بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105634
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105634 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

و عنه عليه السّلام ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله ما كلّم العباد بكنه عقله قط ، و قال انّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس بقدر عقولهم .

و عنه عليه السّلام ( في خبر جنود العقل و الجهل ) ( ٧٥ ) فكان ممّا اعطى العقل الخير و هو وزيره و جعل ضده الشر وزير الجهل ، و منها الايمان و ضده الكفر و التصديق و ضده الجحود ، و الرجاء و ضده القنوط ، و العدل و ضدّه الجور ،

و الرضا و ضدّه السخط ، و الشكر و ضده الكفران ، و الطمع و ضده اليأس ،

و التوكل و ضده الحرص ، و الرأفة و ضدها القسوة ، و الرحمة و ضدها الغضب ،

و العلم و ضده الجهل ، و الفهم و ضده الحمق ، و العفة و ضدها التهتك ، و الزهد و ضده الرغبة .

و الرفق و ضده الخرق ، و الرهبة و ضدها الجرأة ، و التواضع و ضده الكبر ، و التؤدة و ضدها التسرع ، و الحلم و ضده السفه ، و الصمت و ضدّه الهدر ،

و الاستسلام و ضدّه الاستكبار ، و التسليم و ضده الشك ، و الصبر و ضده الجزع ، و الصفح و ضده الانتقام .

و الغنى و ضده الفقر ، و التذكّر و ضده السهو ، و الحفظ و ضده النسيان ،

و التعطف و ضده القطيعة ، و القنوع و ضده الحرص ، و المواساة و ضدها المنع ،

و المودة و ضدها العداوة ، و الوفاء و ضده الغدر ، و الطاعة و ضدها المعصية .

و الخضوع و ضدّه التطاول ، و السلامة و ضدها البلاء ، و الحب و ضده البغض ، و الصدق و ضده الكذب ، و الحقّ و ضده الباطل ، و الأمانة و ضدها الخيانة ، و الاخلاص و ضده الشوب ، و الشهامة و ضدها البلادة ، و الفهم و ضده الغباوة ، و المعرفة و ضدها الانكار .

و المداراة و ضدها المكاشفة ، و سلامة الغيب و ضدها المماكرة ،

و الكتمان و ضده الافشاء ، و الصلاة و ضدها الاضاعة ، و الصوم و ضده

٤٨١

الإفطار ، و الجهاد و ضده النكول ، و الحجّ و ضده نبذ الميثاق ، و صون الحديث و ضده النميمة .

و برّ الوالدين و ضدّه العقوق ، و الحقيقة و ضدها الرياء ، و المعروف و ضده المنكر ، و الستر و ضده التبرج ، و التقيّة و ضدها الاذاعة ، و الانصاف و ضده الحميّة ، و التهيئة و ضدها البغي .

و النظافة و ضدها القذر ، و الحياء و ضدها الخلع ، و القصد و ضده العدوان ، و الراحة و ضدها التعب ، و السهولة و ضدها الصعوبة ، و البركة و ضدها المحق ، و العافية و ضدها البلاء ، و القوام و ضده المكابرة ، و الحكمة و ضدها الهوى ، و الوقار و ضده الخفّة ، و السعادة و ضدها الشقاوة .

و التوبة و ضدها الاصرار ، و الاستغفار و ضده الاغترار ، و المحافظة و ضدها التهاون ، و الدعاء و ضده الاستنكاف ، و النشاط و ضده الكسل ، و الفرح و ضده الحزن و الألفة و ضدها الفرقة ، و السخاء و ضده البخل .

قال عليه السّلام لسماعة بن مهران لا تجتمع هذا الخصال من أجناد العقل إلاّ في نبيّ أو وصيّ نبيّ ، أو مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للايمان ، و اما ساير موالينا فانّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود ، حتى يستكمل ، و ينقى من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا .

« و أمات نفسه » بتغليب جنود العقل على جنود الجهل ، و هو الجهاد الأكبر ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه و آله لقوم رجعوا من حرب الكفّار بلباس الحرب : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقي عليهم الجهاد الأكبر .

كيف لا و قد قال سليمان عليه السّلام « الغالب لهواه أشدّ من الذي يفتح البلاد وحده ، و قال يوسف الصدّيق و ما ابرى‏ء نفسي ان النفس لأمارة بالسوء إلاّ

٤٨٢

ما رحم ربّي ان ربّي غفورٌ رحيمٌ١ .

« حتى دقّ جليله » من كلفة اتيان العبادات بواسطة احياء عقله .

