بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105634
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105634 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

قُبُورِكُمْ وَ سَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ وَ نَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ فَإِنَّ طَاعَةَ اَللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ اَلشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ اِحْلَوْلَتْ لَهُ اَلْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَ اِنْفَرَجَتْ عَنْهُ اَلْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا وَ أَسْهَلَتْ لَهُ اَلصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا وَ هَطَلَتْ عَلَيْهِ اَلْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا وَ تَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ اَلرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ اَلنِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا وَ وَبَلَتْ عَلَيْهِ اَلْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا فَاتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ وَ اِمْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَ اُخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ « أما بعد فأوصيكم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فاني أوصيكم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« بتقوى اللَّه الذي ابتدأ خلقكم » قال شعيب لقومه : و اتقوا الذي خلقكم و الجبلَّة الأولين١ .

« و إليه يكون معادكم » . و تناجوا بالبر و التقوى و اتقوا اللَّه الذي إليه تحشرون٢ .

« و به نجاح طلبتكم » قال هود لقومه : و اتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون أمدكم بأنعام و بنين و جنّات و عيون٣ .

« و إليه منتهى رغبتكم » و إذا مسّكم الضرّ في البحر ضلّ من تدعون إلاّ إيّاه .٤ .

____________________

( ١ ) الشعراء : ١٨٤ .

( ٢ ) المجادلة : ٩ .

( ٣ ) الشعراء : ١٣٢ ١٣٤ .

( ٤ ) الاسراء : ٦٧ .

٥٢١

« و نحوه قصد سبيلكم » أمن يهديكم في ظلمات البر و البحر و من يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ءإِله مع اللَّه .١ .

« و إليه مرامي مفزعكم » أمن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء .٢ .

و إلى هنا عدّد ست صفات توجب اتّقاءه تعالى .

« فان تقوى اللَّه » و من هنا إلى الثامنة من الفوائد عد أيضا عللا لوجوب الاتقاء و الاتصاف بالتقوى أيضا .

« دواء داء قلوبكم » فالقلوب تمرض كما تمرض الأبدان كما قال تعالى في المنافقين : في قلوبهم مرض .٣ و دواء مرضها التقوى . و من يعظم شعائر اللَّه فانها من تقوى القلوب٤ .

« و بصر عمى أفئدتكم » فان الأفئدة تعمى كما تعمى العيون قال تعالى :

أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور٥ .

« و شفاء مرض أجسادكم » قيل لأن مرض الأجساد في الأغلب من كثرة الأكل و المتقي أكله قليل .

قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله المنافق يأكل في سبعة أمعاء و المؤمن في معاء واحد و ورد ان كافرا ورد على النبي صلّى اللَّه عليه و آله ضيفا فحلب له سبع شياة فشربها ثم أسلم في غده فما أتمّ حلب واحدة .

____________________

( ١ ) النمل : ٦٣ .

( ٢ ) النمل : ٦٢ .

( ٣ ) البقرة : ١٠ .

( ٤ ) الحج : ٣٢ .

( ٥ ) الحج : ٤٦ .

٥٢٢

« و صلاح فساد صدوركم » فمن يُّرد اللَّه أن يهديه يشرح صدره للاسلام و من يُّرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنما يصَّعَّد في السماء كذلك يجعل اللَّه الرجس على الذين لا يؤمنون١ .

« و طهور دنس أنفسكم » . فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح و ان تعفو أقرب للتقوى و لا تنسوا الفضل بينكم ان اللَّه بما تعملون بصير٢ .

« و جلاء غشاء أبصاركم » فمع عدم التقوى تكون على الأبصار غشاوة كما قال تعالى في المنافقين : . و على أبصارهم غشاوة .٣ و بها تجلى تلك الغشاوة .

« و أمن فزع جأشكم » أي : قلبكم و الأصل فيه الاضطراب قال :

أقول لها إذا جشأت و جاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون٤ من جاء بالحسنة فله خير منها و هم من فزع يومئذ آمنون٥ لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملئكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون٦ .

« و ضياء سواد ظلمتكم » أو من كان ميتاً فأحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زيّن للكافرين ما

____________________

( ١ ) الانعام : ١٢٥ .

( ٢ ) البقرة : ٢٣٧ .

