بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113710 / تحميل: 3947
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

انهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين١ .

« قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده و إمامه » ذاك العبد .

« يحلّ حيث حل ثقله » أي : ثقل الكتاب .

« و ينزل حيث كان منزله » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله في أهل بيته و كتاب ربه انهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .

و في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني أين هو من كتاب اللَّه ، ثم قال عليه السّلام : نهى النبي صلّى اللَّه عليه و آله عن القيل و القال ، و فساد المال و كثرة السؤال .

فسألوه اين هي منه فقال عليه السّلام في قوله تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس . و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللَّه لكم فيها قياما .٢ و لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم .٣ .

و فيه خطب النبي صلّى اللَّه عليه و آله بمنى فقال : أيّها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب اللَّه فأنا قلته ، و ما جاءكم يخالف كتاب اللَّه فلم أقله ، و قال الصادق عليه السّلام كلّ حديث لا يوافق كتاب اللَّه فهو زخرف .

و لمّا أراد عبد الرحمن بن عوف من أمير المؤمنين عليه السّلام أن يبايعه و يجعل الأمر له لجعل عمر له حكما بشرط عمله بسنّة الشيخين قال : لا أعلم و لا أعمل إلاّ بكتاب اللَّه و سنّة رسوله و كذلك لمّا أراد الخثعمي منه عليه السّلام

____________________

( ١ ) الانبياء : ٩٠ .

( ٢ ) النساء : ٥ .

( ٣ ) المائدة : ١٠١ .

٥٠١

ذلك بعد خروج الخوارج ، قال ابن قتيبة في ( خلفائه ) ، أبى الخثعمي إلاّ سنّة أبي بكر و عمر و أبي عليّ عليه السّلام إلاّ كتاب اللَّه و سنّة نبيّه فقال له علي عليه السّلام :

أما و اللَّه لكأني بك قد نفرت في هذه الفتنة ، و كأني بحوافر خيلي قد شدخت وجهك قال قبيصة فرأيته يوم النهروان قتيلا و قد وطأت الخيل وجهه و شدخت رأسه فذكرت قول علي عليه السّلام و قلت للَّه در أبي الحسن ما حرّك شفتيه قطّ بشي‏ء إلاّ كان كذلك .

١٩

الخطبة ( ١٥١ ) منها :

سَبِيلٌ أَبْلَجُ اَلْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ اَلسِّرَاجِ فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى اَلصَّالِحَاتِ وَ بِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى اَلْإِيمَانِ وَ بِالْإِيمَانِ يُعْمَرُ اَلْعِلْمُ وَ بِالْعِلْمِ يُرْهَبُ اَلْمَوْتُ وَ بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ اَلدُّنْيَا وَ بِالدُّنْيَا تُحْرَزُ اَلْآخِرَةُ وَ إِنَّ اَلْخَلْقَ لاَ مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ اَلْقِيَامَةِ مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا إِلَى اَلْغَايَةِ اَلْقُصْوَى قول المصنف ( منه ) هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ( منها ) قوله عليه السّلام .

« سبيل » خبر و مبتدؤه ضمير راجع إلى المذكور قبله الذي حذفه المصنف و لعلّه الدين و يحتمل أن يكون المراد الايمان لقوله بعد ( فبالايمان ) .

« أبلج » أي : مشرق مضي‏ء .

« المنهاج » أي : الطريق الواضح .

و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .١ .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٥٣ .

٥٠٢

« أنور السراج » . و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها .١ .

« فبالايمان يستدل على الصالحات و بالصالحات يستدل على الايمان » جعل ابن أبي الحديد الايمان الأول بالمعنى اللغوي و هو التصديق و الثاني بالمعنى الشرعي العقد بالجنان و القول باللسان و العمل بالأركان لئلا يلزم الدور .

إلاّ ان ما توهمه و هم فالاستدلال بالايمان على الصالحات قياس لمى و بالعكس اني نظير ان يقال يستدل بالنار على الدخان و بالدخان على النار و لا دور ، و المراد ان كلاّ منهما يدلّ على الآخر و للاستلزام بين الايمان و عمل الصالحات كرره اللَّه تعالى في كتابه ، فورد الجمع بينهما في الآيات : ( البقرة ) ( ٢٥ ) ( ٨٢ ) ( ٢٧٧ ) ( آل عمران ) ( ٥٧ ) ( النساء ) ( ٥٧ ) ( ١٢٢ ) ( ١٧٣ ) ( المائدة ) ( ٩ ) ( ٩٣ ) ( ٩٣ ) أيضا ( الأعراف ) ( ٤٢ ) ( يونس ) ( ٤ ) ( ٩ ) ( هود ) ( ٢٣ ) ( الرعد ) ( ٢٩ ) ( إبراهيم ) ( ٢٣ ) .

( الكهف ) ( ٣٠ ) ( ١٠٧ ١٠٨ ) ( الحج ) ( ١٤ ) ( ٢٣ ) ( ٥٠ ) ( ٥٦ ) ( العنكبوت ) ( ٧ ) ( ٩ ) ( ٥٨ ) ( الروم ) ( ١٥ ) ( ٤٥ ) ( لقمان ) ( ٨ ٩ ) ( السجدة ) ( ١٩ ) ( سبأ ( ٤ ) ( فاطر ) ( ٧ ) ( ص ) ( ٢٤ ) ( ٢٨ ) ( المؤمن ) ( ٥٨ ) .

( الشورى ) ( ٢٢ ) ( ٢٣ ) ( ٢٦ ) ( الجاثية ) ( ٢١ ) ( ٣٠ ) ( محمّد ) ( ٢ ) ( ١ ) ( الفتح ) ( ٢٩ ) ( الطلاق ) ( ١١ ) ( الانشقاق ) ( ٢٥ ) ( البروج ) ( ١١ ) ( التين ) ( ٥ ٦ ) ( البينة ) ( ٧ ٨ ) ( العصر ) ( ٣ ) و ها ننقلها .

١ و بشر الذين آمنوا و عملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الأنهار .٢ .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٢٢ .

( ٢ ) البقرة : ٢٥ .

٥٠٣

٢ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون١ .

٣ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات و اقاموا الصلاة و آتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون٢ .

٤ و اما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم و اللَّه لا يحبّ الظالمين٣ .

٥ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهّرة و ندخلهم ظلاًّ ظليلا٤ .

٦ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد اللَّه حقّاً و من أصدق من اللَّه قيلا٥ .

٧ فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله .٦ .

٨ وعد اللَّه الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و أجر عظيم٧ .

٩ ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح في ما طعموا إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و أحسنوا

____________________

( ١ ) البقرة : ٨٢ .

( ٢ ) البقرة : ٢٧٧ .

( ٣ ) آل عمران : ٥٧ .

( ٤ ) النساء : ٥٧ .

( ٥ ) النساء : ١٢٢ .

( ٦ ) النساء : ١٧٣ .

( ٧ ) المائدة : ٩ .

٥٠٤

و اللَّه يحبّ المحسنين١ .

١٠ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون٢ .

١١ . ليجزي الذين آمنوا و عملوا الصالحات بالقسط .٣ .

١٢ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتِهمُ الأنهار في جنات النعيم٤ .

١٣ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات و اخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون٥ .

١٤ الذين آمنوا و عملوا الصالحات طوبى لهم و حسن مآب٦ .

١٥ و ادخل الذين آمنوا و عملوا الصالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها باذن ربهم تحيتهم فيها سلام٧ .

١٦ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات انّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً٨ .

١٧ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات كانت لهم جنّات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حولا٩ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٩٣ .

( ٢ ) الاعراف : ٤٢ .

( ٣ ) يونس : ٤ .

( ٤ ) يونس : ٩ .

( ٥ ) هود : ٢٣ .