« و لطف غليظه » من شدّة ترك الشهوات بواسطة اماتة نفسه و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٢ .

« و برق له لامع كثير البرق فأبان له الطريق » أي : أوضحه أو اتضح كما في قوله :

لو دبّ ذر فوق ضاحي جلدها

لأبان من آثارهن حدور

و عليه فالطريق مرفوع و على الأول منصوب ، قال الجوهري : ابان و استبان و تبين تتعدى و لا تتعدى .

« و سلك به السبيل » استشهد له بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و آمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته و يجعل لكم نورا تمشون به .٣ .

« و تدافعته الأبواب إلى باب السلامة » استشهد له بقوله تعالى : و هذا صراط ربك مستقيما قد فصّلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السّلام عند ربهم و هو وليهم بما كانوا يعملون٤ و اللَّه يدعو إلى دار السّلام و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم٥ .

ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أ لا تخافوا و لا

____________________

( ١ ) يوسف : ٥٣ .

( ٢ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٣ ) الحديد : ٢٨ .

( ٤ ) الانعام : ١٢٦ ١٢٨ .

( ٥ ) يونس : ٢٥ .

٤٨٣

تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون١ .

« و دار الاقامة » استشهد له بقوله تعالى : جنات عدنٍ يدخلونها يُحلّون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤاً و لباسهم فيها حرير و قالوا الحمد للَّه الذي أذهب عنّا الحزن ان ربنا لغفور شكور الذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب و لا يمسنا فيها لغوب٢ .

ثم قوله عليه السّلام ( و برق له لامع كثيرا لبرق إلى و دار الاقامة ) استعارة و مثل و محصله ان العارفين باللَّه مثلهم كمثل من أراد مقصدا في ليل مظلم فبرق له سحاب لامع يتصل برقه فانكشف له الطريق فسلك مبصرا حتى وصل إلى مقصده سالما .

أخذ عليه السّلام مثله من عكس ما ضربه اللَّه تعالى للمنافقين في قوله تعالى :

مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلمّا اَضاءَت ما حوله ذهب اللَّه بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون أو كصيّب من السماء فيه ظلماتٌ و رعدٌ و برقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت و اللَّه محيط بالكافرين٣ .

يكاد البرق يخطَفُ أبصارهم كلّما أضاء لهم مشَوا فيه و إذا أظلم عليهم قاموا و لو شاء اللَّه لذهب بسمعهم و أبصارهم ان اللَّه على كلّ شي‏ءٍ قديرٌ٤ .

هذا و المشبه به في كلامه عليه السّلام معقول ، و قد وقع محسوسا في ( مناقب السبطين ) كما روي ففي ( عيون ) ابن بابويه ، ان الحسن و الحسين عليهما السّلام كانا

____________________

( ١ ) فصلت : ٣٠ .

( ٢ ) فاطر : ٣٣ ٣٥ .

( ٣ ) البقرة : ١٧ ١٩ .

( ٤ ) البقرة : ٢٠ .

٤٨٤

يلعبان عند النبي صلّى اللَّه عليه و آله حتى مضى عامة الليل ، ثم قال لهما انصرفا إلى امكما فبرقت برقة فما زالت تضيى‏ء لهما حتى دخلا على فاطمة عليها السّلام و النبي صلّى اللَّه عليه و آله ينظر إلى البرقة ، فقال الحمد للَّه الذي أكرمنا أهل البيت .

و روى ( أماليه ) عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله مرض فعادته فاطمة و معها الحسنان عليهما السّلام فما أفاق من نومه ، فقالت لهما انصرفا حتى يفيق جدكما فقالا لسنا ببارحين فاضطجعا على عضدي النبي صلّى اللَّه عليه و آله فغفيا و انتبها قبل النبي صلّى اللَّه عليه و آله و قد كانت فاطمة عليه السّلام لمّا ناما انصرفت .

فقالا لعايشة ما فعلت أمّنا ؟ قالت لمّا نمتما رجعت فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد و برق ، و قد أرخت السماء عزاليها فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور و يتحدثان حتى أتيا حديقة بني النجار الخبر بطوله هذا و قال ابن أبي الحديد بعد قوله عليه السّلام ( و برق له لامع ) الخ قال ابن سينا في ( اشاراته ) في ذكر السالك إلى مرتبة العرفان ثم انّه إذا بلغت به الرياضة و الإرادة حدّا ما عنت له ( خلسات ) من اطلاع نور الحق عليه لذيذة كأنّها بروق تومض إليه ، ثم تخمد عنه .

