بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 113530 / تحميل: 3923
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

قُبُورِكُمْ وَ سَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ وَ نَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ فَإِنَّ طَاعَةَ اَللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ اَلشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ اِحْلَوْلَتْ لَهُ اَلْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَ اِنْفَرَجَتْ عَنْهُ اَلْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا وَ أَسْهَلَتْ لَهُ اَلصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِ اَلْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا وَ تَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ اَلرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ اَلنِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا وَ وَبَلَتْ عَلَيْهِ اَلْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا فَاتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ اِمْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَ اُخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ « أما بعد فأوصيكم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فاني أوصيكم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« بتقوى اللَّه الذي ابتدأ خلقكم » قال شعيب لقومه : و اتقوا الذي خلقكم و الجبلَّة الأولين١ .

« و إليه يكون معادكم » . و تناجوا بالبر و التقوى و اتقوا اللَّه الذي إليه تحشرون٢ .

« و به نجاح طلبتكم » قال هود لقومه : و اتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدكم بأنعام و بنين و جنّات و عيون٣ .

« و إليه منتهى رغبتكم » و إذا مسّكم الضرّ في البحر ضلّ من تدعون إلاّ إيّاه .٤ .

____________________

( ١ ) الشعراء : ١٨٤ .

( ٢ ) المجادلة : ٩ .

( ٣ ) الشعراء : ١٣٢ ١٣٤ .

( ٤ ) الاسراء : ٦٧ .

٥٢١

« و نحوه قصد سبيلكم » أمن يهديكم في ظلمات البر و البحر و من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ءإِله مع اللَّه .١ .

« و إليه مرامي مفزعكم » أمن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء .٢ .

و إلى هنا عدّد ست صفات توجب اتّقاءه تعالى .

« فان تقوى اللَّه » و من هنا إلى الثامنة من الفوائد عد أيضا عللا لوجوب الاتقاء و الاتصاف بالتقوى أيضا .

« دواء داء قلوبكم » فالقلوب تمرض كما تمرض الأبدان كما قال تعالى في المنافقين : في قلوبهم مرض .٣ و دواء مرضها التقوى . و من يعظم شعائر اللَّه فانها من تقوى القلوب٤ .

« و بصر عمى أفئدتكم » فان الأفئدة تعمى كما تعمى العيون قال تعالى :

أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور٥ .

« و شفاء مرض أجسادكم » قيل لأن مرض الأجساد في الأغلب من كثرة الأكل و المتقي أكله قليل .

قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله المنافق يأكل في سبعة أمعاء و المؤمن في معاء واحد و ورد ان كافرا ورد على النبي صلّى اللَّه عليه و آله ضيفا فحلب له سبع شياة فشربها ثم أسلم في غده فما أتمّ حلب واحدة .

____________________

( ١ ) النمل : ٦٣ .

( ٢ ) النمل : ٦٢ .

( ٣ ) البقرة : ١٠ .

( ٤ ) الحج : ٣٢ .

( ٥ ) الحج : ٤٦ .

٥٢٢

« و صلاح فساد صدوركم » فمن يُّرد اللَّه أن يهديه يشرح صدره للاسلام و من يُّرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنما يصَّعَّد في السماء كذلك يجعل اللَّه الرجس على الذين لا يؤمنون١ .

« و طهور دنس أنفسكم » . فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح و ان تعفو أقرب للتقوى و لا تنسوا الفضل بينكم ان اللَّه بما تعملون بصير٢ .

« و جلاء غشاء أبصاركم » فمع عدم التقوى تكون على الأبصار غشاوة كما قال تعالى في المنافقين : . و على أبصارهم غشاوة .٣ و بها تجلى تلك الغشاوة .

« و أمن فزع جأشكم » أي : قلبكم و الأصل فيه الاضطراب قال :

أقول لها إذا جشأت و جاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون٤ من جاء بالحسنة فله خير منها و هم من فزع يومئذ آمنون٥ لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملئكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون٦ .

« و ضياء سواد ظلمتكم » أو من كان ميتاً فأحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زيّن للكافرين ما

____________________

( ١ ) الانعام : ١٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ٢٣٧ .

( ٣ ) البقرة : ٧ .

( ٤ ) الاعراف : ٣٥ .

( ٥ ) النمل : ٨٩ .

( ٦ ) الانبياء : ١٠٣ .

٥٢٣

كانوا يعملون١ .

« فاجعلوا طاعة اللَّه شعارا دون دثاركم » يعني إذا كانت التقوى بتلك المرتبة من الوجوب و هذه الدرجة من الفوائد فلا تجعلوها دثارا بل شعارا و الشعار ما ولى الجسد من الثياب و الدثار ما كان من الثياب فوق الشعار .

« و دخيلا دون شعاركم » بالغ عليه السّلام في الالتزام بها بأن الشعار لا يكتفى به لها بل ينبغي جعلها دخيلا في البدن كالروح .

« و لطيفا بين أضلاعكم » يعني مطلق الدخيل أيضا لا ينبغي لها بل تجعل كالقلب من ساير الأعضاء الباطنية .

« و أميرا فوق أموركم » بمعنى إذا دار الأمر بين الأخذ بالتقوى و اختلال امور دنياه و تركه و نجاح امورها فاجعلوها أميرا فوقها فخذوا بالتقوى و ذروا أمور الدنيا كما كان عليه السّلام نفسه ترك سلطنته الظاهرية يوم الشورى لئلا يلزم بسنّة النفرين المخالفة سنّتها للكتاب و حكم اللَّه و رضى بتفرّق الناس عنه و لحوقهم بمعاوية دون ان يفضّل الاشراف كما فعل عمر ذلك خلافا للنبي صلّى اللَّه عليه و آله فعود الناس به .

« و منهلا » أي : المورد في الماء .

« لحين ورودكم » الماء ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٢ .

« و شفيعا لدرك طلبتكم » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و ابتغوا إليه الوسيلة و جاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون٣ .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٢٢ .

( ٢ ) فصلت : ٣٠ .

( ٣ ) المائدة : ٣٥ .

٥٢٤

« و جنة ليوم فزعكم » و ان منكم إلاّ واردها كان على ربك حتماً مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا١ و عن الصادق عليه السّلام قال : ألا أخبركم بأبواب الخير ؟ قالوا بلى ، قال : الصوم جنّة من النار الخبر .

« و مصابيح لبطون قبوركم » لم يقل عليه السّلام ( مصباحا ) كما قال ( و جنة ) لأن المطلوب تعدّد المصباح .

« و سكنا لطول وحشتكم » في البرزخ و المحشر .

و عن الصادق عليه السّلام إذا بعث المؤمن من قبره خرج معه مثال من قبره يقدمه امامه ، و كلّما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة ، قال له مثال لا تحزن و لا تفزع و ابشر بالسرور و الكرامة حتى يقف بين يديه تعالى فيحاسبه حسابا يسيرا ، و يؤمر له إلى الجنّة و المثال أمامه فيقول له : نعم الخارج كنت معي من قبري ، و ما زلت تبشّرني فمن أنت ؟ فيقول : السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن خلقني منه لأبشرك .

« و نفسا لكرب مواطنكم » و في الكافي عن الصادق عليه السّلام من أعان مؤمنا نفّس اللَّه عنه ثلاثا و سبعين كربة ، واحدة في الدنيا و ثنتين و سبعين عند كربه العظمى حيث يتشاغل الناس بأنفسهم .

و عنه عليه السّلام من نفّس عن مؤمن كربة نفّس اللَّه عنه كرب الآخرة ، و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد .

« فان طاعة اللَّه حرز » أي : حفظ .

« من متالف » أي : موجبات التلف .

« مكتنفة » أي : محيطة .

« و مخاوف » أي : أسباب خوف .

____________________

( ١ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

٥٢٥

« متوقعة » أي : منتظرة الوقوع ، و من يطع اللَّه و الرسول فاولئك مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من اللَّه و كفى باللَّه عليما١ .