( ٦ ) رعد : ٢٩ .

( ٧ ) ابراهيم : ٢٣ .

( ٨ ) الكهف : ٣٠ .

( ٩ ) الكهف : ١٠٧ ١٠٨ .

٥٠٥

١٨ ان اللَّه يُدخل الذين آمنوا و عملوا الصالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار ان اللَّه يفعل ما يريد١ .

١٩ ان اللَّه يُدخل الذين آمنوا و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤاً و لباسهم فيها حرير٢ .

٢٠ فالذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و رزق كريم٣ .

٢١ . فالذين آمنوا و عملوا الصالحات في جنات النعيم٤ .

٢٢ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لنكفّرن عنهم سيئاتهم و لنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون٥ .

٢٣ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين٦ .

٢٤ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنّة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين٧ .

٢٥ فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون٨ .

٢٦ ليجزي الذين آمنوا و عملوا الصالحات من فضله .٩ .

____________________

( ١ ) الحج : ١٤ .

( ٢ ) الحج : ٢٣ .

( ٣ ) الحج : ٥٠ .

( ٤ ) الحج : ٥٦ .

( ٥ ) العنكبوت : ٧ .

( ٦ ) العنكبوت : ٩ .

( ٧ ) العنكبوت : ٥٨ .

( ٨ ) الروم : ١٥ .

( ٩ ) الروم : ٤٥ .

٥٠٦

٢٧ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد اللَّه حقّاً و هو العزيز الحكيم١ .

٢٨ اما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم جنّات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون٢ .

٢٩ ليجزي الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة و رزقٌ كريم٣ .

٣٠ . و الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و أجر كبير٤ .

٣١ . و ان كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم .٥ .

٣٢ أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار٦ .

٣٣ و ما يستوي الأعمى و البصير و الذين آمنوا و عملوا الصالحات و لا المسي‏ء قليلاً ما تتذكرون٧ .

٣٤ ترى الظالمين مشفقين ممّا كسبوا و هو واقع بهم و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير٨ .

____________________

( ١ ) لقمان : ٨ ٩ .

( ٢ ) التنزيل ( السجدة ) : ١٩ .

( ٣ ) سبأ : ٤ .

( ٤ ) فاطر : ٧ .

( ٥ ) ص : ٢٤ .

( ٦ ) ص : ٢٨ .

( ٧ ) المؤمن : ٥٨ .

( ٨ ) الشورى : ٢٢ .

٥٠٧

٣٥ ذلك الذي يبشّر اللَّه عباده الذين آمنوا و عملوا الصالحات .١ .

٣٦ و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات و يزيدهم من فضله .٢ .

٣٧ أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء ما يحكمون٣ .

٣٨ فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين٤ .

٣٩ و الذين آمنوا و عملوا الصالحات و آمنوا بما نزل على محمّد و هو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم و أصلح بالهم٥ .

٤٠ ان اللَّه يدخل الذين آمنوا و عملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار .٦ .

٤١ . وعد اللَّه الذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجراً عظيما٧ .

٤٢ . ليخرج الذين آمنوا و عملوا الصالحات من الظلمات إلى النور٨ .

____________________

( ١ ) الشورى : ٢٣ .

( ٢ ) الشورى : ٢٦ .

( ٣ ) الجاثية : ٢١ .

( ٤ ) الجاثية : ٣٠ .

( ٥ ) محمد : ٣ .

( ٦ ) محمد : ٣ .

( ٧ ) الفتح : ٢٩ .

( ٨ ) الطلاق : ١١ .

٥٠٨

٤٣ إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون١ .

٤٤ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير٢ .

٤٥ ثم رددناه أسفل سافلين إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون٣ .

٤٦ ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جَنّاتُ عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضى اللَّه عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشي ربّه٤ .

٤٧ و العصر إِنَّ الانسانَ لفي خسرٍ إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحقِّ و تواصوا بالصبر٥ .

هذا ما ورد بلفظ « آمنوا و عملوا الصالحات » و ورد بلفظ آخر .

١ عن ذي القرنين : و أما من آمن و عمل صالحاً فله جزاء الحسنى و سنقول له من أمرنا يسراً٦ .

٢ و اني لغفّار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً ثم اهتدى٧ .

٣ و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق اثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا إلاّ من تاب و آمن و عمل عملاً صالحاً فأولئك يبدّل

____________________

( ١ ) الانشقاق : ٢٥ .

( ٢ ) البروج : ١١ .

( ٣ ) التين : ٥ ٦ .

( ٤ ) البينة : ٧ ٨ .

( ٥ ) العصر : ١ ٣ .

( ٦ ) الكهف : ٨٨ .

( ٧ ) طه : ٨٢ .

٥٠٩

اللَّه سيئاتهم حسنات و كان اللَّه غفوراً رحيما١ .

٤ فأما من تاب و آمن و عمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين٢ .

٥ و قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللَّه خير لمن آمن و عمل صالحاً و لا يُلقّاها إلاّ الصابرون٣ .

٦ و ما أموالكم و لا أولادكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى إلاّ من آمن و عمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا و هم في الغرفات آمنون٤ .

٧ . و من يؤمن باللَّه و يعمل صالحاً يكفّر عنه سيئاته و يدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم٥ .

٨ ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم و يبشّرُ المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً كبيراً٦ .

٩ . و يبشّرَ المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً٧ .

١٠ إلاّ من تاب و آمن و عمل صالحاً فاولئك يدخلون الجنّة و لا يظلمون شيئاً٨ .

____________________

( ١ ) الفرقان : ٦٨ ٧٠ .

( ٢ ) القصص : ٦٧ .

( ٣ ) القصص : ٨٠ .

( ٤ ) سبأ : ٣٧ .

( ٥ ) التغابن : ٩ .

( ٦ ) الاسراء : ٩ .

( ٧ ) الكهف : ٢ ٣ .

( ٨ ) مريم : ٦٠ .

٥١٠

١١ . و من يؤمن باللَّه و يعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن اللَّه له رزقاً١ .

١٢ مَنْ عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى و هو مؤمنٍ فلنحيينَّه حياةً طيبةً .٢ .

١٣ . فمن كان يرجو لقاء ربِّه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه احداً٣ و المجموع ستون .

« و بالايمان يعمر العلم » في ( الكافي ) قال عيسى عليه السّلام للحواريين :

بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر ، و كذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل .

و فيه جاء رجل إلى السجّاد عليه السّلام فسأله عن مسائل فأجابه ، ثم عاد ليسأل عن مثلها فقال عليه السّلام مكتوب في الانجيل ، لا تطلبوا علم ما لا تعلمون ،

و لمّا تعملوا بما علمتم ، فان العلم إذا لم يعمل به صاحبه لم يزدد صاحبه إلاّ كفرا و لم يزدد من اللَّه إلاّ بعدا .

و عن الصادق عليه السّلام قيل له عليه السّلام بم يعرف الناجي من الهالك ؟ فقال عليه السّلام :

من كان فعله لقوله موافقا .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام ان العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله ، بل الحجّة عليه أعظم .

« و بالعلم يرهب الموت » و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انّهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٤ .

« و بالموت تختم الدنيا » يمكن أن يراد بموت كلّ انسان يختم دنياه ، و ان

____________________

( ١ ) الطلاق : ١١ .

( ٢ ) النحل : ٩٧ .

( ٣ ) الكهف : ١١٠ .

( ٤ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

٥١١

يراد بموت كلّ الناس تختم دنياهم ، يومَ هُم بارزون لا يخفى على اللَّه منهم شي‏ء لِمن المُلك اليوم للَّه الواحد القهّار١ .