و هي التي تسمّى عندهم أوقاتا ، و كلّ وقت يكتنفه وجد إليه و وجد عليه ثم انّه ليكثر عليه هذه الغواشي ، إذا أمعن في الارتياض ثم انّه ليتوغل حتى يغشاه غير الارتياض ، فكلما لمح شيئا عاج منه إلى جانب القدس فتذكر من أمره أمرا فغشيه غاش فيكاد يرى الحق في كلّ شي‏ء و لعلّه إلى هذا الحد تستولي عليه غواشيه و يزول عن سكينته ، و يتنبه جليسه لاستنفاره عن قراره .

فاذا طالت عليه الرياضة لم يستنفره غاشية ، و هدى للتانس بما هو فيه ،

٤٨٥

ثمّ انّه لتبلغ به الرياضة مبلغا ينقلب له وقته سكينة فيصير المخطوب ، مألوفا و الوميض شهابا بيّنا ، و يحصل له معارفه مستقره كأنّها صحّة مستمرة .

و يستمتع فيها ببهجته ، فإذا انقلب عنها انقلب حيران اسفا و قال القشيري لما ذكر الحال و الأمور الواردة على العارفين ، هي بروق تلمع ثم تخمد و أنوار تبدو ثم تخفى ما أحلاها لو بقيت مع صاحبها .

و هي ثلاث مراتب : اللوائح ، ثم اللوامع ، ثم الطوالع ، فاللوائح كالبروق ما ظهرت حتى استترت كما قال :

فافترقنا حولا فلمّا التقينا

كان تسليمه عليّ و داعا

و اللوامع أظهر من اللوائح و ليس زوالها بتلك السرعة ، و لكن كما قيل :

و العين باكية

لم تشبع النظرا

ثم الطوالع و هي أبقى وقتا قال ابن أبي الحديد و كلاهما يتبعان ألفاظ أمير المؤمنين عليه السّلام لأنّه حكيم الحكماء ، و عارف العارفين ، و معلّم الصوفية و لو لا أخلاقه و كلامه و تعليمه للناس هذا الفن تارة بقوله و تارة بفعله ، لمّا اهتدى أحد من هذه الطائفة و لا علم كيف يورد و لا كيف يصدر .

و قال ابن ميثم بعده آخذا معنى كلام ( الاشارات ) أشار عليه السّلام باللامع إلى ما يعرض للسالك عند بلوغ الإرادة بالرياضة به حدّا ما من الخلسات إلى الجناب الأعلى فيظهر له أنوار إلهية لذيذة شبيهة بالبرق في سرعة لمعانه و اختفائه .

و تلك اللوامع مسمّاة عند أهل الطريقة أوقاتا و كلّ وقت فانّه محفوف بوجد إليه ما قبله ، و وجد عليه ما بعده ، لأنّه لمّا ذاق تلك اللذة ثم فارقها حصل فيه حنين و أنين إلى ما فات منها ثم ان هذه اللوامع في مبدأ الأمر تعرض له قليلا فإذا أمعن في الارتياض كثرت فأشار عليه السّلام باللامع إلى نفس ذلك النور

٤٨٦

و بكثرة برقه إلى كثرة عروضه بعد الامعان في الرياضة و كلّ منهما كما ترى .

و نقل ( الخوئى ) بعده المناجاة التاسعة من الخمس عشرة ، « يا من أنوار قدسه لأبصار محبيه رائقة ، و سبحات وجهه لقلوب عارفيه شائفة » و الثانية عشر .

« الهي فاجعلنا من الذين توشجت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، و أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم ، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون ، و في رياض القرب و المكاشفة يرتعون ، و من حياض المحبة بكأس الملاطفة يكرعون ، و شرائع المصافاة يردون .

قد كشف الغطاء عن أبصارهم ، و انجلت ظلمة الريب عن عقائدهم في ضمائرهم و انتفت مخالجة الشك عن قلوبهم و سرائرهم ، و انشرحت بتحقيق المعرفة صدورهم و علت لسبق السعادة في الزهادة هممهم ، و عذب في معين المعاملة شربهم .

و طاب في مجلس الأنس سرّهم ، و امن في موطن المخافة سربهم ،

و اطمأنت بالرجوع إلى ربّ الأرباب أنفسهم ، و تيقنت بالفوز و الفلاح أرواحهم ،

و قرت بالنظر إلى محبوبهم أعينهم ، و استقر بإدراك السؤل و نيل المأمول قرارهم » .

« و ثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن و الراحة » استشهد له بقوله تعالى : اولئك يجزون الغرفة بما صبروا و يلقون فيها تحية و سلاما خالدين فيها حسنت مستقراً و مقاما١ و الملائكة يدخلون عليهم من كلّ

____________________

( ١ ) الفرقان : ٧٥ ٧٦ .