« واوار » بالضم أي : حرارة ، قال ملغزا : « و النار قد تشفي من الاوار » و المراد ان سمات الابل التي تكون بالنار تكون سببا لأن يعرف الناس ان الابل لأحد من الشرفاء فيقدمونها في السقي فتبخو من حرارة العطش و ينبغي أن يترجم بالفارسية ( كاهى آتش از عطش نجات ميدهد ) .

« نيران موقدة » قال تعالى بعد ذكر أهل الجنّة و نعيمهم فأقبل بعضهم على بعض يتساءَلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول ءانَّك لمن المصدقين ءإذا متنا و كنّا تراباً و عظاما ء انا لمدينون قال هل أنتم مطّلعون فاطّلع فرآه في سواء الجحيم قال تاللَّه ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين٢ .

« فمن أخذ بالتقوى عزبت » أي : بعدت .

« عنه الشدائد بعد دنوها » أي : قربها . و من يتق اللَّه يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب .٣ .

« و أحلولت » من الحلاوة .

« له الامور بعد مرارتها » و في الخبر مرارة الدنيا حلاوة الآخرة .

« و انفرجت عنه الامور بعد تراكمها » أي : اجتماعها .

و في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السّلام لهشام بن الحكم قال لقمان لابنه : ان

____________________

( ١ ) النساء : ٦٩ ٧٠ .

( ٢ ) الصافات : ٥٠ ٥٧ .

( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٢٦

الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، قتلك سفينتك فيها تقوى اللَّه و حشوها الايمان ، و شراعها التوكل ، و قيّمها العقل و دليلها العلم و سكّانها الصبر .

« و أسهلت له الصعاب بعد انصابها » بالكسر أي اتعابها .

« و هطلت » من ( هطل المطر ) تتابع .

« عليه الكرامة بعد قحوطها » من ( قحط المطر ) إذا احتبس .

في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام قال تعالى : و عزتي و جلالي و عظمتي و بهائي ، لا يؤثر عبد هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدنيا إلاّ جعلت غناه في نفسه و همّه في آخرته ، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر .

« و تحدبت » أي : تعطفت .

« عليه الرحمة بعد نفورها » من ( نفرت الدابة ) أو ( نفرت المرأة ) .

« و تفجّرت » من ( تفجّر الماء ) .

« عليه النعم بعد نضوبها » من ( نضب الماء ) أي : غار .

« و وبلت » أي : أمطرت شديدا .

« عليه البركة بعد ارذاذها » من ( ارذت السماء ) أمطرت ضعيفا .

و عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همّه جعل اللَّه القناعة في قلبه ، و جمع له أمره ، و لم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه ، و من أصبح و أمسى و الدنيا أكبر همّه جعل اللَّه الفقر بين عينيه ، و شتت عليه أمره و لم ينل من الدنيا إلاّ ما قسم له .

« فاتقوا اللَّه الذي نفعكم بموعظته » و ذكّر فان الذكرى تنفع المؤمنين١ .

____________________

( ١ ) الذاريات : ٥٥ .

٥٢٧

« و وعظكم برسالته » رسلاً مبشرين و منذرين لئلا يكون على اللَّه حجّة بعد الرسل .١ .

« و امتن عليكم بنعمته » يمنون عليك ان أسلموا قل لا تمنوا عليّ اسلامكم بل اللَّه يمنّ عليكم إن هداكم للايمان إن كنتم صادقين٢ .

« فعبدوا » التعبيد التذليل .

« أنفسكم لعبادته » كان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يجلس جلسة العبيد ، فمرت به امرأة بذية ، فقالت له انك لتجلس كالعبيد ؟ فقال صلّى اللَّه عليه و آله : و أي عبد أعبد مني و كان موسى عليه السّلام لا يقوم من صلاته حتى يضع خدّه على التراب .

و قال تعالى في كلّ من سليمان و أيوب . نعم العبد انّه أوّاب٣ و قال عز و جل : وَ اذكُرْ عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار انّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار و انّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار٤ .

« و أخرجوا إليه من حق طاعته » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون٥ .

٢٢

في الخطبة ( ٢٠٩ ) أَلاَ وَ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلاً وَ لِلْحَقِّ دَعَائِمَ وَ لِلطَّاعَةِ عِصَماً وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اَللَّهِ يَقُولُ عَلَى اَلْأَلْسِنَةِ وَ يُثَبِّتُ اَلْأَفْئِدَةَ

____________________

( ١ ) النساء : ١٦٥ .

( ٢ ) الحجرات : ١٧ .

( ٣ ) ص : ٣٠ .

( ٤ ) ص : ٤٥ ٤٧ .

( ٥ ) آل عمران : ١٠٢ .

٥٢٨

فِيهِ كِفَاءٌ لِمُكْتَفٍ وَ شِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اَللَّهِ اَلْمُسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ يَصُونُونَ مَصُونَهُ وَ يُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلاَيَةِ وَ يَتَلاَقَوْنَ بِالْمَحَبَّةِ وَ يَتَسَاقَوْنَ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَ يَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ لاَ تَشُوبُهُمُ اَلرِّيبَةُ وَ لاَ تُسْرِعُ فِيهِمُ اَلْغِيبَةُ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَ أَخْلاَقَهُمْ فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ وَ بِهِ يَتَوَاصَلُونَ فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ اَلْبَذْرِ يُنْتَقَى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَ يُلْقَى قَدْ مَيَّزَهُ اَلتَّخْلِيصُ وَ هَذَّبَهُ اَلتَّمْحِيصُ فَلْيَقْبَلِ اِمْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا وَ لْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا وَ لْيَنْظُرِ اِمْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ وَ قَلِيلِ مُقَامِهِ فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ وَ مَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ وَ أَصَابَ سَبِيلَ اَلسَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ وَ بَادَرَ اَلْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ وَ تُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ اِسْتَفْتَحَ اَلتَّوْبَةَ وَ أَمَاطَ اَلْحَوْبَةَ فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى اَلطَّرِيقِ وَ هُدِيَ نَهْجَ اَلسَّبِيلِ

« الا و ان اللّه قد جعل للخير أهلا » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة يقال لهم ان ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم .

و عنه عليه السّلام ان للجنّة بابا ، يقال له المعروف ، لا يدخله إلاّ أهل المعروف ،

و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة .

و عن الباقر عليه السّلام ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله و وجه لطلاب المعروف الطلب إليهم و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها و يحيي أهلها .

و ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف ،

٥٢٩

و بغّض إليهم فعاله و حظر على طلاّب المعروف الطلب إليهم ، و حظر عليهم قضاءه كما يحرم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها .

« و للحق دعائم » أي : عمد .

و هو عليه السّلام كان مدار الحق خبرا و خبرا و قولا و عملا ، كما ان مخالفيه كانوا بالعكس كما قال تعالى فيهم : . و أكثرهم للحق كارهون١ و قال تعالى : و لو اتّبع الحقُّ أهواءَهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن .٢ .

« و للطاعة عصما » جمع العصام رباط القربة و سيرها الذي تحمل به .

قال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه و من تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا٣ و قال نبيه صلّى اللَّه عليه و آله اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه و عترتي أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض .

و في ( عيون ) ابن بابويه ، عن إسحاق بن راهويه لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه السّلام نيشابور و أراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا : يا ابن رسول اللَّه أترحل عنّا و لا تحدثنا بحديث نستفيده منك ؟

و كان عليه السّلام قعد في العمارية فاطلع رأسه و قال :

سمعت أبي موسى بن جعفر عليه السّلام يقول سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السّلام يقول سمعت أبي محمد بن علي عليه السّلام يقول سمعت أبي علي بن الحسين عليه السّلام يقول سمعت أبي الحسين بن علي عليه السّلام يقول سمعت أبي عليّا عليه السّلام يقول سمعت النبي صلّى اللَّه عليه و آله يقول سمعت اللَّه تعالى يقول : « لا إله إلاّ اللَّه

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٧٠ .