« و بالدنيا تحرز الآخرة » فان الدنيا مزرعة الآخرة ، و متجرة الآخرة ، و زاد ابن أبي الحديد و ابن ميثم و ( حو ) « و بالقيامة تزلف الجنّة للمتّقين و تبرَّز الجحيمُ للعاوين فلابد من حصول سقط في ( المصرية ) .

« و ان الخلق لا مقصر » بكسر الصاد .

« لهم عن القيامة » ثم انّكم بعد ذلك لميتون ثم انّكم يوم القيامة تبعثون٢ .

« مرقلين » من ( الرقل الجمل ) اسرع قال النابغة :

إذا استنزلوا للطعن عنهن ارقلوا

إلى الموت ارقال الجمال المصاعب

« في مضمارها » أي : مضمار الدنيا ، و المضمار الموضع الذي تجري فيه الخيل .

« إلى الغاية القصوى » أي : البعيدة . فاستبقوا الخيرات اينما تكونوا يأتِ بكم اللَّه جميعاً .٣ . فاستبقوا الخيرات إلى اللَّه مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون٤ .

سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنّة عرضها كعرض السماء و الأرض أُعدت للذين آمنوا باللَّه و رسله .٥ و السابقون السابقون اولئك

____________________

( ١ ) المؤمن : ١٦ .

( ٢ ) المؤمنون : ١٥ ١٦ .

( ٣ ) البقرة : ١٤٨ .

( ٤ ) المائدة : ٤٨ .

( ٥ ) الحديد : ٢١ .

٥١٢

المقرّبون في جنات النعيم١ .

٢٠

في الخطبة ( ١٨٦ ) أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ اَلْمُوجِبَةُ عَلَى اَللَّهِ حَقَّكُمْ وَ أَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ وَ تَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اَللَّهِ فَإِنَّ اَلتَّقْوَى فِي اَلْيَوْمِ اَلْحِرْزُ وَ اَلْجُنَّةُ وَ فِي غَدٍ اَلطَّرِيقُ إِلَى اَلْجَنَّةِ مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ وَ سَالِكُهَا رَابِحٌ وَ مُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى اَلْأُمَمِ اَلْمَاضِينَ مِنْكُمْ وَ اَلْغَابِرِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً إِذَا أَعَادَ اَللَّهُ مَا أَبْدَى وَ أَخَذَ مَا أَعْطَى وَ سَأَلَ عَمَّا أَسْدَى فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا وَ حَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا أُولَئِكَ اَلْأَقَلُّونَ عَدَداً وَ هُمْ أَهْلُ صِفَةِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ اَلشَّكُورُ ١٩ ٢٣ ٣٤ : ١٣ فَأَهْطِعُوا بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا وَ كُظُّوا بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا وَ اِعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً وَ مِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ وَ اِقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ وَ أَشْعِرُوا بِهَا قُلُوبَكُمْ وَ اِرْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَكُمْ وَ دَاوُوا بِهَا اَلْأَسْقَامَ وَ بَادِرُوا بِهَا اَلْحِمَامَ وَ اِعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا وَ لاَ يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا أَلاَ فَصُونُوهَا وَ تَصَوَّنُوا بِهَا « أوصيكم بتقوى اللَّه » لأنها مدار قبول الأعمال ، قال تعالى : . انما يتقبّل من المتقين٢ .

« فانها حق اللَّه عليكم و الموجبة على اللَّه حقكم » في الفقيه عن السجّاد عليه السّلام في خبر طويل في الحقوق :

____________________

( ١ ) الواقعة : ١٠ ١٢ .

( ٢ ) المائدة : ٢٧ .

٥١٣

« حق اللَّه الأكبر عليك أن تعبده ، و لا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص ، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة » .

« و ان تستعينوا عليها باللَّه » أي : على تحصيلها .

« و تستعينوا بها على اللَّه » أي : على تحصيل رضاه .

و استعينوا بالصبر و الصلاة و انها لكبيرة إلاّ على الخاشعين الذين يظنون انّهم ملاقوا ربهم و انّهم إليه راجعون١ يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة ان اللَّه مع الصابرين٢ .

« فان التقوى في اليوم الحرز » أي : الحصن .

« و الجنّة » بالضم أي : الترس .

و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض .٣ . و من يتق اللَّه يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب .٤ ، فأما من أعطى و اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى٥ ، ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح في ما طعموا إذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و احسنوا و اللَّه يحبّ المحسنين٦ .

« و في غد الطريق إلى الجنّة » الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات اللَّه ذلك هو

____________________

( ١ ) البقرة : ٤٥ ٤٦ .

( ٢ ) البقرة : ١٥٣ .

( ٣ ) الاعراف : ٩٦ .

( ٤ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٥ ) الليل : ٥ ٧ .

( ٦ ) المائدة : ٩٣ .

٥١٤

الفوز العظيم١ .

تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقيا٢ . للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج مطهّرة و رضوان من اللَّه و اللَّه بصير بالعباد ٣ الذين يقولون ربنا اننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين و الصادقين و القانتين و المنفقين و المستغفرين بالأسحار٤ .

« مسلكها واضح » و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله٥ .

« و سالكها رابح » قد أفلح من زكّاها و قد خاب من دسّاها٦ قد أفلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلّى٧ قد أفلح المؤمنون٨ إلى أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون٩ .

ان اللَّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنّة . إلى فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم١٠ .

« و مستودعها » أي : مستحفظها .

____________________

( ١ ) يونس : ٦٣ ٦٤ .

( ٢ ) مريم : ٦٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٥ .

( ٤ ) آل عمران : ١٦ ١٧ .

( ٥ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٦ ) الشمس : ٩ ١٠ .

( ٧ ) الاعلى : ١٤ ١٥ .

( ٨ ) المؤمنون : ١ .

( ٩ ) المؤمنون : ١١١ .

( ١٠ ) التوبة : ١١١ .

٥١٥

قال الشاعر :

استودع العلم قرطاساً فضيّعه

فبئس مستودع العلم القراطيس

و مستودعها و هو اللَّه تعالى .

« حافظ » قال تعالى : . انّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً١ . و ما كان اللَّه ليضيع ايمانكم .٢ .

« لم تبرح » أي : لم تزل التقوى .

« عارضة نفسها » قال الفراء في قوله تعالى و عرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا٣ أي ابرزناها لهم حتى نظروا إليها و قال الأساس في قول الكميت :

ليالينا إذ لا تزال تروّعنا

معرضة منهم بكر و ثيب

يعرضون الجارية على الخاطب ثم يحجبونها ليرقب فيها .

« على الامم الماضين منكم و الغابرين » أي : الباقين .

« لحاجتهم إليها غدا » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و لتنظر نفس ما قدمت لغدٍ و اتقوا اللَّه ان اللَّه خبير بما تعملون٤ .

و ان منكم إلاّ واردها كان على ربك حتماً مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا٥ .

« إذا أعاد اللَّه ما أبدى » منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم

____________________

( ١ ) الكهف : ٣٠ .

( ٢ ) البقرة : ١٤٣ .

( ٣ ) الكهف : ١٠٠ .

( ٤ ) الحشر : ١٨ .

( ٥ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

٥١٦

تارة اُخرى١ .

« و أخذ ما أعطى » و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة و تركتم ما خولناكم وراء ظهوركم .٢ .

« و سأل عمّا أسدى » إلى الخلق .

أنعم عليهم قال تعالى : ثمَّ و لتسئلن يومئذ عن النعيم٣ .

« فما أقل من قبلها و حملها حق حملها » نظير قوله تعالى . و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلاّ ابتغاء رضوان اللَّه فما رعوها حق رعايتها .٤ .

« أولئك » أي : القابلون للتقوى الحاملون لها حق حملها .