( ٣ ) البقرة : ٧ .

( ٤ ) الاعراف : ٣٥ .

( ٥ ) النمل : ٨٩ .

( ٦ ) الانبياء : ١٠٣ .

٥٢٣

كانوا يعملون١ .

« فاجعلوا طاعة اللَّه شعارا دون دثاركم » يعني إذا كانت التقوى بتلك المرتبة من الوجوب و هذه الدرجة من الفوائد فلا تجعلوها دثارا بل شعارا و الشعار ما ولى الجسد من الثياب و الدثار ما كان من الثياب فوق الشعار .

« و دخيلا دون شعاركم » بالغ عليه السّلام في الالتزام بها بأن الشعار لا يكتفى به لها بل ينبغي جعلها دخيلا في البدن كالروح .

« و لطيفا بين أضلاعكم » يعني مطلق الدخيل أيضا لا ينبغي لها بل تجعل كالقلب من ساير الأعضاء الباطنية .

« و أميرا فوق أموركم » بمعنى إذا دار الأمر بين الأخذ بالتقوى و اختلال امور دنياه و تركه و نجاح امورها فاجعلوها أميرا فوقها فخذوا بالتقوى و ذروا أمور الدنيا كما كان عليه السّلام نفسه ترك سلطنته الظاهرية يوم الشورى لئلا يلزم بسنّة النفرين المخالفة سنّتها للكتاب و حكم اللَّه و رضى بتفرّق الناس عنه و لحوقهم بمعاوية دون ان يفضّل الاشراف كما فعل عمر ذلك خلافا للنبي صلّى اللَّه عليه و آله فعود الناس به .

« و منهلا » أي : المورد في الماء .

« لحين ورودكم » الماء ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون٢ .

« و شفيعا لدرك طلبتكم » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه و ابتغوا إليه الوسيلة و جاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون٣ .

____________________

( ١ ) الانعام : ١٢٢ .

( ٢ ) فصلت : ٣٠ .

( ٣ ) المائدة : ٣٥ .

٥٢٤

« و جنة ليوم فزعكم » و ان منكم إلاّ واردها كان على ربك حتماً مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا١ و عن الصادق عليه السّلام قال : ألا أخبركم بأبواب الخير ؟ قالوا بلى ، قال : الصوم جنّة من النار الخبر .

« و مصابيح لبطون قبوركم » لم يقل عليه السّلام ( مصباحا ) كما قال ( و جنة ) لأن المطلوب تعدّد المصباح .

« و سكنا لطول وحشتكم » في البرزخ و المحشر .

و عن الصادق عليه السّلام إذا بعث المؤمن من قبره خرج معه مثال من قبره يقدمه امامه ، و كلّما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة ، قال له مثال لا تحزن و لا تفزع و ابشر بالسرور و الكرامة حتى يقف بين يديه تعالى فيحاسبه حسابا يسيرا ، و يؤمر له إلى الجنّة و المثال أمامه فيقول له : نعم الخارج كنت معي من قبري ، و ما زلت تبشّرني فمن أنت ؟ فيقول : السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن خلقني منه لأبشرك .

« و نفسا لكرب مواطنكم » و في الكافي عن الصادق عليه السّلام من أعان مؤمنا نفّس اللَّه عنه ثلاثا و سبعين كربة ، واحدة في الدنيا و ثنتين و سبعين عند كربه العظمى حيث يتشاغل الناس بأنفسهم .

و عنه عليه السّلام من نفّس عن مؤمن كربة نفّس اللَّه عنه كرب الآخرة ، و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد .

« فان طاعة اللَّه حرز » أي : حفظ .

« من متالف » أي : موجبات التلف .

« مكتنفة » أي : محيطة .

« و مخاوف » أي : أسباب خوف .

____________________

( ١ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

٥٢٥

« متوقعة » أي : منتظرة الوقوع ، و من يطع اللَّه و الرسول فاولئك مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من اللَّه و كفى باللَّه عليما١ .

« واوار » بالضم أي : حرارة ، قال ملغزا : « و النار قد تشفي من الاوار » و المراد ان سمات الابل التي تكون بالنار تكون سببا لأن يعرف الناس ان الابل لأحد من الشرفاء فيقدمونها في السقي فتبخو من حرارة العطش و ينبغي أن يترجم بالفارسية ( كاهى آتش از عطش نجات ميدهد ) .

