بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105631
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105631 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

آياته زادتهم ايماناً و على ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون أُولئك هم المؤمنون حقّاً .١ .

و بشر المخبتين الذين إذا ذكر اللَّه وجلت قلوبهم و الصابرين على ما أصابهم و المقيمي الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون٢ .

« تسمع » أي : القلوب .

« به » أي : بسبب ذكره تعالى .

« بعد الوقرة » أي : بعد ثقل اذنها .

« و تبصر » أي : القلوب ( به ) أي : بسبب ذكره تعالى .

« بعد العشوة » أي : ضعف بصرها ان الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون٣ .

« و تنقاد به بعد المعاندة » و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلاّ اللَّه و لم يصرّوا على ما فعلوا و هم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نعم أجر العاملين٤ .

« و ما برح » أي : ما زال .

« للَّه » خبر لقوله بعد ( عباد ) .

« عزّت آلاؤه » كقولك ( عزّ اسمه ) .

« في البرهة بعد البرهة » أي : المدة .

« و في أزمان الفترات » ضعف أهل الحق في الماضي و الحال و الآتي .

____________________

( ١ ) الانفال : ٢ ٤ .

( ٢ ) الحج : ٣٤ ٣٥ .

( ٣ ) الاعراف : ٢٠١ .

( ٤ ) آل عمران : ١٣٥ ١٣٦ .

٥٤١

« عباد ناجاهم في فكرهم » بالكسر فالفتح جمع فكر بالكسر فالسكون .

« و كلّمهم في ذات عقولهم » و في مناجاة شعبان : « الهي و اجعلني ممّن ناديته فأجابك و لا حظته فصعق لجلالك فناجيته سرا و عمل لك جهرا » « فاستصبحوا بنور يقظة » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه .

« في الأبصار و الأسماع » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( في الأسماع و الأبصار ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« و الأفئدة » بالضد من أهل الدنيا الذين قال تعالى فيهم : . لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم اذان لا يسمعون بها .١ .

« يذكّرون بأيام اللَّه » و لقد أرسلنا موسى بآياتنا ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور و ذكّرهم بأيام اللَّه٢ .

« و يخوّفون مقامه » و قال الذي آمن اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الَّذين من بعدهم و ما اللَّه يريد ظلماً للعباد و يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من اللَّه من عاصم و من يضلل اللَّه فماله من هادٍ و لقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شك ممّا جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث اللَّه من بعده رسولاً كذلك يضلّ اللَّه من هو مسرف مرتاب٣ .

و تعبيره عليه السّلام بالتخويف من مقامه دون التخويف منه تعالى نفسه لكونه أبلغ قال تعالى : و أما من خاف مقام ربِّه و نهى النفس عن الهوى فان

____________________

( ١ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٢ ) ابراهيم : ٥ .

( ٣ ) المؤمن : ٣٠ ٣٤ .

٥٤٢

الجنّة هي المأوى١ .

و التعبير هنا نظير التعبير في قوله تعالى حكاية عن العزيز لامرأته في يوسف : . أكرمي مثواه .٢ دون اكرميه .

« بمنزلة الأدلّة في الفلوات » قيل لابرهة بن الحارث الرائش من ملوك اليمن ذو المنار لأنّه أوّل من ضرب المنار على طريقه في مغازيه ليهتدي بها إذا رجع « من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه و بشّروه بالنجاة » كما قال تعالى في الآخذين بالقصد : ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدعون نزلاً من غفورٍ رحيمٍ٣ .

« و من أخذ يمينا و شمالا ذموا إليه الطريق و حذّروه من الهلكة » كما قال تعالى : و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .٤ .

و أما من طغى و آثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى٥ .

« و كانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات و أدلّة تلك الشبهات » في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله طوبى لعبد نومه عرفه اللَّه و لم يعرفه الناس ، أولئك مصابيح الهدى و ينابيع العلم تنجلي عنهم كلّ فتنة مظلمة ليسوا بالمذاييع البذور و لا بالجفاة المرائين .

____________________

( ١ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

( ٢ ) يوسف : ٢١ .