٤٨٧

باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار١ .

ان المتقين في جناتٍ و عيونٍ ادخلوها بسلام آمنين٢ .

« بما استعمل قلبه » هكذا في النسخ و فسّر باستعمال قلبه في ذكر ربه و حبسه عن إرادة سوى إرادته و يحتمل كونه محرف ( بما استغل قلبه ) من قولهم « استغل عبده » أي : كلّفه ان يغل عليه .

« و أرضى ربه » استشهد له بقوله تعالى : يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي٣ .

ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربّهم جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللَّه عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشي ربه٤ و بقول الشعراء :

عند الصباح يحمد القوم السرى

و تنجلي عنهم غيابات الكرى

تقول سليمى لو أقمت بأرضنا

و لم تدر اني للمقام أطوف

ما أبيض وجه المرء في طلب العلى

حتى تسوّد وجهه البيداء

فاطلب هدوا بالتقلقل و استثر

بالعيس من تحت السهاد هجودا

ما ان ترى الاحساب بيضا وضحا

إلاّ بحيث ترى المنايا سودا

هذا و في ( تاريخ بغداد ) ، لمّا مات داود بن نصير الطائي جاء ابن السماك فجلس على قبره ، ثم قال : ايها الناس ان أهل الزهد في الدنيا تعجلوا الراحة على أبدانهم مع يسير الحساب غدا عليهم و ان أهل الرغبة تعجلوا التعب على أبدانهم مع ثقل الحساب عليهم غدا و الزهادة راحة

____________________

( ١ ) الرعد : ٢٣ ٢٤ .

( ٢ ) الحجر : ٤٥ ٤٦ .

( ٣ ) الفجر : ٢٧ ٣٠ .

( ٤ ) البينة : ٧ ٨ .

٤٨٨

لصاحبها في الدنيا و الآخرة .

رحمك اللَّه يا أبا سليمان ما كان أعجب شأنك لزمت نفسك الصبر حتى قويتها عليها أجعتها و أنت تريد شبعها ، و اظمأتها و أنت تريد ريّها ، أخشنت المطعم و انما تريد أطيبه و خشنت الملبس و انما تريد لينه .

أما كنت تشتهي في الطعام طيبه ، و من الماء بارده و من اللباس ليّنه بلى و لكنك أخّرت ذلك الخ و عن ذي النون المصري ان للَّه عبادا نصبوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب و سقوها بماء التوبة فأثمرت ندما و حزنا ، فجنوا من غير جنون ، و تبلدوا من غير عي و لا بكم الخ .

و في ( عرائس ) الثعلبي روي ان اللَّه تعالى أوحى إلى إبراهيم انّك لمّا سلمت مالك إلى الضيفان ، و ابنك إلى القربان ، و نفسك إلى النيران ، و قلبك إلى الرحمن اتخذناك خليلا١ .

١٧

الحكمة ( ٣٩٠ ) و قال عليه السّلام :

لِلْمُؤْمِنِ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ وَ سَاعَةٌ يَرُمُّ مَعَاشَهُ وَ سَاعَةٌ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَ بَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَ يَجْمُلُ وَ لَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ أقول و في ( عرائس ) الثعلبي عن أبي ذر قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : ممّا في صحف إبراهيم عليه السّلام على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له أربع ساعات :

____________________

( ١ ) عرائس المجالس للثعلبي : ١٠٠ دار الكتب العلمية بيروت .

٤٨٩

ساعة يناجي فيها ربه ، و ساعة يتفكّر في صنع اللَّه تعالى ، و ساعة يحاسب فيها نفسه على ما قدّم و أخّر ، و ساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال و ترك الحرام في المطعم و المشرب و غيرهما »١ .

و على العاقل ألا يكون ظاعنا إلاّ في ثلاث تزوّد لمعاده ، و مؤنة لمعاشه ،

و لذّة في غير محرّم .

« للمؤمن ثلاث ساعات » روى محمد بن بابويه في ( خصاله ) عن مالك بن أنس فقيه المدينة ، قال : كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام فيقدم لي مخدة و يعرف لي قدرا و كان عليه السّلام لا يخلو من احدى ثلاث خصال :

أما صائما ، و أما قائما ، و أما ذاكرا ، و كان من عظماء العباد ، و أكابر الزّهاد و الذين يخشون اللَّه تعالى و كان كثير الحديث طيب المجالسة ، كثير الفوائد ، فاذا قال قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أخضر مرّة ، و أصفر أخرى ، حتى ينكره من يعرفه .

و لقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عن الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد يخر من راحلته فقلت قل يا ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله فلابد لك من أن تقول فقال عليه السّلام :

يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول « لبيك اللّهم لبيك » و أخشى أن يقول عز و جل لا لبيّك و لا سعديك .

« فساعة يناجي فيها ربه » في ( العيون ) عن محمد بن يحيى الصولي عن جدته قالت اشتريت مع عدّة جوار من الكوفة و كنت من مولداتها فحملنا إلى المأمون فكنّا في داره في جنّة من الأكل و الشرب و الطيب و كثرة الدنانير ،

فوهبني للرضا عليه السّلام .

____________________

( ١ ) المصدر السابق .

٤٩٠

فلمّا صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم و كانت علينا قيّمة تنبهنا من الليل و تأخذنا بالصلاة و كان ذلك من أشدّ شي‏ء علينا .

فكنت أتمنى الخروج من داره إلى ان وهبني لجدّك عبد اللَّه بن العباس فلمّا صرت إلى منزله كنت كأني قد أدخلت الجنّة .

و كان الرضا عليه السّلام إذا صلّى الغداة و كان يصليها في أول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس ثم يقوم فيجلس للناس أو يركب و لم يكن يقدر أحد أن يرفع صوته في داره كائنا ما كان ، انما يتكلّم الناس قليلا قليلا .

« و ساعة يرمّ » بضم العين و كسره أي : يصلح .

« معاشه » فالعبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال .

« و ساعة يخلّى بين نفسه و بين لذّته في ما يحل و يجمل » في ( العيون ) كان الرضا عليه السّلام ضحكه التبسّم و كان إذا خلا و نصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه و مواليه حتى البوّاب البائس .

« و ليس للعاقل أن يكون شاخصا إلاّ في ثلاث مرمة لمعاش » رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الأبصار١ .

« أو خطوة في معاد » في ( العيون ) كان الرضا عليه السّلام كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر و يقول : ذلك صوم الدهر و كان عليه السّلام كثير المعروف و الصدقة في السرّ ، و أكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم انّه رأى مثله في فضله فلا يصدّق .

و عن أبي الصلت : جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا عليه السّلام

____________________

( ١ ) النور : ٣٧ .

٤٩١

بسرخس و قد قيّد فاستأذنت عليه السجّان فقال لا سبيل لك عليه قلت و لم ؟ قال لكونه ربما صلّى في يومه و ليله ألف ركعة .

و انما ينفلت من صلاته ساعة في صدر النهار و قبل الزوال ، و عند اصفرار الشمس فهو في هذه الأوقات قاعد في مصلاّه يناجي ربه .

« أو لذّة في غير محرم » في الاستيعاب زار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة ، فقال : ما شأنك قالت : ان أخاك ليس له حاجة في شي‏ء من الدنيا ، فلمّا جاء سلمان و جاء بطعام إلى سلمان قال له سلمان : اطعم قال : اني صائم ، قال أقسمت عليك ألا طعمت اني لست بآكل حتى تطعم .

و بات عنده فقام أبو الدرداء في الليل فحبسه سلمان و قال له ان لربك عليك حقّا ، و لأهلك عليك حقا ، و لجسدك عليك حقا ، فاعط كلّ ذي حق حقّه .

فلمّا كان وجه الصبح قال قم الآن فقاما فصليا ثم خرجا إلى الصلاة فأخبر أبو الدرداء بما قال سلمان النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال النبي صلّى اللَّه عليه و آله مثل سلمان .

و في ( تاريخ بغداد ) ، كان زيد بن صوحان يقوم الليل و يصوم النهار و إذا كانت ليلة الجمعة أحياها .

فكان يكرهها ممّا يلقى فيها ، فبلغ سلمان ما كان يصنع فأتاه ، فقال أين هو ؟ قالت امرأته ليس ههنا .

قال فاني اقسم عليك ، لمّا صنعت طعاما و لبست محاسن ثيابك ثم بعثت إليه فجاء فقرب الطعام فقال سلمان : كلّ يا زييد قال : اني صائم .

قال يا زييد لا ينقص دينك ، ان شرّ السير الحقحقة ، ان لعينك عليك حقا ،

و ان لبدنك عليك حقّا ، و ان لزوجتك عليك حقّا كل يا زييد فأكل و ترك ما كان يصنع .

