بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 607
المشاهدات: 105614
تحميل: 3074


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 105614 / تحميل: 3074
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

فانك ان أعطيت بطنك سؤلها

و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

قال تعالى . كونوا قوّامين بالقسط شهداء للَّه و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فاللَّه أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أَن تعدلوا .١ .

و لا تتبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللَّه ان الذين يضلّون عن سبيل اللَّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب٢ .

كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذّبوا و فريقاً يقتلون٣ . و لئن اتبعت أَهْواءَهُم من بعد ما جاءك من العلم انك اذن لمن الظالمين٤ .

« فكن لنفسك مانعا رادعا » و اما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى٥ .

« و لنزوتك » أي : توثبك .

« عند الحفيظة » أي : الغضب و الحمية .

« واقما » جاذبا لعنانها رادا لها عن مرادها .

٢٦

الحكمة ( ٣١ ) وَ اَلْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى اَلتَّعَمُّقِ وَ اَلتَّنَازُعِ وَ اَلزَّيْغِ وَ اَلشِّقَاقِ فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ إِلَى اَلْحَقِّ وَ مَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ اَلْحَقِّ

____________________

( ١ ) النساء : ١٣٥ .

( ٢ ) ص : ٢٦ .

( ٣ ) المائدة : ٧٠ .

( ٤ ) البقرة : ١٤٥ .

( ٥ ) النازعات : ٤٠ ٤١ .

٥٦١

وَ مَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ اَلْحَسَنَةُ وَ حَسُنَتْ عِنْدَهُ اَلسَّيِّئَةُ وَ سَكِرَ سُكْرَ اَلضَّلاَلَةِ وَ مَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ عَلَيْهِ طُرُقُهُ وَ أَعْضَلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَ ضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ وَ اَلشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلتَّمَارِي وَ اَلْهَوْلِ وَ اَلتَّرَدُّدِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمِ فَمَنْ جَعَلَ اَلْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ وَ مَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَ مَنْ تَرَدَّدَ فِي اَلرَّيْبِ وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ اَلشَّيَاطِينِ وَ مَنِ اِسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا قال الرضي : و بعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الإطالة و الخروج عن الغرض المقصود في هذا الباب .

أقول : رواه ( الخصال ) و ( التحف ) و ( الكافي ) ، و في ( الأول ) و الكفر على أربع دعائم : على الفسق و العتو و الشك و الشبهة ، فالفسق على أربع شعب :

على الجفاء و العمى و الغفلة و العتو ، فمن جفا حقر الحقّ و مقت الفقهاء و أصرّ على الحنث العظيم ، و من ( عمى ط ) نسى الذكر و اتبع الظن و الح عليه الشيطان ، و من غفل غرّته الأماني و أخذته الحسرة إذا انكشف الغطاء ، و بدا له من اللَّه ما لم يكن يحتسب ، و من عتا عن سرّ اللَّه تعالى أذلّه بسلطانه ، و صغّره بجلاله كما فرّط في جنبه و عتا عن أمر ربه الكريم ، و العتوّ على أربع شعب :

على التعمق و التنازع و الزيغ و الشقاق ، فمن تعمّق لم ينب إلى الحق و لم يزدد إلاّ غرقا في الغمرات ، و لم تحتبس عنه فتنة إلاّ غشيته أخرى ، و الخرق أخرى فهو يهيم في أمر مريج ، و من نازع و خاصم قطع بينهم الفشل ، و ذاقوا و بال أمرهم ( و من زاغ ط ) ساءت عنده الحسنة و حسنت عنده السيئة ( و من شاق ط ) اعتور عليه طرقه و اعترض عليه أمره و ضاق مخرجه ، و حري أن يرجع من دينه ، و يتبع غير سبيل المؤمنين و الشك على أربع شعب : على الهول و الريب و التردد و الاستسلام ، فبأي آلاء ربك يتمارى المتمارون ، و من هاله ما

٥٦٢

بين يديه نكص على عقبيه ، و من تردد في الريب سبقه الأولون ، و أدركه الآخرون و قطعته سنابك الشياطين و من استسلم لهلكة الدنيا و الآخرة هلك في ما بينهما .

و في ( الثاني ) : و الكفر على أربع دعائم على الفسق و الغلو و الشك و الشبهة فالفسق من ذلك على أربع شعب الجفاء و العماء و الغفلة و العتو ، فمن جفا حقر المؤمن و مقت الفقهاء و أصرّ على الحنث ، و من عمى نسى الذكر بذي خلقه و بارز خالقه و ألح عليه الشيطان ، و من غفل جنى على نفسه و أثقل على ظهره ، و حسب غيّه رشدا و غرّته الأماني و أخذته الحسرة إذا انقضى الأمر و انكشف عنه الغطاء و بدا له من اللَّه ما لم يكن يحتسب ، و من عتا عن أمر اللَّه شك و من شك تعالى اللَّه عليه ثم أذلّه بسلطانه و صغّره بجلاله كما فرط في حياته و اغتر بربه الكريم و الغلو على أربع شعب : على التعمق ، و التنازع ،