( ٢ ) المؤمنون : ٧١ .

( ٣ ) النساء : ٨٠ .

٥٣٠

حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي « فلمّا مرّت الراحلة نادانا ( بشروطها و انا من شروطها ) .

« و ان لكم عند كلّ طاعة عونا من اللَّه » و الّذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا و ان اللَّه لمع المحسنين١ .

« يقول على الألسنة » فانما يسّرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوماً لدُاً٢ .

« و يثبت الأفئدة » يثبّت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة و يضل اللَّه الظالمين و يفعل اللَّه ما يشاء٣ .

« فيه كفاء لمكتف و شفاء لمشتف » قال ابن أبي الحديد قال عليه السّلام ( كفاء ) للازدواج بينه و بين ( شفاء ) كما في قولهم ( الغدايا و العشايا ) و إلاّ فالأصل فيه كفاية .

« و اعلموا ان عباد اللَّه المستحفظين علمه » قال ابن أبي الحديد ذكر عليه السّلام العارفين و الكلام في العرفان لم تأخذه ملّة الإسلام إلاّ عنه عليه السّلام ثم نقل ابن أبي الحديد كلمات جمع منهم كالشبلي و سهل التستري و أبو يعقوب السوسي و البسطامي و جنيد البغدادي و غيرهم .

و أقول : و ان كان أولئك الصوفية الذين يدّعون العرفان يدّعون انتسابهم إليه عليه السّلام و أخذهم عنه إلاّ ان الأمر فيه كما قيل :

و كلّ يدّعي وصلا بليلى

و ليلى لا تقرّ لهم بذاكا

فهو عليه السّلام بري‏ء منهم لخروجهم عن طريقته عليه السّلام كخروجهم عن طريقة

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٩ .

( ٢ ) مريم : ٩٧ .

( ٣ ) ابراهيم : ٢٧ .

٥٣١

النبي صلّى اللَّه عليه و آله فنقل عن الجامي ان سهل بن عبد اللَّه رأى ابليس فقال له هل ترجو رحمة من عنده تعالى فقال نعم لأن رحمته وسعت كلّ شي‏ء فقال سهل لكنّه قيدها بقوله : . فسأكتبها للذين يتّقون .١ .

فقال إبليس يا سهل التقييد صفتك لا صفته تعالى و قد قال الجامي نفسه في أبياته الفارسية :

پور عمران بدل آن غرقه نور

مى‏شد از بهر مناجاة بطور

ديد در راه سر دوران را

قائد لشگر مهجوران را

گفت كز سجده آدم بچه روى

تافتى سوى رضا راست بگوى

گفت عاشق كه بود كامل سير

پيش جانان نبرد سجده غير

گفت موسى كه بفرموده دوست

سر نهد هر كه بجان بنده اوست

گفت مقصود از آن گفت و شنود

امتحان است محب را نه سجود

گفت موسى كه اگر اين حال است

لعن و طعن تو چراش آئين است

بر تو چون از غضب سلطانى

شد لباس ملكى شيطانى

گفت گين هر دو صفت عاريت‏اند

مانده از ذات بيك ناحيت‏اند

گر بيايد صد از اين يا برود

حال ذاتم متغير نشود

ذات من بر صفت خويشتن است

عشق او لازمه ذات من است

تاكنون عشق من آميخته بود

در غرضهاى من آويخته بود

داشت بخت سيه و روى سفيد

هر دمم دستخوش بيم و اميد

اين دم از كشمكش آن رستم

پس زانوى وفا بنشستم

لطف و قهرم همه يكرنگ شده

كوه و كاهم همه هم سنگ شده

عشق شست از دل من نقش هوس

عشق با عشق همى بازم و بس

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٥٦ .

٥٣٢

و عن الشبستري في گلشن رازه بالفارسية :

هر آنكس را كه مذهب غير جبر است

نبى فرموده كو مانند گبر است

و هو افتراء ، فانما عنه عليه السّلام ( القدرية مجوس هذه الأمة ) .

« يصونون مصونه » أي : ما صانه اللَّه تعالى .

« و يفجرون عيونه » في ( الكافي ) قيل للباقر عليه السّلام ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال عليه السّلام فهلك اذن مؤمن آل فرعون ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللَّه نوحا فليذهب الحسن يمينا و شمالا فو اللَّه ما يوجد العلم إلاّ ههنا .

« يتواصلون بالولاية » أي : تواصلهم ليس للدنيا بل للَّه يتولى من يجب ولايته في قوله تعالى : انما وليكم اللَّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون و من يتول اللَّه و رسوله و الذين آمنوا فان حزب اللَّه هم الغالبون١ و في قول رسوله صلّى اللَّه عليه و آله بعد تقرير الناس بكونه أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » .

« و يتلاقون بالمحبة » أي : تلاقيهم بالحب في اللَّه .

روى الصدوق عن الباقر عليه السّلام ان ملكا من الملائكة مر برجل قائم على باب دار ، فقال له الملك يا عبد اللَّه ما وقوفك على باب هذه الدار ؟ فقال له : اخ لي فيها أردت أن أسلّم عليه ، فقال له الملك هل بينك و بينه رحم ماسّة ، أو هل دعتك إليه حاجة ؟

قال : لا ، بيني و بينه قرابة ، و لا يرغبني إليه حاجة إلاّ أخوّة الإسلام و حرمته فانما اتعهده أسلم عليه في اللَّه ربّ العالمين ، فقال له الملك اني رسول

____________________

( ١ ) المائدة : ٥٥ ٥٦ .

٥٣٣

اللَّه إليك و هو يقرئه السّلام ، و يقول انما إيّاي أردت و تعاهدت و قد أوجبت لك الجنّة و أعفيتك من غضبي و آجرتك من النار .

« و يتساقون بكأس » الكأس مؤنثة قال تعالى : . بكأسٍ من معين بيضاء .١ قال ابن الأعرابي : لا تسمّى الكأس كأسا إلاّ و فيها الشراب .

« روية » أي : مروية من ( رويت لأهلي ) إذا أتيتهم بالماء .

« و يصدرون » من ( صدرت عن الماء ) .

« برية » أي : بالارتواء من الماء .

و في مناجاة العارفين لسيد الساجدين عليه السّلام :

« الهي فاجعلنا من الذين توشّجت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، و أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم ، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون ، و في رياض القرب و المكاشفة يرتعون ، و من حياض المحبّة بكأس الملاطفة يكرعون ، و شرائع المصافاة يردون ، قد كشف الغطاء عن أبصارهم ،

و انجلت ظلمة الريب عن عقائدهم و ضمائرهم ، و انتفت مخالجة الشك عن قلوبهم و سرائرهم ، و انشرحت بتحقيق المعرفة صدورهم ، و علت لسبق السعادة في الزهادة هممهم ، و عذب في معين المعاملة شربهم و طاب في مجلس الأنس سرّهم ، و أمن في مواطن المخافة سربهم ، و اطمأنت بالرجوع إلى ربّ الأرباب أنفسهم و تيقنت بالفوز و الفلاح أرواحهم ، و قرّت بالنظر إلى محبوبهم أعينهم ، و استقر بإدراك المسئول و نيل المأمول قرارهم ، و ربحت في بيع الدنيا بالآخرة تجارتهم ، إلهي ما ألذّ خواطر الالهام بذكرك على القلوب ،

و ما أحلى المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب ، و ما أطيب طعم حبك ، و ما أعذب شرب قربك ، فأعذنا من طردك و ابعادك ، و اجعلنا من أخصّ عارفيك ،

____________________

( ١ ) الصافات : ٤٥ ٤٦ .

٥٣٤

و أصلح عبادك و أصدق طائعيك ، و أخلص عبادك ، يا عظيم يا جليل ، يا كريم يا منيل برحمتك » .

« لا تشوبهم الريبة ، و لا تسرع فيهم الغيبة » كأصدقاء الدنيا يرتاب هذا من ذاك ، و يغتاب ذاك هذا .