٤٩٢

١٨

الخطبة ( ٣٨ ) و من خطبة له عليه السّلام :

عِبَادَ اَللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اَللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اَللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ اَلْحُزْنَ وَ تَجَلْبَبَ اَلْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ اَلْهُدَى فِي قَلْبِهِ وَ أَعَدَّ اَلْقِرَى لِيَوْمِهِ اَلنَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ اَلْبَعِيدَ وَ هَوَّنَ اَلشَّدِيدَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ ذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ وَ اِرْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلاً وَ سَلَكَ سَبِيلاً جَدَداً قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ اَلشَّهَوَاتِ وَ تَخَلَّى مِنَ اَلْهُمُومِ إِلاَّ هَمّاً وَاحِداً اِنْفَرَدَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ اَلْعَمَى وَ مُشَارَكَةِ أَهْلِ اَلْهَوَى وَ صَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ اَلْهُدَى وَ مَغَالِيقِ أَبْوَابِ اَلرَّدَى قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ وَ سَلَكَ سَبِيلَهُ وَ عَرَفَ مَنَارَهُ وَ قَطَعَ غِمَارَهُ وَ اِسْتَمْسَكَ مِنَ اَلْعُرَى بِأَوْثَقِهَا وَ مِنَ اَلْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا فَهُوَ مِنَ اَلْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ اَلشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ اَلْأُمُورِ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ وَ تَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ كَشَّافُ عَشَوَاتٍ مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ دَفَّاعُ مُعْضِلاَتٍ دَلِيلُ فَلَوَاتٍ يَقُولُ فَيُفْهِمُ وَ يَسْكُتُ فَيَسْلَمُ قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ وَ أَوْتَادِ أَرْضِهِ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ اَلْعَدْلَ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ اَلْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ يَصِفُ اَلْحَقَّ وَ يَعْمَلُ بِهِ لاَ يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلاَّ أَمَّهَا وَ لاَ مَظِنَّةً إِلاَّ قَصَدَهَا قَدْ أَمْكَنَ اَلْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ وَ إِمَامُهُ يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ وَ يَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ أقول : قال : ابن أبي الحديد هذا الكلام من الكلام الذي له ظاهر و باطن ،

فظاهره ان يشرح حال العارف المطلق ، و باطنه ان يشرح حال عارف معين

٤٩٣

و هو نفسه و سيأتي في آخر الخطبة ما يدل على ذلك .

قلت : بل الظاهر انّه عليه السّلام أراد نفسه و أهل بيته ، و هو عليه السّلام و ان قال في طي الخطبة « و اعذروا من لا حجّة لكم عليه و هو انا ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر و أترك فيكم الثقل الأصغر .

قد ركّزت فيكم راية الايمان و وقفتكم على حدود الحلال و الحرام ،

و ألبستكم العافية من عدلي و فرشتكم المعروف من قولي و فعلي و أريتكم كرائم الأخلاق من نفسي » إلاّ أن قبله .

« فأين يتاه بكم و كيف تعمهون ، و بينكم عترة نبيّكم ، و هم أزمّة الحقّ و ألسنة الصدق ، فانزلوهم بأحسن منازل القرآن ، و ردّوهم ورود الهيم العطاش ، ايها الناس خذوا عن خاتم النبيين انّه يموت من مات منّا و ليس بميت ، و يبلى من بلى منّا و ليس ببال » .

بل و يمكن إضافة خواص أصحابه عليه السّلام كسلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار و حذيفة و نظرائهم .

« عباد اللَّه ان من أحبّ عباد اللَّه عبد أعانه اللَّه على نفسه » حتى يمنعه من هواها قال يوسف الصديق عليه السّلام : . ان النفس لامارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي ان ربي غفورٌ رحيم١ .

« فاستشعر الحزن » أي : جعل الحزن شعارا له كاللباس المباشر للجسد ،

و حزنه لماضيه لما أكثر فيه من العمل الصالح و لمّا يرى من غفلة الناس عن اللَّه تعالى قال تعالى لنبيّه صلّى اللَّه عليه و آله : فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا٢ .

____________________

( ١ ) يوسف : ٥٣ .

( ٢ ) الكهف : ٦ .

٤٩٤

« و تجلبب الخوف » أي : جعل الخوف من اللَّه جلبابا و ملحفة له .

« فزهر » أي : أضاء .

« مصباح الهدى في قلبه » في مناجاة المحبين : « يا من أنوار قدسه لأبصار محبيه رائقة و سبحات وجهه لقلوب عارفيه شائفة » .

« و أعدّ القرى » القرى طعام الضيف .