و الزيغ ، و الشقاق ، فمن تعمّق لم ينته إلى الحقّ و لم يزده إلا غرقا في الغمرات ،

و لا يبخسه عنه فتنة إلاّ غشيته أخرى فهو يهوي في أمر مريج و من نازع و خاصم قطع بينهم الفشل و بلى أمرهم من طول اللجاج ، و من زاغ سيئت عنده الحسنة و حسنت عنده السيئة و سكر سكر الضلال ، و من شاق أعورت عليه طرقه و اعترض عليه أمره و ضاق مخرجه ، و حرام ان ينزع من دينه من اتبع غير سبيل المؤمنين و الشك على أربع شعب : على المرية ، و الهول ، و التردد ،

و الاستسلام ، فبأي آلاء ربك يتمارى الممترون ، و من هاله ما بين يديه نكص على عقبيه و من تردّد في دينه سبقه الأولون و أدركه الآخرون و وطئته سنابك الشياطين ، و من استسلم لهلكة الدنيا و الآخرة هلك فيهما و من نجا من ذلك فبفضل اليقين .

و في الثالث : بنى الكفر على أربع دعائم : الفسق ، و الغلو ، و الشك ،

٥٦٣

و الشبهة ، و الفسق على أربع شعب : على الجفاء و الغماء و الغفلة و العتو ، فمن جفا احتقر الخلق و مقت الفقهاء و أصر على الحنث العظيم ، و من عمى نسى الذكر و اتبع الظن و بارز خالقه و ألح عليه الشيطان و طلب المغفرة بلا توبة و لا استكانة ، و من غفل جنى على نفسه و انقلب على ظهره و حسب غيّه رشدا و غرّته الأماني و أخذته الحسرة و الندامة إذا قضى الأمر و انكشف عنه الغطاء و بداله من اللَّه ما لم يكن يحتسب و من عتا عن أمر اللَّه شك و من شك تعالى اللَّه عليه فأذلّه بسلطانه و صغّره بجلاله كما اغتر بربّه الكريم ففرّط في أمره و العلو على أربع شعب : على التعمق في الرأي و التنازع فيه و الزيغ و الشقاق .

فمن تعمّق لم ينب إلى الحق ، و لم يزدد إلاّ غرقا في الغمرات و لم تبخسه عنه فتنة إلاّ غشيته أخرى و انخرق دينه فهو يهوى في أمر مريج ، و من نازع في الرأي و خاصم شهر بالعتل من طول اللجاج و من زاغ قبحت عنده الحسنة ،

و حسنت عنده السيئة و من شاق أو عرت عليه طرقه و اعترض عليه أمره و ضاق عليه مخرجه إذ لم يتبع سبيل المؤمنين .

و الشك على أربع شعب : المرية و الهوى و التردد و الاستسلام ، و هو قول اللَّه تعالى ، فبأي آلاء ربك تتمارى١ و في رواية أخرى على المرية و الهول من الحق و التردد و الاستسلام للجهل و أهله ، فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه و من امترى في الدين تردد في الرَّيب و سبقه الأوّلون من المؤمنين و أدركه الآخرون ، و وطئته سنابك الشياطين ، و من استسلم لهلكة الدنيا و الآخرة هلك ما بينهما من نجا من ذلك فمن فضل اليقين .

و رواه الثقفي في ( غاراته ) في عنوان « كلام من كلامه » عليه السّلام عن أبي زكريا عن أهل العلم من أصحابه جزء كلام طويل له عليه السّلام .

____________________

( ١ ) النجم : ٥٥ .

٥٦٤

قول المصنف : « و قال عليه السّلام الكفر » هكذا في ( المصرية ) و الصواب :

( و الكفر ) بدون كلمة ( و قال عليه السّلام ) بكونه جزء سابقه الماضي في ( ٤ ) من الباب كما يشهد له ابن أبي الحديد و ابن ميثم و ( الخطّية ) ، و لأن ( الخصال ) و ( التحف ) و ( الغارات ) رووا هذا مع سابقه خبرا واحدا و ( الكافي ) و ان جزأه على حسب ترتيب كتابه و روى ( الثاني ) باسناد آخر عن سليم إلاّ انّه قال في ( الأول ) بعد روايته عن الأصبغ و قال غيره ان ابن الكواء سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن صفة الاسلام و الايمان و الكفر و النفاق فقال الخ و ليس ثمة جواب الكفر و النفاق .

« على أربع دعائم » جمع دعامة عماد البيت .

و في خبر « أصول الكفر ثلاثة : الحرص و الاستكبار و الحسد ، فاما الحرص فان آدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها ، و اما الاستكبار فابليس حين أمر بالسجود لآدم استكبر ، و اما الحسد فابنا آدم قتل أحدهما صاحبه حسدا » .

« على التعمق و التنازع و الزيغ و الشقاق » قد عرفت من روايات ( الكافي ) و ( التحف ) و ( الخصال ) للعنوان كون هذه الأربعة شعب الدعامة الثانية من دعائم الكفر لا دعائمه الأولى ، و انما دعائمه الأولى فيها « الفسق و الغلو و الشك و الشبهة » .