« على ذلك عقد خلقهم و اخلاقهم ، فعليه يتحابون و به يتواصلون » .

فتصير سجيتهم في الدنيا كسجيتهم في الآخرة ، قال تعالى : و نزعنا ما في صدورهم من غلٍ اخوانا على سررٍ متقابلين١ .

« فكانوا » بالقياس إلى باقي الناس .

« كتفاضل البذر » بعضه أفضل من بعض .

« ينتقي فيؤخذ منه و يلقى » قال الجوهري الانتقاء الاختيار و النقاه مثل القناه ما يرمى من الطعام إذا نقّي حكاه الاموي .

روى النعماني عن الصادق عليه السّلام ان نوحا سأل ربه ان ينزّل على قومه العذاب فأوحى إليه ان يغرس نواة من النخل فإذا بلغت فأثمرت و أكل منها أهلك قومه و أنزل عليهم العذاب ، فغرس نوح النواة و أخبر أصحابه بذلك ، فلمّا بلغت النخلة و أثمرت و اجتنى نوح منها فأكل و أطعم أصحابه ، فقالوا وعدك فدعا ربه فأوحى إليه أن يعيد الغرس ثانية حتى إذا بلغ و أثمر فأخبر نوح عليه السّلام أصحابه بذلك فصاروا ثلاثة فرق ، فرقة ارتدت ، و فرقة نافقت ، و فرقة ثبتت .

ففعل نوح ما أمر ، فأوحى إليه ان يغرس الثالثة ، فافترقوا أيضا ثلاث حتى فعل نوح ذلك عشر مرّات فلمّا كان في العاشرة جاء إليه رجال من أصحابه الخلّص و المؤمنين فقالوا : أنت نبي مرسل صادق لا شك فيك و لو فعلت ذلك بنا مرّات أخرى فعند ذلك أهلكهم اللَّه الظالمين ، و أدخل الخلّص مع نوح في السفينة

____________________

( ١ ) الحجر : ٤٧ .

٥٣٥

فنجّاهم بعد ما وصفوا و ذهب الكدر منهم١ .

« قد ميّزه التخليص » أي : التصفية .

« و هذّبه التمحيص » من ( محصت الذهب بالنار ) إذا خلصته ممّا يشوبه .

« فليقبل امرؤ كرامة بقبولها » هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم و هو العزيز الحكيم٢ .

لقد منَّ اللَّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين٣ .

« ليحذر قارعة » أي : شديدة .

« قبل حلولها » ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللَّه .٤ .

« و لينظر امرؤ في قصير ايامه » في الدنيا .

« و قليل مقامه في منزله » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في منزل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« حتى يستبدل به منزلا » . و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٥ .

« فليصنع لمتحوله » . و لتنظر نفس ما قدّمت لغد .٦ .

____________________

( ١ ) النعماني ( ابن أبي زينب ) ( الغيبة ) : ١٩٢ مؤسسة الأعلمي ١٩٨٣ م .

( ٢ ) الجمعة : ٢ ٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٦٤ .

( ٤ ) الزمر : ٥٦ .

( ٥ ) الانعام : ٩٤ .

( ٦ ) الحشر : ١٨ .

٥٣٦

« و معارف منتقله » من موته و برزخه و محشره و مئاله .

« فطوبى » من الطيب قلبوا الياء واوا الضمة ما قبلها .

« أطاع من يهديه » ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .١ .

« و تجنب من يرديه » يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فانّه يأمر بالفحشاء و المنكر .٢ .

« و أصاب سبيل السلامة ببصر من بصره و طاعة هاد أمره » . قد جاءكم من اللَّه نور و كتاب مبين يهدي به اللَّه من اتبع رضوانه سبل السّلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم٣ .

« و بادر الهدى قبل ان تغلق أبوابه و تقطع أسبابه » و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حَضَر أحدَهم الموتُ قال اني تُبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفّار .٤ .

« و استفتح التوبة » يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحاً عسى ربّكم ان يكفّر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار .٥ .

« و أماط » أي : نحّى .

« الحوبة » أي : الخطيئة .

« فقد اقيم على الطريق و هدي نهج السبيل » إنّا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفورا٦ .

____________________

( ١ ) الاسراء : ٩ .

( ٢ ) النور : ٢١ .

( ٣ ) المائدة : ١٥ ١٦ .

( ٤ ) النساء : ١٨ .

( ٥ ) التحريم : ٨ .

( ٦ ) الدهر : ٣ .

٥٣٧

٢٣

الخطبة ( ٢١٧ ) و من كلام له عليه السّلام قاله عند تلاوته . يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بالغُدُوِّ و الآصَال رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ . إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى جَعَلَ اَلذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ اَلْوَقْرَةِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ اَلْعَشْوَةِ وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ اَلْمُعَانَدَةِ وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِي اَلْبُرْهَةِ بَعْدَ اَلْبُرْهَةِ وَ فِي أَزْمَانِ اَلْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي اَلْأَبْصَارِ وَ اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اَللَّهِ وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ اَلْأَدِلَّةِ فِي اَلْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ اَلْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَ مَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَ شِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ اَلطَّرِيقَ وَ حَذَّرُوهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ اَلظُّلُمَاتِ وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ اَلشُّبُهَاتِ وَ إِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ اَلدُّنْيَا بَدَلاً فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ اَلْحَيَاةِ وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ فِي أَسْمَاعِ اَلْغَافِلِينَ وَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا اَلدُّنْيَا إِلَى اَلْآخِرَةِ وَ هُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا اِطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ اَلْبَرْزَخِ فِي طُولِ اَلْإِقَامَةِ فِيهِ وَ حَقَّقَتِ اَلْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ اَلدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى اَلنَّاسُ وَ يَسْمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ اَلْمَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ اَلْمَشْهُودَةِ وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا وَ حَمَّلُوا ثِقَلَ

٥٣٨

أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ اَلاِسْتِقْلاَلِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِيباً يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اِعْتِرَافٍ لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدًى وَ مَصَابِيحَ دُجًى قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ اَلْمَلاَئِكَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّكِينَةُ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ اَلسَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ اَلْكَرَامَاتِ فِي مَقَامٍ اِطَّلَعَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ اَلتَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ وَ أُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ اَلْأَسَى قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ اَلْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اَللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ اَلْمَنَادِحُ وَ لاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ اَلرَّاغِبُونَ فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ اَلْأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام قال عند تلاوته رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه .١ أقول : و نقل المصنف كلامه عليه السّلام عند تلاوته الهاكم التكاثر٢ قبل هذا و كلامه عليه السّلام عند تلاوته :

يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم٣ بعد هذا و له عليه السّلام في معنى قوله تعالى فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا .٤ و معنى قوله تعالى : . .

ان اللَّه لا يغيّر ما بقوم .٥ رواهما ( الروضة ) و لم ينقلهما المصنف .

ثم جعله عليه السّلام أول الآية ( رجال ) يدل على صحّة قراءة . يسبّح له فيها

____________________

( ١ ) النور : ٣٧ .

( ٢ ) التكاثر : ١ .

( ٣ ) الانفطار : ٦ .

( ٤ ) الانعام : ٤٣ .

( ٥ ) الرعد : ١١ .

٥٣٩

بالغدو و الآصال١ قبله بالبناء للمفعول دون قراءة ( يسبّح ) بالبناء للفاعل كما لا يخفى .

و الآية في سورة النور ( ٣٧ ) و آخر الآية . و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الأبصار٢ و بعد الآية ليجزيهم اللَّه أحسن ما عملوا و يزيدهم من فضله و اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب٣ .

روى ( الكافي ) عن اسباط بن سالم ، قال : دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام فسألني عن عمر بن مسلم فقلت صالح و لكنه ترك التجارة ، فقال عليه السّلام عمل الشيطان ثلاثا أما علم ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه و قسّم في قرابته ، يقول اللَّه عزّ و جلّ رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه .٤ يقول القصاص : القوم لم يكونوا يتّجرون كذبوا و لكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها ، و هو أفضل ممّن حضر الصلاة و لم يتّجر .