« الأقلون عددا ، و هم أهل صفة اللَّه سبحانه إذ يقول » :

و قليلٌ من عبادي الشكور٥ الآية ( ١٣ ) من سبأ و قبلها . اعملوا آل داود شكرا .٦ .

و نظيرها أيضا قوله سبحانه : . و ان كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليل ما هم .٧ في قصّة الملكين و قول أحدهما لداود ان هذا أخي له تسع و تسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها و عزَّني في الخطاب٨ .

____________________

( ١ ) طه : ٥٥ .

( ٢ ) الانعام : ٩٤ .

( ٣ ) التكاثر : ٨ .

( ٤ ) الحديد : ٢٧ .

( ٥ ) سبأ : ١٣ .

( ٦ ) سبأ : ١٣ .

( ٧ ) ص : ٢٤ .

( ٨ ) ص : ٢٣ .

٥١٧

« فاهطعوا » قال الجوهري : اهطع إذا مد عنقه و صوّب رأسه .

« بأسماعكم إليها » و قال ابن أبي الحديد و ابن ميثم و يروي بدل ( فاهطعوا باسماعكم إليها ) ( فانقطعوا باسماعكم إليها ) .

« و كظوا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و واكظوا ) أو ( و الظوا ) نقل ابن ميثم الأول و جعل الثاني رواية و ابن أبي الحديد عكس و معناهما قريب ،

فالمواكظة المداومة ، و الألظاظ الإلحاح و لا معنى لكظ فكظه أي غمّه .

« بجدكم عليها و اعتاضوها من كلّ سلف خلفا و من كلّ مخالف موافقا » لأن الإنسان إذا كان معه التقوى لا يضرّه ذهاب ماله و أهله و اقتداره بل و مخالفة جميع أهل الدنيا معه ، كما انّه مع مفارقته عنها لا ينفعه جميع ذلك ، لأنّه بالتقوى يكون اللَّه تعالى معه .

ان اللَّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون١ و اللَّه خلف عن كلّ شي‏ء و ليس شي‏ء خلفا عنه .

و في ( الطبري ) ان الحرّ في الطريق كان يساير الحسين عليه السّلام و يقول : لئن قاتلت لتقتلن فقال عليه السّلام أفبالموت تخوفني ؟ أقول لك : ما قال أخو الأوس لابن عمه لقيه و هو يريد نصرة النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال له أين تذهب فانك مقتول فقال :

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما

و لمّا انتهى الحسين عليه السّلام إلى عذيب الهجانات إذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم مع دليلهم الطرماح بن عدي و هو ينشد أبياتا منها :

أتى اللَّه به لخير أمر

ثمت ابقاه بقاء الدهر .

فقال عليه السّلام أما و اللَّه اني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد اللَّه بنا قتلنا أم ظفرنا

____________________

( ١ ) النحل : ١٢٨ .

٥١٨

و لنعم ما قيل بالفارسية كالعربية :

هزار دشمنم ار ميكنند قصد هلاك

گرم تو دوستى از دشمنان ندارم باك

و ما نبالي إذا ما كنت جارتنا

الا يجاورنا الاك ديار

« و اقطعوا بها يومكم » . و سبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و من آناء الليل فسبّح و أطراف النهار لعلّك ترضى١ .

« و اشعروا بها قلوبكم » أي : اجعلوا التقوى شعارا لكم لا دثارا ، و المراد اجعلوها حقيقية لا ظاهرية ، قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله له عليه السّلام اشهد ان الايمان خالط لحمك و جسدك كما خالط لحمي و جسدي .

« و ارحضوا » من ( رحض ثوبه ) غسله .

« بها ذنوبكم » . و من يتق اللَّه يكفّر عنه سيئاته و يعظّم له أجرا٢ .

« و داووا بها الأسقام » من الصفات الذميمة . قد جاءتكم موعظه من ربكم و شفاء لمّا في الصدور .٣ .

« و بادروا بها الحمام » بالكسر الموت المقدر ، و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة انهم إلى ربّهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون٤ .

« و اعتبروا بمن أضاعها » فأخذه اللَّه نكال الآخرة و الأولى ان في ذلك

____________________

( ١ ) طه : ١٣٠ .

( ٢ ) الطلاق : ٥ .

( ٣ ) يونس : ٥٧ .

( ٤ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

٥١٩

لعبرة لمن يخشى١ .

« و لا يعتبرن بكم من أطاعها » قالوا ء انَّك لاَنتَ يوسف قال أنا يوسف و هذا أخي قد منَّ اللَّه علينا انّه من يتق و يصبر فان اللَّه لا يضيع أجر المحسنين قالوا تاللَّه لقد آثرك اللَّه علينا و ان كنّا لخاطئين٢ .

قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه و انّه لمن الصادقين٣ .

« ألا و صونوها » كما تصونون ذهبكم و نفائس أمتعتكم .

« و تصونوا بها » كما تتصونون في الحرب بأسلحتكم ، و كما تتصونون عن الأعداء بحصونكم و معاقلكم .

٢١

الخطبة ( ١٩٣ ) أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي اِبْتَدَأَ خَلْقَكُمْ وَ إِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ وَ بِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ وَ إِلَيْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِكُمْ وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ وَ إِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ فَإِنَّ تَقْوَى اَللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ وَ بَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ وَ صَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ وَ طُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ وَ جِلاَءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ وَ ضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اَللَّهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ وَ دَخِيلاً دُونَ شِعَارِكُمْ وَ لَطِيفاً بَيْنَ أَضْلاَعِكُمْ وَ أَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ وَ مَنْهَلاً لِحِينِ وُرُودِكُمْ وَ شَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ وَ جُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ وَ مَصَابِيحَ لِبُطُونِ

____________________

( ١ ) النازعات : ٢٥ ٢٦ .

( ٢ ) يوسف : ٩٠ ٩١ .

( ٣ ) يوسف : ٥١ .

٥٢٠

قُبُورِكُمْ وَ سَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ وَ نَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ فَإِنَّ طَاعَةَ اَللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ اَلشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ اِحْلَوْلَتْ لَهُ اَلْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَ اِنْفَرَجَتْ عَنْهُ اَلْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا وَ أَسْهَلَتْ لَهُ اَلصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِ اَلْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا وَ تَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ اَلرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ اَلنِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا وَ وَبَلَتْ عَلَيْهِ اَلْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا فَاتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ اِمْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَ اُخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ « أما بعد فأوصيكم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فاني أوصيكم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« بتقوى اللَّه الذي ابتدأ خلقكم » قال شعيب لقومه : و اتقوا الذي خلقكم و الجبلَّة الأولين١ .

« و إليه يكون معادكم » . و تناجوا بالبر و التقوى و اتقوا اللَّه الذي إليه تحشرون٢ .

« و به نجاح طلبتكم » قال هود لقومه : و اتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدكم بأنعام و بنين و جنّات و عيون٣ .

« و إليه منتهى رغبتكم » و إذا مسّكم الضرّ في البحر ضلّ من تدعون إلاّ إيّاه .٤ .

____________________

( ١ ) الشعراء : ١٨٤ .

( ٢ ) المجادلة : ٩ .

( ٣ ) الشعراء : ١٣٢ ١٣٤ .

( ٤ ) الاسراء : ٦٧ .

٥٢١

« و نحوه قصد سبيلكم » أمن يهديكم في ظلمات البر و البحر و من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ءإِله مع اللَّه .١ .

« و إليه مرامي مفزعكم » أمن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء .٢ .

و إلى هنا عدّد ست صفات توجب اتّقاءه تعالى .

« فان تقوى اللَّه » و من هنا إلى الثامنة من الفوائد عد أيضا عللا لوجوب الاتقاء و الاتصاف بالتقوى أيضا .