« فمن تعمّق لم ينب إلى الحق » قد عرفت ان الكتب الثلاثة زادت « و لم يزدد إلاّ غرقا في الغمرات لم تبخسه عنه فتنة إلاّ غشيته أخرى و انخرق دينه فهو يهوي في مريج » .

و بالجملة فمن تعمّق ولج و لم يكتف بالبرهان غرق كما كان الزنادقة يقولون لو كان إله لوجب ان نراه بأبصارنا و في ( توحيد ) الصدوق قال

٥٦٥

هشام بن الحكم : دخل أبو شاكر الديصاني على الصادق عليه السّلام فقال له انك أحد النجوم الزواهر و كان آباؤك بدورا بواهر ، و أمهاتك عقيلات عباهر و عنصرك من أكرم العناصر و إذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر فخبرني ايها البحر الزاخر ما الدليل على حدوث العالم فقال عليه السّلام نستدل عليه بأقرب الأشياء و دعا ببيضة فوضعها على راحته فقال هذا حصن ملموم داخله غرقى لطيف فيه فضة سائلة و ذهبة مائعة ثم تنفلق عن مثل الطاووس ادخلها شي‏ء فقال :

لا ، قال : فهذا الدليل على حدوث العالم ، قال : أخبرت فأوجزت و قلت فأحسنت لكن علمت انّا لا نقبل إلاّ ما أدركناه بأبصارنا أو سمعناه بآذاننا أو شممناه بمناخرنا أو ذقناه بأفواهنا أو لمسناه بأكفّنا أو تصور في القلوب بيانا أو استنبطه الروايات ايقانا فقال عليه السّلام : ذكرت الحواس الخمس و هي لا تنفع شيئا بغير دليل كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح .

و في ( توحيد المفضل ) و اعجب منهم جميعا المعطلة الذين راموا ان يدركوا بالحس ما لا يدرك بالعقل فلمّا أعوزهم ذلك خرجوا إلى الجحود و التكذيب فقالوا : و لم لا يدرك بالعقل ؟ قيل : لأنّه فوق مرتبة العقل كما لا يدرك البصر ما هو فوق مرتبته ، فانك لو رأيت حجرا يرتفع في الهواء علمت ان راميا رمى به فليس هذا العلم من قبل البصر بل من قبل العقل لأن العقل هو الذي يميّزه فيعلم ان الحجر لا يذهب علوا من تلقاء نفسه أفلا ترى كيف وقف البصر على حده ؟ فلم يتجاوزه فكذلك يقف العقل على حدّه من معرفة الخالق فلا يعدوه و لكن يعقله كما يقرّ ان في الانسان نفسا و لم يعاينها و لم يدركها بحاسة من الحواس و على حسب هذا أيضا نقول : ان العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الاقرار و لا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته فان قالوا :

فكيف يكلّف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف و لا يحيط به ؟ قيل لهم : انما

٥٦٦

كلّف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه ، و هو ان يوقنوا به و يقفوا عند أمره و نهيه ، و لم يكلفوا الإحاطة بصفته كما ان الملك لا يكلّف رعيته ان يعلمها أطويل هو ام قصير و أبيض هو أم أسمر ، و انما يكلّفهم الاذعان لسلطانه و الانتهاء إلى أمره ، ألا ترى لو أن رجلا أتى باب الملك فقال : اعرض على نفسك حتى اتقصّى معرفتك ، و إلاّ لم أسمع لك كان قد أحل نفسه بالعقوبة ، فكذا القائل انّه لا يقرّ بالخالق سبحانه حتى يحيط بكنهه يكون متعرّضا لسخطه فان قالوا أ و ليس قد نصفه فنقول : هو العزيز الحكيم ، الجواد الكريم ، قيل لهم كلّ هذه صفات إقرار و ليست صفات إحاطة فانّا نعلم انّه حكيم و لا نعلم بكنه ذلك منه ، و كذلك قدير و جواد و سائر صفاته كما قد نرى السماء فلا ندري ما جوهرها و نرى البحر و لا ندري اين منتهاه .

و عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام يا ابن آدم لو أكل قبلك طائر لم يشبعه ، و بصرك لو وضع عليه خرق أبر لغطّاه تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات و الأرض ، فان كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق اللَّه فان قدرت ان تملأ عينيك منها فهو كما تقول .

و عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله : و من كان في هذه أعمى .١ أي لم يدله خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار ، و دوران الفلك و الشمس و القمر و الآيات العجيبات على ان وراء ذلك أمرا أعظم منه فهو في الآخرة أعمى و أضلّ سبيلا » .

« و من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق » الذين يجادلون في آيات اللَّه بغير سلطان اتاهم كبر مقتاً عند اللَّه و عند الذين آمنوا كذلك يطبع اللَّه على كلّ

____________________

( ١ ) الاسراء : ٧٢ .

٥٦٧

قلب متكبّر جبّار١ .

ان الذين يجادلون في آيات اللَّه بغير سلطان اتاهم ان في صدورهم إلاّ كبر ما هم ببالغيه فاستعذ باللَّه انّه هو السميع البصير٢ .