( ٣ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

( ٤ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٥ ) النازعات : ٣٧ ٣٩ .

٥٤٣

« و ان للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا » في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام مرّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله برجل يغرس غرسا في حايط له فوقف عليه و قال : ألا أدلّك على غرس أثبت أصلا و أسرع ايناعا و أطيب ثمرا قال بلى ، قال : إذا أصبحت و أمسيت فقل « سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر » فان لك ان قلته بكلّ تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من أنواع الفاكهة ، و هو من الباقيات الصالحات فقال الرجل له عليه السّلام فاني اشهدك ان حايطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين فانزل تعالى فيه فأما من أعطى و اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى١ .

« فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه » كما قال تعالى و قد مر .

« يقطعون به أيام الحياة » ان في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون اللَّه قياماً و قعوداً و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السماوات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انّك من تدخل النار فقد أخزيته و ما للظالمين من أنصار ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنّا سيئاتنا و توفَّنا مع الأبرار ربنا و آتنا ما وعدتنا على رسلك و لا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى .٢ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ما من شي‏ء إلاّ و له حد ينتهي إليه إلاّ الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض اللَّه الفرائض فمن أداهن فهو حدّهن ، و من صام شهر رمضان فهو حدّه و من حجّ فهو حدّه إلاّ الذكر ، فانّه تعالى لم يرض

____________________

( ١ ) الليل : ٥ ٧ .

( ٢ ) آل عمران : ١٩٠ ١٩٥ .

٥٤٤

منه بالقليل و لم يجعل له حدّا ينتهي إليه ثم تلا : يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللَّه ذكراً كثيراً و سبّحوه بكرة و أصيلا١ و كان أبي عليه السّلام كثير الذكر لقد كنت أمشي معه و انّه ليذكر اللَّه و آكل معه الطعام و انّه ليذكر اللَّه ، و لقد كان يحدّث القوم و ما يشغله ذلك عن ذكر اللَّه ، و كنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول :

لا إله إلاّ اللَّه و كان يجمعنا و يأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ، و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ، و من كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر و البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللَّه تعالى فيه تكثر بركته ، و تحضره الملائكة ، و تهجره الشياطين ،

و يضي‏ء لأهل السماء كما يضي‏ء الكوكب الدريّ لأهل الأرض ، و البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللَّه تعالى فيه ، تقلّ بركته و تهجره الملائكة و تحضره الشياطين و قد قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله ألا أخبركم بخير أعمالكم و أرفعها في درجاتكم ، و أزكاها عند مليككم و خير لكم من الدينار و الدرهم و خير لكم من ان تلقوا عدوّكم فتقتلوهم و يقتلوكم ؟ قالوا : بلى قال ذكر اللَّه تعالى كثيرا .

و فيه جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال : من خير أهل المسجد فقال : أكثرهم للَّه ذكرا و قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله من أعطى لسانا ذاكرا فقد أعطى خير الدنيا و الآخرة و قال صلّى اللَّه عليه و آله من أكثر ذكر اللَّه تعالى أحبّه اللَّه و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا اللَّه كثيرا .

و يكفي في شموخ مقام الذكر قوله تعالى : فاذكروني اذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون٢ و في ( الكافي ) قال تعالى لعيسى عليه السّلام : اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي و اذكرني في ملأ اذكرك في ملأ خير من ملأ الادميّين .

____________________

( ١ ) الاحزاب : ٤١ ٤٢ .

( ٢ ) البقرة : ١٥٢ .

٥٤٥

و عن الباقر عليه السّلام أوحى تعالى إلى موسى عليه السّلام : أنا جليس من ذكرني فقال موسى عليه السّلام : فمن في سترك يوم لا ساتر إلاّ سترك قال الذين يذكروني فأذكرهم و يتحابون فيّ فاحبّهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فارفع بهم عنهم .

و عنه عليه السّلام مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى قال : يا إلهي يأتي عليّ مجالس أجلّك أن أذكرك فقال تعالى : يا موسى ان ذكري حسن على كلّ حال .