« ليومه النازل به » عنه عليه السّلام طوبى لكلّ عبد نومة لا يؤبه له ، يعرف الناس و لا يعرفه الناس ، يقربه اللَّه منه برضوان أولئك مصابيح الهدى ، و ينابيع العلم ،

يتجلى عنهم كلّ فتنة مظلمة ليسوا بالمذاييع البذور ، و لا بالجفاة المرائين .

« فقرّب على نفسه البعيد » أي : يوم القيامة انهم يرونه بعيداً و نراه قريباً١ .

« و هوّن الشديد » الصبر في الطاعة و عن المعصية و على المصيبة .

و في مناجاة المريدين : « قرّب علينا البعيد ، و سهّل علينا العسير الشديد » .

« نظر فأبصر » ليس كالذين قال تعالى فيهم : . لهم أعين لا يبصرون بها .٢ الآية .

« و ذكر » و زود الموت .

« فاستكثر » من الأعمال الصالحة .

« و ارتوى » من ( روى من الماء ) .

« من عذب » في ( الجمهرة ) « العذب ضد الملح ، و العذب كلّ مستسيغ من طعام أو شرب » قال ذو الأصبغ العدواني :

____________________

( ١ ) المعارج : ٦ ٧ .

( ٢ ) الاعراف : ١٧٩ .

٤٩٥

لو كنت ماء كنت لا

عذب المذاق و لا مسوسا

و المسوس كالشروب ما كان بين الملح و العذب .

« فرات » في غريب السجستاني ( فرات أعذب العذوبة ) .

« سهلت له موارده » أي : طرق ورود ذلك الماء العذب الفرات .

« فشرب نهلا » أي : شربا سكّن عطشه ، قال الشاعر :

نهلنا من دماء بني لؤيّ

و انهلنا القنا حتى روينا

« و سلك سبيلا جددا » بالفتح الأرض الصلبة ، و في المثل ( من سلك الجدد أمن العثار ) .

و في مناجاة المريدين : « سبحانك ما أضيق الطرق على من لم تكن دليله ، و ما أوضح الحق عند من هديته سبيله ، فاسلك بنا سبل الوصول إليك ،

و سيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك .

« قد خلع سرابيل » أي : قمص .

« الشهوات » المحرمة و المكروهة ، و لم يكن كمن قال تعالى فيه : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا١ و اللَّه يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتّبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً٢ زين للناس حبّ الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و اللَّه عنده حسن المآب٣ .

« و تخلى من الهموم إلاّ همّا واحدا انفرد به » أي : بذاك الهمّ .

____________________

( ١ ) مريم : ٥٩ .

( ٢ ) النساء : ٢٧ .

( ٣ ) آل عمران : ١٤ .

٤٩٦

و في مناجاة المريدين : « فأنت لا غيرك مرادي و لك لا لسواك سهري و سهادي ، و لقاؤك قرّة عيني ، و وصلك مني نفسي ، و إليك شوقي ، و في محبتك و لهي ، و إلى هواك صبابتي ، و رضاك بغيتي ، و رؤيتك حاجتي ، و جوارك طلبي ،

و قربك غاية سؤلي ، و في مناجاتك روحي و راحتي ، و عندك دواء علتي ، و شفاء غلتي ، و برد لوعتي و كشف كربتي » .

و في الكشي بكى أبو ذر من خشية اللَّه ، حتى اشتكى عينيه ، فخافوا عليهما ، فقيل له : يا أباذر لو دعوت اللَّه لهما فقال اني عنهما لمشغول ، قيل له و ما شغلك عنهما ؟ قال : العظيمتان الجنّة و النار .

« فخرج من صفة العمى و مشاركة أهل الهوى » باتصافه بما مرّ .

« و صار من مفاتيح أبواب الهدى و مغاليق أبواب الردى » و في ( سفيانية ) الجاحظ : أن أبا ذر لمّا كان بالشام يأتي كلّ يوم على باب قصر معاوية و ينادي : أتاكم القطار يحمل النار ، اللّهم العن الآمرين بالمعروف ، التاركين له ،

اللّهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له١ .

« قد أبصر طريقه و سلك سبيله » و ان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .٢ .

« و عرف مناره » . و اتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون٣ و في ( الصحاح ) المنار علم الطريق ، و ذو المنار اسم ملك من اليمن ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع .

« و قطع غماره » قال الجوهري : ( غمار جمع الغمرة الزحمة من الناس

____________________

( ١ ) ذكره ابن أبي الحديد عن « السفيانية » عن جلام بن جندل الغفاري ٨ : ٢٥٧ باب ( ١٣٠ ) .