« و من زاغ ساءت » و في ( الكافي ) ( قبحت ) و هو الأنسب بقوله بعد ( و حسنت ) .

« عنده الحسنة و حسنت عنده السيئة » . فلمّا زاغوا أزاغ اللَّه قلوبهم .٣ .

« و سكر سكر الضلالة » قال تعالى : . فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله .٤ .

أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً .٥ و لذا حكي عن أمير المؤمنين دعاؤهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا .٦ .

« و من شاق و عرت » بالضم أي : صعبت .

« عليه طرقه و اعضل » أي : اشتد .

« عليه أمره » حتى لا يهتدي لوجه .

« و ضاق عليه » هكذا في ( المصرية ) و كلمة ( عليه ) زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) .

« مخرجه » و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير

____________________

( ١ ) غافر : ٣٥ .

( ٢ ) غافر : ٥٦ .

( ٣ ) الصف : ٥ .

( ٤ ) آل عمران : ٧ .

( ٥ ) فاطر : ٨ .

( ٦ ) آل عمران : ٨ .

٥٦٨

سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا١ .

« و الشك على أربع شعب » : على نقل المصنف يكون الشك غير الكفر و على نقل ( الكتب الثلاثة ) و ( الغارات ) هو الدعامة الثالثة من دعائم الكفر .

« على التماري » و هو المريّة أي : الجدل .

« و الهول » أي : الفزع و في ( الصحاح ) قال أبو عبيدة كان في الجاهلية لكلّ قوم نار و عليها سدنة فكان إذا كان بين رجلين خصومة جاءوا بالرجل إلى النار فيحلف عندها و كان السدنة يطرحون فيها ملحا من حيث لا يشعر يهولون بها عليه ، قال أوس :

كما صدر عن نار المهول حالف .

و اسم تلك النار ( الهولة ) بالضم قال الكميت :

كهولة ما أوقد المحلفون

لدى الحالفين و ما هولوا

و في الأساس : قال حميد يصف الفيل :

ان الذي يركبه محمول

على تهاويل لها تهويل

و قال بشر و ذكر الظعائن :

عليهن أمثال الخداري خلقة

من الريط و الرقم التهاويل كالدم

« و التردد » قال في المرآة : « أي التردد بين الحق و الباطل لأن الشاك متردد بينهما قد يختار هذا و قد يختار ذاك » الخ و الأظهر كون المراد التردد في الشكوك الباطلة .

« و الاستسلام » أي : الانقياد .

« فمن جعل المراء دينا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( ديدنا ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) اي عادة .

____________________

( ١ ) النساء : ١١٥ .

٥٦٩

« لم يصبح ليله » أي : لم يخرج من ليل العقائد الباطلة إلى صبح العقائد الحقة ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات اللَّه انّى يصرفون١ .

« و من هاله ما بين يديه نكص » أي : رجع .

« على عقبيه » و كلامه عليه السّلام قياس مضمر أي : الكافر لكونه شاكّا يهوله ما بين يديه من الوظائف الدينية من الصلاة و الزكاة و الصيام و الحجّ و الجهاد ،

و كلّ من هاله ما بين يديه نكص على عقبيه فهو أيضا ينكص إلى الانهماك في شهوات الدنيا قال تعالى : فاعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلاّ الحياة الدنيا٢ .

« و من تردد في الريب وطئته » من ( وطئت الشي‏ء برجلي ) .

« سنابك » جمع سنبك طرف مقدّم الحافر .

قال تعالى : و إذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم و قال لا غالب لكم اليوم من الناس و اني جار لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه .٣ .

و من يتخذ الشيطان وليّا من دون اللَّه فقد خسر خسراناً مبيناً يعدهم و يمنيهم و ما يعدهم الشيطان إلاّ غروراً٤ .

« و من استسلم لهلكة الدنيا و الآخرة هلك فيهما » و من الناس من يعبد اللَّه على حرف فان أصابه خير اطمأن به و ان أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين٥ .

قال الرضي : الظاهر عدم كونه كلام المصنف حيث ليس في ( الخطّية )

____________________

( ١ ) غافر : ٦٩ .

( ٢ ) النجم : ٢٩ .

( ٣ ) الانفال : ٤٨ .

( ٤ ) النساء : ١١٩ ١٢٠ .

( ٥ ) الحج : ١١ .

٥٧٠

رأسا و في ( ابن ميثم ) ( قال السيد ) .

« و بعد هذا كلام » زاد ابن ميثم ( طويل ) « تركنا ذكره » قد عرفت انّه كان قبل هذا أيضا كلام ترك ذكره الدعامة الأولى من الكفر و هي الفسق مع شعبه الأربع ، الجفاء و العماء و الغفلة و العتو ،

كما ترك بينها فقرئت كما عرفت .

و أما ما تركه بعد هذا الكلام فالدعامة الرابعة من الكفر ، و هي الشبهة مع شعبه الأربع ففي ( التحف ) بعد ما مر « و الشبهة على أربع شعب : على اعجاب بالزينة و تسويل النفس و تأوّل العوج و لبس الحق بالباطل ، و ذلك ان الزينة تصدف عن البيّنة ، و تسويل النفس تقحم إلى الشهوة ، و العوج يميل بصاحبه ميلا عظيما ، و اللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر و دعائمه و شعبه » و مثله ( الكافي ) و ( الخصال ) و ( الغارات ) .