« نيران موقدة » قال تعالى بعد ذكر أهل الجنّة و نعيمهم فأقبل بعضهم على بعض يتساءَلون قال قائل منهم اني كان لي قرين يقول ءانَّك لمن المصدقين ءإذا متنا و كنّا تراباً و عظاما ء انا لمدينون قال هل أنتم مطّلعون فاطّلع فرآه في سواء الجحيم قال تاللَّه ان كدت لتردين و لولا نعمة ربي لكنت من المحضرين٢ .

« فمن أخذ بالتقوى عزبت » أي : بعدت .

« عنه الشدائد بعد دنوها » أي : قربها . و من يتق اللَّه يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب .٣ .

« و أحلولت » من الحلاوة .

« له الامور بعد مرارتها » و في الخبر مرارة الدنيا حلاوة الآخرة .

« و انفرجت عنه الامور بعد تراكمها » أي : اجتماعها .

و في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السّلام لهشام بن الحكم قال لقمان لابنه : ان

____________________

( ١ ) النساء : ٦٩ ٧٠ .

( ٢ ) الصافات : ٥٠ ٥٧ .

( ٣ ) الطلاق : ٢ ٣ .

٥٢٦

الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، قتلك سفينتك فيها تقوى اللَّه و حشوها الايمان ، و شراعها التوكل ، و قيّمها العقل و دليلها العلم و سكّانها الصبر .

« و أسهلت له الصعاب بعد انصابها » بالكسر أي اتعابها .

« و هطلت » من ( هطل المطر ) تتابع .

« عليه الكرامة بعد قحوطها » من ( قحط المطر ) إذا احتبس .

في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام قال تعالى : و عزتي و جلالي و عظمتي و بهائي ، لا يؤثر عبد هواي على هواه في شي‏ء من أمر الدنيا إلاّ جعلت غناه في نفسه و همّه في آخرته ، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه ، و كنت له من وراء تجارة كلّ تاجر .

« و تحدبت » أي : تعطفت .

« عليه الرحمة بعد نفورها » من ( نفرت الدابة ) أو ( نفرت المرأة ) .

« و تفجّرت » من ( تفجّر الماء ) .

« عليه النعم بعد نضوبها » من ( نضب الماء ) أي : غار .

« و وبلت » أي : أمطرت شديدا .

« عليه البركة بعد ارذاذها » من ( ارذت السماء ) أمطرت ضعيفا .

و عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همّه جعل اللَّه القناعة في قلبه ، و جمع له أمره ، و لم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه ، و من أصبح و أمسى و الدنيا أكبر همّه جعل اللَّه الفقر بين عينيه ، و شتت عليه أمره و لم ينل من الدنيا إلاّ ما قسم له .

« فاتقوا اللَّه الذي نفعكم بموعظته » و ذكّر فان الذكرى تنفع المؤمنين١ .

____________________

( ١ ) الذاريات : ٥٥ .

٥٢٧

« و وعظكم برسالته » رسلاً مبشرين و منذرين لئلا يكون على اللَّه حجّة بعد الرسل .١ .

« و امتن عليكم بنعمته » يمنون عليك ان أسلموا قل لا تمنوا عليّ اسلامكم بل اللَّه يمنّ عليكم إن هداكم للايمان إن كنتم صادقين٢ .

« فعبدوا » التعبيد التذليل .

« أنفسكم لعبادته » كان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يجلس جلسة العبيد ، فمرت به امرأة بذية ، فقالت له انك لتجلس كالعبيد ؟ فقال صلّى اللَّه عليه و آله : و أي عبد أعبد مني و كان موسى عليه السّلام لا يقوم من صلاته حتى يضع خدّه على التراب .

و قال تعالى في كلّ من سليمان و أيوب . نعم العبد انّه أوّاب٣ و قال عز و جل : وَ اذكُرْ عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب أولي الأيدي و الأبصار انّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار و انّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار٤ .

« و أخرجوا إليه من حق طاعته » يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته و لا تموتن إلاّ و أنتم مسلمون٥ .

