطنك سؤله

و فرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا

و قال عمرو بن العاص لأصحابه يوم حكم الحكمان اكثروا لأبي موسى من الطعام الطيّب فو اللَّه ما بطن قوم قط إلاّ فقدوا عقولهم أو بعضها و دعا عبد الملك رجلا إلى الغذاء فقال : ما في فضل ؟ فقال : اني لا أحب الرجل حتى لا يكون فيه فضل ، فقال : عندي مستزاد و لكني أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحتها .

« وصف لسابور ذي الاكتاف رجل من اصطخر للقضاء ، فاستقدمه فدعاه إلى الطعام ، فأخذ الملك دجاجة من بين يديه فنصفها و جعل نصفها بين يدي ذلك الرجل فأتى عليه قبل أن يفرغ الملك من أكل النصف الآخر فصرفه إلى بلده و قال : ان سلفنا كانوا يقولون من شره إلى طعام الملك كان إلى أموال الرعية أشره .

و قيل لسميرة بن حبيب : ان ابنك أكل طعاما فاتخم و كاد يموت ، فقال : لو مات منه ما صلّيت عليه و قيل ليوسف عليه السّلام مالك لا تشبع و في يديك خزائن مصر ؟ قال : اني إذا شبعت نسيت الجائعين .

و قال أبو هريرة : ما شبع النبي صلّى اللَّه عليه و آله و أهله ثلاثة أيام متوالية من خبز حنطة حتى فارق الدنيا و روى عون بن أبي جحيفة عن أبيه ، قال : أكلت يوما

٤٧٤

ثريدا و لحما سمينا ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه و آله و أنا اتجشأ فقال : احبس جشأك يا أبا جحيفة ان أكثركم شبعا في الدنيا أكثركم جوعا في الآخرة فما أكل أبو جحيفة بعدها ملاء بطنه إلى ان قبضه اللَّه .

« و كان أكثر دهره صامتا » عن الرضا عليه السّلام كان العابد من بني اسرائيل لا يتعبّد حتى يصمت عشر سنين .

و عن المسيح عليه السّلام : لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللَّه ، فإنّ الذين يكثرون الكلام في غير ذكر اللَّه قاسية قلوبهم و لكن لا يعلمون .

« فان قال بذّ » أي : غلب .

« القائلين » قال افلاح بن حزن المنقري في مثجور بن غيلان بن خرشة كما في البيان :

إذا قال بذّ القائلين مقالة

و يأخذ من أكفائه بالمخنق

و قال محمد بن كناسة في خاله إبراهيم بن أدهم :

رأيتك ما يغنيك ما دونه الغنى

و قد كان يغنى دون ذاك آبن أدهما

و كان يرى الدنيا صغيرا عظيمها

و كان لحق اللَّه فيها معظّما

و أكثر ما تلقاه في القوم صامتا

فان قال بذّ القائلين و أحكما

« و نقع » من ( نقع الماء العطش ) سكّنه .

« غليل » أي : حرارة العطش .

« السائلين » قال بعضهم :

لقد وارى المقابر من شريك

كثير تحلم و قيل عاب

صموتا في المجالس غير عي

جديرا حين ينطق بالصواب

و في ( الكافي ) عن عبد اللَّه بن مصعب الزبيري قال جلسنا إلى موسى بن جعفر عليه السّلام في مسجد النبي صلّى اللَّه عليه و آله فتذاكرنا أمر النساء فأكثرنا الخوض و هو

٤٧٥

ساكت لا يدخل في حديثنا حرف فلمّا سكتنا قال :

اما الحرائر فلا تذكروهنّ و لكن خير الجواري ما كان لك فيها هوى و كان لها عقل و أدب فلست تحتاج إلى ان تأمر و تنهى ، و دون ذلك ما كان لك فيها هوى و لها عقل ، و ليس لها أدب فأنت تحتاج إلى الأمر و النهي و دونها ما كان لك فيها هوى و ليس لها عقل و لا أدب فتصبر عليها لمكان هواك فيها ،

و جارية ليس لك فيها هوى و ليس لها عقل و لا أدب فتعجل في ما بينك و بينها البحر الأخضر قال الزبيري :

فأخذت بلحيتي فأردت أن اضرط فيها لكثرة خوضنا في ما لم نقم فيه على شي‏ء و لجمعه الكلام فقال لي : مه ان فعلت لم أجالسك .