و بعده أيضا في ( الثلاثة ) و ( الغارات ) ( و النفاق على أربع دعائم : على الهوى و الهوينا و الحفيظة و الطمع و الهوى من ذلك على أربع شعب : على البغي و العدوان و الشهوة و الطغيان ، فمن بغى كثرت غوائله و غلابه ، و من اعتدى لم تؤمن بوائقه و لم يسلم قلبه ، و من لم يعدل نفسه عن الشهوات خاض في الخبيثات ، و من طغى ضلّ على غير يقين و لا حجّة .

و الهوينا على أربع شعب : الهيبة و الغرة و المماطلة و الأمل ، و ذلك لأن الهيبة ترد عن الحق ، و المماطلة تفرط في العمل حتى يقدم عليه الأجل ، و لو لا الأمل علم الانسان حساب ما هو فيه ، و لو علم حساب ما هو فيه مات خفاتا من الهول و الوجل و الحفيظة على أربع شعب : الكبر و الفخر و الحميّة و العصبية ،

فمن استكبر أدبر عن الحق ، و من فخر فجر و من حمى أصرّ على الذنوب ، و من أخذته العصبية جار فبئس الأمر أمر بين الاستكبار و الادبار و فجور و جور

٥٧١

و الطمع على أربع شعب : الفرح و المرح و اللجاجة و التكبر ( التكاثر ط ) فالفرح مكروه عند اللّه عز و جل ، و المرح خيلاء و اللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حبائل الآثام ، و التكاثر لهو و لعب و شغل و استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ،

فذلك النفاق و دعائمه و شعبه » .

« خوف الاطالة » إذا كان شي‏ء داخلا في موضوع كتاب لا وجه لتركه خوف الاطالة .

« و الخروج عن الغرض المقصود في هذا الباب » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( الكتاب ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ، و كيف كان فلم يعلم كون ما ترك أدون ممّا نقل في جامعيته للبلاغة الكاملة .

٢٧

الخطبة ( ١٨٩ ) أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ أُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ اَلنِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ اَلضَّالُّونَ اَلْمُضِلُّونَ وَ اَلزَّالُّونَ اَلْمُزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَ يَفْتَنُّونَ اِفْتِنَاناً وَ يَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ وَ يَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وَ صِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ اَلْخَفَاءَ وَ يَدِبُّونَ اَلضَّرَاءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَ قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَ فِعْلُهُمُ اَلدَّاءُ اَلْعَيَاءُ حَسَدَةُ اَلرَّخَاءِ وَ مُؤَكِّدُو اَلْبَلاَءِ وَ مُقْنِطُو اَلرَّجَاءِ لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ وَ إِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ وَ لِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ يَتَقَارَضُونَ اَلثَّنَاءَ وَ يَتَرَاقَبُونَ اَلْجَزَاءَ إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا وَ إِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا وَ إِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً وَ لِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلاً وَ لِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلاً وَ لِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً وَ لِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً يَتَوَصَّلُونَ إِلَى اَلطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ وَ يُنْفِقُوا بِهِ أَعْلاَقَهُمْ يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ وَ يَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ قَدْ هَوَّنُوا اَلطَّرِيقَ

٥٧٢

وَ أَضْلَعُوا اَلْمَضِيقَ فَهُمْ لُمَةُ اَلشَّيْطَانِ وَ حُمَةُ اَلنِّيرَانِ أُولئِكَ حِزْبُ اَلشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اَلشَّيْطانِ هُمُ اَلْخاسِرُونَ ٧١ ٥ ٥٨ : ١٩ « أوصيكم عباد اللَّه بتقوى اللَّه » لأنّه لا نجاة لغيرهم و ان منكم إلاّ واردها كان على ربك حتماً مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا٢ .

« و احذّركم أهل النفاق » في ( غريب قرآن ) السجستاني ، النفاق مأخوذ من النفق و هو السرب٣ : أي : يتستر بالإسلام كما يتستر الرجل في السرب و يقال هو من « نافق اليربوع و نفق » إذا دخل نافقاءه فإذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء ، و إذا طلب من القاصعاء خرج من النافقاء ، و النافقاء و القاصعاء و الراهطاء و الداماء اسماء جحر اليربوع .

« فانهم الضالون المضلون و الزالون المزلون » في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه ان ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الذي أراد ، فحوله في موضع آخر فلم يستقم له فكان آخر ذلك ان أحرقه بالنار .

« يتلونون الوانا » في ( عيون ) ابن قتيبة : أقبل عيينة بن حصن إلى المدينة قبل إسلامه فلقيه ركب خارجون منها ، فقال : أخبروني عن هذا الرجل يعني النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقالوا : الناس فيه ثلاثة رجال : رجل أسلم فهو معه ، يقاتل قريشا و افناء العرب ، و رجل لم يسلم فهو يقاتله ، و رجل يظهر الاسلام إذا لقي أصحابه و يظهر لقريش انه معهم إذا لقيهم ، فقال : ما يسمّى هؤلاء ؟ قالوا :

____________________

( ١ ) المجادلة : ١٩ .