قوله عليه السّلام « ان اللَّه سبحانه و تعالى جعل الذكر جلاء القلوب » هكذا في المصرية و الصواب : ( للقلوب ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) كما ان الصواب ترك كلمة ( و تعالى ) لخلوها عنها .

و قال تعالى : . ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب٥ فبذكره تعالى تجلو من الصدأ ، و تطمئن من التزلزل في أمر الدنيا ، و أما بالنسبة إلى عظمته فتضطرب قال تعالى : انما المؤمنون الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم

____________________

( ١ ) النور : ٣٦ .

( ٢ ) النور : ٣٧ .

( ٣ ) النور : ٣٨ .

( ٤ ) النور : ٣٧ .

( ٥ ) الرعد : ٢٨ .

٥٤٠

آياته زادتهم ايماناً و على ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون أُولئك هم المؤمنون حقّاً .١ .

و بشر المخبتين الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و الصابرين على ما أصابهم و المقيمي الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون٢ .

« تسمع » أي : القلوب .

« به » أي : بسبب ذكره تعالى .

« بعد الوقرة » أي : بعد ثقل اذنها .

« و تبصر » أي : القلوب ( به ) أي : بسبب ذكره تعالى .

« بعد العشوة » أي : ضعف بصرها ان الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون٣ .

« و تنقاد به بعد المعاندة » و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلاّ اللَّه و لم يصرّوا على ما فعلوا و هم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نعم أجر العاملين٤ .

« و ما برح » أي : ما زال .

« للَّه » خبر لقوله بعد ( عباد ) .

« عزّت آلاؤه » كقولك ( عزّ اسمه ) .

« في البرهة بعد البرهة » أي : المدة .

« و في أزمان الفترات » ضعف أهل الحق في الماضي و الحال و الآتي .

____________________

( ١ ) الانفال : ٢ ٤ .

( ٢ ) الحج : ٣٤ ٣٥ .

( ٣ ) الاعراف : ٢٠١ .

( ٤ ) آل عمران : ١٣٥ ١٣٦ .

٥٤١

« عباد ناجاهم في فكرهم » بالكسر فالفتح جمع فكر بالكسر فالسكون .

« و كلّمهم في ذات عقولهم » و في مناجاة شعبان : « الهي و اجعلني ممّن ناديته فأجابك و لا حظته فصعق لجلالك فناجيته سرا و عمل لك جهرا » « فاستصبحوا بنور يقظة » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه .

« في الأبصار و الأسماع » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في الأسماع و الأبصار ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« و الأفئدة » بالضد من أهل الدنيا الذين قال تعالى فيهم : . لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم اذان لا يسمعون بها .١ .

« يذكّرون بأيام اللَّه » و لقد أرسلنا موسى بآياتنا ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور و ذكّرهم بأيام اللَّه٢ .

« و يخوّفون مقامه » و قال الذي آمن اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الَّذين من بعدهم و ما اللَّه يريد ظلماً للعباد و يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من اللَّه من عاصم و من يضلل اللَّه فماله من هادٍ و لقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شك ممّا جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث اللَّه من بعده رسولاً كذلك يضلّ اللَّه من هو مسرف مرتاب٣ .

و تعبيره عليه السّلام بالتخويف من مقامه دون التخويف منه تعالى نفسه لكونه أبلغ قال تعالى : و أما من خاف مقام ربِّه و نهى النفس عن الهوى فان

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٢ ) ابراهيم : ٥ .

( ٣ ) المؤمن : ٣٠ ٣٤ .

٥٤٢

الجنّة هي المأوى١ .

و التعبير هنا نظير التعبير في قوله تعالى حكاية عن العزيز لامرأته في يوسف : . أكرمي مثواه .٢ دون اكرميه .

« بمنزلة الأدلّة في الفلوات » قيل لابرهة بن الحارث الرائش من ملوك اليمن ذو المنار لأنّه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع « من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه و بشّروه بالنجاة » كما قال تعالى في الآخذين بالقصد : ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدعون نزلاً من غفورٍ رحيمٍ٣ .

« و من أخذ يمينا و شمالا ذموا إليه الطريق و حذّروه من الهلكة » كما قال تعالى : و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .٤ .

و أما من طغى و آثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى٥ .

« و كانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات و أدلّة تلك الشبهات » في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله طوبى لعبد نومه عرفه اللَّه و لم يعرفه الناس ، أولئك مصابيح الهدى و ينابيع العلم تنجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة ليسوا بالمذاييع البذور و لا بالجفاة المرائين .

____________________

( ١ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٢ ) يوسف : ٢١ .

( ٣ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

( ٤ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٥ ) النازعات : ٣٧ ٣٩ .

٥٤٣

« و ان للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا » في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام مرّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله برجل يغرس غرسا في حايط له فوقف عليه و قال : ألا أدلّك على غرس أثبت أصلا و أسرع ايناعا و أطيب ثمرا قال بلى ، قال : إذا أصبحت و أمسيت فقل « سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر » فان لك ان قلته بكلّ تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من أنواع الفاكهة ، و هو من الباقيات الصالحات فقال الرجل له عليه السّلام فاني اشهدك ان حايطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين فانزل تعالى فيه فأما من أعطى و اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى١ .

« فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه » كما قال تعالى و قد مر .

« يقطعون به أيام الحياة » ان في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون اللَّه قياماً و قعوداً و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السماوات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انّك من تدخل النار فقد أخزيته و ما للظالمين من أنصار ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنّا سيئاتنا و توفَّنا مع الأبرار ربنا و آتنا ما وعدتنا على رسلك و لا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى .٢ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ما من شي‏ء إلاّ و له حد ينتهي إليه إلاّ الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض اللَّه الفرائض فمن أداهن فهو حدّهن ، و من صام شهر رمضان فهو حدّه و من حجّ فهو حدّه إلاّ الذكر ، فانّه تعالى لم يرض

____________________

( ١ ) الليل : ٥ ٧ .

( ٢ ) آل عمران : ١٩٠ ١٩٥ .

٥٤٤

منه بالقليل و لم يجعل له حدّا ينتهي إليه ثم تلا : يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللَّه ذكراً كثيراً و سبّحوه بكرة و أصيلا١ و كان أبي عليه السّلام كثير الذكر لقد كنت أمشي معه و انّه ليذكر اللَّه و آكل معه الطعام و انّه ليذكر اللَّه ، و لقد كان يحدّث القوم و ما يشغله ذلك عن ذكر اللَّه ، و كنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول :

لا إله إلاّ اللَّه و كان يجمعنا و يأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ، و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ، و من كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر و البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللَّه تعالى فيه تكثر بركته ، و تحضره الملائكة ، و تهجره الشياطين ،

و يضي‏ء لأهل السماء كما يضي‏ء الكوكب الدريّ لأهل الأرض ، و البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللَّه تعالى فيه ، تقلّ بركته و تهجره الملائكة و تحضره الشياطين و قد قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله ألا أخبركم بخير أعمالكم و أرفعها في درجاتكم ، و أزكاها عند مليككم و خير لكم من الدينار و الدرهم و خير لكم من ان تلقوا عدوّكم فتقتلوهم و يقتلوكم ؟ قالوا : بلى قال ذكر اللَّه تعالى كثيرا .

و فيه جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال : من خير أهل المسجد فقال : أكثرهم للَّه ذكرا و قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله من أعطى لسانا ذاكرا فقد أعطى خير الدنيا و الآخرة و قال صلّى اللَّه عليه و آله من أكثر ذكر اللَّه تعالى أحبّه اللَّه و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا اللَّه كثيرا .

و يكفي في شموخ مقام الذكر قوله تعالى : فاذكروني اذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون٢ و في ( الكافي ) قال تعالى لعيسى عليه السّلام : اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي و اذكرني في ملأ اذكرك في ملأ خير من ملأ الادميّين .