« و كان ضعيفا » في بدنه .

« مستضعفا » يعدّه الناس ضعيفا .

« فان جاء الجدّ فهو ليث » كالأسد .

« غاب » ليث غاب ، و ان كان صحيحا فالغاب الاجام إلاّ ان الصواب : ( عاد ) من عداء كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« و صلّ » بالكسر الحية لا ينفع معها الرقية .

« واد » و يقال أيضا ( صل اصلال ) قال :

ماذا زرئنا به من حية ذكر

نضناضة بالرزايا صلّ أصلال

و قال الحافظ الشيرازي : في معنى ( ليث عاد و صل واد ) بالفارسية :

رنگ تزوير پيش ما نبود

شير سر خيم و افعى سيهيم

و قد عرفت مصداقه في أبي ذر و عمّار و نظرائهما و أخذ معنى جميع الكلام من قوله : ( و كان ضعيفا في ( بدنه ) الخ محمد بن كناسة في خاله في قوله :

٤٧٦

يرى مستكينا خاضعا متواضعا

و ليثا إذا لاقى الكتيبة ضيغما

و للحلم سلطان على الجهل عنده

فما يستطيع الجهل ان يتزمزما

« لا يدلي » أي : لا يحتج .

« بحجة حتى يأتي قاضيا » لكون ادلائه بها قبل اتيانه لغوا .

« و كان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره » .

قال الشاعر :

فتى مثل صفو الماء ليس بباطل

عليك و لا مهد ملاما لباخل

و لا قائل عوراء تؤذي رفيقه

و لا رافع راسا بعوراء قائل

و لا مسلم مولى لأمر يصيبه

و لا خالط حقّا مصيبا بباطل

و لا رافع احدوثة السوء معجبا

بها بين أيدي المجلس المتقابل

« و كان لا يشكو وجعا إلاّ عند برئه » و بعد البرء يكون حكاية لا شكاية ففي الحقيقة لم يكن منه شكوى أصلا .

و في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله قال تعالى : ما من عبد ابتليته ببلاء فلم يشك إلى عواده إلاّ أبدلته لحما خيرا من لحمه ، و دما خيرا من دمه فان قبضته قبضته إلى رحمتي و ان عاش عاش و ليس له ذنب .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام من مرض ليلة فقبلها بقبولها كتب اللَّه له عبادة ستين سنة قلت ما معنى قبولها قال لا يشكو ما أصابه فيها إلى أحد .

و عنه عليه السّلام و قد سئل عن حد الشكوى للمريض فقال : ان الرجل يقول حممت اليوم و سهرت البارحة و قد صدق و ليس هذا شكوى و انما الشكوى ان يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، و يقول لقد أصابني ما لم يصب أحدا .

٤٧٧

« و كان يقول ما يفعل » فوعد المؤمن نذر .

« و لا يقول ما لا يفعل » كبر مقتاً عند اللَّه ان تقولوا ما لا تفعلون١ .

« و كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت » لأن المقتضى للسكوت أكثر منه للكلام ، حسب أكثرية الاعدام من الوجودات .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال لقمان لابنه ان كنت زعمت ان الكلام من فضة فان السكوت من ذهب .

« و كان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلّم » و المراد إذا حضر مجلس عالم أو أعلم منه و السماع للإستفادة ، و التكلّم للإفادة و الاستفادة مقدّمة بالطبع على الإفادة .

« و كان إذا بدهه » أي : فاجأه .

« أمران ينظر » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( نظر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« أيّهما أقرب إلى الهوى فخالفه » هو ميزان صحيح لفهم الحق من الباطل ،

قال تعالى : و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٢ و قال تعالى : أ فرأيت من اتخذ الهه هواه .٣ في ( الأغاني ) عن مصعب الزبيري قلت لمحمد بن كناسة الأسدي بباب الخليفة أنت الذي تقول في إبراهيم بن أدهم و أنشد الأبيات الثلاثة المتقدمة فقال نعم أنا قلتها و تركت أجودها و هو :

أهان الهوى حتى تجنَّبه الهوى

كما اجتنب الجاني الدم الطالب دما

____________________

( ١ ) الصف : ٣ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٣ ) الجاثية : ٢٣ .