( ٢ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

( ٣ ) غريب القرآن لأبوبكر السجستاني : ١٩٩ ، طبع محمد صبيح ، القاهرة ١٩٦٣ م .

٥٧٣

المنافقون قال : فاشهدوا اني منهم ، فما في من وصفتم أحزم من هؤلاء .

« و يفتنّون افتنانا » في ( الاستيعاب ) : كان الجد بن قيس ممّن يغمص عليه النفاق ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : للناس اغزوا الروم تنالوا بنات الأصفر ، فقال : قد علمت الأنصار اني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى افتتن و لكن أعينك بمالي فنزل و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني ألا في الفتنة سقطوا .١ و كان قد ساد في الجاهلية جميع بني سلمة فانتزع النبي صلّى اللَّه عليه و آله سودده و سود فيهم عمرو بن الجموع و في ( الاسد ) اصابت يزيد بن حاطب بن عمرو الأشهلي يوم أحد جراحة فأتي به إلى دار قومه و هو بالموت فجعل المسلمون من الرجال و النساء يقولون له : ابشر بالجنّة فقال أبوه : و نجم نفاقه يومئذ بأيّ شي‏ء تبشّرونه بالجنّة من حرمل غررتم هذا الغلام عن نفسه ) و حرمل حبّ يدخن به .

« و يعمدونكم » من ( عمدت الشي‏ء ) أقمته .

« بكلّ عماد » لتساعدوهم على أغراضهم .

« و يرصدونكم بكلّ مرصاد » لاهلاككم .

و ارصاد المنافقين ليلة العقبة لإهلاك النبي صلّى اللَّه عليه و آله في منصرفه من تبوك ،

و اخبار النبي صلّى اللَّه عليه و آله بهم حذيفة معروف ففي ( الخصال ) مسندا عن حذيفة قال :

الذين نفروا بالنبي صلّى اللَّه عليه و آله ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر : أبو الشرور ،

و أبو الدواهي ، و أبو المعازف و أخوه طلحة و سعد و أبو عبيدة و أبو الأعور و المغيرة و سالم مولى أبي حذيفة و خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و أبو موسى و عبد الرحمن بن عوف و هم الذين أنزل تعالى فيهم : . و همّوا بما لم

____________________

( ١ ) التوبة : ٤٩ .

٥٧٤

ينالوا .١ .

و عن ( الجامع الكبير ) ، قال أبو الطفيل : كان بين حذيفة و بين رجل من أهل العقبة ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك اللَّه كم كان أصحاب العقبة ؟ قال أبو موسى : قد كنّا نخبر انّهم أربعة عشر ، فقال حذيفة و ان كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر .

و في ( الاستيعاب ) كان جلاس بن سويد ممّن تخلّف من المنافقين في غزوة تبوك ، و كان يثبّط الناس عن الخروج و يقول : ان كان محمّد صادقا لنحن شرّ من الحمير ، فسمعه عمير بن سعد و كان يتيما في حجر جلاس و أمه تحته فقال : لجلاّس كنت أعزّ الناس على أن يدخل عليه شي‏ء يكرهه و قلت مقالة ان ذكرتها لأفضحنك ، و ان كتمتها هلكت و احداهما أهون عليّ فذكر للنبي صلّى اللَّه عليه و آله كلامه فبعث النبي صلّى اللَّه عليه و آله إلى الجلاس فسأله فحلف ما تكلّم به و عمير كاذب و كان حاضرا فقام و قال : اللّهم انزل على نبيك بيان ما تكلمت به فانزل تعالى : يحلفون باللَّه ما قالوا و لقد قالوا كلمة الكفر .٢ الآية « قلوبهم دوية » بالتخفيف أي : فاسدة من الداء .

« و صفاحهم » أي : بشرة جلدهم .

« نقية » أي : نظيفة قال تعالى في المنافقين :

و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشب مسندة .٣ .

هذا ، و في قصّة يوذاسف و بلوهران ملكا كان خيّرا أراد تنبيه وزرائه

____________________

( ١ ) التوبة : ٧٤ .

( ٢ ) التوبة : ٧٤ .

( ٣ ) المنافقون : ٤ .