٢٢

في الخطبة ( ٢٠٩ ) أَلاَ وَ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلاً وَ لِلْحَقِّ دَعَائِمَ وَ لِلطَّاعَةِ عِصَماً وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اَللَّهِ يَقُولُ عَلَى اَلْأَلْسِنَةِ وَ يُثَبِّتُ اَلْأَفْئِدَةَ

____________________

( ١ ) النساء : ١٦٥ .

( ٢ ) الحجرات : ١٧ .

( ٣ ) ص : ٣٠ .

( ٤ ) ص : ٤٥ ٤٧ .

( ٥ ) آل عمران : ١٠٢ .

٥٢٨

فِيهِ كِفَاءٌ لِمُكْتَفٍ وَ شِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اَللَّهِ اَلْمُسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ يَصُونُونَ مَصُونَهُ وَ يُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلاَيَةِ وَ يَتَلاَقَوْنَ بِالْمَحَبَّةِ وَ يَتَسَاقَوْنَ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَ يَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ لاَ تَشُوبُهُمُ اَلرِّيبَةُ وَ لاَ تُسْرِعُ فِيهِمُ اَلْغِيبَةُ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَ أَخْلاَقَهُمْ فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ وَ بِهِ يَتَوَاصَلُونَ فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ اَلْبَذْرِ يُنْتَقَى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَ يُلْقَى قَدْ مَيَّزَهُ اَلتَّخْلِيصُ وَ هَذَّبَهُ اَلتَّمْحِيصُ فَلْيَقْبَلِ اِمْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا وَ لْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا وَ لْيَنْظُرِ اِمْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ وَ قَلِيلِ مُقَامِهِ فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلاً فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ وَ مَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ وَ أَصَابَ سَبِيلَ اَلسَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ وَ بَادَرَ اَلْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ وَ تُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ اِسْتَفْتَحَ اَلتَّوْبَةَ وَ أَمَاطَ اَلْحَوْبَةَ فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى اَلطَّرِيقِ وَ هُدِيَ نَهْجَ اَلسَّبِيلِ

« الا و ان اللّه قد جعل للخير أهلا » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة يقال لهم ان ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم .

و عنه عليه السّلام ان للجنّة بابا ، يقال له المعروف ، لا يدخله إلاّ أهل المعروف ،

و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة .

و عن الباقر عليه السّلام ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أهلا من خلقه حبّب إليهم فعاله و وجه لطلاب المعروف الطلب إليهم و يسّر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها و يحيي أهلها .

و ان اللَّه تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف ،

٥٢٩

و بغّض إليهم فعاله و حظر على طلاّب المعروف الطلب إليهم ، و حظر عليهم قضاءه كما يحرم الغيث على الأرض المجدبة ليهلكها و يهلك أهلها .

« و للحق دعائم » أي : عمد .

و هو عليه السّلام كان مدار الحق خبرا و خبرا و قولا و عملا ، كما ان مخالفيه كانوا بالعكس كما قال تعالى فيهم : . و أكثرهم للحق كارهون١ و قال تعالى : و لو اتّبع الحقُّ أهواءَهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن .٢ .

« و للطاعة عصما » جمع العصام رباط القربة و سيرها الذي تحمل به .

قال تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع اللَّه و من تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا٣ و قال نبيه صلّى اللَّه عليه و آله اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه و عترتي أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض .

و في ( عيون ) ابن بابويه ، عن إسحاق بن راهويه لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه السّلام نيشابور و أراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا : يا ابن رسول اللَّه أترحل عنّا و لا تحدثنا بحديث نستفيده منك ؟

و كان عليه السّلام قعد في العمارية فاطلع رأسه و قال :

سمعت أبي موسى بن جعفر عليه السّلام يقول سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السّلام يقول سمعت أبي محمد بن علي عليه السّلام يقول سمعت أبي علي بن الحسين عليه السّلام يقول سمعت أبي الحسين بن علي عليه السّلام يقول سمعت أبي عليّا عليه السّلام يقول سمعت النبي صلّى اللَّه عليه و آله يقول سمعت اللَّه تعالى يقول : « لا إله إلاّ اللَّه

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٧٠ .

( ٢ ) المؤمنون : ٧١ .

( ٣ ) النساء : ٨٠ .

٥٣٠

حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي « فلمّا مرّت الراحلة نادانا ( بشروطها و انا من شروطها ) .