و عن الصادق عليه السّلام أوحى تعالى إلى موسى عليه السّلام : لا تفرح بكثرة المال ،

و لا تدع ذكري على حال فان كثرة المال تنسي الذنوب ، و ان ترك ذكري يقسي القلوب .

و عنه عليه السّلام يموت المؤمن غرقا و بالهدم و يبتلى بالسبع و يموت بالصاعقة و لا تصيب الصاعقة ذاكرا اللَّه تعالى .

و عن أحدهما عليهما السّلام لا تكتب المئكة إلاّ ما تسمع و قال تعالى : و اذكر ربك في نفسك تضرّعاً و خفية و دون الجهر من القول بالغدو و الاصال و لا تكن من الغافلين١ و لا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللَّه تعالى لعظمته .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام من ذكر اللَّه تعالى في السرّ فقد ذكره كثيرا ، ان المنافقين كانوا يذكرونه علانية و لا يذكرونه في السرّ قال تعالى : . يراؤن الناس و لا يذكرون اللَّه إلاّ قليلا٢ .

« و يهتفون » أي : يصيحون .

____________________

( ١ ) الاعراف : ٢٠٥ .

( ٢ ) النساء : ١٤٢ .

٥٤٦

« بالزواجر عن محارم اللَّه في أسماع الغافلين » عن اللَّه .

( في المروج ) : حضر أبوذر مجلس عثمان ذات يوم ، فقال عثمان : أرأيتم من زكّى ماله هل فيه حق لغيره ؟ فقال كعب الأحبار : لا فدفع أبو ذر في صدر كعب ، و قال له : كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا : ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن باللَّه و اليوم الآخر و الملئكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب .١ فقال عثمان : أترون بأسا ان نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه في ما ينوبنا من أمورنا و نعطيكموه ، فقال كعب الأحبار :

لا بأس بذلك فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب ، و قال : يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا .

فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي غيّب وجهك عني فقد آذيتني فخرج أبو ذر إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان ، ان أبا ذر يجمع إليه الجموع و لا آمن أن يفسدهم عليك فان كان لك في القوم حاجة فاحمله إليك فكتب إليه عثمان بحمله فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى أتوا به المدينة قد تسلخت بواطن أفخاذه ، و كاد أن يتلف فقيل له : انك تموت من ذلك ، فقال هيهات لن أموت حتى انفى و ذكر جوامع ما نزل به بعد من يتولى دفنه فجلس في داره أياما ثم دخل على عثمان فجلس على ركبتيه و تكلّم بأشياء و ذكر الخبر في ولد أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا اتخذوا عباد اللَّه خولا و كان في ذلك اليوم أتى بتركة عبد الرحمان بن عوف فنضت البدر حتى حالت بين عثمان و بين الرجل القائم فقال عثمان : اني لأرجو لعبد الرحمان خيرا لأنّه كان يتصدّق و يقري

____________________

( ١ ) البقرة : ١٧٧ .

٥٤٧

الضيف و ترك ما ترون فقال كعب الأحبار : صدقت فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب و لم يشغله ما كان فيه من الألم ، و قال : يا ابن اليهودي تقول لرجل مات و ترك هذا المال ان اللَّه أعطاه خير الدنيا و خير الآخرة ، و تقطع على اللَّه بذلك ، و أنا سمعت النبي صلّى اللَّه عليه و آله يقول « ما يسرني أن أموت و أدع ما يزن قيراطا » فقال له عثمان : و ارعني وجهك فقال : أسير إلى مكة قال : لا و اللَّه ، قال :

فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت ؟ قال : أي و اللَّه ، قال : فالى الشام ،

قال : لا و اللَّه قال البصرة ، قال : لا و اللَّه ، فاختر غيرها ، قال : ما اختار غيرها و لو تركتني في دار هجرتي ما أردت بلدا آخر ، فسيّرني حيث شئت ، قال : فاني مسيّرك إلى الربذة قال أبو ذر : اللَّه أكبر صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قد أخبرني بكلّ ما أنا لاق ، قال عثمان : و ما قال لك ؟ قال : أخبرني بأني أمنع عن مكة و المدينة و أموت بالربذة ، و يتولى مواراتي نفر ممّن يردون من العراق نحو الحجاز الخ « و يأمرون بالقسط » بالكسر العدل و أما بالفتح فالجور ، و في الأساس نقول أمر اللَّه بالقسط و نهى عن القسط .