٥٧٥

على خطأ لهم فأمر بأربعة توابيت ، فصنعت له من خشب فطلى تابوتين منها بالقار و تابوتين منها بالذهب ، فلمّا فرغ منها ملأ تابوتي القار ذهبا و ياقوتا و زبرجدا ، و ملأ تابوتي الذهب جيفا و دما و عذرة ، ثم جمع وزراءه فعرضها عليهم ، و أمرهم بتقويمها فقالوا في مبلغ علمنا ان تابوتي الذهب لا ثمن لهما لفضلهما و تابوتي القار لا ثمن لهما لرذالتهما فأمر الملك بتابوتي القار فنزعت عنهما صفائحهما فأضاء البيت ممّا فيهما من الجواهر فقال لهم : هذا مثل قوم ازدريتم بلباسهم و ظاهرهم و هم مملوؤون علما و حكمة و صدقا و برّا و ساير مناقب الخير التي هي أفضل من الياقوت و اللؤلؤ و الجوهر و الذهب ثم أمر بتابوتي الذهب فنزع عنهما أبوابهما فاقشعروا من سوء منظرهما و تأذوا بريحهما و نتنهما فقال الملك : هذا مثل القوم المتزينين بظاهر الكسوة و اللباس و أجوافهم مملوءة جهالة و عمى و كذبا و جورا و ساير أنواع الشر التي هي أفظع و أشنع و أقذر من الجيف و العذرة و لشاعر جاهلي :

ان يغدروا أو يكذبوا

أو يختروا لا يحفلوا

يغدوا عليك مرجلين

كأنّهم لم يفعلوا

« يمشون الخفاء » قال ابن أبي الحديد الخفاء منصوب بنزع الخافض .

قلت : بل الظاهر انّه مفعول مطلق كما في قولهم ( رجعت القهقرى ) .

« و يدبون » من قولهم ( دب الشيخ ) مشى رويدا .

« الضراء » قال : ابن أبي الحديد الضراء شجر الوادي الملتف و هذا مثل يضرب لمن يختل صاحبه ، يقال : ( هو يدب له الضرّاء و يمشي له الخمر ) و تبعه ابن ميثم فقال ( و الضراء ما واراك من الشجر الملتف ) و تبعه الخوئي فقال : ( يقال « فلان يدب له الضراء » إذا أراد بصاحبه سوء و أذى من حيث لا يعلم كمن يمشي في الشجر الملتف الساتر للاصطياد ) .

٥٧٦

قلت : ( الضراء ) انما هي نقيض السراء و لا تجي‏ء إلاّ بمعنى الشدّة ، و لم يذكر ( الصحاح ) و ( القاموس ) و ( الأساس ) و ( المصباح ) و غيرها معنى لها غير ذلك ، و هذا نص ( الصحاح ) ( البأساء و الضراء الشدّة و هما اسمان مؤنثان من غير تذكير ) و ما قاله ابن أبي الحديد خلط عجيب من قول الجوهري في ( الخمر ) فقال ثمة : « الخمر بالتحريك ما واراك من شجر يقال : ( توارى الصيد مني في خمر الوادي ) قال ابن السكيت :

خمره ما واراه من جرف أو حبل من حبال الرمل أو شجر أو شي‏ء و منه قولهم : ( دخل فلان في خمار الناس ) أي في ما يواريه و يستره منهم ، و يقال للرجل : إذا اختل صاحبه ( هو يدب له الضراء و يمشي له الخمر ) فرأى ابن أبي الحديد كلام الصحاح في ( خمر ) و ذكره المثل الجامع للخمر و للضراء فتوهّم ان المعنى للضراء مع انّه الخمر كما ان تبعية ابن ميثم و الخوئي له تقليد غريب كيف لم يراجعا كتاب لغة حتى يريا ان أحدا لم يقل ذلك .

ثم ان ابن أبي الحديد قال : نصب ( الضراء ) أيضا بنزع الخافض مثل ( الخفاء ) مع انّك قد عرفت ثمة ان النصب بالمفعول المطلق النوعي و هذا مثله .

هذا ، و في كتاب بديع الهمداني إلى مسكويه « قصاراهم نار يشببونها أو عقرب يدببونها » .

« وصفهم دواء و قولهم شفاء و فعلهم الداء العياء » الذي يعجز الطبيب عن علاجه .

و في ( الأغاني ) ، كان بين المغيرة بن شعبة و مصقلة بن هبيرة تنازع فضرع له المغيرة و تواضع في كلامه حتى طمع فيه مصقلة و استعلى عليه فشتمه و قذفه فقدّمه المغيرة إلى شريح و هو القاضي يومئذ فأقام عليه الحد فضربه الحد فآلى مصقلة ألا يقيم ببلدة فيها المغيرة ما دام حيّا .

٥٧٧

و خرج إلى بني شيبان فنزل فيهم إلى ان مات المغيرة ثم دخل الكوفة فتلقاه قومه و سلّموا عليه فما فرغ من التسليم حتى سألهم عن مقابر ثقيف فارشدوه إليها فجعل قوم من مواليه يلتقطون له الحجارة فقال : ما هذا ؟ قالوا :

ظننا انّك تريد أن ترجم قبره فقال : القوا ما في أيديكم ، فتلقوه و انطلق حتى وقف على قبره ثم قال مشيرا إلى قبر المغيرة : « أما و اللَّه لقد كنت ما علمت نافعا لصديقك ضارا لعدوّك و ما مثلك إلاّ كما قال مهلهل في أخيه كليب :

ان تحت الأحجار حزما و عزما

و خصيما ألد ذا معلاق

حية في الوجار أربد لا

ينفع منه السليم نفث الراقي

« حسدة الرخاء » استدل له بقوله تعالى : ان تمسسكم حسنة تسؤهم و ان تصبكم سيئة يفرحوا بها .١ .