« و ان لكم عند كلّ طاعة عونا من اللَّه » و الّذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا و ان اللَّه لمع المحسنين١ .

« يقول على الألسنة » فانما يسّرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوماً لدُاً٢ .

« و يثبت الأفئدة » يثبّت اللَّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة و يضل اللَّه الظالمين و يفعل اللَّه ما يشاء٣ .

« فيه كفاء لمكتف و شفاء لمشتف » قال ابن أبي الحديد قال عليه السّلام ( كفاء ) للازدواج بينه و بين ( شفاء ) كما في قولهم ( الغدايا و العشايا ) و إلاّ فالأصل فيه كفاية .

« و اعلموا ان عباد اللَّه المستحفظين علمه » قال ابن أبي الحديد ذكر عليه السّلام العارفين و الكلام في العرفان لم تأخذه ملّة الإسلام إلاّ عنه عليه السّلام ثم نقل ابن أبي الحديد كلمات جمع منهم كالشبلي و سهل التستري و أبو يعقوب السوسي و البسطامي و جنيد البغدادي و غيرهم .

و أقول : و ان كان أولئك الصوفية الذين يدّعون العرفان يدّعون انتسابهم إليه عليه السّلام و أخذهم عنه إلاّ ان الأمر فيه كما قيل :

و كلّ يدّعي وصلا بليلى

و ليلى لا تقرّ لهم بذاكا

فهو عليه السّلام بري‏ء منهم لخروجهم عن طريقته عليه السّلام كخروجهم عن طريقة

____________________

( ١ ) العنكبوت : ٦٩ .

( ٢ ) مريم : ٩٧ .

( ٣ ) ابراهيم : ٢٧ .

٥٣١

النبي صلّى اللَّه عليه و آله فنقل عن الجامي ان سهل بن عبد اللَّه رأى ابليس فقال له هل ترجو رحمة من عنده تعالى فقال نعم لأن رحمته وسعت كلّ شي‏ء فقال سهل لكنّه قيدها بقوله : . فسأكتبها للذين يتّقون .١ .

فقال إبليس يا سهل التقييد صفتك لا صفته تعالى و قد قال الجامي نفسه في أبياته الفارسية :

پور عمران بدل آن غرقه نور

مى‏شد از بهر مناجاة بطور

ديد در راه سر دوران را

قائد لشگر مهجوران را

گفت كز سجده آدم بچه روى

تافتى سوى رضا راست بگوى

گفت عاشق كه بود كامل سير

پيش جانان نبرد سجده غير

گفت موسى كه بفرموده دوست

سر نهد هر كه بجان بنده اوست

گفت مقصود از آن گفت و شنود

امتحان است محب را نه سجود

گفت موسى كه اگر اين حال است

لعن و طعن تو چراش آئين است

بر تو چون از غضب سلطانى

شد لباس ملكى شيطانى

گفت گين هر دو صفت عاريت‏اند

مانده از ذات بيك ناحيت‏اند

گر بيايد صد از اين يا برود

حال ذاتم متغير نشود

ذات من بر صفت خويشتن است

عشق او لازمه ذات من است

تاكنون عشق من آميخته بود

در غرضهاى من آويخته بود

داشت بخت سيه و روى سفيد

هر دمم دستخوش بيم و اميد

اين دم از كشمكش آن رستم

پس زانوى وفا بنشستم

لطف و قهرم همه يكرنگ شده

كوه و كاهم همه هم سنگ شده

عشق شست از دل من نقش هوس

عشق با عشق همى بازم و بس

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٥٦ .

٥٣٢

و عن الشبستري في گلشن رازه بالفارسية :

هر آنكس را كه مذهب غير جبر است

نبى فرموده كو مانند گبر است

و هو افتراء ، فانما عنه عليه السّلام ( القدرية مجوس هذه الأمة ) .

« يصونون مصونه » أي : ما صانه اللَّه تعالى .

« و يفجرون عيونه » في ( الكافي ) قيل للباقر عليه السّلام ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال عليه السّلام فهلك اذن مؤمن آل فرعون ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللَّه نوحا فليذهب الحسن يمينا و شمالا فو اللَّه ما يوجد العلم إلاّ ههنا .