« دواء داء قلوبكم » فالقلوب تمرض كما تمرض الأبدان كما قال تعالى في المنافقين : في قلوبهم مرض .٣ و دواء مرضها التقوى . و من يعظم شعائر اللَّه فانها من تقوى القلوب٤ .

« و بصر عمى أفئدتكم » فان الأفئدة تعمى كما تعمى العيون قال تعالى :

أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور٥ .

« و شفاء مرض أجسادكم » قيل لأن مرض الأجساد في الأغلب من كثرة الأكل و المتقي أكله قليل .

قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله المنافق يأكل في سبعة أمعاء و المؤمن في معاء واحد و ورد ان كافرا ورد على النبي صلّى اللَّه عليه و آله ضيفا فحلب له سبع شياة فشربها ثم أسلم في غده فما أتمّ حلب واحدة .

____________________

( ١ ) النمل : ٦٣ .

( ٢ ) النمل : ٦٢ .

( ٣ ) البقرة : ١٠ .

( ٤ ) الحج : ٣٢ .

( ٥ ) الحج : ٤٦ .

٥٢٢

« و صلاح فساد صدوركم » فمن يُّرد اللَّه أن يهديه يشرح صدره للاسلام و من يُّرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنما يصَّعَّد في السماء كذلك يجعل اللَّه الرجس على الذين لا يؤمنون١ .

« و طهور دنس أنفسكم » . فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح و ان تعفو أقرب للتقوى و لا تنسوا الفضل بينكم ان اللَّه بما تعملون بصير٢ .

« و جلاء غشاء أبصاركم » فمع عدم التقوى تكون على الأبصار غشاوة كما قال تعالى في المنافقين : . و على أبصارهم غشاوة .٣ و بها تجلى تلك الغشاوة .

« و أمن فزع جأشكم » أي : قلبكم و الأصل فيه الاضطراب قال :

أقول لها إذا جشأت و جاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون٤ من جاء بالحسنة فله خير منها و هم من فزع يومئذ آمنون٥ لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملئكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون٦ .

« و ضياء سواد ظلمتكم » أو من كان ميتاً فأحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زيّن للكافرين ما

____________________

( ١ ) الانعام : ١٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ٢٣٧ .

( ٣ ) البقرة : ٧ .

( ٤ ) الاعراف : ٣٥ .

( ٥ ) النمل : ٨٩ .

( ٦ ) الانبياء : ١٠٣ .

٥٢٣

كانوا يعملون١ .

« فاجعلوا طاعة اللَّه شعارا دون دثاركم » يعني إذا كانت التقوى بتلك المرتبة من الوجوب و هذه الدرجة من الفوائد فلا تجعلوها دثارا بل شعارا و الشعار ما ولى الجسد من الثياب و الدثار ما كان من الثياب فوق الشعار .

« و دخيلا دون شعاركم » بالغ عليه السّلام في الالتزام بها بأن الشعار لا يكتفى به لها بل ينبغي جعلها دخيلا في البدن كالروح .

« و لطيفا بين أضلاعكم » يعني مطلق الدخيل أيضا لا ينبغي لها بل تجعل كالقلب من ساير الأعضاء الباطنية .

« و أميرا فوق أموركم » بمعنى إذا دار الأمر بين الأخذ بالتقوى و اختلال امور دنياه و تركه و نجاح امورها فاجعلوها أميرا فوقها فخذوا بالتقوى و ذروا أمور الدنيا كما كان عليه السّلام نفسه ترك سلطنته الظاهرية يوم الشورى لئلا يلزم بسنّة النفرين المخالفة سنّتها للكتاب و حكم اللَّه و رضى بتفرّق الناس عنه و لحوقهم بمعاوية دون ان يفضّل الاشراف كما فعل عمر ذلك خلافا للنبي صلّى اللَّه عليه و آله فعود الناس به .

« و منهلا » أي : المورد في الماء .

« لحين ورودكم » الماء ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٢ .

« و شفيعا لدرك طلبتكم » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و ابتغوا إليه الوسيلة و جاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون٣ .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٢٢ .

( ٢ ) فصلت : ٣٠ .

( ٣ ) المائدة : ٣٥ .

٥٢٤

« و جنة ليوم فزعكم » و ان منكم إلاّ واردها كان على ربك حتماً مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا١ و عن الصادق عليه السّلام قال : ألا أخبركم بأبواب الخير ؟ قالوا بلى ، قال : الصوم جنّة من النار الخبر .

« و مصابيح لبطون قبوركم » لم يقل عليه السّلام ( مصباحا ) كما قال ( و جنة ) لأن المطلوب تعدّد المصباح .

« و سكنا لطول وحشتكم » في البرزخ و المحشر .

و عن الصادق عليه السّلام إذا بعث المؤمن من قبره خرج معه مثال من قبره يقدمه امامه ، و كلّما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة ، قال له مثال لا تحزن و لا تفزع و ابشر بالسرور و الكرامة حتى يقف بين يديه تعالى فيحاسبه حسابا يسيرا ، و يؤمر له إلى الجنّة و المثال أمامه فيقول له : نعم الخارج كنت معي من قبري ، و ما زلت تبشّرني فمن أنت ؟ فيقول : السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن خلقني منه لأبشرك .

« و نفسا لكرب مواطنكم » و في الكافي عن الصادق عليه السّلام من أعان مؤمنا نفّس اللَّه عنه ثلاثا و سبعين كربة ، واحدة في الدنيا و ثنتين و سبعين عند كربه العظمى حيث يتشاغل الناس بأنفسهم .

و عنه عليه السّلام من نفّس عن مؤمن كربة نفّس اللَّه عنه كرب الآخرة ، و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد .

« فان طاعة اللَّه حرز » أي : حفظ .

« من متالف » أي : موجبات التلف .

« مكتنفة » أي : محيطة .

« و مخاوف » أي : أسباب خوف .

____________________

( ١ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

٥٢٥

« متوقعة » أي : منتظرة الوقوع ، و من يطع اللَّه و الرسول فاولئك مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من اللَّه و كفى باللَّه عليما١ .

« واوار » بالضم أي : حرارة ، قال ملغزا : « و النار قد تشفي من الاوار » و المراد ان سمات الابل التي تكون بالنار تكون سببا لأن يعرف الناس ان الابل لأحد من الشرفاء فيقدمونها في السقي فتبخو من حرارة العطش و ينبغي أن يترجم بالفارسية ( كاهى آتش از عطش نجات ميدهد ) .

« نيران موقدة » قال تعالى بعد ذكر أهل الجنّة و نعيمهم فأقبل بعضهم على بعض يتساءَلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول ءانَّك لمن المصدقين ءإذا متنا و كنّا تراباً و عظاما ء انا لمدينون قال هل أنتم مطّلعون فاطّلع فرآه في سواء الجحيم قال تاللَّه ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين٢ .

« فمن أخذ بالتقوى عزبت » أي : بعدت .

« عنه الشدائد بعد دنوها » أي : قربها . و من يتق اللَّه يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب .٣ .

« و أحلولت » من الحلاوة .

« له الامور بعد مرارتها » و في الخبر مرارة الدنيا حلاوة الآخرة .

« و انفرجت عنه الامور بعد تراكمها » أي : اجتماعها .

و في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السّلام لهشام بن الحكم قال لقمان لابنه : ان

____________________

( ١ ) النساء : ٦٩ ٧٠ .

( ٢ ) الصافات : ٥٠ ٥٧ .

( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٢٦

الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، قتلك سفينتك فيها تقوى اللَّه و حشوها الايمان ، و شراعها التوكل ، و قيّمها العقل و دليلها العلم و سكّانها الصبر .