( ٢ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٣ ) الاعراف : ١٥٧ .

٤٩٧

و الماء ) قال تعالى : و إذا مروا باللغو مروا كراما١ .

و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما٢ .

« استمسك من العرى بأوثقها » . فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن باللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .٣ .

« و من الحبال بأمتنها » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله « اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه و عترتي حبلان ممدودان من السماء ، و انهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » .

« فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس » كان عليه السّلام يقول لو كشف الغطاء ما أزددت يقينا و قالوا لا يجوز لك الشهادة إذا لم يكن ما تشهد به عندك مثل ضوء الشمس .

« قد نصب نفسه للَّه سبحانه في أرفع الأمور » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : ان العلماء ورثة الأنبياء ، و ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و لكن ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر .

« من اصدار كلّ وارد عليه » يقال ورد الماء و صدر عن الماء ( و فلان يورد و يصدر ) إذا كان يتم ما أخذ فيه ( و يورد و لا يصدر ) إذا كان لا يتمه .

« و تصيير كلّ فرع إلى أصله » روى الثلاثة انّه عليه السّلام أتى بأخرس فادّعى عليه دين ، و لم يكن للمدعي بيّنة فقال : الحمد للَّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما تحتاج إليه ثم قال :

____________________

( ١ ) الفرقان : ٧٢ .

( ٢ ) الفرقان : ٦٣ .

( ٣ ) البقرة : ٢٥٦ .

٤٩٨

إئتوني بمصحف ، فأتي به فقال للأخرس ما هذا ؟ فرفع رأسه إلى السماء و أشار إلى انّه كتاب اللَّه تعالى فكتب عليه السّلام و اللَّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشهادة ، الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضار النافع ، المهلك المدرك ، الذي يعلم السر و العلانية ، ان فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان حق و لا طلبة بوجه و لا بسبب ثم غسله و أمر الأخرس ان يشربه فامتنع فالزمه الدين .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ و له أصل في كتاب اللَّه و في خبر آخر كتاب اللَّه فيه نبأ ما قبلكم و خبر ما بعدكم و فصل ما بينكم و نحن نعلمه .

« مصباح الظلمات » أي : سراجها قالت الخنساء :

خطاب معضلة فراج مظلمة

ان جاء مفظعة هيأ لها بابا

« كشاف عشاوات » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( عشوات ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئى ) و قال الجوهري : العشوة ان تركب أمرا على غير بيان .

« مفتاح مبهمات » أي : مغلقات و كان عليه السّلام يقول كرارا على المنبر « سلوني قبل أن تفقدوني أنا أعلم بطرق السماء من الأرض ، و لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم و أهل الانجيل بانجيلهم و أهل الفرقان بفرقانهم » .

« دفّاع معضلات » في النهاية قال عمر : « أعوذ باللَّه من كلّ معضلة ليس لها أبو الحسن » و جاءت معاوية مسألة مشكلة فقال : « معضلة و لا أبا الحسن » .

« دليل فلوات » البراري و القفار .

« يقول فيفهم » لأنّه لا يقول إلاّ شيئا تقبله العقول و تهش إليه النفوس .

٤٩٩

« و يسكت » في موضع يكون القول ضارا .

« فيسلم » من مفاسد الكلام .

« قد أخلص للَّه فاستخلصه » كما قال تعالى لموسى عليه السّلام : و اصطنعتك لنفسي١ .

« فهو من معادن دينه و أوتاد أرضه » في الباطن كما ان الجبال أوتادها في الظاهر قال الصادق عليه السّلام لو بقيت الأرض بغير امام لساخت .

« قد ألزم نفسه العدل » . اعدلوا هو أقرب للتقوى٢ .

« فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه » و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٣ .

« يصف الحق و يعمل به » بخلاف كثير من الناس يقتصرون على الوصف بدون العمل .

« لا يدع للخير غاية إلاّ أمِّها » أي : أرادها ، كما قال احد الشعراء :

إذا ما رأية رفعت لمجد

تلقّاها عرابة باليمين

« و لا مظنة » قال الجوهري مظنة الشي‏ء موضعه الذي يظن كونه فيه قال النابغة ( فان مظنة الجهل الشباب ) .

« إلاّ قصدها » قال تعالى : ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون و الذين هم بآيات ربِّهم يؤمنون و الذين هم بربهم لا يشركون و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انّهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٤ .

____________________

( ١ ) طه : ٤١ .

( ٢ ) المائدة : ٨ .

( ٣ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٤ ) المؤمنون : ٥٧ ٦١ .

٥٠٠