« يتواصلون بالولاية » أي : تواصلهم ليس للدنيا بل للَّه يتولى من يجب ولايته في قوله تعالى : انما وليكم اللَّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون و من يتول اللَّه و رسوله و الذين آمنوا فان حزب اللَّه هم الغالبون١ و في قول رسوله صلّى اللَّه عليه و آله بعد تقرير الناس بكونه أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » .

« و يتلاقون بالمحبة » أي : تلاقيهم بالحب في اللَّه .

روى الصدوق عن الباقر عليه السّلام ان ملكا من الملائكة مر برجل قائم على باب دار ، فقال له الملك يا عبد اللَّه ما وقوفك على باب هذه الدار ؟ فقال له : اخ لي فيها أردت أن أسلّم عليه ، فقال له الملك هل بينك و بينه رحم ماسّة ، أو هل دعتك إليه حاجة ؟

قال : لا ، بيني و بينه قرابة ، و لا يرغبني إليه حاجة إلاّ أخوّة الإسلام و حرمته فانما اتعهده أسلم عليه في اللَّه ربّ العالمين ، فقال له الملك اني رسول

____________________

( ١ ) المائدة : ٥٥ ٥٦ .

٥٣٣

اللَّه إليك و هو يقرئه السّلام ، و يقول انما إيّاي أردت و تعاهدت و قد أوجبت لك الجنّة و أعفيتك من غضبي و آجرتك من النار .

« و يتساقون بكأس » الكأس مؤنثة قال تعالى : . بكأسٍ من معين بيضاء .١ قال ابن الأعرابي : لا تسمّى الكأس كأسا إلاّ و فيها الشراب .

« روية » أي : مروية من ( رويت لأهلي ) إذا أتيتهم بالماء .

« و يصدرون » من ( صدرت عن الماء ) .

« برية » أي : بالارتواء من الماء .

و في مناجاة العارفين لسيد الساجدين عليه السّلام :

« الهي فاجعلنا من الذين توشّجت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، و أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم ، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون ، و في رياض القرب و المكاشفة يرتعون ، و من حياض المحبّة بكأس الملاطفة يكرعون ، و شرائع المصافاة يردون ، قد كشف الغطاء عن أبصارهم ،

و انجلت ظلمة الريب عن عقائدهم و ضمائرهم ، و انتفت مخالجة الشك عن قلوبهم و سرائرهم ، و انشرحت بتحقيق المعرفة صدورهم ، و علت لسبق السعادة في الزهادة هممهم ، و عذب في معين المعاملة شربهم و طاب في مجلس الأنس سرّهم ، و أمن في مواطن المخافة سربهم ، و اطمأنت بالرجوع إلى ربّ الأرباب أنفسهم و تيقنت بالفوز و الفلاح أرواحهم ، و قرّت بالنظر إلى محبوبهم أعينهم ، و استقر بإدراك المسئول و نيل المأمول قرارهم ، و ربحت في بيع الدنيا بالآخرة تجارتهم ، إلهي ما ألذّ خواطر الالهام بذكرك على القلوب ،

و ما أحلى المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب ، و ما أطيب طعم حبك ، و ما أعذب شرب قربك ، فأعذنا من طردك و ابعادك ، و اجعلنا من أخصّ عارفيك ،

____________________

( ١ ) الصافات : ٤٥ ٤٦ .

٥٣٤

و أصلح عبادك و أصدق طائعيك ، و أخلص عبادك ، يا عظيم يا جليل ، يا كريم يا منيل برحمتك » .

« لا تشوبهم الريبة ، و لا تسرع فيهم الغيبة » كأصدقاء الدنيا يرتاب هذا من ذاك ، و يغتاب ذاك هذا .

« على ذلك عقد خلقهم و اخلاقهم ، فعليه يتحابون و به يتواصلون » .

فتصير سجيتهم في الدنيا كسجيتهم في الآخرة ، قال تعالى : و نزعنا ما في صدورهم من غلٍ اخوانا على سررٍ متقابلين١ .

« فكانوا » بالقياس إلى باقي الناس .

« كتفاضل البذر » بعضه أفضل من بعض .

« ينتقي فيؤخذ منه و يلقى » قال الجوهري الانتقاء الاختيار و النقاه مثل القناه ما يرمى من الطعام إذا نقّي حكاه الاموي .