« و أسهلت له الصعاب بعد انصابها » بالكسر أي اتعابها .

« و هطلت » من ( هطل المطر ) تتابع .

« عليه الكرامة بعد قحوطها » من ( قحط المطر ) إذا احتبس .

في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام قال تعالى : و عزتي و جلالي و عظمتي و بهائي ، لا يؤثر عبد هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدنيا إلاّ جعلت غناه في نفسه و همّه في آخرته ، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر .

« و تحدبت » أي : تعطفت .

« عليه الرحمة بعد نفورها » من ( نفرت الدابة ) أو ( نفرت المرأة ) .

« و تفجّرت » من ( تفجّر الماء ) .

« عليه النعم بعد نضوبها » من ( نضب الماء ) أي : غار .

« و وبلت » أي : أمطرت شديدا .

« عليه البركة بعد ارذاذها » من ( ارذت السماء ) أمطرت ضعيفا .

و عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همّه جعل اللَّه القناعة في قلبه ، و جمع له أمره ، و لم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه ، و من أصبح و أمسى و الدنيا أكبر همّه جعل اللَّه الفقر بين عينيه ، و شتت عليه أمره و لم ينل من الدنيا إلاّ ما قسم له .

« فاتقوا اللَّه الذي نفعكم بموعظته » و ذكّر فان الذكرى تنفع المؤمنين١ .

____________________

( ١ ) الذاريات : ٥٥ .

٥٢٧

« و وعظكم برسالته » رسلاً مبشرين و منذرين لئلا يكون على اللَّه حجّة بعد الرسل .١ .

« و امتن عليكم بنعمته » يمنون عليك ان أسلموا قل لا تمنوا عليّ اسلامكم بل اللَّه يمنّ عليكم إن هداكم للايمان إن كنتم صادقين٢ .

« فعبدوا » التعبيد التذليل .

« أنفسكم لعبادته » كان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يجلس جلسة العبيد ، فمرت به امرأة بذية ، فقالت له انك لتجلس كالعبيد ؟ فقال صلّى اللَّه عليه و آله : و أي عبد أعبد مني و كان موسى عليه السّلام لا يقوم من صلاته حتى يضع خدّه على التراب .

و قال تعالى في كلّ من سليمان و أيوب . نعم العبد انّه أوّاب٣ و قال عز و جل : وَ اذكُرْ عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار انّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار و انّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار٤ .

« و أخرجوا إليه من حق طاعته » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون٥ .

٢٢

في الخطبة ( ٢٠٩ ) أَلاَ وَ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلاً وَ لِلْحَقِّ دَعَائِمَ وَ لِلطَّاعَةِ عِصَماً وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اَللَّهِ يَقُولُ عَلَى اَلْأَلْسِنَةِ وَ يُثَبِّتُ اَلْأَفْئِدَةَ

____________________

( ١ ) النساء : ١٦٥ .

( ٢ ) الحجرات : ١٧ .

( ٣ ) ص : ٣٠ .

( ٤ ) ص : ٤٥ ٤٧ .

( ٥ ) آل عمران : ١٠٢ .

٥٢٨

فِيهِ كِفَاءٌ لِمُكْتَفٍ وَ شِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اَللَّهِ اَلْمُسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ يَصُونُونَ مَصُونَهُ وَ يُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلاَيَةِ وَ يَتَلاَقَوْنَ بِالْمَحَبَّةِ وَ يَتَسَاقَوْنَ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَ يَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ لاَ تَشُوبُهُمُ اَلرِّيبَةُ وَ لاَ تُسْرِعُ فِيهِمُ اَلْغِيبَةُ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَ أَخْلاَقَهُمْ فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ وَ بِهِ يَتَوَاصَلُونَ فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ اَلْبَذْرِ يُنْتَقَى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَ يُلْقَى قَدْ مَيَّزَهُ اَلتَّخْلِيصُ وَ هَذَّبَهُ اَلتَّمْحِيصُ فَلْيَقْبَلِ اِمْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا وَ لْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا وَ لْيَنْظُرِ اِمْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ وَ قَلِيلِ مُقَامِهِ فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ وَ مَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ وَ أَصَابَ سَبِيلَ اَلسَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ وَ بَادَرَ اَلْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ وَ تُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ اِسْتَفْتَحَ اَلتَّوْبَةَ وَ أَمَاطَ اَلْحَوْبَةَ فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى اَلطَّرِيقِ وَ هُدِيَ نَهْجَ اَلسَّبِيلِ

« الا و ان اللّه قد جعل للخير أهلا » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة يقال لهم ان ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم .

و عنه عليه السّلام ان للجنّة بابا ، يقال له المعروف ، لا يدخله إلاّ أهل المعروف ،

و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة .

و عن الباقر عليه السّلام ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله و وجه لطلاب المعروف الطلب إليهم و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها و يحيي أهلها .

و ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف ،

٥٢٩

و بغّض إليهم فعاله و حظر على طلاّب المعروف الطلب إليهم ، و حظر عليهم قضاءه كما يحرم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها .

« و للحق دعائم » أي : عمد .

و هو عليه السّلام كان مدار الحق خبرا و خبرا و قولا و عملا ، كما ان مخالفيه كانوا بالعكس كما قال تعالى فيهم : . و أكثرهم للحق كارهون١ و قال تعالى : و لو اتّبع الحقُّ أهواءَهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن .٢ .

« و للطاعة عصما » جمع العصام رباط القربة و سيرها الذي تحمل به .

قال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه و من تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا٣ و قال نبيه صلّى اللَّه عليه و آله اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه و عترتي أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض .

و في ( عيون ) ابن بابويه ، عن إسحاق بن راهويه لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه السّلام نيشابور و أراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا : يا ابن رسول اللَّه أترحل عنّا و لا تحدثنا بحديث نستفيده منك ؟

و كان عليه السّلام قعد في العمارية فاطلع رأسه و قال :

سمعت أبي موسى بن جعفر عليه السّلام يقول سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السّلام يقول سمعت أبي محمد بن علي عليه السّلام يقول سمعت أبي علي بن الحسين عليه السّلام يقول سمعت أبي الحسين بن علي عليه السّلام يقول سمعت أبي عليّا عليه السّلام يقول سمعت النبي صلّى اللَّه عليه و آله يقول سمعت اللَّه تعالى يقول : « لا إله إلاّ اللَّه

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٧٠ .

( ٢ ) المؤمنون : ٧١ .

( ٣ ) النساء : ٨٠ .

٥٣٠

حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي « فلمّا مرّت الراحلة نادانا ( بشروطها و انا من شروطها ) .

« و ان لكم عند كلّ طاعة عونا من اللَّه » و الّذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا و ان اللَّه لمع المحسنين١ .

« يقول على الألسنة » فانما يسّرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوماً لدُاً٢ .

« و يثبت الأفئدة » يثبّت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة و يضل اللَّه الظالمين و يفعل اللَّه ما يشاء٣ .

« فيه كفاء لمكتف و شفاء لمشتف » قال ابن أبي الحديد قال عليه السّلام ( كفاء ) للازدواج بينه و بين ( شفاء ) كما في قولهم ( الغدايا و العشايا ) و إلاّ فالأصل فيه كفاية .

« و اعلموا ان عباد اللَّه المستحفظين علمه » قال ابن أبي الحديد ذكر عليه السّلام العارفين و الكلام في العرفان لم تأخذه ملّة الإسلام إلاّ عنه عليه السّلام ثم نقل ابن أبي الحديد كلمات جمع منهم كالشبلي و سهل التستري و أبو يعقوب السوسي و البسطامي و جنيد البغدادي و غيرهم .