____________________

( ١ ) الاحزاب : ٤١ ٤٢ .

( ٢ ) البقرة : ١٥٢ .

٥٤٥

و عن الباقر عليه السّلام أوحى تعالى إلى موسى عليه السّلام : أنا جليس من ذكرني فقال موسى عليه السّلام : فمن في سترك يوم لا ساتر إلاّ سترك قال الذين يذكروني فأذكرهم و يتحابون فيّ فاحبّهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فارفع بهم عنهم .

و عنه عليه السّلام مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى قال : يا إلهي يأتي عليّ مجالس أجلّك أن أذكرك فقال تعالى : يا موسى ان ذكري حسن على كلّ حال .

و عن الصادق عليه السّلام أوحى تعالى إلى موسى عليه السّلام : لا تفرح بكثرة المال ،

و لا تدع ذكري على حال فان كثرة المال تنسي الذنوب ، و ان ترك ذكري يقسي القلوب .

و عنه عليه السّلام يموت المؤمن غرقا و بالهدم و يبتلى بالسبع و يموت بالصاعقة و لا تصيب الصاعقة ذاكرا اللَّه تعالى .

و عن أحدهما عليهما السّلام لا تكتب المئكة إلاّ ما تسمع و قال تعالى : و اذكر ربك في نفسك تضرّعاً و خفية و دون الجهر من القول بالغدو و الاصال و لا تكن من الغافلين١ و لا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللَّه تعالى لعظمته .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام من ذكر اللَّه تعالى في السرّ فقد ذكره كثيرا ، ان المنافقين كانوا يذكرونه علانية و لا يذكرونه في السرّ قال تعالى : . يراؤن الناس و لا يذكرون اللَّه إلاّ قليلا٢ .

« و يهتفون » أي : يصيحون .

____________________

( ١ ) الاعراف : ٢٠٥ .

( ٢ ) النساء : ١٤٢ .

٥٤٦

« بالزواجر عن محارم اللَّه في أسماع الغافلين » عن اللَّه .

( في المروج ) : حضر أبوذر مجلس عثمان ذات يوم ، فقال عثمان : أرأيتم من زكّى ماله هل فيه حق لغيره ؟ فقال كعب الأحبار : لا فدفع أبو ذر في صدر كعب ، و قال له : كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا : ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الملئكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب .١ فقال عثمان : أترون بأسا ان نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه في ما ينوبنا من أمورنا و نعطيكموه ، فقال كعب الأحبار :

لا بأس بذلك فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب ، و قال : يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا .

فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي غيّب وجهك عني فقد آذيتني فخرج أبو ذر إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان ، ان أبا ذر يجمع إليه الجموع و لا آمن أن يفسدهم عليك فان كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك فكتب إليه عثمان بحمله فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه ، و كاد أن يتلف فقيل له : انك تموت من ذلك ، فقال هيهات لن أموت حتى انفى و ذكر جوامع ما نزل به بعد من يتولى دفنه فجلس في داره أياما ثم دخل على عثمان فجلس على ركبتيه و تكلّم بأشياء و ذكر الخبر في ولد أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا عباد اللَّه خولا و كان في ذلك اليوم أتى بتركة عبد الرحمان بن عوف فنضت البدر حتى حالت بين عثمان و بين الرجل القائم فقال عثمان : اني لأرجو لعبد الرحمان خيرا لأنّه كان يتصدّق و يقري

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٧ .

٥٤٧

الضيف و ترك ما ترون فقال كعب الأحبار : صدقت فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب و لم يشغله ما كان فيه من الألم ، و قال : يا ابن اليهودي تقول لرجل مات و ترك هذا المال ان اللَّه أعطاه خير الدنيا و خير الآخرة ، و تقطع على اللَّه بذلك ، و أنا سمعت النبي صلّى اللَّه عليه و آله يقول « ما يسرني أن أموت و أدع ما يزن قيراطا » فقال له عثمان : و ارعني وجهك فقال : أسير إلى مكة قال : لا و اللَّه ، قال :

فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت ؟ قال : أي و اللَّه ، قال : فالى الشام ،

قال : لا و اللَّه قال البصرة ، قال : لا و اللَّه ، فاختر غيرها ، قال : ما اختار غيرها و لو تركتني في دار هجرتي ما أردت بلدا آخر ، فسيّرني حيث شئت ، قال : فاني مسيّرك إلى الربذة قال أبو ذر : اللَّه أكبر صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قد أخبرني بكلّ ما أنا لاق ، قال عثمان : و ما قال لك ؟ قال : أخبرني بأني أمنع عن مكة و المدينة و أموت بالربذة ، و يتولى مواراتي نفر ممّن يردون من العراق نحو الحجاز الخ « و يأمرون بالقسط » بالكسر العدل و أما بالفتح فالجور ، و في الأساس نقول أمر اللَّه بالقسط و نهى عن القسط .

« قل أمر ربي بالقسط » ( و يأتمرون به ) . و ان حكمت فاحكم بينهم بالقسط .١ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للَّه و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فاللَّه أولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا و ان تلوا أو تعرضوا فان اللَّه كان بما تعملون خبيرا٢ .

و القيام بالقسط وصفه تعالى : شهد اللَّه انّه لا إله إلاّ هو و الملائكة

____________________

( ١ ) المائدة : ٤٢ .

( ٢ ) النساء : ١٣٥ .

٥٤٨

و أولوا العلم قائماً بالقسط .١ و بعث رسله لذلك لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط .٢ .

« و ينهون عن المنكر و يتناهون عنه » التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر و الحافظون لحدود اللَّه .٣ .

فلمّا نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء و أخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلمّا عتوا عن مّا نُهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين٤ .

لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولوَّنَ الّذين كفروا لبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم أَن سَخِط اللَّه عليهم و في العذاب هم خالدون٥ .

« فكانما قطعوا الدنيا إلى الآخرة و هم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك » قال : ابن أبي الحديد هو شرح حاله عليه السّلام فقال : ( لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ) .

« فكأنّما » هكذا ( في المصرية و ابن أبي الحديد ) و الصواب : ( و كانما ) كما في ( ابن ميثم ) .

« اطلعوا عيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه و حققت القيامة عليهم عداتها فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٨ .

( ٢ ) الحديد : ٢٥ .

( ٣ ) التوبة : ١١٢ .

( ٤ ) الاعراف : ١٦٥ .

( ٥ ) المائدة : ٧٨ ٨٠ .

٥٤٩

و يسمعون ما لا يسمعون » .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : استقبل حارثة بن مالك الأنصاري النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال له كيف أنت يا حارثة ؟ قال : مؤمن حقّا فقال صلّى اللَّه عليه و آله له لكلّ شي‏ء حقيقة فما حقيقة قولك ؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي و اظمأت هواجري و كأني انظر إلى عرش ربي و قد وضع للحساب ، و كأني أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنة و كأني أسمع عواء أهل النار في النار ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : هذا عبد نوّر اللَّه قلبه ، أبصرت فأثبت فقال : ادع اللَّه أن يرزقني الشهادة فقال صلّى اللَّه عليه و آله : اللّهم ارزقه فلم يلبث حتى بعثه صلّى اللَّه عليه و آله مع سرية فقتل تسعة أو ثمانية فقتل و في خبر استشهد مع جعفر بعد تسعة .

« فلو مثلتهم » أي : جسمتهم .

« لعقلك في مقاومهم » جمع المقام و أصله المقوم .

« المحمودة » عند اللَّه تعالى .

« و مجالسهم المشهودة » لملائكته .

« و قد نشروا دواوين » جمع الديوان .

« أعمالهم و فرغوا لمحاسبة أنفسهم على كلّ صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصروا عنها » بترك بعضها .

« أو نهوا عنها ففرطوا فيها » بارتكاب بعضها .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها فان للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقداره ألف سنة ثم تلا تعرج الملائكة و الروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة١ .