٤٧٨

« فعليكم بهذه الخلائق » أي : الأخلاق العالية .

« فالزموها » .

قال الشاعر :

إنّي رأيتك للمكارم عاشقا

و المكرمات قليلة العشّاق

« و تنافسوا » أي : ارغبوا .

« فيها » قال تعالى : . و في ذلك فليتنافس المتنافسون١ و ان هذه الصفات مؤدية إلى تلك الدرجات و في الحض على المكارم قال الشاعر :

هذي المكارم لا قعبان من لبن

شيبت بماء ثمّ عادت بعد أبوالا

« فان لم تستطيعوها فاعلموا ان أخذ القليل خير من ترك الكثير » فما لا يدرك كلّه لا يترك كله ، و الميسور لا يسقط المعسور .

و عن الصادق عليه السّلام الايمان عشر درجات بمنزلة السلّم له عشر مراقي و ترتقي منه مرقاة بعد مرقاة ، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية لست على شي‏ء حتى انتهي إلى العاشرة و كان سلمان في العاشرة و أبو ذر في التاسعة و المقداد في الثامنة .

هذا و عكس قوله عليه السّلام في أخ له قول بعضهم في ابن حمّاد الكاتب « هو و اللّه عيث في دينه قذر في دنياه ، رث في مروته ، سمج في هيئته ، منقطع إلى نفسه ، راض عن عقله ، بخيل بما وسع اللَّه عليه من رزقه ، كتوم لمّا آتاه اللَّه من فضله ، لجوج لا ينصف إلاّ صاغرا ، و لا يعدل إلاّ راغما ، و لا يرفع نفسه عن منزله إلاّ ذلّ بعد تعززه فيها » .

____________________

( ١ ) المطففين : ٢٦ .

٤٧٩

١٦

الخطبة ( ٢١٥ ) و من كلام له عليه السّلام :

قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَ أَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَ لَطُفَ غَلِيظُهُ وَ بَرَقَ لَهُ لاَمِعٌ كَثِيرُ اَلْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ اَلطَّرِيقَ وَ سَلَكَ بِهِ اَلسَّبِيلَ وَ تَدَافَعَتْهُ اَلْأَبْوَابُ إِلَى بَابِ اَلسَّلاَمَةِ وَ دَارِ اَلْإِقَامَةِ وَ ثَبَتَتْ رِجْلاَهُ بِطُمَأْنِينَةِ بَدَنِهِ فِي قَرَارِ اَلْأَمْنِ وَ اَلرَّاحَةِ بِمَا اِسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ وَ أَرْضَى رَبَّهُ « قد احيى عقله » باماتة نفسه ، قيل للصادق عليه السّلام كما في ( الكافي ) ما العقل ؟ قال : ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان ، قالوا فالذي كان في معاوية ؟ قال : تلك النكراء تلك الشيطنة شبيهة بالعقل و ليست بالعقل .

و قيل له عليه السّلام كما فيه أيضا فلان من عبادته و دينه و فضله كذا و كذا ،

فقال : كيف عقله ، ان الثواب على قدر العقل ، ان رجلا من بني اسرائيل كان يعبد اللَّه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر ظاهرة الماء ، و ان ملكا من الملائكة مر به فقال يا رب ارني ثواب عبدك هذا ، فأراه فاستقله فأوحى إليه ان أصحبه فاتاه الملك في صورة انسي ، فقال له من أنت ؟ قال :

أنا رجل عابد بلغني مكانك و عبادتك في هذا المكان ، فاتيتك لأعبد اللَّه معك فكان معه يومه ذلك فلمّا أصبح قال له الملك : ان مكانك لنزه ، و ما يصلح إلاّ للعبادة فقال العابد :

ان لمكاننا هذا عيبا قال ما هو ؟ قال : ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع ، فان هذا الحشيش يضيع ، فقال له الملك : و ما لربك حمار فقال لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا ، فأوحى اللَّه تعالى إلى الملك انما اثيبه على قدر عقله .

٤٨٠