« و مؤكدوا البلاء » قال تعالى في الأحزاب و المنافقين : و إذا يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللَّه و رسوله إلاّ غرورا و إذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا و يستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة و ما هي بعورة ان يريدون إلاّ فرارا و لو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها و ما تلبَّثوا بها إلاّ يسيرا و لقد كانوا عاهدوا اللَّه من قبل لا يولون الأدبار و كان عهد اللَّه مسؤولا٢ .

« لهم بكل طريق صريع » أي : هالك .

و في ( الطبري ) ، قال محمد بن سليم : سألت أنس بن سيرين هل كان سمرة بن جندب قتل أحدا ؟ قال : و هل يحصى من قتله سمرة استخلفه زياد على البصرة و أتى الكوفة فجاء و قد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له : هل

____________________

( ١ ) آل عمران : ١٢٠ .

( ٢ ) الاحزاب : ١٢ ١٥ .

٥٧٨

تخاف أن تكن قد قتلت أحدا بريئا ؟ قال : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت .

و عن أبي سوار العدوي ، قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة و أربعين رجلا قد جمع القرآن .

و عن عوف قال : أقبل سمرة من المدينة فلمّا كان عند دور بني أسد خرج رجال من بعض أزقّتهم ففجأ أوائل الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة ثم مضت الخيل ، فأتى عليه سمرة و هو متشحط في دمه فقال :

ما هذا ؟ فقيل : أصابته أوائل خيل الأمير ، قال إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا .

و عن مسلم العجلي قال : مررت بالمسجد فجاء رجل إلى سمرة فأدّى زكاة ماله ثم دخل فجعل يصلّي في المسجد فجاء رجل فضرب عنقه فإذا رأسه في المسجد و بدنه ناحية فمر أبو بكرة فقال : يقول سبحانه تعالى قد أفلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلّى١ قال فما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير فمات شرّ ميتة .

و عنه شهدت سمرة و أتى بناس كثير و اناس بين يديه فيقول للرجل ما دينك ؟ فيقول : ( اشهد ان لا إله إلاّ اللّه و ان محمّدا رسول اللّه و اني بري‏ء من الحرورية ) فيقدم فيضرب عنقه حتى مربضعة و عشرون .

و فيه مات زياد و سمرة على البصرة خليفته فأقرّه معاوية ثمانية عشر شهرا ثم عزله ، فقال سمرة : لعن اللّه معاوية و اللّه لو أطعت اللّه كما أطعت معاوية ما عذّبني أبدا .

« و إلى كلّ قلب شفيع » لانجاح مقاصدهم .

و في ( الطبري ) قدم المغيرة على معاوية و استعفاه و شكا إليه الضعف

____________________

( ١ ) الاعلى : ١٤ ١٥ .

٥٧٩

فأعفاه ، و أراد أن يولّي سعيد بن العاص و بلغ كاتب المغيرة ذلك فأتى سعيدا فأخبره و عند سعيد رجل فأتى المغيرة و قال له : رأيت كاتبك عند سعيد يخبره ان معاوية يوليه الكوفة ؟ قال المغيرة : أفلا يقول كما قال :

أم غاب ربك فاعترتك خصاحه

و لعلّ ربك أن يعود مؤيدا

رويدا ادخل على يزيد فدخل عليه فعرض له بالبيعة فأدّى ذلك يزيد إلى أبيه فرد معاوية المغيرة إلى الكوفة فأمره ان يعمل في بيعة يزيد فشخص المغيرة إلى الكوفة و عمل في بيعة يزيد و أوفد في ذلك وافدا إلى معاوية .

« و لكل شجو » أي : الهمّ و الحزن ، قال ابن داود :

من لعين بدمعها موليه

و لنفس بما عناها شجية

و قال آر : « اني أتاني خبر فاشجان » .

« دموع » كاذبة فجاؤا أباهم عشاءً يبكون١ و بعض السائلين يستعملون أدوية لاجراء الدموع حتى يرقّ الناس لهم و يعطونهم .

« يتقارضون الثناء و يتراقبون الجزاء » على ثنائهم .

في ( الطبري ) في ذكر يوم السقيفة في خبر قال أبو بكر : هذا عمر ، و هذا أبو عبيدة أيّهما شئتم فبايعوا ، فقالا : لا نتولّى هذا الأمر عليك فانّك أفضل المهاجرين و ثاني اثنين إذ هما في الغار و خليفة النبي على الصلاة ، و الصلاة أفضل ما في دين الاسلام ، فمن ذا ينبغي له أن يتقدّمك أو يتولى هذا الأمر عليك و في خبر آخر قال عمر لأبي بكر : ابسط يدك أبايعك ، فقال أبو بكر : بل أنت يا عمر أقوى لها مني و كان كلّ واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ، ففتح عمر يد أبي بكر و قال : ان لك قوّتي مع قوّتك .

و في ( العقد ) : ان عثمان لمّا أراد أن يقرأ عهد أبي بكر قال له رجل : اقرأه ،

____________________

( ١ ) يوسف : ١٦ .

٥٨٠