و أقول : و ان كان أولئك الصوفية الذين يدّعون العرفان يدّعون انتسابهم إليه عليه السّلام و أخذهم عنه إلاّ ان الأمر فيه كما قيل :

و كلّ يدّعي وصلا بليلى

و ليلى لا تقرّ لهم بذاكا

فهو عليه السّلام بري‏ء منهم لخروجهم عن طريقته عليه السّلام كخروجهم عن طريقة

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٩ .

( ٢ ) مريم : ٩٧ .

( ٣ ) ابراهيم : ٢٧ .

٥٣١

النبي صلّى اللَّه عليه و آله فنقل عن الجامي ان سهل بن عبد اللَّه رأى ابليس فقال له هل ترجو رحمة من عنده تعالى فقال نعم لأن رحمته وسعت كلّ شي‏ء فقال سهل لكنّه قيدها بقوله : . فسأكتبها للذين يتّقون .١ .

فقال إبليس يا سهل التقييد صفتك لا صفته تعالى و قد قال الجامي نفسه في أبياته الفارسية :

پور عمران بدل آن غرقه نور

مى‏شد از بهر مناجاة بطور

ديد در راه سر دوران را

قائد لشگر مهجوران را

گفت كز سجده آدم بچه روى

تافتى سوى رضا راست بگوى

گفت عاشق كه بود كامل سير

پيش جانان نبرد سجده غير

گفت موسى كه بفرموده دوست

سر نهد هر كه بجان بنده اوست

گفت مقصود از آن گفت و شنود

امتحان است محب را نه سجود

گفت موسى كه اگر اين حال است

لعن و طعن تو چراش آئين است

بر تو چون از غضب سلطانى

شد لباس ملكى شيطانى

گفت گين هر دو صفت عاريت‏اند

مانده از ذات بيك ناحيت‏اند

گر بيايد صد از اين يا برود

حال ذاتم متغير نشود

ذات من بر صفت خويشتن است

عشق او لازمه ذات من است

تاكنون عشق من آميخته بود

در غرضهاى من آويخته بود

داشت بخت سيه و روى سفيد

هر دمم دستخوش بيم و اميد

اين دم از كشمكش آن رستم

پس زانوى وفا بنشستم

لطف و قهرم همه يكرنگ شده

كوه و كاهم همه هم سنگ شده

عشق شست از دل من نقش هوس

عشق با عشق همى بازم و بس

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٥٦ .

٥٣٢

و عن الشبستري في گلشن رازه بالفارسية :

هر آنكس را كه مذهب غير جبر است

نبى فرموده كو مانند گبر است

و هو افتراء ، فانما عنه عليه السّلام ( القدرية مجوس هذه الأمة ) .

« يصونون مصونه » أي : ما صانه اللَّه تعالى .

« و يفجرون عيونه » في ( الكافي ) قيل للباقر عليه السّلام ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال عليه السّلام فهلك اذن مؤمن آل فرعون ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللَّه نوحا فليذهب الحسن يمينا و شمالا فو اللَّه ما يوجد العلم إلاّ ههنا .

« يتواصلون بالولاية » أي : تواصلهم ليس للدنيا بل للَّه يتولى من يجب ولايته في قوله تعالى : انما وليكم اللَّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون و من يتول اللَّه و رسوله و الذين آمنوا فان حزب اللَّه هم الغالبون١ و في قول رسوله صلّى اللَّه عليه و آله بعد تقرير الناس بكونه أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » .

« و يتلاقون بالمحبة » أي : تلاقيهم بالحب في اللَّه .

روى الصدوق عن الباقر عليه السّلام ان ملكا من الملائكة مر برجل قائم على باب دار ، فقال له الملك يا عبد اللَّه ما وقوفك على باب هذه الدار ؟ فقال له : اخ لي فيها أردت أن أسلّم عليه ، فقال له الملك هل بينك و بينه رحم ماسّة ، أو هل دعتك إليه حاجة ؟

قال : لا ، بيني و بينه قرابة ، و لا يرغبني إليه حاجة إلاّ أخوّة الإسلام و حرمته فانما اتعهده أسلم عليه في اللَّه ربّ العالمين ، فقال له الملك اني رسول

____________________

( ١ ) المائدة : ٥٥ ٥٦ .

٥٣٣

اللَّه إليك و هو يقرئه السّلام ، و يقول انما إيّاي أردت و تعاهدت و قد أوجبت لك الجنّة و أعفيتك من غضبي و آجرتك من النار .

« و يتساقون بكأس » الكأس مؤنثة قال تعالى : . بكأسٍ من معين بيضاء .١ قال ابن الأعرابي : لا تسمّى الكأس كأسا إلاّ و فيها الشراب .

« روية » أي : مروية من ( رويت لأهلي ) إذا أتيتهم بالماء .

« و يصدرون » من ( صدرت عن الماء ) .

« برية » أي : بالارتواء من الماء .

و في مناجاة العارفين لسيد الساجدين عليه السّلام :

« الهي فاجعلنا من الذين توشّجت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، و أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم ، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون ، و في رياض القرب و المكاشفة يرتعون ، و من حياض المحبّة بكأس الملاطفة يكرعون ، و شرائع المصافاة يردون ، قد كشف الغطاء عن أبصارهم ،

و انجلت ظلمة الريب عن عقائدهم و ضمائرهم ، و انتفت مخالجة الشك عن قلوبهم و سرائرهم ، و انشرحت بتحقيق المعرفة صدورهم ، و علت لسبق السعادة في الزهادة هممهم ، و عذب في معين المعاملة شربهم و طاب في مجلس الأنس سرّهم ، و أمن في مواطن المخافة سربهم ، و اطمأنت بالرجوع إلى ربّ الأرباب أنفسهم و تيقنت بالفوز و الفلاح أرواحهم ، و قرّت بالنظر إلى محبوبهم أعينهم ، و استقر بإدراك المسئول و نيل المأمول قرارهم ، و ربحت في بيع الدنيا بالآخرة تجارتهم ، إلهي ما ألذّ خواطر الالهام بذكرك على القلوب ،

و ما أحلى المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب ، و ما أطيب طعم حبك ، و ما أعذب شرب قربك ، فأعذنا من طردك و ابعادك ، و اجعلنا من أخصّ عارفيك ،

____________________

( ١ ) الصافات : ٤٥ ٤٦ .

٥٣٤

و أصلح عبادك و أصدق طائعيك ، و أخلص عبادك ، يا عظيم يا جليل ، يا كريم يا منيل برحمتك » .

« لا تشوبهم الريبة ، و لا تسرع فيهم الغيبة » كأصدقاء الدنيا يرتاب هذا من ذاك ، و يغتاب ذاك هذا .

« على ذلك عقد خلقهم و اخلاقهم ، فعليه يتحابون و به يتواصلون » .

فتصير سجيتهم في الدنيا كسجيتهم في الآخرة ، قال تعالى : و نزعنا ما في صدورهم من غلٍ اخوانا على سررٍ متقابلين١ .

« فكانوا » بالقياس إلى باقي الناس .

« كتفاضل البذر » بعضه أفضل من بعض .

« ينتقي فيؤخذ منه و يلقى » قال الجوهري الانتقاء الاختيار و النقاه مثل القناه ما يرمى من الطعام إذا نقّي حكاه الاموي .

روى النعماني عن الصادق عليه السّلام ان نوحا سأل ربه ان ينزّل على قومه العذاب فأوحى إليه ان يغرس نواة من النخل فإذا بلغت فأثمرت و أكل منها أهلك قومه و أنزل عليهم العذاب ، فغرس نوح النواة و أخبر أصحابه بذلك ، فلمّا بلغت النخلة و أثمرت و اجتنى نوح منها فأكل و أطعم أصحابه ، فقالوا وعدك فدعا ربه فأوحى إليه أن يعيد الغرس ثانية حتى إذا بلغ و أثمر فأخبر نوح عليه السّلام أصحابه بذلك فصاروا ثلاثة فرق ، فرقة ارتدت ، و فرقة نافقت ، و فرقة ثبتت .