« قل أمر ربي بالقسط » ( و يأتمرون به ) . و ان حكمت فاحكم بينهم بالقسط .١ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للَّه و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فاللَّه أولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا و ان تلوا أو تعرضوا فان اللَّه كان بما تعملون خبيرا٢ .

و القيام بالقسط وصفه تعالى : شهد اللَّه انّه لا إله إلاّ هو و الملائكة

____________________

( ١ ) المائدة : ٤٢ .

( ٢ ) النساء : ١٣٥ .

٥٤٨

و أولوا العلم قائماً بالقسط .١ و بعث رسله لذلك لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط .٢ .

« و ينهون عن المنكر و يتناهون عنه » التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر و الحافظون لحدود اللَّه .٣ .

فلمّا نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء و أخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلمّا عتوا عن مّا نُهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين٤ .

لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولوَّنَ الّذين كفروا لبئس ما قدَّمت لهم أنفسهم أَن سَخِط اللَّه عليهم و في العذاب هم خالدون٥ .

« فكانما قطعوا الدنيا إلى الآخرة و هم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك » قال : ابن أبي الحديد هو شرح حاله عليه السّلام فقال : ( لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ) .

« فكأنّما » هكذا ( في المصرية و ابن أبي الحديد ) و الصواب : ( و كانما ) كما في ( ابن ميثم ) .

« اطلعوا عيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه و حققت القيامة عليهم عداتها فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٨ .

( ٢ ) الحديد : ٢٥ .

( ٣ ) التوبة : ١١٢ .

( ٤ ) الاعراف : ١٦٥ .

( ٥ ) المائدة : ٧٨ ٨٠ .

٥٤٩

و يسمعون ما لا يسمعون » .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : استقبل حارثة بن مالك الأنصاري النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال له كيف أنت يا حارثة ؟ قال : مؤمن حقّا فقال صلّى اللَّه عليه و آله له لكلّ شي‏ء حقيقة فما حقيقة قولك ؟ قال عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي و اظمأت هواجري و كأني انظر إلى عرش ربي و قد وضع للحساب ، و كأني أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنة و كأني أسمع عواء أهل النار في النار ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : هذا عبد نوّر اللَّه قلبه ، أبصرت فأثبت فقال : ادع اللَّه أن يرزقني الشهادة فقال صلّى اللَّه عليه و آله : اللّهم ارزقه فلم يلبث حتى بعثه صلّى اللَّه عليه و آله مع سرية فقتل تسعة أو ثمانية فقتل و في خبر استشهد مع جعفر بعد تسعة .

« فلو مثلتهم » أي : جسمتهم .

« لعقلك في مقاومهم » جمع المقام و أصله المقوم .

« المحمودة » عند اللَّه تعالى .

« و مجالسهم المشهودة » لملائكته .

« و قد نشروا دواوين » جمع الديوان .

« أعمالهم و فرغوا لمحاسبة أنفسهم على كلّ صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصروا عنها » بترك بعضها .

« أو نهوا عنها ففرطوا فيها » بارتكاب بعضها .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها فان للقيامة خمسين موقفا كلّ موقف مقداره ألف سنة ثم تلا تعرج الملائكة و الروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة١ .

« و حملوا ثقل أوزارهم ظهورهم » و الأصل فيه قوله تعالى . حتى إذا

____________________

( ١ ) المعارج : ٤ .

٥٥٠

جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون١ .

« فضعفوا » تفريع على تحميل ثقل أوزارهم على ظهورهم .

« عن الاستقلال بها » أي : الاطاقة و الرفع لها .