« و حملوا ثقل أوزارهم ظهورهم » و الأصل فيه قوله تعالى . حتى إذا

____________________

( ١ ) المعارج : ٤ .

٥٥٠

جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون١ .

« فضعفوا » تفريع على تحميل ثقل أوزارهم على ظهورهم .

« عن الاستقلال بها » أي : الاطاقة و الرفع لها .

« فنشجوا نشيجا » في ( الصحاح ) ( نشج الباكي نشجا و نشيجا ) إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب .

« و تجاوبوا » هكذا في النسخ و الظاهر كونه محرّف ( و نحبوا ) و النحيب رفع الصوت بالبكاء و لا معنى للتجاوب هنا لأن كلاّ منهم يبكي على نفسه و لقوله « نحيبا » فيكون ( نحبوا نحيبا ) مثل ( نشجوا نشيجا ) .

و في ( ثواب الأعمال ) عن الصادق عليه السّلام ما من شي‏ء إلاّ و له كيل و وزن إلاّ الدموع فان القطرة منها تطفى‏ء بحارا من نار ، و إذا اغرو رقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة فإذا فاضت حرّمه اللَّه على النار و لو ان باكيا بكى في أمة لرحموه .

و عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله طوبى لصورة نظر اللَّه إليها تبكي عن ذنب من خشية اللَّه لم يطّلع على ذلك الذنب غيره تعالى .

« يعجون » أي : يرفعون صوتهم .

« إلى ربهم من مقام ندم و اعتراف » بجنايتهم .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله اللَّه تعالى به الجنة قلت يدخله بالذنب الجنّة ؟ قال : نعم ، انّه ليذنب الذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه اللَّه فيدخله الجنّة .

و عنه عليه السّلام من أذنب ذنبا و علم ان اللَّه تعالى مطّلع عليه ان شاء عذبه و ان

____________________

( ١ ) الانعام : ٣١ .

٥٥١

شاء غفره غفر له و ان لم يستغفر .

« لرأيت أعلام هدى و مصابيح » جمع المصباح السراج .

« دجى » أي : ظلمة .

« قد حفت » أي : أحاطت .

« بهم الملائكة » ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة .١ .

« و تنزلت عليهم السكينة » هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم .٢ .

و قال تعالى في حنين و الفتح : ثم انزل اللَّه سكينته على رسوله و على المؤمنين .٣ و في ( الشجرة ) لقد رضى اللَّه عن المؤمنين إلى فأنزل السكينة عليهم .

« و فتحت لهم أبواب السماء و أعد لهم مقاعد الكرامات » ان المتقين في جنات و نهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر٤ .

« في مقام اطلع اللَّه عليهم فيه فرضي سعيهم و حمد مقامهم » و إذا رأيت ثم رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً عاليهم ثياب سندس خضر و استبرق و حلوا أساور من فضة و سقاهم ربهم شراباً طهورا ان هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا٥ .

____________________

( ١ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

( ٢ ) الفتح : ٤ .

( ٣ ) التوبة : ٢٦ .

( ٤ ) القمر : ٥٤ ٥٥ .

( ٥ ) الانسان : ٢٠ ٢٢ .

٥٥٢

« يتنسمون » أي : يجدون نسيما .

« بدعائه روح » بالفتح الاستراحة .

« التجاوز » . ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين١ قل ما يعبؤا بكم ربي لو لا دعاؤكم .٢ .

و في الكافي عنه عليه السّلام الدعاء مفتاح النجاح و مقاليد الفلاح ، و خير الدعاء ما صدر عن صدر تقي و قلب نقي ، و في المناجاة سبب النجاة ، و بالاخلاص يكون الخلاص ، فاذا اشتد الفزع فالى اللَّه المفزع .

رهائن فاقة إلى فضله و اسارى ذلّة لعظمته » في الكافي : ان اللَّه تعالى أوحى إلى داود ان ائت عبدي دانيال فقل له : انك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، و عصتني فغفرت لك ، فان عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فقال له دانيال قد بلغت يا نبي اللَّه فلمّا كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال :

يا رب ان داود نبيّك أخبرني عنك اني قد عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي و اخرني عنك اني ان عصيتك الرابعة لم تغفر لي ،

و عزّتك و جلالك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك .

« جرح طول الأسى » أي : الحزن .

« قلوبهم و طول البكاء عيونهم » في الكافي عن الصادق عليه السّلام : كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثا : عين غضّت عن محارم اللَّه ، و عين سهرت في طاعة اللَّه ،

و عين بكت في جوف الليل من خشية اللَّه .

و عنه عليه السّلام أوحى اللَّه تعالى إلى موسى عليه السّلام : البكاءون من خشيتي في الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد و عن الباقر عليه السّلام : ما من قطرة أحبّ إلى اللَّه

____________________

( ١ ) غافر : ٦٠ .

( ٢ ) الفرقان : ٧٧ .

٥٥٣

تعالى من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من اللَّه تعالى لا يراد بها غيره .

« لكلّ باب رغبة إلى اللَّه منهم يد قارعة » يقال « من قرع بابا و لجّ ولج » انهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين١ و عنه عليه السّلام الدعاء ترس المؤمن و متى تكثر قرع الباب يفتح لك .

« يسألون من لا تضيق لديه المنادح » قال الجوهري المنادح : المفاوز و المنتدح المكان الواسع ولى عن هذا الأمر مندوحة و منتدح أي سعة .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ادع و لا تقل ان الأمر فرغ منه ان عند اللَّه منزلة لا تنال إلاّ بمسألة فسل تعط انّه ليس من باب يقرع الا يوشك أن يفتح لصاحبه .

« و لا يخيب عليه الراغبون » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلاّ استحيى أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسحها على وجهه و رأسه .

و عنه عليه السّلام لا تتركوا صغيرة ان تدعوا بها ان صاحب الصغار هو صاحب الكبار .

« فحاسب نفسك لنفسك » في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السّلام ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فان عمل حسنة استزاد الله تعالى و ان عمل سيئة استغفر اللَّه منها و تاب إليه .

و قال : ابن ميثم كان توبة بن الصمة محاسبا لنفسه فحسب يوما فاذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فاذا هي أحد و عشرون ألف و خمسمائة يوم ، فصرخ و قال : يا ويلتي ألفي الملك بأحد و عشرين ألف ذنب ، ثم خرّ مغشيا عليه فاذا هو ميت و لو رمى العبد بكلّ معصية حصاة في داره

____________________

( ١ ) الانبياء : ٩٠ .

٥٥٤

لامتلأت في مدّة يسيرة و لكنه يتساهل في حفظها ، و الملكان يحفظان عليه كما قال تعالى : . أحصاه اللَّه و نسوه .١ .

« فان غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك » قال تعالى : . عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم إلى اللَّه مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون٢ .

فأمّا من أُوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه اني ظننت اني ملاقٍ حسابيه فهو في عيشةٍ راضيةٍ في جنّة عاليةٍ قطوفها دانيةٍ كلوا و اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية و أما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه و لم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه٣ .

٢٤

الخطبة ( ٢٢٥ ) منها في صفة الزهاد :

كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ اَلدُّنْيَا وَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ وَ بَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ تَقَلَّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ اَلْآخِرَةِ وَ يَرَوْنَ أَهْلَ اَلدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَ هُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ « كانوا قوما من أهل الدنيا و ليسوا من أهلها فكانوا فيها كمن ليس منها » .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : صلّى النبي صلّى اللَّه عليه و آله الصبح فنظر إلى شاب

____________________

( ١ ) المجادلة : ٦ .

( ٢ ) المائدة : ١٠٥ .

( ٣ ) الحاقة : ١٩ ٢٩ .