ففعل نوح ما أمر ، فأوحى إليه ان يغرس الثالثة ، فافترقوا أيضا ثلاث حتى فعل نوح ذلك عشر مرّات فلمّا كان في العاشرة جاء إليه رجال من أصحابه الخلّص و المؤمنين فقالوا : أنت نبي مرسل صادق لا شك فيك و لو فعلت ذلك بنا مرّات أخرى فعند ذلك أهلكهم اللَّه الظالمين ، و أدخل الخلّص مع نوح في السفينة

____________________

( ١ ) الحجر : ٤٧ .

٥٣٥

فنجّاهم بعد ما وصفوا و ذهب الكدر منهم١ .

« قد ميّزه التخليص » أي : التصفية .

« و هذّبه التمحيص » من ( محصت الذهب بالنار ) إذا خلصته ممّا يشوبه .

« فليقبل امرؤ كرامة بقبولها » هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم و هو العزيز الحكيم٢ .

لقد منَّ اللَّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين٣ .

« ليحذر قارعة » أي : شديدة .

« قبل حلولها » ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللَّه .٤ .

« و لينظر امرؤ في قصير ايامه » في الدنيا .

« و قليل مقامه في منزله » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في منزل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« حتى يستبدل به منزلا » . و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٥ .

« فليصنع لمتحوله » . و لتنظر نفس ما قدّمت لغد .٦ .

____________________

( ١ ) النعماني ( ابن أبي زينب ) ( الغيبة ) : ١٩٢ مؤسسة الأعلمي ١٩٨٣ م .

( ٢ ) الجمعة : ٢ ٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٦٤ .

( ٤ ) الزمر : ٥٦ .

( ٥ ) الانعام : ٩٤ .

( ٦ ) الحشر : ١٨ .

٥٣٦

« و معارف منتقله » من موته و برزخه و محشره و مئاله .

« فطوبى » من الطيب قلبوا الياء واوا الضمة ما قبلها .

« أطاع من يهديه » ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .١ .

« و تجنب من يرديه » يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فانّه يأمر بالفحشاء و المنكر .٢ .

« و أصاب سبيل السلامة ببصر من بصره و طاعة هاد أمره » . قد جاءكم من اللَّه نور و كتاب مبين يهدي به اللَّه من اتبع رضوانه سبل السّلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم٣ .

« و بادر الهدى قبل ان تغلق أبوابه و تقطع أسبابه » و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حَضَر أحدَهم الموتُ قال اني تُبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفّار .٤ .

« و استفتح التوبة » يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحاً عسى ربّكم ان يكفّر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار .٥ .

« و أماط » أي : نحّى .

« الحوبة » أي : الخطيئة .

« فقد اقيم على الطريق و هدي نهج السبيل » إنّا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفورا٦ .

____________________

( ١ ) الاسراء : ٩ .

( ٢ ) النور : ٢١ .

( ٣ ) المائدة : ١٥ ١٦ .

( ٤ ) النساء : ١٨ .

( ٥ ) التحريم : ٨ .

( ٦ ) الدهر : ٣ .

٥٣٧

٢٣

الخطبة ( ٢١٧ ) و من كلام له عليه السّلام قاله عند تلاوته . يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بالغُدُوِّ و الآصَال رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ . إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى جَعَلَ اَلذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ اَلْوَقْرَةِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ اَلْعَشْوَةِ وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ اَلْمُعَانَدَةِ وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِي اَلْبُرْهَةِ بَعْدَ اَلْبُرْهَةِ وَ فِي أَزْمَانِ اَلْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي اَلْأَبْصَارِ وَ اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اَللَّهِ وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ اَلْأَدِلَّةِ فِي اَلْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ اَلْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَ مَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَ شِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ اَلطَّرِيقَ وَ حَذَّرُوهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ اَلظُّلُمَاتِ وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ اَلشُّبُهَاتِ وَ إِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ اَلدُّنْيَا بَدَلاً فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ اَلْحَيَاةِ وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ فِي أَسْمَاعِ اَلْغَافِلِينَ وَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا اَلدُّنْيَا إِلَى اَلْآخِرَةِ وَ هُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا اِطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ اَلْبَرْزَخِ فِي طُولِ اَلْإِقَامَةِ فِيهِ وَ حَقَّقَتِ اَلْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ اَلدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى اَلنَّاسُ وَ يَسْمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ اَلْمَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ اَلْمَشْهُودَةِ وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا وَ حَمَّلُوا ثِقَلَ

٥٣٨

أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ اَلاِسْتِقْلاَلِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِيباً يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اِعْتِرَافٍ لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدًى وَ مَصَابِيحَ دُجًى قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ اَلْمَلاَئِكَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّكِينَةُ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ اَلسَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ اَلْكَرَامَاتِ فِي مَقَامٍ اِطَّلَعَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ اَلتَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ وَ أُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ اَلْأَسَى قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ اَلْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اَللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ اَلْمَنَادِحُ وَ لاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ اَلرَّاغِبُونَ فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ اَلْأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام قال عند تلاوته رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه .١ أقول : و نقل المصنف كلامه عليه السّلام عند تلاوته الهاكم التكاثر٢ قبل هذا و كلامه عليه السّلام عند تلاوته :

يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم٣ بعد هذا و له عليه السّلام في معنى قوله تعالى فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا .٤ و معنى قوله تعالى : . .

ان اللَّه لا يغيّر ما بقوم .٥ رواهما ( الروضة ) و لم ينقلهما المصنف .

ثم جعله عليه السّلام أول الآية ( رجال ) يدل على صحّة قراءة . يسبّح له فيها

____________________

( ١ ) النور : ٣٧ .

( ٢ ) التكاثر : ١ .

( ٣ ) الانفطار : ٦ .

( ٤ ) الانعام : ٤٣ .

( ٥ ) الرعد : ١١ .

٥٣٩

بالغدو و الآصال١ قبله بالبناء للمفعول دون قراءة ( يسبّح ) بالبناء للفاعل كما لا يخفى .

و الآية في سورة النور ( ٣٧ ) و آخر الآية . و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الأبصار٢ و بعد الآية ليجزيهم اللَّه أحسن ما عملوا و يزيدهم من فضله و اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب٣ .

روى ( الكافي ) عن اسباط بن سالم ، قال : دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام فسألني عن عمر بن مسلم فقلت صالح و لكنه ترك التجارة ، فقال عليه السّلام عمل الشيطان ثلاثا أما علم ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه و قسّم في قرابته ، يقول اللَّه عزّ و جلّ رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه .٤ يقول القصاص : القوم لم يكونوا يتّجرون كذبوا و لكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها ، و هو أفضل ممّن حضر الصلاة و لم يتّجر .

قوله عليه السّلام « ان اللَّه سبحانه و تعالى جعل الذكر جلاء القلوب » هكذا في المصرية و الصواب : ( للقلوب ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) كما ان الصواب ترك كلمة ( و تعالى ) لخلوها عنها .

و قال تعالى : . ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب٥ فبذكره تعالى تجلو من الصدأ ، و تطمئن من التزلزل في أمر الدنيا ، و أما بالنسبة إلى عظمته فتضطرب قال تعالى : انما المؤمنون الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم

____________________

( ١ ) النور : ٣٦ .

( ٢ ) النور : ٣٧ .

( ٣ ) النور : ٣٨ .

( ٤ ) النور : ٣٧ .

( ٥ ) الرعد : ٢٨ .

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607