« فنشجوا نشيجا » في ( الصحاح ) ( نشج الباكي نشجا و نشيجا ) إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب .

« و تجاوبوا » هكذا في النسخ و الظاهر كونه محرّف ( و نحبوا ) و النحيب رفع الصوت بالبكاء و لا معنى للتجاوب هنا لأن كلاّ منهم يبكي على نفسه و لقوله « نحيبا » فيكون ( نحبوا نحيبا ) مثل ( نشجوا نشيجا ) .

و في ( ثواب الأعمال ) عن الصادق عليه السّلام ما من شي‏ء إلاّ و له كيل و وزن إلاّ الدموع فان القطرة منها تطفى‏ء بحارا من نار ، و إذا اغرو رقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة فإذا فاضت حرّمه اللَّه على النار و لو ان باكيا بكى في أمة لرحموه .

و عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله طوبى لصورة نظر اللَّه إليها تبكي عن ذنب من خشية اللَّه لم يطّلع على ذلك الذنب غيره تعالى .

« يعجون » أي : يرفعون صوتهم .

« إلى ربهم من مقام ندم و اعتراف » بجنايتهم .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام ان الرجل ليذنب الذنب فيدخله اللَّه تعالى به الجنة قلت يدخله بالذنب الجنّة ؟ قال : نعم ، انّه ليذنب الذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه اللَّه فيدخله الجنّة .

و عنه عليه السّلام من أذنب ذنبا و علم ان اللَّه تعالى مطّلع عليه ان شاء عذبه و ان

____________________

( ١ ) الانعام : ٣١ .

٥٥١

شاء غفره غفر له و ان لم يستغفر .

« لرأيت أعلام هدى و مصابيح » جمع المصباح السراج .

« دجى » أي : ظلمة .

« قد حفت » أي : أحاطت .

« بهم الملائكة » ان الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة .١ .

« و تنزلت عليهم السكينة » هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم .٢ .

و قال تعالى في حنين و الفتح : ثم انزل اللَّه سكينته على رسوله و على المؤمنين .٣ و في ( الشجرة ) لقد رضى اللَّه عن المؤمنين إلى فأنزل السكينة عليهم .

« و فتحت لهم أبواب السماء و أعد لهم مقاعد الكرامات » ان المتقين في جنات و نهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر٤ .

« في مقام اطلع اللَّه عليهم فيه فرضي سعيهم و حمد مقامهم » و إذا رأيت ثم رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً عاليهم ثياب سندس خضر و استبرق و حلوا أساور من فضة و سقاهم ربهم شراباً طهورا ان هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا٥ .

____________________

( ١ ) فصلت : ٣٠ ٣١ .

( ٢ ) الفتح : ٤ .

( ٣ ) التوبة : ٢٦ .

( ٤ ) القمر : ٥٤ ٥٥ .

( ٥ ) الانسان : ٢٠ ٢٢ .

٥٥٢

« يتنسمون » أي : يجدون نسيما .

« بدعائه روح » بالفتح الاستراحة .

« التجاوز » . ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين١ قل ما يعبؤا بكم ربي لو لا دعاؤكم .٢ .

و في الكافي عنه عليه السّلام الدعاء مفتاح النجاح و مقاليد الفلاح ، و خير الدعاء ما صدر عن صدر تقي و قلب نقي ، و في المناجاة سبب النجاة ، و بالاخلاص يكون الخلاص ، فاذا اشتد الفزع فالى اللَّه المفزع .

رهائن فاقة إلى فضله و اسارى ذلّة لعظمته » في الكافي : ان اللَّه تعالى أوحى إلى داود ان ائت عبدي دانيال فقل له : انك عصيتني فغفرت لك ، و عصيتني فغفرت لك ، و عصتني فغفرت لك ، فان عصيتني الرابعة لم أغفر لك ، فقال له دانيال قد بلغت يا نبي اللَّه فلمّا كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال :

يا رب ان داود نبيّك أخبرني عنك اني قد عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي و اخرني عنك اني ان عصيتك الرابعة لم تغفر لي ،

و عزّتك و جلالك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك .

« جرح طول الأسى » أي : الحزن .

« قلوبهم و طول البكاء عيونهم » في الكافي عن الصادق عليه السّلام : كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ ثلاثا : عين غضّت عن محارم اللَّه ، و عين سهرت في طاعة اللَّه ،

و عين بكت في جوف الليل من خشية اللَّه .

و عنه عليه السّلام أوحى اللَّه تعالى إلى موسى عليه السّلام : البكاءون من خشيتي في الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد و عن الباقر عليه السّلام : ما من قطرة أحبّ إلى اللَّه

____________________

( ١ ) غافر : ٦٠ .

( ٢ ) الفرقان : ٧٧ .

٥٥٣

تعالى من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من اللَّه تعالى لا يراد بها غيره .

« لكلّ باب رغبة إلى اللَّه منهم يد قارعة » يقال « من قرع بابا و لجّ ولج » انهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين١ و عنه عليه السّلام الدعاء ترس المؤمن و متى تكثر قرع الباب يفتح لك .

« يسألون من لا تضيق لديه المنادح » قال الجوهري المنادح : المفاوز و المنتدح المكان الواسع ولى عن هذا الأمر مندوحة و منتدح أي سعة .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ادع و لا تقل ان الأمر فرغ منه ان عند اللَّه منزلة لا تنال إلاّ بمسألة فسل تعط انّه ليس من باب يقرع الا يوشك أن يفتح لصاحبه .

« و لا يخيب عليه الراغبون » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلاّ استحيى أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسحها على وجهه و رأسه .

و عنه عليه السّلام لا تتركوا صغيرة ان تدعوا بها ان صاحب الصغار هو صاحب الكبار .

« فحاسب نفسك لنفسك » في ( الكافي ) عن الكاظم عليه السّلام ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فان عمل حسنة استزاد الله تعالى و ان عمل سيئة استغفر اللَّه منها و تاب إليه .

و قال : ابن ميثم كان توبة بن الصمة محاسبا لنفسه فحسب يوما فاذا هو ابن ستين سنة فحسب أيامها فاذا هي أحد و عشرون ألف و خمسمائة يوم ، فصرخ و قال : يا ويلتي ألفي الملك بأحد و عشرين ألف ذنب ، ثم خرّ مغشيا عليه فاذا هو ميت و لو رمى العبد بكلّ معصية حصاة في داره

____________________

( ١ ) الانبياء : ٩٠ .

٥٥٤

لامتلأت في مدّة يسيرة و لكنه يتساهل في حفظها ، و الملكان يحفظان عليه كما قال تعالى : . أحصاه اللَّه و نسوه .١ .

« فان غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك » قال تعالى : . عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم إلى اللَّه مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون٢ .

فأمّا من أُوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه اني ظننت اني ملاقٍ حسابيه فهو في عيشةٍ راضيةٍ في جنّة عاليةٍ قطوفها دانيةٍ كلوا و اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية و أما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه و لم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه٣ .

٢٤

الخطبة ( ٢٢٥ ) منها في صفة الزهاد :

كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ اَلدُّنْيَا وَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ وَ بَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ تَقَلَّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ اَلْآخِرَةِ وَ يَرَوْنَ أَهْلَ اَلدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَ هُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ « كانوا قوما من أهل الدنيا و ليسوا من أهلها فكانوا فيها كمن ليس منها » .

في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : صلّى النبي صلّى اللَّه عليه و آله الصبح فنظر إلى شاب

____________________

( ١ ) المجادلة : ٦ .

( ٢ ) المائدة : ١٠٥ .

( ٣ ) الحاقة : ١٩ ٢٩ .

٥٥٥

في المسجد ، و هو يخفق و يهوي برأسه مصفرّا لونه قد نحف جسمه ، و غارت عيناه في رأسه ، فقال صلّى اللَّه عليه و آله له كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت موقنا فعجب النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من قوله ، و قال ان لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ قال : ان يقيني هو الذي أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي ، و قد نصب للحساب و حشر الخلائق لذلك و أنا فيهم ، و كأني أنظر إلى أهل الجنّة يتنعمون فيها و إلى أهل النار و هم فيها يعذبون فيصطرخون فقال صلّى اللَّه عليه و آله لأصحابه : هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالايمان .

« عملوا فيها بما يبصرون و بادروا فيها ما يحذرون » و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون١ .

( تقلب ) واصله ( تتقلب ) .

« أبدانهم بين ظهراني » بفتح النون .

« أهل الآخرة » اما لعدم خلطتهم مع أهل الدنيا و اما لأن يقينهم جعلهم كأنّهم في المحشر كما مر في الخبر .

« يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم » . يود أحدهم لو يعمّر ألف سنة .٢ .

« و هم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم » لأن الحياة الحقيقية الحياة القلب .

قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للَّه و للرسول إذا دعاكم لمّا

____________________

( ١ ) المؤمنون : ٦٠ ٦١ .

( ٢ ) البقرة : ٩٦ .

٥٥٦

يحييكم .١ .

و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتاً بل احياءٌ عند ربهم يرزقون٢ .

و في ( السيرة ) في غزوة مؤتة فأخذ عبد اللَّه بن رواحة الراية أي بعد قتل جعفر و زيد بن حارثة و هو يقول :

أقسمت يا نفس لتنزلنه

لتنزلن أو لتكرهنه

ان أجلب الناس و شدوا الرنة

مالي أراك تكرهين الجنة

قد طال فيما كنت مطمئنة

هل انت إلاّ نطفة في شنة

قالوا الشنة السقاء البالي ، و النطفة الماء القليل الصافي أي يوشك أن ينخرق السقاء و يهرق ماؤه ، ضرب ذلك مثلا لنفسه في جسده .

و في ( الاستيعاب ) حبسوا الوليد بن الوليد بمكة في المستضعفين فكان النبي صلّى اللَّه عليه و آله يدعو له فأفلت من اسارهم فخرج على رجليه فطلبوه فلم يدركوه شدا و نكبت أصبع من أصابعه فجعل يقول :

هل أنت إلاّ اصبع دميت

و في سبيل اللَّه ما لقيت

قالوا : فمات منه .

٢٥

الكتاب ( ٥٦ ) من وصية له وصى بها شريح بن هانى‏ء لمّا جعله على مقدمته إلى الشام :

اِتَّقِ اَللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ اَلدُّنْيَا اَلْغَرُورَ وَ لاَ

____________________

( ١ ) الانفال : ٢٤ .

( ٢ ) آل عمران : ١٦٩ .

٥٥٧

تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ اَلْأَهْوَاءُ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ اَلأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ اَلضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ اَلْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً قول المصنف « و من وصيّة له عليه السّلام وصى بها » هكذا في المصرية ،

و الصواب : « و من كلام له عليه السّلام وصى به » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) .

« شريح بن هاني » في ( الاسد ) كان من أعيان أصحاب علي عليه السّلام و شهد معه حروبه و شهد الحكمين بدومة الجندل ، و بقي دهرا طويلا قيل : انّه عاش مائة و عشرين سنة ، و خرج إلى سجستان غازيا ، فأخذ الكفار عليهم الطريق فقتل في عامة الجيش و قال في ذلك اليوم :

أصبحت ذابث أقاسي الكبرا

قد عشت بين المشركين أعصرا

ثمت أدركت النبي المنذرا

و بعده صديقه و عمرا

و يوم مهران و يوم تسترا

و الجمع في صفينهم و نهرا

و بالخميرات و المشقرا

هيهات ما اطول هذا عمرا

« لمّا جعله على مقدمته إلى الشام » المفهوم من صفين نصر بن مزاحم انّه عليه السّلام ما جعل شريحا على جميع مقدمته بل على طائفة منها و انما جعل زياد بن النضر أميرا على جميع المقدمة ، و شريح كان على طائفة ما لم يجتمع مع زياد و انّه عليه السّلام دعاهما و جعل المخاطب بالكلام الذي وصى به زيادا لكونه الأمير على الكل ففيه قال يزيد بن خالد بن قطن :