روى النعماني عن الصادق عليه السّلام ان نوحا سأل ربه ان ينزّل على قومه العذاب فأوحى إليه ان يغرس نواة من النخل فإذا بلغت فأثمرت و أكل منها أهلك قومه و أنزل عليهم العذاب ، فغرس نوح النواة و أخبر أصحابه بذلك ، فلمّا بلغت النخلة و أثمرت و اجتنى نوح منها فأكل و أطعم أصحابه ، فقالوا وعدك فدعا ربه فأوحى إليه أن يعيد الغرس ثانية حتى إذا بلغ و أثمر فأخبر نوح عليه السّلام أصحابه بذلك فصاروا ثلاثة فرق ، فرقة ارتدت ، و فرقة نافقت ، و فرقة ثبتت .

ففعل نوح ما أمر ، فأوحى إليه ان يغرس الثالثة ، فافترقوا أيضا ثلاث حتى فعل نوح ذلك عشر مرّات فلمّا كان في العاشرة جاء إليه رجال من أصحابه الخلّص و المؤمنين فقالوا : أنت نبي مرسل صادق لا شك فيك و لو فعلت ذلك بنا مرّات أخرى فعند ذلك أهلكهم اللَّه الظالمين ، و أدخل الخلّص مع نوح في السفينة

____________________

( ١ ) الحجر : ٤٧ .

٥٣٥

فنجّاهم بعد ما وصفوا و ذهب الكدر منهم١ .

« قد ميّزه التخليص » أي : التصفية .

« و هذّبه التمحيص » من ( محصت الذهب بالنار ) إذا خلصته ممّا يشوبه .

« فليقبل امرؤ كرامة بقبولها » هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم و هو العزيز الحكيم٢ .

لقد منَّ اللَّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين٣ .

« ليحذر قارعة » أي : شديدة .

« قبل حلولها » ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللَّه .٤ .

« و لينظر امرؤ في قصير ايامه » في الدنيا .

« و قليل مقامه في منزله » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في منزل ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« حتى يستبدل به منزلا » . و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم .٥ .

« فليصنع لمتحوله » . و لتنظر نفس ما قدّمت لغد .٦ .

____________________

( ١ ) النعماني ( ابن أبي زينب ) ( الغيبة ) : ١٩٢ مؤسسة الأعلمي ١٩٨٣ م .

( ٢ ) الجمعة : ٢ ٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٦٤ .

( ٤ ) الزمر : ٥٦ .

( ٥ ) الانعام : ٩٤ .

( ٦ ) الحشر : ١٨ .

٥٣٦

« و معارف منتقله » من موته و برزخه و محشره و مئاله .

« فطوبى » من الطيب قلبوا الياء واوا الضمة ما قبلها .

« أطاع من يهديه » ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .١ .

« و تجنب من يرديه » يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فانّه يأمر بالفحشاء و المنكر .٢ .

« و أصاب سبيل السلامة ببصر من بصره و طاعة هاد أمره » . قد جاءكم من اللَّه نور و كتاب مبين يهدي به اللَّه من اتبع رضوانه سبل السّلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم٣ .

« و بادر الهدى قبل ان تغلق أبوابه و تقطع أسبابه » و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حَضَر أحدَهم الموتُ قال اني تُبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفّار .٤ .

« و استفتح التوبة » يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحاً عسى ربّكم ان يكفّر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار .٥ .

« و أماط » أي : نحّى .

« الحوبة » أي : الخطيئة .

« فقد اقيم على الطريق و هدي نهج السبيل » إنّا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفورا٦ .

____________________

( ١ ) الاسراء : ٩ .

( ٢ ) النور : ٢١ .

( ٣ ) المائدة : ١٥ ١٦ .

( ٤ ) النساء : ١٨ .

( ٥ ) التحريم : ٨ .

( ٦ ) الدهر : ٣ .