٥٥٥

في المسجد ، و هو يخفق و يهوي برأسه مصفرّا لونه قد نحف جسمه ، و غارت عيناه في رأسه ، فقال صلّى اللَّه عليه و آله له كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت موقنا فعجب النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من قوله ، و قال ان لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ قال : ان يقيني هو الذي أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي ، و قد نصب للحساب و حشر الخلائق لذلك و أنا فيهم ، و كأني أنظر إلى أهل الجنّة يتنعمون فيها و إلى أهل النار و هم فيها يعذبون فيصطرخون فقال صلّى اللَّه عليه و آله لأصحابه : هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالايمان .

« عملوا فيها بما يبصرون و بادروا فيها ما يحذرون » و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون١ .

( تقلب ) واصله ( تتقلب ) .

« أبدانهم بين ظهراني » بفتح النون .

« أهل الآخرة » اما لعدم خلطتهم مع أهل الدنيا و اما لأن يقينهم جعلهم كأنّهم في المحشر كما مر في الخبر .

« يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم » . يود أحدهم لو يعمّر ألف سنة .٢ .

« و هم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم » لأن الحياة الحقيقية الحياة القلب .

قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للَّه و للرسول إذا دعاكم لمّا

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

( ٢ ) البقرة : ٩٦ .

٥٥٦

يحييكم .١ .

و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتاً بل احياءٌ عند ربهم يرزقون٢ .

و في ( السيرة ) في غزوة مؤتة فأخذ عبد اللَّه بن رواحة الراية أي بعد قتل جعفر و زيد بن حارثة و هو يقول :

أقسمت يا نفس لتنزلنه

لتنزلن أو لتكرهنه

ان أجلب الناس و شدوا الرنة

مالي أراك تكرهين الجنة

قد طال فيما كنت مطمئنة

هل انت إلاّ نطفة في شنة

قالوا الشنة السقاء البالي ، و النطفة الماء القليل الصافي أي يوشك أن ينخرق السقاء و يهرق ماؤه ، ضرب ذلك مثلا لنفسه في جسده .

و في ( الاستيعاب ) حبسوا الوليد بن الوليد بمكة في المستضعفين فكان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يدعو له فأفلت من اسارهم فخرج على رجليه فطلبوه فلم يدركوه شدا و نكبت أصبع من أصابعه فجعل يقول :

هل أنت إلاّ اصبع دميت

و في سبيل اللَّه ما لقيت

قالوا : فمات منه .

٢٥

الكتاب ( ٥٦ ) من وصية له وصى بها شريح بن هانى‏ء لمّا جعله على مقدمته إلى الشام :

اِتَّقِ اَللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ اَلدُّنْيَا اَلْغَرُورَ وَ لاَ

____________________

( ١ ) الانفال : ٢٤ .

( ٢ ) آل عمران : ١٦٩ .

٥٥٧

تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ اَلْأَهْوَاءُ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ اَلأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ اَلضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ اَلْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً قول المصنف « و من وصيّة له عليه السّلام وصى بها » هكذا في المصرية ،

و الصواب : « و من كلام له عليه السّلام وصى به » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« شريح بن هاني » في ( الاسد ) كان من أعيان أصحاب علي عليه السّلام و شهد معه حروبه و شهد الحكمين بدومة الجندل ، و بقي دهرا طويلا قيل : انّه عاش مائة و عشرين سنة ، و خرج إلى سجستان غازيا ، فأخذ الكفار عليهم الطريق فقتل في عامة الجيش و قال في ذلك اليوم :

أصبحت ذابث أقاسي الكبرا

قد عشت بين المشركين أعصرا

ثمت أدركت النبي المنذرا

و بعده صديقه و عمرا

و يوم مهران و يوم تسترا

و الجمع في صفينهم و نهرا

و بالخميرات و المشقرا

هيهات ما اطول هذا عمرا

« لمّا جعله على مقدمته إلى الشام » المفهوم من صفين نصر بن مزاحم انّه عليه السّلام ما جعل شريحا على جميع مقدمته بل على طائفة منها و انما جعل زياد بن النضر أميرا على جميع المقدمة ، و شريح كان على طائفة ما لم يجتمع مع زياد و انّه عليه السّلام دعاهما و جعل المخاطب بالكلام الذي وصى به زيادا لكونه الأمير على الكل ففيه قال يزيد بن خالد بن قطن :

ان عليّا عليه السّلام لمّا أراد المسير إلى النخيلة دعا زياد بن النضر و شريح بن هانى‏ء و كانا على مذحج و الاشعريين فقال يا زياد اتق اللَّه في كلّ ممسى و مصبح ، و خف على نفسك الدنيا الغرور و لا تأمنها على حال من البلاء ، و اعلم

٥٥٨

انك ان لم تزع نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروهه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرّ فكن لنفسك مانعا و ادعا من البغي و الظلم و العدوان فاني قد وليتك هذا الجند فلا تستطيلن عليهم ، و ان خيركم عند اللّه اتقاكم و تعلّم من عالمهم و علّم جاهلهم و احلم عن سفيههم فانك انما تدرك الخير بالحلم و كفّ الأذى و الجهد .

و فيه أيضا انّه عليه السّلام لمّا وصى زيادا بذاك الكلام قال زياد له عليه السّلام « أوصيت حافظا لوصيتك مؤدبا بأدبك يرى الرشد في نفاذ أمرك ، و الغي في تضييع عهدك » .

و فيه بعثهما في اثنى عشر ألفا على مقدمته و شريح على طائفة و زياد على جميعهم و أمرهما أن يأخذا في طريق واحد و لا يختلفا قال فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حده و لا يقرب بزياد فكتب زياد إلى الإمام عليه السّلام انّك ولّيتني أمر الناس ، و ان شريحا لا يرى لي عليه طاعة و ذلك من فعله بي استخفافا بأمرك و تركا لعهدك قال : و كتب شريح إليه عليه السّلام « ان زيادا حين أشركته في أمرك و ولّيته جندا من جنودك تنكّر و استكبر ، و مال به العجب و الخيلاء و الزهوّ إلى ما لا يرضاه الربّ تعالى من القول و الفعل ، فان رأى ان يعزله عنّا و يبعث مكانه من يحبّ فليفعل فانّا له كارهون الخ .

قوله عليه السّلام « اتق اللّه في كلّ صباح و مساء » هكذا في ( المصرية ) و نسخة ( ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطّية ) ( مساء و صباح ) و كيف كان فقال تعالى :

و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و اتقوا اللَّه ان اللَّه شديد العقاب١ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٢ .

٥٥٩

و اتقوا اللَّه الذي إليه تحشرون١ . و اتقوا اللَّه إن كنتم مؤمنين٢ . و اتقوا اللَّه الذي أنتم به مؤمنون٣ . و اتقوا اللَّه ان اللَّه خبير بما تعملون٤ . و اتقوا اللَّه ان اللَّه سريع الحساب٥ . و اتقوا لعلّكم ترحمون٦ . و اتقوا اللَّه لعلّكم تفلحون٧ .

« و خف على نفسك الدنيا الغرور » يا أيها الناس اتقوا ربّكم و اخشوا يوماً لا يَجزي والد عن ولده و لا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً ان وعد اللَّه حقٌّ فلا تَغُرَّنَكم الحياةُ الدنيا و لا يغرَّنّكم باللَّه الغَرور٨ .

« و لا تأمنها على حال » . و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور٩ .

« و اعلم انك ان لم تردع » أي : تنهى و تمنع .

« نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

( مكروهه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و في الأصل المستند صفين نصر .

« سمت » أي : علت .

« بك الأهواء » و ميول النفس .

« إلى كثير من الضرر » في العاجل و الآجل قال الشاعر :

____________________

( ١ ) المائدة : ٩٦ .

( ٢ ) المائدة : ٩٦ .

( ٣ ) المائدة : ٨٨ .

( ٤ ) الحشر : ١٨ .

( ٥ ) المائدة : ٤ .

( ٦ ) لانعام : ١٥٥ .

( ٧ ) البقرة : ١٨٩ .

( ٨ ) لقمان : ٣٣ .

( ٩ ) آل عمران : ١٨٥ .

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607