ان عليّا عليه السّلام لمّا أراد المسير إلى النخيلة دعا زياد بن النضر و شريح بن هانى‏ء و كانا على مذحج و الاشعريين فقال يا زياد اتق اللَّه في كلّ ممسى و مصبح ، و خف على نفسك الدنيا الغرور و لا تأمنها على حال من البلاء ، و اعلم

٥٥٨

انك ان لم تزع نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروهه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرّ فكن لنفسك مانعا و ادعا من البغي و الظلم و العدوان فاني قد وليتك هذا الجند فلا تستطيلن عليهم ، و ان خيركم عند اللّه اتقاكم و تعلّم من عالمهم و علّم جاهلهم و احلم عن سفيههم فانك انما تدرك الخير بالحلم و كفّ الأذى و الجهد .

و فيه أيضا انّه عليه السّلام لمّا وصى زيادا بذاك الكلام قال زياد له عليه السّلام « أوصيت حافظا لوصيتك مؤدبا بأدبك يرى الرشد في نفاذ أمرك ، و الغي في تضييع عهدك » .

و فيه بعثهما في اثنى عشر ألفا على مقدمته و شريح على طائفة و زياد على جميعهم و أمرهما أن يأخذا في طريق واحد و لا يختلفا قال فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حده و لا يقرب بزياد فكتب زياد إلى الإمام عليه السّلام انّك ولّيتني أمر الناس ، و ان شريحا لا يرى لي عليه طاعة و ذلك من فعله بي استخفافا بأمرك و تركا لعهدك قال : و كتب شريح إليه عليه السّلام « ان زيادا حين أشركته في أمرك و ولّيته جندا من جنودك تنكّر و استكبر ، و مال به العجب و الخيلاء و الزهوّ إلى ما لا يرضاه الربّ تعالى من القول و الفعل ، فان رأى ان يعزله عنّا و يبعث مكانه من يحبّ فليفعل فانّا له كارهون الخ .

قوله عليه السّلام « اتق اللّه في كلّ صباح و مساء » هكذا في ( المصرية ) و نسخة ( ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطّية ) ( مساء و صباح ) و كيف كان فقال تعالى :

و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و اتقوا اللَّه ان اللَّه شديد العقاب١ .

____________________

( ١ ) المائدة : ٢ .

٥٥٩

و اتقوا اللَّه الذي إليه تحشرون١ . و اتقوا اللَّه إن كنتم مؤمنين٢ . و اتقوا اللَّه الذي أنتم به مؤمنون٣ . و اتقوا اللَّه ان اللَّه خبير بما تعملون٤ . و اتقوا اللَّه ان اللَّه سريع الحساب٥ . و اتقوا لعلّكم ترحمون٦ . و اتقوا اللَّه لعلّكم تفلحون٧ .

« و خف على نفسك الدنيا الغرور » يا أيها الناس اتقوا ربّكم و اخشوا يوماً لا يَجزي والد عن ولده و لا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً ان وعد اللَّه حقٌّ فلا تَغُرَّنَكم الحياةُ الدنيا و لا يغرَّنّكم باللَّه الغَرور٨ .

« و لا تأمنها على حال » . و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور٩ .

« و اعلم انك ان لم تردع » أي : تنهى و تمنع .

« نفسك عن كثير ممّا تحب مخافة مكروه » هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

( مكروهه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) و في الأصل المستند صفين نصر .

« سمت » أي : علت .

« بك الأهواء » و ميول النفس .

« إلى كثير من الضرر » في العاجل و الآجل قال الشاعر :

____________________

( ١ ) المائدة : ٩٦ .

( ٢ ) المائدة : ٩٦ .

( ٣ ) المائدة : ٨٨ .

( ٤ ) الحشر : ١٨ .

( ٥ ) المائدة : ٤ .

( ٦ ) لانعام : ١٥٥ .

( ٧ ) البقرة : ١٨٩ .

( ٨ ) لقمان : ٣٣ .

( ٩ ) آل عمران : ١٨٥ .

٥٦٠