٥٣٧

٢٣

الخطبة ( ٢١٧ ) و من كلام له عليه السّلام قاله عند تلاوته . يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بالغُدُوِّ و الآصَال رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ . إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى جَعَلَ اَلذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ اَلْوَقْرَةِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ اَلْعَشْوَةِ وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ اَلْمُعَانَدَةِ وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِي اَلْبُرْهَةِ بَعْدَ اَلْبُرْهَةِ وَ فِي أَزْمَانِ اَلْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي اَلْأَبْصَارِ وَ اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اَللَّهِ وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ اَلْأَدِلَّةِ فِي اَلْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ اَلْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَ مَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَ شِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ اَلطَّرِيقَ وَ حَذَّرُوهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ اَلظُّلُمَاتِ وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ اَلشُّبُهَاتِ وَ إِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ اَلدُّنْيَا بَدَلاً فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ اَلْحَيَاةِ وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ فِي أَسْمَاعِ اَلْغَافِلِينَ وَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا اَلدُّنْيَا إِلَى اَلْآخِرَةِ وَ هُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا اِطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ اَلْبَرْزَخِ فِي طُولِ اَلْإِقَامَةِ فِيهِ وَ حَقَّقَتِ اَلْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ اَلدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى اَلنَّاسُ وَ يَسْمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ اَلْمَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ اَلْمَشْهُودَةِ وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا وَ حَمَّلُوا ثِقَلَ

٥٣٨

أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ اَلاِسْتِقْلاَلِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِيباً يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اِعْتِرَافٍ لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدًى وَ مَصَابِيحَ دُجًى قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ اَلْمَلاَئِكَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّكِينَةُ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ اَلسَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ اَلْكَرَامَاتِ فِي مَقَامٍ اِطَّلَعَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ اَلتَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ وَ أُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ اَلْأَسَى قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ اَلْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اَللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ اَلْمَنَادِحُ وَ لاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ اَلرَّاغِبُونَ فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ اَلْأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ قول المصنف « و من كلام له عليه السّلام قال عند تلاوته رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه .١ أقول : و نقل المصنف كلامه عليه السّلام عند تلاوته الهاكم التكاثر٢ قبل هذا و كلامه عليه السّلام عند تلاوته :

يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم٣ بعد هذا و له عليه السّلام في معنى قوله تعالى فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا .٤ و معنى قوله تعالى : . .

ان اللَّه لا يغيّر ما بقوم .٥ رواهما ( الروضة ) و لم ينقلهما المصنف .

ثم جعله عليه السّلام أول الآية ( رجال ) يدل على صحّة قراءة . يسبّح له فيها

____________________

( ١ ) النور : ٣٧ .

( ٢ ) التكاثر : ١ .

( ٣ ) الانفطار : ٦ .

( ٤ ) الانعام : ٤٣ .

( ٥ ) الرعد : ١١ .

٥٣٩

بالغدو و الآصال١ قبله بالبناء للمفعول دون قراءة ( يسبّح ) بالبناء للفاعل كما لا يخفى .

و الآية في سورة النور ( ٣٧ ) و آخر الآية . و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الأبصار٢ و بعد الآية ليجزيهم اللَّه أحسن ما عملوا و يزيدهم من فضله و اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب٣ .

روى ( الكافي ) عن اسباط بن سالم ، قال : دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام فسألني عن عمر بن مسلم فقلت صالح و لكنه ترك التجارة ، فقال عليه السّلام عمل الشيطان ثلاثا أما علم ان النبي صلّى اللَّه عليه و آله اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه و قسّم في قرابته ، يقول اللَّه عزّ و جلّ رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللَّه .٤ يقول القصاص : القوم لم يكونوا يتّجرون كذبوا و لكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها ، و هو أفضل ممّن حضر الصلاة و لم يتّجر .

قوله عليه السّلام « ان اللَّه سبحانه و تعالى جعل الذكر جلاء القلوب » هكذا في المصرية و الصواب : ( للقلوب ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) كما ان الصواب ترك كلمة ( و تعالى ) لخلوها عنها .

و قال تعالى : . ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب٥ فبذكره تعالى تجلو من الصدأ ، و تطمئن من التزلزل في أمر الدنيا ، و أما بالنسبة إلى عظمته فتضطرب قال تعالى : انما المؤمنون الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم

____________________

( ١ ) النور : ٣٦ .

( ٢ ) النور : ٣٧ .

( ٣ ) النور : ٣٨ .

( ٤ ) النور : ٣٧ .

( ٥ ) الرعد : ٢٨ .

٥٤٠